الحديث النبوي في النحو العربي

الدكتور محمود فجال

الحديث النبوي في النحو العربي

المؤلف:

الدكتور محمود فجال


الموضوع : اللغة والبلاغة
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٨٤

وقال «الشاطبي» في (المقدمة) أيضا :

... أراد ـ أي الناظم ـ الجمع بين الثناء على الله ـ عزوجل ـ والصلاة على رسوله ، لما في ذلك من البركة الموعود بها في الشرع ، وذلك مرجو القبول والإجابة كما جاء في حديث «فضالة بن عبيد» أنه قال : «بينما رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قاعدا إذ دخل رجل فصلى فقال : اللهم اغفر لي وارحمني. فقال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عجلت أيها المصلي ، إذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله ، وصلّ عليّ ثم ادعه. قال : ثم صلى رجل آخر بعد ذلك فحمد الله وصلى على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال له النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : أيها المصلي ادع تجب» (١).

قال «الشاطبي» في مقدمة كتابه «المقاصد الشافية» :

ذكر «الرّشاطي» في تاريخه عن «الحسين بن الحسن المروزيّ» قالت : سألت «سفيان بن عيينة» فقلت : يا أبا محمد ما تفسير قول النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «كان من أكثر دعاء الأنبياء قبلي بعرفة : لا إله إلا الله وحده ، لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير» (٢) ، وليس فيه من الدعاء شيء؟.

فقال لي : اعرف حديث «مالك بن الحارث» :

«إذا شغل عبدي ثناؤه عليّ عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي

__________________

(١) أخرجه «الترمذي» في «سننه» في (أبواب الدعوات ـ باب ما جاء في جامع الدعوات) ٥ : ١٧٩ ، وقريب منه في «سنن النسائي» في (باب التمجيد والصلاة على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ في الصلاة) ، و «مسند أحمد» ٦ : ١٨.

(٢) أخرجه «أحمد» في «المسند». انظر «بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني» ١٢ : ١٣٠ ، و «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار) ٨ : ٦٩ ، ٨٣ ، و «مالك» في «الموطأ» في (كتاب القرآن ـ باب ما جاء في ذكر الله تعالى) ١ : ٢٠٩ ، و (باب ما جاء في الدعاء) ١ : ٢١٥ ، و «الترمذي» في «سننه» في (أبواب الدعوات ـ باب في فضل :

لا حول ولا قوة إلا بالله) ٥ : ٢٣١ ، و «القرى لقاصد أمّ القرى» : ٣٩٦.

١٤١

السائلين» (١) ثم قال : أعلمت ما قال : «أمية بن أبي الصلت» حين خرج إلى «ابن جدعان» يطلب نائله؟

قلت : لا أدري ، قال : قال :

أأذكر حاجتي أم قد كفاني

حياؤك إنّ شيمتك الحياء

إذا أثنى عليك المرء يوما

كفاه من تعرضك الثناء

ثم قال «سفيان» : هذا مخلوق ينسب إلى الجود قيل له : يكفينا من مسألتك أن نثني عليك ونسكت ، حتى نأتي على حاجتنا ، فكيف الخالق؟.

وذكر «ابن عبد البر» هذه الحكاية في «التمهيد» على نحو آخر.

وقال «الشاطبي» في (المقدمة) :

... فالمصطفون من الخلق هم الأنبياء ، والرسل ، ومحمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ مصطفى من أولئك المصطفين ، ألا ترى ما جاء من نحو قوله : «أنا سيّد ولد آدم) (٢).

وقال «الشاطبي» في (المقدمة) عند قوله «ابن مالك» : (المستكملين الشرفا) :قال ـ عليه‌السلام ـ : «خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام» (٣).

وقال «الشاطبي» في (المقدمة) عند قول : (المستكملين الشرفا) : يعني به

__________________

(١) أورده «ابن عرّاق» في «تنزيه الشريعة المرفوعة» ٢ : ٣٢٣ هكذا : «من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين» وقال : قال «الحافظ» في «أماليه» : هذا حديث حسن. وأتى بكلام طيب ، فارجع إليه. وانظر «سنن الدارمي» ٢ : ٤٤١.

(٢) أخرجه «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب الفضائل) ٧ : ٥٩ ، و (كتاب الإيمان) ١ : ١٢٧ ، ١٢٩ ، و «الترمذي» في «سننه» في (أبواب المناقب) ٥ : ٢٤٧ ، و «أبو داود» في «سننه» ٤ : ٢١٨ وانظر «شرح النووي» ١٥ : ٣٧ ، و «فيض القدير» ٣ : ٤٢ ، و «التلخيص الحبير» ٣ : ١٦١ ، و «شرح الكافية» للرضي ٢ : ٢٥٧.

(٣) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب بدء الخلق) ـ باب قول الله ـ تعالى ـ : (لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ)) و «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب الفضائل) ٧ : ١٠٣.

و «أحمد» في «مسنده» ٤ : ١٠١ ، وانظر «شرح النووي» ١٦ : ٧٨.

١٤٢

الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ فإن هذا الكلام يقتضي أنهم كانوا أهل شرف قبل الإسلام ، ثم جاء الإسلام فاستكملوه به ، ولا أحد من الأمة أعظم شرفا في الأصل منهم ، وقد جاء في الصحيح عن «واثلة بن الأسقع» قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «إن الله اصطفى من ولد آدم إسماعيل ، واصطفى من ولد إسماعيل كنانة ، واصطفى من بني كنانة قريشا ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم» (١).

وخرج «الترمذي» عن «العباس» أن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : «إن الله خلق الخلق فجعلني في خيرهم فرقة ، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة ، ثم جعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا» (٢).

