دروس في البلاغة - ج ٣

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في البلاغة - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٣

والسّنن بين الابتداع ، في كون كلّ منهما شيئا ذا بياض بين شيء ذي سواد ، ولا يخفى أنّ قوله : لاح بينهنّ ابتداع ، من باب القلب (١) ، أي سنن لاحت بين الابتداع. [فعلم (٢)] من وجوب اشتراك الطّرفين (٣) في وجه التّشبيه [فساد جعله] أي وجه الشبه [في قول القائل : النّحو في الكلام كالملح في الطّعام ، كون القليل مصلحا والكثير مفسدا (٤)] ، لأنّ المشبّه أعني النّحو لا يشترك في هذا المعنى ، [لأنّ النّحو لا يتحمّل القلّة والكثرة] إذ لا يخفى أنّ المراد به (٥) ههنا رعاية قواعده واستعمال أحكامه (٦) ، مثل رفع الفاعل ونصب المفعول به ، وهذه (٧) إن وجدت في الكلام بكمالها صار

________________________________________

وتشبيههم البدعة وكلّ ما فيه جهل بالظّلمة ، فإنّ الوهم حيّال خدّاع ، فبمجرّد ملاحظة هذين التّشبيهين المشهورين يخترع للسنّة ضياءا ، ويجعلها من الأجرام المظلمة المشرقة ، وللبدعة سوادا ويجعلها من الأجرام المظلمة ، فبعد ذلك يخترع من السّنن بين البدعة هيئة مخصوصة ، مثل هيئة انتزعها من النّجوم بين الدّجى ، فيشبه أحدهما بالأخرى في الهيئة الجامعة بينهما.

(١) أي الأولى أن يقول : ولا يخفى أنّ قوله سنن لاح بينهنّ ابتداع من باب القلب بزيادة سنن ، فالمعنى سنن لاحت بين الابتداع ، وذلك لأنّه جعل في جانب المشبّه النّجوم الّتي هي نظير السّنن في جانب المشبّه به بين الدّجى ، فلتجعل السّنن في جانب المشبّه به بين الابتداع ليتوافق الجانبان.

(٢) تفريع على قوله : «ووجهه ما يشتركان فيه تحقيقا أو تخييلا».

(٣) أي المشبّه والمشبّه به.

(٤) أي لأنّ كون القليل مصلحا والكثير مفسدا موجود في الكلام فقطّ ، فلا يشترك فيه المشبّه والمشبّه به ، فإنّ النّحو لا يتحمّل القلّة والكثرة ، بل أمره دائر بين الوجود والعدم.

(٥) أي بالنّحو في المقام رعاية قواعده المرعيّة ، واستعمال أحكامه.

(٦) عطف تفسير على «رعاية قواعده».

(٧) أي المذكورات من رفع فاعل ونصب المفعول إن وجدت في الكلام بكمالها صار صالحا لفهم المراد ، وإن لم توجد بقي الكلام فاسدا ولم ينتفع به أصلا ، فلا يكون مردّدا بين القلّة والكثرة أصلا ، بل مردّد بين الصّلاح والفساد.

٣٦١

صالحا لفهم المراد ، وإن لم توجد بقي فاسدا ولم ينتفع به [بخلاف الملح] فإنّه يحتمل القلّة والكثرة ، بأن يجعل في الطّعام القدر الصّالح منه (١) أو أقلّ أو أكثر ، بل وجه الشّبه هو الصّلاح بإعمالهما والفساد بإهمالهما (٢). [وهو] أي وجه الشّبه (٣) [إمّا غير خارج عن حقيقتهما] أي حقيقة الطّرفين بأن يكون (٤) تمام ماهيّتهما أو جزءا منهما (٥) ، [كما في تشبيه ثوب بآخر في نوعهما أو جنسهما أو فصلهما] كما يقال هذا القميص مثل ذاك في كونهما كتّانا أو ثوبا (٦) ، أو من

________________________________________

(١) أي من الملح ، وهو القليل الّذي ذكر فيما سبق أنّه مصلح.

(٢) أي وجه الشّبه هو الصّلاح والفساد لوجوده في الطّرفين ، فإنّ الملح إذا استعمل في الطّعام صلح ، وإلّا فسد ، كذا النّحو إذا استعمل في الكلام صلح ، وإلّا فسد ، فإعمالهما صلاح وإهمالهما وتركهما فساد في الطّعام والكلام. وليس وجه الشّبه كون قليلهما مصلحا وكثيرهما مفسدا لعدم وجوده في النّحو.

(٣) لمّا ذكر ضابط وجه الشّبه شرع في تقسيمه ، كما قسّم الطّرفين فيما مرّ إلى أربعة أقسام ، وقسّم وجه الشّبه إلى ستّة أقسام ، وذلك لأنّ وجه الشّبه إمّا غير خارج عن حقيقة الطّرفين ، وإمّا خارج عنها ، وغير الخارج على ثلاثة أقسام لأنّه إمّا أن يكون وجه الشّبه تمام ماهيّتهما أو جزءا منها مشتركا بينها وبين ماهيّة أخرى أو جزءا منها مميّزا لها عن غيرها من الماهيّات ، والأوّل هو النّوع ، والثّاني هو الجنس ، والثّالث هو الفصل ، والخارج عنها إمّا أن يكون صفة حقيقيّة ، وإما إضافيّة ، والحقيقيّة إمّا حسيّة أو عقليّة ، وقدّم الكلام على غير الخارج ، لأنّه الأصل في وجه الشّبه ، ولم يقل : وهو إمّا داخل أو خارج ليشمل النّوع ، لأنّه كما أنّه غير خارج غير داخل لكونه تمام الماهيّة ، والشّيء لا يدخل في نفسه ولا يخرج منها.

(٤) أي بأن يكون وجه الشّبه تمام ماهيّة الطّرفين ، وهو النّوع.

(٥) أي بأن يكون وجه الشّبه جزء ماهيّة الطّرفين ، وهو الجنس أو الفصل.

(٦) الثّوب اسم لكلّ ما يلبس ، لكن إن كان يسلك في العنق يقال له : قميص ، وإن كان يلفّ على لرأس يقال له : عمامة ، وإن كان يستر به العورة ، يقال له : سروال ، وإن كان يوضع على الأكتاف يقال له : رداء ، فالثّوب جنس تحته أنواع ، قميص ، عمامة ، سروال ، رداء ، ثمّ ما ذكره الشّارح مثال للجنس والفصل ، ولم يذكر مثال النّوع ، لأنّ قوله : هذا القميص مثل ذاك في

٣٦٢

القطن [أو خارج (١)] عن حقيقة الطّرفين [صفة] أي معنى قائم بهما (٢) ضرورة (٣) اشتراكهما فيه ، وتلك الصّفة [إمّا حقيقيّة] أي هيئة متمكّنة في الذّات متقرّرة (٤) فيها [وهي (٥) إمّا حسيّة (٦)] أي مدركة بإحدى الحواسّ الظّاهرة وهي [كالكيفيّات الجسميّة (٧)] ،

________________________________________

كونهما كتّانا أو من القطن مثال للفصل ، وقوله : هذا القميص مثل ذاك في كونهما ثوبا مثال للجنس ، لأنّ الثّوب مركّب من الجنس ، وهو الثّوبيّة ، ومن الفصل وهو الكتّان ، أو القطن ، أو الحرير ، أو الصّوف ، فالأولى للشّارح أن يقول : كما يقال هذا الثّوب مثل هذا الثّوب في كونهما قميصا ، أو هذا الملبوس مثل هذا الملبوس في كونهما ثوبا ، أو هذا الثّوب مثل هذا الثّوب في كونهما من كتان أو قطن ، فالأوّل مثال للنّوع ، والثّاني للجنس ، والثّالث والرّابع مثال للفصل.

(١) أي أو يكون وجه الشّبه خارجا عن حقيقة المشبّه والمشبّه به.

