أحكام القرآن - ج ٢

أبي بكر أحمد بن علي الرازي الجصّاص

أحكام القرآن - ج ٢

المؤلف:

أبي بكر أحمد بن علي الرازي الجصّاص


المحقق: محمّد الصادق قمحاوي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
المطبعة: دار إحياء التراث العربي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٧٦

يدل على أنه كان يجيز له أن يستقرض من ماله وقال الثوري لا يعجبني أن ينتفع من ماله بشيء وإن لم يكن على اليتيم فيه ضرر نحو اللوح يكتب فيه وقال الحسن بن حي يستقرض الوصي من مال اليتيم إذا احتاج إليه ثم يقضيه ويأكل الوصي من مال اليتيم بقدر عمله فيه إذا لم يضر بالصبي* قال الله تعالى (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) وقال تعالى (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا) وقال تعالى (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) وقال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) وقال تعالى (وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ) وقال تعالى (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) وهذه الآي محكمة حاظرة لمال اليتيم على وليه في حال الغنى والفقر وقوله تعالى (وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) متشابه محتمل للوجوه التي ذكرنا فأولى الأشياء بها حملها على موافقة الآي المحكمة وهو من يأكل من مال نفسه بالمعروف لئلا يحتاج إلى مال اليتيم لأن الله تعالى قد أمرنا برد المتشابه إلى المحكم ونهانا عن اتباع المتشابه من غير رد له إلى المحكم قال الله تعالى (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) وتأويل من تأوله على جواز أخذ مال اليتيم قرضا أو غير قرض مخالف لمعنى المحكم ومن تأوله على غير ذلك فقد رده إلى المحكم وحمله على معناه فهو أولى وقد روى أن قوله تعالى (فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) منسوخ رواه الحسن بن أبى الحسن بن عطية عن عطية أبيه عن ابن عباس (وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) نسختها الآية التي تليها (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) وروى عثمان بن عطاء عن أبيه عن ابن عباس مثله وروى عيسى بن عبيد الكندي عن عبيد الله بن عمر بن مسلم عن الضحاك بن مزاحم في قوله تعالى (وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) منسوخ بقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) فإن قيل روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا سأل النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال ليس لي مال ولي يتيم فقال كل من مال يتيمك غير مسرف ولا متأثل مالك بماله وروى عمرو بن دينار عن الحسن العوفى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال يأكل ولى اليتيم من ماله بالمعروف غير متأثل منه مالا * قيل له غير جائز الاعتراض

٣٦١

بهذين الخبرين على ما ذكرنا من الآي المقتضية لحظر مال اليتيم فإن صح ذلك فهو محمول على الوجه الذي يجوز وهو أن يعمل في مال اليتيم مضاربة فيأخذ منه مقدار ربحه وهذا جائز عندنا وقد روى عن جماعة من السلف نحو ذلك* فإن قيل فإذا جاز أن يأخذ ربح مال اليتيم إذا عمل به مضاربة فلم لا يجوز أن يأكل من ماله إذا عمل فيه كما روى عن ابن عباس في إحدى الروايات عنه أنه إذا كان يهنأ جرباء الإبل ويبغى ضالتها ويلوط حياضها جاز له أن يشرب من لبنها غير مضر بنسل ولا ناهك حلبا وكما روى عن الحسن أن الوصي كان إذا عمل في نخل اليتيم كانت يده مع أيديهم* قيل له لأنه لا يخلو الوصي إذا أعان في الإبل وعمل في النخل من أحد وجهين إما أن يأخذه على وجه الأجرة لعمله أو على غير الأجرة والعوض من العمل فإن كان يأخذه على وجه الأجرة فذلك يفسد من أربعة أوجه أحدها أن الذين أباحوا ذلك له إنما أباحوه في حال الفقر إذ لا خلاف أن الغنى لا يجوز له أخذه وهو نص الكتاب في قوله تعالى (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ) واستحقاق الأجرة لا يختلف فيه الغنى والفقير فبطل أن يكون أجرة من هذا الوجه والوجه الثاني أن الوصي لا يجوز له أن يستأجر نفسه لليتيم والوجه الثالث أن الذين أباحوا ذلك لم يشرطوا له شيئا معلوما والإجارة لا تصح إلا بأجرة معلومة والوجه الرابع أن من أباح ذلك له لم يجعله أجرة فبطل أن يكون ذلك أجرة وليس هو بمنزلة ربح المضاربة إذا عمل به الوصي لأن الربح الذي يستحقه من المال لم يكن قط مالا لليتيم ألا ترى أن ما يشرطه رب المال للمضارب من الربح لم يكن قط ملكا لرب المال ولو كان ملكا لرب المال مشروطا للمضارب بدلا من عمله لوجب أن يكون مضمونا عليه كالأجرة التي هي مستحقة من مال المستأجر بدلا من عمل الأجير هي مضمونة على المستأجر فلما لم يكن الربح المشروط للمضارب مضمونا على رب المال ثبت أنه لم يكن قط ملكا لرب المال وأنه إنما حدث على ملك المضارب ويدل على ذلك أن مريضا لو دفع مالا مضاربة وشرط للمضارب تسعة أعشار الربح وهو أكثر من ربح مثله أن ذلك جائز ولم يحتسب بالمشروط للمضارب من ذلك من مال المريض إن مات من مرضه وإن ذلك ليس بمنزلة ما لو استأجره بأكثر من أجرة مثله فيكون ذلك من الثلث فليس إذا في أخذه ربح المضاربة أخذ شيء من مال اليتيم* فإن قيل هلا كان الوصي في ذلك كسائر العمال والقضاة الذين يعملون ويأخذون أرزاقهم لأجل عملهم

