الموجز في أصول الفقه

الشيخ جعفر السبحاني

الموجز في أصول الفقه

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١٤
ISBN: 978-964-357-324-9
الصفحات: ٢٤٨

محرّم ، فيدور أمره بين الوجوب ، والاستحباب ؛ أو الإباحة ، أو الكراهة ، كالدعاء عند رؤية الهلال الدائر أمره بين الوجوب والاستحباب.

وعلى ذلك يقع الكلام في مقامين :

المقام الأوّل : الشبهة التحريمية وفيها مسائل أربع :

أ. الشبهة الحكمية التحريمية لأجل فقدان النص.

ب. الشبهة الحكمية التحريمية لأجل إجمال النص.

ج. الشبهة الحكمية التحريمية لأجل تعارض النصّين.

د. الشبهة الموضوعية التحريمية لأجل خلط الأمور الخارجية.

وإليك الكلام في هذه المسائل ، الواحدة تلو الأخرى.

المسألة الأولى : في الشبهة الحكمية التحريمية لأجل فقدان النص

إذا شكّ في حرمة شيء لأجل عدم النصّ عليها في الشريعة فقد ذهب الأصوليّون إلى البراءة والأخباريون إلى الاحتياط. واستدلّ الأصوليّون بالكتاب والسنّة والعقل نذكر المهمّ منها :

١. التعذيب فرع البيان

قال سبحانه : (مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء / ١٥).

وبعث الرسول كناية عن البيان الواصل إلى المكلّف ، لأنّه لو بعث الرسول ولم يكن هناك بيان ، أو كان هناك بيان ولم يصل إلى المكلّف ، لما صحّ التعذيب ولقبح عقابه ، فالدافع لقبح العقاب هو البيان الواصل بمعنى وجوده في مظانّه

١٨١

على وجه لو تفحّص عنه المكلّف لعثر عليه.

والمفروض أنّ المجتهد تفحص في مظانّ الحكم ولم يعثر على شيء يدلّ على الحرمة ، فينطبق عليه مفاد الآية ، وهو أنّ التعذيب فرع البيان الواصل والمفروض عدم البيان فيكون التعذيب مثله.

٢. حديث الرفع

روى الصدوق بسند صحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رفع عن أمّتي تسعة : الخطأ ، والنسيان ، وما أكرهوا عليه ، وما لا يعلمون ، وما لا يطيقون ، وما اضطروا إليه ، والحسد ، والطيرة ، والتفكّر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة». (١)

تقرير الاستدلال يتوقف على ذكر أمرين :

الأوّل : انّ لفظة «ما» في قوله : «ما لا يعلمون» موصولة تعمّ الحكم والموضوع المجهولين ، لوضوح انّه إذا جهل المكلّف بحكم التدخين ، أو جهل بكون المائع الفلاني خلا أو خمرا صدق على كلّ منهما انّه من «ما لا يعلمون» فيكون الحديث عاما حجّة في الشبهة الحكمية والموضوعية معا.

الثاني : انّ الرفع ينقسم إلى تكويني ـ وهو واضح ـ وتشريعي ، والمراد منه نسبة الرفع إلى الشيء بالعناية والمجاز ، باعتبار رفع آثاره كقوله عليه‌السلام : «لا شكّ لكثير الشكّ» ومن المعلوم أنّ المرفوع ليس هو نفس «الشك» لوجوده ، وإنّما المرفوع هو آثاره وهذا صار سببا لنسبة الرفع إلى ذاته ، ونظيره حديث الرفع ، فانّ نسبة الرفع إلى الأمور التسعة نسبة ادّعائية بشهادة وجود الخطأ والنسيان وما عطف عليه في الحديث ، بكثرة بين الأمّة ، ولكن لمّا كانت الموضوعات المذكورة

__________________

(١) الخصال ، باب التسعة ، الحديث ٩ ، ص ٤١٧.

١٨٢

مسلوبة الآثار صحّت نسبة الرفع إلى ذاتها باعتبار عدم آثارها.

فحينئذ يقع الكلام في تعيين ما هو الأثر المسلوب الذي صار مصحّحا لنسبة الرفع إليها ، أهو جميع الآثار كما هو الظاهر أو خصوص المؤاخذة أو الأثر المناسب لكلّ واحد من تلك الفقرات ، كالمضرّة في الطيرة ، والكفر في الوسوسة والمؤاخذة في أكثرها؟ وعلى جميع الوجوه والأقوال فالمؤاخذة مرتفعة وهو معنى البراءة.

