دروس في البلاغة - ج ٢

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في البلاغة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٥

[أحسن تطرية (١)] أي تجديدا وإحداثا من طرّيت الثّوب [لنشاط السّامع و] كان [أكثر (٢) إيقاظا للإصغاء إليه (٣)] أي إلى ذلك الكلام ، لأنّ لكلّ جديد لذّة ، وهذا وجه حسن الالتفات على الإطلاق (٤) [وقد يختصّ مواقعه (٥) بلطائف (٦)] غير هذا الوجه العامّ [كما في]

______________________________________________________

(١) أي التّطرية بالهمزة ، بمعنى الإحداث من طرأ عليهم أمر إذا حدث وبالياء المثنّاة التّحتيّة من طرّيت الثّوب إذا عملت به ما يجعله طريّا ، أي جديدا ، فمعنى طرّيت الثّوب أي جدّدته والشّارح قد جمع بين التّجديد والإحداث في مادّة الياء حيث قال : «أي تجديدا وإحداثا» وهذا الجمع منه على خلاف النّقل بناء على قراءة واحدة.

نعم ، ليس على خلاف النّقل على القراءتين كما يدلّ عليه قوله : «أو إحداثا» أي بعطف الإحداث على التّجديد بأو كما في بعض النّسخ. وقيل : إنّ قوله : «تجديدا» بيان للمعنى اللّغوي ، وقوله : «إحداثا» بيان للمراد ، فإنّه إحداث هيئة أخرى لازم لتجديد الثّوب.

(٢) من إجراء الكلام على أسلوب واحد ، فيكون تعبير الأسلوب تنبيها للسّامع من الغفلة.

(٣) أي لأجل الإصغاء أي الاستماع التّامّ ، وهذه العلّة أعني الإصغاء مغايرة للعلّة الأولى أعني النّشاط في المفهوم ، لكنّهما متلازمان مصداقا ، لأنّ النّشاط للكلام يلزمه الإصغاء إليه ، فكلّ من النّشاط والإصغاء علّة لحسن الالتفات ، وقوله : «لأنّ لكلّ جديد لذّة» علّة للعلّة ، أي وإنّما يحصل للسّامع نشاط وإصغاء إلى الكلام عند النّقل المذكور ، أي الالتفات.

(٤) أي في أيّ تركيب كان ، أو في كلّ موضع سواء كان في الفاتحة أو غيرها.

(٥) أي مواضع الالتفات ومقاماته الّتي يوجد فيها الالتفات واختصاص مواقعه كناية عن اختصاص نفس الالتفات ، كما يشير إليه كلامه في المطوّل حيث قال : أي قد يكون لكلّ التفات سوى هذا الوجه العامّ ـ أعني نشاط السّامع أو الإصغاء ـ لطيفة ووجه مختصّ به بحسب مناسبة المقام.

(٦) الباء داخلة على المقصور ، وهذا من مقابلة الجمع بالجمع نحو : ركب القوم دابّتهم ، أي ركب كلّ واحد منهم دابّته المختصّة به.

وحاصل الكلام أنّه قد يختصّ مواقع الالتفات بلطائف ، أي بأمور لطيفة غير هذا الوجه العامّ ـ أعني تجديد النّشاط وإيقاظ الإصغاء ـ مثل التّنبيه على ما ينبغي للمتكلّم أن يكون عليه حين التّكلّم ، وهذه اللّطائف كما تكون من خصائص تلك المواقع ، كذلك تكون من خصائص

٦١

سورة [الفاتحة فإنّ العبد إذا ذكر الحقيق (١) بالحمد عن قلب حاضر يجد] ذلك العبد [من نفسه محرّكا للإقبال عليه] أي على ذلك الحقيق بالحمد [وكلّما أجرى عليه صفة من تلك (٢) الصّفات العظام قوّى ذلك المحرّك إلى أن يؤول الأمر إلى خاتمتها] أي خاتمة تلك الصّفات ، يعني (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) [المفيدة (٣) أنّه] أي ذلك الحقيق بالحمد [مالك الأمر كلّه في يوم الجزاء] لأنّه (٤) أضيف مالك إلى يوم الدّين على طريق (٥) الاتّساع ،

______________________________________________________

المتكلّم كما في سورة الفاتحة ، فإنّ لطيفة التّنبيه فيها على وجوب كون قراءة العبد على وجه وجدان المحرّك للإقبال عليه تعالى مختصّة بهذا الموقع ، ومقصورة على المتكلّم لأنّ السّامع هو الله تعالى.