٣٦٢

للمسلمين فكذلك الوصي إذا عمل لليتيم جاز له أخذ رزقه بقدر عمله* قيل له لا خلاف بين الفقهاء أن الوصي لا يجوز له أخذ شيء من مال اليتيم لأجل عمله إذا كان غنيا وقد حظر ذلك عليه نص التنزيل في قوله تعالى (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ) ولا خلاف مع ذلك أن القضاة والعمال جائز لهم أخذ أرزاقهم مع الغنى ولو كان ما أخذه ولى اليتيم من ماله يجرى مجرى رزق القضاة والعمال جاز له أن يأخذه في حال الغنى فدل ذلك على أن ولى اليتيم لا يستحق رزقا من ماله ولا خلاف أيضا أن القاضي لا يجوز له أن يأخذ من مال اليتيم شيئا وإليه القيام بأمر الأيتام فثبت بذلك أن سائر الناس ممن لهم الولاية على الأيتام لا يجوز لهم أخذ شيء من أموالهم لا قرضا ولا غيره كما لا يأخذه القاضي فقيرا كان أو غنيا* فإن قيل فما الفرق بين رزق القاضي والعامل وبين أخذ ولى اليتيم من ماله* مقدار الكفاية وبين أخذ الأجرة* قيل له إن الرزق ليس بأجرة لشيء وإنما هو شيء جعله الله له ولكل من قام بشيء من أمور المسلمين ألا ترى أن الفقهاء لهم أخذ الأرزاق ولم يعملوا شيئا يجوز أخذ الأجرة عليه لأن اشتغالهم بالفتيا وتفقيه الناس فرض ولا جائز لأحد أخذ الأجرة على الفروض والمقاتلة وذريتها يأخذون الأرزاق وليست بأجرة وكذلك الخلفاء وقد كان للنبي صلّى الله عليه وسلّم سهم من الخمس والفيء وسهم من الغنيمة إذا حضر القتال وغير جائز لأحد أن يقول أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد كان يأخذ الأجر على شيء مما يقوم به من أمور الدين وكيف يجوز ذلك مع قول الله تعالى (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ـ و ـ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) فثبت بذلك أن الرزق ليس بأجرة ويدلك على هذا أنه قد تجب للفقراء والمساكين والأيتام في بيت المال الحقوق ولا يأخذونها بدلا من شيء فأخذ الأجرة للقاضي ولمن قام بشيء من أمور الدين غير جائز وقد منع القاضي أن يقبل الهدية وسئل عبد الله بن مسعود عن قوله تعالى (أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) أهو الرشا قال لا ذاك كفر إنما هو هدايا العمال وروى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال هدايا الأمراء غلول فالقاضى ممنوع من أخذ الأجرة على شيء من أمر القضاء ومحظور عليه قبول الهدايا وتأولها السلف على أنها السحت المذكور في كتاب الله تعالى وولى اليتيم لا يخلو فيما يأخذه من مال اليتيم من أن يأخذه أجرة أو على سبيل رزق القاضي والعامل ومعلوم أن الأجرة إنما تكون على عمل معلوم ومدة معلومة

٣٦٣

وأجر معلوم وينبغي أن يتقدم له عقد إجارة ويستوي فيها الغنى والفقير ومن يجيز له أخذ شيء من مال اليتيم على وجه القرض أو على جهة غير القرض فإنه لا يجعله أجرة لما ذكرنا ولاختلاف حكم الغنى والفقير عندهم فيه فثبت أنه ليس بأجرة ولا يجوز له أن يأخذه على حسب ما يأخذه القضاة من الأرزاق لاستواء حال الغنى والفقير من القضاة فيما يأخذونه من الأرزاق واختلاف الغنى والفقير عند مجيزى أخذ ذلك من مال اليتيم ولأن الرزق إنما يجب في بيت مال المسلمين لا في مال أحد بعينه من الناس فالمشبه لولى اليتيم فيما يجيز له أخذ شيء من ماله بالقاضي والأجير فيما يأخذانه مغفل للواجب عليه* ويدل على أن ولى اليتيم لا يحل له أخذ شيء من ماله قول النبي صلّى الله عليه وسلّم في غنائم خيبر لا يحل لي مما أفاء الله عليكم مثل هذه يعنى وبرة أخذها من بعيره إلا الخمس والخمس مردود فيكم فإذا كان النبي صلّى الله عليه وسلّم فيما يتولاه من مال المسلمين كما ذكرنا فالوصي فيما يتولاه من مال اليتيم أحرى أن يكون كذلك وأيضا لما كان دخول الوصي في الوصية على وجه التبرع من غير شرط أجرة كان بمنزلة المستبضع فلا أجرة له ولا يحل له أخذ شيء منه قرضا ولا غيره كما لا يجوز ذلك للمستبضع* وقوله تعالى (فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ) قال أبو بكر الآي التي تقدم ذكرها في أمر الأيتام تدل على أن سبيل الأيتام أن يلي عليهم غيرهم في حفظ أموالهم والتصرف عليهم فيما يعود نفعه عليهم وهم وصى الأب أو الجد إن لم يكن وصى أب أو وصى الجد إن لم يكن أحد من هؤلاء أو أمين حاكم عدل بعد أن يكون الأمين أيضا عدلا وكذلك شرط الأوصياء والجد والأب وكل من يتصرف على الصغير لا يستحق الولاية عليه إلا أن يكون عدلا مأمونا فأما الفاسق والمتهم من الآباء والمرتشي من الحكام والأوصياء والأمناء غير المأمونين فإن واحدا من هؤلاء غير جائز له التصرف على الصغير ولا خلاف في ذلك نعلمه ألا ترى أنه لا خلاف بين المسلمين في أن القاضي إذا فسق بأخذ الرشا أو ميل إلى هوى وترك الحكم أنه معزول غير جائز الحكم فكذلك حكم الله فيمن ائتمنه على أموال الأيتام من قاض أو وصى أو أمين أو حاكم فغير جائز ثبوت ولايته في ذلك إلا على شرط العدالة وصحة الأمانة وقد أمر الله تعالى أولياء الأيتام بالإشهاد عليهم بعد البلوغ بما يدفعون إليهم من أموالهم وفي ذلك ضروب من الأحكام أحدها الاحتياط لكل واحد من اليتيم ووالى ماله فأما اليتيم فلأنه إذا قامت عليه البينة

