شرح الكفراوي على متن الآجرومية بحاشية الحامدي

الشيخ حسن بن علي الكفراوي الأزهري

شرح الكفراوي على متن الآجرومية بحاشية الحامدي

المؤلف:

الشيخ حسن بن علي الكفراوي الأزهري


المحقق: عبد الكريم سامي الجندي
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 2-7451-6970-X
الصفحات: ٣١٨

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الكلام هو : اللّفظ المركّب المفيد بالوضع ، وأقسامه ثلاثة : اسم وفعل وحرف جاء لمعنى ، فالاسم يعرف بالخفض ، والتّنوين ، ودخول الألف واللّام ، وحروف الخفض وهي : من وإلى وعن وعلى وفي وربّ والباء والكاف واللّام ، وحروف القسم وهي : الواو والباء والتّاء والفعل يعرف بقد والسّين وسوف وتاء التّأنيث السّاكنة ، والحرف ما لا يصلح معه دليل الاسم ولا دليل الفعل.

باب الإعراب

الإعراب هو تغيير أواخر الكلم ، لاختلاف العوامل الدّاخلة عليها : لفظا أو تقديرا ، وأقسامه أربعة : رفع ونصب وخفض وجزم. فللأسماء من ذلك : الرّفع والنّصب والخفض ولا جزم فيها. وللأفعال من ذلك : الرّفع والنّصب والجزم ولا خفض فيها.

باب معرفة علامات الإعراب

للرّفع أربع علامات : الضّمّة والواو والألف والنّون ، فأمّا الضّمّة فتكون علامة للرّفع في أربعة مواضع : في الاسم المفرد وجمع التّكسير وجمع المؤنث السالم والفعل المضارع الذي لم يتّصل بآخره شيء. وأمّا الواو فتكون علامة للرّفع في موضعين : في جمع المذكّر السّالم وفي الأسماء الخمسة وهي : أبوك وأخوك وحموك وفوك وذو مال ، وأمّا الألف فتكون علامة للرّفع

٢١

في تثنية الأسماء خاصّة ، وأمّا النّون فتكون علامة للرّفع في الفعل المضارع ، إذا اتّصل به ضمير تثنية أو ضمير جمع أو ضمير المؤنّثة المخاطبة ، وللنّصب خمس علامات : الفتحة والألف والكسرة والياء وحذف النّون ، فأمّا الفتحة فتكون علامة للنّصب في ثلاثة مواضع : في الاسم المفرد ، وجمع التّكسير ، والفعل المضارع إذا دخل عليه ناصب ولم يتّصل بآخره شيء. وأمّا الألف فتكون علامة للنّصب في الأسماء الخمسة نحو رأيت أباك وأخاك وما أشبه ذلك. وأمّا الكسرة فتكون علامة للنّصب في جمع المؤنّث السّالم ، وأمّا الياء فتكون علامة للنّصب في التّثنية والجمع ، وأمّا حذف النّون فيكون علامة للنّصب في الأفعال الّتي رفعها بثبات النّون ، وللخفض ثلاث علامات : الكسرة والياء والفتحة ، فأمّا الكسرة فتكون علامة للخفض في ثلاثة مواضع : في الاسم المفرد المنصرف ، وجمع التّكسير المنصرف ، وجمع المؤنّث السّالم ، وأمّا الياء فتكون علامة للخفض في ثلاثة مواضع : في الأسماء الخمسة والتّثنية ، والجمع ، وأمّا الفتحة فتكون علامة للخفض في الاسم الّذي لا ينصرف وللجزم علامتان : السّكون والحذف ، فأما السكون فيكون علامة للجزم في الفعل المضارع الصّحيح الآخر ، وأمّا الحذف فيكون علامة للجزم في الفعل المضارع المعتلّ الآخر ، وفي الأفعال الّتي رفعها بثبات النّون. «فصل» المعربات قسمان : قسم يعرب بالحركات ، وقسم يعرب بالحروف فالّذي يعرب بالحركات أربعة أنواع : الاسم المفرد ، وجمع التّكسير ، وجمع المؤنّث السّالم ، والفعل المضارع الّذي لم يتّصل بآخره شيء ، وكلّها ترفع بالضّمّة وتنصب بالفتحة وتخفض بالكسرة وتجزم بالسّكون. وخرج عن ذلك

٢٢

ثلاثة أشياء : جمع المؤنّث السّالم ينصب بالكسرة والاسم الّذي لا ينصرف يخفض بالفتحة والفعل المضارع المعتلّ الآخر يجزم بحذف آخره. والّذي يعرب بالحروف أربعة أنواع : التّثنية وجمع المذكّر السّالم والأسماء الخمسة والأفعال الخمسة وهي يفعلان وتفعلان ويفعلون وتفعلون وتفعلين ، فأمّا التّثنية فترفع بالألف وتنصب وتخفض بالياء ، وأمّا جمع المذكّر السّالم فيرفع بالواو وينصب ويخفض بالياء ، وأمّا الأسماء الخمسة فترفع بالواو وتنصب بالألف وتخفض بالياء ، وأمّا الأفعال الخمسة فترفع بالنّون وتنصب وتجزم بحذفها.

باب الأفعال

الأفعال ثلاثة : ماض ومضارع وأمر نحو ضرب ويضرب واضرب ، فالماضي مفتوح الآخر أبدا ، والأمر مجزوم أبدا. والمضارع ما كان في أوّله إحدى الزّوائد الأربع ، يجمعها قولك أنيت وهو مرفوع أبدا حتّى يدخل عليه ناصب أو جازم. فالنّواصب عشرة وهي : أن ولن وإذن وكي ولام كي ولام الجحود وحتّى والجواب بالفاء والواو وأو. والجوازم ثمانية عشر وهي لم ولمّا وألم وألما ولام الأمر والدعاء ولا في النهي والدّعاء وإن وما ومن ومهما وإذما وأيّ ومتى وأيّان وأين وأنّى وحيثما وكيفما وإذا في الشّعر خاصّة.

باب مرفوعات الأسماء

المرفوعات سبعة وهي : الفاعل ، والمفعول الّذي لم يسمّ فاعله ، والمبتدأ ، وخبره ، واسم كان وأخواتها ، وخبر إنّ وأخواتها ، والتّابع للمرفوع ، وهو أربعة أشياء : النّعت ، والعطف ، والتّوكيد ، والبدل.

