دروس في البلاغة - ج ٣

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في البلاغة - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٣

وفيه (١) نظر ، لأنّه (٢) ممنوع ، وإن أرادوا أنّ تضادّ هذا السّواد (٣) لهذا البياض معنى جزئيّ ، فتماثل هذا مع ذاك (٤) وتضايفه (٥) معه أيضا معنى جزئيّ ، فلا تفاوت بين التّماثل والتّضايف وشبههما في أنّها (٦) إن أضيفت (٧) إلى الكلّيّات كانت كلّيّات ، وإن أضيف إلى الجزئيّات (٨) كانت جزئيّات ، فكيف يصحّ جعل بعضها (٩) على الإطلاق (١٠) عقليّا وبعضها (١١) وهميّا.

________________________________________

(١) أي وفي هذا الجواب نظر من حيث قوله : «وهذا معنى جزئيّ».

(٢) أي كون تضادّ السّواد والبياض معنى جزئيّا ممنوع ، لأنّا لا نسلّم أن يكون تضادّ البياض للسّواد معنى جزئيّا ، بل هو كلّيّ لأنّ التّضادّ قد أضيف إلى كلّيّ ، ومن المعلوم أنّ المضاف إلى الكلّيّ كلّي.

(٣) أي وإن أرادوا أنّ تضادّ هذا السّواد المخصوص الجزئيّ المعيّن «لهذا البياض» أي الجزئيّ المعيّن «معنى جزئيّ».

(٤) أي كتماثل زيد مع عمرو.

(٥) أي كتضايف أبوّة زيد مع بنوّة عمرو أيضا معنى جزئيّ ، فالأخذ بهذا المعنى يؤدّي إلى فساد ما ذكروه من عدّ التّضايف والتّماثل جامعين عقليّين.

(٦) أي التّماثل والتّضايف وغيرهما مثل التّضادّ وشبهه.

(٧) أي إن أضيفت الأمور المذكورة إلى الكلّيّات كتضادّ السّواد والبياض كانت كلّيّات ، فتكون من مدركات العقل.

(٨) كتضادّ هذا السّواد مع هذا البياض ، فكانت جزئيّات ، فتكون من مدركات الوهم.

(٩) أي وهو الاتّحاد والتّماثل والتّضايف.

(١٠) أي سواء أضيف إلى كلّيّ أو جزئيّ.

(١١) أي وهو التّضادّ وشبه التّضادّ وشبه التّماثل. والاستفهام في قوله : «فكيف يصحّ» إنكاريّ بمعنى النّفي ، أي لا يصحّ ذلك ، أي لا يصحّ جعل البعض أعني التّماثل والتّضايف مطلقا ، أي من دون أن يقيّدا بكونهما بين الكلّيّين عقليّا ، لأنّهما إذا كانا بين الجزئيّين لا يدركهما إلّا الوهم ، وكذلك لا يصحّ جعل البعض الآخر يعني التّضادّ وشبه التّماثل وشبه التّضادّ على الإطلاق ، أي من دون التّقييد بكونها بين الجزئيّات وهميّا ، لأنّها إذا كانت بين الكلّيّات

١٦١

ثمّ إنّ الجامع (١) الخياليّ هو تقارن الصّور في الخيال ، وظاهر أنّه ليس بصورة ترتسم في الخيال ، بل هو من المعاني.

________________________________________

كانت كلّيّات ، فتكون مدركة بالعقل ، فلا معنى للإطلاق المذكور في الموضعين.

فتلخّص الإشكال في أنّ المعترض فرّق بين التّضادّ وشبه التّضادّ ، وبين التّماثل والتّضايف حيث جعل الأوّلين وهميّين على الإطلاق من غير تفريق بين جزئيهما وكلّيهما ، والآخرين عقليّين كذلك مع أنّ الجزئيّ في البابين مدرك بالوهم ، والكلّي مدرك بالعقل ، وقد تقدّم الجواب عن هذا الإشكال فيما ذكرناه تفصيلا.

(١) أي اعتراض ثالث من الشّارح على المعترض الّذي لم يعلم المراد بالجامع ، فجعل المراد بالجامع ما يدرك بهذه القوى الثّلاث ، أعني العقل والوهم والخيال ، ثمّ اعترض بالجامع الوهميّ بقوله : إنّ السّواد والبياض محسوسان ، فكيف يصحّ أن يجعلا من الوهميّات.

وحاصل هذا الاعتراض الثّالث :

إنّ كون المراد بالجامع ما يدرك بهذه القوى غير صحيح في الجامع الخياليّ ، لأنّ الجامع الخياليّ هو تقارن الصّور في الخيال ، وظاهر أنّه لا يمكن جعله صورة مرتسمة في الخيال ، لأنّه من المعاني ، ولا طريق للخيال إلى إدراكه ، فكيف يصحّ على زعمه أنّ المراد بالجامع ما يدرك بهذه القوى؟ مع أنّ التّقارن هو الجامع الخياليّ من المعاني ، فلا يدرك بالخيال.

هذا تمام الكلام في اعتراضات الشّارح على المعترض :

الاعتراض الأوّل : هو أنّ التّضادّ إذا أضيف إلى الكلّيّين ليس من المعاني الجزئيّة ، فلا أساس لعدّه من المعاني الجزئيّة على الإطلاق.

والثّاني : أنّه لو أراد اتّصاف المضاف إلى الجزئيّين بالجزئي فلا أساس لعدّ التّضادّ وهميّا دون غيره من التّماثل والتّضايف ، فإنّهما أيضا قد يكونان مضافين إلى الجزئيّ فيكونان جزئيّين ، فلا معنى لجعلهما عقليّا على الإطلاق.

والثّالث : أنّ التّقارن من المعاني لا من الصّور ، فلا يصحّ جعله جامعا خياليّا.

١٦٢

فإن قلت (١) : كلام المفتاح مشعر بأنّه (٢) يكفي لصحّة العطف وجود الجامع بين الجملتين باعتبار مفرد من مفرداتهما ، وهو (٣) نفسه معترف بفساد ذلك حيث منع صحّة نحو : خفّي ضيّق وخاتمي ضيّق (٤) ونحو : الشّمس ومرارة الأرنب وألف باذنجانة محدثة (٥). قلت (٦) : كلامه ههنا ليس إلّا في بيان الجامع بين الجملتين ، وأمّا أنّ أيّ قدر من

________________________________________

(١) هذا اعتراض على السّكّاكي وحاصله : التّناقض بين ما ذكره هنا ، وما ذكره في موضع آخر ، حيث إنّ المتحصّل ممّا ذكره هنا كفاية وجود جامع بين المسندين ، أو المسند إليهما فقطّ في العطف ، والمتحصّل ممّا ذكره في غير هذا الموضع عدم كفاية ذلك ، والغرض من نقل هذا الاعتراض كونه توطئة للاعتراض على المصنّف حيث وقع الخلل في كلامه.

(٢) أي الشّأن «يكفي لصحّة العطف وجود الجامع بين الجملتين باعتبار مفرد من مفرداتهما» لأنّه قال : الجامع بين الجملتين إمّا عقليّ وهو أن يكون بين الجملتين اتّحاد في تصوّر ما ... ، وجه الإشعار : إنّ الكلام في الجامع المصحّح للعطف إذ ما لا يصحّح العطف لا يتعلّق الغرض ببيانه ، و «تصوّر» في قوله : «في تصوّر ما» بمعنى متصوّر ، وتنوينه يدلّ على الإفراد والوحدة ، فيدلّ على كفاية وجود الجامع بين الجملتين باعتبار مفرد من مفرداتهما ، مثل الاتّحاد في المخبر عنه ، أو في الخبر ، أو في قيد من قيودهما ، مثل الاتّحاد في أحد التّوابع أو الحال.