٣٦٤

بقبض المال كان أبعد من أن يدعى ما ليس له وأما الوصي فلأن يبطل دعوى اليتيم بأنه لم يدفعه إليه كما أمر الله تعالى بالإشهاد على البيوع احتياطا للمتبايعين ووجه آخر في الإشهاد وهو أنه يظهر أداء أمانته وبراءة ساحته كما أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم الملتقط بالإشهاد على اللقطة في حديث عياض بن حماد المجاشعي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال من وجد لقطة فليشهد ذوى عدل ولا يكتم ولا يغيب فأمره بالإشهاد لتظهر أمانته وتزول عنه التهمة والله الموفق.

ذكر اختلاف الفقهاء في تصديق الوصي على دفع المال إلى اليتيم

قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر والحسن بن زياد في الوصي إذا ادعى بعد بلوغ اليتيم أنه قد دفع المال إليه أنه يصدق وكذلك لو قال أنفقت عليه في صغره صدق في نفقة مثله وكذلك لو قال هلك المال وهو قول سفيان الثوري وقال مالك لا يصدق الوصي أنه دفع المال إلى اليتيم وهو قول الشافعى قال لأن الذي زعم أنه دفعه إليه غير الذي ائتمنه كالوكيل بدفع المال إلى غيره لا يصدق إلا ببينة وقال الله تعالى (فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ) قال أبو بكر وليس في الأمر بالإشهاد دليل على أنه غير أمين ولا مصدق فيه لأن الإشهاد مندوب إليه في الأمانات كهو في المضمونات ألا ترى أنه يصح الإشهاد على رد الأمانات من الودائع كما يصح في أداء المضمونات من الديون فإذا ليس في الأمر بالإشهاد دلالة على أنه غير مصدق فيه إذا لم يشهد* فإن قيل إذا كان* مصدقا في الرد فما معنى الإشهاد مع قبول قوله بغير بينة* قيل له فيه ما قدمنا ذكره من ظهور أمانته والاحتياط له في زوال التهمة عنه في أن لا يدعى عليه بعد ما قد ظهر رده وفيه الاحتياط لليتيم في أن لا يدعى ما يظهر كذبه فيه وفيه أيضا سقوط اليمين عن الوصي إذا كانت له بينة في دفعه إليه ولو لم يشهد وادعى اليتيم أنه لم يدفعه كان القول قول الوصي مع يمينه وإذا أشهد فلا يمين عليه فهذه المعاني كلها مضمنة بالإشهاد وإن كان أمانة في يده ويدل على أنه مصدق فيه بغير إشهاد اتفاق الجميع على أنه مأمور بحفظه وإمساكه على وجه الأمانة حتى يوصله إلى اليتيم في وقت استحقاقه فهو بمنزلة الودائع والمضاربات وما جرى مجراها من الأمانات فوجب أن يكون مصدقا على الرد كما يصدق على رد الوديعة والدليل على أنه أمانة أن اليتيم لو صدقه على الهلاك لم يضمنه كما أن المودع إذا صدق المودع في هلاك الوديعة لم يضمنه وأما قول الشافعى أنه لم يأتمنهم الأيتام لم يصدقوا

