الموجز في أصول الفقه

الشيخ جعفر السبحاني

الموجز في أصول الفقه

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١٤
ISBN: 978-964-357-324-9
الصفحات: ٢٤٨

(الإسراء / ٢٣) فحرمة التأفيف تدل بالأولوية على حرمة الشتم وربما يسمّى لحن الخطاب.

وأمّا لو كان الحكم في المفهوم مخالفا في السنخ للحكم الموجود في المنطوق فهو مفهوم مخالف.

الأمر الخامس : أقسام مفهوم المخالف

اعلم أنّ الموارد التي وقعت محل النزاع من مفهوم المخالف عبارة عما يلي :

١. مفهوم الشرط.

٢. مفهوم الوصف.

٣. مفهوم الغاية.

٤. مفهوم الحصر.

٥. مفهوم العدد.

٦. مفهوم اللقب.

وإليك التفصيل :

٨١

الأوّل : مفهوم الشرط

واعلم أنّ النزاع في وجود المفهوم في القضايا الشرطية إنّما هو فيما إذا عدّ القيد شيئا زائدا على الموضوع وتكون الجملة مشتملة على موضوع ، ومحمول ، وشرط ، فيقع النزاع حينئذ في دلالة القضية الشرطية على انتفاء المحمول عن الموضوع ، عند انتفاء الشرط وعدمها مثل قوله عليه‌السلام : «إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء» فهناك موضوع وهو الماء ، ومحمول وهو العاصمية (لم ينجسه) وشيء آخر باسم الشرط ، أعني : الكرية ، فعند انتفاء الشرط يبقى الموضوع (الماء) بحاله بخلاف القضايا التي يعد الشرط فيها محقّقا للموضوع من دون تفكيك بين الشرط والموضوع بل يكون ارتفاع الشرط ملازما لارتفاع الموضوع ، فهي خارجة عن محل النزاع ، كقوله : إن رزقت ولدا فاختنه ، فهذه القضايا فاقدة للمفهوم. فإنّ الرزق هنا ليس شيئا زائدا على نفس الولد.

إنّ دلالة الجملة الشرطية على المفهوم (أي انتفاء الجزاء لدى انتفاء الشرط) لا تتمّ إلاّ إذا ثبتت الأمور الثلاثة التالية :

١. وجود الملازمة بين الجزاء والشرط في القضية بأن لا يكون من قبيل التقارن الاتّفاقي بصورة جزئية ، كخروج زيد من المجلس مقارنا مع دخول عمرو فيه ، فإنّ التقارن من باب الاتفاق ، ولأجل ذلك يحصل الانفكاك بينهما كثيرا.

٢. أن يكون التلازم من باب الترتب أي ترتب التالي على المقدّم ، بأن يكون الشرط علة للجزاء ، فخرج ما إذا لم يكن هناك هذا النحو من الترتّب كما إذا قال : إن طال الليل قصر النهار ، أو إذا قصر النهار طال الليل ، فليس بينهما ترتب لكونهما معلولين لعلة ثالثة.

٣. أن يكون الترتب علّيا انحصاريا ، ومعنى الانحصار عدم وجود علّة

٨٢

أخرى تقوم مقام الشرط.

فالقائل بالمفهوم لا محيص له إلاّ من إثبات هذه الأمور الثلاثة ، ويكفي للقائل بالعدم منع واحد منها.

ثمّ إنّ دلالة الجملة الشرطية على هذه الأمور الثلاثة بأحد الوجوه التالية :

١. الوضع : ادّعاء وضع الهيئة على ما يلازم هذه الأمور الثلاثة : الملازمة ، الترتب ، الانحصار.

٢. الانصراف (١) : ادّعاء انصراف الجملة الشرطية في ذهن المخاطب إلى هذه الأمور.

٣. الإطلاق : ادّعاء أنّ المتكلّم كان في مقام بيان العلل ولم يذكر إلاّ واحدا منها ، فيعلم انحصارها فتثبت الملازمة والترتب بوجه أولى.

أمّا إثباتها بالطريق الأوّل أي بالدلالة الوضعية ، فالحق دلالة الجملة الشرطية على الأمرين : الملازمة والترتب ، وذلك لأنّ المتبادر من هيئة الجملة الشرطية هو أنّ فرض وجود الشرط وتقدير حصوله ، يتلوه حصول الجزاء وتحقّقه وهذا مما لا يمكن إنكاره ، وهو نفس القول بالملازمة والترتب.

وأمّا إثبات الأمر الثالث ، وهو انّ العلّية بنحو الانحصار بالدلالة الوضعية ، فهو غير ثابت ، لأنّ تقسيم العلّة إلى المنحصرة وغير المنحصرة من المفاهيم الفلسفية البعيدة عن الأذهان العامة فمن البعيد ، أن ينتقل الواضع إلى التقسيم ، ثم يضع الهيئة الشرطية على قسم خاص منها وهي المنحصرة.

