دروس في البلاغة - ج ٣

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في البلاغة - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٣

بل يكفيه (١) مجرّد انتفاء سبب الوجود والأصل في الحوادث (٢) العدم حتّى توجد عللها (٣) ففي الجملة (٤) لما كان الأصل في المنفي الاستمرار حصل من إطلاقه (٥) الدّلالة على المقارنة [وأمّا الثّاني] أي عدم دلالته (٦) على الحصول [فلكونه (٧) منفيّا] هذا (٨) إذا كانت الجملة فعليّة.

________________________________________

(١) وهذا مراد من قال : إنّ العدم لا يعلّل ، أي لا يفتقر إلى علّة وسبب موجود ، فلا ينافي أنّه يفتقر إلى انتفاء سبب الوجود ، ومن هنا يعلم أنّ العدم أولى بالممكن من الوجود ، بمعنى أنّ العدم أصل فيه دون الوجود ، لأنّ العدم لا يتوقّف على سبب موجود بخلاف الوجود.

(٢) أي الموجودات الحادثة الأصل فيها العدم ، لكون الانتفاء في سبب الوجود أصلا ، ولا يحتاج العدم إلى انتفاء طار بعد انتفاء سبب الوجود.

(٣) أي علل تلك الحوادث.

(٤) أي أقول قولا مجملا ، وحاصل كلام المصنّف.

(٥) أي من كونه غير مقيّد بما يدلّ على انقطاع ذلك الانتفاء ، أي حصل من الإطلاق بهذا المعنى «الدّلالة على المقارنة» المطلوبة في الحال ، وقد عرفت ما في هذا من الاعتراض السّابق في كلام الشّارح من أنّ المطلوب في الحال مقارنة مضمونها لمضمون عاملها في الزّمان ، لا مقارنة مضمونها لزمان المتكلّم ، واللّازم من الاستمرار المذكور ، أعني استمرار النّفي إنّما هو مقارنة مضمون الحال لزمان التّكلّم ، فأين هذا من ذاك.

(٦) أي عدم دلالة الماضي المنفي على الحصول.

(٧) أي فلكون الماضي المنفي منفيّا ، فيدلّ على نفي صفة لا على ثبوتها ، وكون الثّبوت حاصلا باللّزوم غير معتبر ، فتحصّل من جميع ما ذكر أنّ الماضي المنفي يشبه الحال المفردة في إفادة المقارنة ، فاستحقّ بذلك سقوط الواو ، ولا يشبهها في الدّلالة على حصول صفة ، فاستحقّ بذلك الإتيان بها ، فجاز فيه الأمران كما جاز في الماضي المثبت.

(٨) أي ما ذكر من التّفصيل «إذا كانت الجملة فعليّة» أي ماضويّة كانت أو مضارعيّة ، وعلى التّقديرين كانت مثبتة أو منفيّة ، وذكر الشّارح ذلك توطئة لقوله : وإن كانت اسميّة فإنّه مقابل لقوله السّابق ، فإن كانت فعليّة فهو مفروض مثله فيما إذا لم تخل الجملة من ضمير صاحبها.

٢٠١

[وإن كانت (١) اسميّة فالمشهور (٢) جواز تركها] أي الواو (٣) [لعكس ما مرّ في الماضي المثبت (٤)] أي لدلالة الاسميّة على المقارنة لكونها مستمرّة (٥) لا على حصول (٦) صفة غير ثابتة ،

________________________________________

(١) أي الجملة الواقعة حالا اسميّة ، سواء كان الخبر فيها فعلا أو ظرفا أو غير ذلك ، كما يدلّ لذلك أمثلة المصنّف.

(٢) أي فالمشهور عند علماء العربيّة جواز تركها ، أي الواو سواء كان المبتدأ في تلك الجملة عين ذي الحال أو غيره.

(٣) أي جواز الإتيان بها ، خلافا لمن قال : يتعيّن الإتيان بها ، وإنّما قال : جواز تركها ، ولم يقل : جواز الإتيان بها أو استواء الأمرين ، لأنّ الرّاجح هو الإتيان بالواو ، ولأنّ جواز تركها هو المختلف فيه دون جواز الإتيان بها ، فإنّه مما لم يقل أحد بامتناعه إلّا لعارض كما في قوله تعالى : (فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ)(١) ، والعارض هنا كراهة الجمع بين واو الحال مع حرف العطف ، لأنّه كاجتماع حرفي العطف حيث إنّها أيضا حرف عطف في الأصل.

(٤) أي من دلالة الماضي المثبت على الحصول دون المقارنة ، وهنا بعكسه ، لأنّ الجملة الاسميّة تدلّ على المقارنة لدلالتها على الثّبات والاستمرار ، ولا تدلّ على حصول صفة غير ثابتة ، بل على حصول صفة ثابتة فتكون الجملة الاسميّة شبيهة بالحال المفردة ، ومقتضى ذلك ترك الواو.

(٥) أي لكونها معدولة عن الفعليّة ، إذ الأصل في الحال المفرد ثمّ الفعليّة الّتي هي قريب منه ، فلا يرد أنّ الاسميّة لا تدلّ على أكثر من ثبوت المسند إليه ، إذ قد ذكر أنّها تدلّ على الاستمرار والدّوام عند قرينة على ذلك ، ككونها مسوقة في مقام المدح أو الذّمّ أو التّرحّم ، أو كونها معدولة عن الفعليّة كما في المقام.

(٦) ناظر إلى جواز دخول الواو إذ تكون من هذه الجهة بعيدة عن المفرد ، ومقتضى ذلك الإتيان بالواو.

__________________

(١) سورة الأعراف : ٤.

٢٠٢

لدلالتها (١) على الدّوام والثّبات [نحو : كلّمته (٢) فوه إلى فيّ] بمعنى مشافها (٣) [و] أيضا المشهور [أنّ دخولها] أي الواو [أولى (٤)] من تركها [لعدم دلالتها] أي الجملة الاسميّة [على عدم الثّبوت (٥) ،

________________________________________

(١) أي لاسميّة على الدّوام والثّبات ، لا يخفى أنّه لو أسقط قوله : لكونها مستمرّة ، واكتفى بهذا لكان أخصر ، لكنّه ذكره لزيادة التّوضيح والتّقرير.

لا يقال : إنّ دلالة الجملة الاسميّة على الدّوام والثّبات ينافي ما نحن بصدده ، أي الحال المنقلة.

لأنّا نقول : إنّ المراد بالمنتقلة ما يكون كذلك صعبا ، كما أنّ المراد باللّازمة كذلك ، فلا ينافي كونها منتقلة كونها دائمة بالعرض ، ومن جهة دلالة هيئة الاسميّة على الدّوام.

(٢) أي ويجوز أن يقال : وفوه إلى فيّ بالواو بلا إشكال.

(٣) أي أشار بذلك إلى أنّ الجملة حال من التّاء ، أي كلّمته حال كوني مشافها ، ويصحّ أن تكون حالا من الهاء ، فيكون المعنى كلّمته حال كونه مشافها لي ، أو من الهاء والتّاء معا ، أي حال عنهما معا ، فيكون المعنى كلّمته حال كوننا مشافهين.

والشّاهد فيه : مجيء الجملة الاسميّة حال مجرّدة عن الواو.

