دروس في البلاغة - ج ٣

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في البلاغة - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٣

[ويسمّى الفصل (١) لذلك] أي لكونه (٢) جوابا لسؤال اقتضته الأولى [استئنافا ، وكذا (٣)] الجملة [الثّانية] نفسها أيضا تسمّى استئنافا ومستأنفة [وهو] أي الاستئناف [ثلاثة أضرب ، لأنّ (٤) السّؤال] الّذي تضمّنته الأولى [إمّا عن سبب الحكم (٥) مطلقا (٦) نحو :

________________________________________

الرّبط ، ولم يعتبر تشبيهها بالسّؤال ، ولا تشبيه الاستئناف بالجواب.

(١) أي الّذي هو ترك العطف.

(٢) أي لكون الثّاني جوابا لسؤال اقتضته الأولى ، وفي بعض النّسخ لكونها جوابا لسؤال اقتضته الأولى ، أي لكون الثّانية جوابا لسؤال اقتضته الأولى ، أي يسمّى الفصل لذلك «استئنافا» من باب تسمية اللّازم باسم الملزوم ، لأنّ الاستئناف الّذي هو الإتيان بكلام مستقلّ في نفسه يستلزم قطعه عمّا قبله ، فيكون القطع والفصل لازما للاستئناف ، والاستئناف ملزوم لهما.

وكيف كان فالاستئناف عند أرباب المعاني ما يكون جوابا عن سؤال مقدّر ، وأمّا عند النّحاة فالمستأنفة هي الجملة الّتي وقعت في الابتداء ، سواء كانت جوابا عن سؤال مقدّر أم لا.

(٣) أي وكذا تسمّى الجملة الثّانية نفسها استئنافا تسمية للشّيء باسم ما يتعلّق به ، فإنّ الاستئناف متعلّق بالثّانية ، وحال من أحوالها ، لذلك يقال فيها مستأنفة أيضا.

(٤) علّة لانحصار الاستئناف في ثلاثة أضرب ، أي انحصار الاستئناف عليها «لأنّ السّؤال ...» وحاصله : إنّ المبهم على السّامع إمّا سبب الحكم الكائن في الأولى على الإطلاق ، وإمّا سبب خاصّ ، وإمّا غير السّبب ، ممّا يتعلّق بالجملة فيسأل على كلّ تقدير عن مجهوله ، ولا يحتمل الشّقّ الرّابع ، وسيأتي تفصيل ذلك ، فانتظر.

(٥) أي المحكوم به الكائن في الجملة.

(٦) الظّاهر أنّ قوله : «مطلقا» حال من السّبب ، أي حال كون السّبب مطلقا ، أي لم ينظر فيه لتصوّر سبب معيّن ، بل لمطلق سبب ، وذلك لكون السّامع يجهل السّبب من أصله ، وذلك بأن يكون التّصديق بوجود سبب ما حاصلا للسّائل ، والمطلوب بالسّؤال تصوّر حقيقة السّبب ، كما قاله في البيت المذكور ، فإنّ التّصديق بوجود العلّة يوجب التّصديق بوجود سبب ما ، إلّا أنّه جاهل حقيقته ، فيطلب بما شرح ماهيته ، ولذا يسأل بما ، ويقال : مالك عليلا ، والتّصديق الحاصل بوجود سبب معيّن من الجواب ضمنيّ ليس مقصودا للسّائل.

١٠١

قال لي : كيف أنت؟ قلت : عليل (١)

سهر (٢) دائم وحزن طويل

أي ما بالك عليلا (٣)؟ أو ما سبب علّتك (٤)؟] بقرينة العرف (٥) والعادة ، لأنّه (٦) إذا قيل : فلان مريض ، فإنّما يسأل عن مرضه (٧) وسببه ، لا أن يقال (٨) : هل سبب علّته كذا وكذا ،

________________________________________

(١) خبر لمبتدأ محذوف ، أي أنا عليل ، وهذه الجملة جواب للسّؤال.

(٢) مصدر سهر ، سهر فلان ، أي لم ينم ليلا ، «دائم» صفة لسهر ، النّعت والمنعوت خبر لمبتدأ محذوف ، أي هو ، أي سبب علّتي سهر دائم.

والشّاهد في البيت : ترك عطف قوله : «سهر دائم» على ما قبله لما بين الجملتين من شبه كمال الاتّصال ، حيث إنّ قوله : «سهر دائم» جواب عن سؤال عن سبب مطلقا ، وقد تضمّنته الجملة الأولى ، فبينهما شبه كمال الاتّصال.

(٣) أي ما حالك عليلا ، أي حال كونك عليلا ، ولا شكّ أنّ السّؤال عن حال المريض بعد العلم بكونه مريضا إنّما يكون عن تعيين سبب المرض والعلّة ، يعني أنّ أيّة مهيّة من المهيّات الّتي أوجب المرض والعلّة أوجبت علّتك ، فالمعنى ما سبب علّتك.

(٤) هذا تنويع في التّعبير ، والمعنى واحد لأنّ كلّا من التّعبيرين يفيد السّؤال عن سبب المرض والعلّة ، إلّا أنّ التّعبير الأوّل يفيده بالتّلويح ، والثّاني يفيده بالتّصريح.

(٥) أي إنّما كان السّؤال عن السّبب المطلق لا عن السّبب الخاصّ بقرينة العرف ، وإضافة القرينة إلى العرف بيانيّة ، ثمّ عطف «العادة» على «العرف» إشارة إلى أنّ المراد من العرف هو العرف العادي ، فالمعنى أنّ العادة العرفيّة جرت على أنّه إذا قيل فلان عليل ، أن يسأل عن سبب مرضه وعلّته.

(٦) علّة كون السّؤال عامّا لا خاصّا.

(٧) أي يسأل عن سبب مرضه بتقدير مضاف ، فيكون عطف «سببه» على «مرضه» عطف تفسير.

(٨) أي لا يسأل عن سبب خاصّ بأن يكون السّامع عالما بجملة من الأسباب إلّا أنّه لا يعلم ما هو سبب المرض منها معيّنا ، فيتردّد في تعيين أحدها ، أي ليس الأمر كذلك ، ليكون السّؤال عن السّبب الخاصّ ، بل لم يتصوّر السّامع من قول القائل : فلان مريض ، إلّا مجرّد المرض

١٠٢

لا سيّما السّهر والحزن (١) ، حتّى (٢) يكون السّؤال عن السّبب الخاصّ [وإمّا عن سبب خاصّ (٣)] لهذا الحكم (٤) [نحو : (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ)(١) (٥) كأنّه قيل : هل النّفس أمّارة بالسّوء] ، فقيل (٦) : إنّ النّفس لأمّارة بالسّوء ، بقرينة (٧) التّأكيد ،

________________________________________

ويبقى السّبب مجهولا ، فحينما يقول : ما سبب مرضه؟ يطلب بما الشّارحة الّتي هي لطلب التّعيين والتّصوّر يطلب تعيين ما هو السّبب وشرحه لكونه جاهلا به.

نعم ، الجواب عن ذلك السّؤال سبب خاصّ ، إنّما هو لمكان أنّ مطلوبه التّصوّري يحصل به ، لا أنّه هو مطلوب من السّؤال ، حتّى يكون السّؤال عن السّبب الخاصّ ، فيكون السّؤال عن السّبب مطلقا.