قال «الشاطبي» في (المقدمة) عند قول «ابن مالك» :

وهو بسبق حائز تفضيلا

مستوجب ثنائي الجميلا

 ... فإن السابق له فضيلة ظاهرة على غيره من اللاحقين ، إذ كان اللاحق مهتديا بناره ، مقتديا بفعله ، فكانا كالإمام والمأموم.

روى أن «إسحاق بن إبراهيم» لما صنع كتابه في النغم واللحون عرضه على «إبراهيم بن المهدي» ، فقال : لقد أحسنت يا أبا محمد ، وكثيرا ما تحسن ، فقال «إسحاق» : بل أحسن «الخليل» ؛ لأنه جعل السبيل إلى الإحسان ـ يعني بعلم العروض ـ. فقال «إبراهيم» : ما أحسن هذا الكلام! فممّن أخذته؟ قال : من «ابن مقبل» إذ سمع حمامة من المطوقات ، فاهتاج لمن يحب ، فقال :

فلو قبل مبكاها بكيت صبابة

بليلى شفيت النفس قبل التندم

ولكن بكت قبلي فهاج لي البكا

بكاها فقلت : الفضل للمتقدم

__________________

(١) أخرجه «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب الفضائل ـ باب فضل نسب النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ) ٧ : ٥٨ ، و «الترمذي» في «سننه» في (أبواب المناقب عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ) ٥ : ٢٤٣ ، و «أحمد» في «مسنده» ٤ : ١٠٧ ، وانظر «التلخيص الحبير» ٣ : ١٨٧.

(٢) أخرجه «الترمذي» في «سننه» في (أبواب المناقب عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ) ٥ : ٢٤٤.

١٤٣

وهو فضل عند الكافة مرعيّ ، وينضاف هاهنا إلى فضل شرعي نبه عليه قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة» (١).

وقال «الشاطبي» في (المقدمة) عند قوله :

والله يقضي بهبات وافرة

لي وله في درجات الآخرة

 ... بدأ بالدعاء لنفسه ، ثم لابن معط ، اقتداء بالسنة في أن يبدأ الإنسان بنفسه ، ثم بمن يليه ، لقوله ـ عليه‌السلام ـ : «ابدأ بنفسك ، ثم بمن تعول» (٢).

وأبين من هذا ما خرّج «الترمذيّ» عن «أبيّ بن كعب» «أن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كان إذا ذكر أحدا بدأ بنفسه» (٣).

وفي «شرح الأشموني» ١ : ١٩ :

«كان رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إذا دعا بدأ بنفسه» رواه «أبو داود» (٤).

__________________

(١) قريب منه رواه «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب العلم ـ باب من سنّ سنة حسنة أو سيئة) ٨ : ٦١. وانظر «شرح مسلم للنووي» ١٦ : ٢٢٦.

(٢) قال «ابن حجر» في «التلخيص الحبير» ٢ : ١٩٥ عن هذا الحديث : لم أره هكذا ، بل في الصحيحين من حديث «أبي هريرة» : «أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى ، واليد العليا خير من اليد السفلى ، وابدأ بمن تعول». ول «مسلم» عن «جابر» في قصة المدبر في بعض الطرق : «ابدأ بنفسك فتصدق عليها ، فإن فضل شيء فلأهلك». ورواه «الشافعي» عن مسلم وعبد المجيد عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا ، يقول : فذكر قصة المدبر ، وقال فيه : «إذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه ، فإن كان له فضل فليبدأ مع نفسه لمن يعول».

(٣) أخرجه «الترمذي» في «سننه» في (أبواب الدعوات ـ باب ما جاء أن الداعي يبدأ بنفسه) ٥ : ١٣١.

(٤) أخرجه «أبو داود» في «سننه» في (كتاب الحروف والقراءات) ٤ : ٣٣.

١٤٤

الكلام وما يتألف منه

مسألة (١)

تطلق الكلمة على الجملة المفيدة لغة

أورد «الشاطبي» عند قول الناظم :

... وكلمة بها كلام قد يؤمّ

حديثين شريفين استدلالا على أن الكلمة في اللغة تطلق على الجمل المفيدة ، وهما :

«أصدق كلمة قالها لبيد» (١)

و «الكلمة الطيبة صدقة» (٢)

وذكر «الأشموني» ١ : ٢٨ شطرا من بيت ، وهو :

ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل ...

والظاهر من إيراد هذا الشطر فقط أنه الواقع في الحديث ، وقد قال البيت قبل الإسلام.

وجاء بيان الشاهد في «شرح ابن الناظم» : ٤ :

بأنه إطلاق الكلمة على الكلام ، من باب تسمية الشيء باسم بعضه ، كتسميتهم ربيئة القوم عينا ، والبيت من الشعر قافية ، وقد يسمون القصيدة قافية ،

__________________

(١) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب الأدب ـ باب ما يجوز من الشعر) ٧ : ١٠٧.

و «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب الشعر) ٧ : ٤٩ عن أبي هريرة.

(٢) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب الأدب ـ باب طيب الكلام) ٧ : ٧٩ تعليقا.

و «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب الزكاة ـ باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف) ٣ : ٨٣.

١٤٥

لاشتمالها عليها ، قال الشاعر :

وكم علّمته نظم القوافي

فلما قال قافية هجاني

أراد قصيدة. (١)

مسألة (٢)

«أم» تخلف «أل» في لغة «طيّئ» (٢)

قال «السيوطي» في «همع الهوامع» مبحث (أداة التعريف) ١ : ٢٧٣ قد تخلف «أم» «أل» في لغة عزيت لـ «طيّئ» و «حمير».

قال «ابن مالك» : لما كانت اللام تدغم في أربعة عشر حرفا ، فيصير المعرّف بها كأنه من المضاعف العين الذي فاؤه همزة ، جعل أهل اليمن ، ومن داناهم بدلها ميما ؛ لأن الميم لا تدغم إلا في ميم.