نعم ، انّ مقتضى الحديث هو رفع كلّ أثر مترتب على المجهول إلاّ إذا دلّ الدليل على عدم رفعه ، كنجاسة الملاقي فيما إذا شرب المائع المشكوك فبان انّه خمر ، فلا ترتفع نجاسة كلّ ما لاقى الخمر بضرورة الفقه على عدم ارتفاع مثل هذه الآثار الوضعيّة.

اختصاص الحديث بما يكون الرفع منّة على الأمّة

إنّ حديث الرفع ، حديث منّة وامتنان كما يعرب عنه قوله : «رفع عن أمّتي» أي دون سائر الأمم ، وعلى ذلك يختص الرفع بالأثر الذي يكون في رفعه منّة على الأمّة (لا الفرد الخاص) ، فلا يعم ما لا يكون رفعه منّة لهم ، كما في الموارد التالية :

١. إذا أتلف مال الغير عن جهل ونسيان ، فهو ضامن ، لأنّ الحكم بعدم الغرامة على خلاف المنّة.

٢. إذا أكره الحاكم المحتكر في عام المجاعة على البيع ، فالبيع المكره يقع صحيحا ولا يعمّه قوله : «وما أكرهوا عليه» لأنّ شموله للمقام والحكم برفع الصحة وببطلان البيع على خلاف المنّة.

٣. إذا أكره الحاكم المديون على قضاء دينه وكان متمكّنا ، فلا يعمّه

١٨٣

قوله : «وما أكرهوا» لأنّ شموله على خلاف الامتنان.

٣. مرسلة الصدوق

روى الصدوق مرسلا في «الفقيه» وقال : قال الصادق عليه‌السلام : «كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي». (١)

فقد دلّ الحديث على أنّ الأصل في كلّ شيء هو الإطلاق حتى يرد فيه النهي بعنوانه، كأن يقول : الخمر حرام ، أو الرشوة حرام ، فما لم يرد النهي عن الشيء بعنوانه يكون محكوما بالإطلاق والإرسال ، وبما أنّ التدخين مثلا لم يرد فيه النهي فهو مطلق.

٤. الاستدلال بالعقل

إنّ صحّة احتجاج الآمر على المأمور من آثار التكليف الواصل ولا يصحّ الاحتجاج بالتكليف غير الواصل أبدا بل يعدّ العذاب معه ظلما وقبيحا من المولى الحكيم ، وهذا ممّا يستقل به العقل ، ويعد العقاب بلا بيان واصل أمرا قبيحا لا يصدر عن الحكيم.

وقياس الاستدلال بالشكل التالي :

العقاب على محتمل التكليف عقاب بلا بيان ـ بعد الفحص التام وعدم العثور عليه.

والعقاب بلا بيان يمتنع صدوره عن المولى الحكيم.

فينتج : العقاب على محتمل التكليف يمتنع صدوره من المولى الحكيم.

التعارض بين القاعدتين

سؤال : ثمة قاعدة عقلية أخرى هي على طرف النقيض من هذه القاعدة

__________________

(١) الوسائل : الجزء ١٨ ، الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٦٠.

١٨٤

العقلية ، وهي :

أنّ العقل يفرّق بين الضرر الدنيوي المحتمل فلا يحكم بوجوب دفعه إلاّ إذا كان خطيرا لا يتحمّل. وأمّا الضرر الأخروي الذي هو كناية عن العقاب الأخروي فيؤكّد العقل على وجوب دفعه ويستقلّ به ، فلا يرخّص استعمال شيء فيه احتمال العقوبة الأخروية ، ولو احتمالا ضعيفا ، وعلى ذلك فيمكن للقائل بالاحتياط أن يعارض القاعدة الأولى بقاعدة أخرى ، وهي قاعدة «وجوب دفع الضرر المحتمل» بالبيان التالي :

احتمال الحرمة ـ في مورد الشبهة البدوية ـ يلازم احتمال الضرر الأخروي ، وهو بدوره واجب الدفع وإن كان احتماله ضعيفا ، وعندئذ يحكم العقل بلزوم الاحتياط بترك ارتكاب محتمل الضرر لذلك المحذور.

وإن أردت صبّه في قالب القياس المنطقي المؤلف من الصغرى والكبرى فتقول : الشبهة البدوية التحريمية فيها ضرر أخرويّ محتمل ، وكلّ ما فيه ضرر أخرويّ محتمل يلزم تركه.