(١) أي خصوصا السّهر والحزن ، فإنّه قلّما يقال : هل سبب مرضه السّهر والحزن؟ فهما أولى بعدم السّؤال ، لأنّهما من أبعد أسباب المرض ، وحينئذ فلا يقال في السّؤال : هل سبب علّته ومرضه السّهر أو الحزن حتّى يكون السّؤال عن السّبب الخاصّ ، إذ لا يتصوّر سببيّتهما للمرض حتّى يسأل عنهما ، فيكون السّؤال في البيت عن السّبب المطلق.

(٢) هذا تفريع إلى المنفيّ ، أعني يقال : هل سبب علّته ...

(٣) أي وإمّا يسأل السّائل عن سبب خاصّ ، بأن يكون عالما بأسباب خاصّة للحكم ، وكان محتملا بأنّ الموجود في المقام أحد منها احتمالا قويّا فيسال عنه هل هو سبب الحكم أم لا؟

(٤) أي الحكم الكائن في الجملة الأولى كعدم التّبرئه في الآية المباركة ، فالمراد بالحكم المحكوم به ، لكن من حيث انتسابه إلى المحكوم عليه.

(٥) فقول يوسف عليه‌السلام (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي) منشأ للسّؤال المقدّر ، وهو هل النّفس مجبولة على الأمر بالسّوء! حتّى لا براءة عنها ، فأجاب : نعم ، إنّ النّفس آمرة بالسّوء ، فيكون قوله : (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) الاستئناف ، والجواب عن ذلك السّؤال المقدّر.

(٦) أي فقيل في الجواب : إنّ النّفس لأمّارة بالسّوء.

(٧) أي إنّ السّؤال عن سبب خاصّ بقرينة التّأكيد بإنّ واللّام واسميّة الجملة ، لأنّ الجواب عن السّؤال عن مطلق السّبب لا يؤكّد ، لأنّ السّؤال عن السّبب المطلق لطلب التّصوّر والتّأكيد إنّما يجيء فيما إذا كان السّؤال لطلب الحكم لا لطلب التّصوّر.

__________________

(١) سورة يوسف : ٥٣.

١٠٣

فالتّأكيد دليل على أنّ السّؤال عن السّبب الخاصّ ، فإنّ الجواب عن مطلق السّبب لا يؤكّد (١) [وهذا الضّرب (٢) يقتضي تأكيد الحكم (٣)] الّذي هو في الجملة الثّانية ، أعني الجواب ، لأنّ السّائل متردّد في هذا السّبب الخاصّ هل هو سبب الحكم أم لا.

[كما مرّ (٤)] في أحوال الإسناد الخبريّ ، من أنّ المخاطب إذا كان طالبا متردّدا حسن تقوية الحكم بمؤكّد (٥) ، ولا يخفى (٦) أنّ المراد الاقتضاء استحسانا لا وجوبا والمستحسن في باب البلاغة بمنزلة الواجب (٧).

________________________________________

(١) لأنّه تصوّر لا تصديق حتّى يمكن تأكيده كما ذكرنا.

(٢) أي هذا النّوع الثّاني من السّؤال ، وهو السّؤال عن سبب خاص للحكم الكائن في الجملة الأولى ، أو المراد هذا الضّرب من الاستئناف من حيث السّؤال يقتضي تأكيد الحكم.

(٣) أي الحكم الكائن في الجملة الثّانية الّتي هي جواب عن السّؤال المقدّر التّصديقيّ ، أي قيد تردّد في النّسبة بعد تصوّر الطّرفين ، فتكون الجملة الثّانية مؤكّدة للنّسبة.

(٤) الكاف تعليليّة ، أي بسبب ما مرّ في أحوال الإسناد الخبريّ.

(٥) أي بمؤكّد واحد أو أكثر كما في الآية المباركة.

(٦) هذا الكلام من الشّارح دفع لتوهّم.

توضيح التّوهّم : إنّ الشّارح يقول بحسن تقوية الحكم بمؤكّد ، وهذا ينافي كلام المصنّف حيث قال : وهذا الضّرب يقتضي تأكيد الحكم ، وهذا التّعبير من المصنّف ظاهر في وجوب التّأكيد ، فيتحقّق التّنافي بين الكلامين.

وحاصل الدّفع : إنّ المراد من الاقتضاء هو الاقتضاء على سبيل الاستحسان لا على سبيل الوجوب ، فلا يكون تعبير المصنّف ب «يقتضي» منافيا لتعبير الشّارح بالحسن.

أو يقال : إنّ المستحسن في باب البلاغة بمنزلة الواجب في طلب مراعاته ، والإتيان به ، وحينئذ فيكون التّعبير ب «يقتضي» مناسبا للتّعبير بالحسن.

(٧) ولهذا عبّر المصنّف بالاقتضاء ، لأنّ المستحسن هنا بمنزلة الواجب في طلب مراعاته والإتيان به.

١٠٤

[وإمّا عن غيرهما] أي غير السّبب المطلق والخاصّ [نحو : (قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ)(١) (١) أي فماذا قال] إبراهيم في جواب سلامهم (٢) فقيل : قال : سلام (٣) ، أي حيّاهم بتحيّة أحسن (٤) لكونها بالجملة الاسميّة الدالّة على الدّوام والثّبوت. [وقوله (٥) : زعم العواذل] جمع عاذلة (٦) بمعنى جماعة عاذلة (٧) [أنّني في

________________________________________

(١) قالوا أي الملائكة (سلما) أي نسلّم عليك يا إبراهيم سلاما ، فيكون قوله : (سلم) مفعولا لمحذوف ، وقال إبراهيم في جواب سلام الملائكة (سلم) أي سلام عليكم ، فيكون قوله : (سلم) مبتدأ ، وخبره محذوف أعني عليكم.

والشّاهد في الآية : وقوع قوله تعالى : (سلم) إنّ في جواب السّؤال عن غير السّبب فإنّ قول إبراهيم لهم (سلم) إنّ ليس سببا لقولهم : (قالُوا سَلاماً) إنّ لا عامّا ولا خاصّا.

نعم ، عامّ في حدّ ذاته ، ومتعلّق بما قبله.

(٢) أي سلام الملائكة.

(٣) أي قال إبراهيم في جواب السّلام (سلم) أي سلام عليكم.

(٤) أي حيّى إبراهيم الملائكة بتحيّة أحسن من تحيّتهم ، لأنّ تحيّة الملائكة كانت بالجملة الفعليّة الدّالّة على الحدوث ، أي نسلّم عليك يا إبراهيم سلاما ، وتحيّة إبراهيم كانت بالجملة الاسميّة على الدّوام والثّبوت ، أي سلام عليكم ، ومن البديهي أنّ ما يدلّ على الدّوام والثّبوت أفضل ممّا يدلّ على الحدوث.

(٥) أي قول جند بن عماد ، وأتى المصنّف بمثالين ، لأنّ السّؤال من غير سبب أيضا ، إمّا أن يكون على إطلاقه ، كما في المثال الأوّل ، وإمّا أن يشتمل على خصوصيّة كما في المثال الثّاني ، فإنّ العلم به حاصل بواحد من الصّدق والكذب ، وإنّما السّؤال عن تعيينه.

(٦) أي من الذّكور بدليل قوله : «صدقوا» ، وإنّما لم يجعل جمع عاذل ، لأنّ فاعلا لا يجمع على فواعل.

(٧) من العذل بمعنى اللّوم ، وأراد الشّاعر بالعواذل جماعة عاذلة ، أي لائمة ، الغمرة في الموضعين ، كالّظلمة بمعنى الشّدّة.