(٢) أي بالطّرفين ، لأنّ وصف الشّيء ما يقوم به ، ثمّ وجه الشّبه يجب أن يكون وصفا للمشبّه والمشبّه به معا ، وذلك لاشتراط اشتراكهما فيه ، هذا ما أشار إليه بقوله : ضرورة اشتراكهما فيه.

(٣) علّة لقوله : قائم بهما ، أي لاشتراك الطّرفين في المعنى الّذي هو وجه الشّبه بالضّرورة.

(٤) مرادف لقوله : «متمكّنة» جيء به للتّقرير والتّأكيد ، أي هيئة ثابتة في الذّات ، بحيث لا يكون حصولها في الذّات بالقياس إلى غيرها ، واحترز بذلك عن الإضافيّات فإنّها لا توصف بالتّمكّن ولا بالتّقرر ، بل حصولها بالقياس لغيرها ، فهي نسبة بين الشّيئين لا صفة ثابتة متقرّرة على أحدهما ، ومن ذلك لا تكون مستقلّة بالمفهوميّة.

(٥) أي الصّفة الحقيقيّة إما حسيّة أو عقليّة ، فهذا تقسيم للصّفة الحقيقيّة إلى قسمين.

(٦) أي دخل تحت الحسيّة قسمان من المقولات ، وهما الكيف والكمّ ، كما أنّ قوله : «وإمّا إضافيّة» شامل لسبعة أقسام من المقولات ، أي الفعل ، والانفعال ، والوضع ، والملك ، والأين ، ومتى ، والإضافة ، بقي الجوهر ، وهو العاشر منها ، وهو لا يصحّ أن يكون وجه الشّبه ، لما عرفت في الضّابط من أنّه معنى يشترك فيه الطّرفان ، والجوهر بأقسامه الخمسة ذات لا معنى.

(٧) كان على المصنّف أن يقول «كالكيفيّات الجسميّة والكمّ» حتّى لم يقع في اعتراض التّسامح الّذي يشير إليه الشّارح.

٣٦٣

أي المختصّة بالجسم (١) [ممّا (٢) يدرك بالبصر] ، وهي (٣) قوّة مرتّبة في العصبتين (٤) المجوّفتين اللتّين تتلاقيان (٥) فتفترقان إلى العينين [من (٦) الألوان والأشكال] والشّكل (٧)

________________________________________

(١) في بعض النّسخ بالأجسام ، فاحترز عن الكيفيّات النّفسانيّة ، فإنّها ليست مدركة بالحسّ ، بل بالعقل.

(٢) بيان للكيفيّات الجسميّة.

(٣) أي البصر في اللّغة حاسّة العين ونفسها ، وفي عرف الحكماء قوّة ... ، فتأنيث الضّمير إنّما هو باعتبار الخبر ، أعني : قوّة مرتّبة.

(٤) أي العرقين محلّهما مقدّم الدّماغ وهو الجبهة.

(٥) وفيه إشارة إلى أنّهما لا تتقاطعان على هيئة الصّليب ، بل يتّصل العصب الأيمن بالأيسر ، ثمّ يذهب الأيمن إلى العين اليمنى ، والأيسر إلى اليسرى ، وقيل : إنّهما متقاطعان تقاطعا صليبيّا كما في القوشجي ، حيث قال : البصر قوّة مودّعة في ملتقى العصبتين المجوّفتين اللتّين تنبتان من غور البطنين المقدّمين من الدّماغ ، عند جوار الزّائدتين الشّبيهتين بحلمتي الثّدي يتيامن النّابت منهما يسارا ، ويتياسر النّابت منهما يمينا حتّى يلتقيان ، ويسير تجويفهما واحدا ، ثمّ ينفذ النّابت يمينا إلى الحدقة اليمنى ، والنّابت يسارا إلى الحدقة اليسرى ، فذلك التّجويف الّذي هو في الملتقى أودع فيه القوّة الباصرة ، ويسمّى بمجمع النّور ، ويتعلّق البصر بالذّات بالضّوء واللّون ، وبواسطتهما بسائر المبصرات كالشّكلّ والمقدار والحركة وغيرها ، انتهى مع تصرّف ما.

(٦) بيان لما يدرك بالبصر ، فيقال عند التّشبيه في اللّون : خدّه كالورد في الحمرة ، وشعر هند كالغراب في السّواد ، ويقال عند التّشبيه في الشّكل رأس فلان كالبطّيخ في الشّكل ، وإنّما ذكر المصنّف الألوان ، ولم يذكر الأضواء مع أنّها من المبصرات بالذّات أيضا عند الفلاسفة ، فكأنّه جعلها من الألوان على ما زعمه بعضهم.

(٧) أي الشّكل هيئة تعرض للضّوء ، أي الجسم الطّبيعي أو السّطح بواسطة إحاطة نهاية واحدة أي سطح واحد ، أو خطّ واحد ، والأوّل كالكرة ، والثّاني كالدّائرة ، فإنّ الكرة عبارة عن هيئة حاصلة من إحاطة سطح واحد بجسم مستدير في داخله نقطة تكون جميع الخطوط

٣٦٤

هيئة إحاطة نهاية واحدة أو أكثر (١) بالجسم كالدّائرة (٢) ونصف الدّائرة والمثلّث والمربّع وغير ذلك (٣) ، [والمقادير] جمع مقدار ، وهو كمّ متّصل (٤) قارّ (٥) الذّات

________________________________________

الخارجة منها إليه متساوية ، وذلك السّطح محيطها ، وتلك النّقطة مركزها ، والدّائرة عبارة عن هيئة حاصلة من إحاطة خطّ واحد في سطح مستو يحيط به خطّ مستدير في داخله نقطة تسمّى بالمركز ، وجميع الخطوط الخارجة منها إليه متساوية.

(١) أي هيئة إحاطة أكثر من نهاية واحد ، يعني نهايتين كشكل نصف الدّائرة ، لأنّها قاعدة وهلال ، فهما خطان ، أحدهما مستقيم ، والآخر منحني ، أو ثلاث نهايات كالمثلّث ، أو أربع كالمربّع.

(٢) وظاهر كلام الشّارح أنّ قول الدّائرة مثال لهيئة حاصلة من إحاطة نهاية واحدة بالجسم ، وليس الأمر كذلك لما عرفت من أنّ الدّائرة هيئة حاصلة من إحاطة خطّ واحد بالسّطح لا بالجسم ، وما يحصل من إحاطة نهاية واحدة بالجسم ، وهو الكرة لا الدّائرة.

فالصّحيح أن يقال : والشّكل هيئة إحاطة نهاية واحدة بالجسم كالكرة ، أو بالسّطح كالدّائرة أو أكثر كنصف الدّائرة ، والمثلّث والمربّع وغير ذلك ، إلّا أن يقال إنّه يقدّر كالكرة بقرينة قوله : «بالجسم» ، ويقدّر أيضا بالسّطح قبل قوله : «كالدّائرة» بقرينه قوله : «كالدّائرة» ، فالأصل والشّكل هيئة إحاطة نهاية واحد أو كثر بالجسم كالكرة ، أو بالسّطح كالدّائرة.

وكيف كان فعبارة الشّارح قاصرة عن الدّلالة على المقصود مع أنّ الأصل عدم التّقدير ، ثمّ المثلّث من السّطح ما يحصل من إحاطة ثلاثة خطوط بالسّطح ، والمثلّث من الجسم ما يحصل من إحاطة ثلاثة سطوح بالجسم ، وقس عليه المربّع والمخمّس وغيرهما.

(٣) أي كالمخمّس والمسدّس.

(٤) أي احترز به عن الكمّ المنفصل كالأعداد ، والفرق بينهما أنّ الكمّ المتّصل ما يكون لأجزائه حدّ مشترك تتلاقى تلك الأجزاء عنده بحيث يكون ذلك الحدّ نهاية لأحد الأجزاء ، وبداية للآخر كالنّقطة في الخطّ ، هذا بخلاف الكمّ المنفصل حيث لم يوجد فيه حدّ مشترك.