٣٦٥

فقول ظاهر الاختلال بعيد من معاني الفقه منتقض فاسد لأنه لو كان ما ذكره علة لنفى التصديق لوجب أن لا يصدق القاضي إذا قال لليتيم قد دفعته إليك لأنه لم يأتمنه وكذلك يلزمه أن يقول في الأب إذا قال بعد بلوغ الصغير قد دفعت إليك مالك أن لا يصدقه لأنه لم يأتمنه ويلزمه أيضا أن يوجب عليهم الضمان إذا تصادقوا بعد البلوغ أنه قد هلك لأنه أمسك ماله من غير ائتمان له عليه وأما تشبيهه إياه بالوكيل بدفع المال إلى غيره فتشبيه بعيد ومع ذلك فلا فرق بينهما من الوجه الذي صدقنا فيه الوصي لأن الوكيل مصدق أيضا في براءة نفسه غير مصدق في إيجاب الضمان ودفعه إلى غيره وإنما لم يقبل قوله على المأمور بالدفع إليه فأما في براءة نفسه فهو مصدق كما صدقنا الوصي على الرد بعد البلوغ وأيضا فإن الوصي في معنى من يتصرف على اليتيم بإذنه ألا ترى أنه يجوز تصرفه عليه في البيع والشرى كجواز تصرف أبيه فإذا كان إمساك الوصي المال بائتمان الأب له عليه وإذن الأب جائز على الصغير صار كأنه ممسك له بعد البلوغ بإذنه فلا فرق بينه وبين المودع وقوله تعالى (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) الآية قال أبو بكر قد انتظمت هذه الجملة عموما ومجملا فأما العموم فقوله للرجال وللنساء وقوله تعالى (مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) فلذلك عموم في إيجاب الميراث للرجال وللنساء من الوالدين والأقربين فدل من هذه الجهة على إثبات مواريث ذوى الأرحام لأن أحدا لا يمتنع أن يقول إن العمات والخالات والأخوال وأولاد البنات من الأقربين فوجب بظاهر الآية إثبات ميراثهم إلا أنه لما كان قوله (نَصِيبٌ) مجملا غير مذكور المقدار في الآية امتنع استعمال حكمه إلا أنه ورود بيان من غيره إلا أن الاحتجاج بظاهر الآية في إثبات ميراث ما لذوي الأرحام سائغ* وهذا مثل قوله تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) وقوله تعالى (أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) وقوله تعالى (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) عطفا على ما قدم ذكره من الزرع والثمرة فهذه ألفاظ قد اشتملت على العموم والمجمل فلا يمنع ما فيها من الإجمال من الإحتجاج بعمومها متى اختلفنا فيما انتظمه لفظ العموم وهو أصناف الأموال الموجب فيها وإن لم يصح الاحتجاج بما فيها من المجمل عند اختلافنا في المقدار الواجب كذلك متى اختلفنا في الورثة المستحقين للميراث ساغ الاحتجاج بعموم قوله تعالى (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) الآية

٣٦٦

ومتى اختلفنا في المقدار الواجب لكل واحد منهم احتجنا في إثباته إلى بيان من غيره* فإن قيل لما قال (نَصِيباً مَفْرُوضاً) ولم يكن لذوي الأرحام نصيب مفروض علمنا أنهم لم يدخلوا في مراد الآية قيل له ما ذكرت لا يخرجهم من حكمها وكونهم مرادين بها لأن الذي يجب لذوي الأرحام عند موجبى مواريثهم هو نصيب مفروض لكل واحد منهم وهو معلوم مقدر كأنصباء ذوى السهام لا فرق بينهما من هذا الوجه وإنما أبان الله تعالى أن لكل واحد من الرجال والنساء نصيبا مفروضا غير مذكور المقدار في الآية لأنه مؤذن ببيان وتقدير معلوم له يرد في التالي فكما ورد البيان في نصيب الوالدين والأولاد وذوى السهام بعضها بنص التنزيل وبعضها بنص السنة وبعضها بإجماع الأمة وبعضها بالقياس والنظر كذلك قد روى بيان أنصباء ذوى الأرحام بعضها بالسنة وبعضها بدليل الكتاب وبعضها باتفاق الأمة من حيث أوجبت الآية لذوي الأرحام أنصباء فلم يجز إسقاط عمومها فيهم ووجب توريثهم بها ثم إذا استحقوا الميراث بها كان المستحق من النصيب المفروض على ما ذهب إليه القائلون بتوريث ذوى الأرحام فيهم فهم وإن كانوا مختلفين في بعضها فقد اتفقوا في البعض وما اختلفوا فيه لم يخل من دليل لله تعالى يدل على حكم فيه* فإن قيل قد روى عن قتادة وابن جريج أن الآية نزلت على سبب وهو أن أهل الجاهلية كانوا يورثون الذكور دون الإناث فنزلت الآية وقال غيرهما أن العرب كانت لا تورث إلا من طاعن بالرمح وزاد عن الحريم والمال فأنزل الله تعالى هذه الآية إبطالا لحكمهم فلا يصح اعتبار عمومها في غير ما وردت فيه* قيل له هذا غلط من وجوه أحدها أن السبب الذي ذكرت غير مقصور على الأولاد وذوى السهام من القرابات الذين بين الله حكمهم في غيرها وإنما السبب أنهم كانوا يورثون الذكور دون الإناث وجائز أن يكونوا قد كانوا يورثون ذوى الأرحام من الرجال دون الإناث فليس فيما ذكرت إذا دليل على أن السبب كان توريث الأولاد ومن ذكرهم الله تعالى من ذوى السهام في آية المواريث ومن جهة أخرى أنها لو نزلت على سبب خاص لم يوجب ذلك تخصيص عموم اللفظ بل الحكم للعموم دون السبب عندنا فنزولها على سبب ونزولها مبتدأة من غير سبب سواء وأيضا فإن الله قد ذكر مع الأولاد غيرهم من الأقربين في قوله تعالى (مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) فعلمنا أنه لم يرد به ميراث الأولاد دون

