الحديث النبوي في النحو العربي

الدكتور محمود فجال

الحديث النبوي في النحو العربي

المؤلف:

الدكتور محمود فجال


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٨٤

ومنه قول الشاعر :

تعدّ لكم جزر الجزور رماحنا

ويرجعن بالأكباد منكسرات

قال «ابن مالك» في «شواهد التوضيح» : ١٣٩ :

مما خفي على أكثر النحويين استعمال «رجع» كـ «صار» معنى وعملا ، ومنه الحديث : «لا ترجعوا ...» وقول الشاعر :

قد يرجع المرء بعد المقت ذا مقة

بالحلم فادرأ به بغضاء ذي إحن (١)

 وقال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (فاستحالت غربا) (٢).

فاستحالت بمعنى : صارت.

وقال الشاعر :

إن العداوة تستحيل مودّة

تدارك الهفوات بالحسنات

 وألحق قوم ، منهم «الزمخشري» و «أبو البقاء» و «الجزولي» و «ابن عصفور» بأفعال باب «كان» وأخواتها : (غدا ، وراح) بمعنى : (صار) ، أو بمعنى (وقع فعله في الغدوّ والرواح).

__________________

(١) المقت : البغض. المقة : المحبة. الإحنة : الحقد ، وجمعها : إحن.

(٢) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب فضائل الصحابة) ٤ : ١٩٣ ، وفي (كتاب التوحيد ـ باب في المشيئة والإرادة) ٨ : ١٩٣. و «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب فضائل الصحابة ـ باب من فضائل عمر ـ رضي‌الله‌عنه) ٧ : ١١٣.

و «الترمذي» في «سننه» في (أبواب الرؤيا ـ باب ما جاء في رؤيا النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ في الميزان والدّلو) ٣ : ٣٦٩ و «أحمد» في «مسنده» ٢ : ٢٨ ، ٣٩ ، ٨٩ ، ١٠٤ ، ١٠٧ ، ٣٦٨ ، ٤٥٠ ، ٥ : ٤٥٥ عن عبد الله بن عمر ، وعن أبي الطفيل.

«الغرب : بسكون الراء ، الدلوّ العظيمة التي تتّخذ من جلد ثور. وبفتح الراء ، الماء السائل بين البئر والحوض. (لسان العرب ـ غرب).

١٨١

وجعل من ذلك حديث : «لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا ، وتروح بطانا» (١)

وحديث : «اغد عالما» (٢).

تقول : غدا زيد ضاحكا ، وراح عبد الله منطلقا ، أي : صار في حال ضحك وانطلاق.

ومنع ذلك الجمهور ، منهم «ابن مالك» ، وقالوا : المنصوب بعدها حال ، إذ لا يوجد إلا نكرة.

ومن كلام العرب : (شحذ شفرته حتى قعدت كأنها حربة) الشاهد :قعدت ، أي : صارت كأنها حربة.

وحكى «سيبويه» (٣) عن بعضهم : «ما جاءت حاجتك» (٤) بالنصب والرفع ، بمعنى : ما صارت.

__________________

(١) أخرجه «ابن ماجه» في «سننه» في (كتاب الزهد ـ باب التوكل واليقين) ٢ : ١٣٩٤

و «الترمذي» في «سننه» في (أبواب الزهد ـ باب ما جاء في الزّهادة في الدنيا) ٤ : ٤ ، وقال :

هذا حديث حسن صحيح ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

و «أحمد» في «مسنده» ١ : ٣٠ ، ٥٢.

عن عمر بن الخطاب. انظر «تمييز الطيب من الخبيث» ١١٣.

(٢) الحديث بتمامه : «اغد عالما ، أو متعلما ، أو مستمعا ، أو محبّا ، ولا تكن الخامسة فتهلك».

قال «السيوطي» في «الجامع الصغير» : رواه «البزار» في «مسنده» ، و «الطبراني» في «الأوسط» ، عن أبي بكرة.

وقال «المناوي» في «فيض القدير» ٢ : ١٧ :

بل رواه «الطبراني» في معاجمه الثلاثة ، قال «الهيثمي» ورجاله موثقون. انظر «مجمع الزوائد» في (كتاب العلم ـ باب في فضل العالم والمتعلم) ١ : ١٢٢ قال الحافظ «أبو زرعة العراقي» في (المجلس الثالث والأربعين بعد الخمسمائة) من إملائه : هذا حديث فيه ضعف ، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة.

(٣) الكتاب ١ : ٢٤.

(٤) ذكر «الدماميني» أن «الأندلسي» قال : «جاء» لا تستعمل بمعنى «صار» إلا في خصوص هذا التركيب ، فلا يقال : جاء زيد قائما ، بمعنى : صار ، وأن «ابن الحاجب» طرده في غيره وجعل منه : جاء البر قفيزين.

ونقل هذا «السيوطي» في «الهمع» عن قوم. ا ه من حاشية «الصبان» على «شرح الأشمونيّ» ١ : ٢٢٩.

١٨٢

فالنصب على أن «ما» استفهامية مبتدأ. وفي «جاءت» ضمير يعود على «ما» ، فأوقع التأنيث على ضمير «ما» ، لأنها هي الحاجة ، وذلك الضمير هو اسم «جاءت».

و «حاجتك» : خبر ، والتقدير : أية حاجة صارت حاجتك؟

والرفع ، على أن «حاجتك» اسم «جاءت» ، و «ما» خبرها.

مسألة (٢٣)

في حذف «كان» واسمها (١)

ليس بين النواسخ (أعني : كان وأخواتها) ما يجوز حذفه وحده أو مع أحد معموليه ، أو مع معموليه إلا «ليس ، وكان» أما حذفها مع اسمها دون خبرها فجائز ، وكثير بعد «إن» و «لو» الشرطيتين. والحديث : «التمس ولو خاتما من حديد» (٢) شاهد لحذف «كان».

