الموجز في أصول الفقه

الشيخ جعفر السبحاني

الموجز في أصول الفقه

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١٤
ISBN: 978-964-357-324-9
الصفحات: ٢٤٨

الفصل الرابع

قطع القطّاع

يطلق القطّاع ويراد منه تارة من يحصل له القطع كثيرا من الأسباب التي لو أتيحت لغيره لحصل له أيضا ، وأخرى من يحصل له القطع كثيرا من الأسباب التي لا يحصل منها القطع لغالب الناس. وحصول القطع بالمعنى الأوّل زين وآية للذكاء ، وبالمعنى الثاني شين وآية الاختلال الفكري ، ومحل البحث هو القسم الثاني.

ثمّ إنّ الوسواسي في مورد النجاسات ، من قبيل القطّاع يحصل له القطع بها كثيرا من أسباب غير عادية كما أنّه في مورد الخروج عن عهدة التكاليف أيضا وسواسي لكن بمعنى لا يحصل له اليقين بسهولة.

إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّه حكي عن الشيخ الأكبر (١) عدم الاعتناء بقطع القطاع ، وتحقيق كلامه يتوقف على البحث في مقامين :

الأوّل : ما إذا كان القطع طريقيا.

الثاني : ما إذا كان القطع موضوعيا.

أمّا الأوّل : فالظاهر كون قطعه حجّة عليه ولا يتصوّر نهيه عن العمل به لاستلزام النهي وجود حكمين متناقضين عنده في الشريعة ، حيث يقول : الدم نجس وفي الوقت نفسه ينهاه عن العمل بقطعه بأنّ هذا دم.

__________________

(١) الشيخ جعفر النجفي المعروف ب «كاشف الغطاء» المتوفّى (١٢٢٨ ه‍).

١٤١

نعم لو أراد عدم كفايته في الحكم بصحّة العمل عند انكشاف الخلاف ، كما إذا قطع بدخول الوقت وتبيّن عدم دخوله فيحكم عليه بالبطلان فله وجه ، ولكن لا فرق عندئذ بين القطاع وغيره.

وأمّا الثاني : أي القطع الموضوعي فبما أنّ القطع جزء الموضوع ، فللمقنّن التصرف في موضوع حكمه ، فيصح له جعل مطلق القطع جزءا للموضوع ، كما يصحّ جعل القطع الخاص جزءا له ، أي ما يحصل من الأسباب العاديّة دون قطع القطّاع كالقطع الحاصل للشاهد أو القاضي أو المجتهد بالنسبة إلى الغير. فلو كان الشاهد أو القاضي أو المجتهد قطاعا فلا يعتد بقطعه ، لأنّ المأخوذ في العمل بقطع الشاهد أو القاضي أو المجتهد هو القطع الحاصل من الأسباب العادية لا من غيرها.

هذا كلّه حول القطّاع ، أمّا الظنّان فيمكن للشارع سلب الاعتبار عنه ، من غير فرق بين كونه طريقا إلى متعلّقه ، أو مأخوذا في الموضوع والفرق بينه وبين القطع واضح ، لأنّ حجّية الظن ليست ذاتية له ، وإنّما هي باعتبار الشارع وجعله إيّاه حجّة في مجال الطاعة والمعصية ، وعليه يصحّ له نهي الظنّان عن العمل بظنّه من غير فرق بين كونه طريقيا أو موضوعيا.

وأمّا الشكّاك ففي كلّ مورد لا يعتدّ بالشكّ العادي لا يعتنى بشكّ الشكّاك بطريق أولى كالشك بعد المحل ، وأمّا المورد الذي يعتنى بالشك العادي فيه ويكون موضوعا للأثر، فلا يعتنى بشك الشكّاك أيضا ، كما في عدد الركعتين الأخيرتين فلو شكّ بين الثلاث والأربع ، وكان شكّه متعارفا يجب عليه صلاة الاحتياط بعد البناء على الأكثر وأمّا الشكّاك ، فلا يعتنى بشكّه ولا يترتب عليه الأثر بشهادة قوله : «لا شكّ لكثير الشكّ» فلو اعتدّ به لم يبق فرق بين الشكّاك وغيره.

١٤٢

الفصل الخامس

هل المعلوم إجمالا كالمعلوم تفصيلا؟

العلم ينقسم إلى : تفصيلي كالعلم بوجود النجاسة في الإناء المعيّن ، وإجمالي ، كالعلم بوجود النجاسة في أحد الإناءين لا بعينه.

فاعلم أنّهم اختلفوا في أنّ العلم الإجمالي هل هو كالعلم التفصيلي بالتكليف أو لا؟ فالبحث يقع في منجّزية العلم الإجمالي وكفاية الامتثال الإجمالي.