(٣) أي صاحب المفتاح «نفسه معترف بفساد ذلك» أي كفاية الجامع بين الجملتين باعتبار مفرد من مفرداتهما ، ففي كلامه تناف.

(٤) أي مع أنّهما متّحدين في المسند ، فليس منع العطف إلّا لعدم الجامع بين المسند إليهما ، وإن وجد بين المسندين ، وهو الاتّحاد في التّصوّر.

(٥) قوله : «محدثة» خبر الأخير ، وخبر الأوّلين محذوف لدلالة الأخير عليه ، فكلّ من الأخيرين من عطف الجمل حيث كان في الأصل : الشّمس محدثة ، ومرارة الأرنب محدثة ، وألف باذنجانة محدثة ، ومنع العطف مع أنّ المسند في الجميع واحد ، فتلك الجمل متّحدة في المسند ، فالمتحصّل من هذا الاعتراض هو التّناقض بين كلام السّكّاكي هنا وكلامه في موضع آخر.

(٦) أي قلت جوابا عن السّكّاكي ، وحاصل الجواب : إنّ هذا الاعتراض كان واردا عليه لو كان محطّ كلامه هنا الجامع المصحّح للعطف ، وليس الأمر كذلك ، بل مراده

١٦٣

الجامع يجب لصحّة العطف فمفوّض إلى موضع آخر ، وقد صرّح فيه (١) باشتراط المناسبة بين المسندين والمسند إليهما جميعا ، والمصنّف (٢) لمّا اعتقد أنّ كلامه في بيان الجامع سهو منه وأراد (٣) إصلاحه غيّره (٤) إلى ما ترى ، فذكر مكان الجملتين الشّيئين (٥) ، ومكان قوله : اتّحاد في تصوّر ما ، اتّحاد في التّصوّر (٦) ،

________________________________________

هنا بيان حقيقة الجامع من حيث هو هو ، وأمّا أنّ مثل هذا الجامع يكفي في صحّة العطف أم لا؟ فمفوّض إلى موضع آخر قبل هذا الكلام ، أو بعده.

(١) أي قد صرّح السّكّاكي في ذلك الموضع باشتراط المناسبة بين المسندين والمسند إليهما جميعا ، ولازم ذلك عدم صحّة العطف في الأمثلة المذكورة.

(٢) هذا الكلام من الشّارح شروع في الاعتراض على المصنّف ، وكان ما تقدّم توطئة لهذا ، أي إنّ المصنّف لمّا اعتقد أنّ كلام السّكّاكي في بيان الجامع سهو من السّكّاكي ، وجه ذلك الاعتقاد أنّ المصنّف قال في الإيضاح : وأمّا ما يشعر به ظاهر كلام السّكّاكي في مواضع من كتابه أنّه يكفي أن يكون الجامع باعتبار المخبر عنه ، أو الخبر ، أو قيد من قيودهما ، فهو منقوض بنحو : هزم الأمير الجند يوم الجمعة ، وخاط زيد ثوبه فيه مع القطع بامتناعه ، ولعله سهو منه ، فإنّه صرّح في مواضع أخر منه بامتناع عطف قول القائل : خفّي ضيّق على قوله خاتمي ضيّق ، مع اتّحادهما في الخبر ، انتهى ، فهو كما ترى قد حكم على السّكّاكي بالسّهو في كلامه.

(٣) أي أراد المصنّف إصلاح كلام السّكّاكي.

(٤) أي غيّر المصنّف كلام السّكّاكي إلى ما ترى ، فقول الشّارح : «غيّره» جواب لمّا في قوله : «لمّا اعتقد».

(٥) أي أراد المصنّف بالشّيئين بدل الجملتين ، جنس جزأي الجملتين ليصدق على المسند إليهما والمسندين فيهما معا.

(٦) أي ذكر المصنّف اتّحاد في التّصوّر مع اللّام ، مكان قول السّكّاكي : اتّحاد في تصوّر ما بدون اللّام ، والتّنكير يدلّ على الوحدة ، فيدلّ على أنّه يكفي كون الجامع باعتبار مفرد من مفردات الجملتين مثل الاتّحاد في المخبر عنه ، أو في الخبر ، أو في قيد من قيودهما ، فيصير حاصل كلام السّكّاكي : إنّ الجامع يجب أن يكون بين المفردين من الجملتين ، لأنّ

١٦٤

فوقع الخلل في قوله (١) : الوهميّ أن يكون بين تصوّريهما شبه تماثل أو تضادّ أو شبه تضادّ ، والخيالي أن يكون بين تصوّريهما تقارن في الخيال ، لأنّ التّضادّ (٢) مثلا إنّما هو بين نفس السّواد والبياض لا بين تصوّريهما أعني العلم بهما ، وكذا التّقارن (٣) في الخيال إنّما هو بين نفس الصّور ، فلا بدّ من تأويل كلام (٤) المصنّف ،

________________________________________

لفظ تصوّر بدون اللّام في كلامه من باب المجاز في الكلمة ، فهو بمعنى متصوّر ، كما إنّ عدل في قولنا : زيد عدل ، من هذا القبيل ، فإنّه بمعنى عادل ، والقرينة على هذه المجازيّة قوله : مثل الاتّحاد في المخبر عنه ، أو في الخبر ...

فالمراد من لفظة تصوّر بدون اللّام في كلامه معناه الغير المتعارف ، أعني المعلوم ، لأنّ التّصوّر بمعنى المتصوّر ، لا معناه المتعارف أعني العلم ، وأمّا بناء على التّغيير الّذي أراد المصنّف به الإصلاح ، فيكون المراد من لفظة التّصوّر مع اللّام معناه المتعارف ، أعني العلم لا معناه الغير المتعارف ، أعني المعلوم.

(١) أي فوقع الخلل والفساد في قول المصنّف : «الوهميّ أن يكون ...» ، وكذلك وقع الخلل والفساد في قول المصنّف : «والخيالي أن يكون ...».

(٢) أي لأنّ التّضادّ الّذي جعله جامعا وهميّا «مثلا إنّما هو بين نفس السّواد والبياض» اللّذين هما من قبيل المعلوم «لا بين تصوّريهما ، أعني العلم بهما».

(٣) أي التّقارن الّذي جعله جامعا خياليّا «إنّما هو بين الصور» المخزونة في الخيال لا بين التّصوّرات التي هي العلم بتلك الصّور.

وهذا الخلل لا يرد على السّكّاكي ، لأنّ قوله : «اتّحاد في تصوّر ما» مثل الاتّحاد في المخبر عنه ، ظاهر أنّه أراد بالتّصوّر المتصوّر من باب المجاز على ما سبق.

(٤) أي بأن يقال : إنّه أراد بتصوّريهما مفهوميهما ، وهما الأمران المتصوّران بأن تجعل الإضافة إلى الضّمير بيانيّة.

وحاصله : إنّه أطلق المصدر أعني التّصوّر على الأمر المتصوّر من باب المجاز في الكلمة على ما تقدّم بيانه الآن ، وهو أمر لا ينكر مع وجود العلاقة ، كيف والشّارح نفسه حمل التّصوّر في كلام السّكّاكي على المتصوّر ، حيث قال فيما سبق : «وهذا ج ظاهر في أنّ المراد بالتّصوّر الأمر المتصوّر».

