الموجز في أصول الفقه

الشيخ جعفر السبحاني

الموجز في أصول الفقه

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١٤
ISBN: 978-964-357-324-9
الصفحات: ٢٤٨

الفصل الثالث

حجّية السنّة المحكية بخبر الواحد

السنّة في مصطلح فقهاء أهل السنّة هي قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو فعله أو تقريره، والمعصوم من أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام يجري قوله وفعله وتقريره عندنا مجرى قول النبي صلى الله

عليه وآله وسلم وفعله وتقريره ، ولأجل ذلك تطلق السنّة عند الإمامية على قول المعصوم وفعله وتقريره دون أن تختص بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وليس أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام من قبيل الرواة وإن كانوا يروون عن جدهم عليهم‌السلام ، بل هم المنصوبون من الله تعالى على لسان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتبليغ الأحكام الواقعية ، فقد رزقوا من جانبه سبحانه علما لصالح الأمّة كما رزق مصاحب النبي موسى عليهما‌السلام علما كذلك من دون أن يكون نبيا ، قال سبحانه : (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) (الكهف / ٦٥). فعندهم علم الشريعة وإن لم يكونوا أنبياء ولا رسلا.

ثمّ إنّ الخبر الحاكي للسنّة إمّا خبر متواتر ، أو خبر واحد. ثمّ إنّ الخبر الواحد إمّا منقول بطرق متعددة من دون أن يبلغ حدّ التواتر فهو مستفيض وإلاّ فغير مستفيض.

ولا شكّ في أنّ الخبر المتواتر يفيد العلم ولا كلام في حجّيته وإنّما الكلام في حجّية الخبر الواحد أعم من المستفيض وغيره. فقد اختلفت كلمة أصحابنا في ذلك :

١٦١

أ. ذهب الشيخ المفيد والسيد المرتضى والقاضي ابن البراج والطبرسي وابن إدريس إلى عدم جواز العمل بالخبر الواحد في الشريعة.

ب. وذهب الشيخ الطوسي (١) وقاطبة المتأخّرين إلى حجّيته.

والمقصود في المقام إثبات حجّيته بالخصوص وفي الجملة مقابل السلب الكلّي ، وأمّا البحث عن سعة حجّيته سنشير (٢) إليها بعد الفراغ عن الأدلّة.

وقد استدلّوا على حجّيته بالأدلّة الأربعة :

الاستدلال بالكتاب العزيز

استدلّوا على حجّية خبر الواحد بآيات :

١. آية النبأ

قال سبحانه : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) (الحجرات / ٦). (٣)

وقبل تقرير الاستدلال نشرح ألفاظ الآية :

١. التبيّن يستعمل لازما ومتعديا ، فعلى الأوّل فهو بمعنى الظهور ، قال سبحانه : (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) (البقرة / ١٨٧).

وعلى الثاني فهو بمعنى طلب التثبت كقوله سبحانه : (إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ

__________________

(١) لاحظ عدة الأصول : ١ / ٣٣٨ من الطبعة الحديثة.

(٢) راجع ص ١٦٨ قوله : لكن الإمعان فيها ...

(٣) قال الطبرسي : نزلت الآية في الوليد بن عقبة ، بعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جباية صدقات بني المصطلق ، فخرجوا يتلقّونه فرحا به ـ وكانت بينه وبينهم عداوة في الجاهلية ـ فظنّ انّهم همّوا بقتله ، فرجع إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : إنّهم منعوا صدقاتهم ـ وكان الأمر بخلافه ـ فغضب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهمّ أن يغزوهم ، فنزلت الآية. لاحظ مجمع البيان : ٥ / ١٣٢.

١٦٢

فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً) (النساء / ٩٤) ومعناه في المقام تبيّنوا صدق الخبر وكذبه.

٢. قوله : (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ) علّة للتثبّت ، والمقصود خشية أن تصيبوا قوما بجهالة أو لئلاّ تصيبوا قوما بجهالة.

٣. الجهالة مأخوذة من الجهل ، وهي الفعل الخارج عن إطار الحكمة والتعقّل.