أمّا منجّزية العلم الإجمالي فالحقّ أنّ العلم الإجمالي بوجود التكليف الذي لا يرضى المولى بتركه منجّز للواقع ، ومعنى التنجيز هو وجوب الخروج عن عهدة التكليف عقلا ، فلو علم وجدانا بوجوب أحد الفعلين أو حرمة أحدهما ، يجب عليه الإتيان بهما في الأوّل وتركهما في الثاني ولا تكفي الموافقة الاحتمالية بفعل واحد أو ترك واحد منهما.

وبهذا ظهر أنّ العلم الإجمالي كالعلم التفصيلي في لزوم الموافقة القطعية (وعدم كفاية الموافقة الاحتمالية) وحرمة المخالفة القطعية كما سيأتي في أصالة الاحتياط.

وأمّا كفاية الامتثال الإجمالي مع التمكّن من الامتثال التفصيلي ، فله صور :

الصورة الأولى : كفاية الامتثال الإجمالي في التوصليات ، كما إذا علم بوجوب

١٤٣

مواراة أحد الميّتين فيواريهما من دون استعلام حال واحد منهما ، ومثله التردّد في وقوع الإنشاء بلفظ النكاح ، أو بلفظ الزواج ، فينشئ بكلام اللفظين.

الصورة الثانية : كفاية الامتثال الإجمالي في التعبديّات فيما إذا لم يستلزم التكرار ، كما إذا تردّد الواجب بين غسل الجنابة وغسل مسّ الميت ، فيغتسل امتثالا للأمر الواقعي احتياطا مع التمكّن من تحصيل العلم التفصيلي أو الظن التفصيلي الذي دلّ الدليل على كونه حجّة ، والحقّ جوازه فلا يجب عليه التفحّص عن الواجب وانّه هل غسل الجنابة أو مسّ الميت وإن تمكن منه ، لأنّ الصحّة في العبادات رهن إتيان الفعل لأمره سبحانه والمفروض أنّه إنّما أتى به امتثالا لأمره الواقعي.

الصورة الثالثة : كفاية الامتثال الإجمالي في التعبديات فيما إذا استلزم التكرار ، كما إذا تردّد أمر القبلة بين جهتين ، أو تردّد الواجب بين الظهر والجمعة مع إمكان التعيين بالاجتهاد أو التقليد فتركهما وامتثل الأمر الواقعي عن طريق تكرار العمل.

فالظاهر أنّ حقيقة الطاعة هو الانبعاث عن أمر المولى بحيث يكون الداعي والمحرّك هو أمره والمفروض أنّ الداعي إلى الإتيان بكلّ واحد من الطرفين هو بعث المولى المقطوع به ، ولو لا بعثه لما قام بالإتيان بواحد من الطرفين.

نعم لا يعلم تعلّق الوجوب بالواحد المعيّن ، ولكن الداعي للإتيان بكلّ واحد هو أمر المولى في البين واحتمال انطباقه على كلّ واحد ، ويكفي هذا المقدار في حصول الطاعة.

وبذلك ظهر أنّ الاحتياط في عرض الدليل التفصيلي : الاجتهاد والتقليد.

ولذلك قالوا : يجب على كلّ مكلّف في عباداته ومعاملاته وعادياته أن يكون

١٤٤

مجتهدا أو مقلّدا أو محتاطا. (١)

فقد خرجنا بنتيجتين :

١. العلم الإجمالي كالعلم التفصيلي في منجّزية التكليف ومعذّريته.

٢. كفاية الامتثال الإجمالي عن الامتثال التفصيلي مطلقا سواء تمكّن من التفصيلي أم لا.

ثمّ إنّ العلم بالتكليف قد يراد به العلم الوجداني بالتكليف الذي لا يرضى المولى بتركه أبدا ، كما إذا علم بكون أحد الشخصين محقون الدم دون الآخر ، وأخرى يراد به العلم بقيام الحجّة الشرعية على التكليف ، كما إذا قامت الأمارة على حرمة العصير العنبي إذا غلى ، وتردّد المغلي بين إناءين وشمل إطلاق الأمارة المعلوم بالإجمال.

والكلام في المقام إنّما هو في الصورة الأولى أي العلم الوجداني ، لا ما إذا قامت الحجّة على الحرمة وتردّدت بين الأمرين ، فانّ البحث عن هذا القسم موكول إلى مبحث الاحتياط من الأصول العملية.

__________________

(١) العروة الوثقى : فصل التقليد ، المسألة الأولى ، ص ٩٠.