٢٣

باب الفاعل

الفاعل هو الاسم المرفوع المذكور قبله فعله ، وهو على قسمين : ظاهر ومضمر ، فالظّاهر : نحو قولك قام زيد ويقوم زيد وقام الزّيدان ويقوم الزّيدان وقام الزّيدون ويقوم الزّيدون وقام الرّجل ويقوم الرّجال وقامت هند وتقوم هند وقامت الهندان وتقوم الهندان وقامت الهندات وتقوم الهندات وقامت الهنود وتقوم الهنود وقام أخوك ويقوم أخوك وقام غلامي ويقوم غلامي وما أشبه ذلك. والمضمر اثنا عشر نحو قولك : ضربت وضربنا وضربت وضربت وضربتما وضربتم وضربتنّ وضرب وضربت وضربا وضربوا وضربن.

باب المفعول الّذي لم يسمّ فاعله

وهو الاسم المرفوع الّذي لم يذكر معه فاعله. فإن كان الفعل ماضيا ضمّ أوّله وكسر ما قبل آخره. وإن كان مضارعا ضمّ أوّله وفتح ما قبل آخره ، وهو على قسمين : ظاهر ومضمر ، فالظّاهر نحو قولك ضرب زيد ويضرب زيد وأكرم عمرو ويكرم عمرو. والمضمر اثنا عشر ، نحو قولك : ضربت وضربنا وضربت وضربت وضربتما وضربتم وضربتنّ وضرب وضربت وضربا وضربوا وضربن.

باب المبتدأ والخبر

المبتدأ هو الاسم المرفوع العاري عن العوامل اللّفظيّة. والخبر هو الاسم المرفوع المسند إليه ، نحو قولك زيد قائم والزّيدان قائمان والزّيدون قائمون. والمبتدأ قسمان ظاهر ومضمر : فالظاهر ما تقدم ذكره ، والمضمر

٢٤

اثنا عشر وهي : أنا ونحن وأنت وأنت وأنتما وأنتم وأنتنّ وهو وهي وهما وهم وهنّ نحو قولك : أنا قائم ونحن قائمون وما أشبه ذلك. والخبر قسمان : مفرد وغير مفرد فالمفرد نحو : زيد قائم ، وغير المفرد أربعة أشياء : الجارّ والمجرور والظّرف والفعل مع فاعله والمبتدأ مع خبره نحو قولك : زيد في الدّار وزيد عندك وزيد قام أبوه وزيد جاريته ذاهبة.

باب العوامل الدّاخلة على المبتدأ والخبر

وهي ثلاثة أشياء : كان وأخواتها ، وإنّ وأخواتها ، وظننت وأخواتها ، فأمّا كان وأخواتها فإنّها ترفع الاسم وتنصب الخبر وهي : كان وأمسى وأصبح وأضحى وظلّ وبات وصار وليس وما زال وما انفكّ وما فتىء وما برح وما دام وما تصرّف منها نحو : كان ويكون وكن وأصبح ويصبح وأصبح تقول كان زيد قائما وليس عمرو شاخصا وما أشبه ذلك ، وأمّا إنّ وأخواتها فإنّها تنصب الاسم وترفع الخبر وهي ، إنّ وأنّ ولكنّ وكأنّ وليت ولعلّ ، تقول إنّ زيدا قائم وليت عمرا شاخص وما أشبه ذلك. ومعنى إنّ وأنّ للتّوكيد ، ولكنّ للاستدراك وكأنّ للتّشبيه. وليت للتّمنّي ، ولعلّ للتّرجّي والتّوقّع. وأمّا ظننت وأخواتها فإنّها تنصب المبتدأ والخبر على أنّهما مفعولان لها ، وهي ظننت وحسبت وخلت وزعمت ورأيت وعلمت ووجدت واتّخذت وجعلت وسمعت تقول : ظننت زيدا منطلقا وخلت عمرا شاخصا وما أشبه ذلك.

باب النّعت

النّعت تابع للمنعوت في رفعه ونصبه وخفضه وتعريفه وتنكيره تقول :

٢٥

قام زيد العاقل ورأيت زيدا العاقل ، ومررت بزيد العاقل ، والمعرفة خمسة أشياء : الاسم المضمر ، نحو : أنا وأنت. والاسم العلم نحو : زيد ومكّة. والاسم المبهم نحو : هذا وهذه وهؤلاء. والاسم الّذي فيه الألف واللّام نحو : الرّجل والغلام وما أضيف إلى واحد من هذه الأربعة. والنّكرة كلّ اسم شائع في جنسه لا يختصّ به واحد دون آخر ، وتقريبه كلّ ما صلح دخول الألف واللّام عليه ، نحو : الرّجل والغلام والفرس.

باب العطف

وحروف العطف عشرة وهي : الواو والفاء وثمّ وأو وأم وإمّا وبل ولا ولكن وحتّى في بعض المواضع ، فإن عطفت بها على مرفوع رفعت أو على منصوب نصبت أو على مخفوض خفضت أو على مجزوم جزمت. تقول : قام زيد وعمرو ، ورأيت زيدا وعمرا ومررت بزيد وعمرو ، وزيد لم يقم ولم يقعد.

باب التّوكيد

التّوكيد تابع للمؤكّد في رفعه ونصبه وخفضه وتعريفه. ويكون بألفاظ معلومة وهي : النّفس والعين وكلّ وأجمع وتوابع أجمع وهي : أكتع وأبتع ، وأبصع تقول : قام زيد نفسه ، ورأيت القوم كلّهم ومررت بالقوم أجمعين.

باب البدل

إذا أبدل اسم من اسم ، أو فعل من فعل ، تبعه في جميع إعرابه. وهو أربعة أقسام : بدل الشّيء من الشّيء وبدل البعض من الكلّ وبدل الاشتمال وبدل الغلط ، نحو قولك : قام زيد أخوك وأكلت الرّغيف ثلثه ، ونفعني زيد

٢٦

علمه ، ورأيت زيدا الفرس ، أردت أن تقول : الفرس فغلطت فأبدلت زيدا منه.