١٦٥

وحمله (١) على ما ذكره السّكّاكي بأن يراد بالشّيئين الجملتان ، وبالتّصوّر مفرد من مفردات الجملة غلط (٢) مع أنّ ظاهر عبارته يأبي ذلك (٣).

________________________________________

(١) أي وحمل كلام المصنّف ، وهذا كلام مستأنف ردّ لما يقال جوابا عن المصنّف من أنّ المصنّف أراد بالشّيئين الجملتين ، وبالتّصوّر مفردا من مفردات الجملة ، كما هو مراد السّكّاكي ، فلا فساد حينئذ في كلام المصنّف ، إذ يرجع كلامه حينئذ إلى ما قاله السّكّاكي ، غاية الأمر يحمل أل في التّصوّر على الجنس لا على العهد.

وحاصل الرّدّ : إنّ هذا الحمل غلط ، لأنّ المصنّف قد ردّ هذا الكلام في الإيضاح على السّكّاكي ، وحمله على أنّه سهو منه ، وقصد بهذا التّعبير إصلاحه ، فكيف يحمل كلام المصنّف على كلامه هذا ، مع أنّ ظاهر عبارة المصنّف يأبى هذا الحمل ، إذ ليس فيها ما يدلّ عليه ، إذ المتبادر من الشّيئين هو شيئان من أجزاء الجملتين لا نفس الجملتين ، وكذلك المتبادر من التّصوّر هو الإدراك والعلم ، لا المدرك والمعلوم ، وبالجملة إنّ المتبادر من الشّيئين شيئين من أجزاء الجملتين لا نفس الجملتين ، والمتبادر من التّصوّر معرّفا باللّام معناه المتعارف ، أعني العلم لا المفرد المعلوم الّذي هو معناه الغير المتعارف.

(٢) لأنّ المصنّف قد ردّ كلام السّكّاكي في الإيضاح ، وحمله على السّهو ، فلا يصحّ حمل كلامه عليه ، كما عرفت.

(٣) أي مع أنّ ظاهر عبارة المصنّف يأبى كون المراد بالتّصوّر المتصوّر لما عرفت من أنّ المتبادر من المعرّف باللّام هو المعنى المصدريّ ، أي العلم لا المعلوم ، وقيل : إنّه لا يتعيّن أن يكون قصد المصنّف بهذا الكلام إصلاح كلام السّكّاكي ، بل يجوز أن يريد نقل كلامه ، وبعبارة أخصر منه ، فلا يبعد أن يريد بالشّيئين الجملتين ، وبالتّصوّر المعلوم التّصوّري ، وقصد بذكره معرّفا الإشارة إلى جنس المعلوم التّصوّري الشّامل لكلّ متصوّر سواء كان مخبرا عنه أو خبرا أو قيدا من قيودهما ، بل حمل كلام المصنّف على هذا المعنى هو المتعيّن ، وإلّا لم يصحّ قوله : ثمّ قال الجامع بين الشّيئين ... ، وذلك لأنّ المصنّف ناقل عن السّكّاكي ، فإذا كان مراده غير المعنى المراد للسّكّاكي لم يصحّ النقل ، إذ كيف ينسب له ما ليس قائلا به.

١٦٦

ولبحث الجامع زيادة تفصيل وتحقيق أوردناها في الشّرح (١) ، وإنّه (٢) من المباحث الّتي ما وجدنا أحدا حام حول تحقيقها.

[ومن محسّنات الوصل (٣)] بعد وجود (٤) المصحّح [تناسب الجملتين في الاسميّة والفعليّة (٥) و] تناسب [الفعليّتين في المضيّ والمضارعة (٦)] ، فإذا أردت مجرّد

________________________________________

(١) أي المطوّل.

(٢) أي ما ذكر من زيادة التّفصيل والتّحقيق «من المباحث الّتي ما وجدنا أحدا حام حول تحقيقها» ، أي رام أطراف تحقيق تلك المباحث.

(٣) أي ومن محسّنات العطف ، لمّا فرغ المصنّف من شرائط العطف أراد أن يشير إلى الصّفات الّتي توجب حسن العطف فقال : ومن محسّنات الوصل ، أي المحسّنات الّتي يتعلّق النّظر فيها بعلم المعاني دون ما يبحث عنها في علم البديع ، فإنّها تذكر فيه ، فالمراد من الوصل هو العطف بين الجملتين ، وأشار بمن في قوله : «من محسّنات» إلى أنّه قد بقي من المحسّنات أمور أخر كالتّوافق في الإطلاق والتّوافق في التّقييد ، كما أشار إليه الشّارح بقوله : «أو يراد في إحداهما الإطلاق ...».

(٤) أي بعد وجود المصحّح للعطف ككونهما متّفقين في الخبريّة والإنشائيّة لفظا ومعنى ، أو معنى فقطّ مع وجود جامع بينهما.

(٥) أي في كونهما اسميّتين أو فعليّتين ، فالياء في اسميّته وفعليّته ليست للنّسبة ، وإنّما هي ياء المصدر أي المصيّرة مدخولها مصدرا.

(٦) أي بأن يكون فعل كلّ منهما ماضيا ، أو يكون فعل كلّ منهما مضارعا ، وقد يقال : إنّ كلام المصنّف ناطق بأنّ رعاية التّناسب حسن مطلقا عند عدم مانع منه ، وليس الأمر كذلك ، فإنّه قد يكون واجبا كما إذا أريد الدّوام فيهما ، أو قصد التجدّد فيهما ، ولكن يمكن الجواب عن ذلك بالنّظر إلى العطف على ما هو مقتضى القواعد الأدبيّة من دون النّظر إلى ما تقتضيه الإرادة والقصد ، فإذا لا مانع من جعل التّناسب محسّنا للكلام باعتبار العطف ، وإن كان واجبا باعتبار قصد الدّوام والثّبات ألا ترى إنّ الإتيان بالصّلاة في المسجد مستحبّ ، ولا ينافي ذلك كونها واجبة في نفسها.

نعم ، إذا كان هناك مانع من ناحية الإرادة ، كما إذا أريد بإحداهما التّجدّد

١٦٧

الإخبار من غير تعرّض للتّجدّد في إحداهما والثّبوت في الأخرى (١) قلت : قام زيد وقعد عمرو ، وكذلك زيد قائم ، وعمرو قاعد (٢) [إلّا (٣) لمانع]

________________________________________

وبالأخرى الدّوام فحينئذ لا مجال لجعل التّناسب محسّنا للكلام ، لكونه صافيا لما هو المراد ، فلا معنى لوقوعه مركزا للاستحسان.

(١) وهذا يشتمل أربع صور : الأولى أن يكون المقصود من الجملتين التّجدّد.

الثّانية : أن يكون هو المقصود من كلّ منهما الثبوت.

الثّالثة : بأن لم يكن شيء منهما مقصودا فيهما.

الرّابعة : بأن يكون شيء منهما مقصودا في إحداهما دون الأخرى.