١٤٥

الفصل السادس

حجّية العقل

حجّية العقل في مجالات خاصة :

إنّ العقل أحد الحجج الأربع والذي اتّفق أصحابنا إلاّ قليلا منهم على حجّيته ، ولأجل إيضاح الحال نقدّم أمورا :

الأوّل : الإدراك العقلي ينقسم إلى إدراك نظري وإدراك عملي ، فالأوّل إدراك ما ينبغي أن يعلم ، كإدراك العقل وجود الصانع وصفاته وأفعاله وغير ذلك ، والثاني إدراك ما ينبغي أن يعمل ، كإدراكه حسن العدل وقبح الظلم ووجوب ردّ الوديعة وترك الخيانة فيها.

الثاني : انّ الاستدلال لا يتم إلاّ بالاستقراء أو التمثيل أو القياس المنطقي.

والاستقراء الناقص لا يحتج به ، لأنّه لا يفيد إلاّ الظنّ ولم يدلّ دليل على حجّية مثله، وأمّا الاستقراء الكامل فلا يعدّ دليلا لأنّه علوم جزئية تفصيلية تصبّ في قالب قضية كليّة عند الانتهاء من الاستقراء دون أن يكون هناك معلوم يستدل به على المجهول. وبعبارة أخرى يصل المستقرئ إلى النتيجة في ضمن الاستقراء وعند الانتهاء من دون أن يكون هنا استدلال.

وأمّا التمثيل ، فهو عبارة عن القياس الأصولي الذي لا نقول به.

فتعيّن أن تكون الحجّة هي القياس المنطقي ، وهو على أقسام ثلاثة :

أ. أن تكون الصغرى والكبرى شرعيّتين وهذا ما يسمّى بالدليل الشرعي.

١٤٦

ب. أن تكون كلتاهما عقليّتين ، كإدراك العقل حسن العدل (الصغرى) وحكمه بالملازمة بين حسنه عقلا ووجوبه شرعا (الكبرى) وهذا ما يعبّر عنه بالمستقلاّت العقلية ، أو التحسين والتقبيح العقليين. (١)

ج. أن تكون الصغرى شرعية والكبرى عقلية كما قد يقال : «الوضوء ممّا يتوقف عليه الواجب (الصلاة)» وهذه مقدّمة شرعية «وكلّ ما يتوقف عليه الواجب فهو واجب عقلا» وهذه مقدمة عقلية فينتج : فالوضوء واجب عقلا.

وهذا ما يعبر عنه بغير المستقلات العقلية نعم يعلم وجوب الوضوء شرعا بالملازمة بين حكمي العقل والشرع.

الثالث : عرّف الدليل العقلي بأنّه حكم يتوصّل به إلى حكم شرعي ، مثلا إذا حكم العقل بأنّ الإتيان بالمأمور به على ما هو عليه موجب لحصول الامتثال يستدل به على أنّه في الشرع أيضا كذلك ، فيترتّب عليه براءة الذمّة عن الإعادة والقضاء ، أو إذا حكم العقل عند التزاحم بلزوم تقديم الأهم كحفظ النفس المحترمة على المهم كالتصرف في مال الغير بلا إذنه ، فيستدل به على الحكم الشرعي وهو وجوب إنقاذ الغريق ، وجواز التصرف في مال الغير ، كلّ ذلك توصل بالحكم العقلي للاهتداء إلى الحكم الشرعي.

إذا عرفت ذلك ، فيقع البحث في حجّية العقل في مقامين :

المقام الأوّل : استكشاف حكم الشرع عند استقلاله بالحكم بالنظر إلى ذات الموضوع، فنقول : إذا استقل العقل بالحكم على الموضوع عند دراسته بما هو هو من غير التفات إلى ما وراء الموضوع من المصالح والمفاسد ، فهل يكون ذلك دليلا

__________________

(١) في مقابل الأشاعرة الذين لا يعترفون بهما إلاّ عن طريق الشرع ، فالحسن عندهم ما حسّنه الشارع وهكذا القبيح.

١٤٧

على كون الحكم عند الشارع كذلك أيضا أو لا؟ فذهب الأصوليّون إلى وجود الملازمة بين الحكمين ، وما ذلك إلاّ لأنّ العقل يدرك حكما عاما غير مقيّد بشيء.

مثلا إذا أدرك العقل (حسن العدل) فقد أدرك انّه حسن مطلقا ، أي سواء كان الفاعل واجب الوجود أم ممكن الوجود ، وسواء كان الفعل في الدنيا أم في الآخرة ، وسواء كان مقرونا بالمصلحة أم لا ، فمثل هذا الحكم العقلي المدرك يلازم كون الحكم الشرعي أيضا كذلك وإلاّ لما كان المدرك عاما شاملا لجميع تلك الخصوصيات. وبذلك تتضح الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع في المستقلاّت العقلية.