قال بعضهم : إن هذه اللغة مختصة بالأسماء التي لا تدغم لام التعريف في أولها ، نحو : غلام ، كتاب ، بخلاف : رجل ، وناس.

قال «ابن هشام» : ولعل ذلك لغة لبعضهم لا لجميعهم ، بدليل دخولها على النوعين في قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ :

__________________

(١) انظر «همع الهوامع» الكلمة وأقسامها).

(٢) انظر «شرح الأشموني» ١ : ٣٧ ، و «شرح ابن يعيش» ٩ : ٢٠ ، و «الكافي شرح الهادي» ١١٩٣ ، و «شرح الكافية» للرضى ٢ : ١٣١ ، و «شرح شواهده» ٤٥١ ، و «شرح الشافية» للرضي (مبحث الإبدال) ٣ : ٢١٦ ، و «مغني اللبيب» : ٧١ ، و «شرح قطر الندى» : ١٥٨.

١٤٦

«ليس من امبرامصيام في امسفر» (١) أخرجه «أحمد».

__________________

(١) رواه «أحمد» في «مسنده» ٥ : ٤٣٤ ، عن «كعب بن عاصم» ، وكان من أصحاب السقيفة.

وفي «بلوغ الأماني» ١٠ : ١٠٧ ، ولم أقف على من أخرجه بالميم بدل اللام غير الإمام أحمد. وانظر «نصب الراية» ٢ : ٤٦١ ، وفيه : هذه الرواية رواها «عبد الرزاق» في «مصنّفه» ، وعن «عبد الرزاق» رواه «أحمد» في «مسنده» ، ومن طريق «أحمد» رواه «الطبراني» في «معجمه». قال «الصبان» ١ : ٣٧ : الحديث ورد بلفظ «أل» ولفظ «أم» وكلاهما بسند رجاله رجال الصحيح. كما في المناوي.

(أقول) : وما قاله فريق من النحاة كـ «ابن يعيش» و «الزنجاني» و «ابن هشام» وغيرهم : «إن الذي روى هذا الحديث هو (النمر بن تولب) ـ ١٤ ه‍ ، وإنه لم يرو عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إلا هذا الحديث» لم أجد له أصلا في كتب الحديث ، فلا أدري من أين لهم ذلك؟! وبعد تحريري لهذه المسألة وصلني المخطوط المسمى «تخريج أحاديث شرح الرضي على الكافية» لـ «عبد القادر بن عمر البغدادي» من دار الكتب المصرية ، وهو بخط المؤلف ـ رحمه‌الله رقم / ١٥١٢ ـ حديث / فنظرت فيه لأرى ما كتبه «البغداديّ» في صحة نسبة رواية بعض النحاة ، الحديث لـ «النمر بن تولب» ، فوجدت ما فيه موافقا لما سطّرته ، فحمدت ربي على حسن توفيقه إياي. وهذا نص البغدادي : «ليس من امبرامصيام في امسفر» قال «السيوطي» في حاشية المغني : هذا الحديث أخرجه أحمد في مسنده ، والطبراني في معجمه الكبير ، من حديث «كعب بن عاصم الأشعري» ومسنده صحيح. وأما قول المصنف : رواه «النّمر بن تولب» ، فكذا ذكره «ابن يعيش» و «السخاوي» كلاهما في «شرح المفصل» ، وصاحب البسيط. زاد «ابن يعيش» : ويقال : إن «النمر» لم يرو عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إلا هذا الحديث.

وكلهم تواردوا على ما لا أصل له. أما أولا فلأن «النمر بن تولب» مختلف في إسلامه وصحبته. وأما ثانيا فإن هذا الحديث لا يعرف من رواية «النمر». والحديث الذي رواه «النمر» عند من أثبت صحبته غير هذا الحديث. قال «أبو نعيم» في «معرفة الصحابة» : النمر بن تولب ، الشاعر ، كتب له النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كتابا ، وروى من طريق «مطرّف» عنه ، قال : سمعت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يقول : «من سرّه أن يذهب كثير من وحر صدره فليصم شهر الصبر رمضان وثلاثة أيام من كل شهر» انتهى كلام «السيوطي» رحمه‌الله. وقال «السخاوي» في «شرح المفصل» في هذا الحديث : يجوز أن يكون النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ تكلم بذلك لمن كانت هذه لغته ، أو تكون هذه لغة الراوي التي لا ينطق بغيرها.

لا أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أبدل اللام ميما. قال «الأزهري» : والوجه ألّا تثبت الألف في الكتابة ؛ لأنها ميم جعلت كالألف واللام. ورأيت كتابة الحديث بخط «السيوطي» في كتابه : «الزّبرجد» كذا ليس من ام برام صيام فم سفر) ...

وروى «السيوطي» الحديث في «الجامع الصغير» كذا ليس من البر الصيام في السفر) قال : أخرجه أحمد ، والشيخان ، وأبو داود ، والنسائي» عن «جابر» ، وأخرجه «ابن ماجه» عن «ابن عمر». ورواه في الذيل بزيادة : «فعليكم برخصة الله التي رخص لكم فاقبلوها». وقال :

أخرجه «النسائي» و «ابن حبان» عن «جابر». انتهى ما جاء في المخطوط عن هذا الحديث.

١٤٧

وقول «بجير بن عنمة الطائي» (جاهلي مقلّ) :

ذاك خليلي وذو يواصلني

يرمي ورائي بامسهم وامسلمه (١)

قال «ابن يعيش» ٩ : ٢٠ عن اللغة اليمانية ، وهي إبدال لام المعرفة ميما : ذلك شاذ قليل لا يسوغ أن يقاس عليه.