وأمّا كيفية الاستدلال ، فتارة يستدل بمفهوم الشرط ، وأخرى بمفهوم الوصف. وربما يحصل الخلط بينهما ، ففي تقرير الاستدلال بمفهوم الشرط ينصبّ البحث ، على الشرط أي مجيء المخبر بالنبإ ، دون عنوان الفاسق ، بخلاف الاستدلال بمفهوم الوصف حيث ينصبّ البحث على عنوان الفاسق مقابل العادل ففي إمكان الباحث جعل لفظ آخر مكان الفاسق عند تقرير الاستدلال بمفهوم الشرط لأجل صيانة الفكر عن الخلط ، فنقول :

الأوّل : الاستدلال بمفهوم الشرط

إنّ الموضوع هو نبأ الفاسق ، والشرط هو المجيء ، والجزاء هو التبيّن والتثبّت ، فكأنّه سبحانه قال : نبأ الفاسق ـ إن جاء به ـ فتبيّنه.

ويكون مفهومه : نبأ الفاسق ـ إن لم يجئ به ـ فلا يجب التبيّن عنه.

لكنّ للشرط (عدم مجيء الفاسق) مصداقين :

أ. عدم مجيء الفاسق والعادل فيكون عدم التبيّن لأجل عدم النبأ فيكون من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع.

ب. مجيء العادل به فلا يتبيّن أيضا فيكون عدم التبيّن من قبيل السالبة بانتفاء المحمول. أي النبأ موجود والمنفي هو المحمول ، أعني : التثبّت.

١٦٣

يلاحظ على الاستدلال : أنّ المفهوم عبارة عن سلب الحكم عن الموضوع الوارد في القضية ، لا سلبه عن موضوع آخر ، لم يرد فيها ، فالموضوع في المنطوق هو «نبأ الفاسق» فيجب أن يتوارد التثبّت منطوقا وعدم التثبّت مفهوما على ذلك الموضوع لا على موضوع آخر كنبإ العادل ، وعندئذ ينحصر مفهومه في المصداق الأوّل ويكون من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع.

وإن شئت قلت : إنّ الموضوع هو نبأ الفاسق فعند وجود الشرط ، أعني : المجيء بالنبإ ، يتثبّت عنده ، وعند عدم المجيء به لا يتثبّت لعدم الموضوع ، فخبر العادل لم يكن مذكورا في المنطوق حتى يحكم عليه بشيء في المفهوم.

الثاني : الاستدلال بمفهوم الوصف

وطريقة الاستدلال به واضحة لأنّه سبحانه علّق وجوب التبيّن على كون المخبر فاسقا، وهو يدل على عدم وجوب التبيّن في خبر العادل ، مثل : «في الغنم السائمة زكاة» الدالّ على عدمها في المعلوفة.

وإذا لم يجب التثبت عند إخبار العادل ، فإمّا أن يجب القبول وهو المطلوب أو الردّ فيلزم أن يكون خبر العادل أسوأ حالا من خبر الفاسق ، لأنّ خبر الفاسق يتبيّن عنه فيعمل به عند ظهور الصحّة ، وأمّا خبر العادل فيترك ، ولا يعمل به مطلقا.

يلاحظ عليه : بما مرّ من عدم دلالة الجملة الوصفية على المفهوم.

١٦٤

٢. آية النفر

قال سبحانه : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (التوبة / ١٢٢).

تشير الآية إلى السيرة المستمرة بين العقلاء من تقسيم العمل بين الأفراد ، إذ لو لا ذلك لاختلّ النظام ، ولا تشذ عن ذلك مسألة الإنذار والتعليم والتعلّم ، فلا يمكن أن ينفر المؤمنون كافة لتحصيل أحكام الشريعة ، ولكن لما ذا لا ينفر من كلّ فرقة منهم طائفة لتعلّم الشريعة حتى ينذروا قومهم عند الرجوع إليهم؟

وجه الاستدلال : انّه سبحانه أوجب الحذر على القوم عند رجوع الطائفة التي تعلّمت الشريعة والمراد من الحذر هو الحذر العملي ، أي ترتيب الأثر على قول المنذر. ثمّ إنّ إنذاره كما يتحقّق بصورة التواتر يتحقّق أيضا بصورة إنذار بعضهم البعض ، فلو كان التواتر أو حصول العلم شرطا في تحقّق الإنذار وبالتالي في وجوب الحذر لأشارت إليه الآية، وإطلاقها يقتضي حجّية قول المنذر سواء أنذر إنذارا جماعيا أو فرديا ، وسواء أفادا العلم أم لا.