٣٦٧

سائر الأقربين* ويحتج بهذه الآية في توريث الأخوة والأخوات مع الجد كنحو احتجاجنا بها في توريث ذوى الأرحام وقوله تعالى (نَصِيباً مَفْرُوضاً) يعنى والله أعلم معلوما مقدرا ويقال أن أصل الفرض الحز في القداح علامة لها يميز بينها والفرضة العلامة في قسم الماء يعرف بها كل ذوى حق نصيبه من الشرب فإذا كان أصل الفرض هذا ثم نقل إلى المقادير المعلومة في الشرع أو إلى الأمور الثابتة اللازمة* وقد قيل إن أصل الفرض الثبوت ولذلك سمى الحز الذي في سية القوس فرضا لثبوته والفرض في الشرع ينقسم إلى هذين المعنيين فمتى أريد به الوجوب كان المفروض في أعلى مراتب الإيجاب وقد اختلف في معنى الفرض والواجب في الشرع من بعض الوجوه وإن كان كل مفروض واجبا من حيث كان الفرض يقتضى فارضا وموجبا له وليس كذلك الواجب لأنه قد يجب من غير إيجاب موجب له ألا ترى أنه جائز أن يقال أن ثواب المطيعين واجب على الله في حكمته ولا يجوز أن يقال إنه فرض عليه إذ كان الفرض يقتضى فارضا وقد يكون واجبا في الحكمة غير مقتض موجبا وأصل الوجوب في اللغة هو السقوط يقال وجبت الشمس إذا سقطت ووجب الحائط إذا سقط وسمعت وجبة يعنى سقطة وقال الله تعالى (فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها) يعنى سقطت فالفرض في أصل اللغة أشد تأثيرا من الواجب وكذلك حكمهما في الشرع إذا كان الحز الواقع ثابت الأثر وليس كذلك الوجوب قوله تعالى (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى) الآية قال سعيد بن المسيب وأبو مالك وأبو صالح هي منسوخة بالميراث* وقال ابن عباس وعطاء والحسن والشعبي وإبراهيم ومجاهد والزهري أنها محكمة ليست بمنسوخة وروى عطية عن ابن عباس يعنى عند قسمة الميراث وذلك قبل أن ينزل القرآن فأنزل الله تعالى بعد ذلك الفرائض فأعطى كل ذي حق حقه فجعلت الصدقة فيما سمى المتوفى ففي هذه الرواية عن ابن عباس أنها كانت واجبة عند قسمة الميراث ثم نسخت بالميراث وجعل ذلك في وصية الميت لهم* وروى عكرمة عنه أنها ليست بمنسوخة وهي في قسمة الميراث ترضخ لهم فإن كان في المال تقصيرا اعتذر إليهم وهو قوله تعالى (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) وروى الحجاج عن أبى إسحاق أن أبا موسى الأشعرى وعبد الرحمن بن بكر كانا يعطيان من حضر من هؤلاء وقال قتادة عن الحسن قال قال أبو موسى هي محكمة وروى أشعث عن ابن سيرين عن حميد بن عبد الرحمن

٣٦٨

قال ولى أبى ميراثا فأمر بشاة فذبحت ثم صنعت ولما قسم ذلك الميراث أطعمهم ثم تلا (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى) الآية وروى محمد بن سيرين عن عبيدة مثله وقال لولا هذه الآية لكانت هذه الشاة من مالي وذكر أنه كان من مال يتيم قد وليه* وروى هشيم عن أبى بشر عن سعيد بن جبير في هذه الآية قال هذه الآية يتهاون بها الناس وقال هما وليان أحدهما يرث والآخر لا يرث والذي يرث هو الذي أمر أن يرزقهم ويعطيهم والذي لا يرث هو الذي أمر أن يقول لهم قولا معروفا ويقول هذا المال لقوم غيب أو لأيتام صغار ولكم فيه حق ولسنا نملك أن نعطى منه شيئا فهذا القول المعرف قال هي محكمة وليست بمنسوخة فحمل سعيد بن جبير قوله (فَارْزُقُوهُمْ) على أنهم يعطون أنصباءهم من الميراث والقول المعرف للآخرين فكانت فائدة الآية عنده أن حضر بعض الورثة وفيهم غائب أو صغير أنه يعطى الحاضر نصيبه من الميراث ويمسك نصيب الغائب والصغير فإن صح هذا التأويل فهو حجة لقول من يقول في الوديعة إذا كانت بين رجلين وغاب أحدهما أن للحاضر أن يأخذ نصيبه ويمسك المودع نصيب الغائب وهو قول أبى يوسف ومحمد وأبو حنيفة يقول لا يعطى أحد المودعين شيئا إذا كانا شريكين فيه حتى يحضر الآخر وروى عطاء عن سعيد بن جبير (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) قال يقول عدة جميلة إن كان الورثة صغارا يقول أولياء الورثة لهؤلاء الذين لا يرثون من قرابة الميت واليتامى والمساكين أن هؤلاء الورثة صغار فإذا بلغوا أمرناهم أن يعرفوا حكم ويتبعوا فيه وصية ربهم فحصل اختلاف السلف في ذلك على أربعة أوجه قال سعيد بن المسيب وأبو مالك وأبو صالح أنها منسوخة بالميراث والثاني رواية عكرمة عن ابن عباس وقول عطاء والحسن والشعبي وإبراهيم ومجاهد أنها ثابتة الحكم غير منسوخة وهي في الميراث والثالث وهو قول ثالث عن ابن عباس أنها في وصية الميت لهؤلاء منسوخة عن الميراث وروى نحوه عن زيد بن أسلم قال زيد بن أسلم هذا شيء أمر به الموصى في الوقت الذي يوصى فيه واستدل بقوله تعالى (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً) قال يقول له من حضره اتق الله وصلهم وبرهم وأعطهم والرابع قول سعيد بن جبير في رواية أبى بشر عنه أن قوله (فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) هو الميراث نفسه (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) لغير أهل الميراث فأما الذين قالوا إنها منسوخة فإنه كان عندهم على الوجوب قبل نزول الميراث