مسألة (٣)

الإسناد عند «ابن مالك»

قال «الشاطبي» : الإسناد عند المؤلف على وجهين :

إسناد باعتبار المعنى ، وإسناد باعتبار اللفظ.

فأما الأول فهو مختص عنده بالأسماء ، ويسمى إسنادا حقيقيا ، وإسنادا وضعيا ، كقولك : (زيد فاضل) ، فإنما أخبرت بالفضل عن مدلول (زيد) ، لا عن لفظه ، وهذا هو المختص عنده بالأسماء.

وأما الثاني فيصلح لكل واحد من أنواع الكلم فيصلح للاسم ، نحو : زيد :

معرب ، وللفعل ، نحو : قام : فعل ماض ، وللحرف «في» : حرف جر.

وأيضا يصلح للجملة ، نحو : «لا حول ولا قوة إلا بالله : كنز من كنوز الجنة» (٢)

وهذا المنزع ذهب إليه «القرافي» ، واستحسنه «ابن هاني» من شيوخ شيوخنا. وهم في ذلك مخالفون لجميع النحاة ، فليس الإسناد إلا على وجه واحد ، وهو الإسناد الحقيقي ، فكل لفظ أسند إليه إنما أسند إلى معناه.

__________________

(١) وامسلمه : السّلمه : واحدة السّلام ، وهي الحجارة.

(٢) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب الدعوات) ٧ : ١٦٢ ، ١٦٩ و «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار) ٨ : ٧٣ ، و «أحمد» في «مسنده» ٥ : ١٥٦ عن أبي موسى الأشعري.

١٤٨

قال «ابن هشام» في «المغني» : ٥٢٥ ، ٥٥٩ ، ٧٨٣ :

جملة : «لا حول ولا قوة إلا بالله» يراد بها لفظها فهي مبتدأ ، فيحكم لها بحكم المفردات.

وقال «السيوطي» في «همع الهوامع» (خواص الاسم) :

المعنى : هذا اللفظ كنز من كنوز الجنة ، أي : كالكنز في نفاسته ، وصيانته عن أعين الناس ... والإسناد من خواص الاسم (١).

مسألة (٤)

دخول نون التوكيد على الماضي

وفي «شرح الشاطبي» و «شرح المرادي» :

دخول نون التوكيد على الفعل الماضي قليل ، والأصل دخولها على الفعل المضارع بشرط مذكور في بابه (٢) ، ودخولها على فعل الأمر بلا شرط. مثال دخولها على الفعل الماضي قول النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ :

«فإمّا أدركنّ أحد منكم الدجال» (٣)

فلحقت «أدرك» وهو ماض. وكذا ما أنشده في شرح التسهيل :

دامنّ سعدك ، إن رحمت متيّما

لولاك لم يك للصبابة جانحا

__________________

(١) وانظر «شرح الشذور» لابن هشام (الفاعل) ١٦٨ ، و «شرح قواعد الإعراب» للكافيجي : ٢٠٩ (طبع على الآلة الكاتبة).

(٢) انظر «أوضح المسالك» (باب نوني التوكيد)

(٣) أخرجه «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب الفتن وأشراط الساعة ـ باب ذكر الدجال وصفته وما معه) ٨ : ١٩٥ ، و «أحمد» في «مسنده» ٥ : ٣٨٦ ، ٤٠٥ ، عن «حذيفة بن اليمان». وهذا الحديث من شواهد «المرادي» في كتابه «توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك» ١ : ٤١ و «الجنى الداني» ١٤٣.

١٤٩

وفي «إعراب الحديث» للعكبري ٨٠ :

«إمّا» هاهنا مكسورة الهمزة ، لأنها «إن» الشرطية زيدت عليها «ما» ، وهو كقوله تعالى : (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ)(١) وأما قوله «أدركنّ» فهكذا وقع في هذه الرواية ، وقد روي بطريق آخر : «فمن أدرك ذلك» فيدل هذا اللفظ على أن «أدرك» لفظه لفظ الماضي ، ومعناه المستقبل.

والإشكال في لحاق النون لفظ الماضي ، لأن حكمها أن تلحق المستقبل.

ووجه هذه الرواية : أنه لما أريد بالماضي المستقبل ألحق به نون التأكيد تنبيها على أصله ، ولا يجوز أن تكون النون هاهنا ضمير جماعة المؤنث لأمرين : أحدهما : أنه لم يتقدم في الحديث جماعة مؤنّث يرجع هذا الضمير إليه.

والثاني : أنه رفع ما بعده ، وهو قوله : «واحد منكم» وهذا مفرد مذكر.

وفيه : «يقرؤه كلّ مؤمن كاتب وغير كاتب».

يجوز جرّ «كاتب» على الصفة لـ «مؤمن».

ويجوز رفعه صفة لـ «كل» أو بدلا منه.

قال «الشاطبي» عند «حيهل» من قوله :

والأمر إن لم يك للنون محلّ

فيه هو اسم نحو : صه ، وحيّهل

وحيهل : معناه أقبل ، أو أسرع ، أو أعجل ، ومنه ما جاء في الحديث : «إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر» (٢)

قال «أبو عبيد» : معناه عليك بعمر ، ادع عمر.

__________________

(١) الإسراء : ٢٣.

(٢) قال «العجلوني» في «كشف الخفاء» ١ : ٨٧ : ذكره «القاضي عياض» في «الإكمال» من قول «ابن مسعود» ، وكذا «القرطبي» و «ابن الأثير». وظاهر كلام «العراقي» في «الذخيرة» في (باب الأذان) أنه حديث ، ولعله أراد به موقوفا ، كذا في «الموضوعات الكبرى» لـ «القاري».

وانظر مسألة / ٨٨ / في (حقيقة «حيهل»).