والشّاهد : في قوله : «صدقوا» ، حيث إنّه وقع جواب عن سؤال مقدّر ، وذلك السّؤال المقدّر

__________________

(١) سورة هود : ٦٩.

١٠٥

غمرة] وشدّة [صدقوا] أي الجماعات العواذل في زعمهم أنّني في غمرة [ولكن غمرتي لا تنجلي (١)] ولا تنكشف بخلاف أكثر الغمرات والشّدائد ، كأنّه (٢) قيل : أصدقوا أم كذبوا؟

فقيل : صدقوا (٣) [وأيضا (٤) منه] أي من الاستئناف ، وهذا إشارة إلى تقسيم آخر له [ما يأتي بإعادة (٥) اسم ما استؤنف عنه] أي (٦) أوقع عنه الاستئناف ، وأصل (٧) الكلام ما استؤنف عنه الحديث ، فحذف المفعول ، ونزّل الفعل منزلة اللّازم. [نحو :

________________________________________

ليس عن سبب الحكم في الجملة الأولى ، بل سؤال عن شيء متعلّق بها ، كما يأتي في كلام الشّارح.

(١) قوله : «ولكن غمرتي ...» جواب عن توهّم ، وهو أنّ غمرته ممّا تنكشف ، كما هو شان أكثر الغمرات والشّدائد ، فأجاب بقوله : «ولكن غمرتي لا تنجلي» ، أي لا تنكشف.

(٢) أي قوله : «كأنّه قيل :» إشارة إلى تقدير السّؤال النّاشئ من الجملة الأولى ، فإنّه لمّا أظهر الشّكاية عن جماعة العذال له على اقتحام الشّدائد ، كان ذلك ممّا يحرّك السّائل ليسأل ، فيقول : هل صدقوا في ذلك الزّعم أم كذبوا ، فقيل في الجواب : صدقوا في هذا الزّعم ، ففصل قوله : «صدقوا» ولم يقل : وصدقوا ، لأنّ من حقّ الجواب هو الفصل لا الوصل.

(٣) أي من دون عطف على قوله : «زعم العواذل» استئنافا أي جوابا للسّؤال الّذي تضمّنه ما قبله ، كما عرفت.

(٤) أي نعود عودا ، أي نرجع رجوعا إلى تقسيم آخر.

(٥) الباء بمعنى مع ، والمراد ب «ما» الموصولة في قوله : ما يأتي هو الاستئناف ، ومعنى العبارة حينئذ أنّ من الاستئناف ما يأتي ، أي استئناف يأتي مع إعادة اسم ما استؤنف عنه ، أو إعادة وصفه.

(٦) وهذا التّفسير إشارة إلى أنّ الفعل أعني «استؤنف» بمعنى أوقع مسند إلى المصدر أعني الاستئناف.

(٧) أي أصل الكلام بعد بنائه للمجهول ، وأمّا أصله الأوّلي ، فكان هكذا ، ما يأتي بإعادة اسم ما استأنف المتكلّم الحديث ، أي الكلام عنه ، فبني الفعل للمجهول بعد حذف الفاعل ، وإقامة المفعول به مقامه ، فصار بإعادة اسم ما استؤنف عنه الحديث ، ثمّ حذف المفعول الّذي له الأصالة بالنّيابة ، وهو الحديث اختصارا لظهور ذلك المراد ، وجعل نسيا منسيّا ، فأنيب

١٠٦

أحسنت] أنت (١) [إلى زيد زيد حقيق بالإحسان] بإعادة اسم زيد. [ومنه ما يبنى على صفته] أي صفة ما استؤنف عنه دون اسمه (٢) ، والمراد بالصّفة صفة تصلح لترتّب

________________________________________

المجرور أو المصدر المفهوم من «استؤنف» مناب الفاعل ، وعلى الثّاني يؤوّل استؤنف عنه بأوقع عنه الاستئناف ، كما ذكره الشّارح.

(١) إشارة إلى أنّ التّاء في قول المصنّف : «أحسنت» تاء الخطاب لا تاء المتكلّم ، والباعث له على جعلها تاء الخطاب مع صحّة جعلها تاء المتكلّم هو رعاية التّناسب مع «أحسنت» في المثال الثّاني أعني (أحسنت إلى زيد صديقك القديم) ، حيث إنّ التّاء في المثال الثّاني هو تاء الخطاب لوجهين :

الأوّل : ذكر صديقك في الجواب بكاف الخطاب دون ياء المتكلّم ، أي لم يقل صديقي القديم ، ولو كانت التّاء في أحسنت للمتكلّم لذكر صديق بياء المتكلّم ، ويقال : صديقي القديم أهل لذلك.

الوجه الثّاني : أنّه لا معنى لتعليل إحسان المتكلّم إلى زيد بصداقته للمخاطب إلّا بعد اعتبار أمر خارج عن مفاد الكلام كصداقة المتكلّم للمخاطب أو قرابته له.

لا يقال : إنّه لا وجه لجعل التّاء في «أحسنت» للمخاطب ، لأنّ المخاطب أعلم بسبب فعله الاختياريّ ، فلا معنى لسؤاله عن المتكلّم سبب إحسانه.

فإنّه يقال : بأنّ السّؤال المقدّر ليس راجعا إلى السّؤال عن سبب إحسان المخاطب إلى زيد ، حتّى يقال : إنّه أعرف وأعلم بذلك ، فلا معنى لسؤاله عن الغير ، بل إنّما هو راجع إلى السّؤال عن كون زيد حقيقا بالإحسان وأهلا له ، وإنّ إحسانه هل يقع في محلّه حتّى يكون إحسانا واقعا ، أو أنّه لم يقع في محلّه لعدم كون زيد أهلا للإحسان حتّى يكون إساءة في الواقع لأنّ الإحسان في غير موقعه إساءة ، ولا ريب أنّ لهذا السّؤال مجالا للمخاطب ، فلا أساس لما يقال من أنّه لا وجه لجعل الشّارح التّاء في «أحسنت» للمخاطب.

(٢) أي يكون المسند إليه في الجملة الاستئنافيّة من صفات من قصد استئناف الحديث عنه.

١٠٧

الحديث (١) عليه ، [نحو : أحسنت إلى زيد صديقك القديم (٢) أهل لذلك] والسّؤال المقدّر فيهما (٣) لماذا أحسن (٤) إليه؟ وهل هو (٥) حقيق بالإحسان؟ [وهذا] أي الاستئناف المبنيّ على الصّفة [أبلغ (٦)] لاشتماله (٧) على بيان السّبب الموجب للحكم (٨) ، كالصّداقة (٩) القديمة في المثال المذكور ، لما يسبق (١٠) إلى

________________________________________

(١) أي الحكم بمعنى المحكوم به في الجملة الثّانية وضمير «عليه» يعود إلى الصّفة بمعنى الوصف.

(٢) أي قوله : صديقك القديم ... استئناف مركّب من صفة ما استؤنف الحديث لأجله ، وهذه الصّفة أعني الصّداقة تصلح لترتّب الحديث عليها ، فيقال : صديقك القديم أهل لذلك ، أي الإحسان ، ولا يصحّ أن يقال : عدوّك القديم أهل لذلك.

(٣) أي فيما بني على الاسم ، وفيما بني على الصّفة ، أي في المثالين.

(٤) بصيغة الماضي المجهول ، ثمّ السّؤال بكلمة لماذا ، دون كلمة بماذا يدلّ على أنّ السّائل غير المخاطب من السّامعين ، وهو راجع للمثال الأوّل.