يلاحظ على الاستدلال : أنّ الآية بصدد بيان أنّه لا يمكن نفر القوم برمّتهم ، بل يجب نفر طائفة منهم ، وأمّا كيفية الإنذار وانّه هل يجب أن يكون جماعيا أو فرديا فليست الآية بصدد بيانها حتى يتمسّك بإطلاقها ، وقد مرّ في مبحث المطلق والمقيد انّه يشترط في صحّة التمسّك بالإطلاق كون المتكلّم في مقام البيان.

ويشهد على ذلك انّ الآية لم تذكر الشرط اللازم ، أعني : الوثاقة والعدالة ، فكيف توصف بأنّها في مقام البيان؟!

١٦٥

٣. آية الكتمان

قال سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ) (البقرة / ١٥٩).

وكيفية الاستدلال بها هو انّ وجوب الإظهار وتحريم الكتمان يستلزم وجوب القبول وإلاّ لغى وجوب الإظهار ، نظير قوله سبحانه : (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَ) (البقرة / ٢٢٨) فانّ حرمة كتمانهنّ لما في أرحامهن يقتضي وجوب قبول قولهن وإلاّ لغى التحريم.

يلاحظ على الاستدلال : أنّ الآية في مقام إيجاب البيان على علماء أهل الكتاب لما أنزل الله سبحانه من البيّنات والهدى ، ومن المعلوم أنّ إيجاب البيان بلا قبول أصلا يستلزم كونه لغوا. أمّا إذا كان القبول مشروطا بالتعدد أو بحصول الاطمئنان أو العلم القطعي فلا تلزم اللغوية ، وليست الآية في مقام البيان من هذه الناحية كآية النفر حتى يتمسك بإطلاقها.

٤. آية السؤال

قال سبحانه : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النحل / ٤٣).

وجه الاستدلال على نحو ما مضى في آية الكتمان حيث إنّ إيجاب السؤال يلازم القبول وإلاّ تلزم اللغوية.

يلاحظ عليه : أنّما تلزم اللغوية إذا لم يقبل قولهم مطلقا ، وأمّا على القول بقبول قولهم عند حصول العلم به فلا تلزم ، وليست الآية في مقام البيان من هذه الناحية حتى يتمسّك بإطلاقها ، بل الآية ناظرة إلى قاعدة عقلائية مطّردة وهي رجوع الجاهل إلى العالم.

١٦٦

الاستدلال بالروايات المتواترة

استدلّ القائلون بحجّية خبر الواحد بروايات ادّعى في الوسائل تواترها يستفاد منها اعتبار خبر الواحد إجمالا ، وهي على طوائف نذكر أهمّها : (١)

وهي الأخبار الإرجاعيّة إلى آحاد الرواة الثقات من أصحابهم بحيث يظهر من تلك الطائفة انّ الكبرى (العمل بقول الثقة) كانت أمرا مفروغا منه ، وكان الحوار فيها بين الإمام والراوي حول تشخيص الصغرى وانّ الراوي هل هو ثقة أو لا؟ وإليك بعض ما يدلّ على ذلك :

١. روى الصدوق عن أبان بن عثمان أنّ أبا عبد الله عليه‌السلام قال له : «إنّ أبان بن تغلب قد روى عنّي روايات كثيرة ، فما رواه لك فاروه عنّي». (٢)

٢. عن أبي بصير قال : إنّ أبا عبد الله عليه‌السلام قال له في حديث : «لو لا زرارة ونظراؤه ، لظننت انّ أحاديث أبي ستذهب». (٣)

٣. عن يونس بن عمّار انّ أبا عبد الله عليه‌السلام قال له في حديث : «أمّا ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، فلا يجوز لك أن تردّه». (٤)

__________________

(١) ذكرها الشيخ الأنصاري في فرائده ، وهي خمس طوائف نشير إليها على سبيل الإجمال :

الطائفة الأولى : ما ورد في الخبرين المتعارضين من الأخذ بالمرجّحات كالأعدل والأصدق والمشهور ثمّ التخيير.

الطائفة الثانية : ما ورد في إرجاع آحاد الرواة إلى آحاد أصحاب الأئمّة على وجه يظهر فيه عدم الفرق في الإرجاع بين الفتوى والرواية.

الطائفة الثالثة : ما دلّ على الرجوع إلى الرواة الثقات ، وهذا ما أشرنا إليه في المتن.

الطائفة : الرابعة : ما دلّ على الترغيب في الرواية والحث عليها وكتابتها وإبلاغها.