باب منصوبات الأسماء

المنصوبات خمسة عشر وهي : المفعول به ، والمصدر ، وظرف الزّمان وظرف المكان ، والحال والتّمييز ، والمستثنى ، واسم لا والمنادى وخبر كان وأخواتها واسم إنّ وأخواتها والمفعول من أجله ، والمفعول معه ، والتّابع للمنصوب وهو أربعة أشياء : النّعت والعطف والتّوكيد والبدل.

باب المفعول به

وهو الاسم المنصوب الّذي يقع به الفعل نحو قولك : ضربت زيدا وركبت الفرس ، وهو على قسمين : ظاهر ومضمر ، فالظّاهر ما تقدّم ذكره والمضمر قسمان : متّصل ومنفصل ، فالمتّصل اثنا عشر وهي : ضربني وضربنا وضربك وضربك وضربكما وضربكم وضربكنّ وضربه وضربها وضربهما وضربهم وضربهنّ ، والمنفصل اثنا عشر نحو قولك : إيّاي وإيّانا وإيّاك وإيّاك وإيّاكما وإيّاكم وإيّاكنّ وإيّاه وإيّاها وإيّاهما وإيّاهم وإيّاهنّ.

باب المصدر

المصدر هو : الاسم المنصوب الّذي يجيء ثالثا في تصريف الفعل نحو : ضرب يضرب ضربا. وهو قسمان : لفظيّ ومعنويّ ، فإن وافق لفظه لفظ فعله فهو لفظيّ نحو قولك قتلته قتلا وإن وافق معنى فعله دون لفظه فهو معنويّ نحو جلست قعودا وقمت وقوفا ، وما أشبه ذلك.

٢٧

باب ظرف الزّمان وظرف المكان

ظرف الزّمان هو اسم الزّمان المنصوب بتقدير في نحو : اليوم واللّيلة وغدوة وبكرة وسحرا وغدا وعتمة وصباحا ومساء وأبدا وأمدا وحينا وما أشبه ذلك. وظرف المكان وهو : اسم المكان المنصوب بتقدير في نحو : أمام وخلف وقدّام ووراء وفوق وتحت وعند ومع وإزاء وحذاء وتلقاء وهنا وثمّ وما أشبه ذلك.

باب الحال

الحال هو الاسم المنصوب المفسّر لما انبهم من الهيآت نحو : جاء زيد راكبا ولقيت عبد الله راكبا وما أشبه ذلك. ولا يكون الحال إلّا نكرة ، ولا يكون إلّا بعد تمام الكلام ، ولا يكون صاحبها إلّا معرفة!

باب التمييز

التّمييز هو الاسم المنصوب ، المفسّر لما انبهم من الذّوات نحو قولك : تصبّب زيد عرقا ، وتفقّأ بكر شحما ، وطاب محمّد نفسا واشتريت عشرين غلاما ، وملكت تسعين نعجة ، وزيد أكرم منك أبا وأجمل منك وجها ، ولا يكون إلّا نكرة ، ولا يكون إلا بعد تمام الكلام.

باب الاستثناء

وحروف الاستثناء ثمانية وهي : إلّا وغير وسوى وسوى وسواء وخلا وعدا وحاشا. فالمستثنى بإلّا ينصب إذا كان الكلام تامّا موجبا ، نحو قام القوم إلّا زيدا ، وخرج النّاس إلّا عمرا وإن كان الكلام منفيّا تامّا جاز فيه : البدل والنّصب على الاستثناء نحو ما قام القوم إلّا زيد وإلّا زيدا ، وإن كان

٢٨

الكلام ناقصا كان على حسب العوامل نحو : ما قام إلا زيد وما ضربت إلّا زيدا وما مررت إلّا بزيد والمستثنى بغير وسوى وسوى وسواء مجرور لا غير والمستثنى بخلا وعدا وحاشا يجوز نصبه وجرّه نحو قام القوم خلا زيدا وزيد ، وعدا عمرا وعمرو وحاشا بكرا وبكر.

باب «لا»

اعلم أنّ «لا» تنصب النّكرات بغير تنوين إذا باشرت النّكرة ولم تتكرّر «لا» نحو : لا رجل في الدّار ، فإن لم تباشرها وجب الرّفع ووجب تكرار لا نحو : لا في الدّار رجل ولا امرأة ، فإن تكرّرت جاز إعمالها وإلغاؤها. فإن شئت قلت : لا رجل في الدّار ولا امرأة وإن شئت قلت لا رجل في الدّار ولا امرأة.

باب المنادى

المنادى خمسة أنواع : المفرد العلم والنّكرة المقصودة والنّكرة غير المقصودة ، والمضاف ، والمشبّه بالمضاف. فأمّا المفرد العلم والنّكرة المقصودة فيبنيان على الضّمّ من غير تنوين نحو : يا زيد ويا رجل والثّلاثة الباقية منصوبة لا غير.

باب المفعول من أجله

وهو : الاسم المنصوب الّذي يذكر بيانا لسبب وقوع الفعل ، نحو قولك : قام زيد إجلالا لعمرو ، وقصدتك ابتغاء معروفك.

٢٩

باب المفعول معه

وهو الاسم المنصوب الّذي يذكر لبيان من فعل معه الفعل نحو جاء الأمير والجيش واستوى الماء والخشبة. وأما خبر «كان» وأخواتها واسم «إنّ» وأخواتها فقد تقدّم ذكرهما في المرفوعات وكذلك التّوابع فقد تقدّمت هناك

باب مخفوضات الأسماء

المخفوضات ثلاثة أقسام : مخفوض بالحرف ومخفوض بالإضافة ، وتابع للمخفوض. فأمّا المخفوض بالحرف فهو ما يخفض بمن وإلى وعن وعلى وفي وربّ والباء والكاف واللّام وحروف القسم وهي : الواو ، والباء ، والتّاء ، وبواو ربّ ، وبمذ ، ومنذ وأمّا ما يخفض بالإضافة فنحو قولك : غلام زيد وهو على قسمين : ما يقدّر بالّلام ، نحو غلام زيد. وما يقدّر بمن نحو ثوب خزّ وباب ساج وخاتم حديد.

٣٠

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله الذي جعل لغة العرب أحسن اللغات والصلاة والسّلام على سيدنا

______________________________________________________

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله الذي رفع أقواما وخفض آخرين ، والصلاة والسّلام على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين وعلى آله وأصحابه الذين نصب الله بهم الدين. وأضمر الكفر وأظهر كلمة الحق واليقين.