١٥٠

«المعرب والمبني»

مسألة (٥)

النقص في «هن» أشهر

الأسماء الستة (١) هي : أب ، أخ ، حم ، فم ، هن ، ذو (بمعنى صاحب) ، فكل واحد من هذه الستة يرفع ـ غالبا ـ بالواو ، وينصب بالألف ، ويجر بالياء. ولكن بشروط أربعة ، وهي : أن تكون مفردة ، مكبّرة ، مضافة ، وإضافتها لغير ياء المتكلم.

وهناك شرط خاص بكلمة «فم» وهو حذف «الميم» ، والاقتصار على الفاء وحدها ، مثل : (ينطق فوك بالحكمة).

ويشترط في كلمة «ذي» أن تكون إضافتها لاسم ظاهر ، دال على الجنس ، مثل : (صاحبي ذو فضل).

وما سبق هو أشهر اللغات في الأسماء الستة ، أما كلمة «هن» فإن الأكثر فيها مراعاة النقص ، ثم إعرابها بالحركات الأصلية بعد ذلك. والمراد بمراعاة النقص في آخرها إن أصلها «هنو» على ثلاثة أحرف ، ثم نقصت منها الواو ، بحذفها للتخفيف ، سماعا عن العرب ، وصارت الحركات الأصلية تجري على النون ، وكأنها الحرف الأخير من الكلمة ، فعند الإضافة لا تردّ الواو المحذوفة. وتسمى : لغة النقص.

وعلى هذه اللغة الشهيرة ورد الحديث : «من تعزّى بعزاء الجاهلية فأعضّوه بهن أبيه ولا تكنوا» (٢) ، وقول «علي» ـ رضي‌الله‌عنه ـ : «من يطل هن

__________________

(١) يسميها بعض النحاة : الأسماء الستة المعتلة الآخر ؛ لأن في آخرها واوا محذوفة تخفيفا ، إلا «ذو» فليس فيها حذف ، وإلا «فم» ففيها إبدال.

(٢) رواه «أحمد» في «مسنده» ٥ : ١٣٦ عن «أبي بن كعب» وانظر «فيض القدير» ١ : ٣٥٧.

(يقال : أعضضته الشيء فعضّه). وانظر «شرح الشاطبي» (الأسماء الستة) ، و «شرح ابن الناظم» ١٢ ، و «الكافي شرح الهادي» ٨٠ ، ١١٨٦ ، و «أوضح المسالك» ١ : ٣١ ، و «النحو الوافي» ١ : ١٠٨ ـ ١١٣.

١٥١

أبيه ينتطق به» ومعناه : من كثر ولد أبيه يتقوى بهم. ولكن يجوز فيها ـ بقلة ـ الإعراب بالحروف ، وتسمى لغة الإتمام.

قال «الأشموني» ١ : ٦٩ : (لقلة الإتمام في «هن» أنكر «الفراء» جوازه ، وهو محجوج بحكاية «سيبويه» الإتمام عن العرب ، ومن حفظ حجة على من لا يحفظ).

مسألة (٦)

في ألفاظ ملحقة بالمثنى

يلحق بالمثنى في الإعراب ألفاظ تشبهه ، وليست بمثناة حقيقة ؛ لفقد شرط التثنية.

فمن ذلك ما هو في المعنى جمع ، كقوله ـ تعالى ـ : (فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)(١) وقوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «البيّعان (٢) بالخيار» (٣) ذكره «ابن مالك» والمراد البيعون.

ونوزع فيه بإمكان كونهما مثنّيين حقيقة. (٤).

__________________

(١) الحجرات : ١٠.

(٢) روى «المتبايعان ، والبيّعان» وهما لغتان ، بمعنى البائع والمشتري. والبيّع هو البائع ، أطلق على المشتري على سبيل التغليب ، أو لأن كل واحد من اللفظين يطلق على الآخر. انظر «فتح الباري» ٤ : ٣٢٧ ، و «بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني» ١٥ : ٥٧.

(٣) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب البيوع ـ باب إذا لم يوقّت في الخيار هل يجوز البيع) ٣ : ١٧.

و «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب البيوع ـ باب ثبوت خيار المجلس للمتبايعين) ٥ : ٩ و «النسائي» في «سننه» في (كتاب البيوع ـ وجوب الخيار للمتبايعين قبل افتراقهما) ٧ : ٢٤٧ ، ٢٤٨ ، من حديث «ابن عمر» و «حكيم بن حزام» ـ رضي‌الله‌عنهم ـ.

(٤) انظر «شرح الشاطبي» و «همع الهوامع» في (مبحث المثنى).

١٥٢

ومما يلحق بالمثنى ما يصلح للتجريد ، ولا يختلف معناه ، بمعنى أنه مساو لمفرده (١) ، مثل «حوالينا» (٢) ، تقول : نزل فلان حولنا وحوالينا. وفي الحديث : «حوالينا ولا علينا» (٣).

وفي «بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني» ٦ : ٢٣٨ : «حوالينا» قال الحافظ : بفتح اللام ، وفيه حذف تقديره : اجعل ، أو أمطر ، والمراد به صرف المطر عن الأبنية والدور. (ولا علينا) بيان للمراد بقوله : «حوالينا».

قال «الطيبي» : في إدخال «الواو» هنا معنى لطيف ، وذلك أنه لو أسقطها لكان مستسقيا للآكام وما معها فقط ، ودخول «الواو» يقتضي أن طلب المطر على المذكور ليس مقصودا لعينه ، ولكن ليكون وقاية من أذى المطر ، فليست الواو مخلصة للعطف ، ولكنها للتعليل ، وهو كقولهم : «تجوع الحرّة ولا تأكل بثدييها» (٤) ، فإن الجوع ليس مقصودا لعينه ، ولكن لكونه مانعا عن الرضاع بأجرة إذا كانوا يكرهون ذلك أنفا. ا ه

__________________

(١) انظر «شرح الشاطبي» (مبحث المثنى) و «الكافي شرح الهادي» ٤٩٠ ، و «همع الهوامع» مبحثي (المثنى) و (المفعول فيه).