الطائفة الخامسة : ما دلّ على ذم الكذب عليهم والتحذير من الكذّابين.

ولو لا أنّ خبر الواحد حجّة لما كان لهذه الأخبار موضوع.

(٢ و ٤). الوسائل : ١٨ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٨ ، ١٦ ، ١٧.

١٦٧

٤. عن المفضل بن عمر ، انّ أبا عبد الله عليه‌السلام قال للفيض بن المختار في حديث : «فإذا أردت حديثنا ، فعليك بهذا الجالس» وأومأ إلى رجل من أصحابه ، فسألت أصحابنا عنه ، فقالوا : زرارة بن أعين. (١)

٥. روى القاسم بن علي التوقيع الشريف الصادر عن صاحب الزمان عليه‌السلام انّه لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنّا ثقاتنا. (٢)

إلى غير ذلك من الأحاديث التي تورث اليقين بأنّ حجّية قول الثقة كان أمرا مفروغا منه بينهم ولو كان هناك كلام ، فإنّما كان في الراوي.

أنت إذا استقرأت الروايات التي جمعها الشيخ الحرّ العاملي في الباب الثامن من أبواب صفات القاضي والذي بعده ، تقف على اتّفاق أصحاب الأئمّة على حجّية الخبر الواحد الذي يرويه الثقة ، وهو ملموس من خلال روايات البابين. (٣)

ثمّ إنّ ظواهر ما نقلناه من الروايات تدلّ على حجّية «قول الثقة» فلو كان المخبر ثقة ، فخبره حجّة وإلاّ فلا وإن دلّت القرائن على صدوره من المعصوم.

لكن الإمعان فيها وفي السيرة العقلائية ـ التي يأتي ذكرها ـ يعرب عن أنّ العناية بوثاقة الراوي في الموضوع لكونها طريقا إلى الاطمئنان بصدوره من المعصوم ، ولذلك لو كان الراوي ثقة ولكن دلّت القرائن المفيدة على خطئه واشتباهه ، لما اعتبره العقلاء حجّة ، وهذه تشكّل قرينة على أنّ العبرة في الواقع بالوثوق بالصدور لا على وثاقة الراوي ، والاعتماد عليها لأجل استلزامها الوثوق بالصدور غالبا.

__________________

(١) الوسائل : ١٨ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ١٩.

(٢) الوسائل : ١٨ ، الباب ١١ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٤٠.

(٣) الوسائل : ١٨ ، الباب ٨ و ٩ من أبواب صفات القاضي ، ص ٥٢ ـ ٨٩.

١٦٨

فتكون النتيجة حجّية الخبر الموثوق بصدوره سواء كان المخبر ثقة أو لا ، نعم الأمارة العامة على الوثوق بالصدور ، هو كون الراوي ثقة ، وبذلك تتسع دائرة الحجّية ، فلاحظ.

٣. الاستدلال بالإجماع

نقل غير واحد من علمائنا كالشيخ الطوسي (٣٨٥ ـ ٤٦٠ ه‍) ومن تأخّر عنه إلى يومنا هذا إجماع علماء الإمامية على حجّية خبر الواحد إذا كان ثقة مأمونا في نقله وإن لم يفد خبره العلم ، وفي مقابل ذلك حكى جماعة أخرى منهم ـ أستاذ الشيخ ـ السيد المرتضى رحمه‌الله إجماع الإمامية على عدم الحجّية.

سؤال : إذا كان العمل بخبر الواحد أمرا مجمعا عليه كما ادّعاه الشيخ فلما ذا أبدى السيد رحمه‌الله خلافه؟ وكيف يمكن الجمع بين هذين الإجماعين المنقولين؟

الجواب : انّ الشيخ التفت إلى هذا السؤال وأجاب عنه بما حاصله : انّ مورد إجماع السيد خبر الواحد الذي يرويه مخالفوهم في الاعتقاد ويختصون بطريقه ومورد الإجماع الذي ادّعاه هو ما يكون راويه من الإمامية وطريق الخبر أصحابهم فارتفع التعارض.

٤. الاستدلال بالسيرة العقلائية

إذا تصفّحت حال العقلاء في سلوكهم ، تقف على أنّهم مطبقون على العمل بخبر الثقة في جميع الأزمان والأدوار ، ويتضح ذلك بملاحظة أمرين :

الأوّل : انّ تحصيل العلم القطعي عن طريق الخبر المتواتر أو المحفوف بالقرائن في أكثر الموضوعات أمر صعب.