(٤) أي لا أنّ الدّخول وعدمه على حدّ سواء ، كما يفهم من قوله : «جواز تركها» وأشار الشّارح بتقدير المشهور ، إلى أنّ قول المصنّف «وإنّ دخولها أولى» عطف على قوله «جواز تركها» لا على المشهور.

(٥) أي لدلالتها على الثّبوت والدّوام ، لأنّ النّفي الوارد على النّفي ينتج الثّبوت ، فهي تدلّ على حصوله صفة ثابتة.

ثمّ إنّه اعترض على المصنّف بأنّه قد جعل الدّلالة على الثّبوت في قوله : «لعكس ما مرّ في الماضي المثبت» سببا لجواز ترك الواو ، وهنا جعله سببا للرّجحان ، وأولويّة دخول الواو ، ولا ريب أنّها ليست إلّا علّة للجواز ، فكان الأولى تركه ، والاقتصار على ما بعده ، لأنّه الملاك في الأوّلويّة.

وأجيب عن ذلك : بأنّه لمّا كانت دعوى الأوّلويّة مشتملة على جواز التّرك ورجحان الدّخول أعاد الدّليل المذكور على جواز التّرك تقريرا له ، وضمّ إليه دليل الرجحان ، ولم يجعله دليلا على الأوّلويّة حتّى يرد ما ذكر ، وهذا ظاهر.

٢٠٣

مع ظهور الاستئناف فيها (١) فحسن زيادة رابط (٢) نحو : (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(١) (٣) أي وأنتم من أهل العلم (٤) والمعرفة ، أو وأنتم تعلمون ما بينهما (٥) من التّفاوت. [وقال عبد القاهر (٦) : إن كان المبتدأ] في الجملة الاسميّة

________________________________________

(١) أي في الجملة الاسميّة دون الفعليّة ، فإنّ الفعليّة وإن كانت منتقلة لكن حاصلها الفعل والفاعل ، وذلك حاصل الحال المفردة المشتقّة ، بخلاف الاسميّة فقد يكون جزءاها جامدين فلا يكون حاصلها كحاصل المفردة ، فكان الاستئناف فيها أظهر منه في الفعليّة ، والحاصل إنّ الاسميّة بعدت عن المفردة من حيث دلالتها على الثّبوت ، ومن ظهور الاستئناف فيها ، فلذا ترجّح فيها الواو.

(٢) أي رابط آخر غير الضّمير ، وهو الواو ، وذلك لظهور انفصالها عن العامل في صاحب الحال ، والانفصال يحتاج إلى مزيد ربط لأجل قطعه بالمرّة بخلاف الاتّصال.

(٣) والشّاهد في قوله : (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) حيث إنّه جملة اسميّة قد وقعت حالا مع الواو ، لأنّ الواو حاليّة ، و (أَنْتُمْ) مبتدأ ، و (تَعْلَمُونَ) فعل وفاعل خبر للمبتدأ ، والجملة حال عن فاعل جعل.

(٤) أي أشار الشّارح بذلك إلى أنّ (تَعْلَمُونَ) يحتمل أن يكون المراد به أنتم أهل العلم والمعرفة ، أي ومن شأنّ العالم التّمييز بين الأشياء ، فلا يدّعي مساواة الحقّ للباطل ، فيكون ذلك الفعل منزّلا منزلة اللّازم ، إذ لا يطلب له مفعول حينئذ ، ويحتمل أن يكون المراد أنتم تعلمون ما بين الله تعالى وبين الأنداد الّتي تدعونها من التّفاوت الكلّي ، لأنّهم مخلوقون عجزة ، والله تعالى خالق قادر فكيف تجعلونهم أندادا له ، فيكون المفعول محذوفا.

(٥) أي ما بين الله والأنداد من التّفاوت.

(٦) أي قول عبد القاهر مقابل للمشهور ، بيان ذلك : أنّ المشهور جواز ترك الواو مع أولويّة الإتيان بها في الجملة الاسميّة مطلقا ، أي من دون تفصيل بين ما فيه ظرف مقدّم وما ليس كذلك ، وبين ما فيه حرف ابتداء مقدّم وما ليس كذلك ، وبين ما عطفت على مفرد وما ليس كذلك ، وبين ما يظهر تأويلها بمفرد وما ليس كذلك ، وكلام الشّيخ عبد القاهر يخالف ذلك ، فإنّه حكم في غير المبدوءة بالظّرف وغير المبدوءة بحرف الابتداء ، وغير المعطوفة على مفرد

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٢.

٢٠٤

الحاليّة [ضمير (١) ذي الحال وجبت] أي الواو ، سواء كان خبره فعلا (٢) [نحو : جاء زيد وهو يسرع أو] اسما ، نحو : جاء زيد [وهو مسرع] وذلك (٣) لأنّ الجملة (٤) لا يترك فيها الواو حتّى (٥) تدخل في صلة العامل وتنضمّ (٦) إليه في الإثبات وتقدّر (٧) تقدير المفرد

________________________________________

بوجوب الإتيان بالواو ، فيمتنع تركها إلّا لظهور التّأويل بالمفرد ، وفيما عدا ذلك يجوز الإتيان بها ، والرّاجح تركها.

(١) كان الأولى أن يقول : عين ذي الحال ، ليشمل ما إذا كان المبتدأ ضميرا ، وما إذا كان اسما ظاهرا.

(٢) أي فعلا ماضيا أو مضارعا ، لأنّ الفعل مع فاعله في تأويل اسم الفاعل وفاعله مطلقا ، واعلم أنّ الحال في الحقيقة هو يسرع أو مسرع ، لأنّه هو الواقع وصفا لصاحبها.

(٣) أي بيان وجوب الرّبط بالواو في الحلين المذكورين.

(٤) أي لأنّ الجملة الّتي أريد أنّ تقع حالا ، وحاصل ما ذكره من البيان أنّ أمر الواو وجودا وعدما في الجملة يدور مدار كون الجملة ظاهرة التّأويل بالمفردة ، وعدم كونها كذلك ، فعلى الأوّل يترك فيها الواو ، وعلى الثّاني لا يترك فيها الواو.

(٥) كلمة «حتّى» بمعنى إلّا ، أي لا يترك فيها الواو إلّا إذا دخلت في حريم ما يتّصل بالعامل ، ويتعلّق به ، بأن يكون قيدا من قيوده وتابعا له في الإثبات ، ولم يكن إثباتا مستقلا.

(٦) أي وتنضمّ إلى مضمون العامل كالمجيء مثلا في قولك : جاء زيد وهو يسرع أو وهو مسرع ، والمراد بانضمامها لمضمون العامل أن يكون إثباته في إثباته ، وتخصيص الإثبات بالذّكر ، لأنّه الأصل ، وإلّا فالحكم في النّفي أيضا كذلك ، نحو : لم يجئ زيد وهو يبتسم أو وهو مبتسم ، وعطف تنضمّ إليه في الإثبات على ما قبله ، عطف تفسير باعتبار المراد أو عطف لازم على ملزوم على ما قيل.

(٧) أي وتنزّل منزلة المفرد في أنّه لا يستأنّف لها إثبات زائد على إثبات العامل ، بل تضاف إليه كما في المفردة ، بمعنى أنّك إذا قلت : جاء زيد يركب ، كان في تقدير جاء زيد راكبا ، فالمثبت هو المجيء حال الرّكوب لا مجيء مقيّد بإثبات مستأنّف للرّكوب ، كما هو مقتضى أصل الجملة الحاليّة.