__________________

(١) إذا كان اللّفظ موضوعا لحقيقة ذات أنواع كالحيوان أو ذات أصناف كالماء فتبادر منه ـ عند الاستعمال ـ نوع أو صنف إلى الذهن دون الأنواع والأصناف الأخرى ، يقال : اللفظ منصرف إلى كذا ، مثلا إذا قيل : «لا تصل في ما لا يؤكل لحمه» يكون منصرفا إلى غير الإنسان.

٨٣

وأمّا إثبات الانحصار بالانصراف فهو أيضا بعيد ، لأنّ الانصراف رهن أحد أمرين :

١. كثرة الاستعمال في العلة المنحصرة.

٢. كون العلة منحصرة أكمل من كونها غير منحصرة.

وكلا الأمرين منتفيان لكثرة الاستعمال في غير المنحصرة ، وكون العلّة المنحصرة ليست بأكمل في العليّة من غيرها.

وأمّا إثبات الانحصار بالإطلاق وهو كون المتكلّم في مقام البيان فهذا يتصوّر على وجهين :

تارة يكون في مقام بيان خصوصيات نفس السبب الوارد في الجملة الشرطية وما له من جزء وشرط ومانع من دون نظر إلى وجود سبب آخر ، وأخرى يكون في مقام بيان ما هو المؤثر في الجزاء ، فعلى الأوّل يكون مقتضى الإطلاق انّ ما جاء بعد حرف الشرط هو تمام الموضوع وليس له جزء أو شرط آخر ولا يتفرع عليه المفهوم ، بل أقصاه أنّ ما وقع بعد حرف الشرط تمام الموضوع للجزاء وأمّا أنّه لا يخلفه شيء آخر فلا يمكن دفعه لأنّه ليس في مقام البيان.

وعلى الثاني أي إذا كان بصدد بيان ما هو المؤثر في الجزاء على وجه الإطلاق ، فإذا ذكر سببا واحدا وسكت عن غيره ، فالسكوت يكون دالا على عدم وجود سبب آخر قائم مقامه.

والحاصل : أنّه لو أحرز كون المتكلّم في مقام تحديد الأسباب ومع ذلك اقتصر على ذكر سبب واحد يستكشف أنّه ليس للجزاء سبب إلاّ ما جاء في كلامه فيحكم على السبب بأنّه علة منحصرة ، وهذا بخلاف ما إذا لم يكن في مقام بيان الأسباب كلّها فإنّ مقتضى الإطلاق أنّ ما وقع تحت الشرط تمام الموضوع وليس له

٨٤

جزء آخر غير مذكور ، وأمّا أنّه ليس للجزاء سبب آخر يقوم مقام السبب الأوّل فلا يدلّ عليه.

تطبيقات

إنّ للقول بدلالة الجملة الشرطية على المفهوم ثمرات فقهية لا تحصى ، وربما يستظهر من خلال الروايات أنّ القول بالدلالة كان أمرا مسلما بين الإمام والراوي ، وإليك تلك الروايات :

١. روى أبو بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الشاة تذبح فلا تتحرك،ويهراق منها دم كثير عبيط ، فقال : «لا تأكل ، إنّ عليا كان يقول : إذا ركضت الرجل أو طرفت العين فكل». (١)

ترى أنّ الإمام عليه‌السلام يستدلّ على الحكم الذي أفتى به بقوله : «لا تأكل» بكلام علي عليه‌السلام ، ولا يكون دليلا عليه إلاّ إذا كان له مفهوم ، وهو إذا لم تركض الرجل ولم تطرف العين (كما هو مفروض الرواية) فلا تأكل.

٢. روى الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «كان أمير المؤمنين يضمّن القصار والصائغ احتياطا للناس ، وكان أبي يتطوّل عليه إذا كان مأمونا». (٢)

فالرواية على القول بالمفهوم دالة على تضمينه إذا لم يكن مأمونا. (٣)

٣. روى علي بن جعفر في كتاب مسائله وقرب الإسناد : أنّه سأل أخاه عن حمل المسلمين إلى المشركين التجارة ، فقال : «إذا لم يحملوا سلاحا فلا بأس». (٤)

__________________

(١) الوسائل : ١٦ / ٢٦٤ ، الباب ١٢ من أبواب الذبائح ، الحديث ١.

(٢) الوسائل : ١٣ / ٢٧٢ ، الباب ٢٩ من أبواب أحكام الإجارة ، الحديث ٤.