الثاني : حصول الاطمئنان بخبر الثقة عند العرف على وجه يفيد سكونا

١٦٩

للنفس ، خصوصا إذا كان عدلا ، ولو كانت السيرة أمرا غير مرضيّ للشارع كان عليه الردع.

ولم يكن عمل المسلمين بخبر الثقة إلاّ استلهاما من تلك السيرة العقلائية التي ارتكزت في نفوسهم.

والحاصل : انّه لو كان العمل بأخبار الآحاد الثقات أمرا مرفوضا ، لكان على الشارع أن ينهى عنه وينبه الغافل ويفهم الجاهل. فإذا لم يردع كشف ذلك عن رضاه بتلك السيرة وموافقته لها.

فالاستدلال بسيرة العقلاء على حجّية خبر الواحد من أفضل الأدلّة التي لا سبيل للنقاش فيها ، فانّ ثبوت تلك السيرة وكشفها عن رضا الشارع ممّا لا شكّ فيه.

سؤال : ربما يقال انّ الآيات الناهية عن اتّباع الظن كافية في ردع تلك السيرة كقوله سبحانه : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ) (الأنعام / ١١٦) وقوله سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى * وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (النجم / ٢٧ ـ ٢٨).

والجواب : انّ المراد من الظن في الآيات الناهية ترجيح أحد الطرفين استنادا إلى الخرص والتخمين كما قال سبحانه : (إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ) ويشهد بذلك مورد الآية من تسمية الملائكة أنثى ، فكانوا يرجّحون أحد الطرفين بأمارات ظنية وتخمينات باطلة ، فلا يستندون في قضائهم لا إلى الحس ولا إلى العقل بل إلى الهوى والخيال ، وأين هذا من قول الثقة أو الخبر الموثوق بصدوره الذي يرجع إلى الحس وتدور عليه رحى الحياة ويجلب الاطمئنان والثبات؟!

١٧٠

الفصل الرابع

الكلام في الإجماع

الإجماع في اللغة هو الاتّفاق ، قال سبحانه : (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ) (يوسف / ١٥). وأمّا في الاصطلاح اتفاق علماء عصر واحد على حكم شرعيّ. فإذا أحرزه المجتهد يسمّى إجماعا محصّلا وإذا أحرزه مجتهد ونقله إلى الآخرين يكون إجماعا منقولا بالنسبة إليهم فيقع الكلام في مقامين :

المقام الأوّل : الإجماع المحصل عند السنّة والشيعة

اتّفق الأصوليون على حجّية الإجماع على وجه الإجمال ، ولكنّه عند أهل السنّة يعدّ من مصادر التشريع.

وأمّا الشيعة ، فتقول بانحصار الدليل في الكتاب والسنّة والعقل ، وأمّا الاتّفاق فلا يضفي عندهم على الحكم صبغة الشرعيّة ولا يؤثر في ذلك أبدا غاية الأمر انّ المستند لو كان معلوما فالإجماع مدركي وليس بكاشف لا عن قول المعصوم ولا عن دليل معتبر لم يصل إلينا، لا يزيد اتّفاقهم شيئا. وأمّا إذا كان المستند غير معلوم ، فربما يكشف إجماعهم عن قول المعصوم واتّفاقه معهم ، كما إذا اتّفق الإجماع في عصر حضور المعصوم ، وربما يكشف عن وجود دليل معتبر وصل إلى المجمعين ولم يصل إلينا ، كما إذا اتفق في الغيبة الصغرى وأوائل الكبرى إذ من البعيد أن يتّفق المجتهدون على حكم بلا مستند شرعي. وعلى كلا التقديرين

١٧١

فالإجماع بما هو هو ليس بحجّة ، وإنّما هو كاشف عن الحجّة ، وسيوافيك تفصيله.

حجّية الإجماع المحصل عند الإمامية

قد عرفت أنّ الأمّة مع قطع النظر عن الإمام المعصوم غير معصومة من الخطأ في الأحكام ، وأقصى ما يمكن أن يقال إنّ الإجماع يكشف عن قول المعصوم أو الحجّة الشرعية التي اعتمدت عليها الأمّة ، والثاني أمر معقول ومقبول في عصر الغيبة غير أنّ كشف اتّفاقهم عن الدليل يتصوّر على وجوه ذكرها الأصوليون في كتبهم. (١)

أوجهها : أنّ اتّفاق الأمّة مع كثرة اختلافهم في أكثر المسائل يعرب عن أنّ الاتّفاق كان مستندا إلى دليل قطعي لا عن اختراع للرأي من تلقاء أنفسهم نظير اتّفاق سائر ذوي الآراء والمذاهب.

