دروس في البلاغة - ج ٣

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في البلاغة - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٣

وخبر قوله : [يصحّ (١) أن تقع] تلك الجملة [حالا عنه] أي عمّا يجوز أن ينتصب عنه حال [بالواو (٢)] ، وما لم يثبت (٣) له هذا الحكم أعني وقوع الحال عنه (٤) لم يصحّ (٥) إطلاق اسم صاحب الحال عليه إلّا مجازا ، وإنّما قال : ينتصب عنه حال ، ولم يقل : يجوز أن تقع تلك الجملة حالا عنه ، لتدخل (٦) فيه الجملة الخالية عن الضّمير المصدّرة بالمضارع المثبت لأنّ ذلك الاسم ممّا لا يجوز أن تقع تلك الجملة حالا عنه.

________________________________________

(١) أي صحّة وقوع تلك الجملة حالا ، وليس المعنى وقوعها حالا بالفعل ، ومن المعلوم أنّه لم يتحقّق بعد كونها حالا ، حتّى يقال للاسم المذكور أنّه صاحب الحال.

(٢) أي إذا كانت الجملة ملتبسة بالواو ، أو مع الواو ، بناء على أنّ الباء بمعنى مع ، هذا إشارة إلى أنّ صحّة وقوعها حالا مشروطة بهذا الشّرط ، أي بكونها مع الواو ، فإذا لم يوجد هذا الشّرط لم يصحّ وقوعها حالا.

(٣) أي الاسم الّذي لم يثبت له هذا الحكم ، وهذا من تتمّة العلّة ، أعني قوله : «لأنّ قوله كلّ جملة مبتدأ ...».

(٤) أي وقوع الحال عن الاسم فعلا ، وهنا لم يثبت له هذا الحكم «أعني وقوع الحال ...» ، إذ لا يلزم من الصحّة والجواز الوقوع.

(٥) هذا خبر لقوله : «ما لم يثبت ...» ، وحاصل الكلام في المقام : أنّ صحّة إطلاق اسم صاحب الحال على ما يجوز أن ينتصب عنه حال بطريق الحقيقة تتوقّف على ثبوت وقوع الحال عنه ، ولم يثبت الآن وقوع الجملة حالا عنه ، فكيف يجوز أن يطلق اسم صاحب الحال عليه حتّى يصحّ أن يقول عن ضمير صاحب الحال.

نعم يجوز أن يطلق عليه ويقول صاحب الحال مجازا ، لكن لا وجه لارتكابه من غير احتياج إليه ، لأنّ الأصل وهو أن يقول عن ضمير ما يجوز أن ينتصب عنه حال ليس متعذّرا حتّى يرتكب المجاز هنا ، وإنّما توقّفت صحّة ذلك الإطلاق على هذا الثّبوت ، لأنّ العلم بتلك الصحّة موقوف على العلم بهذا الثّبوت ، فلو أطلق عليه حقيقة يلزم عدم التوقّف مع وجود التوقّف في نفس الأمر ، ولو أطلق مجازا يلزم العدول عن الأصل من غير احتياج إليه ، وكلاهما بيّن الفساد جدا.

(٦) علّة للنّفي وهو عدم القول بجملة يجوز أن تقع تلك الجملة حالا عنه ، بل قال

١٨١

لكنّه (١) ممّا يجوز أن ينتصب عنه حال في الجملة (٢) وحينئذ (٣) يكون قوله : كلّ جملة خالية عن ضمير ما يجوز أن ينتصب عنه حال متناولا للمصدّرة بالمضارع الخالية عن الضّمير المذكور ، فيصحّ استثناؤها (٤) بقوله : [إلا المصدّرة بالمضارع المثبت ، نحو :

________________________________________

ينتصب عنه حال ، والحاصل أنّه لو لم يقل هذه العبارة ، بل قال : كلّ جملة خالية عن ضمير ما يجوز أن تقع تلك الجملة حالا عنه ، لما صحّ هذا الاستثناء ، أعني قوله : «إلّا المصدّرة بالمضارع المثبت ...» ، لكونه حينئذ إخراجا للخارج ، وتحصيلا للحاصل ، ولا يخفى فساده ، لأنّ المراد بيان وجوب الواو مع هذه الجملة ، أعني الحاليّة عن ضمير ما يجوز أن ينتصب عنه حال إذا وقعت حالا ، والجملة المصدّرة بالمضارع المثبت الخالية عن ضمير الاسم ، لا يجوز أن تقع حالا عنه لانتفاء الرّابط ، وهو الضّمير.

فلهذا عبّر بقوله : يجوز أن ينتصب عنه حال «لتدخل فيه» ، أي في قوله : «وكلّ جملة خالية ...» الجملة الخالية عن الضّمير المصدّرة بالمضارع المثبت ، لأنّ دخولها مطلوب لأجل إخراجها بعد ذلك الاستثناء ، ووجه دخول الجملة المذكورة في كلامه أنّه يصدق عليها أنّها خالية عن ضمير الاسم الّذي يجوز أن ينتصب عنه حال بخلاف ما لو قال : يجوز أن تقع تلك الجملة حالا عنه ، فإنّها لا تدخل فيه ، إذ لا يصدق عليها أنّها خالية عن الضّمير الاسم الّذي يجوز أن تقع تلك الجملة حالا عنه ، لعدم جواز وقوعها حالا مع أنّ دخولها مطلوب لأجل أن تخرج بعد ذلك بالاستثناء.

فقول الشّارح «لأنّ ذلك الاسم ممّا لا يجوز أن تقع تلك الجملة حالا عنه» إشارة إلى دليل عدم الدّخول حينما قيل : يجوز أن تقع تلك الجملة حالا عنه.

(١) إشارة إلى دليل الدّخول حين قال : يجوز أن ينتصب عنه حال.

(٢) أي أيّ حال كانت تلك الجملة أو غيرها.

(٣) أي حين قال : «يجوز أن ينتصب عنه حال» ، يكون قول المصنّف : «كلّ جملة خالية ...» ، شاملا للمصدّرة بالمضارع الخالية عن الضّمير المذكور ، فيصحّ استثناؤها بقوله إلا المصدرة بالمضارع المثبت ...

الانقطاع الّذي ليس أصلا في الاستثناء.

(٤) أي استثناء الجملة المصدّرة بالمضارع استثناء متّصلا الّذي هو الأصل ، بخلاف ما لو

١٨٢

جاء زيد ويتكلّم عمرو] فإنّه (١) لا يجوز أن يجعل ويتكلّم عمرو حالا عن زيد [لما سيأتي] من أنّ ربط مثلها (٢) يجب أن يكون بالضّمير فقطّ (٣). ولا يخفى (٤) أنّ المراد بقوله : كلّ جملة ، الجملة الصّالحة للحاليّة في الجملة ،

________________________________________

قال : يجوز أن تقع تلك الجملة حالا عنه ، فإنّ الاستثناء فيه لا يصحّ إلّا على نحو

(١) أي الضّمير للشّأن ، أي لا يجوز جعل (ويتكلّم عمرو) حالا عن زيد ، وذلك لعدم وجود الرّابط ، وهو الضّمير فقطّ ، نعم ، يجوز أن تجعل تلك الجملة عطفا على جملة (جاء زيد) عند وجود الجامع بينهما.