فينتج : الشبهة البدوية التحريمية يلزم تركها ، فينتج لزوم الاحتياط ، وعندئذ يقع التعارض بين القاعدتين العقليتين ، فمن جانب يحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان فيرخّص بالارتكاب ، ومن جانب آخر يحكم بلزوم دفع الضرر الأخروي المحتمل فيمنع من الارتكاب.

الجواب

إنّ الصغرى في القاعدة الثانية غير محرزة ، إذ المراد من الصغرى هو احتمال الضرر (العقاب) في ارتكاب الشبهة البدوية ، فيجب أن يكون لاحتماله مناشئ

١٨٥

عقلائية ، والمفروض انتفاؤها جميعا ، لأنّ احتمال العقاب ناشئ من الأمور التالية :

١. صدور البيان عن المولى ووصوله إلى العبد.

٢. التمسك بالبراءة قبل الفحص الكافي.

٣. كون العقاب بلا بيان أمرا غير قبيح.

٤. كون المولى شخصا غير حكيم أو غير عادل.

وكلّها منتفية في المقام ، فاحتمال العقاب الذي هو الصغرى في القاعدة الثانية غير موجود ، ومع انتفائه كيف يمكن الاحتجاج بالكبرى وحدها؟ مع أنّ الاحتجاج لا يتمّ إلاّ مع إحراز الصغرى.

أدلّة الأخباريين على وجوب الاحتياط

في الشبهة الحكمية التحريميّة

استدلّ الأخباريون بأدلة ثلاثة : الكتاب والسنّة والعقل فلندرس كلّ واحد تلو الآخر:

الف : الاستدلال بالكتاب

الآيات الآمرة بالتقوى بقدر الوسع والطاقة ، قال سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران / ١٠٢). (١)

وجه الاستدلال : أنّ اجتناب محتمل الحرمة يعدّ من التقوى ، وكلّ ما يعدّ منها فهو واجب بحكم انّ الأمر في (اتَّقُوا اللهَ) دالّ على الوجوب ، فينتج أنّ اجتناب محتمل الحرمة واجب.

__________________

(١) ولاحظ أيضا الآية السادسة عشر من سورة التغابن.

١٨٦

يلاحظ عليه : أنّ كليّة الكبرى ممنوعة ، أي ليس كلّ ما يعدّ من التقوى فهو واجب،وذلك لأنّ التقوى تستعمل تارة في مقابل الفجور ولا شكّ في وجوب مثلها بعامة مراتبها ، مثل قوله : (أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) (ص / ٢٨) وقوله : (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) (الشمس / ٨) وقد تطلق ويراد منها ما يعم القيام بكلّ مرغوب فيه من الواجب والمستحب ، والتحرّز عن كلّ مرغوب عنه من حرام ومكروه مثل قوله سبحانه : (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى) (البقرة / ١٩٧) ففي مثل ذلك تكون التقوى واجبة ، لكن ببعض مراتبها لا بكلّ مراتبها ، ويحمل الأمر في (تَزَوَّدُوا) على الاستحباب كالآية التي استدلّ بها في المقام.

ب : الاستدلال بالسنّة

استدلّ الأخباريون بطوائف من الروايات :

الأولى : حرمة الإفتاء بلا علم

دلّت طائفة من الروايات على حرمة القول والإفتاء بغير علم ، أو الإفتاء بما لم يدلّ دليل على حجّيته كالقياس والاستحسان ، كصحيحة هشام بن سالم ، قال :قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : ما حقّ الله على خلقه؟ قال : «أن يقولوا ما يعلمون ، ويكفّوا عمّا لا يعلمون، فإذا فعلوا ذلك فقد أدّوا إلى الله حقّه». (١)

وبهذا المضمون روايات كثيرة في نفس الباب.

يلاحظ عليه : أنّ المستفاد من الروايات هو انّ الإفتاء بعدم الحرمة الواقعية

__________________

(١) الوسائل : الجزء ١٨ ، الباب ٢ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٤ ، وبهذا المضمون الحديث ١٩ و ٥٤ ومثله ما دلّ على لزوم الكف عمّا لا يعلم ، كالحديث ٤ و ٣٢.

١٨٧

في مورد الشبهة يعدّ قولا بلا علم ، وهذا ممّا يحترز عنه الأصوليّون.

وأمّا القول بعدم المنع ظاهرا ، حتى يعلم الواقع مستندا إلى الأدلّة الشرعيّة والعقلية ، فليس قولا بلا علم وهو نفس ما يقصده الأصولي.