(أما بعد) فيقول الفقير الذليل لربه تعالى ، إسماعيل بن موسى الحامدي المالكي : هذه عبارات شريفة ، ونكات ظريفة ، على شرح العالم الفاضل ، والهمام الكامل ، الشيخ حسن الكفراوي ـ نسبة إلى بلدة كفر الشيخ حجازي بالقرب من المحلة الكبرى ـ الشافعي الأزهري ، توفي رحمه‌الله سنة اثنتين بعد المائتين والألف ، في عشرين من شهر شعبان ، وصلي عليه بالأزهر في مشهد حافل ، ودفن بتربة المجاورين ، على متن الإمام الصنهاجي تحل مبانيه وتوضح معانيه ، وضعتها لنفسي ولمن هو قاصر مثلي ، والله أسأل أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم ، وهو حسبي ونعم الوكيل فقلت وعلى الله اعتمادي :

قوله : (بسم الله الرّحمن الرّحيم) ابتدأ بها بدءا حقيقيا لقصد حصول البركة لجميع أجزاء الكتاب ، والاقتداء بالقرآن ، والعمل بالروايات الآتية في كلامه. قوله : (الحمد لله) ابتدأ بها أيضا لكن بدءا إضافيا لما ورد «كل كلام لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع» وعبر بالجملة الاسمية لدلالتها على الدوام ، وللاقتداء بالكتاب وإن كان أصلها الجملة الفعلية ، لأن الأصل : «حمدت حمدا» فحذف الفعل مع فاعله ، ورفع المصدر وأدخلت عليه أل وهذه الجملة إما خبرية لفظا إنشائية معنى لإنشاء الثناء بالمضمون ، أعني استحقاق الله الحمد لذاته أو اختصاصه به ، وإما خبرية لفظا ومعنى ، جيء بها للإخبار بثبوت المحامد لله والإخبار بالحمد حمدا ، والحمد لغة

٣١

الثناء باللسان على الفعل الجميل الاختياري على جهة التعظيم والتبجيل كان في مقابلة نعمة أم لا ومرادنا باللسان الكلام ليشمل القديم والحادث فهو مجاز مرسل من إطلاق السبب ـ وهو اللسان ـ وإرادة المسبب ـ وهو الكلام ـ ودخل في التعريف لأنه مجاز مشهور وقولنا : «الاختياري» مخرج للاضطراري فإنه مدح لا حمد وقولنا : «على جهة» أي وجه وإضافته لما بعده بيانية وعطف التبجيل على ما قبله مرادف ، وهذا مخرج للسخرية نحو : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) (٤٩) [الدّخان : ٤٩] فشمل هذا التعريف أقسام الحمد الأربعة : حمد قديم لقديم وهو حمد الله نفسه بنفسه أزلا نحو : «الحمد لله الذي خلق السموات والأرض» ، وحمد قديم لحادث كحمد الله لبعض عباده ، نحو : (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) [ص : ٣٠]. وحمد حادث لقديم كحمدنا لله سبحانه وتعالى وحمد حادث لحادث كحمد بعضنا بعضا.

وأما أركانه فخمسة : حامد ـ وهو فاعل الحمد ـ ومحمود ـ وهو من وقع عليه الحمد ـ ومحمود به ـ وهو مدلول صيغة الحمد ـ ومحمود عليه ـ وهو السبب الباعث على الحمد ـ وهذا الركن منتف في حقه تعالى لأن حمده تفضل منه وصيغة ـ وهو اللفظ الدال على الحمد ـ وعرفا فعل ينبىء عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعما على الحامد أو غيره.

ثم اعلم أن «أل» إما للاستغراق ـ وهي التي يصح أن يحل محلها كل ـ والمعنى كل فرد من أفراد الحمد لله ، وحمد الحادث للحادث وحمد القديم للحادث ثابتان لله في الواقع لأنه المنعم الحقيقي ، وإن كانا بحسب الظاهر لغيره ، وإما للعهد والمعنى أن الحمد المعهود لله ، والمراد به حمده لنفسه ولأصفيائه ، وإما للجنس ـ وهي الدالة على الحقيقة من غير تعرض لشيء من أفرادها ـ أي جنس الحمد وحقيقته لله. قوله : (لله) متعلق بمحذوف خبر أي الحمد ثابت لله والله أعلم على الذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد. قوله : (الذي) اسم موصول مبني على السكون في محل جر صفة للفظ الجلالة وهو مع صلته في معنى المشتق وقد تقرر أن تعليق الحكم بالمشتق يؤذن بكون المشتق منه علة فكأنه قال : الحمد لله لجعله لغة الخ فيكون في كلامه إشارة إلى أنه يستحق الحمد لأفعاله كما يستحقه لذاته والحمد عليها مقيد وهو عند إمامنا أفضل من المطلق لأنه حمد على نعم مضت فهو أداء دين ولا يخفى أن الواجب أفضل من التطوع فإن قلت الحكم ليس متعلقا بالمشتق ـ وهو جاعل الذي