٢٠٥

في أن لا يستأنف لها (١) الإثبات وهذا (٢) ممّا يمتنع في نحو : جاء زيد وهو يسرع أو وهو مسرع ، لأنّك إذا أعدت (٣) ذكر زيد وجئت (٤) بضميره المنفصل المرفوع كان بمنزلة إعادة اسمه صريحا (٥) في أنّك لا تجد سبيلا (٦) إلى أن تدخل يسرع في صلة المجيء (٧) وتضمّه (٨) إليه في الإثبات ،

________________________________________

وبعبارة أخرى إنّ الجملة الحاليّة لا يترك فيها الواو إلّا أن تنزّل منزلة المفرد في عدم استئناف إثبات زائد على إثبات العامل فيه ، بل إثبات يضاف إليه ، ويلحق به لحوق التّابع لمتبوعه ، مثلا إذا قلت : جاءني زيد يركب ، معناه جاءني زيد راكبا ، فالمثبت هو المجيء حال الرّكوب لا المجيء والرّكوب ، فالمراد بالاستئناف معناه اللّغوي وهو أنّ لا يكون قيدا لما قبله.

(١) أي لأجلها.

(٢) أي الدّخول في صلة العامل والانضمام إليه في الإثبات ، والتّنزيل منزلة المفرد ، في عدم استئناف إثبات زائد على إثبات العامل ، ممّا يمتنع في نحو : جاء زيد وهو يسرع أو مسرع ، أي على تقدير ترك الواو ، أي وحيث كان ما ذكر ممتنعا ، فترك الواو ممتنع ، والإتيان بها واجب بخلاف قولك : جاء زيد يسرع ، فإنّ ما ذكر غير ممتنع فيها ، لأنّ المضارع مع فاعله في تأويل اسم الفاعل وضميره ، وحينئذ فالقصد من قولك : جاء زيد يسرع ، الحكم بإثبات المجيء حال السّرعة ، لا الحكم بإثبات مجيء مقيّد بإثبات مستأنف للسّرعة ، فلذا سقطت الواو منها ، كما سقطت من المفرد.

(٣) أي من العود بمعنى ذكر الشّيء ثانيا.

(٤) عطف تفسير لما قبله.

(٥) أي فكأنّك قلت : في المثال المذكور جاء زيد وزيد يسرع.

(٦) أي لا تجد طريقا بحسب الذّوق العرفي «إلى أنّ تدخل» بكسر الخاء المعجمة مضارع من باب الإفعال.

(٧) أي فيما يتّصل به ، فالمصدر بمعنى المفعول.

(٨) أي يسرع إلى المجيء ، أي تضمّ يسرع إلى المجيء في الإثبات ، وحاصل الكلام أنّك لا تجد طريقا في أن تجعل يسرع قيدا للمجيء مضموما إليه في الإثبات ، ذكره تمنع من جعله قيدا له ، وتمنع من ضمّه إليه لأنّ المتبادر من إعادة اسمه الظّاهر قصد استئناف الإخبار عنه

٢٠٦

لأنّ إعادة لأنّ إعادة ذكره لا تكون (١) حتّى تقصد استئناف الخبر عنه بأنّه يسرع ، وإلّا (٢) لكنت تركت المبتدأ بمضيعة وجعلته (٣) لغوا في البين وجرى مجرى أن تقول : جاءني زيد وعمرو يسرع أمامه (٤) ثمّ تزعم (٥) أنّك لم تستأنّف كلاما

________________________________________

بأنّه يسرع ، فالمراد بالخبر في كلام الشّارح هو الإخبار ، فالانضمام لما كان على خلاف ما جرت عليه سيرة العرف وديدنهم ، فلا بدّ من أنّ تقصد الاستئناف.

(١) أي لا تقع حتّى تقصد استئناف الخبر ، أي لأنّ إعادة ذكره لا تقع إلّا أن تقصد استئناف الإخبار عن زيد بأنّه يسرع.

(٢) أي وإن لم يكن الأمر كذلك ، بل أعدّته بدون قصد استئناف الإخبار «لكنت تركت بمضيعة» بكسر الضّاد وسكون الياء ، كمعيشة اسم لمكان الضّياع والهلاك ، كالمفازة المنقطعة ، ويجوز سكون الضّاد وفتح الياء كمسألة.

(٣) أي «جعلته» عطف على «تركت المبتدأ» ، والمعنى جعلت المبتدأ ملغى وزائدا فيما بين الحال وعاملها ، لأنّ القصد حينئذ إلى نفس تلك الحال المفردة الّتي ليس لها في صيغة التّركيب إثبات زائد على إثبات عاملها ، بل جعل العامل مقيّدا به ، وهو يندرج في صلة العامل ، وقوله : «وجرى» عطف على قوله : «كان بمنزلة إعادة اسمه صريحا» فإنّه تشبيه آخر لقوله : «هو يسرع» بعد تشبيهه بزيد يسرع.

(٤) المناسب أن يقول : عمرو يسرع أمامه بدون الواو.

(٥) أي «تزعم» بالنّصب عطف على «تقول» ، وقوله : «ولم تبتدئ ...» عطف تفسير على قوله : «لم تستأنّف كلاما» ، هذا ولكن هذا الزّعم باطل لا يصدر عن العقلاء ، لأنّ الاستئناف ظاهر فيه ، والحاصل إنّه لو لم يعتبر الاستئناف في إعادة الاسم الصّريح أعني نحو : جاء زيد وهو يسرع ، لصحّ عدم اعتبار الاستئناف في مثل : جاءني زيد وعمرو يسرع أمامه ، لأنّه بمنزلته ، لكن عدم اعتبار الاستئناف في ذلك باطل ، لأنّه موجب لترك المبتدأ بمضيعة فلا بدّ أن يكون كلاما مستأنفا ، ومثل هذا الكلام المستأنف إذا قصد ربطه بالآخر لا بدّ فيه من رابطة قويّة كالواو ، وحيث هنا قصد ربط «هو يسرع» بما قبله ، إذ قد قصد تقارنه معه في الزّمان فلا بدّ فيه من الواو.

٢٠٧

ولم تبتدئ للسّرعة إثباتا ، وعلى هذا (١) فالأصل والقياس أن لا تجيء الجملة الاسميّة إلا مع الواو ، وما جاء بدونه (٢) فسبيله (٣) سبيل الشّيء الخارج عن قياسه ، وأصله بضرب من التّأويل ونوع من التّشبيه (٤) هذا كلامه (٥) في دلائل الإعجاز ، وهو (٦) مشعر بوجوب الواو في نحو : جاء زيد وزيد يسرع ، أو مسرع ، وجاء زيد وعمرو يسرع أو مسرع أمامه بالطّريق الأولى (٧).

________________________________________

(١) أي على ما ذكرنا من التّوجيه الّذي أشرنا إليه بقوله : «لأنّ الجملة لا يترك فيها الواو إلى هنا فالأصل والقياس» ، والقياس عطف تفسير للأصل ، والمراد به هي القاعدة المتّخذة من العرف ، أي فمقتضى القاعدة المتّخذة من العرف «أن لا تجيء الجملة الاسميّة» حالا سواء كان المبتدأ ضمير ذي الحال ، أو اسمه الصّريح ، أو اسم غير ذي الحال «إلا مع الواو» كما علم من الأمثلة المذكورة.