«٢٤ ـ أحكام في»

٣٦٩

فلما نزلت المواريث وجعل لكل وارث نصيب معلوم صار ذلك منسوخا وأما الذين قالوا ثابتة الحكم فإنه محمول عندنا على أنهم رأوها ندبا واستحبابا لا حتما وإيجابا لأنها لو كانت واجبة مع كثرة قسمة المواريث في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم والصحابة ومن بعدهم لنقل وجوب ذلك واستحقاقه لهؤلاء كما نقلت المواريث لعموم الحاجة إليه فلما لم يثبت وجوب ذلك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ولا عن الصحابة دل ذلك على أنه استحباب ليس بإيجاب وما روى عن عبد الرحمن وعبيدة وأبى موسى في ذلك فجائز أن يكون الورثة كانوا كبارا فذبح الشاة من جملة المال بإذنهم وما روى في الحديث أن أبى عبيدة قسم ميراث أيتام فذبح شاة فإن هذا على أنهم كانوا يتامى فكبروا لأنهم لو كانوا صغارا لم تصح مقاسمتهم ويدل على أنه ندب ما روى عطاء عن سعيد بن جبير أن الوصي يقول لهؤلاء الحاضرين من أولى القربى وغيرهم أن هؤلاء الورثة صغار ويعتذرون إليهم بمثله ولو كانوا مستحقين له على الإيجاب لوجب إعطاؤهم صغارا كان الورثة أو كبارا وأيضا فإن الله تعالى قد قسم المواريث بين الورثة وبين نصيب كل واحد منهم في آية المواريث ولم يجعل فيها لهؤلاء شيئا وما كان ملكا لغيره فغير جائز إزالته إلى غيره إلا بالوجوه التي حكم الله بإزالته لقوله تعالى (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) وقال صلّى الله عليه وسلّم دماؤكم وأموالكم عليكم حرام وقال لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه وهذا كله يوجب أن يكون إعطاء هؤلاء الحاضرين عند القسمة استحبابا لا إيجابا وأما قوله تعالى (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) فقد روى عن ابن عباس أنه إذا كان في المال تقصير اعتذر إليهم وعن سعيد بن جبير قال يعطى الميراث أهله وهو معنى قوله تعالى (فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) في هذه الرواية ويقول لمن لا يرث إن هذا المال لقوم غيب ولأيتام صغار ولكم فيه حق ولسنا نملك أن نعطى منه شيئا فمعناه عنده ضرب من الاعتذار إليهم وقال بعض أهل العلم إذا أعطوهم عند القسمة شيئا لا يمن عليهم ولا ينتهرهم ولا يسيء اللفظ فيما يخاطبهم به لقوله تعالى (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً) وقوله تعالى (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) قوله تعالى (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ) الآية اختلف السلف في تأويله فروى عن ابن عباس رواية وعن سعيد ابن جبير والحسن ومجاهد وقتادة والضحاك والسدى قالوا هو الرجل يحضره الموت

٣٧٠

فيقول له من يحضره اتق الله أعطهم صلهم برهم ولو كانوا هم الذين يوصون لأحبوا أن يبقوا لأولادهم قال حبيب بن أبى ثابت فسألت مقسما عن ذلك فقال لا ولكنه الرجل يحضره الموت فيقول له من يحضره اتق الله وأمسك عليك مالك ولو كانوا ذوى قرابته لأحبوا أن يوصى لهم فتأوله الأولون على نهى الحاضرين عن الحض على الوصية وتأوله مقسم على نهى من يأمره بتركها وقال الحسن في رواية أخرى هو الرجل يكون عند الميت فيقول أوص بأكثر من الثلث من مالك وعن ابن عباس رواية أخرى أنه قال في ولاية مال اليتيم وحفظه أن عليهم أن يعملوا فيه ويقولوا بمثل ما يحب أن يعمل ويقال في أموال أيتامهم وضعاف ذريتهم بعد موتهم وجائز أن تكون هذه المعاني التي تأولها السلف عليها الآية مرادة بها إلا أن ما نهى عنه من الأمر بالوصية أن النهى عنها إذا قصد المشير بذلك إلى الإضرار بالورثة أو بالموصى لهم مما لا يرضاه هو لنفسه لو كان مكان هؤلاء وذلك بأن يكون المريض قليل المال له ذرية ضعفاء فيأمره الذي يحضره باستغراق الثلث للوصية ولو كان هو مكانه لم يرض بذلك وصية له لأجل ورثته وهذا يدل على أن المستحب له إذا كان له ورثة ضعفاء وهو قليل المال أن لا يوصى بشيء ويتركه لهم أو يوصى لهم بأقل من الثلث وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لسعد حين قال أوصى بجميع مالي فقال لا إلى أن رده إلى الثلث فقال الثلث والثلث كثير إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس فأخبر النبي صلّى الله عليه وسلّم أن الورثة إذا كانوا فقراء فترك الوصية ليستغنوا به أفضل من فعلها وذكر الحسن بن زياد عن أبى حنيفة أنه كان يقول الأفضل لمن له مال كثير الوصية بما يريد أن يوصى به على وجه القرية من ثلث ماله والأفضل لمن ليس له مال كثير أن لا يوصى منه بشيء وأن يبقيه لورثته والنهى منصرف أيضا إلى من يأمره من الحاضرين بأن يوصى بأكثر من الثلث على ما روى عن الحسن لأن ذلك لا يجوز أن يفعله لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم الثلث كثير ولنهيه سعدا عن الوصية بأكثر من الثلث وجائز أن يكون ما قاله مقسم مرادا بأن يقول الحاضر لا توص بشيء ولو كان من ذوى قرابته لأحب أن يوصى له فيشير عليه بما لا يرضاه لنفسه* وقد روى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم معنى ذلك حدثنا عبد الباقي بن قانع قال حدثنا إبراهيم بن هاشم قال حدثنا هدبة قال حدثنا همام قال حدثنا قتادة عن أنس أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لا يؤمن العبد حتى يحب لأخيه ما يحب