مع اسمها بعد «لو» الشرطية ، والتقدير : ولو كان ما تلتمس خاتما ؛ أي :الملتمس. و «لو» خاصة بالفعل. ومن هذا القبيل قول الشاعر :

لا يأمن الدهر ذو بغي ولو ملكا

جنوده ضاق عنها السّهل والجبل

أي : ولو كان الباغي ملكا.

__________________

(١) موارد المسألة : «شرح الأشموني» ١ : ٢٤٢ ، و «مغنى اللبيب» ٣٥٣ ، ٨٢٧ ، «شرح شذور الذهب» ١٨٧ ، و «شرح قطر الندى» ١٩٦ ، و «أمالي السهيلي» ٩٧ ، «النحو الوافي» ١ : ٥٨٤.

(٢) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب النكاح ـ باب التزويج على القرآن وبغير صداق) ٦ : ١٣٨ ، بلفظ : «فاطلب ولو خاتما من حديد» ، و «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب النكاح ـ باب الصداق) ٤ : ١٤٣ ، بلفظ : «انظر ولو خاتما من حديد» و «أبو داود» في «سننه» في (كتاب النكاح ـ باب في التزويج على العمل يعمل) ٢ : ٢٣٦. و «النسائي» في «سننه» في (كتاب النكاح ـ باب هبة المرأة نفسها لرجل بغير صداق) ٦ : ١٢٣ ، و «الترمذي» في «سننه» في (أبواب النكاح ـ باب ما جاء في مهور النساء) ٢ : ٢٩١ ، و «أحمد» في «مسنده» ٥ : ٣٣٦ ، من حديث : «سهل بن سعد الساعدي».

١٨٣

مسألة (٢٤)

في حذف «النون» من مضارع «كان» (١)

إذا دخل جازم على مضارع «كان» فإنه يجزمه ، وتحذف الواو التي قبل النون. نحو : «لم أكن» ، وأصل الفعل بعد الجازم : «لم أكون» فهو مجزوم بالسكون على النون ، فالتقى ساكنان : الواو والنون ، فحذفت الواو وجوبا ، للتخلص من التقاء الساكنين.

ويجوز بعد ذلك حذف النون ، (٢) تخفيفا ، نحو : لم أك ، ونحو قول «النابغة الذبياني» :

فإن أك مظلوما فعبد ظلمته

وإن تك ذا عتبى فمثلك يعتب (٣)

وهذا الحذف جائز ، سواء وقع بعدها حرف هجائي ساكن ، نحو : (لم أك الذي ينكر المعروف) ، أو وقع بعدها حرف هجائي متحرك ، نحو : (لم أك ذا منّ) ، إلا إن كان الحرف المتحرك ضميرا متصلا فيمتنع حذف النون ، كقوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (إن يكنه فلن تسلط عليه ، وإن لا يكنه فلا خير لك في قتله) (٤).

فلا يجوز في مثل ذلك حذف النون ، فلا يصح : إن يكه ، وإلا يكه. وإن كان غير ضمير متصل جاز الحذف والإثبات ، نحو : (لم يكن زيد قائما) و (لم يك زيد قائما)

__________________

(١) موارد المسألة : «شرح ابن عقيل» ١ : ٣٠ ، و «شرح الأشموني» ١ : ٢٤٥ ، و «أوضح المسالك» ١ : ١٩١ و «شرح شذور الذهب» : ١٨٨ ، و «النحو الوافي» ١ : ٥٨٨.

(٢) ملخص شروط حذف النون ستة : كونها في مضارع ، مجزوم ، وجزمه بالسكون عند اتصاله في النطق بما بعده (أي : في حالة الوصل ، لا الوقف ؛ لأن النون في حالة الوقف ترجع وتظهر) ، وليس بعده ساكن عند من يشترط هذا «كسيبويه» ـ وغيره لا يشترط هذا ـ ولا ضمير متصل.

(٣) البيت من قصيدة «النابغة» يمدح بها «النعمان بن المنذر» ، ويعتذر له عن وشاية بلغته. (العتبى :

الرضا. يعتب : يزيل أسباب العتاب بالرضا ، وقبول العذر).

(٤) تقدم تخريجه في (مسألة : ١٠) (في اجتماع ضميرين هل الأولى اتصالهما أم انفصالهما).

١٨٤

وتسري هذه الأحكام على المضارع الذي ماضيه «كان» الناقصة ، والذي ماضيه «كان» التامة.

مسألة (٢٥)

في تخريج حديث أورده الشاطبي في شرحه

أورد «أبو إسحاق الشاطبي» في «شرحه» الحديث التالي : «كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل» (١).

__________________

(١) أخرجه «أحمد» في «مسنده» ٥ : ١١٠ :

أخبرنا «أيوب» عن «حميد بن هلال» عن رجل من «عبد القيس» كان مع الخوارج ، ثم فارقهم ، قال : دخلوا قرية ، فخرج «عبد الله بن خباب» ذعرا يجر رداءه ، فقالوا : لم ترع ، قال : والله لقد رعتموني ، قالوا : أنت عبد الله بن خباب ـ صاحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ؟ قال : نعم ، قال : فهل سمعت من أبيك حديثا يحدثه عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ تحدثناه؟ قال : نعم سمعته يحدث عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه ذكر فتنة القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي. قال : فإن أدركت ذاك فكن عبد الله المقتول. قال «أيوب» : ولا أعلمه إلا قال : ولا تكن عبد الله القاتل ، قالوا : أأنت سمعت هذا من أبيك يحدثه عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ؟ قال :

نعم ، قال : فقدّموه على ضفة النهر فضربوا عنقه ، فسال دمه كأنه شراك نمل ما ابذقر ، وبقروا أم ولده عما في بطنها.