وبعبارة أخرى : أنّ فتوى كلّ فقيه وإن كانت تفيد الظن ولو بأدنى مرتبة إلاّ أنّها تتقوّى بفتوى فقيه ثان ، فثالث إلى أن يحصل اليقين بأنّ فتوى الجميع كانت مستندة إلى الحجّة ، إذ من البعيد أن يتطرّق الخطأ إلى فتوى هؤلاء.

وبالجملة ملاحظة إطباقهم في الإفتاء على عدم العمل إلاّ بالنصوص دون المقاييس يورث القطع بوجود حجّة في البين وصلت إليهم ولم تصل إلينا. (٢)

__________________

(١) لاحظ «كشف القناع عن وجه حجّية الإجماع» للعلاّمة التستري ، فقد ذكر فيه اثني عشر طريقا إلى كشف الإجماع عن الدليل ، ونقلها المحقّق الآشتياني في تعليقته على الفرائد لاحظ ص ١٢٢ ـ ١٢٥.

(٢) وعلى ذلك يكون الإجماع المحصل من الأدلة المفيدة للقطع بوجود الحجة ، الخارج عن تحت الظنون موضوعا وتخصّصا ، وقد تناولناه بالبحث للإشارة إلى الأدلّة الأربعة ، والمناسب للبحث في المقام هو الإجماع المنقول بالخبر الواحد.

١٧٢

المقام الثاني : الإجماع المنقول بخبر الواحد

والمراد هو الاتّفاق الذي لم يحصّله الفقيه بنفسه وإنّما ينقله غيره من الفقهاء واختلفوا في حجّيته على أقوال :

القول الأوّل : إنّه حجّة مطلقا ، لأنّ المفروض أنّ الناقل ثقة وينقل الحجّة أي الاتّفاق الملازم لوجود دليل معتبر فتشمله أدلّة حجّية خبر الواحد.

القول الثاني : إنّه ليس بحجّة مطلقا ، وذلك لأنّ خبر الواحد حجّة فيما إذا كان المخبر به أمرا حسّيا أو كانت مقدّماته القريبة أمورا حسّية ، كالإخبار بالعدالة النفسانية إذا شاهد منه التورّع عن المحرّمات ، أو الإخبار بالشجاعة إذا شاهد قتاله مع الأبطال ، وأمّا إذا كان المخبر به أمرا حدسيا محضا لا حسّيا ولم تكن له مقدّمات قريبة من الحسّ ، فخبر الواحد ليس بحجّة.

فالناقل للإجماع ينقل أقوال العلماء وهي في أنفسها ليست حكما شرعيا ولا موضوعا ذا أثر شرعي ، وأمّا الحجّة ، أعني : رأي المعصوم ، فإنّما ينقله عن حدس لا عن حس بزعم انّ اتّفاق هؤلاء يلازم رأي المعصوم ، وخبر الواحد حجّة في مورد الحسيّات لا الحدسيات إلاّ ما خرج بالدليل كقول المقوّم في أرش المعيب

يلاحظ عليه : أنّه إذا كانت هناك ملازمة بين أقوال العلماء والحجّة الشرعية ، فلما ذا لا يكون نقل السبب الحسي دليلا على وجود المسبب وقد تقدّم انّ نقل الأمور الحدسية إذا استند الناقل في نقلها إلى أسباب حسية ، هو حجّة كما في وصف الرجل بالعدالة والشجاعة.

وأمّا عدم حجّية خبر الواحد في الأمور الحدسية ، فإنّما يراد منه الحدسيّ المحض كتنبّؤات المنجمين لا في مثل المقام الذي يرجع واقعه إلى الاستدلال بالسبب الحسّي على وجود المسبب.

١٧٣

القول الثالث : إنّه ليس بحجّة إلاّ إذا كان ناقل الإجماع معروفا بالتتبّع على وجه علم أنّه قد وقف على آراء العلماء المتقدّمين والمتأخّرين على نحو يكون ما استحصله من الآراء ملازما عادة للدليل المعتبر أو لقول المعصوم.