٣٧١

لنفسه من الخير وحدثنا عبد الباقي قال حدثنا الحسن بن العباس الرازي قال حدثنا سهل ابن عثمان قال حدثنا زياد بن عبد الله عن ليث عن طلحة عن خيثمة عن عبد الله بن عمر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال من سره أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويحب أن يأتى إلى الناس ما يحب أن يأتى إليه قال أبو بكر فهذا معنى قوله تعالى (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) فنهاه عز وجل أن يشير على غيره ويأمره بما لا يرضاه لنفسه ولأهله ولورثته وأمر الله تعالى بأن يقول الحاضرون قولا سديدا وهو العدل والحق الذي لا خلل فيه ولا فساد في إجحاف بوارث أو حرمان لذي قرابة وقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) الآية روى عن ابن عباس وسعيد ابن جبير ومجاهد أنه لما نزلت هذه الآية عزل من كان في حجره يتيم طعامه عن طعامه وشرابه عن شرابه حتى فسد حتى أنزل الله تعالى (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) فرخص لهم في الخلطة على وجه الإصلاح* قال أبو بكر قد خص الله تعالى الأكل بالذكر وسائر الأموال غير المأكول منها محظور إتلافه من مال اليتيم كحظر المأكول منه ولكنه خص الأكل بالذكر لأنه أعظم ما يبتغى له الأموال وقد بينا ذلك ونظائره فيما قد سلف وقوله تعالى (إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً) روى عن السدى أن لهب النار يخرج من فمه ومسامعه وأنفه وعينيه يوم القيامة يعرفه من رآه أنه أكل مال اليتيم وقيل أنه كالمثل لأنهم يصيرون به إلى جهنم فتمتلئ بالنار أجوافهم* ومن جهال الحشو وأصحاب الحديث من يظن أن قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) منسوخ بقوله تعالى (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) وقد أثبته بعضهم في الناسخ والمنسوخ لما روى أنه لما نزلت هذه الآية عزلوا طعام اليتيم وشرابه حتى نزل قوله تعالى (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) وهذا القول من قائله يدل على جهله بمعنى النسخ وبما يجوز نسخه مما لا يجوز ولا خلاف بين المسلمين أن أكل مال اليتيم ظلما محظور وأن الوعيد المذكور في الآية قائم فيه على اختلاف منهم في إلحاق الوعيد به في الآخرة لا محالة أو جواز الغفران فأما النسخ فلا يجيزه عاقل في مثله وجهل هذا الرجل أن الظلم لا تجوز إباحته بحال فلا يجوز نسخ حظره وإنما عزل من كان في حجره يتيم من الصحابة طعامه عن طعامه لأنه خاف أن يأكل من مال

٣٧٢

اليتيم ما لا يستحقه فتلحقه سمة الظلم ويصير من أهل الوعيد في الآية واحتاطوا بذلك فلما نزل قوله تعالى (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) زال عنهم الخوف في الخلطة بعد أن يقصدوا الإصلاح بها وليس فيه إباحة لأكل مال اليتيم ظلما حتى يكون ناسخا لقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) والله أعلم.

(تم الجزء الثاني ويليه الجزء الثالث وأوله باب الفرائض)

٣٧٣

فهرست الجزء الثانى من أحكام القرآن للجصاص

صفحة

صفحة

٢

باب تحريم الخمر.

١٠٤

باب الرضاع.

١٠

باب تحريم الميسر.

١١٣

ذكر اختلاف الفقهاء في وقت الرضاع.

١٢

باب التصرف في مال اليتيم.

١١٨

باب ذكر عدة المتوفى عنها زوجها.

١٥

باب نكاح المشركات.

١٢٣

ذكر الإختلاف في خروج المعتدة من بيتها.

٢٠

باب الحيض.

١٢٥

باب ذكر إحداد المتوفى عنها زوجها.

٢٢

باب بيان معنى الحيض ومقداره.

١٢٨

باب التعريض بالخطبة في العدة.

٣٠

الاختلاف في أقل مدة الطهر.

١٣٥

باب متعة المطلقة.

٣١

الاختلاف في الطهر العارض في حال الحيض.

١٤٣

ذكر تقدير المتعة الواجبة.

٤٢

قوله تعالى ولا تجعلوالله عرضة لايمانكم.

١٤٧

ذكر اختلاف أهل العلم في الطلاق بعد الخلوة.

٤٣

قوله تعالى لايؤاخذكم الله با للغو فى أيمانكم.

١٥٥

باب الصلاة الوسطى وذكر الكلام في الصلاة.

٤٤

باب الإيلاء.

١٦٤

باب الفرار من الطاعون.

٤٩

قوله تعالى وأن عزمو ا الطلاق الآية.

١٦٧

قوله تعالى أن الله قد بعث لكم طاغوت.

٥٤

فصل ومما تفيد هذه الآية من الأحكام.