«ما ابذقر : يعني لم يتفرق».

وفي «التلخيص الحبير» ٤ : ٩٤ : وقد روى «الطبراني» من حديث «شهر بن حوشب» عن «جندب بن سفيان» في حديث قال في آخره : «فكن عبد الله المقتول» ومن حديث «خباب» مثل هذا. وزاد : «ولا تكن عبد الله القاتل» ورواه «أحمد» و «الحاكم» و «الطبراني» أيضا ، و «ابن قانع» من حديث «حماد بن سلمة» : عن «علي بن زيد» عن «أبي عثمان» عن «خالد بن عرفطة» بلفظ :

«ستكون فتنة بعدي ، وأحداث واختلاف ، فإن استطعت أن تكون عبد الله المقتول ، لا القاتل فافعل».

و «علي بن زيد» هو «ابن جدعان» ضعيف ، لكن اعتضد ، كما ترى. انظر «مسند أحمد» ٥ : ٢٩٢.

١٨٥

مسألة (٢٦)

في توسط خبر «كان» وأخواتها (١)

الترتيب ـ في باب كان وأخواتها ـ واجب بين الناسخ واسمه. أما في الخبر فالأصل تأخير الخبر ، وأما توسطه بين الفعل والاسم فجائز في جميع أفعال هذا الباب ، كقوله تعالى : (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)(٢) وقال «السّموأل» :

سلي إن جهلت النّاس عنّا وعنهم

فليس سواء عالم وجهول

وكقول الآخر :

لا طيب للعيش ما دامت منغّصة

لذّاته بادّكار الموت والهرم

وأما التقديم فجائز إلا مع «دام» ، ومع المقرون بـ «ما» النافية ، ومع «ليس» ، تقول : (عالما كان زيد) و (فاضلا لم يزل عمرو). ولا يجوز ذلك في (دام) لأنها لا تعمل إلا مع «ما» المصدرية ، و «ما» هذه ملتزمة صدر الكلام ، وألّا يفصل بينها وبين صلتها بشيء فلا يجوز معها تقديم الخبر على «دام» وحدها ، ولا عليها مع «ما».

ومثل «دام» في ذلك كلّ فعل قارنه حرف مصدري ، نحو : (أريد أن تكون فاضلا) ، وكذلك المقرون بـ «ما» النافية ، نحو : (ما زال زيد صديقك) و (ما برح عمرو أخاك) فالخبر في نحو هذا لا يجوز تقديمه على «ما» (٣) ، لأن

__________________

(١) موارد المسألة : «شرح ابن الناظم» ٥٣ ، و «شرح الشاطبي» و «إعراب الحديث» ١٦٤.

(٢) الروم : ٤٧.

(٣) وفي «أوضح المسالك» ١ : ١٧٣ : ويمتنع التقديم للخبر على «ما» عند البصريين و «الفراء» ، وأجازه بقية الكوفيين. وخصّ «ابن كيسان» المنع بغير زال وأخواتها ؛ لأن نفيها إيجاب ، وعمّم «الفراء» المنع في حروف النفي ، ويردّه قول «المعلوط القريعي» :

ورجّ الفتى للخير ما إن رأيته

على السّنّ خيرا لا يزال يزيد

١٨٦

لها صدر الكلام. ويجوز توسط بين «ما» والفعل ، نحو : (ما قائما كان زيد) كقوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «فو الله ما الفقر أخشى عليكم» (١).

قال «العكبريّ» : (الفقر) منصوب بـ (أخشى) تقديره : ما أخشى عليكم الفقر. والرفع ضعيف ، لأنه لا يحتاج إلى ضمير يعود عليه ، وإنما يجيء ذلك في الشعر ، وتقدير ذلك : ما الفقر أخشاه عليكم ، أي : ما الفقر مخشيا عليكم. وهو ضعيف.

مسألة (٢٧)

في أنّ «كان» ليست لمجرد الزمان

قال «الشاطبي» في «شرحه» :

لو كانت «كان» لمجرد الزمان لم يغن منها اسم الفاعل ، كما في الحديث :

«إن هذا القرآن كائن لكم أجرا ... وكائن عليكم وزرا» (٢).

__________________

(١) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب المغازي) ٥ : ١٩ ، و «مسلم» في «صحيحه» في أوائل (كتاب الزهد والرقاق) ٨ : ٢١٢ ، و «ابن ماجه» في «سننه» في (كتاب الفتن ـ باب فتنة المال) ٢ : ١٣٢٣ ، و «أحمد» في «مسنده» ٤ : ١٣٧ ، ٣٢٧ ، من حديث «عمرو بن عوف».

(٢) أخرجه «الدارمي» في «سننه» في (كتاب فضائل القرآن ـ باب فضل من قرأ القرآن) ٢ : ٤٣٤ وهو بتمامه : عن أبي موسى أنه قال : إن هذا القرآن كائن لكم أجرا ، وكائن لكم ذكرا ، وكائن بكم نورا ، وكائن عليكم وزرا ، اتبعوا هذا القرآن ولا يتبعنّكم القرآن فإنه من يتبع القرآن يهبط به في رياض الجنة ، ومن أتبعه القرآن يزخّ في قفاه فيقذفه في جهنم.

قال «أبو محمد» : يزخ : يدفع.

١٨٧

«أفعال المقاربة»

مسألة (٢٨)

في وقوع خبر «كاد» مقرونا بـ «أن» (١)

اقتران خبر «عسى» بـ «أن» كثير ، وتجريده من «أن» قليل. وهو مذهب «سيبويه».