هذا كلّه في المستقلات العقلية وبه يظهر حكم غير المستقلاّت العقلية ، فمثلا إذا أدرك العقل الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدّمته ، أو وجوب الشيء وحرمة ضدّه ، يكشف ذلك انّ الحكم عند الشرع كذلك ، لأنّ الحكم المدرك بالعقل حكم عام غير مقيّد بشيء من القيود ، فكما أنّ العقل يدرك الملازمة بين الأربعة والزوجية بلا قيد فيكون حكما صادقا في جميع الأزمان والأحوال ، فكذلك يدرك الملازمة بين الوجوبين أو بين الوجوب والحرمة ، فالقول بعدم كشفه عن حكم الشارع كذلك ، ينافي إطلاق حكم العقل وعدم تقيّده بشيء.

وبذلك يتّضح أنّ ادّعاء الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع يرجع إلى أنّ الحكم المدرك بالعقل حكم مطلق غير مقيد بشيء ، فيعمّ حكم الشارع أيضا.

المقام الثاني : حكم الشرع عند استقلال العقل بالحكم بالنظر إلى المصالح والمفاسد في الموضوع لا بالنظر إلى ذات الموضوع.

فنقول : إذا أدرك العقل المصلحة أو المفسدة في شيء وكان إدراكه مستندا إلى المصلحة أو المفسدة العامتين اللّتين يستوي في إدراكهما جميع العقلاء ، ففي مثله يصحّ استنباط الحكم الشرعي من الحكم العقلي كلزوم الاجتناب عن السمّ

١٤٨

المهلك ، وضرورة إقامة الحكومة ، وغيرهما.

نعم لو أدرك المصلحة أو المفسدة ولم يكن إدراكه إدراكا نوعيا يستوي فيه جميع العقلاء ، بل إدراكا شخصيا حصل له بالسبر والتقسيم ، فلا سبيل للعقل بأن يحكم بالملازمة فيه ، وذلك لأنّ الأحكام الشرعية المولوية وإن كانت لا تنفك عن المصالح أو المفاسد ، ولكن أنّى للعقل أن يدركها كما هي عليها.

وبذلك يعلم أنّه لا يمكن للفقيه أن يجعل ما أدركه شخصيّا من المصالح والمفاسد ذريعة لاستكشاف الحكم الشرعي ، بل يجب عليه الرجوع إلى سائر الأدلّة.

تطبيقات

يترتب ثمرات كثيرة على حجّية العقل نستعرض قسما منها :

١. وجوب المقدّمة على القول بالملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدّمته.

٢. حرمة ضدّ الواجب على القول بالملازمة بين الأمر بالشيء والنهي عن ضدّه.

٣. بطلان العبادة على القول بامتناع اجتماع الأمر والنهي وتقديم النهي على الأمر وصحّتها في هذه الصورة على القول بتقديم الأمر وصحّتها مطلقا على القول بجواز الاجتماع.

٤. فساد العبادة إذا تعلّق النهي بها أو أجزائها أو شرائطها أو أوصافها.

٥. الإتيان بالمأمور به مجز عن الإعادة والقضاء لقبح بقاء الأمر بعد الامتثال على تفصيل مرّ في محلّه.

٦. وجوب تقديم الأهم على المهم إذا دار الأمر بينهما لقبح العكس.

١٤٩

الفصل السابع

في حجّية العرف والسيرة

إنّ العرف له دور في مجال الاستنباط أوّلا ، وفصل الخصومات ثانيا ، حتى قيل في حقّه ، «العادة شريعة محكمة» أو «الثابت بالعرف كالثابت بالنص» (١) ولا بدّ للفقيه من تحديد دوره وتبيين مكانته حتى يتبين مدى صدق القولين.

أقول : العرف عبارة عن كلّ ما اعتاده الناس وساروا عليه ، من فعل شاع بينهم ، أو قول تعارفوا عليه ، ولا شكّ انّ العرف هو المرجع إذا لم يكن هناك نص من الشارع (على تفصيل سيوافيك) وإلاّ فهو ساقط عن الاعتبار. وتتلخص مرجعية العرف في الأمور الأربعة التالية :

١. استكشاف الجواز تكليفا أو وضعا

يستكشف الحكم الشرعيّ من السيرة بشرطين :

الف : أن لا تصادم النص الشرعي.

ب : أن تكون متصلة بعصر المعصوم.

توضيحه : إنّ السيرة ، على قسمين :

تارة تصادم الكتاب والسنّة وتعارضهما ، كاختلاط النساء بالرجال في الأفراح والأعراس وشرب المسكرات فيها والمعاملات الربوية ، فلا شكّ انّ هذه

__________________

(١) رسائل ابن عابدين : ٢ / ١١٣ ، في رسالة نشر العرف التي فرغ منها عام ١٢٤٣ ه‍.