(٢) أي مثل جملة (ويتكلّم عمرو) ، وإنّما قال مثلها ، لأنّ ما سيأتي نظير ومثل لما هنا لا فرد منه ، لأنّ ما هنا هو المضارع الخالي عن الضّمير ، وما سيأتي هو المضارع المحتمل له لكن التّعليل الآتي يقتضي امتناع ربط المضارع المثبت مطلقا بالواو.

(٣) وليس في قوله : يتكلّم عمرو ، ضمير ، فلا يصحّ جعله حالا ، إلّا أن يقال : إنّا لا نسلّم أنّ ارتباطها يجب أن يكون بالضّمير وحده ، بل يصحّ بالواو مع الضّمير أيضا ، مثل قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ)(١) ، فإنّ قوله : (وَقَدْ تَعْلَمُونَ) جملة وقعت حالا ، وهي مضارع مثبت مع أنّ الرّبط ليس بالضّمير فقطّ.

(٤) هذا جواب عن سؤال مقدّر تقديره أن يقال : إنّ قوله «كلّ جملة خالية ...» شامل للجملة الإنشائيّة الخالية عن الضّمير لأنّها جملة أيضا ، مع أنّه لا يصحّ أن تقع حالا ، سواء كانت مع الواو أو بدونها ، لأنّ الغرض من الحال تخصيص وقوع مضمون عاملها بوقت حصول مضمون الحال ، فيجب أن يكون ممّا يقصد منه الدّلالة على حصول مضمونه ، وهو الخبريّة دون الإنشائيّة.

ومحصّل الجواب : أنّ المراد بقوله : «كلّ جملة خالية ...» هي الجملة الصّالحة للحاليّة في الجملة ، وهذه الجملة مختصّة بالخبريّة ولا شمول لها للإنشائيات ، لأنّ الغرض من الحال تخصيص وقوع مضمون العامل بوقت حصول مضمونها ، فلا بدّ من كونها ممّا يدلّ على حصول مضمونها ، والدّالّ على الحصول هو الخبريّة دون الإنشائيّة ، ولهذا تقع الخبريّة حالا في الجملة دون الإنشائيّة.

__________________

(١) سورة الصّف : ٥.

١٨٣

بخلاف الإنشائيات فإنّها (١) لا تقع حالا البتّة ، لا مع واو ولا بدونها. [وإلّا] عطف على قوله : إن خلت ، أي وإن لم تخل الجملة الحاليّة عن ضمير صاحبها (٢) [فإن كانت فعليّة والفعل المضارع (٣) مثبت امتنع دخولها (٤)] أي الواو [نحو : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ)(١) (٥)] أي ولا تعط حال كونك تعدّ ما تعطيه كثيرا [لأنّ (٦) الأصل] في الحال هي الحال [المفردة] لعراقة (٧) المفرد في الإعراب ،

________________________________________

(١) أي الإنشائيات لا تقع حالا لا مع الواو ولا بدونها إلّا بتقدير قول يتعلّق بها ، كقولك : جاء زيد ، هل ترى فارسا يشبهه حيث لم يصحّ أن تكون جملة هل ترى ... ، حالا إلّا بتقدير مقولا فيه هل ترى ...

(٢) أي بأن اشتملت على ذلك فهي حينئذ إمّا أن تكون اسميّة أو فعليّة ، والفعليّة إمّا أن يكون فعلها مضارعا أو ماضيا ، والمضارع إمّا أن يكون مثبتا أو منفيّا ، فبعض هذه يجب فيها الواو كالاسميّة في بعض الأحوال ، وبعضها يجب فيه الضّمير كالمضارعة المثبتة ، وبعضها يستوي فيه الأمران ، وهي المضارعة المنفيّة والماضيّة لفظا ، وبعضها يترجّح فيه أحدهما كالاسميّة في بعض الأحوال ... ، وقد أشار المصنّف لتفصيل ذلك وبيان أسبابه بقوله «فإن كانت فعليّة ...».

(٣) أي مضارع لفظا ومعنى.

(٤) أي ووجب الاكتفاء بالضّمير بعد امتناع دخول الواو.

(٥) والشّاهد في قوله : (تَسْتَكْثِرُ) حيث جاءت مجرّدة عن الواو ، مع أنّها جملة وفعلها مضارع مثبت متحمّل لضمير صاحبه ، وهو المخاطب فلا يجوز أن يقال : لا تمنن وتستكثر ، بالواو ، هذا على قراءة الرّفع في (تستكثر) ، فيكون المعنى ما ذكر ، وأمّا على قراءة الجزم على أنّه جواب النّهي ، فليس مما نحن فيه ، ولا يصحّ التّمثيل لأنّه بدل اشتمال من (تمنن) لا حال.

(٦) علّة لامتناع الواو والاكتفاء بالضّمير في الجملة المذكورة.

(٧) أي لأصالة المفرد في الإعراب ، فقوله : «لعراقة المفرد في الإعراب» علّة لمحذوف ، والتّقدير لأنّ الحال فضلة ، وكونها فضلة يقتضي الإعراب ، والإعراب يقتضي الإفراد لعراقة المفرد ، أي أصالته في الإعراب.

__________________

(١) سورة المدّثّر : ٦.

١٨٤

وتطفّل (١) الجملة عليه بوقوعها موقعه ، [وهي] أي المفردة [تدلّ على حصول صفة (٢)] أي معنى قائم بالغير (٣) لأنّها (٤) لبيان الهيئة الّتي عليها الفاعل أو المفعول والهيئة معنى قائم بالغير (٥) [غير ثابتة (٦)] لأنّ الكلام في الحال المنتقلة [مقارن] ذلك الحصول (٧) [لما جعلت] الحال [قيدا له] يعني العامل (٨) ، لأنّ الغرض من الحال تخصيص وقوع مضمون عاملها بوقت حصول مضمون الحال ،

________________________________________

(١) أي تبعيّتها للمفرد إنّما هو بسبب وقوعها موقع المفرد ، وبعبارة أخرى : إنّ الجملة تتبع المفرد في النّصب ، لأنّ المفرد منصوب فتعرب محلا لتطفّلها على المفرد بوقوعها موقعه.

(٢) أي تدلّ على حصول صفة بحسب أصل وضعها.

(٣) أي التّفسير المذكور من الشّارح إشارة إلى أنّ المراد بالصّفة هي الصّفة اللّغويّة لا النّحويّة ، ثمّ قوله : «تدل على حصول صفة» ، يشمل ما إذا دلّت على حصول صفة صراحة ، كقولك : جاء زيد راكبا ، أو بطريق اللّزوم ، كقولك : جاء زيد غير ماش ، فإنّ عدم المشي يستلزم الرّكوب.

فاندفع حينئذ ما يقال من أنّ قولك : جاء زيد غير ماش ، لا يدلّ على حصول صفة ، بل يدلّ على عدم الصّفة.

(٤) أي لأنّ الحال على ما عرف من تعريفها لبيان الهيئة الّتي عليها الفاعل ، كقولك : جاء زيدا راكبا ، أو المفعول ، كقولك : رأيت زيدا راكبا.

(٥) فإنّ ما يقوم بالغير ، باعتبار حصوله فيه ، يقال له : هيئة ، وباعتبار قيامه به يقال له :

صفة.

(٦) أي غير مستمرّة بأن تنفكّ عن صاحبها.

(٧) أي حصول الصّفة أشار الشّارح بقوله ذلك الحصول إلى أنّ «مقارن» في كلام المصنّف صفة للحصول.