٣٢

هو معنى «الذي جعل» ـ بل هو متعلق باللفظ الشريف ، قلت : أجيب بأن الصفة مع الموصوف كالشيء الواحد. قوله : (جعل) فعل ماض وفاعله مستتر تقديره هو يعود على الله وهو ينصب مفعولين. (لغة العرب) مضاف ومضاف إليه والأول مفعول أول أي ما اتفق عليه جميع العرب من الألفاظ والعرب خلاف العجم سموا عربا لأن البلاد التي سكنوها تسمى العربات. قوله : (أحسن اللغات) مضاف ومضاف إليه والأول مفعول ثان وهو يفيد أن غير لغة العرب فيها حسن وهو كذلك إذ هي لغة لغيره صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الأنبياء والرسل ولغة العرب هي اللغة التي نزل بها القرآن وهو أعظم الكتب المنزلة لجمعه معانيها ، ولغة أفضل الرسل صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأهل الجنة في الجنة ففي خبر «أحب العرب لثلاث : لأني عربي والقرآن عربي ولسان أهل الجنة في الجنة عربي» ذكره شيخ الإسلام في شرح الجزرية واللغات جمع لغة وهي لغة اللهج بالكلام ـ أي الإسراع به ـ واصطلاحا الألفاظ الموضوعة للمعاني. قوله : (والصلاة والسّلام الخ) هذه جملة خبرية لفظا إنشائية معنى والواو للعطف وأتى المصنف بالصلاة لخبر : «من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب ، وجمع بينها وبين السّلام عملا بآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب : ٥٦] فإن الظاهر منها طلب الجمع بينهما ولذلك كره إفراد أحدهما عن الآخر عند المتأخرين وهو عند المتقدمين خلاف الأولى كما صرح به ابن الجوزي. وقولنا : «فإن الظاهر الخ» تبعنا فيه بعضهم وهو متعقب بأن ظاهرها طلب فعلهما ولو متفرقين لأن الواو لا تدل إلا على مطلق الجمع فهي كآية : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) [البقرة : ٤٣]. والصلاة بالنسبة لله الرحمة وبالنسبة للملائكة وغيرهم الدعاء وأما السّلام فمعناه لغة الأمان. والمعنى صلّ يا ألله عليه ـ أي ارحمه ـ وسلم عليه ـ أي أمنه مما يخافه على أمته ـ فإن قيل الرحمة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حاصلة فطلبها تحصيل حاصل فالجواب أن المقصود بصلاتنا عليه طلب رحمة لم تكن فإنه ما من وقت إلا وهناك رحمة لم تحصل له فلا يزال يترقى في الكمالات إلى ما لا نهاية له فهو ينتفع بصلاتنا عليه على الصحيح ، لكن لا ينبغي أن يقصد المصلي ذلك ، بل يقصد التوسل إلى ربه في نيل مقصوده ولا يليق الدعاء للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بغير الوارد ، كرحمة الله بل المناسب واللائق في حق الأنبياء الدعاء بالصلاة والسّلام وفي حق الصحابة والتابعين والأولياء والمشايخ بالترضي وفي حق غيرهم يكفي أي دعاء كان. قوله : (على سيدنا) متعلق

٣٣

محمد المرفوع الرتبة فوق سائر المخلوقات وعلى آله وصحبه المنصوبين لإزالة شبه

______________________________________________________

بمحذوف خبر. واعلم أن «على» للاستعلاء الحقيقي فاستعمالها هنا ـ في تمكن النبي من الصلاة والسّلام وتمكنهما منه ـ مجاز بالاستعارة فشبه مطلق ارتباط صلاة وسلام بمصلى عليه ومسلم بمطلق ارتباط مستعل بمستعلى عليه بجامع التمكن في كل فسرى التشبيه من الكليات للجزئيات واستعير لفظ «على» من جزئي من جزئيات المشبه به لجزئي من جزئيات المشبه. وسيد أصله سيود قلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء وهو من ساد : أي حصلت له السيادة والعلو في قومه بسبب كرم أو علم أو جاه مثلا وفي كلامه إشارة إلى جواز إطلاق السيد على غير الله وهو كذلك. قال تعالى : (وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) [آل عمران : ٣٩]. وما ورد من قوله عليه الصلاة والسّلام : «إنما السيد الله» فالمراد السيادة المطلقة ، ونا من قوله : «سيدنا» للعقلاء ، فهو سيد غيرهم بالأولى ، والإضافة للعهد الخارجي. قوله : (محمد) بدل من سيد أو عطف بيان عليه ، لأن المعرفة إذا تقدم عليها نعتها أعربت كذلك ، ومحمد علم منقول من اسم مفعول الفعل المضعف ـ أي المكرر العين ـ وهو حمد ـ بوزن فعل بالتشديد ـ سماه به جده عبد المطلب في سابع ولادته لموت أبيه قبلها ، فقيل له : سميته محمدا لا من أسماء آبائك ولا قومك؟ فقال : رجوت أن يحمد في السماء والأرض وقد حقق الله رجاءه وإنما خصه بالذكر دون غيره من أسمائه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لشهرته وذكره في القرآن أكثر من غيره. قوله : (المرفوع) اسم مفعول من رفع بمعنى أعلى وهو نعت لمحمد لا لسيدنا ، لئلا يلزم تقدم البدل على النعت. وقوله الرتبة مضاف إليه ، أي الذي أعلى الله قدره ، وفيه براعة الاستهلال ، وهي أن يذكر المؤلف أول كتابه ما يشعر بالمشروع فيه من نحو أو غيره ، وقوله : «فوق» منصوب على الظرفية المكانية ، وقوله : «سائر» يستعمل بمعنى باق وبمعنى جميع كما هنا ، وقوله : «المخلوقات» جمع مخلوق ، فهو أفضل الخلق على الإطلاق ، قال اللقاني :

وأفضل الخلق على الإطلاق

نبينا فمل عن الشقاق

أي جنا وإنسا وملكا ، دنيا وأخرى ، وهذا التفضيل بإجماع المسلمين سنيين ومعتزليين إلا الزمخشري ، فإنه خرق الإجماع وقال بتفضيل جبريل على محمد عليه الصلاة والسّلام ، وقد رد ما قاله. قوله : (وعلى آله) المراد بهم هنا أمة الإجابة لأن المقام مقام دعاء ، وقد يفسر بغير ذلك بحسب ما يليق بالمقام الذي يذكر فيه ولا يضاف إلا للعقلاء والأصح إضافته للضمير خلافا لمن منعها وهو عطف على سيدنا ،

٣٤

الضلالات صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم تخفض فيه أهل الزيغ وتجزم وتنقطع فيه التعلقات.