(٢) أي وما جاء بدون الواو.

(٣) أي فطريق ما جاء بدونه «سبيل الشّيء الخارج عن قياسه وأصله بضرب من التّأويل» أي بالمفرد ، وهو متعلّق بقوله : «الخارج عن قياسه» ، وذلك كما في قولك : كلّمته فوه إلى فيّ ، فإنّه مؤوّل ب (مشافها) أو مشافهين ، فترك الواو في هذه الجملة لتأويلها بالمفرد ، وهو مشافها.

(٤) أي كما في قوله تعالى : (فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ)(١) ، فجملة (أَوْ هُمْ قائِلُونَ) حال ، وتركت الواو فيها لتشبيه واو الحال بواو العطف ، ولو أتى الواو لاجتمعت مع حرف عطف آخر وهو أو ، فيقبح اجتماعها مع أو.

(٥) أي كلام الشّيخ عبد القاهر في دلائل الإعجاز.

(٦) أي كلام الشّيخ عبد القاهر «مشعر بوجوب الواو في نحو : جاء زيد وزيد يسرع ، أو مسرع» لأنّه جعله مشبّها به ، والمشبّه به أقوى من المشبّه ، وهو قوله : جاء زيد وهو يسرع ، أو وهو مسرع ، فالمتعيّن عندهم في المشبّه هو ذكر الواو ، فذكرها في المشبّه به أولى.

(٧) أي الأولى من وجوبها في قوله : وهو يسرع أو وهو مسرع ، وجوبها في جاء زيد وزيد يسرع ، أو مسرع ، وجاء زيد وعمرو يسرع أو مسرع أمامه.

__________________

(١) سورة الأعراف : ٤.

٢٠٨

ثمّ قال الشّيخ : [وإن جعل نحو على كتفه سيف (١) حالا (٢) كثر فيها] أي في تلك الحال [تركها] أي ترك الواو [نحو] قول بشار : إذا أنكرتني بلدة أو نكرتها [خرجت مع البازي عليّ سواد (٣)] أي بقيّة من اللّيل ، يعني إذا لم يعرف قدري أهل بلدة أو

________________________________________

ووجه الأولويّة : أنّه جعل وهو يسرع أو وهو مسرع مشبّها بالمثالين المذكورين في وجوب الواو ، ولا شكّ أنّ المشبّه به أقوى من المشبّه في وجه الشّبه ، وهو وجوب الواو في المثالين المذكورين ، وعلّل بعضهم وجه كون ذلك بالطّريق الأولى بأنّ الاستئناف في المثالين المذكورين أظهر ، لأنّ الضمير أقرب للاسم من الظّاهر ومن الأجنبي ، وقصد الشّارح بقوله : «وهو مشعر ...» الاعتراض على المصنّف وذلك ، لأنّ ظاهر كلامه أنّ الجملة الاسميّة الواقعة حالا لا يجب اقترانها بالواو عند الشّيخ عبد القاهر ، إلّا إذا كان المبتدأ فيها ضمير ذي الحال ، وأنّه لو كان المبتدأ اسمه الظّاهر أو اسم أجنبي غيره لا تجب الواو عنده ، بل تجوّز ، وليس كذلك كما يدّل عليه كلامه المذكور ، فإنّ المبتدأ لو كان اسمه الظّاهر أو اسما أجنبيا ، يجب حينئذ الواو عنده بطريق أولي ، كما تقدّم من مقالته.

(١) أي بأن تأتي من كلّ جملة اسميّة خبرها جار ومجرور متقدّم حالا كثر فيها ترك الواو ، فلو كان خبرها جار ومجرور مؤخّرا وجب اقترانها بالواو عنده ، كما تقدّم ، ومذهب المصنّف أنّه يكثر اقترانها بالواو مطلقا ، وذكر صدر الأفاضل أنّ ترك الواو قليل في الجملة الحاليّة الّتي خبرها غير جار ومجرور ، ومفهومه أنّ الخبر إذا كان جارا ومجرور يكثر فيه التّرك فيكون مذهبا ثالثا.

(٢) أي حالا من معرفة قبله نحو : جاء زيد على كتفه سيف ، فلو كان صاحب الحال نكرة لوجبت الواو لئلّا تلتبس الحال بالنّعت ، كقولك : جاء رجل طويل وعلى كتفه سيف ، فتجب الواو ، وإلّا كان نعتا.

وبالجملة كثر ترك الواو لو وقعت الجملة الاسميّة الّتي خبرها جار ومجرور متقدّم حالا من معرفة قبله ، نحو : جاء زيد على كتفه سيف ، وذلك لعلّة سيأتي ذكرها من أنّ الظّرف عندئذ متعلّق باسم الفاعل ، فيصبح الحال في مثله من الأحوال المفردة الّتي من حقّها أنّ تجيء مجرّدة من الواو.

(٣) «أنكرتني» بالنّون والرّاء المهملة وتاء التّأنيث ماض ، بمعنى أكرهتني ، «نكرتها» بكسر

٢٠٩

لم أعرفهم خرجت منهم (١) مصاحبا للبازي الّذي هو أبكر الطّيور مشتملا على شيء من ظلمة اللّيل ، غير منتظر لأسفار (٢) الصّبح ، فقوله (٣) : عليّ سواد حال ، ترك فيها (٤) الواو ، ثمّ قال الشّيخ : الوجه (٥) أن يكون الاسم في مثل هذا (٦) فاعلا بالظّرف لاعتماده (٧) على ذي الحال لا مبتدأ (٨)

________________________________________

الكاف بمعنى كرهتها ، «البازي» بالموحّدة والزّاء المعجمة والياء طائر معروف.

والشّاهد في قوله : «عليّ سواد» حيث وقع حالا من فاعل «خرجت» من دون الواو ، والمعنى خرجت مصاحبا للبازي مشتملا على شيء من ظلمة اللّيل.

(١) أي من بينهم.

(٢) أي لإضاءة الصّبح.

(٣) أي فقول بشّار «عليّ سواد» أي بقيّة من اللّيل حال.

(٤) أي ترك في جملة «عليّ سواد» الواو.

(٥) قال في أقرب الموارد : الوجه من الكلام هو السّبيل المقصود منه.

(٦) أي في مطلق ما جاء حالا وكان الظّرف فيه مقدّما على الاسم ، والوجه فيه أن يكون الاسم فاعلا للظّرف.

وحاصل الكلام في هذا المقام : أنّ في إعراب قوله : «عليّ سواد» وكذا قوله : «على كتفه سيف» احتمالان : أحدهما : أن يجعل الاسم فاعلا بالظّرف لاعتماده على صاحب الحال ، وعلى هذا فالظّرف إما متعلّق باسم الفاعل المقدّر أو بالفعل كذلك.

ثانيهما : أن يجعل الاسم مبتدأ والمجرور قبله خبرا.

قال الشّيخ عبد القاهر : الوجه الأوّل من هذين أن يجعل الاسم فاعلا بالظّرف لسلامته من تقديم ما أصله التّأخير ، وقال أيضا : ينبغي على جعل الاسم فاعلا بالظّرف أن يقدّر الظّرف باسم الفاعل كمستقرّ دون الفعل ، كاستقرّ ويستقرّ ، فلازم قوله : «الوجه أن يكون الاسم في مثل هذا فاعلا بالظّرف» أن لا يكون الحال جملة اسميّة ، بل مفردة فلا يستنكر ترك الواو.