(٣) مباني العروة : كتاب المضاربة : ١٧.

(٤) الجواهر : ٢٢ / ٢٨.

٨٥

دلّت الرواية على القول بالمفهوم على حرمة التجارة مع المشرك إذا حملوا سلاحا من دون فرق بين زمان الحرب والهدنة.

٤. روى معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجسه شيء».

دلّت الرواية لاشتمالها على المفهوم على انفعال القليل بالملاقاة ، وإلاّ كان تعليق عدم الانفعال بالكرّية أمرا لغوا. (١)

٥. روى عبد الله بن جعفر عن أبي محمد عليه‌السلام قوله : ويجوز للرجل أن يصلّي ومعه فارة مسك ، فكتب : «لا بأس به إذا كان ذكيا».

فلو قلنا بالمفهوم لدلّ على المنع عن حمل الميتة وإن كان جزءا صغيرا. (٢)

٦. روى محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قلت له : الأمة تغطي رأسها، فقال: «لا ، ولا على أم الولد أن تغطي رأسها إذا لم يكن لها ولد».

دلّ بمفهومه على وجوب تغطية الرأس مع الولد. (٣)

٧. روى الحلبي عن الصادق عليه‌السلام قال : «لا بأس بأن يقرأ الرجل في الفريضة بفاتحة الكتاب في الركعتين الأولتين إذا ما أعجلت به حاجة أو تخوّف شيئا».

دلّ بمفهومه على وجوب السورة بعد الحمد في غير مورد الشرط. (٤)

٨. روى ابن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «لا بأس أن يتكلّم إذا فرغ الإمام من الخطبة يوم الجمعة ما بينه وبين أن تقام الصلاة».

استدلّ بها صاحب الجواهر على حرمة الكلام في أثناء الخطبة. (٥)

٩. روى علي بن فضل الواسطي ، عن الرضا عليه‌السلام قال : كتبت إليه إذا انكسفت الشمس أو القمر وأنا راكب لا أقدر على النزول ، فكتب إليّ : «صل على

__________________

(١) الجواهر : ١ / ١٠٦.

(٢) الجواهر : ٦ / ١٣٢.

(٣) الجواهر : ٨ / ٢٢٢.

(٤) الجواهر : ٩ / ٣٣٤.

(٥) الجواهر : ١١ / ٢٩٤.

٨٦

مركبك الذي أنت عليه». أي صلّ على مركبك إذا لم تقدر على النزول. استدلّ بها على عدم جواز إقامة صلاة الآيات على ظهر الدابة إلاّ مع الضرورة. (١)

١٠. روى معاوية بن وهب بعد أن سأله عن السرية يبعثها الإمام عليه‌السلام فيصيبون غنائم كيف تقسم؟ قال : «إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليه‌السلام ، أخرج منها الخمس لله تعالى وللرسول ، وقسّم بينهم ثلاثة أخماس».

استدلّ بأنّه إذا كان هناك حرب بغير إذنه ، فلا يعدّ ما أصابوه من الغنائم بل من الأنفال. (٢)

وينبغي التنبيه على أمرين :

الأوّل : إذا تعدّد الشرط واتّحد الجزاء

إذا كان الشرط متعدّدا والجزاء واحدا كما لو قال : إذا خفي الأذان فقصّر ، وإذا خفي الجدران فقصّر ، فعلى القول بظهور الجملة الشرطية في المفهوم ، تقع المعارضة بين منطوق أحدهما ومفهوم الآخر ، فلو افترضنا أنّ المسافر بلغ إلى حدّ لا يسمع أذان البلد ولكن يرى جدرانه فيقصّر حسب منطوق الجملة الأولى ويتمّ حسب مفهوم الجملة الثانية ، كما أنّه إذا بلغ إلى حد يسمع الأذان ولا يرى الجدران فيتم حسب مفهوم الجملة الأولى ويقصّر حسب منطوق الجملة الثانية ، فالتعارض بين منطوق إحداهما ومفهوم الأخرى.

وبما انّك عرفت أنّ استفادة المفهوم مبني على كون الشرط علّة تامة أوّلا ، ومنحصرة ثانيا يرتفع التعارض بالتصرف في أحد ذينك الأمرين ، فتفقد الجملة الشرطية مفهومها ، وعندئذ لا يبقى للمعارضة إلاّ طرف واحد وهو منطوق الآخر ، وإليك بيان كلا التصرفين :

__________________

(١) الجواهر : ١١ / ٤٧٧.

(٢) الجواهر : ١١ / ٢٩٤.