(٢) وفي «اللسان» (حول) : قال «الأزهري» : يقال : رأيت الناس حواله ، وحواليه ، وحوله ، وحوليه.

فحواله وحدان حواليه ، وأما حوليه فهي تثنية حوله. وفي حديث الاستسقاء : «اللهم حوالينا ولا علينا» ، يريد اللهم أنزل الغيث علينا في مواضع النبات ، لا في مواضع الأبنية. من قولهم : رأيت الناس حواليه ، أي : مطيفين به من جوانبه.

(٣) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب الاستسقاء) ٧ : ٩٥ ، و «ابن ماجه» في «سننه» في (كتاب إقامة الصلاة ـ باب ما جاء في الدعاء في الاستسقاء) ١ : ٤٠٤.

و «أحمد» في «مسنده» ٣ : ١٠٤ ، ١٨٧ ، ١٩٤ ، ٢٦١ ، ٢٧١ ، ٤ : ٢٣٦.

وانظر «فتح الباري» ١٠ : ٥٠٤.

(٤) مثل يضرب في صيانة الرجل نفسه عن خسيس مكاسب الأموال.

انظر «الفاخر» : ١٠٩ ، و «مجمع الأمثال» ١ : ٢١٥.

١٥٣

مسألة (٧)

لزوم المثنى الألف لغة بلحارث

«المثنى» يرفع بالألف ، وينصب ويجر بالياء ، نحو : قال رجلان ، ولزوم الألف في الأحوال الثلاثة لغة عزيت لـ «كنانة» و «بني الحارث بن كعب» و «بني العنبر» و «بني الهجيم» وبطون من «ربيعة» و «بكر بن وائل» و «زبيد» و «خثعم» و «همدان» و «مزادة» و «عذرة» وخرج عليها قوله ـ تعالى ـ : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ)(١)

وقوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «لا وتران في ليلة» (٢)

وأنكرها «المبرد» ، وهو محجوج بنقل الأئمة. قال الشاعر :

فأطرق إطراق الشجاع ولو رأى

مساغا لناباه الشجاع لصمّما

وقال آخر :

تزود منا بين أذناه طعنة

وقال آخر :

قد بلغا في المجد غايتاها (٣)

وفي «بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني» ٤ : ٣٠٩ : أي : لا يجتمع وتران ، أو لا يجوز وتران في ليلة ، بمعنى لا ينبغي لكم أن تجمعوها. وليست «لا» نافية للجنس ، وإلا لكان لاوترين ـ بالياء ـ ، لأن الاسم بعد «لا» النافية للجنس يبنى على ما ينصب به. ونصب التثنية بالياء التحتية إلا أن يكون هاهنا

__________________

(١) طه : ٦٣.

(٢) أخرجه «أبو داود» في «سننه» في (كتاب الصلاة ـ باب في نقض الوتر) ٢ : ٦٧ ، و «الترمذي» في «سننه» في (أبواب الوتر) ١ : ٢٩٢ ، و «النسائي» في «سننه» في كتاب قيام الليل وتطوع النهار ـ (باب نهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الوترين في ليلة) ٣ : ٢٣٠. وانظر «مختصر سنن أبي داود» ٢ : ١٢٩ ، و «فيض القدير».

(٣) انظر «الأشموني» ١ : ٧٩ ، و «همع الهوامع» (مبحث المثنى).

١٥٤

حكاية فيكون الرفع للحكاية. وقال «السيوطي» : هو على لغة بلحارث ، الذين يجرون المثنى بالألف في كل حال.

مسألة (٨)

إثبات ميم «فم» مع الإضافة جائز

إذا أفرد «فوك» عوض من عينه وهي «الواو» ميم.

وقد تثبت «الميم» مع الإضافة ، خلافا لـ «أبي علي الفارسي» الذي قال : لا تثبت الميم في «الفم» عند الإضافة إلا في ضرورة الشعر.

ويردّ عليه بالحديث الصحيح : «لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» (١) وبقول الراجز :

يصبح ظمآن وفي البحر فمه (٢)

قال «العكبري» في «إعراب الحديث النبوي» ٢٠١ :

الخاء مضمومة ليس غير ، والفتح خطأ ، و «خلوف» مصدر خلف فوه يخلف ، إذا تغيرت ريحه.

__________________

(١) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب الصوم ـ باب فضل الصوم) ٢ : ٢٢٦.

و «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب الصيام ـ باب فضل الصوم) ٣ : ١٥٨.

و «أحمد» في «مسنده» ٦ : ٢٤٠ ، عن أبي هريرة وغيره. وانظر «التلخيص الحبير» ١ : ٧٢ ، و «بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني» ٩ : ٢١٢.

(٢) انظر «الأشموني» ١ : ٧٣ ، و «التصريح» ١ : ٦٤.

١٥٥

مسألة (٩)

في ألفاظ ملحقة بجمع المذكر السالم

ألحق النحاة بجمع المذكر السالم في إعرابه أنواعا ، فقد كلّ نوع منها بعض الشروط ، فصار شاذا ، ملحقا بهذا الجمع ، وليس جمعا حقيقيا ؛ لأنها سماعية لا يقاس عليها.

مثل كلمة «أهل» فقد قالوا فيها : أهلون ، فجمعوها مع أنها ليست علما ولا صفة ، بل هي اسم جنس جامد ، كـ «رجل» وفي الحديث : «إن لله أهلين من الناس» (١)

وقال الشاعر :

وما المال والأهلون إلا ودائع

ولا بد يوما أن تردّ الودائع

ومما ألحق بجمع المذكر السالم في إعرابه «سنون» وبابه من كل اسم ثلاثي حذفت لامه ، وعوّض عنها تاء التأنيث المربوطة ، ولم يعرف له عند العرب جمع تكسير معرب بالحركات.