ففي جميع هذه الصّور التّناسب من محسّنات العطف ، أمّا في الصّورتين الأخيرتين فكونه محسّنا ظاهر ، لأنّ المقصود يحصل بالاختلاف أيضا ، فلا مجال لتوهّم الوجوب ، وأمّا في الصّورتين الأوليين فلمّا ذكرنا من أنّ وجوب اتّفاقهما لتحصيل المقصود أعني التّجدّد أو الثّبوت لا ينافي أن يعدّ محسّنا بالقياس إلى العطف على حسب مقتضى القواعد الأدبيّة ، إذ بالنّظر إليها الاختلاف أيضا جائز ، لأنّ المفروض هو التّكلّم حول المحسّنات بعد الفراغ عن المجوّز ، فصحّ حينئذ أن يقال : قام زيد وقعد عمرو ، سواء أريد التّجدّد في كلّ منهما أو لم يرد في شيء منهما ، أو أريد في إحداهما دون الأخرى.

لا يقال : لا يصحّ التّمثيل بهذين المثالين عند عدم إرادة التّجدّد أو الثّبوت في كلّ منهما ، أو في إحداهما ، لأنّ المثال الأوّل يدلّ على التّجدّد ، والمثال الثّاني يدلّ على الثّبوت لا محالة ، فينافي عدم إرادة التّجدّد في المثال الأوّل ، وعدم إرادة الثّبوت في المثال الثّاني.

لأنّنا نقول في الجواب : إنّ الممثّل هو عدم إرادة التّجدّد أو الثّبوت ، وهذا لا ينافي دلالة الكلام لفظا عليهما ، فإذا كان قصد المتكلّم إفادة مجرّد نسبة المسند إلى المسند إليه من دون قصد الثّبوت ، أو التّجدّد ، بل أراد إفادتها على نحو الطّبيعة المطلقة جاز له أن يأتي بالجملة الفعليّة أو الاسميّة ، فيفيد الكلام ما قصده على كلا التّقديرين ، وإن كان يفيد زائدا عليه الثّبوت أو التّجدّد ، إلّا أنّه غير مراد له.

(٢) أي لا تقول : قام زيد وعمرو قاعد ، ولا عكسه ، أي زيد قائم وعمرو قعد.

(٣) استثناء من تناسب الجملتين ، فمعنى عبارة المصنّف أنّ من محسّنات الوصل تناسب

١٦٨

مثل أن يراد في إحداهما (١) التّجدّد وفي الأخرى الثّبوت ، فيقال : قام زيد وعمرو قاعد (٢) أو يراد في إحداهما المضيّ ، وفي الأخرى المضارعة (٣) فيقال : زيد قام وعمرو يقعد (٤) أو يراد في إحداهما الإطلاق ، وفي الأخرى التّقييد بالشّرط (٥) كقوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ)(١) (٦)].

________________________________________

الجملتين في الاسميّة والفعليّة ... إلّا إذا وجد مانع ، فحينئذ لم يكن من المحسّنات بل تركه منها. وقيل : إنّه استثناء من محذوف ، والتّقدير : أي فلا يترك هذا التّناسب اللّفظي إلّا لمانع يمنع منه فيترك.

(١) أي الجملتين.

(٢) فإنّ الاختلاف فيهما حيث أريد من الجملة الأولى التّجدّد ، ومن الجملة الثّانية مجرّد الإخبار ، وذلك يمنع التّناسب.

قال في الإيضاح : كما إذا كان زيد وعمرو قاعدين ، ثمّ قام زيد دون عمرو ، فيقال : قام زيد وعمرو قاعد ، ويستفاد من ذلك أنّ المراد بالثّبوت هو الدّوام.

(٣) أي لم يقل : وفي الأخرى الاستقبال ، ليشمل ما إذا أريد الحال.

(٤) أي أريد الإخبار بتجدّد القيام لزيد فيما مضى ، والإخبار بتجدّد القعود لعمرو في المستقبل.

(٥) ويستفاد من هذا الكلام أنّ التّوافق في الإطلاق والتّقييد أيضا من محسّنات العطف إلّا لمانع ، وبه يظهر سرّ قول المصنّف حيث أتى بمن المفيد للتّبعيض ، وقال : ومن محسّنات الوصل.

(٦) والشّاهد : إنّ الجملة الثّانية المقرونة بلو الشّرطيّة ، أعني جملة (لَقُضِيَ الْأَمْرُ) عطف على الجملة الأولى ، أعني جملة (وَقالُوا) ، ثمّ الجملة الثّانية المقرونة بلو الشّرطيّة مقيّدة بالشّرط ، أعني (وَلَوْ أَنْزَلْنا) لأنّ الشّرط قيد للجزاء ، والجملة الأولى المقرونة بلو لا التّخصّصيّة مطلقة من الشّرط والجامع بين الجملتين أنّ الأولى تضمّنت على ما يقولون إنّ نزول الملك يكون على تقدير وجوده سبب نجاتهم وإيمانهم ، وتضمّنت الثّانية أنّ نزوله سبب هلاكهم ، وعدم إيمانهم ، والغرض في الجملتين واحد ، وهو بيان ما يكون نزول الملك سببا له من النّجاة أو الهلاك.

__________________

(١) سورة الأنعام : ٨.

١٦٩

ومنه (١) قوله تعالى : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ)(١) ، فعندي (٢) إنّ قوله : (وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) عطف على الشّرطيّة (٣) قبلها لا على الجزاء ، أعني قوله : (لا يَسْتَأْخِرُونَ) ، إذ لا معنى لقولنا : إذا جاء أجلهم لا يستقدمون (٤). [تذنيب (٥)] هو (٦) ، جعل الشّيء ذنابة (٧) ، للشّيء ، شبّه (٨) ، به ذكر بحث الجملة

________________________________________

(١) من باب الإطلاق في إحداهما والتّقييد في الأخرى قوله تعالى : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ).

والشّاهد في هذه الآية : على رأي الشّارح إنّ جملة (وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) المطلقة من الشّرط عطفت على جملة (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ) المقيّدة بالشّرط ، والمعنى حينئذ : لا يستقدمون قبل مجيء الأجل ، ولا يصحّ عطفها على الجزاء أعني (لا يَسْتَأْخِرُونَ) إذ حينئذ يكون قوله (وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) جزاء ، مثل قوله : (لا يَسْتَأْخِرُونَ) فيلزم نفي ما هو معلوم الاستحالة ، لأنّ الوقت الّذي جاء الأجل فيه بالفعل لا يمكن قبله موتهم حتّى ينفى.

(٢) أي لأنّ عندي ، لأنّ الفاء للتّعليل ، فهو علّة لقوله : «ومنه قوله تعالى».

(٣) أي مجموع الشّرط والجزاء كما هو الظّاهر.

(٤) لأنّ الاستقدام إنّما يتصوّر على تقدير عدم مجيء الأجل لا على تقدير مجيئه.

(٥) الفرق بين التّذنيب والتّنبيه اصطلاحا مع اشتراكهما في أنّ كلا منهما متعلّق بالمباحث المتقدّمة أنّ ما يذكر في حيّز التّنبيه هو بحيث لو تأمّل المتأمّل في المباحث المتقدّمة لفهمه منها ، بخلاف التّذنيب ، والتّقدير هذه تذنيب.

(٦) أي التّذنيب بحسب الأصل جعل الشّيء تابعا للشّيء.

(٧) أي بكسر الذّال وضمّها مؤخّر الشّيء ، ومنه الذّنب الّذي هو مؤخّر الحيوان.

(٨) أي شبّه المصنّف «به» ، أي بجعل الشّيء ذنابة للشّيء ، أي شبّه ذكر بحث الجملة الحاليّة عقيب بحث الفصل والوصل بجعل الشّيء ذنابة للشّيء بجامع التّتميم والتّكميل في كلّ أو بجامع إيجاد الشّيء متّصلا بآخر الشّيء اتّصالا يقتضي عدّه من أجزائه.