٨٧

أمّا الأوّل : أي التصرف في السببيّة التامة فبأن تكون الجملة الثانية قرينة على أنّ خفاء الأذان ليست سببا تاما للقصر ، وانّما السبب التام هو خفاء كلا الأمرين من الأذان والجدران ، فتكون النتيجة بعد التصرف هو إذا خفي الجدران والأذان معا فقصر.

وأمّا الثاني : وهو التصرّف في انحصارية الشرط فبأن يكون كل منهما سببا مستقلا لا سببا منحصرا ، فتكون النتيجة هي استقلال كل واحد في إيجاب القصر ، فكأنّه قال : إذا خفي الأذان أو الجدران فقصّر.

والفرق بين التصرفين واضح ، فإنّ مرجع التصرف في الأوّل إلى نفي السببية المستقلّة عن كل منهما وجعلهما سببا واحدا ، كما أنّ مرجعه في الثاني إلى سلب الانحصار بعد تسليم سببيّة كل منهما مستقلا.

فعلى الأوّل لا يقصر إلاّ إذا خفي كلاهما وعلى الثاني يقصر مع خفاء كل منهما.

وعلى كلا التقديرين يرتفع التعارض لزوال المفهوم بكل من التصرفين ، لأنّ المفهوم فرع كون الشرط سببا تاما ومنحصرا ، والمفروض أنّه إمّا غير تام ، أو غير منحصر.

إلاّ أنّه وقع الكلام في تقديم أحد التصرفين على الآخر ، والظاهر هو التصرف في ظهور كلّ من الشرطين في الانحصار فيكون كل منهما مستقلا في التأثير ، فإذا انفرد أحدهما كان له التأثير في ثبوت الحكم ، وإذا حصلا معا فإن كان حصولهما بالتعاقب كان التأثير للسابق وإن تقارنا كان الأثر لهما معا ويكونان كالسبب الواحد.

وانّما قلنا برجحان التصرف في الانحصار على التصرف في السببية التامة ، لأجل أنّ التصرف في الانحصار مما لا بدّ منه سواء تعلّق التصرف برفع الانحصار

٨٨

أو تعلّق التصرف برفع السببية التامة ، فالانحصار قطعيّ الزوال ومتيقن الارتفاع ، وأمّا السببية التامة فمشكوك الارتفاع فلا ترفع اليد عنه إلاّ بدليل.

الثاني : في تداخل الأسباب والمسببات وعدمه (١)

إذا تعدّد السبب واتحد الجزاء كما إذا قال : إذا بلت فتوضّأ وإذا نمت فتوضّأ ، فيقع الكلام في تداخل الأسباب أوّلا ، وتداخل المسببات ثانيا.

والمراد من تداخل الأسباب وعدمه هو أنّ السببين هل يقتضيان وجوبا واحدا فيتداخلان في التأثير ، أو يقتضيان وجوبين فلا يتداخلان.

والمراد من تداخل المسبّبات وعدمه هو أنّ الإتيان بالطبيعة مرّة هل يكفي في امتثال كلا الوجوبين أو لا بدّ من الإتيان بها مرّتين.

ولا يخفى انّ البحث في خصوص تداخل المسببات وعدمه مبني على ثبوت عدم التداخل في الأسباب كما أنّ البحث في التداخل مطلقا يجري إذا أمكن تكرار الجزاء كالوضوء وإلاّ فيسقط البحث كقتل زيد لكونه محاربا ومرتدا فطريا فإنّ القتل غير قابل للتكرار ، فلا معنى للبحث عن التداخل سببا أو مسببا.

إذا عرفت ذلك يقع الكلام في موضعين :

الأوّل : حكم الأسباب من حيث التداخل وعدمه ، والمتبادر عرفا من القضيتين : إذا بلت فتوضّأ وإذا نمت فتوضّأ هو عدم التداخل بمعنى انّ كلّ شرط علّة لحدوث الجزاء ، أعني : الوجوب مطلقا ، سواء وجد الآخر معه أم قبله أم بعده أم لم يوجد ، وليس لعدم تداخل الأسباب معنى إلاّ تعدد الوجوب.

الثاني : حكم المسببات من حيث التداخل وعدمه أي كفاية وضوء واحد

__________________

(١) يكفي في عقد هذا البحث القول بكون كل شرط سببا تاما ، لا سببا منحصرا ، فليس البحث مبنيا على اشتمال القضية الشرطية على المفهوم ، فلاحظ.

٨٩

وعدمه فالظاهر عدم ظهور القضية في أحد الطرفين ، فتصل النوبة إلى الأصل العمليّ وهو الأصل عدم سقوط الواجبات المتعددة بفعل واحد ولو كان ذلك بقصد امتثال الجميع في غير ما دلّ الدليل على سقوطها به ، وبعبارة أخرى :الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينية وهي رهن تعدّد الامتثال.