١٥٠

السيرة باطلة لا يرتضيها الإسلام ولا يحتج بها إلاّ الجاهل.

وأخرى لا تصادم الدليل الشرعي وفي الوقت نفسه لا يدعمها الدليل ، فهذا النوع من السير إن اتصلت بزمان المعصوم وكانت بمرأى ومسمع منه ومع ذلك سكت عنها تكون حجّة على الأجيال الآتية ، كالعقود المعاطاتية من البيع والإجارة وكوقف الأشجار والأبنية من دون وقف العقار.

وبذلك يعلم أنّ السير الحادثة بين المسلمين بعد رحيل المعصوم لا يصح الاحتجاج بها وإن راجت بينهم كالأمثلة التالية :

١. عقد التأمين : وهو عقد رائج بين العقلاء ، عليه يدور رحى الحياة العصرية،فموافقة العرف لها ليست دليلا على مشروعيتها ، بل يجب التماس دليل آخر عليها.

٢. عقد حقّ الامتياز : قد شاع بين الناس شراء الامتيازات كامتياز الكهرباء والهاتف والماء وغير ذلك التي تعدّ من متطلّبات الحياة العصرية ، فيدفع حصة من المال بغية شرائها وراء ما يدفع في كلّ حين عند الاستفادة والانتفاع بها ، وحيث إنّ هذه السيرة استحدثت ولم تكن من قبل ، فلا تكون دليلا على جوازها ، فلا بدّ من طلب دليل آخر.

٣. بيع السرقفلية : قد شاع بين الناس انّ المستأجر إذا استأجر مكانا ومكث فيه مدّة يثبت له حق الأولوية وربما يأخذ في مقابله شيئا باسم «السرقفلية» حين التخلية ، وترك المكان للغير.

٢. تبيين المفاهيم

ألف : إذا وقع البيع والإجارة وما شابههما موضوعا للحكم الشرعي ثمّ شكّ

١٥١

في مدخلية شيء أو مانعيته في صدق الموضوع شرعا ، فالصدق العرفي دليل على أنّه هو الموضوع عند الشرع. إذ لو كان المعتبر غير البيع بمعناه العرفي لما صحّ من الشارع إهماله مع تبادر غيره وكمال اهتمامه ببيان الجزئيات من المندوبات والمكروهات إذ يكون تركه إغراء بالجهل وهو لا يجوز.

ب : لو افترضنا الإجمال في مفهوم الغبن أو العيب في المبيع فيحال في صدقهما إلى العرف.

قال المحقّق الأردبيلي : قد تقرّر في الشرع انّ ما لم يثبت له الوضع الشرعي يحال إلى العرف جريا على العادة المعهودة من رد الناس إلى عرفهم. (١)

ج : لو افترضنا الإجمال في حدّ الغناء فالمرجع هو العرف ، فكلّ ما يسمّى بالغناء عرفا فهو حرام وإن لم يشتمل على الترجيع ولا على الطرب.

يقول صاحب مفتاح الكرامة : المستفاد من قواعدهم حمل الألفاظ الواردة في الأخبار على عرفهم ، فما علم حاله في عرفهم جرى الحكم بذلك عليه ، وما لم يعلم يرجع فيه إلى العرف العام كما بيّن في الأصول. (٢)

يقول الإمام الخميني رحمه‌الله : أمّا الرجوع إلى العرف في تشخيص الموضوع والعنوان فصحيح لا محيص عنه إذا كان الموضوع مأخوذا في دليل لفظي أو معقد الإجماع. (٣)

٣. تشخيص المصاديق

قد اتّخذ الشرع مفاهيم كثيرة وجعلها موضوعا لأحكام ، ولكن ربما يعرض

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ / ٣٠٤.

(٢) مفتاح الكرامة : ٤ / ٢٢٩.

(٣) الإمام الخميني : البيع : ١ / ٣٣١.

١٥٢

الإجمال على مصاديقها ويتردّد بين كون الشيء مصداقا لها أو لا.

وهذا كالوطن والصعيد والمفازة والمعدن والأرض الموات إلى غير ذلك من الموضوعات التي ربما يشك الفقيه في مصاديقها ، فيكون العرف هو المرجع في تطبيقها على موردها.

٤. حلّ الإجمالات في ظلّ الأعراف الخاصة

إنّ لكلّ قوم وبلد أعرافا خاصة بهم يتعاملون في إطارها ويتفقون على ضوئها في كافة العقود والإيقاعات ، فهذه الأعراف تشكّل قرينة حالية لحل كثير من الإجمالات المتوهمة في أقوالهم وأفعالهم ، ولنقدّم نماذج منها :

ألف : إذا باع اللحم ثمّ اختلفا في مفهومه ، فالمرجع هو المتبادر في عرف المتبايعين وهو اللحم الأحمر دون اللحم الأبيض كلحم السمك.