(٨) المراد بالعامل مدلوله ، لأنّ الحال قيد لمدلول العامل ، ثمّ المراد بالعامل فيها هو العامل في صاحبها.

١٨٥

وهذا (١) معنى المقارنة ، [وهو] أي المضارع المثبت [كذلك] أي دالّ على حصول صفة غير ثابتة (٢) مقارن لما جعلت قيدا له كالمفردة ، فتمتنع الواو فيه (٣) كما في المفردة [أمّا الحصول] أي أمّا دلالة المضارع المثبت على حصول صفة غير ثابتة [فلكونه فعلا] فيدلّ على التّجدّد (٤) وعدم الثّبوت (٥) [مثبتا] فيدلّ على الحصول (٦) [وأمّا المقارنة فلكونه مضارعا] فيصلح (٧) للحال كما يصلح للاستقبال. وفيه (٨) نظر لأنّ الحال الّتي يدلّ عليها المضارع هو زمان التّكلّم ، وحقيقته أجزاء

________________________________________

(١) أي التّخصيص المذكور معنى المقارنة ، أي معناها اللّازمي لا الصّريحي ، إذ معناها المطابقي هو تشارك وقوعي المضمونين في زمان واحد ، فالمراد بالمقارنة اتّحاد زمان مضمون عامل الحال ومضمونها لا اتّصال زمانيهما ، كما هو ظاهر المقارنة.

(٢) أي المضارع المثبت كالمفرد دالّ على صفة غير ثابتة مقارن لما جعلت الحال قيدا له ، وهو العامل ، وحاصل الكلام : أنّ دلالة المضارع على الحصول والمقارنة تستلزم دلالة الجملة المصدّرة به عليهما ، وبهذا الاعتبار تمّ الاستدلال ، وإلّا فالمطلوب امتناع دخول الواو على الجملة الحاليّة كامتناع دخولها على المفرد لمشابهتها له.

(٣) أي فتمتنع الواو في المضارع المثبت الواقع حالا ، كما في المفردة.

(٤) أي التّجدّد المعتبر في الحدث ، فهو صفة غير ثابتة ، والمراد بتجدّدها هو حدوثها في زمان وجودها بعد عدم ، ويعبّر عنه بالطّرو بعد العدم.

لا يقال : إنّ المعتبر في الفعل وضعا هو التّجدّد بمعنى الطّرو بعدم العدم ، وهذا صادق مع الثّبوت بعد الطّرو ، وأمّا عدم الثّبوت الّذي هو الانتفاء بعد الوجود ، فالفعل لا يدلّ عليه.

لأنّا نقول : إنّ دلالة الفعل عليه من جهة أنّ الشّأن في كلّ طارئ عدم بقائه عادة ، فالفعل يدلّ على ذلك المعنى بطريق اللزّوم العادّي.

(٥) أي عدم الدّوام.

(٦) أي فلكون المضارع مثبتا يدلّ على حصول مضمونه ووقوعه لعدم النّافي.

(٧) هذا علّة وقوع المضارع حالا ، وحينئذ فيكون مضمونه مقارنا للعامل إذا وقع حالا ، لأنّ الحال تجب مقارنتها للعامل.

(٨) أي في التّعليل المذكور نظر ، حاصله أنّ الحال الّذي يدلّ عليه المضارع هو زمان

١٨٦

متعاقبة من أواخر الماضي وأوائل المستقبل ، والحال الّتي نحن بصددها يجب أن يكون مقارنا لزمان مضمون الفعل المقيّد بالحال ، ماضيا كان أو حالا أو استقبالا ، فلا دخل للمضارعة في المقارنة ، فالأولى أن يعلّل امتناع الواو في المضارع المثبت بأنّه على وزن (١) اسم الفاعل لفظا ، وبتقديره (٢) معنى [وأمّا ما جاء (٣) من نحو] قول بعض

________________________________________

التّكلّم ، والحال النّحويّة الّتي نحن بصددها ينبغي أن يكون مضمونها مقارنا لزمان مضمون عاملها ، سواء كان عاملها ماضيا ، أو حالا ، أو مستقبلا ، فالمضارع إنّما يدلّ على مقارنة مضمونه بزمان التّكلّم ، وليس زمان التّكلّم زمان عامله دائما إذ قد يكون زمانه ماضيا ، وقد يكون مستقبلا ، فعلى هذين الفرضين لا أثر لحديث دلالة المضارع على زمان الحال في حصول المقارنة المطلوبة في باب الحال ، كما أشار إليه بقوله : «فلا دخل للمضارعة في المقارنة».

(١) والمراد من الوزن هو الوزن العروضي لا النّحوي ، والفرق بينهما أنّ المراد من الأوّل الموافقة في عدد الحركات والسّكنات وترتيبها ، سواء وافق أشخاصها أم لا ، والمراد من الثّاني الموافقة في الأشخاص أيضا ، فالنّسبة بينهما هي عموم وخصوص مطلق لصدق الأوّل على (ينصر وناصر) دون الثّاني.

(٢) أي المضارع بتقدير اسم الفاعل معنى ، وذلك لأنّ المضارع إذا وقع حالا يؤوّل باسم الفاعل ، لاشتراكهما في الحال والاستقبال ، فإنّ قولك : جاء زيد يتكلّم ، بمعنى جاء متكلّما ، فيمتنع دخول الواو في المضارع ، كما يمتنع دخولها في اسم الفاعل.

لا يقال : إنّ هذا التّعليل موجود في المضارع المنفي مع أنّه يجوز ارتباطه بالواو.

لأنّا نقول : هذا حكمة لا علّة ، وقد بيّن في الأصول أنّه لا يجب في الحكمة الاطّراد ، كما في استحباب غسل الجمعة لرفع روائح الإباط ، وإزالة أوساخ البدن ، فما ذكروه غلط نشأ من اشتراك اللّفظ.

(٣) جواب عمّا يقال إنّه قد جاء المضارع المثبت بالواو في النّثر والنّظم ، أما النّثر فكقول بعض العرب : قمت وأصكّ وجهه ، أي قمت حال كوني صاكّا ، أي ضاربا وجهه ، الصّكّ : بمعنى الضّرب ، فإنّ ظاهر ارتباط ذلك المضارع المثبت وهو أصكّ بالواو ، وأمّا النّظم فكقول عبد الله بن همام السّلوليّ من الشّعراء الإسلاميّين ، وكان قد توعّده عبيد الله بن زياد فهرب

١٨٧

العرب [قمت وأصكّ (١) وجهه ، وقوله : فلمّا (٢) خشيت أظافيرهم] أي أسلحتهم [نجوت وأرهنهم مالكا ، فقيل (٣)] ، إنّما جاء الواو في المضارع المثبت الواقع حالا [على] اعتبار [حذف المبتدأ] لتكون الجملة اسميّة [أي وأنا أصكّ وأنا أرهنهم] كما في قوله تعالى : (لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ)(١) إليكم (٤) ، أي وأنتم قد تعلمون.

[وقيل (٥) : الأوّل] أي قمت وأصكّ وجهه [شاذّ ، والثّاني] أي نجوت ، وأرهنهم [ضرورة (٦).

________________________________________

منه إلى الشّام ، «فلمّا خشيت أظافيرهم نجوت وأرهنهم مالكا» وهو اسم رجل ، أو اسم فرس حيث يكون قوله : وأرهنهم جملة حاليّة مصدّرة بالمضارع المثبت ، وقد ربطت بحسب الظّاهر بالواو ، ومعنى البيت لما خشيت منهم هربت ، وخلصت ، وجعلت مالكا مرهونا عندهم ، ومقيما لديهم.