الثانية : ما ورد من الأمر بالاحتياط قبل الفحص

روى عبد الرحمن بن الحجاج ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجلين أصابا صيدا وهما محرمان ، الجزاء بينهما ، أو على كلّ واحد منهما جزاء؟ قال : «لا ، بل عليهما أن يجزى كلّ واحد منهما الصيد» ، قلت : إنّ بعض أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدر ما عليه؟ فقال : «إذا أصبتم مثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتى تسألوا عنه فتعلموا».(١)

يلاحظ عليه : إنّ هذه الرواية ناظرة إلى الاحتياط قبل الفحص ، وهي خارجة عن مورد الكلام ، وإنّما الكلام فيما إذا فحص عن دليل الحرمة في مظانه ولم يعثر على شيء.

الثالثة : لزوم الوقوف عند الشبهة

هناك روايات تدلّ على لزوم الوقوف عند الشبهة ، وأنّه خير من الاقتحام في الهلكة ، وإليك بعض ما يدلّ على ذلك :

١. روى داود بن فرقد ، عن أبي شيبة ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة». (٢)

__________________

(١) الوسائل : الجزء ١٨ ، الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١ ، وبهذا المضمون الحديث ٣ و ٢٣ و ٢٩ و ٣١ و ٤٣.

(٢) الوسائل : الجزء ١٨ ، الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٣.

١٨٨

٢. روى مسعدة بن زياد ، عن جعفر عليه‌السلام ، عن آبائه ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «لا تجامعوا في النكاح على الشبهة ، وقفوا عند الشبهة ، فإنّ الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة». (١)

٣. روى في «الذكرى» ، قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك». (٢)

يلاحظ على الاستدلال بهذه الطائفة من الأحاديث أنّها إمّا راجعة إلى الشبهة المحصورة التي يعلم بوجود الحرمة فيها وذلك بقرينة «الهلكة» ، كما في الحديث الأوّل.

أو راجعة إلى الشبهة الموضوعيّة ، التي لم يقل أحد بالاحتياط فيها كما في الحديث الثاني ، أو محمولة على الاستحباب كما في الحديث الأخير.

الرابعة : حديث التثليث

إنّ أقوى حجّة للأخباريين هو حديث التثليث الوارد في كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والوصي عليه‌السلام ، رواه عمر بن حنظلة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في حديث قال : «إنّما الأمور ثلاثة:أمر بيّن رشده فيتّبع ، وأمر بيّن غيّه فيجتنب ، وأمر مشكل يردّ علمه إلى الله ورسوله».

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «حلال بيّن ، وحرام بيّن ، وشبهات بين ذلك ، فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات ، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من حيث لا يعلم».

ثمّ قال في آخر الحديث : «فإنّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في

__________________

(١) الوسائل : الجزء ١٨ ، الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٥.

(٢) الوسائل : الجزء ١٨ ، الباب ١٢ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٦٣.

١٨٩

الهلكات».

إنّ مورد التثليث الوارد في كلام الوصيّ هو الشبهات الحكميّة ، وحاصل التثليث أنّ ما يبتلى به المكلّف إمّا بيّن رشده فيتّبع ، وإمّا بيّن غيّه فيجتنب ، وامّا الأمر المشكل فلا يفتي بما لا يعلم حتى يرجع حكمه إلى الله.

والجواب انّ التثليث في كلام الوصيّ ينسجم مع الطائفة الأولى من حرمة الإفتاء بغيرعلم.

وأمّا التثليث في كلام الرسول ، فموردها الشبهات الموضوعيّة التي يقطع بوجود الحرام فيها ، وهي تنطبق على الشبهة المحصورة ، حيث إنّ ظاهر الحديث أنّ هناك حلالا بيّنا ، وحراما بيّنا ، وشبهات بين ذلك ، على وجه لو ترك الشبهات نجا من المحرمات ، ولو أخذ بها ارتكب المحرمات ، وهلك من حيث لا يعلم وما هذا شأنه فهو خارج عن الشبهة البدويّة التي هي محل النزاع ، ومنطبق على الشبهة المحصورة.

وإن شئت قلت : إنّ الرواية ظاهرة فيما إذا كانت الهلكة محرزة مع قطع النظر عن حديث التثليث ، وكان اجتناب الشبهة أو اقترافها ملازما لاجتناب المحرمات واقترافها ، حتى يصحّ أن يقال : «فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات ، ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات» وما هذا شأنه لا ينطبق إلاّ على الشبهة المحصورة لا الشبهة البدوية التي لا علم فيها أصلا بالمحرمات.