أما بعد ، فقد سألني بعض المحبين إلى المترددين علي المرة بعد المرة أن أشرح

______________________________________________________

وأتى بعلى ردا لما يزعمه الشيعة من ورود «لا تفصلوا بيني وبين آلي بعلى». قوله : (وصحبه) ـ بفتح الصاد ـ اسم جمع لصاحب عند سيبويه وجمع له عند الأخفش ، والصحابي : كل مسلم لقي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولو لحظة ومات على ذلك ولا يشترط تمييز من اجتمع به ولا صحة بصره ليدخل من حنكه من الصبيان والمجنون والأعمى كسيدي عبد الله ابن أم مكتوم. وعطفه على ما قبله من عطف الخاص على العام وأتى به لمزيد الاهتمام بهم. قوله : (المنصوبين) أي المتصدرين وفيه براعة استهلال أيضا وهو صفة لما قبله. (لإزالة) متعلق باسم المفعول قبله. قوله : (شبه) ـ بضم الشين المعجمة وفتح الباء الموحدة ـ وهي الأمور المزخرفة ظاهرا الفاسدة باطنا سميت شبهة لأنها تشبه الحق وإضافتها للضلالات ـ جمع ضلالة بمعنى مخالفة للحق ـ من الإضافة البيانية. قوله : (صلاة وسلاما) اسما مصدر منصوبان بالصلاة والسّلام على المفعولية المطلقة لإفادة تقوية العامل وتقرير معناه فهو من نصب اسم المصدر باسم المصدر. قوله : (دائمين) أي مستمرين وباقيين. قوله : (متلازمين) أي لا ينفك أحدهما عن الآخر. قوله : (إلى يوم) التنوين للتعظيم ، لعظم ما يقع فيه من الأهوال وهو يوم القيامة والمراد التأبيد لأن عادة العرب إذا أرادوا التأبيد التعبير بالبعيد. قوله : (تخفض) أي تهان فيه أهل الزيغ ـ أي الميل عن الحق ـ وفي هذا براعة استهلال أيضا. قوله : (وتجزم وتنقطع) عطف الثاني على الأول مرادف وفي الأول براعة أيضا. وقوله : «التعلقات» جمع تعلق يعني أن ذلك اليوم وهو يوم الفصل بين الخلائق فمن كان له حق قبل وجهة شخص آخر أخذه منه فيه. قوله : (أما بعد) الإتيان بها أولى من «وبعد» لأنها الواقعة منه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما صح أنه خطب فقال : (أما بعد» أخرجه الشيخان ومن يأت بالواو ير أن المدار على «بعد» فيختصر وهي في بعض النسخ أيضا. وأما شرطية ـ أي نائبة عن اسم الشرط ـ وهو «مهما» ـ وعن فعله أيضا ـ وهو يكن ـ وبعد ظرف مبني على الضم في محل نصب لنية معنى المضاف إليه أي بعد ما تقدم في البسملة وما بعدها والمراد بنية المعنى ملاحظة معنى المضاف إليه ومسماه معبرا عنه بأي عبارة كانت وأي لفظ كان فيكون خصوص اللفظ غير ملتفت إليه بخلاف نية لفظ المضاف إليه وإنما لم تقتض الإضافة مع نية الإعراب لضعفها

٣٥

متن الآجرومية للإمام الصنهاجي شرحا لطيفا يكون مشتملا على بيان المعنى

______________________________________________________

بخلافها عند نية اللفظ لقوتها بنية لفظ المضاف إليه وإنما بنيت لأنها أشبهت أحرف الجواب في الاستغناء بها عما بعدها ، وبنيت على حركة لئلا يلزم التقاء الساكنين وكان بناؤها على الضم لأنه لم يكن حال الإعراب فكملت لها الحركات به وهي للانتقال من أسلوب إلى أسلوب آخر فلا تكون إلا بين أمرين متغايرين. قوله : (فقد) الفاء واقعة في جواب أما. قوله : (سألني) أي طلب مني. قوله : (بعض) فاعل سأل. قوله : (إلي) بسكون الياء للسجع وهي بمعنى اللام وإنما أتى بإلي لمناسبة السجع. قوله : (المترددين) اسم فاعل تردد بمعنى كرر الإتيان. قوله : (علي) متعلق باسم الفاعل قبله. قوله : (المرة بعد المرة) الأول منصوب باسم الفاعل والثاني على الظرفية والثالث مجرور بالإضافة ، وليس المقصود أنهم ترددوا عليه مرتين بل المراد أنهم ترددوا عليه بكثرة وأل في الظرفين زائدة ، وقولنا : منصوب باسم الفاعل أي على الظرفية أي المترددين علي زمنا بعد زمن ، أي في أزمنة كثيرة. قوله : (أن أشرح) ما دخلت عليه أن في تأويل مصدر مفعول ثان لسأل والأول الياء ، والشرح معناه لغة التوسعة والتهيؤ ، قال تعالى : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) [الزّمر : ٢٢] أي وسعه توسيعا معنويا وهيأه لقبوله واصطلاحا ألفاظ مرتبة مخصوصة دالة على معان مخصوصة. قوله : (متن الآجرومية) من إضافة المسمى إلى الاسم والمضاف إليه أوله همزة بعدها ألف فجيم مضمومة فراء مهملة مشددة مضمومة ، وهي نسبة لابن آجروم لكن القاعدة النسبة للأخير ، ومعناه بلسان البربر الفقير الصوفي. قوله : (الإمام) هو المقتدى به في الأمور. قوله : (الصنهاجي) نسبة إلى صنهاجة وهي قبيلة بالمغرب ، وكان من أهل فاس ، وهو أبو عبيد الله محمد بن محمد ولد سنة اثنتين وسبعين وستمائة وتوفي سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة ودفن داخل باب الحديد بمدينة فاس ببلاد المغرب. حكي أنه ألّف هذا المتن تجاه البيت الشريف ، وحكي أيضا أنه لما ألّفه ألقاه في البحر وقال : إن كان خالصا لله تعالى فلا يبل وكان الأمر كذلك. قوله : (شرحا) مفعول لشرح. قوله : (لطيفا) هو في الأصل رقيق القوام أو الشفاف الذي لا يحجب البصر عن إدراك ما وراءه ، استعمل هنا في قليل الألفاظ على الأول أو سهل المأخذ على الثاني ، على طريق الاستعارة التصريحية التبعية فشبه قلة الألفاظ أو سهولة المأخذ برقة القوام أو الشفافية واستعير اسم المشبه به ـ وهو اللطف للمشبه ، واشتق منه لطيف بمعنى قليل الألفاظ أو سهل المأخذ أو التشبيه البليغ بحذف الأداة. قوله :

٣٦

وإعراب الكلمات ، وأن أكثر فيه من الأمثلة لما أنه لم يقع لها شرح على هذه الصفات فتوقفت مدة من الزمان لعلمي أنها كثيرة الشراح حتى سألني عن ذلك من لا تسعني مخالفته ووجدت كثيرا من المبتدئين يسألون عن ذلك كثيرا فعنّ لي أن أشرحها على هذا الوجه المذكور ليكون سببا للنظر إلى وجه الله الكريم وموجبا