نعم دلّ الدليل على سقوط أغسال متعددة بغسل الجنابة أو بغسل واحد نوى به سقوط الجميع.

فخرجنا بهذه النتيجة : انّ مقتضى الأصل العملي هو عدم سقوط الواجبات المتعدّدة ما لم يدلّ دليل بالخصوص على سقوطها.

تطبيقات

١. إذا وجبت عليه الزكاة ، فهل يجوز دفعها إلى واجب النفقة إذا كان فقيرا من جهة الإنفاق؟ قال في الجواهر : لا يجوز ، لكونه ليس إيتاء للزكاة لأصالة عدم تداخل الأسباب.

٢. إذا اجتمع للمستحق سببان يستحق بهما الزكاة ، كالفقر والجهاد في سبيل الله جاز أن يعطى لكل سبب نصيبا ، لاندراجه حينئذ في الصنفين مثلا ، فيستحق بكل منهما.

٣. إذا وقعت نجاسات مختلفة في البئر لكل نصيب خاص من النزح ، فهل يجب نزح كل ما قدّر أو لا؟

٤. إذا تغيّرت أوصاف ماء البئر ، ومع ذلك وقعت فيه نجاسات لها نصيب من النزح ، فهل يكفي نزح الجميع أو يجب معه نزح ما هو المقدّر؟

٩٠

الثاني : مفهوم الوصف

ولإيضاح الحال نذكر أمورا :

الأوّل : المراد من الوصف في عنوان المسألة ليس خصوص الوصف النحوي بل الأصولي ، فيعم الحال والتمييز ممّا يصلح أن يقع قيدا لمتعلق التكليف أو لنفسه.

الثاني : يشترط في الوصف أن يكون أخصّ من الموصوف مطلقا حتى يصح فرض بقاء الموضوع مع انتفاء الوصف كالإنسان العادل ، فخرج منه ما إذا كانا متساويين ، كالإنسان المتعجب وما إذا كان أعم منه مطلقا ، كالإنسان الماشي.

وأمّا إذا كان أعم منه من وجه كما في الغنم السائمة زكاة فانّ بين الغنم والسائمة عموم وخصوص من وجه ، فيفترق الوصف عن الموضوع في الغنم المعلوفة ، والموضوع عن الوصف في الإبل السائمة ويجتمعان في الغنم السائمة ، فهل هو داخل في النزاع أو لا؟

الظاهر دخوله في النزاع إذا كان الافتراق من جانب الوصف بأن يكون الموضوع باقيا والوصف غير باق كالغنم المعلوفة ، وأمّا إذا ارتفع الموضوع ، سواء كان الوصف باقيا، كالإبل السائمة ، أو كان هو أيضا مرتفعا كالإبل المعلوفة فلا يدلّ على شيء في حقهما.

الثالث : انّ النزاع في ثبوت مفهوم الوصف وعدمه لا ينافي اتفاقهم على أنّ الأصل في القيود (١) أن تكون احترازية وذلك :

__________________

(١) أقول : إنّ القيود الواردة في الكلام على أقسام خمسة :

١. القيد الزائد كقولك : الإنسان الضاحك ناطق.

٩١

لأنّ معنى كون القيد احترازيا ليس إلاّ ثبوت الحكم في مورد القيد ، فإذا قال : أكرم الرجال طوال القامة ، معناه ثبوت الحكم مع وجود الأمرين : الرجال والطوال.

وأمّا نفي الحكم عن الرجال القصار فلا يدل عليه كون القيد احترازيا ، بل يتوقف في الحكم بالثبوت أو العدم ، بخلاف القول بالمفهوم ، فإنّ لازمه نفي الحكم في غير مورد الوصف والفرق بين الأمرين واضح ، فكون القيد احترازيا يلازم السكوت في غير مورد الوصف ، والقول بالمفهوم يلازم نقض السكوت والحكم بعدم الحكم في غير مورد الوصف.

إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّ الحقّ عدم دلالة الوصف على المفهوم ، لأنّ أقصى ما يدلّ عليه القيد هو كونه قيدا احترازيا بالمعنى الذي مرّ عليك ، وأمّا الزائد عليه أي الانتفاء لدى الانتفاء فلا دليل عليه.

__________________

٢. القيد التوضيحي : وهو القيد الذي يدلّ عليه الكلام وإن لم يذكر كقوله سبحانه : وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً (النور / ٣٣).

٣. القيد الغالبي : وهو القيد الوارد مورد الغالب ، ومع ذلك لا مدخلية له في الحكم ، كقوله سبحانه : وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ (النساء / ٢٢) فكونهن في حجور الأزواج قيد غالبي.