(١) أي أضرب وجهه.

(٢) أي لما ظرف بمعنى إذ ، وقيل بمعنى إن متعلّق بجوابه ، أعني نجوت ، خشيتبكسر الشّين ، ماض من الخشية بمعنى الخوف ، والضّمير في «أظافيرهم» يرجع إلى عبيد الله بن زياد وأصحابه ، والمراد بالأظافير الأسلحة ، لأنّها للإنسان عند الحرب بمنزلتها.

والشّاهد في قوله : «وأرهنهم مالكا» حيث إنّه مضارع ، وقد استعمل حالا مع الواو.

(٣) أي فقيل في الجواب ، وقد أشار المصنّف إلى أجوبة ثلاثة : الأوّل : أنّه على حذف المبتدأ ، لتكون الجملة اسميّة فيصحّ دخول الواو.

(٤) والشّاهد في قوله تعالى : (وَقَدْ تَعْلَمُونَ) حيث وقع حالا مع الواو ، ولكن بتقدير المبتدأ ، أي وأنتم قد تعلمون ، فيصحّ دخول الواو.

(٥) هذا إشارة إلى الجواب الثّاني ، وحاصل هذا الجواب أنّ الأوّل ، أي المثال الأوّل ، أي قمت وأصكّ وجهه «شاذّ» ، أي واقع على خلاف القياس النّحوي لا أنّه شاذّ في الاستعمال ، فلا ينافي الفصاحة ، ولا الوقوع في كلام الله تعالى ، وإنّما المنافي لذلك ما يكون شاذّا بحسب الاستعمال ، أو بحسبه وبحسب القياس معا.

(٦) أي يغتفر فيها ما لا يغتفر في غيرها ، فلا تنخرم القاعدة المبنيّة على التّوسيعة.

__________________

(١) سورة الصّف : ٥.

١٨٨

قال عبد القاهر : هي] أي الواو [فيهما للعطف (١)] لا للحال ، إذ ليس المعنى (٢) قمت صاكّا وجهه ، ونجوت راهنا مالكا بل المضارع (٣) بمعنى الماضي و [الأصل] قمت [وصككت] ونجوت [ورهنت ، عدل (٤) عن لفظ الماضي إلى] لفظ [المضارع حكاية للحال] الماضية ، ومعناها (٥) أن يفرض ما كان في الزّمان الماضي واقعا في هذا الزّمان ، فيعبّر عنه (٦) بلفظ المضارع [وإن كان] الفعل مضارعا [منفيّا فالأمران] جائزان الواو وتركه ، [كقراءة ابن ذكوان : فاستقيما ولا تتبعآن (١) بالتّخفيف (٧)] أي بتخفيف نون ، ولا تتبعآن فيكون لا للنّفي دون النّهي (٨) ، لثبوت النّون الّتي هي علامة الرّفع ،

________________________________________

(١) هذا إشارة إلى الجواب الثّالث ، وحاصل هذا الجواب الثّالث أنّ الواو في المثالين للعطف لا للحال ، كي يرد الإشكال.

(٢) أي ليس المعنى قمت صاكّا ، في المثال الأوّل ، ونجوت راهنا مالكا ، في المثال الثّاني ، كي يلزم الشّذوذ والضّرورة ، أو حذف المبتدأ.

(٣) قوله : «بل المضارع بمعنى الماضي» ، جواب عن سؤال مقدّر تقريره : أنّ العطف لا يؤدّي إلى ما هو المقصود من الكلام ، وهو وقوع القيام والصّك في زمان واحد بخلاف فرض الحاليّة ، فإنّها مفيدة لذلك لاشتراط اتّحاد زمان الحال وزمان العامل.

والجواب إنّ المراد بالمضارع هنا هو الماضي فيتّحدان زمانا ، وإن اختلفا لفظا.

(٤) أي إنّما عدل في المعطوف عن لفظ الماضي إلى لفظ المضارع حكاية للحال الماضية.

(٥) أي معنى الحكاية للحال الماضية «أن يفرض ...» ، مبني للمفعول ، وإنّما يرتكب هذا الفرض في الأمر الماضي المستغرب ، كأنّه يحضره للمخاطب ، ويصوّره ليتعجّب منه ، كما تقول : رأيت الأسد ، فأخذ السّيف فاقتله.

(٦) أي ما كان في الزّمان الماضي يعبّر عنه بلفظ المضارع ، لأنّه يدلّ على الحضور ، وزمان الحال.

(٧) أي بتخفيف النّون في قوله تعالى : (فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ).

(٨) لأنّ اللا النّاهية تسقط النّون الّتي هي علامة الرّفع ، فثبوت النّون دليل على أنّ لا للنّفي دون النّهي ، فلا يصحّ عطف (وَلا تَتَّبِعانِ) حينئذ على الأمر قبله ، أعني قوله :

__________________

(١) سورة يونس : ٨٩.

١٨٩

فلا يصحّ عطفه على الأمر قبله ، فيكون الواو للحال ، بخلاف قراءة العامّة (١) ولا تتّبعان ، بالتّشديد ، فإنّه نهي مؤكّد (٢) معطوف على الأمر قبله [ونحو : (وَما لَنا)(١) (٣)] ، أي أيّ شيء ثبت (٤) لنا (لا نُؤْمِنُ بِاللهِ) ، أي حال كوننا غير مؤمنين ، فالفعل المنفي (٦) حال بدون الواو ، وإنّما جاز فيه الأمران [لدلالته (٧) على المقارنة لكونه مضارعا دون الحصول لكونه منفيا] والمنفيّ إنّما يدلّ مطابقة (٨) ، على عدم الحصول [وكذا] يجوز

________________________________________

(فَاسْتَقِيما) لما عرفت من أنّ الخبر والإنشاء بينهما كمال الانقطاع ، فلا يصحّ عطف أحدهما على الآخر ، فيكون الواو في قوله : (وَلا تَتَّبِعانِ) للحال ، والمعنى فاستقيما غير متّبعين.

(١) أي سائر القرّاء فإنّهم قرؤوا ولا تتبعانّ بالتّشديد.

(٢) أي مؤكّد بالنّون الثّقيلة ، والفعل مجزوم بحذف نون الرّفع ، وعطف على الأمر قبله ، وذلك لصحّة عطف الإنشاء على الإنشاء. هذا تمام الكلام في مجيء المضارع المنفي مع الواو ، وأمّا مجيئه بغير الواو فما أشار إليه بقوله : (وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ).

(٣) الاستفهام في قوله : (وَما لَنا) إنكاري واستبعاد لانتفاء الإيمان ، والشّاهد في قوله تعالى : (لا نُؤْمِنُ بِاللهِ) ، حيث وقع حالا من دون الواو.

(٤) أي فإنّ ذلك الشّيء مانعا من الإيمان بالله في حال كوننا غير مؤمنين بالله.

(٥) أي معنى الآية ما نصنع حال كوننا غير مؤمنين بالله.

(٦) أي قوله : (لا نُؤْمِنُ بِاللهِ) حال بدون الواو.