وحاصل المعنى : أنّه بعد ما يقول المتكلّم للمخاطب أحسنت إلى زيد ، فلسائل أن يسأل :

لماذا أحسن إليه ، فالجواب زيد حقيق بالإحسان.

(٥) أي هل زيد حقيق بالإحسان ، فالجواب : صديقك القديم أهل لذلك ، أي للإحسان ، فقوله : هل هو حقيق بالإحسان راجع للمثال الثّاني ، أعني قوله : «أحسنت إلى زيد صديقك القديم أهل لذلك» ، وتقدير السّؤال فيه من المخاطب لاشتمال الجواب على الخطاب ، ففي كلام الشّارح توزيع على طريق اللّفّ والنّشر المرتّب ، أي الأوّل للأوّل والثّاني للثّاني.

(٦) أي أبلغ من الاستئناف الّذي يأتي بإعادة اسم ما استؤنف عنه ، وكذلك من غيره من صور الاستئناف.

(٧) أي لاشتمال الاستئناف المبنيّ على الصّفة «على بيان السّبب الموجب للحكم».

(٨) أي الجواب الّذي تضمّنه الجواب ، كثبوت الأهليّة للإحسان للصّديق القديم.

(٩) قوله : «كالصّداقة القديمة» مثال للسّبب الموجب للحكم.

(١٠) علّة لقوله : «لاشتماله».

١٠٨

الفهم من ترتّب الحكم (١) على الوصف (٢) الصّالح للعليّة أنّه (٣) علّة له.

وههنا (٤) بحث ، وهو أنّ السّؤال إن كان عن السّبب ، فالجواب يشتمل على بيانه لا محالة (٥)

________________________________________

(١) أي المراد بالحكم هو الحكم الّذي يتضمّنه الجواب ، كما يدلّ عليه التّعليل ، بأنّ ترتّب الحكم على الوصف مشعر بالعلّيّة ، والحكم الّذي يتضمّنه الجواب هو الحكم المسؤول عن سببه ، إذ لو كان غيره ، لم يطابق الجواب السّؤال ، لأنّ بيان سبب الحكم الغير المسؤول عنه لا يكون جوابا للسّؤال عن سبب الحكم المسؤول عنه.

(٢) أي وهو صديقك القديم.

(٣) فاعل يسبق في قوله : «لمّا يسبق إلى الفهم ...» أي يسبق أنّ الوصف علّة للحكم ، لأنّ تعليق الحكم على المشتقّ يؤذن بعلّيّة ما منه الاشتقاق له ، كما في قولك : أكرم العالم ، أي لعلمه ، والحاصل : إنّ هذا السّبق والإشعار أوجب كون هذا القسم من الاستئناف أبلغ من سائر صوره.

(٤) أي في قول المصنّف : «وهذا أبلغ» مع اتّحاد السّؤال المقدّر في الاستئنافين بحث ، فالبحث والاعتراض منصبّ على قول المصنّف : «وهذا أبلغ» ، وتعليل الشّارح له بقوله : «لاشتماله على بيان السّبب الموجب للحكم».

وحاصل الاعتراض : إنّ المراد بالحكم في كلام الشّارح هو الحكم الّذي يتضمّنه الجواب ، كما يدلّ عليه التّعليل ، بأنّ ترتّب الحكم على الوصف مشعر بالعلّيّة ، والحكم الّذي يتضمّنه الجواب هو الحكم المسؤول عن سببه ، إذ لو كان غيره لم يطابق الجواب السّؤال ، لأنّ بيان سبب الحكم الغير المسؤول عنه لا يكون جوابا للسّؤال عن سبب الحكم المسؤول ، فحينئذ يرد عليه أنّ السّؤال لو كان من سبب الحكم ، فلا بدّ من اشتمال الجواب عليه في أيّ استئناف كان ، أي سواء كان مبنيّا على الاسم أو مبنيّا على الصّفة ، وإن لم يكن سؤالا عنه ، فالجواب غير مشتمل على السّبب في أي استئناف كان.

فإذا لا فرق بين استئناف كان مبنيّا على الصّفة أو كان مبنيّا على الاسم ، فجعل الاستئناف المبنيّ على الصّفة أبلغ من غيره ، لا أساس له.

(٥) أي سواء كان الاستئناف مبنيّا على الاسم أو الصّفة ، إذ لو لم يكن مشتملا عليه لما كان

١٠٩

وإلّا (١) فلا وجه لاشتماله عليه ، كما في (٢) قوله تعالى : (قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ) ، وقوله (٣) : زعم العواذل ، ووجه التفصّي عن ذلك (٤) مذكور في الشّرح.

________________________________________

جوابا للسّؤال الّذي تتضمّنه الجملة الأولى ، وبالجملة أنّه لا فرق في ذلك بين المبنيّ على الاسم والمبنيّ على الصّفة.

(١) أي وإن لم يكن السّؤال في المبنيّ على الاسم والمبنيّ على الصّفة عن السّبب ، بل كان عن غيره ، فلا وجه لاشتمال الجواب على سبب الحكم ، وحينئذ فليس أحدهما أبلغ من الآخر ، فلا يتمّ ما ذكره المصنّف من أبلغيّة المبنيّ على الصّفة على المبنيّ على الاسم.

(٢) أي قول الشّارح ، كما في قوله تعالى : (قالُوا سَلاماً) إنّ تنظير في كون السّؤال ليس عن السّبب ، ومعنى العبارة : أي مثل الجواب الّذي في قوله تعالى ، حيث إنّه لا يشتمل على بيان السّبب ، لأنّ السّؤال الضّمنيّ ليس سؤالا عنه ، بل سؤال عن أمر آخر متعلّق بالجملة الأولى.

(٣) أي لا يكون السّؤال فيه عن السّبب ، فإذا كلّ من القسمين خال عن بيان السّبب ، فلا يجرى التّعليل الّذي ذكره الشّارح في ترجيح الاستئناف المبنيّ على الصّفة على الاستئناف المبنيّ على الاسم.

(٤) أي عن البحث المذكور مذكور في الشّرح ، أعني كتاب المطوّل ، وحاصل التّفصّي المذكور في المطوّل : إنّا نختار الشّقّ الأوّل ، وهو كون السّؤال سؤالا عن السّبب في كلّ من الفرضين ، ولكن نقول : إنّ الجواب الّذي هو الاستئناف تارة يذكر فيه هذا السّبب فقطّ ، وأخرى يذكر فيه السّبب وسبب السّبب ، فإن ذكر فيه السّبب فقطّ ، فهو القسم الأوّل ، أعني ما هو مبنيّ على الاسم ، مثل كون زيد حقيقا بالإحسان ، فإنّه سبب للحكم الّذي هو ثبوت الاستحقاق للإحسان له ، وإن ذكر فيه السّبب وسبب السّبب ، فهو القسم الثّاني ، أعني ما هو مبنيّ على الصّفة كالصّداقة القديمة ، فإنّها سبب لاستحقاق الإحسان ، ولا شكّ أنّ الثّاني أبلغ من الأوّل ، لأنّ فيه من التّحقيق الّذي يجعله أبلغ من الأوّل.

وبعبارة أخرى : إنّ في الثّاني بيان سبب الحكم ، وهو الاستحقاق ، وبيان سبب الاستحقاق وهو الوصف المبنيّ عليه الكلام ، فيكون أبلغ ممّا يكون مبنيّا على الاسم لاشتماله على بيان سبب الحكم فقطّ.