______________________________________________________

(يكون) اسمها ضمير الشرح. قوله : (مشتملا) أي محتويا خبر يكون. قوله : (على بيان) أي ظهور. قوله : (المعنى) هو ما يعني ويقصد من اللفظ. قوله : (وإعراب الكلمات) أي كالفاعلية والمفعولية والكلمات جمع كلمة. قوله : (وأن أكثر) عطف على أن أشرح. قوله : (من الأمثلة) جمع مثال وهو جزئي يذكر لإيضاح القاعدة. قوله : (لما) بكسر اللام علة لما قبله من قوله : «سألني الخ». وما زائدة فلو حذفها ما ضر. قوله : (أنه) أي الحال والشأن. قوله : (لم يقع) أي لم يحصل. قوله : (لها) أي الآجرومية. قوله : (شرح) أي كشف وتوضيح. قوله : (على هذه الصفات) هي لطافته واشتماله على بيان المعنى الخ. قوله : (فتوقفت) عطف على سأل والتوقف عدم الشروع في الشرح. قوله : (مدة) أي جملة. قوله : (من الزمان) جمع زمن وهو حركة الفلك. قوله : (لعلمي الخ) علة لتوقفت. قوله : (أنها) أي الآجرومية. قوله : (كثيرة الشراح) مضاف ومضاف إليه ؛ والأول خبر أن. قوله : (حتى الخ) غاية توقفت أي إلى أن. قوله : (عن ذلك) أي الشرح الموصوف بما تقدم. قوله : (من لا تسعني مخالفته) فيه قلب أي لا أسع مخالفته أي لا أقدر عليها أو استعارة مكنية حيث شبه المخالفة بدار ضيقة وطوى ذكر المشبه به ، ورمز له بشيء من لوازمه ـ وهو قوله : «لا تسعني» وهو تخييل للمكنية والجامع عدم الرغبة في كل والقلب مبني على أن «تسعني» مأخوذ من الوسع بمعنى الطاقة والاستعارة مبنية على أنه من الاتساع مقابل الضيق ومتعلق مخالفته محذوف أي فيما سأل فيه. قوله : (ووجدت) عطف على سألني. قوله : (كثيرا) مفعول أول لوجدت ، وجملة يسألونني مفعول ثان. قوله : (من المبتدئين) ـ بكسر الدال ـ جمع مبتدىء وهو من لم يصل إلى حد تصوير المسألة. ويقابله المتوسط وهو من قدر على التصوير والمنتهى وهو من وصل إلى ذلك مع قدرته على إقامة الأدلة وتحصيله للقواعد والضوابط. قوله : (فعن) الفاء للعطف على سأل ، وعن ـ بفتح العين المهملة والنون مشددة ـ بمعنى ظهر. قوله : (أن أشرحها) ما دخلت عليه أن في تأويل مصدر فاعل عن ، والضمير للآجرومية. قوله : (على هذا الوجه المذكور) أي الطريق ، والوصف المذكور سابقا في قوله شرحا لطيفا يكون

٣٧

للفوز لديه بجنات النعيم ، فقلت طالبا من الله التوفيق والهداية لأقوم طريق.

قال المؤلف : بسم الله الرّحمن الرّحيم

الكلام هو : اللّفظ المركّب المفيد بالوضع ،

بسم الله الرحمن الرحيم

ابتدأ المصنّف بها على القول بأنها من كلامه اقتداء بالكتاب العزيز وعملا

______________________________________________________

مشتملا الخ. قوله : (ليكون الخ) علة لقوله أن أشرحها الخ. قوله : (سببا) خبر يكون واسمها مستتر. قوله : (للنظر) أي الرؤية. قوله : (إلى وجه) أي ذات على طريقة الخلف ، وأما السلف فيقولون له وجه لا كالأوجه ولا يعلم حقيقته إلا هو. قوله : (الله) علم على الذات العلية كما سبق. قوله : (الكريم) أي الذي يعطي المطلوب قبل السؤال لا لغرض ولا لعوض فهو الكريم حقيقة ، ولا يجوز أن يقال السخي لعدم وروده. قوله : (وموجبا) ـ بكسر الجيم – أي مثبتا ومحصلا أي وليكون سببا في أيضا. قوله : (للفوز) أي الظفر وبلوغ المقصود. قوله : (لديه) ظرف بمعنى عند منصوب بفتحة مقدرة على الألف المنقلبة ياء ، إذ أصله قبل الاتصال بالضمير لدى وهو اسم للمكان الحاضر والمراد هنا القرب المعنوي فالمعنى لفوزي حال كونه قريبا منه قربا معنويا على حدّ قوله تعالى حكاية (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ) [التّحريم : ١١] والضمير المضاف إليه عائد على الله. قوله : (بجنات) متعلق بالفوز. قوله : (النعيم) أي التنعم الدائم ، أي الذي لا يعقبه كدر وهو مضاف إليه من إضافة المحل للحال فيه. قوله : (فقلت) عطف على فعن. قوله : (طالبا) حال. قوله : (من الله) متعلق بطالبا. قوله : (التوفيق) مفعول باسم الفاعل وهو خلق قدرة الطاعة في العبد ، أي طالبا من الله أن يخلق في قوة على الطاعة وتأليف هذا الشرح. قوله : (والهداية) عطف على التوفيق أي الدلالة. قوله : (لأقوم طريق) من إضافة الصفة إلى الموصوف ، أي الطريق القويم ، أي المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ، وهو دين الإسلام ، والمراد طلب دوام الدلالة عليه ، ويحتمل أن المراد هنا الكلام الذي لا خطأ فيه. قوله : (قال المؤلف) الجملة في محل نصب مقول قوله قلت ومقول قوله قال المؤلف قوله باسم الله الخ. قوله : (ابتدأ) أي افتتح. قوله : (المصنف) اسم فاعل صنف بمعنى ألف وجمع. قوله : (على القول) متعلق بمحذوف أي بناء على

٣٨

بقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كل أمر ذي بال» ، أي : حال يهتم به شرعا «لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر أو أجذم أو أقطع» ، والمعنى ناقص وقليل البركة فالأمر الذي يبدأ بها وإن تم حالا يتم معنى إعرابها أن تقول بسم الباء حرف جر واسم