٤. القيد الاحترازي : وهو القيد الذي له مدخلية في الحكم ولا يحكم على الموضوع بحكم إلاّ معه كالدخول في الآية المتقدّمة فانّ الدخول بالأم شرط لحرمة الربيبة ، فلو لم يدخل بها وطلّقها يتوقّف في الحكم.

٥. القيد المفهومي : أو القيد ذات المفهوم ، وهو ما يدلّ على ثبوت الحكم عند وجوده وعدمه عند انتفائه ، وهذا النوع من القيد يثبت أكثر ممّا يثبته القيد الاحترازي ، فإنّ الثاني يثبت الحكم في مورد القيد ويسكت عن وجوده وعدمه في غير مورده ، ولكن القيد المفهومي يثبت الحكم في مورده وينفيه عن غيره.

٩٢

نعم ربما تدلّ القرائن على ثبوت المفهوم للقضية الوصفية ـ وراء كونه احترازيا ـ مثل ما حكي أنّ أبا عبيدة قد فهم من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: «ليّ الواجد يحلّ عرضه وعقوبته»: أنّ ليّ غير الواجد لا يحلّ. (١)

نعم خرجت عن تلك الضابطة العقود والإيقاعات المتداولة بين الناس حتى الأقارير والوصايا ، فإنّها لو اشتملت على قيد ووصف لأفاد المفهوم ، فمثلا لو قال : «داري هذه وقف للسادة الفقراء» فمعناه خروج السادة الأغنياء عن الخطاب.

الثالث : مفهوم الغاية

إذا ورد التقييد بالغاية مثل قوله : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) (المائدة / ٦) فقد اختلف الأصوليّون فيه من جهتين :

الجهة الأولى : في دخول الغاية «المرفق» في المنطوق أي في حكم المغيّى (وجوب الغسل) وعدمه.

الجهة الثانية : في مفهوم الغاية ، وهو موضوع البحث في المقام فقد اختلفوا في أنّ التقييد بالغاية هل يدلّ على انتفاء سنخ الحكم عمّا وراء الغاية (العضد) ومن الغاية نفسها (المرفق) إذا قلنا في النزاع الأوّل بعدم دخولها في المغيّى أو لا؟

أمّا الجهة الأولى ففيها أقوال :

أ. خروجها مطلقا ، وهو خيرة المحقّق الخراساني والسيد الإمام الخميني قدّس الله سرّهما.

__________________

(١) والليّ : «المطل» والواجد : الغني ، وإحلال عرضه : عقوبته وحبسه.

٩٣

ب. دخولها مطلقا.

ج. التفصيل بين ما إذا كان ما قبل الغاية وما بعدها متحدين في الجنس ، فتدخل كما في قوله سبحانه : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) (المائدة / ٦) فيجب غسل المرفق ، وبين ما لم يكن كذلك فلا يدخل كما في قوله تعالى : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) (البقرة / ١٨٧) فإنّ الليل (الغاية) يغاير المغيّى. فانّ جنس النهار عرفا هو النور، وجنس الآخر هو الظلمة فهما مختلفان جنسا ، واشتراكهما في الزمان صحيح لكنّه أمر عقليّ.

د. عدم الدلالة على شيء وإنّما يتبع في الحكم ، القرائن الدالّة على واحد منهما.

وقبل بيان المختار نشير إلى أمرين :

الأوّل : انّ البحث في دخول الغاية في حكم المغيّى إنّما يتصوّر فيما إذا كان هناك قدر مشترك أمكن تصويره تارة داخلا في حكمه وأخرى داخلا في حكم ما بعد الغاية ، كالمرفق فانّه يصلح أن يكون محكوما بحكم المغيّى (الأيدي) ومحكوما بحكم ما بعد الغاية (العضد) وأمّا إذا لم يكن كذلك فلا ، كما إذا قال : اضربه إلى خمس ضربات ، فالضربة السادسة هي بعد الغاية وليس هنا حدّ مشترك صالح لأن يكون محكوما بحكم المغيّى أو محكوما بحكم ما بعد الغاية ، وبذلك يظهر أنّه لو كانت الغاية ، غاية للحكم لا يتصوّر فيه ذلك النزاع ، كما إذا قال : «كلّ شيء حلال حتى تعلم أنّه حرام» فانّه لا يمكن أن يكون العلم بالحرام داخلا في حكم المغيّى ، إذ ليس بعد العلم بالحظر رخصة.

الثاني : إذا كانت أداة الغاية هي لفظ «حتى» فالنزاع في دخول الغاية في حكم المغيّى وعدمه إنّما يتصوّر إذا كانت خافضة كما في قوله : «أكلت السمكة

٩٤

حتى رأسها ، ومثل قوله سبحانه : (كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) (البقرة / ١٨٧).