(٧) أي لدلالة المضارع المنفى على المقارنة ، ثمّ المقارنة يناسبها ترك الواو ، والمضارع المنفي إنّما يدلّ على مقارنة مضمونه لزمان المتكلّم المستفاد منه ، وهذه المقارنة غير المقارنة المطلوبة في المقام ، وهي مقارنة مضمون الحال لمضمون عاملها في الزّمان في الحال والماضي والاستقبال ، ولا دخل للمضارعة على المقارنة المطلوبة هنا.

(٨) أي المنفي من حيث إنّه منفي إنّما يدلّ مطابقة على عدم الحصول ، وإن جاز أن يدلّ على حصول ما يقابله بالالتزام مثل نفي الحركة مستلزم لإثبات السّكون.

__________________

(١) سورة المائدة : ٨٤.

١٩٠

الواو وتركه ، [إن كان] الفعل [ماضيا لفظا أو معنى (١) ، كقوله تعالى] إخبارا عن زكريّا عليه‌السلام (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ)(١) (٢)] ، بالواو [وقوله : (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ)(٢) (٣)] بدون الواو ، وهذا (٤) في الماضي لفظا ، وأمّا الماضي معنى (٥) فالمراد به المضارع المنفي بلم أو لما ، فإنّهما (٦) يقلبان معنى المضارع إلى الماضي ، فأورد للمنفي بلم مثالين :

________________________________________

(١) جواب الشّرط محذوف بقرينة كذا ، أي إن كان الفعل ماضيا لفظا أو معنى فكذا ، أي يجوز الأمران على السّواء.

(٢) والشّاهد في قوله تعالى : (وَقَدْ بَلَغَنِيَ) حيث إنّها جملة ماضويّة قد وقعت موضع الحال مقترنة مع الواو.

لا يقال : الكلام في الحال المنتقلة على ما سبق في أوّل البحث ، والكبر إذا تحقّق للإنسان لا ينتقل فكيف أورده مثالا هنا.

لأنّا نقول : الحال بلوغ الكبر ، لا نفس الكبر ، والبلوغ ليس لازما ، لأنّه قد يحصل ، وقد لا يحصل ، ألا ترى أنّ أكثر النّاس يموت قبل الكبر ، وإن كان بعد حصوله لازما غير منتقل عادة ، وأمّا عقلا فزواله ممكن بصيرورة الشّيخ شابّا ، بل وقع ذلك لبعض الأفراد كزليخا.

(٣) أي حال كونهم ضاقت صدورهم عن قتالكم مع قومهم ، أي جاؤوكم في هذه الحالة ، الشّاهد في قوله : (حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) ، حيث وقع في موضع حال من دون الاقتران بالواو.

(٤) أي ما ذكرنا من المثالين فيما إذا كان الفعل ماضيا لفظا ، أي في الحال الّذي هو ماضي لفظا ومعنى ، أمّا (حَصِرَتْ) فواضح ، وأمّا (بَلَغَنِيَ) فلأنّها حال من اسم (يَكُونُ) وهو مستقبل المعنى ، لكنّه ماض بالنّسبة إلى وقت كون الولد.

(٥) أي الماضي معنى فقطّ.

(٦) أي لم ولما يقلبان معنى المضارع إلى الماضي ، وقد أشار إلى أمثلة ذلك بقوله : «وقوله : (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ) ، ثمّ الفاء في قوله : «فإنّهما» ، للتّعليل.

__________________

(١) سورة آل عمران : ٤٠.

(٢) سورة النّساء : ٩٠.

١٩١

أحدهما مع الواو (١) ، والآخر بدونه (٢) ، واقتصر في المنفي بلمّا على ما هو بالواو ، وكأنّه (٣) لم يطّلع على مثال ترك الواو ، إلّا أنّه (٤) مقتضى القياس ، فقال [وقوله : (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ)(١) (٥) ،

________________________________________

(١) أي وهو (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) في المثال الآتى.

(٢) أي بدون الواو وهو (لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) في المثال الآتى.

(٣) أي كأنّ المصنّف لم يطّلع على مثال ترك الواو ، أي الاقتصار في النّفي بلمّا على مثاله بذكر الواو ، نشأ من عدم إطّلاع المصنّف على مثاله بتركها ، مع أنه مقتضى القياس.

(٤) أي ترك الواو مقتضى القياس ، فقوله : «إلّا أنّه ... ، جواب سؤال مقدّر وهو أن يقال : إذا لم يطّلع المصنّف على مثال ترك الواو ، فلماذا ادّعى فيه جواز ترك الواو ، ولم يقتصر على ادّعاء جواز تركها ، كما اقتصر على مثال ذكرها.

فأجاب بأنّ ادّعاء جواز تركها إنّما نشأ من اقتضاء القياس إيّاه وعدم الإطّلاع على مثاله لا يوجب عدم اقتضاء القياس حتّى يقتصر على ادّعاء جوازه ، كما اقتصر على مثاله ، فثبوت الاقتضاء دليل على ثبوت الادّعاء.

(٥) والشّاهد في قوله تعالى حكاية عن مريم : (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) حيث وقع موضع الحال مقترنا مع الواو ، فيكون هذا مثالا للمنفي بلم مع الواو.

لا يقال : إنّ عدم مساس البشر إيّاها لم ينتقل ، فكيف أورده ههنا مع أنّ الكلام في الأحوال المنتقلة.

لأنّا نقول : إنّ الحال المنتقلة هي الّتي تكون من الأعراض المفارقة ، ولا تكون من الصّفات اللّازمة ، وعدم المسّ المذكور من هذا القبيل إن لم ينفكّ عنها.

فإن قلت : عدم مسّ البشر ماض ، والعامل وهو يكون مستقبلا ، فلا مقارنة بين الحال وعاملها.

قلت : التّقدير كيف يكون لي غلام ، والحال إني أعلم حينئذ أنّي لم يمسسني بشر فيما مضى ، هكذا قيل ، ولكن يمكن أن يقال : إنّ قوله تعالى : (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) وإن كان ناطقا بعدم المسّ في الماضي إلّا أنّ هذا العدم يستمرّ إلى زمان تكوين الولد فتحصل المقارنة.

__________________

(١) سورة مريم : ٢٠.

١٩٢

وقوله : (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ)(١) (١) ، وقوله : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ)(٢) (٢) ، أمّا المثبت (٣)] ، أي أمّا جواز الأمرين في الماضي المثبت [فلدلالته (٤) ، على الحصول] يعني (٥) حصول صفة غير ثابتة ، [لكونه فعلا مثبتا (٦) ، ودون المقارنة (٧) لكونه (٨) ماضيا] ، فلا يقارن (٩) الحال

________________________________________

(١) والشّاهد في قوله تعالى : (لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) حيث وقع في موضع الحال بدون الواو ، فيكون هذا مثالا للمنفي بلم بدون الواو.

(٢) والشّاهد في قوله تعالى : (وَلَمَّا يَأْتِكُمْ) ، حيث وقع في موضع الحال مع الاقتران بالواو.

(٣) أي وأمّا جواز الأمرين في الماضي المثبت ، أي الماضي لفظا ومعنى.

(٤) أي فلدلالة الماضي المثبت على الحصول ، هذا دليل على ترك الواو.

(٥) أي هذا التّفسير إشارة إلى أنّ أل في الحصول للعهد الذّكري ، فيكون قوله «على الحصول» متضمّنا لشيئين ١ كون الحاصل صفة ، ٢ وكونها غير ثابتة.

(٦) علّة لإفادته الأمرين المذكورين ، وحاصله أنّه لكونه فعلا يدلّ على عدم الثّبوت حيث إنّه يقتضي التّجديد ، ولكونه مثبتا يقتضي حصول صفة.