(١) أي المستحقّ به وهو الله تعالى ، أي ذكره العبد بقوله : «الحمد لله» الدّالّ على أنّه مستحقّ لجميع المحامد ، وكان ذلك الذّكر صادرا «عن قلب حاضر» لا غافل ، ولا الذّكر بمجرّد اللّسان ، فحينئذ «يجد ذلك العبد من نفسه محرّكا ...».

(٢) أي كالرّحمن والرّحيم وربّ العالمين.

(٣) صفة «خاتمتها».

(٤) علّة «المفيدة» ، والضّمير للشّأن.

(٥) متعلّق بمحذوف ، أي وجعل اليوم مملوكا على طريق التّوسعة في الظّرف ، فإنّهم وسعوه ، فجوّزوا فيه ما لم يجيزوا في غيره حيث نزّلوه منزلة المفعول به.

وبعبارة أخرى : إنّ الاتّساع في الظّروف على ثلاثة أقسام :

الأوّل : الاتّساع من حيث المكان بأن يستعمل في مكانه الأصلي وغيره ، وهذا هو المراد في ردّ من استدلّ على جواز تقديم خبر ليس عليه ، بتقديم معموله في قوله تعالى : (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ)(١) حيث أجيب عن ذلك باتّساعهم في الظّروف.

الثّاني : الاتّساع من حيث المعنى ، بأن يستعمل في المعنى الظّرفي الحقيقيّ والمجازي ، نحو : في ذمّتي دين.

الثّالث : الاتّساع من حيث الآلة بأن يستعمل مع آلة الظّرفيّة ، أي مع لفظة في ، وبدونها ، وهذا هو المراد في المقام ، فلذلك قال : «والمعنى على الظّرفيّة».

__________________

(١) سورة هود : ٨.

٦٢

والمعنى (١) على الظّرفيّة ، أي مالك في يوم الدّين والمفعول محذوف دلالة (٢) على التّعميم [فحينئذ (٣) يوجب] ذلك المحرّك لتناهيه في القوّة [الإقبال عليه (٤)] أي إقبال العبد على ذلك الحقيق بالحمد [والخطاب (٥) بتخصيصه بغاية الخضوع والاستعانة في المهمّات] فالباء في بتخصيصه متعلّق بالخطاب يقال : خاطبته بالدّعاء إذا دعوت له مواجهة ،

______________________________________________________

(١) أي والمعنى الحقيقي على الظّرفيّة ، فقوله : «والمعنى على الظّرفيّة» إشارة إلى أنّ الظّرف وإن أجري على مجرى المفعول به ، إلّا أنّه ظرف في المعنى ، والمفعول به محذوف ، والأصل مالك الأمر كلّه في يوم الجزاء.

(٢) قوله : «دلالة على التّعميم» علّة لحذف المفعول ، أي حذف المفعول لأجل الدّلالة على التّعميم لما يأتي في الباب الرّابع من أنّ حذف المفعول قد يفيد التّعميم.

ففي حذف المفعول فائدتان : الأولى : الدّلالة على التّعميم مع اختصار.

الثّانية : لئلّا يلزم ترجيح بلا مرجّح لو خصّص الذّكر ببعض دون بعض.

(٣) أي حين إفادة الخاتمة ، أنّه مالك الأمر كلّه أو حين ازدياد قوّة المحرّك.

(٤) أي على ذلك الحقيق بالحمد ، وبيان ذلك أنّه إذا انتقل عن حضور القلب إلى قوله : (رَبِّ الْعالَمِينَ) الدّالّ على أنّه مالك للعالمين لا يخرج منهم شيء عن ملكه ، قوّى ذلك المحرّك ، ثمّ انتقل عنه إلى الرّحمن الدّالّ على أنّه منعم بأنواع النّعم تضاعف قوّة ذلك المحرّك ، ثمّ انتقل إلى خاتمة الصّفات العظام ، وهي قوله : «مالك يوم الدّين» الدّالّ على أنّه مالك للأمور يوم الجزاء تناهت قوّة ذلك المحرّك للإقبال عليه.