وأمّا العاطفة فهي خارجة عن البحث ، لأنّ الغاية فيها داخلة تحت حكم المغيّى قطعا، كما إذا قال : مات الناس حتى الأنبياء ، فإنّ معناه أنّ الأنبياء ماتوا أيضا ، والغرض من ذكر الغاية هو بيان أنّه إذا كان الفرد الفائق على سائر أفراد المغيّى ، محكوما بالموت فكيف حال الآخرين ، ونظيره القول المعروف : مات كلّ أب حتى آدم.

إذا عرفت ذلك فالحقّ هو القول الأوّل ، أي عدم دخول الغاية في حكم المغيّى أخذا بالتبادر في مثل المقام ، قال سبحانه : (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ* سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (القدر / ٤ و ٥) فإنّ المتبادر منه أنّ النزول أو السلام إلى مطلع الفجر لا فيه نفسه ولا بعده ، وكقول القائل : قرأت القرآن إلى سورة الإسراء ، فإنّ المتبادر خروج الإسراء عن إخباره بالقراءة ، فإن تمّ ما ذكرنا من التبادر فهو ، وإلاّ فالقول الرابع هو الأقوى من أنّه لا ظهور لنفس التقييد بالغاية في دخولها في المغيّى ولا في عدمه.

الجهة الثانية : في مفهوم الغاية والظاهر دلالة الجملة على ارتفاع الحكم عمّا بعد الغاية وحتى عن الغاية أيضا إذا قلنا بعدم دخولها في حكم المغيّى ، لأنّ المتفاهم العرفي في أمثال المقام هو تحديد الواجب وتبيين ما هو الوظيفة في مقام التوضّؤ ، ويؤيد ما ذكرنا تبادر المفهوم في أكثر الآيات الواردة فيها حتى الخافضة كقوله سبحانه : (كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) (البقرة / ١٨٧) وقال : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) (البقرة / ١٩٣) فانّ المتبادر منها هو حصر الحكم إلى حدّ الغاية وسريان خلافه إلى ما بعدها.

٩٥

الرابع : مفهوم الحصر

المشهور أنّ للحصر أدوات منها :

١. إلاّ الاستثنائية.

٢. إنّما.

٣. بل الإضرابية.

٤. توسط ضمير الفصل بين المبتدأ والخبر.

٥. تعريف المسند إليه باللاّم.

٦. تقديم ما حقّه التأخير.

وإليك الكلام في كلّ واحد منها :

١. إلاّ الاستثنائية

هل الاستثناء مطلقا أو بعد النفي يدلّ على الحصر أي حصر الخروج في المستثنى وعدم خروج فرد آخر عن المستثنى منه؟ فيه خلاف. الظاهر هو الدلالة عليه ، ويكفي في ذلك التبادر القطعي بحيث لو دلّ دليل آخر على خروج فرد غيره لعدّ مخالفا لظاهر الدليل، فلو قال : «لا تعاد الصلاة إلاّ من خمس : الطهور والقبلة والوقت والركوع والسجود» (١) ثمّ قال في دليل آخر بوجوب الإعادة في غير هذه الخمسة لعدّ مخالفا للمفهوم المستفاد من القضية الأولى ولا بدّ من علاج التعارض بوجه.

٢. كلمة «إنّما»

استدلّ على إفادتها للحصر بوجهين :

__________________

(١) الوسائل : الجزء ٤ ، الباب ١ من أبواب قواطع الصلاة ، الحديث ٤.

٩٦

أ. التبادر من موارد استعمالها.

ب. تصريح اللغويين كالأزهري وغيره على أنّها تفيد الحصر. (١)

والتتبع في الآيات الكريمة يرشدنا إلى كونها مفيدة للحصر ، أي حصر الحكم في الموضوع ، وأحيانا حصر الموضوع في الحكم أمّا الأوّل فكقوله سبحانه :

١. (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) (المائدة / ٥٥).

٢. (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ) (البقرة / ١٧٣).

٣. (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ) (...إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ) (الممتحنة / ٨ ـ ٩).

أمّا الثاني فكقوله تعالى : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ) (الرعد / ٧) فهو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنسبة إلى قومه منذر ، وليس عليهم بمصيطر.

إلى غير ذلك من الآيات المسوقة بالحصر.

٣. «بل الإضرابية»

إنّ الإضراب على وجوه :

أ. ما كان لأجل أنّ المضرب عنه إنّما أوتي به غفلة أو سبقه به لسانه ، فيضرب بها عنه إلى ما قصد بيانه كما إذا قال : جاءني زيد بل عمرو ، إذا التفت إلى أنّ ما أتى به أوّلا صدر عنه غفلة فلا تدلّ على الحصر.