ب : إذا أوصى الوالد بشيء لولده ، فالمرجع في تفسير الولد وانّه هو الذكر والأنثى أو الذكر فقط هو العرف.

ج : إذا اختلفت البلدان في بيع شيء بالكيل أو الوزن أو بالعدّ ، فالمتبع هو العرف الرائج في بلد البيع.

قال المحقّق الأردبيلي : كلّما لم يثبت فيه الكيل ولا الوزن ولا عدمهما في عهدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فحكمه حكم البلدان ، فإن اتّفق البلدان فالحكم واضح ، وإن اختلفا ففي بلد الكيل أو الوزن يكون ربويا تحرم الزيادة وفي غيره لا يكون ربويا فيجوز التفاضل. (١)

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٨ ، كتاب المتاجر ، مبحث الربا ، ٤٧٧.

١٥٣

المقام الثاني

أحكام الظن المعتبر

ويقع البحث في موضعين :

الأوّل : إمكان التعبّد بالظن.

الثاني : وقوعه بعد ثبوت إمكانه.

الموضع الأوّل : في إمكان التعبّد بالظن

والمراد منه هو الإمكان الوقوعي : أي ما لا يترتب على وقوعه مفسدة فالبحث في أنّه هل تترتب على التعبد بالظن مفسدة أو لا؟

فالقائلون بعدم جواز العمل بالظن ذهبوا إلى الامتناع وقوعا ، كما أنّ القائلين بجواز التعبّد ذهبوا إلى إمكانه كذلك.

ثمّ إنّ القائلين بامتناع التعبد ـ منهم ابن قبة الرازي (١) ـ استدلّوا بوجوه مذكورة في المطولات. ولكن أدلّ دليل على إمكان الشيء وقوعه في الشريعة الإسلامية كما سيتضح فيما بعد.

__________________

(١) هو محمد بن عبد الرحمن بن قبّة الرازي المتكلّم الكبير المعاصر لأبي القاسم البلخي المتوفّى عام (٣١٧ ه‍) وقد توفّي ابن قبة قبله وله كتاب الانصاف في الإمامة. ترجمه النجاشي في رجاله برقم ١٠٢٤.

١٥٤

الموضع الثاني : في وقوع التعبد بالظن بعد ثبوت إمكانه

وقبل الدخول في صلب الموضوع لا بدّ أن نبيّن ما هو الأصل في العمل بالظن حتى يكون هو المرجع عند الشكّ ، فما ثبت خروجه عن ذلك الأصل نأخذ به ، وما لم يثبت نتمسك فيه بالأصل فنقول : إنّ القاعدة الأوّلية في العمل بالظن هي الحرمة وعدم الحجّية إلاّ ما خرج بالدليل.

والدليل عليه أنّ العمل بالظن عبارة عن صحّة إسناد مؤدّاه إلى الشارع في مقام العمل، ومن المعلوم أنّ إسناد المؤدّى إلى الشارع إنّما يصحّ في حالة الإذعان بأنّه حكم الشارع وإلاّ يكون الإسناد تشريعا دلّت على حرمته الأدلّة الأربعة (١) ، وليس التشريع إلاّ إسناد ما لم يعلم أنّه من الدين إلى الدين.

قال سبحانه : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) (يونس / ٥٩).

فالآية تدلّ على أنّ الإسناد إلى الله يجب أن يكون مقرونا بالإذن منه سبحانه وفي غير هذه الصورة يعد افتراء سواء كان الإذن مشكوك الوجود كما في المقام أم مقطوع العدم،والآية تعم كلا القسمين. والمفروض أنّ العامل بالظن شاكّ في إذنه سبحانه ومع ذلك ينسبه إليه.

ثمّ إنّ الأصوليين ذكروا خروج بعض الظنون عن هذا الأصل. منها :

١. ظواهر الكتاب.

٢. الشهرة الفتوائية.

__________________

(١) الكتاب والسنّة والإجماع والعقل كما أوضحه الشيخ الأعظم في الفرائد ، واقتصرنا في المتن على الكتاب العزيز.

١٥٥

٣. خبر الواحد.

٤. الإجماع المنقول بخبر الواحد.

٥. قول اللغوي.

الفصل الأوّل

حجّية ظواهر الكتاب

اتّفق العقلاء على أنّ ظاهر كلام كل متكلّم إذا كان جادّا لا هزالا ، حجّة وكاشف عن مراده ، ولأجل ذلك يؤخذ بإقراره واعترافه في المحاكم ، وينفّذ وصاياه ، ويحتج برسائله وكتاباته.