فهذا النوع له مفرد من لفظه ، وهذا المفرد لا يسلم من التغيير عند جمعه هذا الجمع ، فلا يبقى على حالته قبل الجمع ، ولذلك يسمونها «جموع تكسير» (٢) ، ويلحقونها بجمع المذكر في إعرابه بالحروف. وهذا في لغة الحجاز ، وعلياء قيس.

__________________

(١) أخرجه «ابن ماجه» في «سننه» في (المقدمة) ١ : ٧٨ ، و «الدارمي» في «سننه» في (كتاب فضائل القرآن ـ باب فضل من قرأ القرآن) ٢ : ٤٣٣ عن «أنس بن مالك» وانظر «المقاصد الحسنة» ١٢٧. والحديث بتمامه : «إن لله أهلين من الناس ،

قالوا : يا رسول الله من هم؟

قال : هم أهل القرآن ، أهل الله وخاصته».

(٢) انظر «أوضح المسالك» (باب جمع المذكر السالم وما حمل عليه).

١٥٦

ويجري بعض بني تميم وبني عامر «سنين» وبابه ـ وإن لم يكن علما ـ مجرى «غسلين» و «حين» في لزوم الياء ، والإعراب بحركات ظاهرة على النون ، منونة غالبا ، ولا تسقط هذه النون عند الإضافة ، تقول : (هذه سنين مجدبة) و (أقمت عنده سنينا) و (لبثت بضع سنين) (١) ، قال الشاعر :

دعاني من نجد فإن سنينه

لعبن بنا شيبا وشيّبننا مردا

وفي الحديث على بعض الروايات :

«اللهم اجعلها عليهم سنينا كسنين يوسف» (٢).

وحذف التنوين قليل ، مقصور على السماع ، وهو لغة.

«النكرة والمعرفة»

قال «الشاطبي» عند قوله :

وذو ارتفاع وانفصال : أنا ، هو ،

وأنت ، والفروع لا تشتبه

يقال : اشتبه عليّ الأمر إذا التبس وأشكل ، ومنه الحديث : «الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات» (٣) أي : مشكلات ، وملتبسات.

__________________

(١) انظر هذه المسألة في «شرح ابن الناظم» : ١٦ ، و «شرح الأشموني» ١ : ٨٦ ، و «شرح المرادي» ١ : ٩٧ ، و «شرح ابن عقيل» ١ : ٦٥ ، و «همع الهوامع» (مبحث جمع المذكر السالم) : ٣٧ و «الأشباه والنظائر» ٤ : ١٤٢.

(٢) لم أقف على رواية التنوين ، وإنما وقفت على رواية : «سنين كسني يوسف» و «سنين كسنين يوسف» انظر «صحيح البخاري» في (كتاب الدعوات ـ باب الدعاء على المشركين) ٧ : ١٦٥ ، و «سنن ابن ماجه» في (كتاب إقامة الصلاة ـ باب ما جاء في القنوت في صلاة الفجر) ١ : ٣٩٤ ، و «مسند أحمد» ٢ : ٢٣٩ ، ٢٥٥ ، ٤١٨ ، ٥٢١ ، و «سنن أبي داود» (كتاب الصلاة ـ باب القنوت في الصلاة) ٢ : ٦٨.

(٣) صدر حديث «النعمان بن بشير» ـ رضي‌الله‌عنهما ـ ، أخرجه «البخاريّ» في «صحيحه» في (كتاب الإيمان ـ باب فضل من استبرأ لدينه) ١ : ١٩.

و «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب البيوع ـ باب أخذ الحلال وترك الشبهات) ٥ : ٥٠.

١٥٧

مسألة (١٠)

في اجتماع ضميرين هل الأولى اتصالهما أو انفصالهما (١)

قال «ابن مالك» : إن كان الفعل من باب «كان» واتصل به ضمير رفع ، جاز في الضمير الذي يليه الاتصال ، نحو : (صديقي كنته) ، والانفصال ، نحو : (صديقي كنت إياه). والاتصال عندي أجود ، لأنه الأصل ، وقد أمكن لشبه «كنته» بـ «فعلته». فمقتضى هذا الشبه أن يمتنع : كنت إياه ، كما يمتنع :

فعلت إياه ، فإذا لم يمتنع فلا أقل من أن يكون مرجوحا. وجعله أكثر النحويين راجحا. وخالفوا القياس والسماع ، أما مخالفة القياس فقد ذكرت.

وأما مخالفة السماع فمن قبل أن الاتصال ثابت في أفصح الكلام المنثور ، كقول النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لعمر ـ رضي‌الله‌عنه ـ : «إن يكنه فلن تسلّط عليه ، وإن لم يكنه فلا خير لك في قتله» (٢) وكقول بعض العرب : (عليه رجلا ليسني).

وفي أفصح الكلام المنظوم ، كقول أبي الأسود الدؤلي :

فإلّا يكنها أو تكنه فإنّه

أخوها غذته أمّه بلبانها

__________________

(١) موارد المسألة : «شواهد التوضيح» ٢٧ ، ٣٠ ، و «شرح ابن الناظم» ٢٤ ، و «شرح الشاطبي» (الضمير) ، و «شرح الأشموني» ١ : ١٨١ ، و «أوضح المسالك» ١ : ٧٣ ، و «شرح شذور الذهب» ١٨٨ ، و «همع الهوامع» في مبحث (كان وأخواتها) و (الجوازم).

(٢) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب الجنائز ـ باب إذا أسلم الصبيّ فمات هل يصلى عليه) ٢ : ٩٦ ، و «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب الفتن وأشراط الساعة ـ باب ذكر ابن صياد) ٨ : ١٩٢ ، وانظر «فتح الباري» ٣ : ٢١٨.