(٥) أي يوجب ذلك المحرّك أن يخاطب العبد لذلك الحقيق بالحمد بما يدلّ على تخصيصه بغاية الخضوع بقوله : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) إذ معناه نخصّك بالعبادة فيعتقد العبد بأنّ العبادة له تعالى لا لغيره ، وبتخصيصه بطلب العون منه «في المهمّات» بقوله : (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) إذ معناه نخصّك بالاستعانة.

٦٣

وغاية الخضوع هو معنى العبادة (١) ، وعموم المهمّات مستفاد من حذف مفعول (نَسْتَعِينُ) (٢) والتّخصيص مستفاد من تقديم المفعول ، فاللّطيفة (٣) المختصّ بها موقع هذا الالتفات (٤) هي (٥) أنّ فيه تنبيها على العبد إذا أخذ في القراءة يجب أن تكون قراءته على وجه يجد من نفسه ذلك المحرّك.

الأسلوب الحكيم

ولمّا (٦) انجرّ الكلام إلى ذكر خلاف مقتضى الظّاهر أورد عدّة أقسام منه (٧) ، وإن لم تكن من مباحث المسند إليه ، فقال :

______________________________________________________

(١) قال الرّاغب : العبوديّة هو إظهار التّذلّل ، والعبادة أبلغ لأنّها غاية الخضوع.

(٢) أي حذف مفعوله الثّاني ، أي نستعين في جميع الأمور.

(٣) إشارة إلى أنّ ما ذكره المصنّف قاصر ، لأنّ حاصله إنّ إجراء تلك الصّفات موجب لوجود المحرّك الّذي يوجب أن يخاطب العبد ذلك الحقيق بالحمد ، ولا يفهم نكتة الخطاب الّذي وقع في كلامه تعالى ، فلابدّ من ضمّ مقدّمة ، وهي أنّ العبد مأمور بقراءة الفاتحة ، ففيه تنبيه على أنّ العبد ينبغي أن تكون قراءته بحيث يجد ذلك المحرّك لتكون قراءته بالخطاب واقعة موقعها بأن تكون قراءته مشتملة على وجه وهو حضور القلب والتفاته إلى مستحقّ الحمد.

(٤) أي إيّاك مكان إيّاه.

(٥) أي اللّطيفة «أنّ فيه» أي في هذا الالتفات «تنبيها» أي من الله تعالى «على أنّ العبد إذا أخذ» أي شرع «في القراءة» أي في قراءة الفاتحة «يجب أن تكون قراءته» أي يتأكّد عليه ذلك «على وجه» أي مشتملة على وجه ، وهو حضور القلب «يجد من نفسه ذلك المحرّك» حتّى يكون العبد ممّن يعبد الله كأنّه يراه.

(٦) أشار بهذا الكلام إلى سبب ذكر قوله : «ومن خلاف المقتضي ...» هنا وإن لم يكن من مباحث المسند إليه ، وحاصل الكلام أنّه لمّا كان كلامه في أحوال المسند إليه على مقتضى الظّاهر ، وانجرّ ذلك إلى خلاف مقتضى الظّاهر من المسند إليه أورد عدّة أقسام منه ، وإن لم تكن من المسند إليه.

(٧) أي من خلاف مقتضى الظّاهر.

٦٤

[ومن (١) خلاف المقتضى] أي مقتضى الظّاهر [تلقّي (٢) المخاطب] من إضافة المصدر إلى المفعول ، أي تلقّي (٣) المتكلّم للمخاطب [بغير ما (٤) يترقّب] أي المخاطب ، والباء (٥) في بغير للتّعدية ، وفي [بحمل كلامه] للسّببيّة (٦) ، أي إنّما تلقّاه بغير ما يترقّبه بسبب أنّه (٧) حمل كلامه ، أي الكلام الصّادر عن المخاطب [على خلاف مراده] أي مراد المخاطب ، وإنّما حمل كلامه على خلاف مراده [تنبيها (٨)] للمخاطب [على أنّه] أي ذلك الغير هو [الأولى بالقصد] والإرادة [كقول ابن القبعثرى (٩)

______________________________________________________

(١) وفي لفظ «من» إشارة إلى عدم الانحصار.

(٢) التلقّي بمعنى المواجهة يقال : تلقّاه بكذا أي واجهه به.

(٣) التّفسير إشارة إلى كون الفاعل ـ وهو المتكلّم ـ محذوفا.