(٥) احترز به عن الزّمان ، فإنّه غير قارّ الذّات ، والفرق بينهما أنّ قارّ الذّات ما تكون أجزاؤه المفروضة ثابتة في الخارج ، كذراع من الكرباس مثلا ، فإنّ أجزاءه المفروضة من النّقط ثابتة مستقرّة ، ليست بسيّال ، بخلاف غير قارّ الذّات ، كالآن من الزّمان ، فإنّه وإن كان متّصلا

٣٦٥

كالخطّ (١) والسّطح [والحركات] والحركة هي الخروج من القوّة إلى الفعل على سبيل التّدريج (٢) ، وفي جعل المقادير والحركات من الكيفيّات تسامح (٣) ، [وما يتّصل بها] أي بالمذكورات كالحسن والقبح المتّصف بهما الشّخص باعتبار الخلقة الّتي هي مجموع الشّكل واللّون (٤) ، وكالضّحك والبكاء الحاصلين

________________________________________

باعتبار كونه نهاية للماضي ، وبداية للاستقبال إلّا أنّه عرض سيّال لا ثبوت لأجزائه ، فيكون غير قارّ الذّات.

(١) أي أدخل بالكاف الجسم التّعليمي ، أشار بهذا إلى أنّ المقدار ينقسم إلى ثلاثة أقسام لأنّه إن قبل القسمة في الطّول فقطّ فخطّ ، وإن قبل القسمة في الطّول والعرض فقطّ فسطح ، وإن قبلها في الطّول والعرض والعمق فجسم تعليميّ ، ومن هنا ظهر أنّ المقادير أعراض خارجة عن الجسم الطّبيعي قائمة به ، وهذا مذهب الحكماء ، وأمّا عند المتكلّمين فالمقادير جواهر هي نفس الجسم أو أجزاؤه لأنّ المؤلّف من أجزاء لا تتجزّأ إذا انقسم في الجهات الثّلاث فجسم ، وفي الجهتين فسطح وباعتباره يتّصف بالعرض ، وفي الجهة الواحدة فقطّ فخطّ ، وباعتباره يتّصف بالطّول والجوهر الفرد الغير المؤلّف هو النّقطة.

(٢) أي وقتا فوقتا كخروج الإنسان من شبابه إلى الهرم ، فهو انتقال من الهرم بالقوّة إلى الهرم بالفعل ، واحترز به عن الخروج دفعة كانقلاب العناصر بعضها إلى بعض ، مثل انقلاب الماء هواء ، فلا يقال لذلك الانتقال حركة عند الحكماء ، وإنّما يسمّى تكوينا أو كونا وفسادا ، وأمّا الحركة عند المتكلّمين فهي حصول الجسم في مكان بعد حصوله في مكان آخر.

(٣) لأنّ المقدار من مقولة الكمّ ، أعني الّذي يقتضي القسمة لذاته ، والحركة من الأعراض النّسبيّة ، لأنّها من مقولة الأين على مذهب المتكلّمين ، ومن مقولة الانفعال على مذهب الحكماء.

(٤) يعني أنّه إذا قارن اللّون الشّكل حصلت كيفيّة تسمّى بالخلقة ، وباعتبارها يصحّ أن يقال للشّيء : إنّه حسن الصّورة أو قبيحها مثلا ، من تقارن البياض مع هيئة خاصّة حاصلة من إحاطة أربعة خطوط على وجه أحد بطريق مناسب تحصل كيفيّة ، وهي الخلقة باعتبارها يتّصف هذا الأحد بأنّه حسن الوجه ، ومن تقارن السّواد مع هيئة خاصّة حاصلة من إحاطة خطّ واحد على وجه واحد ، كما إذا كان مستديرا مثل سطح الدّائرة تحصل كيفيّة يقال لها الخلقة ، يتّصف هذا الأحد بها بأنّه قبيح الوجه.

٣٦٦

باعتبار الشّكل (١) والحركة (٢) [أو بالسّمع] عطف على قول : بالبصر ، والسّمع (٣) قوّة رتّبت في العصب المفروش على سطح باطن الصّماخين تدرك بها (٤) الأصوات ، [من الأصوات الضّعيفة (٥) والقويّة ، والّتي بين بين] والصّوت يحصل (٦) من التّموّج المعلول

________________________________________

(١) أي شكل الفمّ بالنّسبة إلى الضّحك ، وشكل العين بالنّسبة إلى البكاء.

(٢) أي حركة الفمّ في الضّحك ، وحركة العين في البكاء ، إذ عند الضّحك تحصل حركة خاصّة للشّفتين ، وهيئة تنتزع من إحاطة خطّين منحنيين غالبا على الفمّ ، فالكيفيّة الحاصلة من مجموع هذه الحركة والهيئة ضحك ، وكذلك عند البكاء يحصل للجفون حركة خاصّة ، وشكل خاصّ للعين ، فالحركة الحاصلة من مجموع هذه الحركة والشّكل هو البكاء.

(٣) أي والسّمع في الاصطلاح «قوّة رتّبت» أي ثبّتت في العصب المفروش على سطح باطن الصّماخين ، أي سطح باطن كلّ من ثقبي الأذنين ، الصّماخ بمعنى ثقب الأذن.

وبعبارة أخرى : إنّها قوّة مودعة في سطح باطن كلّ من الصّماخين ، لا أنّها قوّة مودعة في باطن مجموعهما ، فلا يرد عليه ما قيل إنّ هذا لا يشمل القوّة المودعة في العصب المفروش على باطن صماخ واحد.

(٤) أي تدرك بتلك القوّة الأصوات ، وخرج بهذا القيد القوّة المرتّبة في ذلك العصب الّتي لا تدرك بها الأصوات ، بل تدرك بها الحرارة والبرودة والرّطوبة واليبوسة ، فلا تسمّى القوّة سمعا بل لمسا.

(٥) والمراد بالأصوات الضّعيفة هي الأصوات المنخفضة الّتي لا تسمع إلّا من قريب ، والمراد بالأصوات القويّة هي الأصوات العالية الّتي تسمع من بعيد ، ومن ذلك يعرف ما هو بين بين ، أي بين الضّعيفة والقويّة.

(٦) أي الصّوت كيفيّة تحصل من تموّج الهواء وتحرّكه ، ثمّ التّموّج معلول «للقرع الّذي هو إمساس عنيف» أي إمساس جسم بآخر إمساسا عنيفا ، أي شديدا ، وإنّما شرط في القرع العنف ، لأنّك لو وضعت حجرا على حجر بمهل لم يحصل تموّج ولا صوت ، وإنّما يحصل عند العنف ، إذ حينئذ يحبس الهواء وينضغط ، فيتموّج من بين الجسمين ، فيحصل الصّوت الّذي هو كيفيّة قائمة بالهواء ، ويوصلها الهواء المتكيّف بها إلى السّمع.

٣٦٧

للقرع الّذي هو إمساس عنيف ، والقلع (١) الّذي هو تفريق عنيف بشرط مقاومة المقروع (٢) للقارع ، والمقلوع للقالع ، ويختلف الصّوت قوّة وضعفا بحسب قوّة المقاومة وضعفها (٣) ، [أو بالذّوق] وهي قوّة منبثّة (٤) في العصب المفروش على جرم اللّسان [من الطّعوم (٥)] ،

________________________________________

(١) عطف على «القرع» ، ثمّ التّفريق على نحو العنف على وجهين :

الأوّل : هو التّفريق بين المتّصلين بالأصالة كتقطيع الخيط ، وتفريق قطعة خشب من أخرى.

والثّاني : هو التّفريق بين المتّصلين بالعرض كجذب مسمار مغروز في خشبة ، أو جذب خشبة مغروزة في الأرض أو الجدار ، فإذا وقع التّفريق في الوجهين بعنف وشدّة تموّج الهواء وحصل الصّوت ، وإلّا فلا ، كما إذا قطع الخيط شيئا فشيئا مثلا.