وقال «الشاطبي» في هذه المسألة : الاتصال ثابت نظما ونثرا ، فمن النثر ما في الحديث من قوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لعائشة ـ رضي‌الله‌عنها ـ :

«إياك أن تكونيها يا حميراء» ...

ونسب «ابن منظور» في «اللسان» (مادة : حمر) هذا الحديث لعليّ ـ كرم الله وجهه ـ والحميراء : البيضاء ، تصغير الحمراء.

والحميراء : البيضاء ، تصغير الحمراء. وانظر «المستدرك» لـ «الحاكم» ٣ : ١١٩ ، وتعليق المحقق البارع الشيخ «عبد الفتاح أبو غدة» على كتاب «المنار المنيف في الصحيح الضعيف» : ٦٠ تظفر بتحرير دقيق فيما يتعلّق بالأحاديث التي فيها «يا حميراء» فمنها الصحيح ومنها العليل.

١٥٨

وأورد «الشاطبي» شاهدا من النثر الحديث النبوي : «كن أبا خيثمة فكانه» (١).

ويفيد «ابن مالك» أنه إذا تعلّق بالفعل ضميران ، فإن اختلف الضميران بالرتبة ، وقدم أقربهما رتبة ، جاز اتصال الثاني وانفصاله ، نحو : أعطيتكه ، وأعطيتك إياه. والاتصال أجود لموافقة الأصل ، ولأن القرآن العظيم نزل به دون الانفصال ، كقوله تعالى : (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً)(٢) ،

وقوله ـ عزوجل ـ : (أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ)(٣).

و «سيبويه» (٤) يرى الاتصال هنا واجبا ، والانفصال ممتنعا. والصحيح ترجيح الاتصال ، وجواز الانفصال.

ومن شواهد تجويزه قول النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ :فإن الله ملككم إياهم ، ولو شاء لملكهم إياكم (٥).

__________________

(١) هو في «صحيح مسلم» في (كتاب التوبة ـ باب حديث توبة كعب بن مالك ، وصاحبيه) ٨ : ١٠٧ ، و «السيرة النبوية» لابن هشام ٤ : ١٦٤ في (غزوة تبوك) ، و «الكافي شرح الهادي» ٢٣٤ ، دون كلمة «فكانه». فلا شاهد عند ذلك.

(٢) الأنفال : ٢٣.

(٣) هود : ٢٨.

(٤) انظر «الكتاب» (هذا باب إضمار المفعولين اللّذين تعدّى إليهما فعل الفاعل) ١ : ٣٨٤.

(٥) قطعة من حديث أورده «الذهبي» في كتاب «الكبائر» : ٢٢٣ ، والحديث بتمامه كما ذكره ما يلي : كان ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يوصيهم عند خروجه من الدنيا ويقول : «الله الله في الصلاة وما ملكت أيمانكم ، أطعموهم مما تأكلون ، واكسوهم مما تكتسون ، ولا تكلّفوهم من العمل ما لا يطيقون ، فإن كلّفتموهم فأعينوهم ولا تعذبوا خلق الله فإنه ملككم إياهم ولو شاء لملكهم إيّاكم» ، وفي «سنن أبي داود» في (كتاب الجهاد ـ باب ما يؤمر به من القيام على الدواب والبهائم) ٣ : ٢٣ : «... أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملّكك إيّاها ...»

قال «المكودي» ص : ١٧ : في الحديث جواز الأمرين تقديم الأخص ، وتقديم غير الأخص ، وقد اجتمع الأمران في الحديث ، فانفصال الضمير في قوله : «ملككم إياهم» جائز لتقديم الأخص ، وهو ضمير المخاطب على غير الأخص وهو ضمير الغائب ، وانفصال الضمير في ملكهم إياهم واجب لتقديم غير الأخص.

وهذا الحديث ورد في «شرح ابن الناظم» ٢٤ ، و «شرح الشاطبي» و «شرح المرادي» ١ : ١٤٩ ، و «أوضح المسالك» (باب الضمير).

١٥٩

مسألة (١١)

في إضافة «قط» لياء المتكلم

إن كانت «ياء المتكلم» مجرورة بالإضافة ، والمضاف اسم ساكن الآخر ، كأحد الكلمات الثلاث : (لدن ـ قط ـ قد) جاز إثبات نون الوقاية ، وهو الأفصح ، وجاز حذفها. مثال حذفها الحديث الشريف (١) : قط قط بعزتك وكرمك (٢) يروى بسكون الطاء ، وبكسرها مع ياء ودونها ، ويروى «قطني».

وفي «فتح الباري» ٨ : ٥٩٥ :

وفي رواية : «فتقول : قد قد» بالدال بدل الطاء ، وهي لغة ، وكلها بمعنى : (يكفى).

وفي رواية لأحمد : «فتقول : قدني قدني» وقوله : «قط قط» أي :حسبي حسبي.

«قط» بالتخفيف ساكنا ، ويجوز الكسر بغير إشباع. ووقع في بعض النسخ عن «أبي ذر» : «قطي قطي» بالإشباع. و «قطني» بزيادة نون مشبعة.

__________________

(١) موارد المسألة «شرح ابن الناظم» ٢٧ ، و «شرح الشاطبي» ، و «شرح المرادي» ١ : ١٦٢.

و «أوضح المسالك» ١ : ١٢٠.

(٢) أخرجه «البخاري» في «صحيحه» في (كتاب تفسير القرآن ـ سورة «ق») ٦ : ٤٨ ، و «مسلم» في «صحيحه» في (كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها ـ باب النار يدخلها الجبارون ، والجنة يدخلها الضعفاء) ٨ : ١٥٢ ، عن أنس ـ رضي‌الله‌عنه ـ.

١٦٠