وحاصل الكلام إنّ المصنّف شبّه في نفسه تعقيب هذا الباب بالبحث عن الجملة الحاليّة ، بجعل الشّيء ذنابة لشيء بجامع التّكميل والتّتميم في كلّ ، إذ كما أنّ جعل الذّنابة لشيء

__________________

(١) سورة الأعراف : ٣٣.

١٧٠

الحاليّة ، وكونها بالواو تارة ، وبدونها أخرى عقيب بحث الفصل والوصل لمكان (١) ، التّناسب [أصل الحال المنتقلة (٢)] ، أي الكثير الرّاجح فيها (٣) ،

________________________________________

تكميل له ، كذلك تعقيب هذا الباب بهذا البحث تكميل له.

ثمّ ترك أركان التّشبيه بحسب التّلفّظ عدا لفظ موضوع للمشبّه به ، وهو تذنيب وأراد به المشبّه ، أي تعقيب باب الفصل والوصل بالبحث عن الجملة الحاليّة على نحو الاستعارة المصرّحة ، هذا هو ظاهر كلام الشّارح ، ولكنّ الإنصاف أنّ هذا من باب سبك المجاز عن المجاز ، فإنّ المراد بالتّذنيب ليس التّعقيب ، بل المراد به الألفاظ المخصوصة المذكورة من هنا إلى باب الإطناب ، والإيجاز ، والمساواة ، كما أنّ المراد بباب الفصل والوصل ذلك.

فإذا أريد بالتّذنيب ابتداء التّعقيب على نحو الاستعارة المصرّحة ، ثمّ أريد به الألفاظ المخصوصة بعلاقة السّببيّة والمسبّبيّة ، فإنّ التّعقيب ذكر ، وهو سبب لتحقّق الألفاظ في الخارج ، فهذا مجاز مرسل مبتني على الاستعارة المصرّحة.

(١) المكان مصدر سمي بمعنى الحدث ، وهو الكون من «كان» التّامّة ، أي لوجود التّناسب بين الجملة الحاليّة والفصل والوصل ، وهو علّة لذكر بحث الجملة الحاليّة عقيب بحث الفصل والوصل ، أي وإنّما ذكر عقب بحث الفصل والوصل لوجود التّناسب بين الجملة الحاليّة والفصل والوصل ، لأنّ اقتران الجملة الحاليّة بالواو شبيه بالوصل ، وعدم اقترانها بها شبيه بالفصل.

فإن قلت : الواو في الوصل عاطفة ، وفي الجملة الحاليّة غير عاطفة ، فلا تناسب بينهما.

قلت : الأصل في واو الحال العطف ، فالمناسبة موجودة بهذا الاعتبار.

(٢) أي الغير اللّازمة لصاحبها المنفكّة عنه.

(٣) أي في الحال المنتقلة ، أي الشّائع الرّاجح في الحال المنتقلة أن تكون بغير واو لموافقة القواعد.

وحاصل ما ذكره في هذا التّذنيب هو تقسيم الجملة الحاليّة إلى أقسام خمسة :

١. ما يتعيّن فيه الواو.

٢. وما يتعيّن فيه الضّمير.

٣. وما يجوز فيه الأمران على السّواء.

١٧١

كما يقال الأصل (١) ، في الكلام الحقيقة [أن تكون يغير واو (٢)] ، واحترز بالمنتقلة عن المؤكّدة (٣) ، المقرّرة لمضمون (٤) الجملة ،

________________________________________

٤. وما يترجّح فيه الضّمير.

٥. وما يترجّح فيه الواو.

(١) أي الكثير الرّاجح فيه أن يكون حقيقة ، والمرجوح أن يكون مجازا ، فليس المراد بالأصل الدّليل والقاعدة ، لأنّ للأصل معان كثيرة ، منها الظّاهر والدّليل والقاعدة والاستصحاب ، وقال بعضهم الأولى أن يراد بالأصل ههنا مقتضى الدّليل ، وذلك بقرينة قوله في مقام التّعليل : لأنّها في المعنى حكم.

(٢) أي مقتضى الدّليل أن تكون الحال بغير واو ، ويسمّى على هذا مقتضى الدّليل أصلا لابتنائه على الأصل الّذي هو الدّليل.

(٣) أي كان الأولى التّعبير باللّازمة أي احترز بالمنتقلة عن اللّازمة لأنّها هي الّتي تقابل المنتقلة ، وأمّا المؤكّدة فهي تقابل المؤسّسة.

لا يقال : يلزم من كونها مؤكّدة أن تكون لازمة ، فصحّت المقابلة نظرا للازم.

لأنّا نقول : نسلّم ذلك ، إلّا أنّ اللّازمة أعمّ من المؤكّدة ، مثلا : هذا أبوك عطوفا ، الحال في هذا المثال لازمة ، وليست بمؤكّدة ، فمقتضى ذلك أن تكون الحال اللّازمة غير المؤكّدة ، ولا يحصل الاحتراز عنها بالمنتقلة.

(٤) أراد بالمضمون ما تضمّنته واستلزمته الجملة قبلها ، وذلك كما في قولك : هذا أبوك عطوفا ، فإنّ الجملة الأولى تقتضي العطوفة فلذا كان قوله : عطوفا ، تأكيدا ، وليس المراد بالمضمون المصدر المتصيّد من الجملة كما هو الظّاهر ، لأنّ مضمون هذه الجملة أبوّة زيد ، وهي غير العطوفة ، وكان الأولى للشّارح أن يحذف قوله : «لمضمون الجملة» لأجل أن يشمل كلامه المؤكّدة لعاملها ، نحو : (وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً)(١) ، والمؤكّدة لصاحبها نحو : (لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً)(٢) ، حيث يكون قوله : (رسولا) مؤكّدا ل (وَأَرْسَلْناكَ) ، وهو العامل ، و (جَمِيعاً) مؤكّدا لقوله : (كُلُّهُمْ) ، وهو صاحب الحال.

__________________

(١) سورة النّساء : ٧٩.

(٢) سورة يونس : ٩٩.

١٧٢

فإنّها يجب أن تكون بغير واو البتّة (١) ، لشدّة ارتباطها بما قبلها (٢) ، وإنّما كان الأصل في المنتقلة الخلوّ عن الواو [لأنّها في المعنى (٣) حكم (٤) على صاحبها كالخبر (٥)] بالنّسبة إلى المبتدأ (٦) ، فإنّ قولك : جاء زيد راكبا ، إثبات (٧) الرّكوب لزيد ، كما في : زيد راكب ، إلّا أنّه (٨)

________________________________________

(١) أي قطعا ودائما ، لا أنّ ذلك فيها كثير ، ومثال ذلك كقولك : زيد أبوك عطوفا.

(٢) أي بحيث يصيران كالشّيء الواحد ، ولذا لا يبحث عنها في هذا الباب.

والحاصل إنّ الحال المؤكّدة لظهور ارتباطها بالمؤكّدة لا يحتاج فيها إلى ربط بالواو ، فلا يبحث عنها في هذا الباب ، فلذا احترز المصنّف عنها بالتّقييد بالمنتقلة.

(٣) أي لأنّ الحال في المعنى حكم على صاحبها لا في اللّفظ ، لأنّ الحكم في اللّفظ إنّما يكون بالمسند.