(٤) أي بغير الكلام الّذي ينتظره المخاطب من المتكلّم.

(٥) جواب عن سؤال مقدّر وهو أنّ قولك من إضافة المصدر إلى المفعول غير صحيح ، لأنّ التّلقّي من الأبواب اللّازمة الّتي لا توجد لها مفعول ، فكيف تكون إضافته إلى المخاطب من إضافة المصدر إلى المفعول؟!

فأجاب بقوله : «والباء في بغير للتّعدية» ، والصّحيح أن يقال : إنّ التّلقّي بمعنى المواجهة متعدّ إلى مفعول واحد بنفسه ، وإلى المفعول الثّاني بالباء ، فلا يبقى مجال للسّؤال ، كي يحتاج إلى الجواب.

(٦) قوله : «الباء في بغير للتّعدية ، وفي» بحمل كلامه «للسّببيّة» دفع لما يتوهّم من لزوم تعلّق حرفي جرّ متّحدي اللّفظ والمعنى بعامل واحد ، وهو ممنوع. وحاصل الدّفع : إنّ الجارّين مختلفان معنى ، وليسا بمعنى واحد فيجوز تعلّقهما بعامل واحد.

(٧) أي المتكلّم حمل الكلام الصّادر عن المخاطب «على خلاف مراده».

(٨) أي تنبيها من المتكلّم للمخاطب على أنّ ذلك الغير هو الأولى بالقصد والإرادة ، فالإرادة عطف تفسيريّ على القصد.

(٩) قيل : إنّه وزير الحجّاج ، وقيل : إنّه من رؤساء العرب وفصحائهم ، كان يوما جالسا في بستان مع جماعة من إخوانه في زمن العنب ، فذمّ بعضهم الحجّاج ، فقال القبعثرى : اللهمّ سوّد وجهه واقطع عنقه ، واسقني من دمه ، فبلغ ذلك الحجّاج ، فقال له حين لقاه : أنت قلت

٦٥

للحجّاج وقد قال :] الحجّاج [له] أي لابن القبعثرى حال كون الحجّاج [متوعّدا (١)] إيّاه [لأحملنّك على الأدهم] يعني القيد ، هذا (٢) مقول قول الحجّاج [مثل الأمير يحمل على الأدهم والأشهب] هذا مقول قول ابن القبعثرى ، فأبرز وعيد الحجّاج في معرض الوعد ، وتلقّاه بغير ما يترقّب بأنّ حمل الأدهم في كلامه على الفرس الأدهم ، أي الّذي غلب سواده حتّى ذهب البياض الّذي فيه ، وضمّ إليه (٣) الأشهب ، أي الّذي غلب بياضه حتّى ذهب سواده ، ومراد الحجّاج إنّما هو القيد فنبّه على أنّ الحمل على الفرس الأدهم هو الأولى بأن يقصده الأمير [أي من كان (٤) مثل الأمير في السّلطان]

______________________________________________________

ذلك؟ فقال : نعم ، ولكن أردت العنب الحصرم ، أي العنب الأخضر ، ولم أردك ، فقال له : لأحملنّك على الأدهم ، فقال القبعثرى : مثل الأمير يحمل على الأدهم والأشهب ، ـ «الأدهم» هو الفرس الّذي غلب سواده حتّى ذهب البياض الّذي فيه ، «الأشهب» هو الفرس الّذي غلب بياضه حتّى ذهب ما فيه من السّواد ـ فقال له الحجّاج : ويلك إنّه لحديد ، فقال : أن يكون حديدا خير من أن يكون بليدا ، فحمل الحديد أيضا على خلاف مراده ، فإنّ الحجّاج أراد بالحديد المعدن المعروف ، فحمله القبعثرى على ذي الحدّة ، فقد سحر الحجّاج بهذا الأسلوب حتّى تجاوز عن جريمته ، وأحسن إليه.

والشّاهد : إنّ القبعثرى تلقّاه ، أي الحجّاج بغير ما يترقّب حيث حمل الأدهم في كلامه على الفرس الأدهم.

(١) من الوعيد بمعنى التّخويف والتّهديد.

(٢) أي قوله : «لأحملنّك على الأدهم».

(٣) أي إلى الأدهم ، فضمّ الأشهب إلى الأدهم قرينة على أنّ مراده بالأدهم هو الفرس لا القيد.