١١٠

[وقد يحذف صدر الاستئناف (١) فعلا (٢) كان أو اسما (٣) [نحو : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (٣٦) وَأَنْكِحُوا)(١) (٤) فيمن قرأها مفتوحة الباء] كأنّه قيل من يسبّحه فقيل : رجال ، أي يسبّحه رجال [وعليه (٥) نعم الرّجل زيد] أو نعم رجلا زيد [على قول] أي على قول من يجعل المخصوص خبر مبتدأ محذوف ، أي هو زيد ، ويجعل الجملة

________________________________________

(١) أي قد يحذف صدر الجملة المستأنفة ، ولا يخفى أنّ هذا الحذف لا يختصّ بالصّدر ، فإنّه قد يحذف الذّيل ، كما في نعم الرّجل زيد ، حيث كان في الأصل : نعم الرّجل زيد هو ، بناء على قول من يجعل المخصوص مبتدأ ، والخبر محذوفا ، فعليه كان على المصنّف أن يقول : وقد يحذف بعض الاستئناف ، ولعله لم يتعرّض له لقلّته في كلامهم ، أو لضعف القول المذكور في المثال عنده.

(٢) أي ذلك الصّدر المحذوف فعلا ، كما في الآية.

(٣) أي كان ذلك الصّدر اسما ، كما في المثال الآتي ، ومنه ما تقدّم من قوله : سهر دائم وحزن طويل ، حيث كان في الأصل هو سهر دائم.

(٤) وقبله (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ) أي (يُسَبِّحُ) مبنيّ للمفعول ، (لَهُ) جار ومجرور نائب فاعل ل (يُسَبِّحُ) والمراد بال (بِالْغُدُوِّ) هو الفجر والصّباح ، والمراد ب (وَالْآصالِ) المغرب.

وقوله تعالى : (فِيهَا) أي في البيوت ، والمراد بها المساجد ، أي يسبّح لله في المساجد.

والشّاهد في الآية : حذف صدر الاستئناف ، وكان في الأصل يسبّح رجال ، فالرّجال فاعل ل (يسبّح) المحذوف.

(٥) أي على حذف صدر الاستئناف يحمل قوله : «نعم الرّجل زيد ، أو نعم رجلا زيد» على قول من يجعل المخصوص بالمدح خبر مبتدأ محذوف ، أي هو زيد ، أي دون قول من يجعل المخصوص مبتدأ وحذف خبره ، أي زيد هو ، إذ حينئذ فيكون الاستئناف محذوف العجز والذّيل ، لا محذوف الصّدر الأوّل ، ودون قول من يقول : إنّ المخصوص مبتدأ وخبره الجملة قبله ، أو أنّه بدل ، أو عطف بيان عن فعل المدح ، أو فعل الذّمّ ، فإنّه على هذه التّقادير لا حذف أصلا ، ولا يكون في الكلام استئناف ، ولهذا غيّر الأسلوب ، وقال : «وعليه» ولم يقل : نحو :

__________________

(١) سورة النّور : ٣٦.

١١١

استئنافا جوابا للسّؤال عن تفسير الفاعل المبهم (١) [وقد يحذف] الاستئناف [كلّه (٢) إمّا مع قيام شيء مقامه (٣) نحو] قول الحماسّي : [زعمتم أنّ إخوتكم قريش (٤) لهم إلف (٥)] أي إيلاف في الرّحلتين المعروفتين لهم في التّجارة ، رحلة في الشّتاء إلى اليمن (٦) ورحلة في الصّيف إلى الشّام (٧) [وليس

________________________________________

نعم الرّجل زيد.

(١) أي كان الفاعل مبهما لكونه معهودا ذهنيّا مظهرا كان كما في نعم الرّجل زيد ، أو مضمرا ، كما في نعم رجلا زيد ، فسئل عن تفسيره بأنّه من هو فقيل : زيد ، أي هو زيد.

(٢) أي وقد تحذف الجملة المستأنفة بتمامها بحيث لا يبقى منها ذيل ولا صدر ، فحينئذ يكون الفصل بينها وبين ما قبلها تقديريّا ، لأنّ الفصل الحقيقيّ إنّما هو بين الجملتين الملفوظتين.

(٣) أي مع قيام شيء مقام الاستئناف نحو : قول الحماسيّ ، يهجو بني أسد ، ويقول : زعمتم أنّ إخوتكم قريش لهم إلف ... ، الشّاعر هو الّذي ذكر أبو تمّام شعره في ديوان الحماسة ، وهو ساور بن هند بن قيس بن زهير ، وبعد البيت المذكور :

أولئك أومنوا جوعا وخوفا

وقد جاعت بنو أسد وخافوا

ومراد الشّاعر هجو بني أسد وتكذيبهم في انتسابهم لقريش وادّعائهم أنّهم إخوتهم ونظائرهم ، بأنّ لهم إيلافا في الرّحلتين ، وليس لهم شيء منهما ، وأيضا قد آمنهم الله من الجوع والخوف كما هو نصّ القرآن ، وأنتم جائعون وخائفون.

(٤) وهم أولاد النّضر بن كنانة ، وهو خبر إنّ في قوله : «إنّ إخوتكم».

(٥) أي قوله : «لهم إلف» منقطع عمّا قبله قائم مقام الاستئناف ، و «إلف» مصدر الثّلاثي ، والإيلاف مصدر الرّباعي ، وكلاهما بمعنى واحد ، وهو المؤالفة والرّغبة.

(٦) أي لكون اليمن حارّا.

(٧) أي لكون الشّام باردا.

١١٢

لكم إلاف] أي مؤالفة (١) في الرّحلتين المعروفتين ، كأنّه (٢) قيل : أصدقنا في هذا الزّعم أم كذبنا؟ فقيل : كذبتم ، فحذف هذا الاستئناف كله ، وأقيم قوله : [لهم إلف وليس لكم إلاف] ـ مقامه لدلالته (٣) عليه ، [أو بدون ذلك] ، أي قيام شيء مقامه (٤) اكتفاء بمجرّد القرينة (٥) [نحو : (فَنِعْمَ الْماهِدُونَ)(١) (٦) أي نحن على قول] أي على قول من يجعل المخصوص خبر المبتدأ ، أي هم نحن (٧).

________________________________________

(١) أي ليس لكم مؤالفة ورغبة مع القبائل ، والتّفسير إشارة إلى أنّ إلاف مصدر باب الإفعال ، بمعنى مصدر باب المفاعلة ، حيث إنّهم كانوا يؤالفون القبائل ، وهم يؤالفونهم في الرّحلتين المعروفتين.

ومعنى العبارة : وليس لكم مؤالفة ورغبة في الرّحلتين المعروفتين ، أي فقد افتريتم في دعوى الأخوّة لعدم التّساوي في المزايا والرّتب ، إذ لو صدقتم في ادّعاء الأخوّة والنّظارة لهم لاستويتم مع قريش في مؤالفة الرّحلتين.

(٢) أي شأن ، قيل من جانب بني أسد ، أي كأنّهم قالوا : «أصدقنا في هذا الزّعم أم كذبنا» ، وذلك لأنّ قوله : «زعمتم» يشعر بأنّ القائل لم يسلّم له ما ادّعاه ، إذ الزّعم كما ورد مطية الكذب ، ولكن قد يستعمل لمجرّد النّسبة لا لقصد التّكذيب ، فليس فيه تصديق ، ولا تكذيب صريح كما هنا ، فكان المقام مقام أن يقال : «أصدقنا ...» فقيل كذبتم ، فحذف هذا الاستئناف ، وهو قوله : كذبتم كله ، وأقيم قول الشّاعر : «لهم إلف وليس لكم إلاف» مقامه لدلالته عليه.