غير أنّ الذي يوهن الإجماعات المنقولة في الكتب الفقهية ، وجود التساهل في نقل الإجماع ، فربما يدّعون الإجماع بعد الوقوف على آراء محدودة غير ملازمة لوجود دليل معتبر ، بل ربما يدّعون الإجماع لوجود الخبر.

نعم لو كان الناقل واسع الباع محيطا بالكتب والآراء ، باذلا جهوده في تحصيل الأقوال في المسألة وكانت نفس المسألة من المسائل المعنونة في العصور المتقدّمة ، فربما يكشف تتبعه عن وجود دليل معتبر.

١٧٤

الفصل الخامس

حجّية قول اللغوي

إنّ لإثبات الظهور طرقا ذكرناها في محلّها (١) بقي الكلام في حجّية قول اللغوي في إثباته وتعيين الموضوع له ، وقد استدلّ جمع من العلماء على حجّية قول اللغوي بأنّ الرجوع إلى قول اللغوي من باب الرجوع إلى أهل الخبرة ، ولا إشكال في حجّية قول أهل الخبرة فيما هم خبرة فيه.

أشكل عليه : بأنّ الكبرى ـ وهي حجّية قول أهل الخبرة ـ مسلّمة ، إنّما الكلام في الصغرى وهي كون اللغوي خبيرا في تعيين الموضوع له عن غيره ، وبالتالي في تعيين المعنى الحقيقي عن المجازي ، مع أنّ ديدن اللغويين في كتبهم ذكر المعاني التي شاع استعمال اللفظ فيها ، سواء كان معنى حقيقيا أم مجازيا.

ولكن يمكن أن يقال : أنّ أكثر المعاجم اللغوية وإن كانت على ما وصفت ، ولكن بعضها ألّف لغاية تمييز المعنى الأصلي عن المعنى الذي استعمل فيه بمناسبة بينه وبين المعنى الأصلي ، وهذا كالمقاييس لمحمد بن فارس بن زكريا (المتوفّى ٣٩٥ ه‍) فقد قام ببراعة خاصة بعرض أصول المعاني وتمييزها عن فروعها ومشتقاتها ، ومثله كتاب أساس البلاغة للزمخشري (المتوفّى ٥٣٨ ه‍).

ومن سبر في الأدب العربي يجد أنّ سيرة المسلمين قد انعقدت على الرجوع

__________________

(١) راجع مقدّمة الكتاب ، بحث علائم الحقيقة والمجاز.

١٧٥

إلى الخبرة من أهل اللغة في معاني الألفاظ الّذين يعرفون أصول المعاني عن فروعها وحقائقها عن مجازاتها. وقد كان ابن عباس مرجعا كبيرا في تفسير لغات القرآن.

على أنّ الإنسان إذا ألف بالمعاجم الموجودة ، استطاع أن يميز المعاني الأصلية عن المعاني الفرعية المشتقة منها ، ولا يتم ذلك إلاّ مع قريحة أدبية وأنس باللغة والأدب. نعم تكون الحجة عند ذلك هي قطعه ويقينه لا قول اللغويّ.

* * *

إلى هنا انتهينا من دراسة الحجج الشرعية الأربعة : ـ الكتاب والسنّة والإجماع والعقل ـ وهي أدلّة اجتهادية تتكفّل لبيان الأحكام الشرعية الواقعية.

١٧٦

المقصد السابع

الأصول العملية

وفيه فصول :

الفصل الأوّل : في أصالة البراءة.

الفصل الثاني : في أصالة التخيير.

الفصل الثالث : في أصالة الاحتياط.

الفصل الرابع : في أصالة الاستصحاب.

١٧٧

الأصول العملية

قد عرفت أنّ المكلّف الملتفت إلى الحكم الشرعي تحصل له إمّا القطع أو الظن أو الشكّ ، وقد فرغنا عن حكم القطع والظنّ والآن نبحث عن حكم الشكّ.

ولا يخفى أنّ المستنبط إنّما ينتهي إلى «الأصول العملية» إذا لم يكن هناك دليل قطعي ، كالخبر المتواتر ؛ أو دليل علمي ، كالظنون المعتبرة التي دلّ على حجّيتها الدليل القطعي ، وتسمّى بالأمارات والأدلّة الاجتهادية ، كما تسمّى الأصول العملية بالأدلّة الفقاهية.

وبذلك تقف على ترتيب الأدلّة في مقام الاستنباط ، فالمفيد لليقين هو الدليل المقدّم على كلّ دليل ، يعقّبه الدليل الاجتهادي ، ثمّ الأصل العملي.