(٢) أي بشرط مساواة المقروع للقارع ، والمقلوع للقالع في القوّة والصّلابة ، وإنّما شرط المقاومة في القوّة والصّلابة بين المقروع والقارع ، أي بين الملاقى بالفتح ، والملاقي بالكسر ، لأنّه لو كان أحدهما ضعيفا غير صلب كالصّوف المندوف المتراكم الّذي يقع عليه حجر أو خشب ، أو يقع هو على حجر أو خشب لم يحصل الصّوت.

(٣) أي ضعف المقاومة ، مثلا وقوع حجر كبير على حجر كبير يوجب حصول صوت قوي ، وقوع حجر صغير على حجر صغير يوجب حصول صوت ضعيف.

(٤) أي سارية ، وعبّر هنا بقوله : «منبثّة» دون قوله : رتّبت أو مرتّبة ، ليكون إشارة إلى أنّه ليس له محلّ مخصوص ، بل هو منشّب في العصب وسار فيه ، بخلاف غيره.

(٥) بيان لما يدرك بالذّوق ، والطّعوم هي الكيفيّات القائمة بالمطعومات.

وأصول الطّعوم تسعة : الأوّل : ما أشار إليه بقوله : «كالحرافة» ، وهي طعم منافر للقوّة الذّائقة ، كطعم الفلفل مثلا.

والثّاني : ما أشار إليه بقوله «والمرارة» وهو طعم منافر للذّوق غاية المنافرة كطعم الصّبر ، وهو نبت معروف.

والثّالث : ما أشار إليه بقوله : «والملوحة» وهو طعم منافر للذّوق بين المرارة والحرافة ، ولذلك تكون تارة مائلة للمرارة ، وتارة مائلة للحرافة.

والرّابع : ما أشار إليه بقوله : «الحموضة» وهو طعم منافر للذّوق أيضا ، يميل إلى الملوحة والحلاوة أو المرارة.

٣٦٨

كالحرافة والمرارة والملوحة والحموضة وغير ذلك (١) [أو بالشّم] وهي قوّة رتّبت (٢) في زائدتي مقدّم الدّماغ الشّبيهتين بحلمتي الثّدي [من الرّوائح (٣) أو باللّمس] وهي قوّة سارية في البدن (٤) يدرك بها الملموسات [من (٥) الحرارة والبرودة والرّطوبة واليبوسة]

________________________________________

(١) أي كالدّسومة ، والحلاوة ، والعفوصة ، والقبض ، والتّفاهة ، فهذه مع ما في الشّرح تسعة ، ثمّ الدّسومة : طعم فيه حلاوة لطيفة مع دهنيّة فهو ملائم للذّوق لكن دون الحلاوة في الملائمة ، والحلاوة : طعم ملائم للذّوق غاية الملائمة ، والعفوصة : طعم منافر للذّوق قريب من المرارة ، والقبض : طعم منافر فوق الحموضة تحت العفوصة ، ولذا قيل في الفرق بينهما أنّ العفوصة تقيّض ظاهر اللسان وباطنه ، والقبض يقبّض ظاهره فقطّ.

والتّفاهة : لها معنيان كون الشّيء لا طعم له ، كما إذا وضعت إصبعك في فمك ، وكون الشّيء لا يحسس طعمه لكثافة أجزائه فلا يتحلّل منه ما يخالط الرّطوبة اللّعابيّة ، فإذا احتيل في تحليله أحسّ منه طعم كالحديد مثلا ، والمعدود من الطّعوم التّفاهة بالمعنى الثّاني. وإنّما قلنا أصولها لأنّ ما سواها من الطّعوم أنواع لا تتناهى مركّبة منها.

(٢) أي رتّبها الله ، بمعنى أنّه خلقها وجعلها في زائدتي مقدّم الدّماغ ، وهما حلمتان زائدتان هناك شبيهتان بحلمتي الثّديين ، فهما بالنّسبة لمجموع الدّماغ مع خريطته كالحلمتين بالنّسبة إلى الثّديين ، كلّ واحد منها تقابل ثقبة من ثقبتيّ الأنف ، وعلى هذا فلا إدراك في الأنف ، وإنّما هو واسطة ، لأنّ القوّة الشّامّة بتينك الزّائدتين ، بدليل أنّه إذا سدّ الأنف من داخل انقطع إدراك المشموم ، ولو سلّم نفس الأنف من الآفات.

(٣) بيان لما يدرك بالشّمّ ، ولا حصر لأنواع الرّوائح ، ولا أسمائها إلّا من جملة الملائمة للقوّة الشّامّة وعدم الملائمة لها ، فما كان ملائما يقال له : رائحة طيّبة ، وما كان غير ملائم يقال له : رائحة منتنة.

(٤) أي في ظاهر البدن كلّه ، وهو الجلد كما هو المصرّح به في كتب الحكمة ، فلا يرد أنّ هذه القوّة لم تخلق في الكبد ، والرّئة ، والطّحال ، والكلية ، والعظم ، فكيف يقول الشّارح سارية في البدن مع أنّ هذه من جملته.

(٥) بيان لما يدرك باللّمس ، ثمّ هذه الأربعة هي أوائل الملموسات ، سمّاها أوائل الملموسات ، لأنّها مدركة باللّمس من دون واسطة ، وما عداها من اللطّافة ، والكثافة ، واللزّوجة ، والبلّة ،

٣٦٩

هذه الأربعة هي أوائل الملموسات ، فالأوّليان منها (١) فعليّتان ، والأخرويان منها انفعاليّتان [والخشونة] وهي كيفيّة حاصلة من كون بعض الأجزاء أخفض وبعضهما أرفع (٢) [والملاسة] وهي كيفيّة حاصلة عن استواء وضع الأجزاء (٣) ، [واللّين] وهي كيفيّة

________________________________________

والجفاف ، والخشونة ، واللّين ، والصّلابة ، والخفّة ، والثّقل ، تدرك به بواسطة هذه الأربعة ، فهي ثوان في الإدراك بالنّسبة إلى هذه الأربعة.

(١) أي من الأربعة «فعليتان» ، أي مؤثّرتان في موصوفهما ، لأنّهما يقتضيان الجمع ، والتّفريق ، وهما فعلان ، لأنّ الحرارة كيفيّة من شأنها تفريق المختلفات ، وجمع المتشاكلات ، أمّا تفريقها للمختلفات فلأنّ فيها قوّة مصعدة ، فإذا أثّرت في جسم مركّب من أجزاء مختلفة باللطّافة والكثافة ، ولم يكن الالتيام بين بسائطها كالماء ، والنّار ، والتّراب ، والهواء ، انفعل منها ، فيتبادر للصّعود الألطف فالألطف دون الكثيف ، فيلزم منه تفريق المختلفات ، مثلا النّار إذا أضرمت بشجرة سالت منها الرّطوبة ، وخرج منها دخّان مرتفع إلى العلوّ ، وهو الهواء المشوب بالنّار ، وتبقى الأجزاء الكثيفة التّرابيّة ، فحرارة النّار الّتي تعلّقت بالشّجرة قد فرّقت المتخالفات المجتمعة في الشّجرة من النّار ، والهواء ، والماء ، والتّراب.

وأمّا جمعها للمتشاكلات فبمعنى أنّ الأجزاء بعد تفرّقها تجتمع مع أصولها مثلا ، الهواء والنّار الخارجتان من الشّجرة تصاعدان حتّى تصلا إلى كرة الهواء والنّار ، لو لم يعقهما عائق ، والماء يسيل حتّى يصل إلى البحر ، لو لم يعقه عائق ، والتّراب يقع في وجه الأرض ، فقد اجتمعت المتشاكلات.

وبالجملة إنّ البرودة كيفيّة من شأنها تفريق المتشاكلات وجمع المتخالفات.

وأمّا الأوّل : فكما في الطّين اللّين إذا يبس ، فإنّه ينشقّ لشدّة البرودة ، وكثيرا ما تنشقّ الأرض عند بلوغ البرودة غاية الشّدّة في الشّتاء.