(٣) أي لدلالة قوله : «لهم إلف وليس لكم إلاف» على الاستئناف ، أعني قوله : «كذبتم».

وجه الدّلالة أنّ قوله : «لهم إلف ...» علّة لقوله : «كذبتم» والعلّة تدلّ على المعلول.

(٤) أي بدون قيام شيء مقام الاستئناف المحذوف.

(٥) أي القرينة الدّالّة على المحذوف ، أي القرينة الّتي لا بدّ منها في كلّ حذف.

(٦) والمراد بالماهدين ذات الله سبحانه ، وإنّما عبّر عنه بلفظ الجمع تعظيما.

(٧) أي يكون المحذوف جملة المخصوص مع مبتدئه ، وإنّما يكون ممّا حذف فيه المجموع على قول ، وأمّا على قول من يجعله مبتدأ ، والجملة قبله خبرا عنه ، فليس من هذا الباب ، أي الاستئناف.

__________________

(١) سورة الذّاريات : ٤٨.

١١٣

ولّما فرغ (١) من بيان الأحوال الأربعة المقتضية للفصل شرع (٢) في بيان الحالتين المقتضيتين للوصل ، فقال : [وأمّا الوصل لدفع الإيهام (٣) فكقولهم : لا ، وأيّدك الله] فقولهم : لا ، ردّ لكلام سابق ، كما إذا قيل : هل الأمر كذلك (٤) ، فيقال : لا ، أي ليس الأمر كذلك (٥) ، فهذه (٦) جملة إخباريّة ، وأيّدك الله (٧) جملة إنشائيّة دعائيّة (٨) ، فبينهما (٩) كمال الانقطاع ، لكن عطفت عليها (١٠) ، لأنّ ترك العطف يوهم أنّه دعاء

________________________________________

والحاصل إنّ الشّاهد في قوله : «هم نحن» حيث حذفت الجملة المستأنفة من دون قيام شيء مقامها ، فتفسير الشّارح : «أي هم نحن» إشارة إلى حذف المبتدأ والخبر جميعا ، من غير أن يقوم مقامهما شيء.

(١) أي لمّا فرغ المصنّف «من بيان الأحوال الأربعة» وهي كمال الانقطاع بلا إيهام ، وكمال الاتّصال ، وشبه الأوّل ، وشبه الثّاني ، هذه الأحوال الأربعة مقتضية للفصل.

(٢) أي شرع المصنّف «في بيان الحالتين المقتضيتين للوصل» وهما كمال الانقطاع مع الإيهام ، والتّوسّط بين الكمالين.

(٣) أي وأمّا الوصل لدفع إيهام خلاف المقصود ، لو ترك العطف مع كمال الانقطاع ، «فكقولهم» في المحاورات عند قصد النّفي لشيء تقدّم ، والدّعاء للمخاطب بالتّأييد.

(٤) أي هل قتل زيد عمرا ، أو هل أسأت إلى فلان.

(٥) أي ما قتل زيد عمرا ، أو ما أسأت إلى فلان.

(٦) أي «ليس الأمر كذلك» جملة إخباريّة.

(٧) أي «أيّدك الله» جملة إنشائيّة معنى ، لأنّها بمعنى الدّعاء ، وإن كانت جملة إخباريّة لفظا.

(٨) أي دعائيّة بالتّأييد للمخاطب ، (٩) أي بين «أيّدك الله» ، والجملة الّتي تدلّ عليها «لا» في قوله : «فيقال لا».

(١٠) أي على الجملة الّتي تدلّ عليها «لا» ، هذا من الشّارح تصريح بأنّ الواو في قوله : «وأيّدك الله» عاطفة ، وليست زائدة ، ثمّ العطف إنّما هو لدفع الإيهام ، وليست استئنافيّة أيضا ، كما قيل ، لكونها في الأصل للعطف ، فلا يصارّ على خلافه إلّا عند الضّرورة.

١١٤

على المخاطب (١) بعدم التّأييد ، مع أنّ المقصود الدّعاء له (٢) بالتّأييد ، فأينما (٣) وقع هذا الكلام فالمعطوف عليه هو مضمون قولهم : لا.

وبعضهم لمّا لم يقف على المعطوف عليه في هذا الكلام (٤) نقل عن الثّعالبيّ حكاية مشتملة على قوله : قلت : لا ، وأيّدك الله ، وزعم (٥) أنّ قوله : وأيّدك الله ، عطف على قوله :

قلت ، ولم يعرف (٦) أنّه (٧) لو كان كذلك (٨) لم يدخل الدّعاء تحت القول ،

________________________________________

(١) أي يتوهّم أنّ قوله : «لا ، أيّدك الله» بدون الواو دعاء على ضرر المخاطب بعدم التّأييد ، مع أنّ المقصود أنّه دعاء لنفع المخاطب بالتّأييد.

(٢) أي مع أنّ المقصود هو الدّعاء للمخاطب بالتّأييد.

(٣) أي «أين» شرطيّة ، جوابها قوله : «فالمعطوف ...» ، ومعنى العبارة : فأيّ محلّ وقع فيه هذا الكلام ، أي مثل هذا الكلام ، ممّا جمع فيه بين «لا» الّتي لردّ كلام سابق ، وجملة دعائيّة نحو : لا ، ونصرك الله ، أو لا ، ورحمك الله ، أو لا ، وأصلحك الله ، فالمعطوف عليه هو مضمون قوله : «لا» ، أي ما تضمّنه «لا» من الجملة ، وقوله : «فأينما» تفريع على قوله : «لكن عطفت عليها» وأتى الشّارح بهذا التّعميم توطئة للرّدّ على البعض الآتي.

(٤) أي «لا وأيّدك الله» ، وما ماثله.

(٥) أي زعم ذلك البعض ، وهو الشّارح الزّوزني ، إنّ قوله : «وأيّدك الله» ، عطف على «قلت» ، لا على مضمون «لا».

(٦) أي ولم يعرف ذلك القائل أنّ هذه جملة خالية من فاعل «نقل».

(٧) أي الضّمير في قوله : «أنّه» للشّأن.

(٨) أي لو كان قوله : «وأيّدك الله» معطوفا على «قلت» لم يدخل الدّعاء تحت القول ، وهو خلاف المقصود من هذا التّركيب ، فإنّ المقصود منه باعتبار الاستعمال العرفيّ ، والقصد الغالبيّ أنّه من جملة المقول ، وأنّ المعنى قلت : «لا» ، وقلت : «أيّدك الله» ، وهذا يقتضي عطف «أيّدك الله» على مضمون «لا» ، لا على مضمون «قلت» ، وليس المعنى قلت : «لا» ، فيما مضى ، ثمّ أنشأ الآن يقول : «أيّدك الله» ، كما هو مقتضى عطفه على نفس «قلت» ، لأنّ العطف عليه يقتضي خروجه عن القول ، وأنّه غير محكيّ به ، كما لا يخفى.