(٤) أي من كان مثل الأمير في السّلطان فجدير أن يعطى ، فأنت يا أمير بالطّريق الأولى جدير بالإعطاء والإنعام دون الأخذ والانتقام ، ففي هذا الكلام من المبالغة ما ليس في الأمير.

٦٦

أي (١) الغلبة [وبسطة اليد] أي الكرم (٢) ، والمال (٣) والنّعمة [فجدير بأن يصفد] أي يعطي من أصفده (٤) [لا أن يصفد] أي يقيّد من صفده (٥) [أو السّائل (٦)] عطف على المخاطب ، أي تلقّي السّائل [بغير ما يتطلّب (٧) بتنزيل (٨) سؤاله منزلة غيره] أي منزلة غير ذلك السّؤال [تنبيها للسّائل على أنّه]

______________________________________________________

(١) هذا التّفسير إشارة إلى أنّ المراد بالسّلطان السّلطنة والغلبة.

(٢) تفسير لقوله : «بسطة اليد» فالمراد بها سعة اليد في الجود والكرم.

(٣) أي «المال والنّعمة» عطف على «السّلطان» لا من بقيّة التّفسير ، وذكر النّعمة بعد المال من ذكر العامّ بعد الخاصّ. فمعنى العبارة : من كان مثل الأمير في السّلطان والمال والنّعمة فجدير بأن يصفد ، أي يعطى.

(٤) أي من باب الإفعال.

(٥) يقال : صفده ، أي شدّه وأوثقه ، ثمّ إنّ الفرق بين الفعلين من حيث المعنى أنّ الأوّل بمعنى الإعطاء ، والثّاني بمعنى القيد ، قالوا : أصفده أي أعطاه صفده ، أي قيده كوعده أوعده ، أمّا النّكتة في الفرق المذكور على ما في بعض الشّروح : فهي أنّ صفد للقيد ، وهو ضيّق ، فناسب أن تقلّل حروفه الدّالّة عليه ، وأصفد للإعطاء المطلق المطلوب فيه الكثرة ، فناسب فيه كثرة الحروف على عكس وعد وأوعد ، حيث إنّ وعد للخير ، والخير سهل مقبول للأنفس ، فناسب قلّة حروفه ، وخفّة لفظه ، وأوعد للشّرّ وهو صعب شقاق على النّفوس ، فناسب ثقل لفظه بكثرة حروفه.

(٦) الفرق بين تلقّي السّائل وتلقّي المخاطب أنّ تلقّي السّائل مبنيّ على السّؤال بخلاف المخاطب.

(٧) التّطلّب هو الطّلب مرّة بعد أخرى ، كما في الصّحاح ، فالأولى بغير ما يطلب ، لأنّ ذلك التّلقّي لا يختصّ بالطّلب بعد آخر. نعم ، التّعبير بالتّطلّب يمكن أن يكون إشارة إلى مزيد الشّوق الحاصل عند السّائل ، فكان كالطّالب للجواب مرّة بعد أخرى.

(٨) أي بتنزيل المجيب سؤال السّائل منزلة غير ذلك السّؤال.

٦٧

أي ذلك الغير (١) [الأولى بحاله (٢) أو المهمّ له (٣) ، كقوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ)(١)] سألوا عن سبب اختلاف القمر في زيادة النّور ونقصانه ،

______________________________________________________

(١) أي السّؤال الّذي هو غير سؤاله.

(٢) بحال السّائل إمّا لعدم أهليّته لجواب ما يسأل أو لعدم الفائدة فيه بالنّسبة إليه.

(٣) أي للسّائل ، عطف «المهمّ» على «الأولى» من عطف الملزوم على اللّازم لأنّ كونه هو المهمّ يستلزم كونه أولى ، أي أنسب بحاله دون العكس ، لأنّ الشّيء قد يكون أولى بالحال على تقدير التّوجّه لطلبه ، ولا يكون في نفسه من جملة المهمّات.

(٤) (الْأَهِلَّةِ) جمع هلال ، يقال هلال إلى ثلاثة ليال ، وبعده القمر ، وسمّيت الهلال هلالا ، لأنّ النّاس يهلّون عند رؤيته.