وأمّا الثّاني : فكالجمع بين الرّطب واليابس ، ألا ترى أنّ البرودة في الشّتاء كيف تجمع الماء مع الحجر والخشب ونحوهما ، «والأخريان انفعاليان» ، لأنّهما يقتضيان تأثّر موصوفهما ، فيكون سهل التّشكل في الرّطوبة ، وصعبه في اليبوسة.

(٢) فيقال هذا القميص كالعباء النّائيني في الخشونة.

(٣) فيقال هذا الإبريق مثل البلّور في الملاسة.

٣٧٠

تقتضي قبول الغمر إلى الباطن (١) ، ويكون للشّيء بها قوام (٢) ، غير سيّال ، [والصّلابة] وهي تقابل (٣) اللّين [والخفّة] وهي كيفيّة بها يقتضي الجسم أن يتحرّك إلى صوب (٤) المحيط لو لم يعقه عائق (٥) [والثّقل] وهي كيفيّة يقتضي الجسم أن يتحرّك إلى صوب (٦) المركز لو لم يعقه عائق (٧) [وما يتّصل (٨) بها] أي بالمذكورات كالبلّة (٩) والجفاف واللزّوجة (١٠)

________________________________________

(١) أي قبول النّفوذ والدّخول إلى باطن الموصوف بها ، كالعجين إذا غمرته بإصبعك مثلا.

(٢) أي ويكون للموصوف بسبب تلك الكيفيّة ، أو معها قوّة وتماسك بحيث لا يرجع بعض أجزائه موضع بعض منها إذا أخذ ، واحترز بهذا عن مثل الماء ، فهو ليس متّصفا باللّين إذ ليس له قوام ، فإنّه إذا أخذ منه شيء يرجع إلى مكان المأخوذ بعض أجزائه الآخر فورا.

(٣) أي تقابل التّضاد إذ هي كيفيّة تقتضي عدم قبول موصوفها الغمر إلى الباطن ، ويقال : هذا الشّيء كالحجر في الصّلابة.

(٤) أي إلى جهة المحيط ، أي العلوّ.

(٥) أي مثال ذلك كالرّيش الخفيف ، فإنّه لو لا العائق من الإمساك بيد ، أو تعلّق ثقيل به لارتفع إلى العلوّ.

(٦) أي إلى جهة المركز ، أي إلى جهة السّفل.

(٧) وذلك كالرّصاص المحمول ، فإنّه لو لا الحمل لنزل إلى السّفل ، ثمّ إنّه يمكن أن يكون المراد بالمحيط الفلك الأوّل ، وبالمركز الأرض ، فإنّه بالنّسبة إلى الأرض كسطح الكرة ، والأرض كمركزها بالقياس إليه.

(٨) أي ما يلحق بالمذكورات.

(٩) قال الجرجاني : البلّة هي الرّطوبة الجارية على سطوح الأجسام ، والجفاف يقابلها ، واعترض عليه أنّ البلّة بمعنى الرّطوبة الجارية على سطح الأجسام جوهر ، فلا مجال لعدّها من الكيفيّات الملموسة ، فالمراد بها في المقام الكيفيّة المقتضية لسهولة الالتصاق ، كما في الطّين ، ويقابلها الجفاف فهو كيفيّة تقتضي سهولة التّفرّق وعسر الالتصاق كما في المدر.

(١٠) واللزّوجة كيفيّة تقتضي سهلة التّشكل ، وعسر التّفرّق ، بل يمتدّ عند محاولة التّفرّق ، كما في العلك.

٣٧١

والهشاشة (١) واللطّافة (٢) والكثافة (٣) وغير ذلك (٤) ، [أو عقليّة] عطف على حسّيّة (٥) [كالكيفيّات النّفسانيّة (٦)] أي المختصّة بذوات الأنفس (٧) [من (٨) الذّكاء] وهي شدّة قوّة للنّفس معدّة (٩) لاكتساب الآراء ، [والعلم] وهو الإدراك المفسّر (١٠) بحصول صورة الشّيء عند

________________________________________

(١) هي كيفيّة تقتضي سهولة التّفرق وعسر الاتّصال بعد التّفرّق كالخبز المعجّون بالسّمن.

(٢) وهي رقّة الأجزاء المتّصلة كما في الماء.

(٣) وهي ضدّ اللطّافة ، أي غلظ الأجزاء المتّصلة كما في الأرض.

(٤) أي غير ما ذكر ممّا هو مذكور في غير هذا الفنّ ، كاللذّع مثلا ، وهي كيفيّة سارية في الأجزاء توجب تفرّقا موجعا تدركها اللّامسة عند تأثير سمّ اللّاذع فيها ، فإذا أردت التشبيه بهذه الكيفيّة ، تقول كلام زيد كالعقرب في اللذّع.

(٥) أي الصّفة الحقيقيّة إمّا حسّيّة كما مرّ ، أو عقليّة ، أي مدركة بالعقل ، والمراد به ما عدا الحواسّ الظّاهرة ، فيشمل الوهم والوجدان.

(٦) أي النّفسانيّة نسبة إلى النّفس على غير القياس ، كالجسمانيّ إلى الجسم ، فإنّ القياس النّفسيّة والجسميّ.

(٧) قال بعضهم : معنى اختصاصها بذوات الأنفس أنّها لا توجد إلّا فيها ، لا في الجمادات ، ولا في الحيوانات العجم ، فلا ينافي وجود بعضها كالعلم والقدرة والإرادة في الواجب تعالى عند مثبتها ، لكون القصر إضافيّا ، ولكنّ الصّحيح أن لا داعي لجعل الاختصاص إضافيّا ، لأنّ علم الواجب تعالى وقدرته وإرادته عند مثبتها ليس من الكيفيّات ، فهي خارجة عن المقسم.

(٨) بيان للكيفيّات النّفسانيّة ، ثمّ إنّ الذّكاء في الأصل مصدر ذكّت النّار إذا اشتدّ لهبها ، وأمّا في العرف فهي شدّة قوّة للنّفس.

(٩) بكسر العين ، اسم الفاعل ، أي تعدّ النّفس وتهيّئها لاكتساب الآراء ، أو بفتحها ، اسم مفعول ، أي أعدّها الله تعالى لاكتساب النّفس الآراء ، أي العلوم والمعارف.

(١٠) أي المفسّر عند المنطقيّين بحصول صورة الشّيء عند العقل كان الأحسن أن يقول الشّارح : المفسّر بصورة حاصلة من الشّيء عند العقل ، فإنّ المذهب المنصور كون العلم من مقولة الكيف ، وتفسيره بالحصول موجب لأن يكون من مقولة الإضافة ، حيث إنّ الحصول نسبة بين الصّورة ومعروضها أي العقل.

٣٧٢

العقل ، وقد يقال على معان أخر (١) [والغضب (٢)] وهو حركة للنّفس مبدؤها (٣) إرادة الانتقام [والحلم] هو أن تكون النّفس (٤) مطمئنّة

________________________________________

(١) أي الاعتقاد الجازم المطابق الثّابت ، وإدراك الكلّي ، أو المركّب في مقابل المعرفة بمعنى إدراك الجزئي أو البسيط ، والملكة الّتي يقتدر بها على استعمال الآلات سواء كانت خارجيّة كآلة الخياطة ، أو ذهنيّة كما في الاستدلال في غرض من الأغراض صادرا ذلك الاستعمال عن البصيرة بقدر الإمكان ، وهذه المعاني أيضا تصحّ إرادتها هنا ، لأنّها كيفيّات نفسانيّة.

نعم ، قوله : «وقد يقال» إشارة إلى أنّ إطلاقه على غير المعنى الّذي ذكره قليل ، ويحتمل أن يكون المراد من معاني العلم معان أخر غير المعاني المذكورة كالأصول والقواعد فإنّها معاني العلم ، إلّا أنّها ليست من الكيفيّات النّفسانيّة ، فلا يصحّ إرادتها هنا لعدم كونها كيفيّة نفسانيّة.

(٢) أي الغضب ، هو تغيّر يحصل عند غليان دم القلب لإرادة الانتقام.