(٧) أي لاعتماد الظّرف على ذي الحال.

(٨) أي ليس الاسم مبتدأ ، وما قبله أعني الظّرف خبره المقدّم ، حتّى يكون جملة اسميّة.

٢١٠

وينبغي أن يقدّر ههنا (١) خصوصا أنّ الظّرف في تقدير اسم الفاعل دون الفعل (٢) اللهمّ إلا أن يقدّر فعل ماض مع قد (٣) هذا كلامه (٤) ، وفيه (٥) بحث.

________________________________________

(١) أي في مقام وقوع الظّرف حالا لا خبرا ولا نعتا ، فإنّه مقدّر بالفعل فيهما على الأصح ، ولهذا قال : خصوصا ، أي بالخصوص ههنا يكون الظّرف في تقدير اسم الفاعل دون الفعل ، بخلاف مقام وقوع الظّرف خبرا أو نعتا ، لأنّه حينئذ يقدّر بالفعل أيضا.

(٢) لأنّ الأصل في الحال الإفراد ، فإذا كان المقدّر اسم الفاعل كان الحال مفردا ، فلهذا ترك الواو.

(٣) لأنّ الماضي المكتنف بقد يجوز فيه الأمران ، مع كون التّرك أكثر فيه ، ولا يقدّر المضارع ، لأنّ الواو يجب تركها فيه.

(٤) أي كلام الشّيخ عبد القاهر.

(٥) أي في كلام الشّيخ عبد القاهر بحث حيث فرّق بين الحال والخبر والنّعت ، بأنّ الأصل في الأوّل الإفراد دون الأخيرين ، مع أنّ الخبر والنّعت كالحال في كون الأصل فيهما الإفراد.

وبعبارة أخرى إنّه إن أريد أنّ سبب تقدير اسم الفاعل هنا بالخصوص أنّ الأصل في الحال هو الإفراد فيرد عليه أنّ نحو على كتفه سيف إذا كان خبرا أو نعتا ، كأن يقال زيد على كتفه سيف ، ومررت برجل على كتفه سيف ، فالأصل فيهما الإفراد فينبغي أن يقدّر فيهما اسم الفاعل هنا ، لأجل نفس العلّة المذكورة في الحال ، وهي كون الأصل فيهما الإفراد كالحال ، فلم يتمّ قوله :

وينبغي أن يقدّر ههنا خصوصا ، لأنّه ينبغي أن يقدّر في غير ذلك أيضا ، وإن كان سبب تقدير اسم الفاعل هنا بالخصوص شيئا آخر فلم يبيّنه ، وكان ينبغي بيانه.

ويرد عليه أيضا إنّ تجويز تقدير المضارع لا يمنع وجود الواو ، لأنّه عند وجود الواو يقدّر بالماضي لا بالمضارع ، وعند انتفائه يقدّر بالمضارع ، ولو كان تجويز تقدير ما يمتنع معه الواو مانعا من الواو لمنع تجويز تقدير اسم الفاعل ، لأنّ الواو ممتنعة مع وجوده بالأحرى ، ولعلّه إنّما اختار تقدير اسم الفاعل لرجوع الحال حينئذ إلى أصلهما في الإفراد ، ولهذا أكثر مجيئها بلا واو ، وإنّما جوّز التّقدير بفعل ماض أيضا لمجيئها بالواو قليلا ، وإنّما منع التّقدير بفعل مضارع ، لأنّه لو جاز التّقدير به لامتنع مجيئها بالواو.

٢١١

والظّاهر (١) أنّ مثل على كتفه سيف ، يحتمل أن يكون في تقدير المفرد ، وأن يكون جملة اسميّة قدّم خبرها ، وأن يكون فعليّة مقدّرة بالماضي أو المضارع ، فعلى تقديرين (٢) يمتنع الواو وعلى تقديرين (٣) لا تجب الواو فمن أجل هذا كثر تركها. وقال الشّيخ أيضا (٤) [ويحسن التّرك] أي ترك الواو في الجملة الاسميّة [تارة

________________________________________

(١) أي والظّاهر في توجيه كثرة ترك الواو ، وحاصله : أنّ في مثل على كتفه سيف أربعة أحوال :

الأوّل : جواز تقدير اسم الفاعل المشار إليه بقوله : «يحتمل أن يكون في تقدير المفرد» وهو أرجح لرجوعه إلى الأصل.

والثّاني : جواز تقدير الجملة الاسميّة كما أشار إليه بقوله : «وأن يكون جملة اسميّة».

الثّالث : جواز تقدير الجملة الفعليّة المقدّرة بالماضي.

الرّابع : جواز تقدير الجملة الفعليّة بالمضارع ، وأشار إليهما بقوله : «وأن يكون فعليّة مقدّرة بالماضي أو المضارع».

(٢) أي على التّقدير الأوّل والرّابع تمتنع الواو ، لأنّ اسم الفاعل مفرد والمضارع المثبت مثله في المنع.

(٣) أي على التّقدير الثّاني والثّالث لا تجب الواو ، بل تجوز لجواز الواو في الجملة الاسميّة وفي الماضي ، لا سيّما مع قد ، ولما كان ترك الواو واجبا في التّقديرين وجائزا في التّقديرين الآخرين كان الرّاجح والأكثر تركه ، فلهذا قال الشّارح : «فمن أجل هذا أكثر تركها» أي فمن أجل ترك الواو على الاحتمالات الأربعة كثر تركها ، وإن كان التّرك واجبا على احتمالين وجائزا على احتمالين.

(٤) أي ومن كلام الشّيخ أيضا قول المصنّف : «ويحسن التّرك» هذا يخصّص ما تقدّم منه في الشّرح ، من قوله : لا يجوز ترك الواو ، من الجملة الاسميّة إلا بضرب من التّأويل ، هذا مضمون قوله : «فالأصل والقياس أن لا تجيء الجملة الاسميّة إلّا مع الواو ...» وأمّا كلامه المتقدّم الّذي فرغنا عن البحث عنه فعلا فقد عرفت أنّه خارج على زعمه من حكمه المتقدّم تخصصا لا تخصيصا ، إذ ليس نحو : على كتفه سيف ، عنده جملة اسميّة ، بل إمّا مفرد أو متعلّق بماض فهو جزء لجملة فعليّة.

٢١٢

لدخول حرف (١) على المبتدأ] يحصل بذلك الحرف نوع من الارتباط (٢) [كقوله (٣) :

فقلت عسى أن تبصريني كأنّما

بنيّ حواليّ الأسود الحوارد]

________________________________________

(١) أي غير الواو مثل كأنّ ، كما في البيت الآتي.

(٢) هذا إشارة إلى أنّ علّة حسن ترك الواو هي أنّ دخول الحرف يحصل به نوع من الارتباط ، فأغنى عن الواو ، وعلّله بعضهم بكراهة اجتماع حرفين زائدين عن أصل الجملة ، وقد استحسن هذا التّعليل غير واحد مستدلا بأنّ ما ذكره الشّارح من التّعليل إنّما يجري في بعض الحروف الّتي تفيد الارتباط ، كتشبيه ما قبلها بما بعدها في (كأنّ) مثلا أو تعليل ما قبلها بما بعدها ، ولا يظهر في غيره مع حسن التّرك مع غيره أيضا كلا التّبرئة في قوله تعالى : (وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ)(١) ، وكان في قوله تعالى : (إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ)(٢).