ومذهب جمهور البصريين : أنه لا يتجرّد خبرها من «أن» إلا في الشعر ، ولم يرد في القرآن إلا مقترنا بـ «أن».

قال الله ـ تعالى ـ : (فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ)(٢).

وقال ـ عزوجل ـ : (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ)(٣).

ومن وروده دون «أن» قوله :

عسى الكرب الذي أمسيت فيه

يكون وراءه فرج قريب

وقوله :

عسى فرج يأتي به الله ؛ إنه

له كل يوم في خليقته أمر

وأما «كاد» فعلى عكس «عسى» فيكون الكثير في خبرها أن يتجرّد من «أن» ويقلّ اقترانه بها.

وهذا بخلاف ما نصّ عليه «الأندلسيّون» من أن اقتران خبرها بـ «أن» مخصوص بالشعر.

__________________

(١) موارد المسألة : «الإنصاف» ٢ : ٥٦٧ ، و «شواهد التوضيح» ٩٨ ـ ١٠٢ ، و «فيض نشر الانشراح» ورقة ٥٢ (مخطوط) ، و «شرح الشاطبي» ، و «شرح ابن عقيل» ١ : ٣٣٠ ، وفيه نسب حديث المسألة إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، والصواب أنه من كلام «عمر» ـ رضي‌الله‌عنه ـ يخاطب به النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

(٢) المائدة : ٥٢.

(٣) الإسراء : ٨.

١٨٨

فمن تجريده من «أن» قوله ـ تعالى ـ : (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ)(١) ، وقوله ـ جل ذكره ـ : (مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ)(٢).

ومن اقترانه بـ «أن» حديث «عمر» : «ما كدت أن أصلّي العصر حتى كادت الشمس أن تغرب» (٣)

وقوله :

كادت النفس أن تفيض عليه

إذ غدا حشو ريطة وبرود

وفي «شواهد التوضيح» ٩٨ ـ ١٠٢ :

قال «عمر» : «ما كدت أن أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب»

وقال «أنس» : «فما كدنا أن نصل إلى منازلنا» (٤)

وقول بعض الصحابة : «والبرمة بين الأثافيّ قد كادت أن تنضج» (٥)

وقول «جبير بن مطعم» : «كاد قلبي أن يطير» (٦)

__________________

(١) البقرة : ٧١

(٢) التوبة : ١١٧

(٣) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب مواقيت الصلاة ـ باب من صلى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت) ١ : ١٤٧ برواية : «ما كدت أصلّي العصر حتى كادت الشمس تغرب» دون «أن» مطلقا ، وبزيادة «العصر». وفي (كتاب الأذان ـ باب قول الرجل : ما صلّينا) ١ : ١٥٧ ، برواية الشاهد دون لفظة «العصر» و «أن» في خبر «كاد» الثانية.

و «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب المساجد ومواضع الصلاة ـ باب الدليل لمن قال : الصلاة الوسطى هي صلاة العصر) ٢ : ١١٣ ، برواية : «ما كدت أن أصلّي العصر حتى كادت أن تغرب الشمس» و «النسائي» في «سننه» في (كتاب السهو ـ باب إذا قيل للرجل : هل صليت هل يقول : لا؟) ٣ : ٨٥.

برواية الشاهد دون لفظة «العصر» و «أن» في خبر «كاد» الثانية. وانظر «فتح الباري» ١ : ٦٩.

(٤) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب الاستسقاء ـ باب الاستسقاء على المنبر) ٢ : ١٧.

(٥) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب المغازي ـ باب غزوة الخندق) ٥ : ٤٦.

(٦) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب التفسير ـ سورة الطور) ٦ : ٤٩ ، وتمامه : عن «جبير بن مطعم» ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : سمعت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يقرأ في المغرب بالطّور ، فلما بلغ هذه الآية : (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ.: أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ.: أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) كاد قلبي أن يطير.

١٨٩

قال «ابن مالك» : تضمنت هذه الأحاديث وقوع خبر «كاد» مقرونا بـ «أن». وهو مما خفي على أكثر النحويين. أعني وقوعه في كلام لا ضرورة فيه.

والصحيح جواز وقوعه. إلا أن وقوعه غير مقرون بـ «أن» أكثر وأشهر من وقوعه مقرونا بـ «أن» ، ولذلك لم يقع في القرآن إلا غير مقرون بـ «أن». نحو قوله تعالى : (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ)(١)

وقوله ـ عزوجل ـ : (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً)(٢).

وقوله ـ جل ذكره ـ : (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً)(٣)

ولا يمنع عدم وقوعه في القرآن مقرونا بـ «أن» ، من استعماله قياسا لو لم يرد سماع ، لأن السبب المانع من اقتران الخبر بـ «أن» في باب المقاربة ، هو دلالة الفعل على الشروع ، كـ «طفق» و «جعل». فإن «أن» تقتضي الاستقبال ، وفعل الشروع يقتضي الحال. فتنافيا.

وما لا يدل على الشروع كـ «عسى» و «أوشك» و «كرب» و «كاد» فمقتضاه مستقبل. فاقتران خبره بـ «أن» مؤكد لمقتضاه. فإنها تقتضي الاستقبال. وذلك مطلوب ، فمانعه مغلوب.

فإذا انضم إلى هذا التعليل استعمال فصيح ، ونقل صحيح ، كما في الأحاديث المذكورة ، تأكد الدليل ، ولم يوجد لمخالفته سبيل.

__________________

(١) البقرة : ٧١.

(٢) النساء : ٧٨.

(٣) الإسراء : ٧٤.