(٣) أي سبب تلك الحركة وعلّتها إرادة الانتقام. واعترض عليه بوجهين :

الأوّل : إنّ هذا التّعريف لا يناسب قوله في تفسير الحلم : «لا يحرّكها الغضب» ، فإنّ مقتضاه كون الغضب محرّكا لا أنّه نفس الحركة.

والثّاني : إنّ تفسير الغضب بالحركة ينافي كونه من الكيفيّات ، إذ قد تقدّم من الشّارح الاعتراض على المصنّف في جعله الحركات من الكيفيّات.

ويمكن الجواب عن الأوّل بأنّ في قوله :

«لا يحرّكها الغضب» في تعريف الحلم ، مضاف محذوف ، أي لا يحرّكها أسباب الغضب ، ولكن الاعتراض الثّاني لا مدفع له إلّا الحمل على التّسامح ، والصّحيح أن يقال : إنّه كيفيّة توجب حركة النّفس ، مبدأ تلك الكيفيّة إرادة الانتقام.

(٤) وفيه أنّ هذا يقتضي أنّ يكون الحلم من مقولة الإضافة ، إذ الكون المستفاد من قوله : أن تكون نسبة بين النّفس والاطمئنان ، فلا يكون من الكيفيّات النّفسانيّة ، فهذا التّعريف يلحق بسابقه من الضّعف.

والصحّيح أن يقال : إنّه كيفيّة نفسانيّة تقتضي العفو عن الذّنب مع قدرة على الانتقام ، أو أنّه كيفيّة توجب اطمئنان النّفس بحيث لا يحرّكها الغضب.

٣٧٣

بحيث لا يحرّكها الغضب بسهولة (١) ولا تضطرب (٢) عند إصابة المكروه [وسائر الغرائز] جمع غريزة ، وهي الطّبيعة (٣) أعني ملكة تصدر عنها صفات ذاتيّة مثل الكرم (٤) ، والقدرة (٥) ، والشّجاعة (٦) ، وغير ذلك (٧). [وإمّا إضافيّة] عطف على قوله : إمّا حقيقيّة (٨) ، ونعني بالإضافيّة ما لا تكون هيئة متقرّرة

________________________________________

(١) الباء للملابسة متعلّق بالغضب ، أي لا يحرّكها الغضب الملتبس بسهولة ، وإنّما يحرّك الحليم الغضب القويّ ، ولذا يقال انتقام الحليم أشدّ على قدر غضبه.

(٢) أي ولا تضطرب النّفس عند إصابة المكروه.

(٣) أي السّجيّة والخصلة الّتي أودعها الله في كمون البشر من بدو خلقه له ، وإنّما سميت غريزة ، لأنّها لملازمتها للإنسان صارت كأنّها مغروزة فيه ، فهي فعيلة بمعنى مفعولة ، والغريزة في الاصطلاح ملكة تصدر عنها صفات ذاتيّة ، والمراد من الصّفات الذّاتيّة الأفعال الاختياريّة الّتي تصدر من الغرائز والملكات من دون اعتياد وكسب.

(٤) أي أنّ الكرم هو صدور بذل المال المسبّب عن الملكة الذّاتيّة الجبلّيّة الّتي تقتضي ذلك بسهولة.

(٥) أي وهي كيفيّة تصدر عنها الأفعال الاختياريّة من العقوبة وغيرها.

(٦) أي هي كيفيّة يصدر عنها بذل النّفس واقتحام الشّدائد بسهولة.

(٧) أي كأضدادها ، وهي البخل ، والعجز ، والجبن ، والبخل كيفيّة يصدر عنها المنع لما يطلب ، والعجز كيفيّة يصدر عنها تعذّر الفعل عند المحاولة ، وهو فعل يسند لصاحب العجز ، والجبن كيفيّة يصدر عنها الفرار من الشّدائد.

(٨) أي أنّ الصّفة الخارجيّة إمّا أنّ تكون حقيقيّة ، وهي الّتي لها تقرّر في موصوف واحد ، ومستقلّة بالمفهوميّة ، وقد تقدّم أنّها إمّا حسّيّة ، وإمّا عقليّة ، وأمّا أن تكون إضافيّة ، أي نسبيّة يتوقّف تعقّلها على تعقّل الغير ، ولم تستقلّ بالمفهومية ، إذ لم تكن متقرّرة في موصوف واحد ، بل نسبة بين الأمرين ، كما أشار إليه بقوله : «بل تكون معنى متعلّقا بشيئين» أي بحيث يتوقّف تعقّله على تعقّلهما ، ولا يكون مستقلا بالمفهوميّة ، كالأبوّة والبنوّة ، فإنّه ليس شيء منهما متقرّرا في ذات الأب والابن ، بل نسبة بينهما ، فالعقليّ بهذا المعنى شامل للاعتباري الوهمي ، فإنّه وإن لم يكن متحقّقا في الخارج إلا أنّه متقرّر ذهنا في موصوفه ، ومستقلّ بالمفهوميّة.

٣٧٤

في الذّات ، بل تكون معنى متعلّقا بشيئين [كإزالة الحجاب في تشبيه الحجّة بالشّمس] فإنّها (١) ليست هيئة متقرّرة في ذات الحجّة والشّمس ، ولا في ذات الحجاب (٢) وقد يقال الحقيقي (٣) على ما يقابل الاعتباري الّذي لا تحقّق له إلا بحسب اعتبار العقل.

________________________________________

(١) أي إزالة الحجاب ليست هيئة ، أي صفة متقرّرة في ذات الحجّة الّتي هي المشبّه ، أو الشّمس الّتي هي المشبّه به ، أي لا تكون ثابتة في كلّ منهما على نحو الاستقلال ، بل نسبة بينهما ، وبين المزال أعني الحجاب يتوقّف تعقّلها على تعقّل المزيل والمزال ، ولا تستقل بالمفهوميّة.

(٢) أي الأولى حذفه ، لأنّ الكلام في كون وجه الشّبه خارجا عن الطّرفين والحجاب ليس واحد منهما ، وإنّما هو متعلّق الإزالة ، ولا التفات لكون الإزالة قائمة ومتقرّرة فيه أو لا.

قال العلامة الشّيخ موسى الباميانى (ره) ما هذا لفظه : لا أساس لهذا الاعتراض ، لأنّ المقصود بيان كون الإزالة نسبة بين الشّمس والحجاب ، أو الحجّة والحجاب ، وإنّها غير قائمة بطرفيها أعني المزيل والمزال ، فذكره لأجل كونه أحد طرفي النّسبة ، وهذا هو الدّاعي إلى التّعرض له ، وإن لم يكن المشبّه أو المشبّه به.

(٣) أي كما يقال الحقيقي في مقابل الإضافي على ما هو في كلام المصنّف ، كذلك يقال الحقيقي في مقابل الاعتباري الّذي لا تحقّق له إلّا بحسب العقل أي الوهم ، وهو الاعتباري الوهمي ، نسب ذلك إلى العقل مع أنّ المعتبر بالكسر هو الوهم ، لما يظهر من كلامهم من أنّ القوى الباطنيّة كالمرائي المتقابلة ، ينطبع ما في بعضها على آخر ، ثمّ الحقيقي بهذا المعنى يكون أعمّ من الحقيقي بالمعنى الأوّل ، حيث إنّه شامل للإضافي بخلاف الحقيقي بالإطلاق الأوّل ، حيث يكون مقابلا للإضافي.

والفرق بين الإضافي والاعتباري أنّ الإضافي صفة غير متقرّرة في الموصوف لكن متحقّقة في خارج الذّهن ونفس الأمر ، بخلاف الاعتباري حيث لا تحقّق له إلّا بحسب الاعتبار ، فتحقّقه منوط بالاعتبار الذّهني كالصّورة الوهميّة ، مثل صورة الغول ، والصّورة المشابهة بالمخالب ، والأظفار للمنيّة ، وصورة كرم البخيل ، وبخل الكريم.