يمكن أن يقال إنّ ترك الواو في الآية الثّانية لمكان إلّا ، وهي لا تدخل غالبا في المفرد ، فالجملة الحاليّة بعدها مؤوّلة بالمفرد.

(٣) أي الفرزدق أنشد هذا عندما عيّرته امرأته بأنّه ليس له ولد ، فهو يخاطب امرأته ويقول لها : لا تلوميني في ذلك ، عسى أن تشاهديني ، والحال أنّ أولادي على يميني ويساري ينصروني كالأسود الحوارد ، أي الغضبان ، وقيّد بالغضبان لأنّ أهيب ما يكون الأسد إذا غضب.

وتوضيح ذلك : أنّ قوله : «تبصريني» ، مضارع من الإبصار ، والخطاب فيه لامرأته ، «بني» جمع ابن ، أصله بنون لي ، حذفت النّون للإضافة واللّام للتّخفيف ، فصار بنوي ، اجتمعت الواو والياء ، وسبقت إحداهما بالسّكون قلبت الواو ياء والضّمّة كسرة لمناسبة الياء ، ثمّ أدغمت الياء في الياء ، كما قيل في مسلميّ. «حواليّ» بتشديد الياء بمعنى جوانبي ، «الحوارد» جمع حارد من الحرد ، وهو بالحاء والرّاء والدّال المهملات كفرس بمعنى الغضب ، والشّاهد في قوله : «كأنّما بنيّ حوالي ...» حيث وقع حالا عن مفعول «تبصريني» من دون الواو لمكان كأنّ.

__________________

(١) سورة الرّعد : ٤١.

(٢) سورة الفرقان : ٢٠.

٢١٣

من حرد إذا غضب ، فقوله (١) : بنيّ الأسود ، جملة اسميّة (٢) وقعت حالا من مفعول (٣) تبصريني ولو لا دخول كأنّما عليها لم يحسن (٤) الكلام إلّا بالواو (٥). وقوله : حواليّ ، أي (٦) في أكنافي وجوانبي حال من بنيّ (٧) لما (٨) في حرف التّشبيه من معنى الفعل [و] يحسن (٩) التّرك تارة [أخرى لوقوع الجملة الاسميّة] الواقعة حالا [بعقب (١٠) مفرد] حال (١١) [كقوله (١٢) :

________________________________________

(١) أي الفرزدق.

(٢) بأن يكون قوله : «بنيّ» مبتدأ ، والأسود خبره.

(٣) أي وهو ياء المتكلّم.

(٤) أي فدخول «كأنّما» أوجب استحسان ترك الواو ، ولئلّا يتوارد على الجملة حرفان زائدان.

(٥) لما مرّ من أنّ القياس أن لا تجيء الجملة الاسميّة إلّا مع الواو.

(٦) أي في التّفسير المذكور إشارة إلى أنّه ليس المقصود من «حوالي» التّثنية ، وإن كان ملحقا بالمثنّى في الإعراب ، لكنّه في كلام الفرزدق ظرف مكان.

(٧) أي جوّز بعضهم أن يكون حالا من «الأسود» أي الأسود مستقرّين في جوانبي.

(٨) أي العامل فيه ، كأنّما لما في حرف التّشبيه من معنى الفعل ، فيصحّ أن يكون عاملا ، لأنّ كأنّما في معنى أشبه.

(٩) أي إنّما يحسن ترك الواو من الجملة الاسميّة عند تقدّم مفرد ، لئلّا يتوهّم عطف الجملة على المفرد.

(١٠) الباء في قوله : «بعقب» بمعنى في أي في عقب مفرد.

(١١) أي لما كان المفرد شاملا بظاهره النّعت أيضا قيّده الشّارح بحال.

(١٢) أي الرّومي.

٢١٤

والله يبقيك (١) لناسا لما

برداك تبجيل وتعظيم (٢)]

فقوله : برداك تبجيل حال ، ولو لم يتقدّمها قوله : سالما ، لم يحسن فيها ترك الواو.

[الباب الثّامن : الإيجاز (٣) والإطناب (٤) والمساواة]

قال [السّكّاكي (٥) : أمّا الإيجاز والإطناب فلكونهما (٦) نسبيّين]

________________________________________

(١) «يبقيك» من الإبقاء فعل مضارع ، وهو ضد الإفناء ، «سالما» اسم فاعل من السّلامة بمعنى البرائة من العيوب ، برداك بحذف النّون بالإضافة إلى الكاف تثنية برد ، وهو ثوب نسج باليمن ، التّبجيل والتّعظيم بمعنى واحد ، والشّاهد في قوله : «برداك تبجيل وتعظيم» حيث وقع حالا من دون الواو ، لمكان أنّه مسبوق بحال مفرد ، وهو قوله سالما.

(٢) أي معنى البيت : يبقيك الله سالما مشتملا عليك التّبجيل والتّعظيم اشتمال البرد على صاحبه ، والمقصود طلب بقائه على وصف السّلامة ، وكونه مبجّلا معظّما ، وقوله : «برداك» مبتدأ مرفوع بالألف ، والتّبجيل والتّعظيم خبره ، والجملة حال من الكاف في «يبقيك» ، ترك فيها الواو لكونها مسبوقة بحال مفرد.

(٣) الإيجاز في اللّغة : التّقصير ، يقال أو جزت الكلام ، أي قصّرته.

(٤) الإطناب في اللّغة : المبالغة ، يقال : أطنب في الكلام ، أي بالغ فيه ، وسيأتي معناهما الاصطلاحي ، وقدّم الإيجاز على الإطناب والمساواة ، لكونه مطلوبا في الكلام ، وأردفه بالإطناب ، لكونه مقابلا له ، فلم يبق للمساواة إلّا التّأخير ، وقدّم المساواة في مقام التّفصيل لكونها الأصل المقيس عليه ، فإنّها الكلام المتعارف ، ثمّ زاد عليه إطناب ، وما نقص عنه إيجاز ، ثمّ الإيجاز لما سبق ، فلم يبق للإطناب إلّا التّأخير.

(٥) هذا اعتذار عن ترك تعريف الإيجاز والإطناب ، وحاصل كلامه : أنّه ترك تعريف الإيجاز والإطناب بتعريف يتعيّن به قدرهما تحقيقا ، بحيث لا يزيد هذا القدر ، ولا ينقص ، أي ترك تعريفهما لعدم إمكان ذلك من أجل كونهما نسبيّين ، وتفاوت النّسبة باعتبار ما ينتسب إليه.

(٦) علّة للجواب الآتي ، أعني : قوله : «لا يتيسّر ...» قدّمت عليه مع دخول الفاء الجوابيّة عليها ، لكونها جوابا عن أمّا ، لإفادة الحصر أو للاهتمام ، وفي الكلام حذف ، والتّقدير فلكونهما نسبيّين مع كون المنسوب إليه مختلفا ، إذ لو لم نقدّر كذلك لا ينتج هذا التّعليل

٢١٥

أي (١) من الأمور النّسبيّة الّتي يكون تعقّلها (٢) بالقياس إلى تعقّل شيء آخر ، فإنّ (٣) الموجز إنّما يكون موجزا بالنّسبة إلى كلام أزيد منه ، وكذا المطنب (٤) إنّما يكون مطنبا بالنّسبة إلى ما هو أنقص منه. [لا يتيسّر الكلام فيهما (٥)

________________________________________

المدّعى ، وهو عدم إمكان تعيين مقدار خاصّ من الكلام على التّحقيق ، كي يلاحظ الإيجاز والإطناب بالقياس إليه.