إنّ الأصول العملية المعتبرة وإن كانت كثيرة ، لكن أكثرها مختص بباب دون باب ، كأصل الطهارة المختص بباب الطهارة ، أو أصل الحلّية المختص بباب الشك في خصوص الحلال والحرام ، أو أصالة الصحّة المختصة بعمل صدر عن الشخص وشكّ في صحّته وفساده ، وأمّا الأصول العملية العامة التي يتمسك بها المستنبط في جميع أبواب الفقه فهي أربعة تعرف ببيان مجاريها.

لأنّ الشكّ إمّا أن تلاحظ فيه الحالة السابقة أو لا ، وعلى الثاني إمّا أن يكون الشكّ في أصل التكليف أو لا ، وعلى الثاني إمّا أن يمكن الاحتياط أو لا ،

١٧٨

فالأوّل مجرى الاستصحاب ، والثاني مجرى البراءة ، والثالث مجرى الاحتياط ، والرابع مجرى التخيير.

توضيحه

١. إذا شكّ المكلّف في حكم أو موضوع كان على يقين منه في السابق ، كما إذا كان على طهارة ثمّ شكّ في ارتفاعها ، فبما أنّ الحالة السابقة ملحوظة غير ملغاة تكون مجرى الاستصحاب على الشروط المقرّرة في محلّها.

٢. إذا لم تكن الحالة السابقة ملحوظة ، وتعلّق الشكّ بأصل التكليف كما إذا شكّ في حرمة التدخين ؛ فهي مجرى البراءة.

٣. إذا لم تكن الحالة السابقة ملحوظة ، وعلم بأصل التكليف ولكن شكّ في متعلّقه، وكان الاحتياط ممكنا ، كما إذا علم بوجوب الصلاة يوم الجمعة وتردّدت بين الظهر والجمعة، أو علم بوجود النجاسة وتردّد بين الإناءين ؛ فهي مجرى الاحتياط.

٤. إذا لم تكن الحالة السابقة ملحوظة ، وعلم بأصل التكليف ، وكان الاحتياط غير ممكن ، كما إذا علم انّ أحد الفعلين واجب والآخر محرّم (١) واشتبه أحدهما بالآخر فهو مجرى التخيير فيجب إتيان أحدهما وترك الآخر مخيّرا.

ولنقدم البحث عن البراءة أوّلا ، ثمّ التخيير ، ثمّ الاحتياط ، ثمّ الاستصحاب ، حفظا للنهج الدارج في الكتب الأصولية.

__________________

(١) حيث إنّ نوع التكليف معلوم والمتعلّق مجهول ، فخرج ما إذا كان نوع التكليف مجهولا فهو من قبيل الشكّ في التكليف ومع ذلك فهو مجرى التخيير كما إذا دار أمر فعل بين الوجوب والحرمة. لاحظ الفرائد : ٢٩٨ طبعة رحمة الله.

١٧٩

الفصل الأوّل

أصالة البراءة

قد تقدّم انّ مجرى أصالة البراءة هو الشكّ في أصل التكليف وهو على أقسام : لأنّ الشكّ تارة يتعلّق بالحكم ، أي يكون أصل الحكم مشكوكا ، كالشك في حكم التدخين هل هو حرام أو لا؟ ويسمى بالشّبهة الحكمية.

وأخرى يتعلّق بالموضوع بمعنى أنّ الحكم معلوم ، ولكن تعلّق الشكّ بمصاديق الموضوع، كالمائع المردّد بين كونه خمرا أو خلا. ويسمّى بالشبهة الموضوعية.

ثمّ إنّ منشأ الشك في الشبهة الحكمية إمّا فقدان النصّ أو إجماله أو تعارض النصّين.

ومنشأ الشك في الشبهة الموضوعية خلط الأمور الخارجية.

والشبهة بقسميها تنقسم إلى : تحريمية ووجوبية : أمّا التحريمية ، فالمراد منها هي ما إذا احتملت حرمة الشيء مع العلم بأنّه غير واجب ، فيدور أمره بين الحرمة ، والإباحة ، أو الكراهة ، أو الاستحباب ؛ كالتدخين الدائر أمره بين الحرمة والإباحة.

وأمّا الوجوبية ، فالمراد منها هي ما إذا احتمل وجوبه مع العلم بأنّه غير

١٨٠