وأنت إذا استقصيت روايات الباب تقف على أنّ أكثرها لا مساس لها بمورد البراءة ، وما لها مساس محمول إمّا على الاستحباب ، أو التورّع الكثير.

ج : الاستدلال بالعقل

نعلم إجمالا ـ قبل مراجعة الأدلّة ـ بوجود محرمات كثيرة في الشريعة التي

١٩٠

يجب الخروج عن عهدتها بمقتضى قوله سبحانه : (وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر/ ٧).

وبعد مراجعة الأدلّة نقف على وجود محرمات في الشريعة بيّنها الكتاب والسنّة، ولكن نحتمل وجود محرمات أخرى بيّنها الشارع ولم تصل إلينا ، فمقتضى منجزيّة العلم الإجمالي ، هو الاجتناب عن كلّ ما نحتمل حرمته إذا لم يكن هناك دليل على حلّيته ، حتى نعلم بالخروج عن عهدة التكليف القطعي ، شأن كلّ شبهة محصورة.

يلاحظ عليه : أنّ العلم الإجمالي إنّما ينجّز إذا بقي على حاله ، وأمّا إذا انحلّ إلى علم تفصيلي وشك بدوي ، فلا يكون منجزا ويكون المشكوك موردا للبراءة ، مثلا إذا علم بغصبية أحد المالين مع احتمال غصبيتهما معا ، فإذا قامت البيّنة على غصبيّة أحدهما المعيّن، انحلّ العلم الإجمالي إلى علم تفصيلي بالحرمة وهو ما قامت البيّنة على غصبيته ، وشك بدوي وهو المال الآخر الذي يحتمل أيضا غصبيّته.

ومثله المقام إذ فيه علمان :

أحدهما : العلم الإجمالي بوجود محرمات في الشريعة والتي أشير إليها في الآية المتقدمة.

ثانيهما : العلم التفصيلي بمحرمات واردة في الطرق والأمارات والأصول المثبتة للتكليف كاستصحاب الحرمة ، على وجه لو عزلنا موارد العلم التفصيلي عن موارد العلم الإجمالي ، لما كان فيها علم بالمحرّمات بل تكون الحرمة أمرا محتملا تقع مجرى للبراءة.

وعلى ضوء ما ذكرنا ، فالعلم الإجمالي بالمحرمات المتيقنة ينحلّ إلى علم تفصيلي بمحرمات ثبتت بالطرق والأمارات ، وإلى شك بدوي محتمل الحرمة ، وفي

١٩١

مثل ذلك ينتفي العلم الإجمالي فلا يكون مؤثرا ، وتكون البراءة هي الحاكمة في مورد الشبهات.

المسألة الثانية : الشبهة الحكمية التحريمية لإجمال النصّ

إذا تردّد الغناء المحرّم بين كونه مطلق الترجيع أو الترجيع المطرب ، فيكون الترجيع المطرب قطعيّ الحرمة ، والترجيع بلا طرب مشكوك الحكم فيكون مجرى للبراءة.

ومثله النهي المجرّد عن القرينة إذا قلنا باشتراكه بين الحرمة والكراهة.

والحكم في هذه المسألة حكم ما ذكر في المسألة الأولى ، من البراءة عن الحرمة والأدلّة المذكورة من الطرفين جارية في المقام إشكالا وجوابا.

المسألة الثالثة : الشبهة الحكمية التحريمية لتعارض النصّين

إذا دلّ دليل على الحرمة ودليل آخر على الإباحة ، ولم يكن لأحدهما مرجّح ، فلا يجب الاحتياط بالأخذ بجانب الحرمة لعدم الدليل عليه ، نعم ورد الاحتياط في رواية وردت في «عوالي اللآلي» نقلها عن العلاّمة ، رفعها إلى زرارة عن مولانا أبي جعفر عليه‌السلام انّه قال في الخبرين المتعارضين : «فخذ بما فيه الحائطة لدينك واترك الآخر» (١) والرواية ضعيفة السند لا يحتج بها.

المسألة الرابعة : الشبهة الموضوعيّة التحريميّة

إذا دار الأمر بين كون شيء حراما أو مباحا لأجل الاشتباه في بعض الأمور الخارجيّة، كما إذا شكّ في حرمة شرب مائع أو إباحته للتردّد في أنّه خلّ أو خمر ، فالظاهر عدم الخلاف في أنّ مقتضى الأصل الإباحة ، للأخبار الكثيرة في ذلك ،

__________________

(١) عوالي اللآلي : ٤ / ١٣٣ برقم ٢٢٩.