ب. ما كان لأجل التأكيد فيكون ذكر المضرب عنه كالتوطئة والتمهيد لذكر

__________________

(١) مطارح الأنظار : ١٢٢.

٩٧

المضرب إليه فلا تدلّ على الحصر ، فكأنّه أتى بالمضرب إليه ابتداء كقوله سبحانه : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى* بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا) (الأعلى / ١٤ ـ ١٦).

ج. ما كان في مقام الردع وإبطال ما جاء أوّلا ، فتدلّ على الحصر ، قال سبحانه : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) (الأنبياء / ٢٦) والمعنى بل هم عباد فقط.

ونحوه قوله سبحانه : (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) (المؤمنون / ٧٠).

والآية تدلّ على حصر ما جاء به في الحقّ.

٤. توسيط ضمير الفصل بين المبتدأ والخبر

مثل قولك : «زيد هو القائم» ، وقول الصادق عليه‌السلام «الكافور هو الحنوط».

٥. تعريف المسند إليه باللاّم

إذا دخلت اللام على المسند إليه وكانت لام الجنس أو لام الاستغراق دون العهد،فهو يفيد الحصر ، كقوله سبحانه : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) وكقولك : الكاتب زيد ، ومثله الفتى عليّ.

٦. تقديم ما حقّه التأخير

هناك هيئات غير الأدوات تدلّ على الحصر ، مثل تقديم المفعول على الفعل ، نحو قوله : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (الحمد / ٥).

٩٨

تطبيقات

١. لو حصل التغيّر بملاقاة النجاسة لماء الكر أو الجاري في غير صفاته الثلاث :اللون والطعم والرائحة ، كالحرارة والرقة والخفة ، فهل ينجس الماء أو لا؟

الظاهر هو الثاني ، للحصر المستفاد من الاستثناء بعد النفي ، أعني قوله : «خلق الله الماء طهورا لا ينجّسه شيء إلاّ ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه». (١)

٢. لو ضمّ إلى نية التقرّب في الوضوء رياء.

قال المرتضى بالصحّة مع عدم الثواب ، والمشهور هو البطلان لقوله سبحانه : (وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (البيّنة / ٤) والمراد من الدين هو الطاعة ،والحصر قاض بأنّ العمل الفاقد للإخلاص لم يتعلّق به أمر فكيف يكون صحيحا؟ (٢)

٣. يجب أن يحنّط مساجد الميت السبعة بالحنوط ، وهو الطيب المانع عن فساد البدن ، وظاهر الأدلّة حصر الحنوط بالكافور ، لقول الصادق عليه‌السلام : «إنّما الحنوط بالكافور» ، وقوله : «الكافور هو الحنوط». (٣)

__________________

(١) الجواهر : ١ / ٨٣.

(٢) الجواهر : ٢ / ٩٦ ـ ٩٧.

(٣) الجواهر : ٤ / ١٧٦.

٩٩

الخامس : مفهوم العدد

إنّ العدد المأخوذ قيدا للموضوع يتصوّر ثبوتا على أقسام أربعة :

١. يؤخذ على نحو لا بشرط في جانبي الزيادة والنقيصة ، كقوله سبحانه : (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) (التوبة / ٨٠) فالاستغفار لهم ما دام كونهم منافقين لا يفيد قلّ أو كثر.

٢. يؤخذ بشرط لا في كلا الجانبين ، كأعداد الفرائض.

٣. يؤخذ بشرط لا في جانب النقيصة دون الزيادة ، كما هو الحال في مسألة الكرّ حيث يجب أن يكون ثلاثة أشبار ونصف طولا ، وعرضا وعمقا ولا يكفي الناقص كما لا يضرّ الزائد.

٤. عكس الصورة الثالثة بأن يؤخذ بشرط لا في جانب الزيادة دون النقيصة ، كالفصل بين المصلّين في الجماعة ، فيجوز الفصل بالخطوة دون الزائد.

هذا التقسيم راجع إلى مقام الثبوت ، وأمّا مقام الإثبات فالظاهر أو المنصرف إليه أنّه بصدد التحديد قلّة وكثرة فيدلّ على المفهوم في جانب التحديد إلاّ إذا دلّ الدليل على خلافه ، مثل قوله : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) (النور / ٢) وظاهر الآية التحديد في كلا الجانبين.

وربما تشهد القرينة على أنّه بصدد التحديد في جانب النقيصة دون الزيادة ، كقوله سبحانه : (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) (البقرة / ٢٨٢). ومثله ما ورد في عدد الغسلات من إصابة البول وملاقاة الخنزير.

وربما ينعكس فيؤخذ التحديد في جانب الزيادة ، ككون ما تراه المرأة من

١٠٠