وآيات الكتاب الكريم إذا لم تكن مجملة ولا متشابهة ، لها ظواهر كسائر الظواهر، يحتج بها كما يحتج بسائر الظواهر ، قال سبحانه (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (القمر / ١٧) وفي الوقت نفسه أمر بالتدبّر ، وقال : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) (محمد / ٢٤) كلّ هذا يعرب عن كون ظواهر الكتاب كسائر الظواهر ، حجّة ألقيت للإفادة والاستفادة والاحتجاج والاستدلال.

نعم إنّ الاحتجاج بكلام المتكلّم يتوقّف على ثبوت أمور :

الأوّل : ثبوت صدوره من المتكلّم.

الثاني : ثبوت جهة صدوره وأنّه لم يكن هازلا مثلا.

الثالث : ثبوت ظهور مفرداته وجمله.

الرابع : حجّية ظهور كلامه وكونه متبعا في كشف المراد.

١٥٦

والأوّل ثابت بالتواتر والثاني بالضرورة حيث إنّه سبحانه أجلّ من أن يكون هازلا. والمفروض ثبوت ظهور مفرداته ومركّباته وجمله بطريق من الطرق السابقة وهو التبادر وصحّة الحمل والسلب والإطراد. ولم يبق إلاّ الأمر الرابع وهو حجّية ظهور كلامه ، والكتاب الكريم كتاب هداية وبرنامج لسعادة الإنسان والمجتمع ، فلازم ذلك أن تكون ظواهره حجّة كسائر الظواهر ، وعلى ذلك فما ذهب إليه الأخباريون بحجيّة كلّ ظاهر إلاّ ظاهر الكتاب ممّا لا وجه له بل هو دعوى تقشعرّ منها الجلود ، وترتعد منها الفرائص ، إذ كيف توصف حجّة الله الكبرى ، والثقل الأعظم ، بعدم الحجّية مع أنّ الكتاب هو المعجزة الكبرى للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفيمكن أن يكون معجزا ولا يحتج بظواهره ومفاهيمه مع أنّ الإعجاز قائم على اللفظ والمعنى معا؟!

واعلم أنّه ليس المراد من حجّية ظواهر القرآن هو استكشاف مراده سبحانه من دون مراجعة إلى ما يحكم به العقل في موردها ، أو من دون مراجعة إلى الآيات الأخرى التي تصلح لأن تكون قرينة على المراد ، أو من دون مراجعة إلى الأحاديث النبوية وروايات العترة الطاهرة في إيضاح مجملاته وتخصيص عموماته وتقييد مطلقاته.

فالاستبداد في فهم القرآن مع غض النظر عمّا ورد حوله من سائر الحجج ضلال لا شكّ فيه ، كيف؟ والله سبحانه يقول : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (النحل / ٤٤) فجعل النبي مبيّنا للقرآن وأمر الناس بالتفكّر فيه،فللرسول سهم في إفهام القرآن كما أنّ لتفكّر الناس وإمعان النظر فيه سهما آخر،وبهذين الجناحين يحلّق الإنسان في سماء معارفه ، ويستفيد من حكمه وقوانينه.

وبذلك تقف على مفاد الأخبار المندّدة بفعل فقهاء العامة كأبي حنيفة و

١٥٧

قتادة ، فإنّهم كانوا يستبدون بنفس القرآن من دون الرجوع إلى حديث العترة الطاهرة في مجملاته ومبهماته وعموماته ومطلقاته. فالاستبداد بالقرآن شيء ، والاحتجاج بالقرآن بعد الرجوع إلى الأحاديث شيء آخر ، والأوّل هو الممنوع والثاني هو الذي جرى عليه أصحابنا ـ رضوان الله عليهم ـ.

ثمّ إنّ الأصوليين جعلوا مطلق الظواهر من الظنون وقالوا باعتبارها وخروجها عن تحت الضابطة السالفة الذكر بدليل خاص ، وهو بناء العقلاء على حجّية ظواهر كلام كلّ متكلّم، ولكن دقة النظر تقتضي أن تكون الظواهر من القطعيات بالنسبة إلى المراد الاستعمالي لا الظنيّات.

لأنّ السير في المحاورات العرفية يرشدنا إلى أنّها من الأمارات القطعية على المراد الاستعمالي بشهادة انّ المتعلّم يستدل بظاهر كلام المعلّم على مراده. وما يدور بين البائع والمشتري من المفاهيم لا توصف بالظنية ، وما يتفوّه به الطبيب يتلقّاه المريض أمرا واضحا لا سترة فيه كما أنّ ما يتلقّاه السائل من جواب المجيب يسكن إليه دون أيّ تردد.