١٩٠

وقد اجتمع الوجهان في قول «عمر» : ما كدت أن أصلي العصر حتى كادت الشمس تغيب». وفي قول النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فيما رويته بالسند المتصل : «كاد الحسد يغلب القدر ، وكاد الفقر أن يكون كفرا» (١)

ومن الشواهد الشعرية في هذه المسألة قول الشاعر :

أبيتم قبول السّلم منّا فكدتمو

لدى الحرب أن تغنوا السّيوف عن السّلّ

وهذا الاستعمال ، مع كونه في شعر ، ليس بضرورة ، لتمكّن مستعمله من أن يقول (٢) : ... لدى الحرب تغنون السيوف ...

وأنشد «سيبويه» (لعامر بن جوين الطائي) :

فلم أر مثلها خباسة واحد

ونهنهت نفسي بعد ما كدت أفعله (٣)

وقال : أراد : بعد ما كدت أن أفعله ، فحذف «أن» وأبقى عملها. وفي هذا إشعار باطراد اقتران خبر «كاد» بـ «أن» ، لأن العامل لا يحذف ويبقى عمله إلا إذا اطرد ثبوته.

__________________

(١) رواه «أبو نعيم» في «الحلية» عن «أنس» بلفظ : «كاد الفقر أن يكون كفرا ، وكاد الحسد أن يكون سبق القدر» ، ورواه «البيهقي» في «الشعب» عن «أنس» ، ورواه «الطبراني» بوجه آخر بلفظ : «كاد الحسد أن يسبق القدر ، وكادت الحاجة أن تكون كفرا» ، وقال «العراقي» : وفيه ضعف ، وقال «السخاوي» : طرقه كلها ضعيفة. قال «الزركشي» : لكن يشهد له ما خرجه «النسائي» و «ابن حبان» في «صحيحه» عن «أبي سعيد» مرفوعا : «اللهم إني أعوذ بك من الفقر والكفر» فقال رجل : ويعتدلان؟ قال : نعم. انظر «فيض القدير» ٤ : ٥٤٢ ، و «فيض نشر الانشراح» (مخطوط) ورقة : ٥١ ، ٥٢ ، و «المقاصد الحسنة» : ٣١١.

(٢) قال «الألوسي» في «الضرائر» : ٦ : ذهب الجمهور : إلى أن الضرورة ما وقع في الشعر مما لا يقع في النثر ، سواء كان للشاعر عنه مندوحة أم لا.

ومنهم من قال : إنها ما ليس للشاعر عنه مندوحة ، وهو المأخوذ من كلام «سيبويه» وغيره ، على ما هو مبسوط في نظم الفصيح لابن الطيب الفاسي.

وبه قال «ابن مالك» ، فإن الضرورة مشتقة من الضرر ، وهو النازل مما لا مدفع له.

(٣) الخباسة : الغنيمة ـ نهنهت : كففت. انظر «الكتاب» ١ : ٣٠٧.

١٩١

والإمام «ابن الأنباري» في «الإنصاف» (مسألة : هل تعمل «أن» المصدرية محذوفة من غير بدل) ٢ : ٥٦٧ قال في منع «أن» في خبر «كاد» : وأما حديث «كاد الفقر أن يكون كفرا» فإن صحّ ، فزيادة «أن» من كلام الراوي ، لا من كلامه ـ عليه‌السلام ـ لأنه ـ صلوات الله عليه ـ أفصح من نطق بالضاد.

وقد نقل «السيوطي» في «الاقتراح» : ٥٥ هذا الكلام ، وتصدى لهما «ابن الطيب» في كتابه «فيض نشر الانشراح» ورقة ٥٢ قائلا : ما ذكره «ابن الأنباري» من أنّ الرواة غيّروا الحديث ، مبنيّ على ما أصلّوه من الرواية بالمعنى ... ثم قال : وقد اقتفى «النووي» طريقة شيخه «ابن مالك» في شرح مسلم ، ووافقه على ذلك جلّ المتأخرين ، أو كلّهم. وقال بعضهم في ترجيحه وعلّله بأن الصحابة ـ رضي‌الله‌عنهم ـ كانوا من الفصحاء والبلغاء ، وهم قد التزموا عند روايته بالمعنى أن يوردوا معناه في أفصح عبارة ، وأحسن سياق ، يراعون فيه قواعد الفصاحة والبلاغة ، فيكون كلامهم مقارنا لكلامه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ».

مسألة (٢٩)

في اختصاص «كاد» و «أوشك» بالتصرف

وفي «شرح ابن عقيل» ١ : ٣٣٨ :

أفعال هذا الباب لا تتصرف ، إلا «كاد» و «أوشك» ، فإنه قد استعمل منهما المضارع ، كقوله ـ تعالى ـ : (يَكادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آياتِنا)(١).

__________________

(١) الحج : ٧٢.

١٩٢

وقول «أمية بن أبي الصلت» :

يوشك من فرّ من منيّته

في بعض غرّاته يوافقها (١)

وحكى «الخليل» استعمال «أوشك» الماضي ، كقوله :

ولو سئل الناس التراب لأوشكوا

إذا قيل : هاتوا أن يملّوا ويمنعوا

وزعم «الأصمعي» أنه لم يستعمل الماضي منه ، وليس بجيّد ، نعم الكثير استعمال المضارع.

و «الشاطبي» في «شرحه» قال في «أوشك» : إنهم قالوا : يوشك زيد أن يقوم ، ويوشك أن يكون كذا ، وفي الحديث : «كالراتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه» (٢).

مسألة (٣٠)

في حذف خبر أفعال الباب

قال في «شرح الأشموني» ١ : ٢٦٣.

إذا دلّ دليل على خبر هذا الباب جاز حذفه ، ومنه الحديث : «من تأنى أصاب أو كاد ، ومن عجّل أخطأ أو كاد» (٣). ا ه

__________________

(١) غرّاته : جمع غرّة ، وهي الغفلة.