١٦٩

قوله تعالى ألم تر إلى الذى حاج ابراهيم فى ربه الآيه.

٥٥

باب الإقراء.

١٧٢

باب الامتنان بالصدقة.

٦٨

باب حق الزوج على المرأة وحق المرأة على الزوج.

١٧٤

باب المكاسبة.

٧٣

باب عدد الطلاق.

١٧٨

باب إعطاء المشرك من الصدقة.

٨٢

ذكر الاختلاف في الطلاق بالرجال.

١٨٣

باب الربا.

٨٣

ذكر الحجاج لإيقاع الطلاق الثلاث معا.

١٨٤

ومن أبواب الربا الشرعي السلم في الحيوان.

٨٩

باب الخلع.

١٨٦

ومن أبواب الربا الدين بالدين ومن أبواب الربا الذي تضمنت الآية تحريمه.

٩١

ذكر اختلاف السلف وسائر فقهاء الأمصار فيما يحل أخذه بالخلع.

١٨٩

باب البيع.

٩٧

باب المضارة في الرجعة

١٩٥

قوله تعالى وأن تبتم فلكم رؤوس

١٠٠

باب النكاح بغير ولى.

أموالكم.

١٠١

ذكر الاختلاف في ذلك.

٣٧٤

صفحة

صفحة

٢٠٤

قوله عزوجل وأن تصدقوا خير لكم الخ.

من الكتاب الآيه.

٢٠٥

باب عقود المداينات.

٢٨٨

قوله تعالى قل اللهم مالك الملك الآيه.

٢١٢

باب الحجر على السفيه.

٢٨٩

قوله تعالى إلا أن تتقوا منهم تقاة الآية.

٢١٥

ذكر اختلاف فقهاء الأمصار في الحجر على السفيه.

٢٩١

قوله تعالى أن الله أصطفى آدم الآية.

٢٢١

باب الشهود.

٢٩٧

قوله تعالى قول يا أهل الكتاب تعالوا.

٢٢٦

شهادت الأعمى.

٢٩٩

قوله تعالى أن الذين يشترون بعهد الله.

٢٢٩

شهادت البدوى على القروى.

٣٠١

قوله تعالى إن اوكل طعام كان حلا لبنى إسرائيل.

٢٣٠

شهادت النساء مع الرجال.

٣٠٣

قوله تعالى إن أول بيت وضع للناس.

٢٣٣

شروط الشهادة.

٣٠٤

باب الجاني يلجأ إلى الحرم أو يجنى فيه.

٢٣٧

التحرى عن الشاهد.

٣٠٧

باب فرض الحج.

٢٤٢

شهادة أحد الزوجين للآخر.

٣١٥

باب فرض الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

٢٤٣

شهادة الأجير.

٣٢٤

باب الاستعانة بأهل الذمة.

٢٤٧

لالشاهد واليمين.

٣٢٩

قوله تعالى واورهم فى الأمر.

٢٥٧

قوله عزوجل ولا يضاركاتب ولا شهيد.

٣٣١

قوله تعالى وما كان لنبى أن يغل.

٢٥٨

باب الرهن.

٣٣٢

قوله تعالى ولا تحسن الذين قتلوا فى سبيل الله امواتاً الآية.

٢٦٠

ذكر اختلاف الفقهاء في رهن المشاع.

٣٣٣

قوله تعالى الذين قالوا لهم الناس الآية.

٢٦٢

باب ضمان الرهن.

٣٣٤

قوله تعالى وإذا اخذ الله ميثاق الذين أتو الكتاب الآية. قوله تعالى أن فى حلق السماوات والارض الآية.

٢٦٩

اختلاف الفقهاء فى الانتفاع بالرهن.

٣٣٥

فضل الرباط فى سبيل الله.

٢٧٣

قوله تعالى ولا تكتمو الشهادة.

٣٣٦

(سورة النساء)

٢٧٧

قوله تعالى لا يكلف الله نفساً ألا وسعها.

٣٣٨

باب الدفع أموال الأيتام بأعيانها ومنعه الوصى من استهلاكها.

٢٧٩

قوله تالى ربنا ولا تحمل علينا أصراً.

(سورة آل عمران)

٢٨٠

الكلام فى المحكم والمتشابه.

٢٨٥

قوله تعالى أن مثل عيسى عند الله كمثل آدم.

٢٨٦

قوله تعالى زين للناس حب الشهوات. جواز النكار المنكر مع خوف القتل.

٢٨٧

قوله تعالى ألم تر ألى الذين اتو نصيبباً

٣٧٥

صفحة

صفحة

٣٤١

باب تزويج الصغار.

دفع المال إلى اليتيم.

٣٤٦

قوله تعالى فانكحوا ما طاب لكم من النساء

٣٦٦

قوله تعالى للرجال نصيب مما ترك الولدان والا قربون الآية.

قوله تعالى ذالك أدنى ألا تعولوا.

٣٦٨

قوله تعالى وإذا حضر القسمة أولوا القربى الآيه.

٣٥٠

باب هبة المرأة المهر لزوجها.

٣٧٠

قوله تعالى وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً الآية.

٣٥٣

باب دفع المال إلى السفهاء.

٣٧٢

قوله تعالى إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً الآية.

٣٥٦

باب دفع المال إلى اليتيم.

٣٥٩

باب أكل ولى اليتيم من ماله.

٣٦٥

ذكر اختلاف الفقهاء في تصديق الوصي على دفع المال إلى اليتيم

٣٧٦