١٩٢

مثل قوله عليه‌السلام : كلّ شيء لك حلال حتى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه. (١)

ويمكن الاستدلال على البراءة بالدليل العقلي ، وهو أنّ الاحتجاج لا يتمّ بالعلم بالكبرى وحده وهو انّ الخمر حرام ما لم ينضم إليه العلم بالصغرى ، ففي المقام ، الكبرى محرزة ، دون الصغرى ، فلا يحتج بالكبرى المجرّدة على العبد.

المقام الثاني : الشكّ في الشبهة الوجوبية

إذا شكّ في وجوب شيء وعدمه ، ففيها أيضا مسائل أربع :

أ. الشبهة الحكمية الوجوبية لأجل فقدان النصّ ، كالدعاء عند رؤية الهلال ، أو الاستهلال في شهر رمضان.

ب. الشبهة الحكمية الوجوبية لأجل إجمال النصّ ، كاشتراك لفظ الأمر بين الوجوب والاستحباب.

ج. الشبهة الحكمية الوجوبية لأجل تعارض النصّين ، كما في الخبرين المتعارضين ، أحدهما يأمر ، والآخر يبيح ، ولم يكن لأحدهما مرجح.

د. الشبهة الموضوعية لأجل الاشتباه في بعض الأمور الخارجية ، كما إذا تردّدت الفائتة بين صلاة أو صلاتين.

والحكم في الجميع البراءة وعدم وجوب الاحتياط ، إجماعا.

__________________

(١) الوسائل : الجزء ١٢ ، الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٤.

١٩٣

الفصل الثاني

أصالة التخيير

إذا دار الأمر بين وجوب شيء وحرمته ، فهنا مسائل أربع :

المسألة الأولى : دوران الأمر بين المحذورين لفقدان النص

وذلك كدفن الكافر لو تردّد حكمه بين الوجوب والحرمة ولم يكن دليل معتبر في البين.

لا شكّ انّ المكلّف مخيّر بين الفعل والترك تخييرا تكوينيا على وجه ليس بإمكانه المخالفة القطعية ، لامتناع الجمع بين الفعل والترك مع وحدة زمان العمل ، ولا الموافقة القطعية لنفس السبب. وأمّا من حيث الحكم الظاهري فالمقام محكوم بالبراءة عقلا وشرعا.

أمّا جريان البراءة العقلية ، فلأنّ موضوعها هو عدم البيان الوافي ، والمراد من الوافي ما لو اقتصر عليه المكلّف لكفى في نظر العقلاء ، ويقال انّه أدّى الوظيفة في مقام البيان،ولكنّ الحكم المردّد بين الوجوب والحرمة ليس بيانا وافيا لدى العقلاء حتى يصحّ للمتكلّم السكوت عليه ، فيكون من مصاديق ، قبح العقاب بلا بيان.

وأمّا جريان البراءة الشرعية فلانّ موضوعها هو الجهل بالحكم الواقعي والمفروض وجود الجهل ، والعلم بالإلزام الجامع بين الوجوب والحرمة ليس علما

١٩٤

بالحكم الواقعي ، فيشمله قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رفع عن أمّتي ما لا يعلمون».

المسألة الثانية : دوران الأمر بين المحذورين لإجمال النص

إذا دار الأمر بين الوجوب والحرمة من جهة إجمال الدليل ، كالأمر المردّد بين الإيجاب والتهديد فالحكم فيه كالحكم في المسألة السابقة.

المسألة الثالثة : دوران الأمر بين المحذورين لتعارض النصّين

لو دار الأمر بين الوجوب والحرمة من جهة تعارض الأدلّة ، فالحكم هو التخيير شرعاـ أي الأخذ بأحد الدليلين بحكم الشرع ـ لإطلاق أدلّته.

روى الحسن بن الجهم ، عن الرضا عليه‌السلام : قلت : يجيئنا الرجلان ـ وكلاهما ثقة ـ بحديثين مختلفين ، ولا نعلم أيّهما الحق ، قال : «فإذا لم تعلم فموسع عليك بأيّهما أخذت». (١)

أضف إلى ذلك أنّ بعض روايات التخيير وردت في دوران الأمر بين المحذورين. (٢)

المسألة الرابعة : دوران الأمر بين المحذورين في الشبهة الموضوعية

إذا وجب إكرام العادل وحرم إكرام الفاسق ، واشتبه حال زيد من حيث الفسق والعدالة ، فالحكم فيه كالحكم في المسألة الأولى طابق النعل بالنعل.