(٢) قطعة من حديث أوله : «الحلال بين والحرام بين»

وقد تقدم تخريجه أول «النكرة والمعرفة» من هذا الكتاب.

(٣) قال «السيوطي» في «الجامع الصغير» :

رواه «الطبراني» في «المعجم الكبير».

وقال «المناوي» في «فيض القدير» ٦ : ٩٨ :

وكذا «الطبراني» في «المعجم الأوسط».

وقال «العجلوني» في «كشف الخفاء» ١ : ٢٩٥ :

رواه «الطبراني» و «العسكري» و «القضاعي» من حديث «ابن لهيعة» عن «عقبة بن عامر» رفعه. وانظر «مجمع الزوائد» في (كتاب الأدب ـ باب ما جاء في الرفق) ٨ : ١٩.

١٩٣

والتقدير : من تأنى أصاب أو كاد يصيب ، ومن عجّل أخطأ أو كاد يخطئ.

«إنّ» وأخواتها

مسألة (٣١)

في نصب الاسم والخبر «بإنّ» على لغة (١)

«إنّ» حرف توكيد ينصب الاسم ويرفع الخبر.

وقيل : ينصبهما في لغة.

وقد أجاز الكوفيون أن يقال : إنّ زيدا قائما ، ولكنّ زيدا قائما ، وكأن زيدا قائما ،

ومن حججهم الحديث من قول النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (إنّ قعر جهنم لسبعين خريفا) (٢).

وقول «عمر بن أبي ربيعة» :

إذا اسودّ جنح الليل فلتأت ولتكن

خطاك خفافا ، إنّ حراسنا أسدا

والذين يمنعون هذا يخرجون الحديث على أن القعر مصدر : قعرت البئر ، إذا بلغت قعرها. وسبعين : منصوبة على الظرفية ، أي : إن بلوغ قعرها يكون في سبعين عاما.

__________________

(١) موارد المسألة : «شرح الشاطبي» ، و «مغنى اللبيب» (إنّ) المكسورة المشددة : ٥٥.

(٢) يروى الحديث هكذا في «القاموس» (مادة : إن ن)

وقد أخرجه «مسلم» في «صحيحه» عن أبي هريرة ، وحذيفة ، في (كتاب الإيمان ـ باب أدنى أهل الجنة منزلة) ١ : ١٣٠ هكذا : «إن قعر جهنم لسبعون خريفا» من قول أبي هريرة.

ومما تقدم اتضح أن الرواية التي ذكرت في «القاموس» إن صحت فهي على لغة ، وأما رواية «مسلم» فهي موافقة للقواعد النحوية ، ولا حجة للكوفيين بها.

١٩٤

أما البيت فيخرجونه على إعراب «أسدا» حالا ، وأن الخبر محذوف ، أي :

تلقاهم أسدا ، أي : كالأسد.

مسألة (٣٢)

في ورود «لعلّ» للاستفهام (١)

من معاني «لعلّ» الترجي ، وقد يدخلها معنى الإشفاق.

وقد تكون لـ «التعليل» عند «الأخفش» ، وعلى ذلك حمل قوله تعالى : (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى)(٢) ، أي : ليذكر ، أو يخشى.

وقد تكون لـ «الاستفهام» ، وعليه حمل قوله تعالى : (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى)(٣) ، وقول النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لبعض الأنصار ، وقد دعاه ، فخرج إليه مستعجلا : «لعلنا أعجلناك». (٤)

__________________

(١) موارد المسألة : «شرح الشاطبي».

(٢) طه : ٤٤.

(٣) عبس : ٣.

(٤) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب الوضوء ـ باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين) ١ : ٥٣.

و «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب الحيض ـ باب إنما الماء من الماء) ١ : ١٨٥ ،

و «ابن ماجه» في «سننه» في (كتاب الطهارة وسننها ـ باب الماء من الماء) ١ : ١٩٩ ،

و «أحمد» في «مسنده» ٣ : ٢١ ، ٢٦.

والحديث بتمامه كما جاء في «صحيح مسلم» عن «أبي سعيد الخدري» أن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ مرّ على رجل من الأنصار ، فأرسل إليه ، فخرج ورأسه يقطر ، فقال : لعلنا أعجلناك؟ قال : نعم يا رسول الله ، قال : إذا أعجلت أو أقحطت ، فلا غسل عليك ، وعليك الوضوء.

ومعنى الإقحاط هنا عدم إنزال المنيّ ، وهو استعارة من قحوط المطر ، وهو انحباسه.

١٩٥

مسألة (٣٣)

في تصدير خبر «لعلّ» بـ «أن» (١)

اختص خبر «لعلّ» عن سائر الأحرف الناسخة ، بجواز دخول «أن» فيه حملا على «عسى» ، نحو : (لعل زيدا أن يقوم).

قال «عمر بن أبي ربيعة» :

لعلّهما أن تطلبا لك مخرجا

وأن ترحبا صدرا بما كنت أحصر (٢)

وقد جاء في الحديث : «لعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض». (٣)

__________________

(١) موارد المسألة : «شرح الشاطبي» ، و «مغنى اللبيب» ٦٢٣ ، ٩١٧ (أقسام العطف) ، و «همع الهوامع» (إنّ وأخواتها) ، و «النحو الوافي» ١ : ٦٣٦.

(٢) ديوانه : ١٢٥ ، ترحبا : تتسعا ، أحصر : أضيق.

(٣) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب الشهادات ـ باب من أقام البينة بعد اليمين) ٣ : ١٦٢ ، دون «أن يكون» ، وفي (كتاب الحيل ـ باب حدثنا محمد بن كثير) ٨ : ٦٢ ، بإثبات «أن يكون» ، وفي (كتاب الأحكام ـ باب موعظة الإمام للخصوم) ٨ : ١١٢ ، بإثبات «أن يكون».