١١٥

وأنّه لو لم يحك الحكاية (١) ، فحينما قال للمخاطب : لا وأيّدك الله فلا بدّ له من معطوف عليه [وإمّا للتّوسّط (٢)] عطف على قوله : أمّا الوصل لدفع الإيهام ، أي (٣) وأمّا الوصل لتوسّط الجملتين بين كمال الانقطاع والاتّصال (٤) ، وقد صحّف (٥) بعضهم ،

________________________________________

(١) عطف على «أنّه لو كان» أي ولم يعرف ذلك البعض أنّ الثّعالبيّ لو لم يحك الحكاية ، أي لو لم يصرّح بالقول ، فالمراد بالحكاية ، قوله : «قلت».

ومعنى العبارة : ولم يعرف ذلك البعض أنّ الثّعالبيّ لو لم يصرّح بالقول ، لا بدّ من معطوف عليه حين قوله للمخاطب : لا ، وأيّدك الله ، ولم يوجد معطوف عليه ، ووجود العطف من غير معطوف عليه باطل ، فبطل كلامه ، وتعيّن كون المعطوف عليه مضمون «لا» ، سواء صرّح قبلها بالحكاية أو لا ، وهو المطلوب.

والحاصل : إنّ قوله : «وأنّه لو لم يحك الحكاية» اعتراض ثان على ذلك القائل ، وحاصله :

إنّ الّذي ذكره من العطف على «قلت» ، إنّما يتأتّى في خصوص تلك الحكاية ، وأمّا إذا قلت : لا ، وأيّدك الله ، من غير قلت ، احتاج الأمر للمعطوف عليه ، ولم يوجد معطوف عليه ، ووجود العطف بدون معطوف عليه باطل ، فلا بدّ أن يكون المعطوف عليه مضمون «لا» ، وهو المطلوب.

وكيف كان ، فتحصّل من جميع ما ذكرناه لك أنّه لو ترك العطف في قولهم : لا ، وأيّدك الله ، لتوهّم أنّه دعاء على المخاطب بعدم التّأييد مع أنّ المقصود الدّعاء له بالتّأييد ، فأينما وقع هذا الكلام ، فالمعطوف عليه هو مضمون كلمة لا.

(٢) أي الجارّ والمجرور متعلّق بالوصل المحذوف ، حيث كان أصل الكلام ، وإمّا الوصل للتّوسّط ، أي لأجل التّوسّط فيتحقّق بين الجملتين إذا اتّفقتا ... ، وفي الحقيقة الوصل مبتدأ ، و «إذا» في قوله : «فإذا اتّفقتا» خبره ، والفاء في جواب الشّرط داخلة في المعنى على الجملة ، لكنّها نقلت من المبتدأ إلى الخبر ، كما في أمّا زيد فقائم ، ثمّ الجملة عطفت على جملة «وأمّا الوصل لدفع الإيهام».

(٣) أي هذا التّفسير إشارة إلى أنّ الجارّ والمجرور متعلّق بالوصل المحذوف ، كما عرفت.

(٤) أي وهو أن لا يكون بين الجملتين أحد الكمالين ولا شبه أحدهما.

(٥) أي وقد توهّم بعضهم ، وهو الشّارح الزّوزني أمّا بالفتح إمّا بالكسر.

١١٦

أمّا (١) بفتح الهمزة إمّا بكسر الهمزة ، فركّب (٢) متن عمياء وخبط خبط عشواء (٣) [فإذا اتّفقتا] أي الجملتان [خبرا أو إنشاء لفظا أو معنى (٤) أو معنى (٥) فقطّ بجامع] ، أي بأن يكون بينهما (٦) جامع ، بدلالة ما سبق من أنّه إذا لم يكن بينهما جامع (٧)

________________________________________

(١) أي أمّا بفتح الهمزة ، مفعول «صحّف» قوله : «بكسر» متعلّق ب «صحّف» ، فالمعنى حينئذ : وقد توهّم بعضهم أنّ لفظ أمّا بالكسر.

(٢) أي فصار مثل من ركب «متن» أي ظهر «عمياء» أي ناقة عمياء.

(٣) أي خبط خبطا كخبط ناقة عشواء ، أي ضعيفة البصر ، أو لا تبصر ليلا ، والمراد أنّه وقع في خبط عظيم من جهة اللّفظ والمعنى ، أمّا الخبط والفساد من جهة اللّفظ ، فلأنّ قراءتها بالكسر تحوجنا إلى تقدير أمّا في المعطوف عليه قبلها ، لأنّ أمّا العاطفة لا بدّ أن يتقدّمها أمّا في المعطوف عليه ، ولا يجوز ذلك قياسا ، إلّا عند الفرّاء على ما نقله ابن هشام في المغني ، فيصير تقدير الكلام هكذا : وأمّا الوصل فإمّا لدفع الإيهام ، وإمّا للتّوسّط ، ووجه الخبط والفساد فيه أنّ حذف «إمّا» من المعطوف عليه لا يجوز في السّعة حتّى يقال : إنّها مقدّرة قبل قوله : «لدفع الإيهام» وأمّا الخبط والفساد من جهة المعنى ، فلأنّه قد علم من قول المصنّف سابقا في مقام تعداد الصّور إجمالا ، «وإلّا فالوصل» إنّ الوصل يجب في صورة كمال الانقطاع مع الإيهام ، وفي صورة التّوسّط بين الكمالين ، وحينئذ فيجب أن يجعل ما هنا تفصيلا للصّورتين المذكورتين اللّتين يجب فيهما الوصل ، وهو ما يقتضيه فتح أمّا ، إذ المعنى : وأمّا الوصل الّذي يجب مع كمال الانقطاع مع الإيهام لأجل دفع الإيهام ، فكقولهم : لا ، وأيّدك الله ، وأمّا الوصل الّذي يجب لأجل توسّط الجملتين بين الكمالين ففيما إذا اتّفقتا ... ولو كسرت أمّا لكان ما هنا عين ما تقدّم هناك ، فيكون تكرارا لما سبق ، ولا داعي للتّكرار.

(٤) قوله : «لفظا ومعنى» ناظر إلى كلّ من الخبر والإنشاء.

(٥) أيضا ناظر إلى كلّ من الخبر والإنشاء.

(٦) أي بين الجملتين ، أي بأن يكون بينهما جامع في جميع تلك الصّور.

(٧) أي والحال أنّهما اتّفقا خبرا لفظا ومعنى ، أو اتّفقا إنشاء كذلك ، فبينهما حينئذ كمال الانقطاع ، فلم يكن متوسّط بين الكمالين.

١١٧

فبينهما كمال الانقطاع ، ثمّ الجملتان المتّفقتان خبرا أو إنشاء لفظا ومعنى قسمان : لأنّهما إمّا إنشائيّتان (١) أو خبريّتان (٢) والمتّفقتان معنى فقطّ ستّة أقسام : لأنّهما إن كانتا إنشائيّتين معنى فاللّفظان إمّا خبران (٣) أو الأولى خبر ، والثّانية إنشاء (٤) أو بالعكس (٥) وإن كانت خبريّتين معنى فاللّفظان إمّا إنشاءان (٦) أو الأولى إنشاء والثّانية خبرا (٧) أو بالعكس (٨).

فالمجموع ثمانية أقسام ، والمصنّف أورد للقسمين الأوّلين (٩) مثاليهما [كقوله تعالى : (يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ)(١) (١٠) ،

________________________________________

(١) أي إنشاءان لفظا ومعنى نحو : أكرم زيدا ، وأهن أخاه.

(٢) أي خبريّتان لفظا ومعنى ، نحو : زيد كاتب وأخوه شاعر.