والمصنّف لمّا قابل الحقيقيّة بالإضافيّة ، وقسّم الأولى إلى الحسّيّة والعقليّة ، فقد أهمل الاعتباريّة الوهميّة ، لأنّها ليست إضافيّة لعدم كونها من النّسب ، وليست حقيقيّة لعدم كونها

٣٧٥

وفي المفتاح إشارة إلى أنّه (١) مراد ههنا حيث قال : الوصف العقلي منحصر بين حقيقي كالكيفيّات النّفسانيّة (٢) ، وبين اعتباري ونسبي (٣) كاتّصاف الشّيء بكونه (٤) مطلوب الوجود أو العدم (٥) عند النّفس أو كاتّصافه (٦) بشيء تصوّري وهميّ محض (٧).

________________________________________

حسّيّة ولا عقليّة ، بل وهميّة صرفة ، فغرض الشّارح من بيان أنّ الحقيقي قد يقال على ما يقابل الاعتباري ، هو الاعتراض على المصنّف حيث يكون كلامه قاصرا عن بيان تمام الأقسام ، وهنا بحث طويل أضربنا عنه رعاية للاختصار.

(١) أي إطلاق الحقيقي في مقابل الاعتباري «مراد ههنا» أي في باب التّشبيه ، وجه الإشارة أنّه جعل الحقيقي مقابلا للاعتباري والنّسبي أي الاضافي ، وأورد مثالين لهما على سبيل اللّف والنّشر الغير المرتّبين ، فالحقيقي في كلامه معناه ما يكون متحقّقا في الخارج مع قطع النّظر عن اعتبار العقل ، ومستقلا بالمفهوميّة ، وهذا المعنى مقابل للاعتباري والاضافي معا ، ولهذا جعل الحقيقي العقلي مقابلا للاعتباري والنّسبي معا.

(٢) أي كالعلم والذّكاء مثلا ، فهذا مثال للوصف الحقيقي.

(٣) أي عطف النّسبي على الاعتباري من عطف الخاصّ على العامّ ، لأنّ الأمور النّسبيّة لا وجود لها عند المتكلّمين ، وإنّما هي أمور اعتباريّة.

(٤) أي بكون ذلك الشّيء مطلوب الوجود ، هذا مثال للوصف النّسبي على غير ترتيب اللّف والنّشر المرتّب ، وهذا المعنى أي كون الشّيء مطلوبا بأن يكون أمرا مرغوبا فيه محبوبا للطّالب أمر نسبي ، يتوقّف تعقّله على تعقّل الطّالب والمطّلوب.

(٥) أي كون الشّيء مطلوب العدم ، كما إذا كان مكروها مرغوبا عنه عند النّفس ، مثل الجهل حيث إنّه متّصف بأنّه مطلوب العدم.

(٦) أي مثل اتّصاف الشّيء بشيء تصوّري وهميّ محض ، هذا مثال للاعتباري الوهمي ، وذلك مثل اتّصاف السّنّة وكلّ ما هو علم بما يتخيّل فيها من البياض والإشراق ، واتّصاف البدعة وكلّ ما هو جهل بما يتخيّل فيها من السّواد والإظلام ، فأتى الشّارح بالمثالين على طريق اللّف والنّشر غير المرتّبين.

(٧) أي خالص من الثّبوت خارج الأذهان ، مثل تصوّر الغول بأنّه شيء يهلك النّاس.

٣٧٦

[وأيضا] لوجه الشّبه تقسيم آخر (١) ، وهو أنّه [إمّا واحد ، وإمّا بمنزلة الواحد لكونه مركّبا من متعدّد] تركيبا حقيقيّا ، بأن يكون حقيقة ملتئمة من أمور (٢) مختلفة أو اعتباريّا (٣) بأن يكون هيئة انتزعها العقل من عدّة أمور [وكلّ منهما] أي من الواحد ، وما هو بمنزلته [حسّي (٤)

________________________________________

(١) أي شرع في تقسيم آخر للوجه بعد الفراغ من التّقسيم الأوّل ، ثمّ إنّ الوجه بحسب التّقسيم الأوّل على ستّة أقسام حيث إنّه إمّا غير خارج عن حقيقة الطّرفين ، وإمّا خارج ، والأوّل إمّا نوع أو فصل أو جنس ، والثّاني إمّا حقيقي أو إضافي والحقيقي أمّا حسّي أو عقلي.

وفي هذا التّقسيم ترتقي أقسامه إلى ٢٨ قسما وضبطها ، كما في المفصّل في شرح المطوّل ، أنّ الوجه إمّا واحد ، أو مركّب ، أو متعدّد ، وكلّ من الأوّلين أمّا حسّي أو عقلي ، والأخير إمّا حسّي أو عقلي ، أو مختلف ، فصار المجموع ٧ أقسام ، وكلّ من تلك الأقسام إمّا طرفاه حسّيّان ، أو عقليّان ، أو المشبّه حسّيّ والمشبّه به عقليّ أو بالعكس.

فالحاصل من ضرب ٤ في ٧ هو ٢٨ قسما إلّا أنّه تبقى ١٦ قسما بعد إسقاط ١٢ ـ قسم ، بسبب اشتراط كون طرفيّ الحسّي حسّيين ، إذ يكون وجه الشّبه واحدا حسّيّا تسقط ثلاثة منها ، أي كون الطّرفين عقليّين ، وكون الأوّل عقليّا ، والثّاني حسّيّا وبالعكس ، وبكونه مركّبا حسّيّا تسقط ثلاثة أخر ، وبكونه متعدّدا حسّيّا تسقط ثلاثة أخر ، وبكونه مختلفا تسقط ثلاثة أخر فتبقى ١٦ قسما ، ثمّ المراد بالواحد في قوله : «إمّا واحد» ما يعدّ في العرف واحدا ، وذلك كقولك : خدّه كالورد في الحمرة ، فهذا واحد وإن اشتملت على مطلق اللّونيّة ، ومطلق القبض للبصر.

(٢) والمراد بالجمع ما فوق الواحد ، وذلك كما في تشبيه زيد بعمرو في الإنسانيّة ، فإنّها حقيقة مركّبة تركيبا حقيقيّا ، لأنّ الجزأين ، أعني الحيوان والنّاطق صارا به شيئا واحد في الخارج.

(٣) أي تركيبا اعتباريّا ، أي لا حقيقة في حدّ ذاتها بأن يكون هيئة انتزعها العقل من عدّة أمور ، أي اخترعها العقل من ملاحظة عدّة أمور ، وتلك الأمور بنفسها باقية على حالها ، وما صار مجموعها حقيقة واحدة بخلاف الأمور في التّركيب الحقيقي.

(٤) أي كالألوان مثلا.

٣٧٧

أو عقليّ (١) وإمّا متعدّد] عطف على قوله : إمّا واحد ، وإمّا بمنزلة الواحد ، والمراد (٢) بالمتعدّد أن ينظر إلى عدّة أمور ويقصد اشتراك الطّرفين في كلّ واحد منها (٣) ليكون كلّ منها (٤) وجه الشّبه بخلاف المركّب المنزّل منزلة الواحد فإنّه لم يقصد اشتراك الطّرفين في كلّ من تلك الأمور ، بل في الهيئة المنتزعة أو في الحقيقة الملتئمة منها (٥).

[كذلك] أي المتعدّد أيضا (٦) حسّيّ أو عقليّ [أو مختلف (٧)] بعضه حسّيّ وبعضه عقليّ [والحسّي] من وجه الشّبه سواء كان بتمامه حسّيّا أو ببعضه [طرفاه (٨) حسّيّان لا غير] أي لا يجوز أن يكون كلاهما أو أحدهما عقليّا [لامتناع أن يدرك بالحسّ من غير الحسّ شيء] فإنّ (٩) وجه الشّبه أمر مأخوذ من الطّرفين

________________________________________

(١) أي العلم مثلا ، فتكون الأقسام أربعة.