(٤) أي أمر محكوم به على صاحبها ، وذلك لأنّك إذا قلت : جاء زيد راكبا ، أفاد ذلك أنّ زيدا ثبت له المجيء حال وصفه بالرّكوب ، وفي ضمن ذلك أنّ الرّكوب ثابت له ، وحينئذ فالرّكوب محكوم به على زيد لثبوته له ، وإنّما قال في المعنى ، لأنّ الحال في اللّفظ غير محكوم بها لأنّها فضلة يتمّ الكلام بدونها.

(٥) أي كما أنّ الخبر حكم على المبتدأ في اللّفظ والمعنى.

(٦) فإنّ المبتدأ محكوم عليه في المعنى ، بل في اللّفظ أيضا ، فالغرض من التّشبيه إفادة مماثلة الحال للخبر من جهة أنّ كلا محكوم به في المعنى على صاحبه ، وإن كان الخبر محكوما به في اللّفظ أيضا.

(٧) وكان الأولى أن يقول : فإنّ قولك : جاء زيد راكبا ، معناه إثبات الرّكوب لزيد.

وكيف كان فحاصل ما ذكره الشّارح أنّ كلا من الحال والخبر يقتضي الكلام كونه ثابتا عارضا لمعروض ، فهما متساويان في ذلك ، ومختلفان في أنّ المقصود الأصلي من التّركيب بالنّسبة للخبر ثبوته للمبتدأ ، بخلاف الحال فليس ثبوته لصاحبه مقصودا من التّركيب ، بل المقصود ثبوت أمر آخر له كالمجيء في المثال ، وجيء بالحال قيدا ليهون ذلك الأمر وهو المجيء فيستفاد ثبوت الحال بطريق اللّزوم العرضي.

(٨) أي إثبات الرّكوب في الحال.

١٧٣

في الحال على سبيل التّبعيّة (١) ، وإنّما المقصود إثبات المجيء ، وجئت بالحال لتزيد في الإخبار عن المجيء هذا المعنى (٢) ، [ووصف له (٣)] ، أي ولأنّها في المعنى (٤) وصف لصاحبها [كالنّعت (٥)] ، بالنّسبة للمنعوت ، إلّا أنّ المقصود (٦) في الحال كون

________________________________________

(١) أي ولم يقصد ابتداء ، وإنّما يحصل في ضمن غيره ، وإنّما المقصود بالإخبار هو إثبات المجيء.

(٢) مفعول تزيد في قوله «لتزيد» بصيغة الخطاب ، والمراد بهذا المعنى إثبات الرّكوب.

لا يقال : إنّ هذا الكلام الّذي ذكره الشّارح مخالف لما هو مقرّر من أنّ الكلام إذا اشتمل على قيد زائد على مجرّد الإثبات والنّفي كان ذلك القيد هو الغرض الأصلي والمقصود بالذّات من الكلام ، والحال من جملة القيود.

لأنّا نقول : إنّ الحكم على الحال هنا بأنّها غير مقصودة بالذّات من حيث إنّها فضلة يستقيم الكلام بدونها ، والمسند هو المقصود بالذّات من حيث إنّه ركن لا يستقيم الكلام إلّا به ، وذلك لا ينافي أنّ المقصود بالذّات من التّركيب للبليغ هو القيد.

(٣) أي لصاحبها ، لأنّ الكلام يقتضي اتّصاف صاحبها بها حالة الحكم ، لتكون قيدا له ، فصارت في اتّصاف صاحبها كالنّعت.

(٤) إنّما قيّد بالمعنى ، لأنّها ليست لصاحبها في اللّفظ بل حال.

(٥) أي في الوصفيّة ، وإن كان النّعت وصفا للمنعوت في اللّفظ والمعنى.

(٦) هذا الكلام من الشّارح إنّما هو لبيان الفرق بين الحال والنّعت.

وحاصله : إنّ الحال والنّعت وإن اشتركا في أن كلا منهما وصف لموصوف ، وقيد لمقيّد في المعنى ، إلّا أنّهما يفترقان من جهة أنّ القصد من الحال جعلها قيدا لحكم صاحبها ، لاقتران الحال مع الحكم في صاحب الحال.

فإذا قلت : جاء زيد راكبا ، أفاد أنّ زيدا موصوف بالمجيء ، وأنّ اتّصافه بذلك المجيء إنّما هو في حال اتّصافه بالرّكوب ، بخلاف النّعت فإنّ المقصود منه جعله قيدا لذات المحكوم عليه ، لا قيدا للحكم.

وكيف كان فإذا كانت الحال مثل الخبر والنّعت ، فكما أنّ الخبر والنّعت يكونان بدون الواو ، ولو كانا من جنس الجملة ، لا من جنس المفرد ، فكذلك الحال ينبغي أن تكون بدون الواو.

١٧٤

صاحبها على هذا الوصف (١) حال مباشرة الفعل (٢) ، فهي قيد للفعل وبيان (٣) لكيفيّة وقوعه بخلاف النّعت ، فإنّه لا يقصد به ذلك (٤) ، بل مجرّد اتّصاف المنعوت به (٥) ، وإذا كانت الحال مثل الخبر والنّعت (٦) ، فكما أنهما يكونان بدون الواو فكذلك الحال.

________________________________________

فإذا قلت : جاء زيد العالم ، فالمقصود تقييد نفس ذات زيد بالعلم ، لا تقييد حكمه الّذي هو المجيء.

(١) أي الرّكوب في المثال المذكور.

(٢) أي الحدث سواء دل عليه بفعل أو وصف.

(٣) أي مبيّن لكيفيّة وقوع الفعل ، أي لصفته الّتي وقع عليها.

(٤) أي كون الموصوف على هذا الوصف حال مباشرة الفعل ، وبعبارة أخرى : لا يقصد بالنّعت التّقييد بحال مباشرة الفعل ، بل مطلقا ، وعلى كلّ حال وزمان.

(٥) أي بل المقصود بالنّعت هو مجرّد اتّصاف المنعوت بذلك النّعت ، من دون ملاحظة أن المنعوت مباشر للفعل ، أو غير مباشر له ، لأنّ المقصود منه بيان حصول هذا الوصف لذات الموصوف من غير نظر إلى كونه مباشرا للفعل ، أو غير مباشر له ، ولهذا جاز أن يقع نحو الأسود ، والأبيض ، والطّويل ، والقصير ، وما أشبّه ذلك ، من الصّفات الّتي لا انتقال فيها نعتا ، لا حالا ، وبالجملة كما أنّ حقّ الخبر والنّعت أن يكونا بدون الواو فكذا الحال.

(٦) أي إذا كانت الحال من صاحبها في المعنى بمنزلة الخبر ، والنّعت من المبتدأ والمنعوت ، فكما أنّ الخبر والنّعت يكونان بدون الواو فكذلك الحال تكون بدون الواو فقوله : «وإذا كانت الحال» ، إشارة إلى مقدّمة هي صغرى مأخوذة من المتن ، وقوله : «فكما أنّهما يكونان بدون الواو» إشارة إلى مقدّمة هي كبرى محذوفة من المصنّف ، وقوله : «فكذلك الحال» إشارة إلى النّتيجة المحذوفة.

وبالجملة كما أنّ من حق الخبر والنّعت أن يكونا بدون الواو ، فكذلك الحال والمناط في هذا لقياس أنّ الخبر والمبتدأ متّحدان خارجا ، ولهما مصداق واحد ، وكذلك النّعت والمنعوت ، وهذا المناط موجود في الحال وصاحبها ، فلأجل هذا الاتّحاد اللّبّي لا حاجة في جميعها إلى الواو الموضوعة للرّبط بين الشّيئين.