(٣) أي نحو : تذهب إلى فلان وتكرمه.

(٤) أي نحو : تذهب إلى فلان وأكرمه.

(٥) أي نحو : اذهب إلى فلان وتكرمه.

(٦) أي نحو : ألم أعطيك درهما ، وألم أكسيك ثوبا ، بمعنى أعطيتك درهما ، وكسوتك ثوبا.

(٧) أي ألم أعطيك درهما ، وأكسيك ثوبا.

(٨) أي نحو : أعطيك مائة دينار ، وألم أكسيك ثوبا.

(٩) أي وهما إنشائيّتان متّفقتان لفظا ومعنى ، وخبريّتان كذلك.

(١٠) الشّاهد في الآية : إنّ الجملتين المعطوفتين وهما (يُخادِعُونَ اللهَ) و (وَهُوَ خادِعُهُمْ) متّفقتان لفظا ومعنى ، لأنّ قوله تعالى : (يُخادِعُونَ اللهَ) خبر لفظا ومعنى ، (وَهُوَ خادِعُهُمْ) أيضا خبر لفظا ومعنى ، والجامع بينهما اتّحاد المسندين ، لأنّهما من المخادعة ، وكون المسند إليهما في أحدهما مخادع بالكسر ، وفي الآخر مخادع بالفتح ، فبينهما شبه التّضايف ، أو شبه التّضادّ لما تشعر به المخادعة من العداوة ، ثمّ إنّه ربّما يقال : إنّ التّمثيل بالآية لا يصحّ ، لأنّ الجملة الأولى فيها لها محلّ من الإعراب ، لأنّ في موضع خبر إنّ من قوله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ) ، ومحلّ الكلام في المقام في الجملة الّتي لا محلّ لها من الإعراب ، وأجيب بأنّ المقصود بيان نفس الصّور السّتّة الّتي هي أقسام التّوسّط بين الكلامين مع قطع النّظر عن كون الجملة لها

__________________

(١) سورة النّساء : ١٤١.

١١٨

وقوله : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ)(١) (١)] في الخبريّتين لفظا ومعنى إلّا أنّهما في المثال الثّاني متناسبتان في الاسميّة بخلاف الأوّل. [وقوله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا)(٢) (٢)] في الإنشائيّتين لفظا ومعنى (٣) وأورد للاتّفاق معنى فقطّ مثالا واحدا إشارة إلى أنّه يمكن تطبيقه على قسمين من أقسامه السّتّة (٤)

________________________________________

محلّ من الإعراب أو لا.

(١) الشّاهد في الآية : إنّ الجملتين المعطوفتين متّفقتان لفظا ومعنى ، والجامع بينهما التّضادّ بين المسندين والمسند إليهما ، وذلك ظاهر.

والفرق بين المثالين : إنّ الجملتين وإن كانتا متّفقنتين في الخبريّة لفظا ومعنى ، إلّا أنّهما يفترقان في أنّ الجملة الأولى في المثال الأوّل فعليّة ، والثّانية اسميّة ، وهما متماثلتان في الاسميّة في المثال الثّاني.

(٢) وقبله (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا).

والشّاهد فيها هو كون الجملات المتعاطفات فيها إنشائيّة لفظا ومعنى مع وجود جامع بينهما وهو اتّحاد المسند إليه فيها ، وهو الواو الّتي هي ضمير المخاطبين وتناسب المسندات حيث إنّ بين الأكل والشّرب والإسراف تقاربا في الخيال ، لأنّ الإنسان إذا تخيّل الأكل تخيّل الشّرب لتقاربهما في الخيال وتلازمهما عادة ، وكذا الإسراف ، لأنّهما إذا حضرا في الخيال تخيّل مضرّة الإسراف والتّجاوز عن حدّهما.

(٣) إلى هنا كان المثال للقسمين الأوّلين ، وأمّا أقسام الاتّفاق معنى فقطّ ، وهي السّتّة الباقية ، فلم يذكر لها إلّا مثالا واحدا.

(٤) أي السّتّة السّابقة في قول الشّارح ، حيث قال : والمتّفقتان معنى فقطّ ستّة أقسام ، ثمّ المراد بالقسمين اللّذين يمكن تطبيق المثال عليهما ، أن تكون الجملتان خبريّتين لفظا ، إنشائيّتين معنى ، أو تكونا إنشائيّتين معنى ، والأولى خبريّة في اللّفظ ، والثّانية إنشائيّة فيه ، وقد تقدّم ذكر أمثلة تمام السّتّة.

وأمّا تطبيقه على القسم الأوّل وهو كون الجملتين إنشائيّتين معنى فقطّ ، فبأن يقال : لا تعبدون وتحسنون ، فإنّهما إنشائيّتان معنى ، أي بمعنى لا تعبدوا وأحسنوا.

__________________

(١) سورة الانفطار : ١٣ و ١٤.

(٢) سورة الأعراف : ٣١.

١١٩

وأعاد (١) فيه لفظة الكاف تنبيها (٢) على أنّه مثال للاتّفاق معنى فقطّ ، فقال : [وكقوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً)(١) (٣)]

________________________________________

وأمّا تطبيقه على الثّاني :

وهو كون لفظ الأولى خبرا ، والثّانية إنشاء مع كونهما إنشائيّتين معنى ، فبأن يقال : لا تعبدون وأحسنوا ، فاللّفظ الأوّل خبر بمعنى لا تعبدوا ، والثّاني إنشاء.

وأمّا تطبيقه على الثّالث :

وهو عكس الثّاني ، فبأن يقال : لا تعبدوا وتحسنون ، فإنّهما إنشائيّتان معنى ، فاللّفظ الأوّل إنشاء ، والثّاني خبر بمعنى أحسنوا.

وأمّا تطبيقه على الرّابع : وهو كونهما خبريّتين معنى فقطّ ، فبأن يقال : لا تعبدوا وأحسنوا ، فاللّفظان إنشاءان بمعنى لا تعبدون وتحسنون.

وأمّا تطبيقه على الخامس : فبأن يقال : لا تعبدوا وتحسنون ، فإنّهما خبريّتان معنى ، فاللّفظ الأوّل إنشاء بمعنى لا تعبدون ، والثّاني خبر.

وأمّا تطبيقه على السّادس : فبأن يقال : لا تعبدون وأحسنوا فإنّهما خبريّتان معنى ، فاللّفظ الأوّل خبر ، والثّاني إنشاء بمعنى تحسنوا.

فالمتحصّل من جميع ما ذكرناه أنّ التّطبيق المذكور يكون على كلّ قسم من الأقسام السّتّة المذكورة سابقا.

(١) أي أعاد المصنّف في المثال الواحد لفظة الكاف ، حيث قال : «وكقوله تعالى» ، ولم يقل : وقوله تعالى.

(٢) أي تنبيها على أنّه أي المثال الواحد «مثال للاتّفاق معنى فقطّ».

وجه التّنبيه : إنّ زيادة الكاف من دون ضرورة في الظّاهر ، لا بدّ لها من نكتة ، وهي فصله عمّا قبله في الجملة.

(٣) ومعنى الآية ظاهرا : وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل بأنّ لا تعبدوا إلّا الله ، وأحسنوا بالوالدين إحسانا ، وقولوا للنّاس قولا حسنا ، فتكون كلمة أن محذوفة في (لا تَعْبُدُونَ).

__________________

(١) سورة البقرة : ٨٣.

١٢٠