(١) وهذا التّفسير إشارة إلى أنّهما ليسا من الأمور النّسبيّة الّتي تتكرّر النّسبة فيها كالأبوّة والبنوّة مثلا ، بل إنّما هما من الأمور النّسبيّة الّتي يتوقّف تصوّرها على تصوّر الغير من دون العكس ، فإنّ كلا منهما متوقّف على تصوّر المتعارف ، أو مقتضى المقام وليس المتعارف ، أو ما يقتضي المقام موقوفا عليهما.

(٢) أي إدراكها يكون بالنّسبة إلى تعقّل شيء آخر ، فتعقّل الإيجاز يتوقّف على تعقّل الإطناب ، وبالعكس ، وذلك لأنّ الإيجاز ما كان من الكلام أقلّ بالنّسبة لغيره ، والإطناب ما كان أزيد بالنّسبة لغيره ، وحينئذ فتعقّل كلّ منهما متوقّف على تعقّل ذلك الغير ، ضرورة توقّف تعقّل المنسوب على تعقّل المنسوب إليه لأخذه في مفهومه.

(٣) علّة لكونهما نسبيّين ، أي فإنّ الموجز إنّما يكون موجزا ، أي إنّما يدرك من حيث وصفه بالإيجاز «بالنّسبة إلى كلام أزيد منه».

(٤) أي إنّما يدرك المطنب من حيث وصفه بالإطناب بالنّسبة إلى كلام هو أنقص منه لفظا ، ثمّ المراد من الكلام في الموردين أعمّ من الكلام المحقّق الّذي وجد في الخارج ، والمقدّر الّذي يفرض تحقّقه خارجا ، وإن لم يتكلّم به أحد بعد.

(٥) أي في تعريف الإيجاز والإطناب تعريفا حقيقيّا ، وهو التّعريف الحدّي لهما ، وذلك لتعذّر الوصول إليه.

وهنا أمران : الأوّل : ترك التّعيين في بيان الإيجاز والإطناب ، لأنّك لا تجد كلاما يتعيّن به الإيجاز والإطناب إذ كلّ كلام عند تعيينه وفرضه إيجازا يصلح إطنابا وبالعكس ، فلذا لا بدّ من ترك التّعيين.

والثّاني ينبغي أن يكون بيانهما مبنيّا على أمر عرفي ، لأنّ الأمر العرفي يتعيّن ، فيبنى عليه بيان ما عداه من الكلام في الإيجازيّة والإطنابيّة.

٢١٦

إلّا بترك التّحقيق والتّعيين (١)] أي (٢) لا يمكن التّنصيص على أنّ هذا المقدار من الكلام إيجاز (٣) وذاك إطناب إذ (٤) ربّ كلام موجز يكون مطنبا بالنّسبة إلى كلام آخر (٥) وبالعكس (٦) ،

________________________________________

(١) استثناء من محذوف ، أي لا يتيسّر التّكلّم فيهما بحال من الأحوال ، إلّا بحالة ترك التّحقيق والتّعيين ، فوجب ترك تعريفهما بهذه الحالة لتعذّرة ، ثمّ إنّ المراد من التّحقيق على ما فهم المصنّف من كلام السّكّاكي هو التّعريف المبيّن لمعناهما ، والمعنى حينئذ لا يتيسّر الكلام فيهما ، إلّا بترك التّعريف المبيّن لمعناهما ومفهومهما ، ولذا أورد على السّكّاكي النّظر الآتي على ما يستضح لك ، والشّارح فهم أنّ المراد من التّحقيق في كلام السّكّاكي تعيين مقدار كلّ واحد منهما ، أي لا يتيسّر الكلام فيهما إلّا بترك التّحديد والتّعيين لمقدار كلّ منهما ، وعليه فلا يتأتّى الإيراد الآتي.

وأجاب عن النّظر الآتي في كلام المصنّف بما حاصله : من أنّ المراد بالتّحقيق في كلام السّكّاكي تعيين مقدار كلّ منهما بحيث لا يزيد عليه ، ولا ينقص عنه ، وهو غير ممكن ، فلا يرد على السّكّاكي شيء ، ثمّ المراد من التّعيين المذكور بعد التّحقيق هو تعيين القدر المخصوص لكلّ منهما ، وهذا تفسير من الشّارح للتّحقيق الواقع في الكلام.

(٢) أي «لا يمكن» تفسير لعدم التّيسّر ، وإشارة إلى أنّه ليس المراد أنّه ممكن تفسيره ، كما هو ظاهره.

(٣) ظاهر هذا الكلام هو إطلاق لفظ الإيجاز على نفس الألفاظ ، وهو مخالف لما يأتي من قوله : «فالإيجاز أداء المعنى بأقلّ ...».

(٤) علّة لقوله : «أي لا يمكن» و «ربّ» هنا للتّكثير أو التّحقيق.

(٥) مثلا : زيد المنطلق ، موجز بالنّسبة إلى قولك : زيد هو المنطلق ، ومطنب بالنّسبة إلى قولك : زيد منطلق.

(٦) أي قد يكون الكلام مطنبا نحو : زيد المنطلق ، موجزا بالنّسبة إلى كلام آخر نحو : زيد هو المنطلق ، أي وإذا كان الكلام الواحد قد يكون موجزا بالنّسبة إلى كلام ومطنبا بالنّسبة إلى كلام آخر ، فكيف يمكن أن يقال على طريق التّحقيق والتّحديد أنّ هذا القدر إيجاز ، وهذا إطناب! فتعيين مقدار من الكلام للإيجاز أو للإطناب بحيث لا يزاد عليه ولا ينقص عنه غير

٢١٧

[والبناء على أمر عرفي (١)] أي (٢) وإلّا بالبناء على أمر يعرفه أهل العرف [وهو (٣) متعارف الأوساط (٤)] الّذين ليسوا في مرتبة البلاغة ولا في غاية الفهاهة (٥) [أي كلامهم في (٦)

________________________________________

ممكن ، لأنّ ذلك موقوف على كون المضاف إليه متّحد القدر بحيث يقال : ما زاد على هذا القدر إطناب ، وما نقص عنه إيجاز ، والمنسوب إليه الإيجاز والإطناب غير متّحد في القدر ، بل مختلف ، فلذلك تجد الكلام الواحد بالنّسبة إلى قدر إيجازا ، وإلى قدر آخر إطنابا ، ومن هذا تعلم أنّ مجرد كونهما نسبيّين لا يكفي في امتناع التّعيين والتّحقيق ، بل لا بدّ مع ذلك من اختلاف المنسوب إليه.

(١) أي وابتناء تعريف الإيجاز والإطناب على أمر عرفي ، أي بناء التّعريف على شيء معلوم عند أهل العرف.

(٢) أي ولا يتيسّر الكلام والبحث عنهما «إلّا بالبناء على أمر يعرفه أهل العرف» أي يتعارف ويتداول فيما بينهم.