نعم ، لما كانت الحال من حيث اللّفظ فضلة فقد تخالف هذا الأصل وتجيء مع الواو ، كما

١٧٥

وأمّا ما (١) ، أورده بعض النّحويّين من الأخبار ، والنّعوت المصدّرة بالواو ، كالخبر في باب كان ، والجملة الوصفيّة المصدّرة الّتي تسمّى واو تأكيد لصوق الصّفة بالموصوف ، فعلى (٢) سبيل التّشبيه والإلحاق بالحال.

________________________________________

إذا كانت جملة فإنّها مستقلة لا تقتضي الرّبط بالغير ، والحال أنها عند وقوعها حالا فضلة لا عمدة ، فمقتضى ذلك الإتيان بالواو ، وإن كان الاجتزاء بالضّمير أيضا لا مانع منه ، وسيأتي بيان ذلك مفصّلا فانتظر.

(١) جواب عن الإيراد ، والوارد على الكبرى القائلة بأن الخبر والنّعت يكونان بدون الواو ، وتقريب الإيراد أنّ الخبر والنّعت قد يكونان مع الواو أيضا ، فبطل قولكم : إنّ الحال مثل الخبر والنّعت ، فكما أنهما يكونان بدون الواو ، فكذلك الحال أمّا مجيء الخبر مع الواو ، فكخبر باب كان من الأفعال النّاقصة ، كقول الحماسي :

فلما صرّح الشّرّ

فأمسى وهو عريان

ولم يبق سوى العدوان

دنّاهم كما دانوا

والشّاهد في قوله : (وهو عريان) فإنّه خبر (أمسى) ، وقد دخل عليه الواو ، فالجملة الخبريّة تكون مع الواو.

وأمّا مجيء الجملة الوصفيّة ، فكقوله تعالى : (فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ)(١) ، وقوله تعالى : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها)(٢) ، فإنّ الجملة الّتي دخلت عليها الواو في الآيتين عند صاحب الكشاف صفة للنّكرة ، والواو زائدة دخولها ، وعدم دخولها على حدّ سواء ، وفائدتها تأكيد وصل الصّفة بالموصوف ، إذ الأصل في الصّفة مقارنة الموصوف ، فهذه الواو أكّدت اللصّوق ، والوصل بالموصوف.

(٢) جواب ما في قوله : «وأمّا ما أورده» ، وحاصل الجواب : إنّ مجيء الخبر والنّعت إنّما هو على سبيل التّشبيه بالحال ، لا على سبيل الأصالة لأنّ الحال قد تقترن بالواو ، وفي بعض الأحيان فيقترن كلّ واحد من الخبر والنّعت بالواو ، وتشبيها لهما بالحال ،

__________________

(١) سورة الحجر : ٤.

(٢) سورة البقرة : ٢٥٩.

١٧٦

[لكن خولف] هذا الأصل (١) [إذا كانت] الحال (٢)] جملة (٣) فإنّها] أي الجملة الواقعة حالا [من حيث (٤) هي جملة مستقلّة بالإفادة] من غير (٥) أن تتوقّف على التّعليق (٦) بما قبلها ، وإنّما قال من حيث هي جملة لأنّها من حيث هي حال غير مستقلّة ، بل متوقّفة على التّعليق (٧) بكلام سابق قصد تقييده بها [فتحتاج] الجملة الواقعة حالا [إلى ما يربطها بصاحبها]

________________________________________

وإلحاقا لهما بها وجه الشبّه كون الجميع حكما في المعنى لصاحبها ، على أن قوله : (وهو عريان) لا يتعيّن للخبريّة ، بل يجوز حمل (أمسى) على التّام ، وحمل جملة (وهو عريان) على الحاليّة ، وكذلك في الآيتين حيث يكون قوله تعالى : (وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ) ، وقوله تعالى : (وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) حالا عن (قَرْيَةٍ).

(١) أي كون الحال بغير واو كما في الخبر والنّعت ، وذلك بأن تكون بالواو.

(٢) أي الحال المتقدّمة ، وهي المنتقلة.

(٣) أي اسميّة أو فعليّة ، والفاء في قوله : «فإنّها» للتّعليل.

(٤) الحيثيّة هي للتّقييد ، وقوله : «مستقلّة بالإفادة» خبر «أنّ» في قوله : «فإنّها».

ومعنى العبارة : لأنّ الجملة الواقعة حالا مستقلة بالإفادة من حيث كونها جملة ، ولازم ذلك الاستقلال أنّها تحتاج إلى رابط يربطها بما قبلها ، وإنّما كانت الجملة المذكورة مستقلّة بالإفادة من حيث كونها جملة ، لأنّ الجملة وضعت لتفيد فائدة يحسن السّكوت عليها بناء على القول بوضع المركّبات ، أو استعملت لتفيد ما ذكر بناء على مقابله.

والحاصل إنّ الجملة الحاليّة وجدت فيها جهتان ، جهة كونها جملة ، وهذه الجهة هي الأصل في الجملة الحاليّة ، وجهة كونها حالا وهي عارضة ، والجهة الأولى توجب احتياجها لما يربطها بما قبلها ، دون الجهة الثّانيّة.

(٥) هذا تفسير للاستقلال.

(٦) أي الارتباط ، فلا تحتاج إلى ما يربطها من الجهة الثّانيّة.

(٧) أي بل متوقّفة على الارتباط بكلام سابق على الحال قصد تقييد ذلك الكلام بالجملة الحاليّة.

١٧٧

الّذي جعلت (١) حالا عنه [وكلّ من الضّمير والواو صالح للرّبط (٢) ، والأصل] الّذي (٣) لا يعدل عنه ما لم تمسّ (٤) حاجة إلى زيادة ارتباط [هو الضّمير بدليل] الاقتصار عليه (٥) في الحال [المفردة والخبر والنّعت ، فالجملة (٦)] الّتي تقع حالا [إن خلت (٧)

________________________________________

(١) أي جعلت تلك الجملة حالا عنه ، وهي تحتاج إلى الرّابط بسبب كونها جملة مستقلّة من حيث هي جملة.

(٢) أي وكلّ واحد من الضّمير والواو صالح لربط الجملة الحاليّة بصاحبها ، وأمّا الضّمير فلكونه عبارة عن المرجع ، وأمّا الواو فلكونها موضوعة لربط ما قبلها بما بعدها ، أو هي في أصلها للجمع ، كما قيل : إنّ أصل هذه الواو الحاليّة هي العاطفة ، واختلف فيما هو الأصل ، والأقوى في الرّبط ، هل هو الضّمير ، أو الواو ، فقيل : الواو ، لأنّها موضوعة له ، وقيل : هو الضّمير لدلالتّه على المربوط به ، وإليه أشار بقوله : «والأصل» هو الضّمير.

(٣) أي الّذي لا ينبغي العدول عنه لكثرته ، والمراد بالأصل هنا هو الكثير الرّاجح في الاستعمال ، لا الأصل في الوضع ، والمراد لا يعدل عنه في نظر البلغاء وإلّا فكثيرا ما يقرّرون في العربيّة جواز الأمرين.

(٤) أي فإن مسّت الحاجة إلى زيادة الرّبط فيعدل عنه حينئذ إلى الواو ، لأنّ الرّبط بها أقوى ، لما مرّ من أنها موضوعة للرّبط ، ويحتمل أن يكون المراد الإتيان بهما إذا مسّت الحاجة إلى زيادة الرّبط.