ثمّ إذا دار الأمر بين المحذورين وكانت الواقعة واحدة ، فلا شكّ أنّه مخيّر عقلا بين الأمرين ، مع جريان البراءة عن كلا الحكمين في الظاهر ، أمّا لو كانت لها

__________________

(١) الوسائل : الجزء ١٨ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٥.

(٢) الوسائل : الجزء ١٨ ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٥ و ٤٢.

١٩٥

أفراد في طول الزمان ، كما إذا تردّد (إكرام زيد في كلّ جمعة إلى شهر) بين الوجوب والحرمة، فيقع الكلام في أنّ التخيير العملي هل هو حكم استمراري ، فله أن يختار في الجمعة الثانية غير ما اختاره في الجمعة الأولى ، وإن استلزم ذلك ، المخالفة القطعية ، أو لا، بل التخيير ابتدائي فلا يجوز له أن يكرمه في الجمعة الأولى دون الثانية؟

الظاهر عدم كونه استمراريّا ، لأنّه لا فرق في تنجيز العلم الإجمالي وحرمة المخالفة بين كون الواقعة دفعية أو تدريجية ، فكما تحرم المخالفة العملية الدفعية كذلك تحرم التدريجية أيضا ، فإنّه يعلم بأنّه لو أكرم زيدا في الجمعة الأولى وترك إكرامه في الجمعة الثانية ، فقد ارتكب مبغوضا للشارع.

فالمانع هو تنجيز العلم الإجمالي مطلقا في الدفعيات والتدريجيات ، وعدم الفرق بينهما لحكم العقل بلزوم إطاعة المولى وحرمة المخالفة حسب الإمكان والاستطاعة.

فتلخص انّ الحكم بالتخيير عند دوران الأمر بين المحذورين لا يكون حجّة على جواز المخالفة القطعية ، وهذه ضابطة كلية تجب مراعاتها.

١٩٦

الفصل الثالث

أصالة الاحتياط

هذا هو الأصل الثالث من الأصول العملية ويعبّر عنه بأصالة الاشتغال أيضا ومجراه هو الشكّ في المكلّف به مع العلم بأصل التكليف وإمكان الاحتياط.

ثمّ الشبهة تنقسم إلى تحريمية ووجوبية ، فيقع الكلام في مقامين :

المقام الأوّل : الشبهة التحريمية

مقتضى التقسيم السابق في الشكّ في التكليف يقتضي أن يكون هنا أيضا مسائل أربع ، لأنّ الشبهة إمّا حكمية ، أو موضوعية ، ومنشأ الشكّ في الحكمية إمّا فقدان النص،أو إجماله ، أو تعارض النصين ، ولكن كلّ ذلك فروض نظرية لا واقع لها في الفقه فالتي لها تطبيقات عملية ملموسة في الفقه هي المسألة الرابعة ، أي الشبهة التحريمية الموضوعية ، وأمّا المسائل الثلاث الحكمية ، فليست لها تطبيقات عملية ، ولذلك نكتفي بالمسألة الرابعة.

ثمّ إنّ الشبهة الموضوعية التحريمية من الشكّ في المكلّف به تنقسم إلى قسمين ، لأنّ الحرام المشتبه بغيره ، إمّا مشتبه في أمور محصورة ، كما لو دار الحرام بين

١٩٧

أمرين أو أمور محصورة ، وتسمّى بالشبهة المحصورة ؛ وإمّا مشتبه في أمور غير محصورة ، وتسمى بالشبهة غير المحصورة ، فإليك دراسة حكم كلا القسمين.

حكم الشبهة المحصورة

إذا قامت الأمارة على حرمة شيء وشمل إطلاق الدليل مورد العلم الإجمالي ، كما إذا قال : اجتنب عن النجس ، وكان مقتضى إطلاقه شموله للنجس المعلوم إجمالا أيضا ، فالكلام في جواز المخالفة القطعية أو الاحتمالية يقع في موردين :

الأوّل : مقتضى القاعدة الأوّلية.

الثاني : مقتضى القاعدة الثانوية.

أمّا الأوّل فمقتضى القاعدة هو حرمة المخالفة القطعية والاحتمالية معا بمعنى انّه لا يجوز ارتكاب جميع الأطراف (المخالفة القطعية) أو بعضها (الاحتمالية) والدليل على ذلك وجود المقتضي وعدم المانع.

أمّا الأوّل فلأنّ إطلاق قول الشارع مثلا اجتنب عن الخمر يشمل الخمر المعين والخمر المردد بين الإناءين أو أزيد.