و «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب الأقضية ـ باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة) ٥ : ١٢٩ ، بإثبات «أن يكون».

و «مالك» في «الموطأ» في (كتاب الأقضية ـ باب الترغيب في القضاء بالحق) ٢ : ٧١٨ ، بإثبات «أن يكون».

و «النسائي» في «سننه» في (كتاب آداب القضاة ـ الحكم بالظاهر) ٨ : ٢٣٣ ، دون «أن يكون» ، وفي (كتاب آداب القضاء ـ ما يقطع القضاء) ٨ : ٢٤٧ ، دون «أن يكون».

و «الترمذي» في «سننه» في (أبواب الأحكام ـ باب ما جاء في التشديد على من يقضى له بشيء ليس له أن يأخذه) ٢ : ٣٩٨ ، بإثبات «أن يكون» و «أبو داود» في «سننه» في (كتاب الأقضية ـ باب في قضاء القاضي إذا أخطأ) ٣ : ٣٠١ ، بإثبات «أن يكون» ، و «ابن ماجه» في «سننه» في (كتاب الأحكام ـ باب قضية الحاكم لا تحل حراما ، ولا تحرم حلالا) ٢ : ٧٧٧ ، بإثبات «أن يكون».

و «أحمد» في «مسنده» ٢ : ٣٣٢ ، ٦ : ٢٠٣ ، ٢٩٠ ، ٣٠٧ ، ٣٠٨ ، ٣٢٠ ، عن «أم سلمة».

ألحن : أفطن لها ، وأعرف بها ، أو أقدر على بيان مقصوده ، وأبين كلاما.

١٩٦

مسألة (٣٤)

في جواز كسر «أنّ» وفتحها في حديث التلبية (١)

ومما يجوز فيه كسر «أنّ» وفتحها ، باعتبارين مختلفين. أن تقع «أنّ» في موضع التعليل.

فمثال كسرها للتعليل قوله ـ تعالى ـ : (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ)(٢) بكسر «إنّ» على أنه تعليل مستأنف.

ومثال جواز الوجهين الحديث : «لبيك إن الحمد والنعمة لك» (٣). يروى بكسر «إنّ» وفتحها ، فالفتح على تقدير لام العلة ، والكسر على أنه تعليل مستأنف. وهو أرجح ، لأن الكلام حينئذ جملتان ، لا جملة واحدة ، وتكثير الجمل في مقام التعظيم مطلوب.

وفي «شرح مسلم» للنووي :

«لبيك إن الحمد والنعمة لك» يروي بكسر الهمزة من «إن» وفتحها ، وجهان مشهوران لأهل الحديث ، وأهل اللغة.

__________________

(١) موارد المسألة : «أوضح المسالك» ١ : ٢٤٤ ، و «التصريح على التوضيح» ١ : ٢١٨ ، و «صحيح مسلم بشرح النووي» ٨ : ٨٨ ، و «مختصر سنن أبي داود» للمنذري ومعه «معالم السنن» ، و «تهذيب ابن قيم الجوزية» ٢ : ٣٣٥ ، ٣٣٨. و «إعراب الحديث» للعكبري : ١١٦.

(٢) التوبة : ١٠٣.

(٣) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب الحج ـ باب التلبية) ٢ : ١٤٧.

و «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب الحج ـ باب التلبية وصفتها ووقتها) ٤ : ٧ ،

و «الترمذي» في «سننه» في (أبواب الحج ـ باب ما جاء في التلبية) ٢ : ١٦٠ ،

و «أبو داود» في «سننه» في (كتاب المناسك ـ باب كيف التلبية) ٢ : ١٦٢ ،

و «النسائي» في «سننه» في (مناسك الحج ـ كيف التلبية) ٥ : ١٦٠ ،

و «ابن ماجه» في «سننه» في (كتاب المناسك ـ باب التلبية) ٢ : ٩٧٤ ،

و «أحمد» في «مسنده» ١ : ٣٠٢ ، ٢ : ٣ ، ٧٩ عن «ابن عمر».

١٩٧

قال الجمهور : الكسر أجود ، قال «الخطابي» : الفتح رواية العامة. وقال «ثعلب» : الاختيار الكسر ، وهو الأجود في المعنى ، لأن من كسر جعل معناه :

إن الحمد والنعمة لك على كل حال ، ومن فتح قال : معناه لبيك لهذا السبب.

قوله : «والنعمة لك» المشهورة فيه نصب «النعمة». قال القاضي : ويجوز رفعها على الابتداء ، ويكون الخبر محذوفا.

قال «ابن الأنباري» : وإن شئت جعلت خبر «إنّ» محذوفا ، تقديره :

إن الحمد لك ، والنعمة مستقرة لك.

قال «ابن قيم الجوزية» : في «إن» وجهان : فتحها وكسرها ، فمن فتحها تضمنت معنى التعليل ، أي : لبيك ؛ لأن الحمد والنعمة لك ، ومن كسرها كانت جملة مستقلة مستأنفة ، تتضمن ابتداء الثناء على الله ، والثناء إذا كثرت جمله وتعددت كان أحسن من قلتها ، وأما إذا فتحت فإنها تقدر بلام التعليل المحذوفة معها قياسا ، والمعنى : لبيك لأن الحمد لك.

والفرق بيّن بين أن تكون جمل الثناء علة لغيرها ، وبين أن تكون مستقلة مرادة لنفسها ، ولهذا قال «ثعلب» : من قال «إن» بالكسر فقد عم ، ومن قال «أنّ» بالفتح فقد خص.