(٥) أي على الضّمير في الحال المفردة ، أي إنّ الرّبط في الحال المفردة يكون بالضّمير دون الواو ، كقولك : جاء زيد راكبا ، وكذا في الخبر ، ولو كان جملة ، كقولك : زيد أبوه قائم ، وكذا في النّعت ، كقولك : مررت برجل أبوه فاضل.

فقد تبيّن أنّ الرّبط بالضّمير أكثر موردا فدلّ ذلك على أنّه الأصل فيما يحتاج إلى الرّبط ، إلّا أن يقال إنّ الضّمير في الحال المفردة ليس للرّبط ، لأنّ الحال المفردة لا تحتاج لرابط ، بل لضرورة الاشتقاق ، لأنّ كلّ مشتق يتحمّل الضّمير ، فالدّليل لم ينتج المطلوب.

(٦) هذا شروع في تفصيل محلّ انفراد الواو والضّمير ، ومحلّ اجتماعهما.

(٧) أي هذا في قوّة قضيّة كلّيّة قائلة : كلّ جملة أريد جعلها حالا وخلت عن ضمير صاحبها وجب ربطها بالواو ، ومعنى قوله «إن خلت عن ضمير صاحبها» ، أي بأن لم يوجد فيها

١٧٨

عن ضمير صاحبها] الّذي (١) تقع هي حالا عنه [وجب] فيها [الواو] ليحصل الارتباط (٢) ، فلا يجوز (٣) خرجت زيد قائم ، ولما ذكر (٤) أنّ كلّ جملة خلت عن الضّمير وجبت فيها الواو ، أراد أن يبيّن أنّ أيّ جملة يجوز ذلك فيها ، وأيّ جملة لا يجوز ذلك ، فقال : [وكلّ جملة خالية عن ضمير ما] أي الاسم الّذي [يجوز أن ينتصب عنه (٥) حال] وذلك (٦) بأن يكون (٧) فاعلا

________________________________________

ضمير لا لفظا ولا تقديرا.

(١) هذا بيان لصاحب الحال لا تقييد له.

(٢) أي ليحصل الرّبط بين الجملة الحاليّة وبين صاحبها ، بأن تكون مرتبطة به غير منقطعة عنه.

(٣) أي فلا يجوز بدون الواو ، بل يقال : خرجت وزيد قائم ، مع الواو ، والمعنى زيد قائم وقت خروجي.

فإن قلت : ما هو الفارق بين الجملة الحاليّة وبين الخبريّة والنّعتيّة ، حيث احتيج في الحاليّة إلى الرّبط بالواو ولم يجز فيهما.

قلت : الفرق أنّ الخبريّة جزء من الجملة ، وذلك كاف في الرّبط فلم تناسبها الواو والّتي أصلها للعطف الّذي لا يكون في الخبر ، وأنّ النّعتيّة تدل على معنى في المنعوت فصارت كأنّها من تمامه ، فلم تناسبها الواو ، وأيضا فاكتفى فيهما بالضّمير ، بخلاف الحاليّة ، فإنّها لكونها فضلة مستغنى عنها في الأصل تحتاج إلى رابط ، فإن لم يوجد الضّمير تعينت الواو.

(٤) أي لما ذكر المصنّف ، وبيّن وجوب الواو في الخالية عن الضّمير إذا كانت حالا ، وليست كلّ جملة خالية عن الضّمير تقع حالا حتّى تجب الواو ، بل من الجمل الخالية عن الضّمير ما يصحّ أن تقع حالا ، ومنها ما لا يصحّ ، أراد المصنّف «أن يبيّن أنّ أيّ جملة يجوز ذلك فيها» ، أي أنّ أيّ جملة يجوز أن تقع حالا بالواو ، وأيّ جملة لا يجوز أن تقع حالا بالواو ، كالمضارع كما سيأتي ، فالمشار إليه بقوله : «ذلك» ، هو الرّبط بالواو مع عدم الضّمير.

(٥) أي يجوز أن يصير صاحب حال كالفاعل والمفعول.

(٦) أي جواز الانتصاب.

(٧) أي بأن يكون الاسم فاعلا ، كزيد في قولك : جاء زيد ، فإنّه يصحّ أن يجيء منه حال ،

١٧٩

أو مفعولا (١) معرّفا أو منكّرا مخصوصا (٢) ، لا نكرة محضة ، أو مبتدأ ، أو خبرا ، فإنّه لا يجوز أن ينتصب عنه (٣) حال على الأصحّ ، وإنّما لم يقل (٤) عن ضمير صاحب الحال ، لأنّ قوله : كلّ جملة ، مبتدأ ،

________________________________________

فإذا أتيت بجملة خلت عن ضميره ، نحو : عمرو يتكلّم ، جاز أن تقع هذه الجملة حالا عنه ، مقترنة بالواو وجوبا ، فيقال : جاء زيد وعمرو يتكلّم ، فجملة (عمرو يتكلّم) حال عن زيد ، والرّابط هو الواو.

(١) أي بأن يكون الاسم مفعولا حقيقة ، أو تقديرا ، أو تأويلا ، كقولك : رأيت زيدا ، في المفعول الحقيقي ، وهذا زيد ، في المفعول التّقديري ، إذ هذا زيد في التّقدير أعني زيدا بالإشارة ، فزيد في المثالين اسم يصحّ أن يجيء منه الحال ، فإذا أتيت بجملة خلت عن ضميره ، كقولك : رأيت زيدا عمرو يتكلّم ، وهذا زيد عمرو يتكلّم ، جاز أن تقع هذه الجملة حالا بالواو ، بأن تقول : رأيت زيدا وعمرو يتكلّم ، وهذا زيد وعمرو يتكلّم ، أي رأيته أو أشرت إليه في حال كون عمرو يتكلّم.

(٢) أي مخصوصا بالنّعت ، أو بالإضافة ، أو بوقوعه بعد النّفي ، أو شبهه من النّهي والاستفهام ، كقولك : هل مررت برجل راكبا ، والتّعميم في قوله : «معرّفا أو منكّرا مخصوصا» راجع إلى كلّ من الفاعل والمفعول ، والمراد بنكرة محضة خالية من التّخصيص بما ذكر.

(٣) أي عمّا ذكر ، أعني نكرة محضة ، ومبتدأ وخبر ، فلا تجيء الحال من واحد منها أصلا ، ثمّ إنّ عدم وقوع الحال عن المبتدأ والخبر والنّكرة المحضة ، إنّما هو على قول المشهور ، وأمّا سيبويه فقال بمجيء الحال عنها ، وتبعه على ذلك غير واحد من النّحويّين.

(٤) هذا جواب عن سؤال مقدّر ، تقدير السّؤال أنّه كان على المصنّف أن يقول عن ضمير صاحب الحال ، بدل قوله : «عن ضمير ما يجوز» ، لكونه أوضح وأخصر ، فلماذا عدل عنه ، وقال : «عن ضمير ما يجوز أن ينتصب عنه حال».

وحاصل الجواب أنّه لو قال : عن ضمير صاحب الحال ، لزم جعله صاحب حال قبل تحقّق الحال ، وهو مجاز ، والحقيقة أولى لأصالتها ، ووجه المجاز أنّ الإخبار في هذا التّركيب إنّما هو بالصّحّة الّتي لا تستلزم الوقوع ، وما دام لم يحصل وقوعها حالا لا يسمّى ما يجوز انتصاب الحال عنه صاحب الحال إلّا على سبيل مجاز الأول.

١٨٠