وأمّا الثاني فلانّ العقل لا يمنع من تعلق التكليف عموما أو خصوصا بالاجتناب عن الحرام المشتبه بين أمرين كما لا يمنع عن العقاب على مخالفة هذا التكليف.

وعلى ضوء ذلك ، فالاشتغال القطعي بالحرمة (وجود المقتضي) وعدم المانع عن تنجز التكليف ، يقتضي البراءة اليقينية بالاجتناب عن كلتا المخالفتين : القطعية والاحتمالية.

هذا كلّه حول القاعدة الأوّلية ، وأمّا القاعدة الثانوية بمعنى ورود الترخيص

١٩٨

من الشارع في ارتكاب الجميع أو البعض أو عدم وروده ، فالتتبع في الروايات يقضي بعدم وروده مطلقا بعضا أو كلا ، بل ورد التأكيد على الاجتناب عن جميع الأطراف وإليك بعض ما ورد :

١. روى سماعة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل معه اناءان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر لا يدري أيّهما هو وليس يقدر على ماء غيره ، قال : يهريقهما ويتيمم. (١)

٢. روى زرارة ، قال : قلت له : إنّي قد علمت انّه قد أصابه (الدم) ولم أدر أين هو فاغسله؟ قال : تغسل من ثوبك الناحية التي ترى انّه قد أصابها حتّى تكون على يقين من طهارتك. (٢)

الاستدلال على جواز الترخيص

وربما يستدلّ على جواز الترخيص ببعض الروايات منها : كلّ شيء هو لك حلال حتى تعلم أنّه حرام بعينه.

وجه الاستدلال : أنّ قوله : «بعينه» تأكيد للضمير في قوله : «إنّه» فيكون المعنى حتى تعلم أنّه بعينه حرام ، فيكون مفاده أنّ محتمل الحرمة ما لم يتعيّن انّه بعينه حرام ، فهو حلال ، فيعم العلم الإجمالي والشبهة البدوية.

الجواب : انّ تلك الفقرة ليست رواية مستقلة ، بل هي جزء من رواية مسعدة ابن صدقة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته ، يقول : «كلّ شيء هو لك حلال حتى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك ، وذلك مثل الثوب يكون عليك

__________________

(١) الوسائل : الجزء ١ ، الباب ٨ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٨٢.

(٢) التهذيب : ١ / ٤٢١ ، الحديث ١٣٣٥.

١٩٩

قد اشتريته وهو سرقة ، والمملوك عندك لعلّه حرّ قد باع نفسه ، أو خدع فبيع قهرا ، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك ، والأشياء كلّها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك ، أو تقوم به البيّنة». (١)

والأمثلة الواردة في ذلك الحديث كلّها من الشبهة البدوية ، وهذا يوجب انصراف إطلاق الحديث إلى مواردها ، وعدم عموميته لموارد العلم الإجمالي ، ولو كان الحديث عاما لكلا الموردين لكان له عليه‌السلام الإتيان بمثال لصورة العلم الإجمالي.

الشبهة غير المحصورة

اتّفق الأصوليّون على عدم تنجيز العلم الإجمالي في أطراف الشبهة التحريمية الموضوعية غير المحصورة ، ولا بدّ من تحديد الموضوع (غير المحصورة) أوّلا ، ثمّ بيان حكمها ثانيا.

أمّا الأوّل فبيانه انّه ربّما تبلغ أطراف الشبهة إلى حدّ يوجب ضعف احتمال كون الحرام في طرف خاص بحيث لا يعتني به العقلاء ، ويتعاملون معه معاملة الشكّ البدوي ، فلو أخبر أحد باحتراق بيت في بلد أو اغتيال إنسان فيه ، وللسامع فيه بيت أو ولد لا يعتدّ بذلك الخبر.

وأمّا حكمها ، فلو علم المكلّف علما وجدانيّا بوجود تكليف قطعي أو احتمالي بين الأطراف على وجه لا يرضى المولى بمخالفته على فرض وجوده ، فلا يجوز الترخيص لا في كلّها ولا في بعضها ، ولكن الكلام في مقام آخر ، وهو انّه إذا دلّ الدليل الشرعي على حرمة الشيء وكان مقتضى إطلاق الدليل حرمته مطلقا ، وإن كانت غير محصورة ، فهل هناك دليل أقوى يقدّم على ذلك الإطلاق؟

__________________

(١) الوسائل : ١٢ ، الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ٤.

٢٠٠