فإذا كانت هذه حال محاوراتنا العرفية في حياتنا الدنيويّة ، فلتكن ظواهر الكتاب والسنّة كذلك فلما ذا نجعلها ظنيّة الدلالة؟!

نعم المطلوب من كونها قطعية الدلالة هو دلالتها بالقطع على المراد الاستعمالي لا المراد الجدي ، لأنّ الموضوع على عاتق الكلام هو كشفه عمّا يدل عليه اللفظ بالوضع وما يكشف عنه اللفظ الموضوع هو المراد الاستعمالي ، والمفروض أنّ الظواهر كفيلة لإثبات هذا المعنى فلا وجه لجعلها ظنيّة الدلالة. وأمّا المراد الجدّي فإنّما يعلم بالأصل العقلائي ، أعني:أصالة تطابق الإرادة الاستعمالية مع الجدّية.

والذي صار سببا لعدّ الظواهر ظنّية هو تطرّق احتمالات عديدة إلى كلام المتكلّم ، أعني :

١٥٨

١. احتمال كون المتكلّم هازلا ، ٢. أو كونه مورّيا في مقاله ، ٣. أو ملقيا على وجه التقية، ٤. أو كون المراد الجدّي غير المراد الاستعمالي من حيث السعة والضيق بورود التخصيص أو التقييد عليه. فلأجل وجود تلك الاحتمالات جعلوا الظواهر من الظنون.

يلاحظ عليه : بالنقض أوّلا : لأنّ أكثر هذه الأمور موجودة في النص أيضا مع أنّهم جعلوه من القطعيات ، والحلّ ثانيا بأنّ نفي هذه الاحتمالات ليس على عاتق الظواهر حتى تصير لأجل عدم التمكّن من دفعها ظنية ، بل لا صلة لها بها وإنّما الدافع لتلك الاحتمالات هو الأصول العقلائية الدالّة على أنّ الأصل في كلام المتكلّم كونه جادّا ، لا هازلا ولا مورّيا ولا ملقيا على وجه التقية ، كما أنّ الأصل هو تطابق الإرادة الاستعمالية مع الإرادة الجدية ، ما لم يدل دليل على خلافه كما في مورد التخصيص والتقييد.

فالوظيفة الملقاة على عهدة الظواهر هي إحضار المراد الاستعمالي في ذهن المخاطب وهي تحضره على وجه القطع والبت بلا تردد وشك. وأمّا سائر الاحتمالات فليست هي المسئولة عن نفيها حتى توصف لأجلها بالظنية على أنّ أكثر هذه الاحتمالات بل جميعها منتفية في المحاورات العرفية وإنّما هي شكوك علميّة مغفولة للعقلاء.

فخرجنا بالنتيجة التالية :

إنّ دلالة القرآن والسنّة وكذا دلالة كلام كلّ متكلّم على مراده من الأمور القطعية شريطة أن تكون ظاهرة لا مجملة ، محكمة لا متشابهة. ويكون المراد من قطعيتها ، كونها قطعية الدلالة على المراد الاستعمالي.

نعم الفرق بين الظاهر والنص ، هو انّ الأوّل قابل للتأويل إذا دلّت عليه القرينة ، بخلاف النصّ فلا يقبل التأويل ويعدّ التأويل تناقضا.

١٥٩

الفصل الثاني

الشهرة الفتوائيّة (١)

من الظنون التي قد خرجت عن أصل حرمة العمل بالظن ، الشهرة الفتوائية بين القدماء من الفقهاء وهي :

عبارة عن اشتهار الفتوى في مسألة لم ترد فيها رواية معتبرة فمثلا إذا اتّفق القدماء من الفقهاء على حكم في مورد ، ولم نجد فيه نصا من أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام يقع الكلام في حجّية تلك الشهرة الفتوائية.

والظاهر (وفاقا لبعض الأعلام) حجّية مثل هذه الشهرة ، لأنّها تكشف عن وجود نص معتبر وصل إليهم ولم يصل إلينا حتى دعاهم إلى الإفتاء على ضوئه ، إذ من البعيد أن يفتي أقطاب الفقه بشيء بلا مستند شرعي ودليل معتدّ به ، وقد حكى سيد مشايخنا المحقّق البروجردي في درسه الشريف أنّ في الفقه الإمامي أربعمائة مسألة تلقّاها الأصحاب قديما وحديثا بالقبول وليس لها دليل إلاّ الشهرة الفتوائية بين القدماء بحيث لو حذفنا الشهرة عن عداد الأدلّة ، لأصبحت تلك المسائل فتاوى فارغة مجرّدة عن الدليل.

__________________

(١) وهنا ـ وراء الشهرة الفتوائية ـ شهرة روائية ، وشهرة عملية أوضحنا حالهما في «الوسيط» الجزء الثاني فلاحظ.

١٦٠