(٧) هذا دليل لذكر الواو.

(٨) أي لكون الماضي المثبت ماضيا ، والماضي لا يقارن الحال ، وحاصل الكلام في المقام :

أنّ الماضي المثبت أشبه المفرد في شيء ، وهو الدّلالة على الحصول دون شيء ، وهو الدّلالة على المقارنة ، فلذا أجاز فيه الأمران ، ولو كان أشبه المفرد فيهما معا لكان ذكر الواو ممتنعا ، كما في المضارع المثبت ، فباعتبار الدّلالة على الحصول جاز فيه ترك الواو ، وباعتبار عدم الدّلالة على المقارنة جاز فيه ذكرها.

(٩) أي فلا يقارن الماضي ، أي مضمونه الحال ، أعني زمان التّكلّم ، هذا مراده ، ومحصّل الكلام في المقام أنّ الماضي المثبت من حيث كونه فعلا يقتضي التّجدّد ، ويفيد عدم الثّبوت ، فيشبه الحال المفردة في دلالته على حصول صفة غير ثابتة ، فيناسبه ترك الواو ، من حيث عدم دلالته على المقارنة لم يشبه الحال المفردة ، وعدم المشابهة في المقارنة يقتضي الإتيان بالواو.

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٧٤.

(٢) سورة البقرة : ٢١٤.

١٩٣

[ولهذا] أي ولعدم دلالته على المقارنة [شرط أن يكن مع قد ظاهرة (١)] ، كما في قوله تعالى : (وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ)(١) ، [أو مقدورة] كما في قوله تعالى : (حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ)(٢) (٢) ، لأنّ قد (٣) تقرّب الماضي من الحال.

________________________________________

(١) ظاهر كلام الشّارح هو الإطلاق ، وليس الأمر كذلك فإنّ صاحب التّسهيل وغيره قيّدوا ذلك بما إذا لم يكن الماضي تاليا لإلا ، ومتلوّا بأو وإلّا ، فلا يقترن بها ، فلا يقال : ما جاء إلّا وقد ضحك ، ولا لأضربنّه قد ذهب ، أو مكث ، بل يتعيّن حذفها نحو : (وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ)(٣) ، والشّاهد في قوله تعالى : (كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) ، حيث وقع موضع الحال ، ولم يقترن بقد لوقوعه بعد إلّا.

وكما في قوله : كن للخليل نصيرا جار أو عدل ، ولا تشحّ عليه جادا أو بخلا ، والشّاهد في قوله : (جار) في المثال الأوّل ، و (جاد) في المثال الثّاني حيث وقعا في موضع الحال ، ولم يقترنا بقد ، لكونهما متلوين بأو.

(٢) أي قد حصرت صدورهم ، هذا على ما ذهب إليه المشهور ، وأمّا سيبويه وابن مالك فلم يلتزما به حيث إنّ الأوّل لم يجوّز حذف قد من الماضي المثبت ، والتزم بأن (حَصِرَتْ) في الآية لم يقع حالا ، بل هو صفة لموصوف مقدّر ، أي أو جاؤوكم قوم حصرت صدورهم ، والثّاني ادّعى وقوع الماضي حالا من دون قد مستدلا بوقوع الماضي حالا في غير موضع من دون قد ، والتّقدير خلاف الأصل فيحتاج إلى الدّليل ، ولم يقم على لزومه دليل.

(٣) علّة لاقتران الماضي المثبت مع قد ، قال ابن هشام : الثّاني من معاني قد الحرفيّة تقريب الماضي من الحال ، تقول : قام زيد ، فيحتمل الماضي البعيد ، فإن قلت : قد قام اختصّ بالقريب.

__________________

(١) سورة آل عمران : ٤٠.

(٢) سورة النّساء : ٩٠.

(٣) سورة الأنعام : ٤.

١٩٤

والإشكال المذكور (١) وارد ههنا (٢) ، وهو (٣) أنّ الحال الّتي نحن بصددها غير الحال الّتي تقابل الماضي ، وتقرّب قد الماضي منها ، فتجوز (٤) المقارنة إذا كان الحال والعامل ماضيين ، ولفظ قد إنّما يقرّب الماضي (٥) من الحال الّتي هي زمان التّكلّم وربّما يبعّده (٦) عن الحال الّتي نحن بصددها ،

________________________________________

(١) أي الإشكال المذكور فيما مضى ، وهو ما ذكره بقوله ، وفيه نظر عند قوله : «أمّا المقارنة فلكونه مضارعا».

(٢) أي وارد على التّعليل المذكور بقولهم : لأنّ تقرّب الماضي من الحال.

وحاصل ما ذكره من الإشكال أنّ الحال الّتي انتفت عن الماضي ، ويدلّ عليها المضارع ، وتقرّب قد إليها هي زمان التّكلّم ، وهي خلاف الحال الّتي نحن بصددها ، وربّما بعدت قد عنها ، كما ذا قلت : جاءني زيد في السّنة الماضية وقد ركب ، فإنّ مجيئه في السّنة الماضية في حال الرّكوب ينافيه قرب الرّكوب من زمان التّكلّم الّذي هو مفاد قد.

(٣) أي الإشكال المذكور أنّ الحال الّتي نحن بصددها ، وهي الحال النّحويّة أعني الصّفة الّتي يقارن مضمونها مضمون العامل بأن يكون زمانهما واحد ، «غير الحال الّتي تقابل الماضي» أي تغايرها ، وإنّما كانت غيرها لأنّ الحال الّتي يدلّ عليها المضارع ، وتقابل الماضي ، وتقرّب قد الماضي منها زمان التكلّم غير الصّفة الّتي يقارن مضمونها مضمون عاملها بالضّرورة.

(٤) تفريع على مغايرة الحالين ، أي وإذا كانت الحال الّتي نحن بصددها ، وهي النّحويّة غير الزّمانيّة ، فتجوز المقارنة المرادة هنا ، أعني مقارنة مضمون الحال النّحويّة لمضمون عاملها في الزّمان إذا كانت تلك الحال وعاملها ماضيين ، كقولك : جاءني زيد ركب.

(٥) أي لفظ من في قوله : من الحال ، بمعنى إلى ، أي لفظ قد إنّما يقرّب الماضي إلى الحال الّتي هي زمان التّكلّم ، وهذه ليست مما نحن بصدده ، ولا يقرّب الحال الّتي نحن بصددها من زمان عاملها ، وهو المطلوب هنا.

(٦) أي ربّما تبعّد قد الماضي الواقع حالا عن مقارنة مضمون العامل ، وذلك كما لو كان العامل ماضيا ، والحال كذلك ، فإذا اقترنت الحال بقد صارت قريبة من الحال فلا يحصل التّقارن ، وحينئذ فوجودها مع الماضي مضرّ بالمطلوب.

١٩٥

كما في قولنا جاءني زيد في السّنة الماضية وقد ركب فرسه (١) ، والاعتذار عن ذلك (٢) مذكور في الشّرح [وأمّا المنفي] أي أمّا جواز الأمرين (٣) ، في الماضي المنفي (٤) ، [فلدلالته (٥) على المقارنة دون الحصول (٦) ، أمّا الأوّل] أي دلالته على المقارنة [فلأنّ لمّا للاستغراق] أي لامتداد النّفي من حين الانتفاء (٧) ، إلى زمان التّكلّم [وغيرها]

________________________________________

(١) فإنّ مجيء زيد في السّنة الماضية في حال الرّكوب ينافيه قرب الرّكوب من زمن التّكلّم الّذي هو مفاد قد.