______________________________________________________

القول الخ. قوله : (بأنها) أي البسملة. قوله : (من كلامه) أي المصنف أما إن قلنا : إنها من كلام بعض الطلبة فيكون ليس مقتديا ولا عاملا اللهم إلا أن يقال إنه نطق بها ولم يكتبها كالحمدلة والشهادتين والصلاة والسّلام على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذلك كاف. قوله : (اقتداء) مفعول لأجله وهو اتباع الغير من غير أمر. قوله : (بالكتاب) أي بمنزله ، وأل للعهد والمعهود القرآن. قوله : (العزيز) أي الذي لا مثيل له. قوله : (وعملا) عطف على اقتداء فإن قلت لم عبر في جانب الكتاب بالاقتداء وفي جانب الحديث بالعمل؟ قلت : لأن الكتاب لم يكن فيه أمر بالابتداء فناسبه الاقتداء. بخلاف الحديث فمعناه الأمر به. إذ المعنى ابدؤوا في أموركم الخ فناسبه العمل. قوله : (بقوله) يجوز أن يكون أراد به المصدر. فقوله : (كل أمر الخ) معموله وأن يكون أراد به مقول. فقوله : «كل أمر الخ» بدل منه. قوله : (أي حال) تفسير لبال. وما بعد أي التفسيرية يعرب عطف بيان على ما قبلها. وليس لنا عطف بيان بعد حرف إلا هذا. قوله : (يهتم) ـ بالبناء للمجهول ـ أي يعتنى. قوله : (به) في محل رفع نائب فاعل يهتم. قوله : (شرعا) تمييز. فليس الاهتمام به من جهة العقل أو العرف. قوله : (فهو أبتر الخ) يفيد أن كل رواية أولها ما ذكر. وإنما الاختلاف في الآخر مع أنه ليس كذلك. بل أول الحديث المختوم بهذا. (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه باسم الله) بباء واحدة وأول المختوم بأجذم (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو) وأول المختوم بأقطع (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم) بدون لفظ فهو كما نقلناه عن المحقق العدوي في كتابنا الكوكب المنير. والكلام من باب التشبيه البليغ. أي كالأبتر. أي الحيوان مقطوع الذنب في النقص. والأجذم : أي ذاهب اليد أو الأنامل. والأقطع أي مقطوع اليد ، أو الاستعارة التصريحية التبعية بأن شبه النقص المعنوي بالبتر والجذم والقطع واستعير المشبه به بالمشبه واشتق من المشبه به أبتر وأجذم وأقطع بمعنى ناقص وقليل البركة. قوله : (فالأمر) مبتدأ ، والفاء فصيحة ، والخبر جملة «فهو لا يتم معنى» وإنما دخلت الفاء فيه لأن الموصوف بالموصول يشبه الشرط في العموم. قوله : (وإن تم) إن للمبالغة والكلام اعتراض. قوله : (حسا) تمييز. أي من جهة الحس والمشاهدة. قوله : (معنى) تمييز ، والمراد به ما قابل

٣٩

مجرور بالباء وعلامة جره كسرة ظاهرة في آخره والجار والمجرور متعلق بمحذوف تقديره أؤلف أو نحوه وإعرابه : أؤلف : فعل مضارع مرفوع لتجرده من الناصب والجازم وعلامة رفعه ضمة ظاهرة في آخره ، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا هذا إن جعلت الباء أصلية وإن جعلتها زائدة فلا تحتاج إلى متعلق تتعلق به. ونقول في الإعراب حينئذ الباء حرف جر زائد واسم مبتدأ مرفوع بالابتداء وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد والخبر محذوف تقديره اسم الله مبدوء به فمبدوء خبر المبتدأ مرفوع به وعلامة رفعه ضمة ظاهرة في آخره وبه الباء حرف جر والهاء ضمير مبني على الكسر في محل جر بالياء ، لأنه اسم مبني لا يظهر فيه إعراب واسم مضاف والاسم الكريم مضاف إليه وهو مجرور وعلامة جره كسرة ظاهرة في آخره. الرحمن : صفة لله مجرور وعلامة جره كسرة ظاهرة في آخره. الرحيم : صفة ثانية

______________________________________________________

الحس ، وعدم تمامه معنى أن يكون غير تام الانتفاع أو منفيه من أصله. قوله : (حرف جر) لأنه يجر معاني الأفعال ويوصلها إلى الأسماء ، أو لأنه يعمل الجر ـ الذي هو أحد أنواع الإعراب ـ وهو مبني على الكسر لأجل مناسبة العمل ، ولا محل له من الإعراب كسائر الحروف. قوله : (والجار الخ) معنى كون الجار متعلقا بالعامل أنه مرتبط به من حيث إنه وصول معناه للمعمول ومعنى كون المجرور متعلقا به أنه مرتبط به من حيث وصول معناه إليه ، ثم المتعارف أن المعمول متعلق ـ بكسر اللام ـ والعامل متعلق بفتحها ـ وقوله : «متعلق» لو قال : «متعلقان» لكان أولى وقد يجاب بأنهما لما كانا متلازمين نزلهما منزلة الشيء الواحد ، أو بأن الخبر المذكور عن أحدهما ، وحذف خبر الآخر. قوله : (أو نحوه) كتأليفي أو أفتتح. قوله : (لتجرده) أي خلوه. قوله : (من الناصب) «أل» للجنس. قوله : (هذا) أي محل كون الجار والمجرور متعلقا بمحذوف. قوله : (أصلية) نسبة للأصل ، أي عدم الزيادة ، والأصلي ما يحتاج لمتعلق ، وله معنى في نفسه كالاستعانة ، وإذا حذف فسد المعنى نحو : قطعت اللحم بالسكين. قوله : (فلا تحتاج الخ) لكن لها معنى غير وضعي كالتقوية والتأكيد. قوله : (حينئذ) أي حين إذ كانت الباء زائدة. قوله : (زائد) بالرفع صفة لحرف. قوله : (ظهورها) أي الضمة. قوله : (المحل) هو الميم. قوله : (مبني) كبقية الضمائر لشبهها بالحروف في الوضع ، فإن قلت : الشبه لا يتأتى إلا في الأكثر فما وجه البناء في غيره؟ قلت : بطريق الحمل. قوله : (فيه) أي عليه. قوله : (صفة لله)

٤٠