والحاصل إنّ تحقيق مقدار كلّ منهما ، وتعيينه لمّا كان غير ممكن ، وكنّا محتاجين إلى شيء يضبطهما ، اضطررنا إلى ملاحظة ما هو متعارف عند العرف ، وجعله مقيسا عليه ، وحيث إنّه أمر مضبوط لا اضطراب فيه ، يحصل بجعله منسوبا إليه امتياز لكلّ من العناوين الثّلاثة عن الآخر ، وليس فيه ردّ إلى الجهالة لما سيحقّقه الشّارح.

(٣) أي الأمر العرفي.

(٤) أي كلام متعارف للأوساط عند إبراز مقاصدهم.

(٥) أي العجز عن الكلام ، بل كلامهم يؤدّي أصل المعنى المراد ، أعني المطابقي من غير اعتبار مطابقة مقتضى الحال ، ولا اعتبار عدمها ، ويكون صحيح الإعراب.

والحاصل إنّ المراد بالأوساط من النّاس العارفون باللّغة ، وبوجوده صحّة الإعراب دون الفصاحة والبلاغة ، فيعبّرون عن مرادهم بكلام صحيح الإعراب من غير ملاحظة النّكات الّتي يقتضيها الحال.

(٦) أي «في» بمعنى عند ، والمجرى مصدر بمعنى الجريان ، والعرف بمعنى العادة ، والمعنى أي كلامهم عند جريانهم على عاداتهم ، أو إنّ إضافة مجرى للعرف ، من إضافة الصّفة

٢١٨

مجرى عرفهم في تأدية المعنى] عند (١) المعاملات والمحاورات [وهو] أي هذا الكلام (٢) [لا يحمد] من الأوساط [في باب البلاغة] لعدم رعاية مقتضيات الأحوال (٣) [ولا يذمّ] أيضا (٤)

________________________________________

للموصوف ، فالمعنى حينئذ ، أي كلامهم على حسب عادتهم الجارية في تأدية المعنى ، وإنّما تعرّض ذلك للإشارة إلى أنّه ليس المراد بتعارفهم هنا المتعارف في الطّعام واللّباس ونحوهما ، بل المتعارف في الكلام عند المعاملات.

(١) الظّرف متعلّق بمحذوف ، أي في تأدية المعاني الّتي تعرض لهم الحاجة إلى إبرازها عند المعاملات أو عند غيرها من الأغراض الّتي يسوق لأجلها الكلام ، كالكلام المسوق لغرض مدح شخص أو ذمّه.

(٢) أي المتعارف بين الأوساط ، فهذا زيادة في البيان والإيضاح للمتعارف.

فمعنى العبارة حينئذ ، أي هذا الكلام يعني كلام الأوساط الجاري في عرفهم وعادتهم في تأدية المعاني المقصودة ، وإن حمد في باب المعاملة والمحاورة العرفيّة لوجود رعاية مقتضيات العرف والعادة ، لكنّه لا يحمد في باب الفصاحة والبلاغة لعدم رعاية مقتضيات الأحوال والمقامات ، أي هذا الكلام محمود من الأوساط في باب المعاملة ، ومذموم من البلغاء في باب البلاغة.

والحاصل إنّ كلام الأوساط بين عدم المدح وعدم الذّمّ ، كما أنّ أنفسهم بين أهل البلاغة وأهل الفهاهة ، فلم يكونوا من أهل البلاغة حتّى يمدح كلامهم ، ولم يكونوا من أهل الفهاهة حتّى يذمّ ، وأما ما ذكرنا من أنّه بين المدح والذّمّ ، فإنّما هو باعتبار رتبتهم ورتبة أهل البلاغة.

وقيل إنّ قوله : «لا يحمد» إلى قوله : «لا يذمّ» دفع لما ربّما يقال : إنّ متعارف الأوساط غير بليغ فهو مذموم ، فيكون البناء في هذه العناوين الثّلاثة على ما هو مذموم ، ولازم ذلك كون المساوي له مذموما ، وليس الأمر كذلك ، وحاصل الجواب إنّ متعارف الأوساط كما أنّه غير محمود غير مذموم ، فلا يكون لما ذكر مجال.

(٣) أي اللّطائف والاعتبارات حيث إنّ الأوساط لا يقتدرون على رعايتها.

(٤) أي كما لا يحمد ، وقيّد بقوله : «منهم» للاحتراز عن البلغاء ، فإنّ كلام الأوساط على تقدير صدوره منهم يذمّ ، ولا يذمّ على تقدير صدوره من الأوساط.

٢١٩

منهم ، لأنّ غرضهم تأدية أصل المعنى بدلالة وضعيّة (١) وألفاظ (٢) كيف كانت ومجرّد (٣) تأليف (٤) يخرجها (٥) عن حكم النّعيق [فالإيجاز (٦) أداء المقصود بأقلّ (٧) من عبارة المتعارف (٨) والإطناب (٩) أداؤه

________________________________________

(١) أي مطابقيّة.

(٢) عطف على قوله : «بدلالة» أي تأدية أصل المعنى بألفاظ كيف كانت ، أي حقائق أو مجازات أو كنايات.

(٣) أي بالرّفع ، عطف على «تأدية» ، أو بالجرّ عطف على «بدلالة».

(٤) أي مجرّد تأليف خال عن النّكات.

(٥) قوله : «يخرجها» صفة لتأليف ، ومعنى العبارة تأليف مجرّد عن النّكات يخرج الألفاظ عن حكم النّعيق ، وذلك بسبب كونه مطابقا للصّرف والنّحو واللّغة ، ممّا يتوقّف عليه تأدية أصل المعنى ، وأصل النّعيق تصويت الرّاعي في غنمه ، والمراد به هنا أصوات الحيوانات العجم ، والمراد بحكمه عدم دلالته.

(٦) أي إذا بنينا على أنّه لا يتيسّر الكلام في الإيجاز والإطناب إلّا بالبناء على أمر عرفي ، فيقال في تعريف الإيجاز : هو أداء المقصود ، أي ما يقصده المتكلّم من المعاني بأقلّ من عبارة المتعارف ، وهذا التّعريف إنّما هو بحسب المتعارف ، لا بحسب الحقيقة ، لأنّك قد عرفت أنّ التّعريف بالحقيقة لا يمكن.

(٧) أي بعبارة قليلة من عبارة المتعارف.

(٨) أي إضافة «عبارة» إلى عبارة «المتعارف» بيانيّة ، أي بعبارة قليلة من العبارة الّتي هي متعارف الأوساط.

(٩) أي يقال في تعريف الإطناب : هو أداء المقصود بعبارة كثيرة من العبارة الّتي هي متعارف الأوساط ، وكذلك يقال في تعريف المساواة : هي أداء المقصود بعبارة هي بقدّر العبارة الّتي هي متعارف الأوساط ، ولم يقصد من الأفعل في المقامين التّفضيل وكلمة «من» متعلّقة بأصل الفعل الّذي في ضمن الأقلّ والأكثر ، فإنّ القلّة والكثرة يتعدّيان بمن ، والسّبب لذلك أنّ عبارة متعارف الأوساط ليست بقليلة أو كثيرة حتّى تكون عبارة ما ألقاه المتكلّم أقلّ أو أكثر منها.

٢٢٠