(٢) أي عن اشتراطهم دخول قد على الماضي الواقع حالا مذكور في الشّرح ، أي في المطوّل ، وهذا جواب عمّا يقال : إذا كان دخول قد على الماضي الواقع حالا ربّما مضرّا ، فما وجه اشتراط النّحاة دخولها عليه إذا وقع حالا.

وحاصل ما ذكره في الشّرح من الاعتذار : أنّ قد وإن قربت الماضي من الحال بمعنى زمن التّكلّم ، والحال الّتي نحن بصددها الصّفة الّتي يقارن مضمونها مضمون العامل بأن يكون زمانهما واحدا ، وهما متباينان لكنّهما متشاركان في إطلاق اسم الحال عليهما ، وفي الجمع بين الماضي والحال في الظّاهر ، ولو اسما بشاعة وقبح ، فذكرت قد لتقرّب الماضي من الحال في الجملة ، دفعا لتلك البشاعة اللّفظيّة ، فتصدير الماضي المثبت بقد لمجرّد الاستحسان ، وبالجملة إنّ الإتيان بقد لدفع التّنافي لفظا ، وإن كان الحالان متنافيين في الحقيقة.

(٣) أي الإتيان بالواو وتركه.

(٤) أي الماضي ومعنى ، أو معنى فقطّ ، وهو المضارع المنفي بلم ولما.

(٥) أي الماضي المنفي على المقارنة ، فلذا جاز ترك الواو فيه لمشابهته بتلك الدّلالة الحال المفردة.

(٦) أي لا يدلّ الماضي المنفي على الحصول ، فلذا جاز الإتيان بالواو لعدم مشابهته للحال المفردة من هذه النّاحية.

والحاصل إنّ الماضي المنفي من حيث شبهه بالمفردة في الدّلالة على المقارنة يستدعي سقوط الواو ، وكما في المفردة ، ومن حيث عدم شبهه بها في الحصول الّذي وجد في المفردة يستدعي الإتيان بها.

(٧) أي لا من حيث ذات النّفي لأنّ ذاته فعل الفاعل لا امتداد فيه ، بل من حيث الانتفاء ،

١٩٦

أي غير لمّا مثل لم ، وما (١) [لانتفاء متقدّم (٢)] ، على زمان التّكلّم [مع أنّ الأصل استمراره] أي استمرار ذلك الانتفاء (٣) ، لما سيجيء (٤) ، حتّى (٥) تظهر قرينة على الانقطاع ، كما في قولنا (٦) : لم يضرب زيد أمس

________________________________________

أي إنّها تدلّ على امتداد الانتفاء من حين تحقّقه سابقا ، ف «لمّا» تدلّ على الانتفاء نصّا بخلاف غيرها ، فإنّه وإن كان للاستغراق لكنّه ليس نصّا ، بل بمعونة أنّ الأصل استمرار الانتفاء ، وبالجملة إنّ «لمّا» تدلّ على امتداد الانتفاء فيما مضى من حيث حصوله سابقا إلى زمان التّكلّم ، فإذا قلت : ندم زيد ولما ينفعه النّدم ، فمعناه أنّ النّدم انتفت منفعته فيما مضى ، واستمرّ الانتفاء إلى زمان التّكلّم ، أي وحيث كانت «لمّا» دالّة على امتداد الانتفاء إلى زمان التّكلّم فقد وجدت مقارنة مضمون الحال المنفيّة بها لزمن التّكلّم ، هذا مراد المصنّف ، ويرد عليه من أن تلك المقارنة غير مرادة ، وإنّما المطلوب في الحال مقارنتها لعاملها.

(١) ربّما يقال إنّ التّمثيل بما لنفي المتقدّم لا يصحّ ، إذ قد تقدّم منه أنّ ما لنفي الحال ، وذكره غير واحد من النّحاة في كتبهم ، وأجيب عن ذلك بأنّ مراد الشّارح من ما ما الدّاخلة على الماضي وهي لنفي المتقدّم ، وما ذكره قبل إنّما هو بالقياس إلى ما الدّاخلة على المضارع أو الجملة الاسميّة ، على الاستغراق ، هذا هو الفرق بين لمّا وغيرها.

(٢) أي الموضوع لانتفاء حدث متقدّم على زمان المتكلّم ، وقضيّة عدم دلالته على الاستغراق هذا هو الفرق بين لمّا وغيرها.

(٣) إلى زمان التّكلّم ، والمراد بالأصل هنا الكثير ، أي مع زيادة أنّ الكثير في ذلك الانتفاء بعد تحقّقه استمراره ، لأنّ الكثير فيما تحقّق وثبت بقاؤه ، لتوقّف عدمه على وجود سبب وعدم تحقّق السّبب أكثر من وجوده ، لأنّ العدميات أكثر ، فيظنّ ذلك البقاء من الانتفاء ما لم تظهر قرينة على الانقطاع.

(٤) أي في التّحقيق الآتي.

(٥) غاية لقول المصنّف أعني استمراره ، أي الأصل استمراره حتّى تظهر قرينة على الانقطاع ، فإذا ظهرت قرينة على الانقطاع فلا يقال الأصل استمرار ذلك الانتفاء وبقاؤه.

(٦) أي كالقرينة الّتي في قولنا : لم يضرب زيد أمس لكنّه ضرب اليوم فقولنا : لكنّه ضرب اليوم قرينة على أنّ انتفاء الضّرب لم يستمرّ من الأمس إلى وقت التّكلّم فهو ج مخصّص

١٩٧

لكنّه ضرب اليوم [فيحصل به] أي باستمرار النّفي ، أو بأنّ الأصل فيه الاستمرار (١) [الدّلالة عليها] أي المقارنة [عند الإطلاق (٢)] وترك (٣) التّقييد بما يدلّ على انقطاع ذلك الانتفاء (٤) ، [بخلاف (٥) المثبت ، فإنّ وضع الفعل على إفادة التّجدّد] من غير أن يكون

________________________________________

للأصل لا مناقض له.

ومحصل الفرق بين لمّا وغيرها أنّ لمّا لمكان دلالتها على الاستمرار وضعا ينافيها ما يدلّ على الانقطاع بخلاف غيرها ، فإنّ الاستمرار فيه إنّما هو بمعونة الأصل لا وضعا ، فإذا جاء ما يدلّ على الانقطاع لا يعدّ مناف له.

(١) ذكر الاحتمالين في تفسير مرجع ضمير «به» إشارة إلى أنّ ضمير به يصحّ رجوعه لاسم أنّ ، أعني الأصل ويصحّ رجوعه لخبرها ، أعني استمراره ، والمراد في قوله : «باستمرار النّفي» هو الانتفاء ، ولو عبّر به ، وقال : باستمرار الانتفاء كان أوضح لأنّه الّذي تقدّم ذكره صريحا ، فتحصّل من جميع ما ذكرنا أنّه يحصل بسبب النّفي المتقدّم على زمان التّكلّم ، أو بسبب أنّ الأصل استمرار ذلك النّفي إلى زمان التّكلّم ، أي تحصل الدّلالة على المقارنة عند الإطلاق ، أي عند عدم القرينة على انقطاع ذلك الانتفاء كما مرّ في قولنا : لم يضرب زيد أمس ولكنّه ضرب اليوم.