ونظير هذين الوجهين والتعليلين والترجيح سواء قوله ـ تعالى ـ حكاية عن المؤمنين : (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ)(١) ، كسر «إن» وفتحها. فمن فتح كان المعنى ندعوه ، لأنه هو البر الرحيم ، ومن كسر كان الكلام جملتين ، إحداهما قوله : «ندعوه» ، ثم استأنف فقال : «إنه هو البر الرحيم» ، قال «أبو عبيد» : والكسر أحسن ، ورجحه بما ذكرناه.

__________________

(١) الطور : ٢٨ ، «إنه» في الآية بكسر الهمزة قراءة عاصم والأعمش والحسن. و «أنه» بفتحها قراءة أبي جعفر المدني ، ونافع. قال «الفراء» : الكسائيّ يفتح «أنّه» ، وأنا أكسر. وإنما قلت : حسن ، لأن الكسائي قرأه. انظر «معاني القرآن» ٣ : ٩٣.

١٩٨

مسألة (٣٥)

في اللام الفارقة (١)

اختلف النحويون في هذه اللام.

هل هي لام الابتداء ، أدخلت للفرق بين «إن» النافية ، و «إن» المخففة من الثقيلة ، أم هي لام أخرى اجتلبت للفرق؟ وكلام «سيبويه» يدل على أنها لام الابتداء دخلت للفرق.

وتظهر فائدة الخلاف في مسألة جرت بين «ابن أبي العافية» (٢) و «ابن الأخضر» (٣) ، وهي قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (قد علمنا إن كنت لمؤمنا) (٤).

فمن جعلها لام الابتداء أوجب كسر «إن» ومن جعلها لاما أخرى ـ اجتلبت للفرق ـ فتح «أن».

وجرى الخلاف في هذه المسألة قبلهما بين «الأخفش الصغير» ، وبين «أبي علي»

فقال «أبو علي» : هي لام غير لام الابتداء ، اجتلبت للفرق. وبه قال «ابن أبي العافية».

وقال «الأخفش الصغير» : إنما هي لام الابتداء ، أدخلت للفرق.

وبه قال «ابن الأخضر».

__________________

(١) مورد المسألة : «شرح ابن عقيل» ١ : ٣٨٠.

(٢) هو «محمد بن عبد الرحمن بن عبد العزيز بن خليفة بن أبي العافية الأزدي ، أبو بكر. الكتنديّ» ، عالم بالعربية واللغة. توفي بغرناطة سنة ٥٨٣ ه‍. «بغية الوعاة» ١ : ١٥٤.

(٣) هو «علي بن عبد الرحمن بن مهدي ، أبو الحسن الإشبيليّ» أخذ عن «الأعلم» ، وأخذ عنه «القاضي عياض». توفي بإشبيلية سنة ٥١٤ ه‍. «بغية الوعاة» ٢ : ١٧٤.

(٤) جزء من حديث أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب العلم ـ باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس» ١ : ٣٠ ، وفي (كتاب الكسوف ـ باب صلاة النساء مع الرجال في الكسوف) ٢ : ٢٨ برواية : «قد علمنا إن كنت لموقنا» من حديث «أسماء» ، أما الرواية التي ذكرها «ابن عقيل» وهي «لمؤمنا» ، فلم أرها ، ولعله لا وجود لها في كتب الحديث. والله أعلم.

١٩٩

مسألة (٣٦)

في إسقاط اللام الفارقة عند أمن اللبس (١)

إذا خففت «إنّ» فالأكثر في لسان العرب إهمالها ، فتقول : إن زيد لقائم.

وإذا أهملت لزمتها اللام فارقة بينها وبين «إن» النافية ، ويقلّ إعمالها ، فتقول : إن زيدا قائم.

وحكى الإعمال «سيبويه» و «الأخفش» ، فلا تلزمها حينئذ اللام ، لأنها لا تلتبس ـ والحالة هذه ـ بإن النافية ، لأن النافية لا تنصب الاسم وترفع الخبر ، وإنما تلتبس بإن النافية إذا أهملت ، ولم يظهر المقصود بها ، فإن ظهر المقصود بها فقد يستغنى عن اللام ، كقوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (وايم الله إن كان خليقا للإمامة) (٢)

وقول «الطرماح» :

ونحن أباة الضيم من آل مالك

وإن مالك كانت كرام المعادن

والتقدير : وإن كان لخليقا ، وإن مالك لكانت.

فحذفت اللام لأنها لا تلتبس بالنافية ، لأن المعنى على الإثبات في الحديث والبيت.

__________________

(١) موارد المسألة : «شرح الشاطبي» و «شرح ابن عقيل» ١ : ٣٧٨.

(٢) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب فضائل أصحاب النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ باب مناقب زيد بن حارثة ، مولى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ) ٤ : ٢١٣ ، برواية : «لخليقا» ، وفي (كتاب المغازي ـ باب غزوة زيد بن حارثة) ٥ : ٨٤ ، برواية : «خليقا» ، و (باب بعث النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أسامة بن زيد رضي‌الله‌عنهما في مرضه الذي توفي فيه) ٥ : ١٤٥ ، برواية : «لخليقا» ، وفي (كتاب الأيمان ـ باب قول النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : وايم الله) ٧ : ٢١٧ ، برواية : «لخليقا».

و «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب فضائل الصحابة رضي‌الله‌عنهم ـ باب فضائل زيد بن حارثة ، وأسامة بن زيد) ٧ : ١٣١ ، برواية : «لخليقا» ، و «الترمذي» في «سننه» في (أبواب الدعوات ـ مناقب زيد بن حارثة رضي‌الله‌عنه) ٥ : ٣٤١ ، برواية : «لخليقا».

و «أحمد» في «مسنده» ٢ : ٢٠. عن «عبد الله بن عمر».

٢٠٠