(٢) وفيه إشارة إلى الفرق بين ما هو بمنزلة الواحد وبين المتعدّد ، وحاصل الفرق أنّه ينظر في المتعدّد إلى أمور معدودة ، ويقصد اشتراك الطّرفين في كلّ واحد من تلك الأمور مثل تشبيه فاكهة بأخرى في لون وطعم ورائحة ، وذلك في الحقيقة تشبيهات متعدّدة ، هذا بخلاف المركّب المنزّل منزلة الواحد حيث لم يقصد اشتراك الطّرفين في كلّ واحد من تلك الأمور ، بل يكون وجه الشّبه فيه هو المجموع ، فلو نقص شيء منها لا يصحّ التّشبيه فههنا تشبيه واحد.

(٣) أي تلك الأمور.

(٤) ليكون كلّ واحد من تلك الأمور وجه الشّبه.

(٥) أي الملتئمة من تلك الأمور فيما إذا كان مركّبا تركيبا حقيقيّا ، مثل قولك : زيد كعمر في الإنسانيّة ، وهي حقيقة ملتئمة من الحيوانيّة والنّاطقيّة.

(٦) أي كالواحد وما هو منزلة الواحد حسّيّ أو عقليّ.

(٧) عطف على ما تضمّنه قوله : «كذلك» ، والتّقدير : المتعدّد إمّا حسّيّ كلّه ، أو عقليّ كلّه ، أو مختلف ، أي بعضه حسّي وبعضه عقليّ.

(٨) أي طرفا وجه الشّبه الحسّي لا يكونان إلا حسّيين.

(٩) علّة لامتناع أنّ يدرك بالحسّ ما ليس بحسّيّ.

٣٧٨

موجود فيهما (١) ، والموجود (٢) في العقلي إنّما يدرك بالعقل دون الحسّ ، إذ المدرك بالحسّ لا يكون إلّا جسما (٣) ، أو قائما بالجسم (٤).

[والعقلي] من وجه الشّبه [أعمّ] (٥) من الحسّي [لجواز أن يدرك بالعقل من الحسّي شيء] أي يجوز أن يكون طرفاه حسّيّين ، أو عقليّين ، أو أحدهما حسّيّا ، والآخر عقليّا ، إذ لا امتناع في قيام المعقول بالمحسوس (٦) وإدراك (٧) العقل من المحسوس شيئا [ولذلك (٨) يقال التّشبيه بالوجه العقلي أعمّ] من التّشبيه بالوجه الحسّي ، بمعنى (٩)

________________________________________

(١) أي في الطّرفين ، وهما المشبّه والمشبّه به.

(٢) أي الوصف الموجود من وجه الشّبه في الطّرف العقلي إنّما يدرك بالعقل لا بالحسّ الظّاهر كالعين والبصر مثلا ، وذلك فإنّ إدراك الأمر العقلي بالحواسّ محال ، فإدراك أوصافه بالحواسّ أيضا محال ، لأنّ أوصاف العقلي لا تكون إلّا عقليّة.

(٣) هذا بناء على قول أهل السّنّة.

(٤) هذا بناء على قول الحكماء والمتكلّمين حيث إنّ الحواسّ لا تدرك الأجسام ، بل تدرك الأعراض القائمة بها ، فأوفى كلامه ، أو قائما بالجسم للتّنويع ، وللإشارة إلى الخلاف.

فمعنى العبارة أنّ المدرك بالحسّ لا يكون إلّا جسما ، أو عرضا قائما بالجسم ، وعلى كلا القولين لا يمكن أن يدرك بالحسّ ، ما هو قائم بالأمر العقلي.

(٥) أي يجوز أن يكون طرفاه عقليّين ، وأن يكونا حسيّين ، وأن يكون أحدهما حسّيا والآخر عقليّا.

(٦) أي لا امتناع في اتّصاف المحسوس بالمعقول ، كاتّصاف زيد مثلا بالعلم ، والإيمان ، والجهل ، والشّجاعة ، والكرم ، وغير ذلك.

(٧) مصدر مضاف إلى فاعله ، وشيئا بعده مفعوله ، وذلك كإدراك العقل من زيد المحسوس الحيوان النّاطق.

(٨) أي لأجل كون وجه الشّبه العقليّ أعمّ من وجه الشّبه الحسّي باعتبار الطّرفين كما عرفت ، «يقال» إنّ التّشبيه بالوجه العقلي أعمّ من التّشبيه بالوجه الحسّي.

(٩) أشار الشّارح بهذا التّفسير إلى أنّ العموم هنا باعتبار التّحقق ، أي أنّ كلّ طرفين يتحقّق فيهما التّشبيه بوجه حسّي يتحقّق فيهما بوجه عقلي ، وليس كلّ طرفين يتحقّق فيهما التّشبيه

٣٧٩

أنّ كلّ ما يصحّ فيه التّشبيه بالوجه الحسّي يصحّ بالوجه العقلي من غير عكس (١). [فإن قيل (٢) هو] أي وجه الشّبه [مشترك فيه] ضرورة اشتراك الطّرفين فيه [فهو كلّي] ، ضرورة أنّ الجزئي يمتنع وقوع الشّركة فيه ، [والحسّي ليس بكلّي] قطعا ، ضرورة أنّ كلّ حسّي فهو موجود في المادّة حاضر عند المدرك ، ومثل هذا لا يكون إلّا جزئيّا ضرورة ، فوجه الشّبه لا يكون حسّيّا قطّ.

________________________________________

بوجه عقليّ يتحقّق فيهما بوجه حسّيّ ، فمعنى قوله : «إنّ كلّ ما يصحّ ، أي كلّ موضع يصحّ فيه التّشبيه بالوجه العقلي الحسّي بأن يكون الطّرفان حسّيّين يصحّ فيه التّشبيه بالوجه العقلي.

(١) أي بالمعنى اللّغوي ، وأمّا عكس ذلك منطقيّا ، أي موجبة جزئيّة ، فهو صحيح.

(٢) هذا إشكال على قوله : وكلّ منهما حسّي أو عقليّ ، وحاصله : أنّ ما ذكره المصنّف من الإشكال يرجع إلى قياسين أوّلهما من الشّكلّ الأوّل مؤلّف من موجتين كلّيتين ينتج موجبة كلّيّة ، وثانيهما من الشّكلّ الثّاني مؤلّف من موجبة كلّيّة صغرى ، هي نتيجة القياس الأوّل ، وسالبة كلّيّة كبرى تنتج سالبة كلّيّة هي المطلوب.

وهي أنّه لا شيء من وجه الشّبه بحسّيّ ، وهي مناقضة لما تقدّم من أنّ وجه الشّبه قد يكون حسّيّا ، وصورة القياسين هكذا كلّ وجه شبه فهو مشترك فيه ، وكلّ مشترك فيه فهو كلّي ، ينتج كلّ وجه شبه فهو كلّي.

ثمّ نجعل هذه النّتيجة صغرى ، ونضمّ إليها قولنا : لا شيء من الحسّي بكلّي ، ينتج لا شيء من وجه الشّبه بحسّي ، وهو المطلوب.

وقد أشار إلى القياس الأوّل بقوله : «هو مشترك فيه فهو كلّيّ» أي كلّ وجه شبه مشترك فيه ، وكلّ مشترك فيه كلّي ، ثمّ نجعل نتيجة هذا القياس أعني كلّ وجه شبه كلّي صغرى ، ونضمّ إليها ما أشار إليه بقوله : «والحسّي ليس بكلّ» أي لا شيء من الحسّي بكلّي ، ونجعله كبرى لتلك الصّغرى ، فينتج لا شيء من وجه الشّبه بحسّي ، وهو المطلوب.

وسبب ذلك ما أشار إليه ضرورة أنّ كلّ حسّي فهو موجود في المادّة حاضر عند المدرك ، وكلّ ما هو موجود في المادّة حاضر عند المدرك بالكسر ، فهو جزئي ينتج كلّ حسّي فهو جزئي ، فوجه الشّبه لا يكون حسّيّا لكونه كلّيّا ، والحسّي جزئي لا يكون كلّيّا.

٣٨٠