(٢) أي إطلاق الانتفاء من غير قرينة منافية للاستمرار.

(٣) بيان للإطلاق ، وعطف تفسير عليه.

(٤) أي انقطاع ذلك الانتفاء عن زمان التّكلّم على ما قيل.

(٥) أي بخلاف الماضي المثبت ، فإنّه لا يفيد الاستمرار المقتضى للمقارنة لا وضعا ، ولا استصحابا ، وذلك «فإنّ وضع الفعل على إفادة التّجدد» ، أي مجرّد الحدوث بعد العدم من دون الدّلالة على استمرار الثّبوت.

والحاصل إنّ الماضي المثبت لا يفيد الاستمرار المقتضي للمقارنة لا وضعا ولا استصحابا كما في الماضي المنفي ، أمّا عدم إفادته ذلك وضعا فظاهر ، كما أشار إليه بقوله : «فإنّ وضع الفعل» أي لأنّ وضع الفعل كائن على قصد إفادة مطلق التّجدد الّذي هو مطلق الثّبوت بعد الانتفاء ، فإنّك إذا قلت : ضرب مثلا ، كفي في صدقه وقوع الضّرب في جزء من أجزاء الزمان ، بخلاف ما إذا قلت : ما ضرب ، فإنّه يفيد استغراق النّفي لجميع أجزاء الزّمان لمراعاة الأصل

١٩٨

الأصل استمراره ، فإذا قلت : ضرب مثلا ، كفى في صدقه وقوع الضّرب في جزء من أجزاء الزّمان الماضي ، وإذا قلت (١) : ما ضرب ، أفاد استغراق النّفي لجميع أجزاء الزّمان الماضي لكن لا قطعيّا (٢) ، بخلاف لمّا (٣) وذلك (٤) لأنّهم (٥) قصدوا أن يكون الإثبات والنّفي في طرفي نقيض (٦).

________________________________________

كما تقدّم. وأمّا عدم إفادته ذلك بالاستصحاب كما يفيده النّفي ، فتحقيقه كما سيأتي ، أي فبيانه أنّ استمرار العدم الّذي هو مفاد الماضي المنفي لا يفتقر إلى وجود سبب ، فسهل فيه الاستصحاب المؤدّي إلى المقارنة ، بخلاف استمرار الوجود الّذي هو مفاد الماضي المثبت ، فإنّه يفتقر إلى سبب موجود لا إلى نفي السّبب ، لما تقرّر من أنّ العدم في حقّ الممكن يكفي فيه نفي السّبب ، لأنّه أصل له ، وأمّا وجود الممكن فلا بدّ له من سبب موجود ، وأمّا استمراره ليفيد فيه وجودا إثر وجود ، فلا بدّ له كم سبب موجود مستمرّ ليجدّد الوجودات فصعب فيه الاستمرار ، فلهذا لم يعتبر في المثبت الاستصحاب ، واعتبر في المنفي.

(١) أي ردّا لمن قال : ضرب ، قلت ما ضرب ، أو لم يضرب «أفاد استغراق النّفي لجميع أجزاء الماضي» فالمنفي إنّما هو كلّ فرد من الأحداث الواقعة في أجزاء الزّمان الماضي ، ولو قال الشّارح : أفاد استغراق النّفي لكلّ فرد من أفراد الحدث الواقعة في أجزاء الزّمان الماضي ، لكان أوضح ، وإنّما كان قولنا : ما ضرب مفيدا ، للاستغراق إمّا لمراعاة الأصل ، كما تقدّم ، وإمّا لأنّ الفعل فى سياق النّفي كالنّكرة المنفيّة بلا فتعمّ كما قيل.

(٢) أي لكن إفادة ما لاستغراق النّفي ليس قطعيّا ، أي ليس من أصل الوضع.

(٣) أي بخلاف لفظ لمّا ، فإنّه يفيد إفادة قطعيّة لدخول ذلك فيما وضع له على ما بيّن في موضعه.

(٤) أي بيان دلالة المنفي على الاستمرار دون المثبت.

(٥) أي أهل المحاورة.

(٦) أي طرفي تناقض ، فإنّ النّقيض على وزن فعيل ، والفعيل يجيء بمعنى المصدر كالمديح بمعنى المدح ، والنّكير بمعنى الإنكار ، والوجه في حمل النّقيض على التّناقض هو أنّ ما له طرفان هو التّناقض ، حيث إنّ نسبته بين المتناقضين لا النّقيض ، فإنّه يطلق على واحد من الطّرفين لا على النّسبة بينهما ، فمعنى العبارة أنّهم قصدوا أن يكون الإثبات والنّفي متناقضين.

١٩٩

ولا يخفى أنّ الإثبات في الجملة (١) إنّما ينافيه النّفي دائما ، [وتحقيقه] أي تحقيق هذا الكلام (٢) [أنّ استمرار العدم (٣) لا يفتقر إلى سبب بخلاف استمرار الوجود (٤)] ، يعني أنّ بقاء الحادث ، وهو (٥) استمرار وجوده يحتاج إلى سبب موجود ، لأنّه (٦) وجود عقيب وجود ، ولا بدّ للوجود الحادث من السّبب (٧) ، بخلاف استمرار العدم فإنّه عدم ، فلا يحتاج إلى وجود سبب (٨) ،

________________________________________

(١) أي في جزء من أجزاء الزّمان الماضي مثلا «إنّما ينافيه النّفي دائما» أي في جميع أجزاء الزّمان الماضي ، فالإثبات في بعض الأزمنة لا يكون كاذبا إلّا إذا صدق النّفي في جميع الأزمنة ، ولذا تراهم يقولون : إنّ نقيض الموجبة الجزئيّة إنّما هو السّالبة الكلّيّة إذ لو كان النّفي كالإثبات مقيّدا بجزء من أجزاء الزّمان لم يتحقّق التّناقض لجواز تغاير الجزأين ، فاكتفوا في الإثبات بوقوعه ولو مرّة ، وقصدوا في النّفي الاستغراق ، ولم يعكسوا ذلك لسهولة استمرار التّرك وصعوبة استمرار الفعل.

(٢) أي إنّ الأصل في النّفي بعد تحقّقه استمراره ، بخلاف الإثبات ، والمراد بالتّحقيق هو البيان على الوجه الحقّ.

(٣) أي استمرار العدم الّذي من جملة أفراده مفاد الماضي المنفي «لا يفتقر إلى سبب» أي لا يفتقر إلى سبب موجود مؤثّر ، بل يكفي فيه انتفاء سبب الوجود ، ولما كان لا يفتقر إلى وجود سبب سهل فيه استصحاب الاستمرار المؤدّي للمقارنة.

(٤) أي فإنّ استمرار الوجود يفتقر إلى وجود سبب مؤثّر لأجل أن يجدّد ذلك الوجود بذلك السّبب ، ثمّ إنّ من جملة أفراد استمرار الوجود استمرار وجود مفاد الماضي المثبت ، فلذا لم يستصحب فيه الاستمرار.

(٥) أي بقاء الحادث استمرار وجود ذلك الحادث فضمير «وجوده» يعود إلى الحادث.

(٦) أي استمرار وجود الحادث.

(٧) أي من السّبب الموجود ، لأنّ الممكن كما أنّه محتاج في حدوثه إلى موجد كذلك في بقائه.

(٨) أي فلا يحتاج العدم إلى سبب موجود مؤثّر.

٢٠٠