ومحلّ الشّاهد هو قوله تعالى : (هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ) حيث إنّه جواب ببيان الثّمرة ، والحكمة المترتّبة على اختلاف نور القمر ، لأنّ الاختلاف هو ما يتحقّق به نهاية كلّ شهر ، فيتعيّن به الوقت للحجّ والصّيام ووقت الحرث وآجال الدّين ، وغير ذلك ، ولم يجاب بالسّبب الّذي هو أنّ القمر جسم أسود مظلم ونوره مستفاد من نور الشّمس ، ولذا يختلف بالقرب والبعد من الشّمس.

والحاصل : إنّهم سألوا عن السّبب الفاعل المؤثّر في اختلاف نور القمر زيادة ونقصانا ، وكان الجواب بالسّبب الغائي ، فكان الجواب بغير ما يطلب السّائل ، فكان الكلام على خلاف مقتضى الظّاهر.

فقد روي أنّ جمعا من الأنصار سألوا عن السّبب في اختلاف نور القمر زيادة ونقيصة ، حيث قالوا : ما بال الهلال يبدو دقيقا مثل الخيط ، ثمّ تتزايد قليلا حتّى يمتلئ ويستوي ، ثمّ لا يزال ينقص حتّى يعود كما بدأ ، لا يكون على حالة واحدة ، فأجيبوا ببياض الغرض من هذا الاختلاف ، وهو أنّ الأهلّة بحسب ذلك الاختلاف معالم يوقت بها النّاس أمورهم من المزارع والمتاجر ونحوهما.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٨٩.

٦٨

فأجيبوا ببيان الغرض (١) من هذا الاختلاف وهو أنّ الأهلّة بحسب ذلك الاختلاف معالم (٢) يوقّت بها النّاس أمورهم من المزارع والمتاجر ومحالّ الدّيون والصّوم وغير ذلك ، ومعالم للحجّ يعرف بها وقته ، وذلك (٣) للتّنبيه على أنّ الأولى والأليق بحالهم أن يسألوا عن ذلك (٤) ، لأنّهم ليسوا (٥) ممّن يطّلعون بسهولة على دقائق علم الهيئة ، ولا يتعلّق لهم به غرض [وكقوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)(١) (٦)] سألوا عن بيان ما ذا ينفقون ، فأجيبوا ببيان المصارف تنبيها على أنّ المهمّ هو السّؤال عنها (٧) ،

______________________________________________________

(١) أي الفائدة والغاية.

(٢) جمع معلم ، كالمواقيت جمع ميقات ، بمعنى العلامة.

(٣) أي الجواب ببيان الغرض.

(٤) أي عن الغرض ، لا عن السّبب «للتّنبيه ...».

(٥) أي إنّهم ليسوا ممّن يطّلعون على ذلك بسهولة ، لعدم حصول الآلات عندهم لا لحماقتهم.

(٦) محلّ الشّاهد هو : أنّ السّؤال في هذه الآية إنّما هو عن المنفق ، وحينئذ تكون هذه الآية من قبيل تلقّي السّائل بغير ما يتطلّب.

نعم ، لو كان السّؤال عن المنفق والمصرف معا ، كما قيل لما كانت الآية من قبيله ، بل من قبيل الجواب عن البعض وهو المصرف صراحة وعن البعض الآخر ضمنا ، لأنّ في ذكر الخير إشارة إلى أنّ كلّ مال نافع ينفق منه. وكيف كان ، فإنّه قد روي أنّ عمرو بن الجموح جاء إلى النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو شيخ كبير له مال عظيم ، فقال : ماذا ننفق من أموالنا «فأجيبوا ببيان المصرف» أي لا ببيان المنفق على ما نحن بصدد بيانه ، ولو أنّهم أجيبوا ببيانه لقيل : أنفقوا مقدار كذا وكذا ، أو أنفقوا من كذا وكذا

(٧) أي عن المصارف.

__________________

(١) سورة البقرة : ٢١٥.

٦٩

لأنّ النّفقة لا يعتدّ بها إلّا أن تقع موقعها (١).

[ومنه] أي ومن خلاف مقتضى الظّاهر [التّعبير عن] المعنى [المستقبل بلفظ الماضي تنبيها على تحقّق وقوعه نحو : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ)(١) (٢)] بمعنى يصعق [ومثله] لتّعبير عن المقصود المستقبل بلفظ اسم الفاعل كقوله تعالى : (وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ)(٢) (٣)] مكان يقع [ونحوه] التّعبير عن المستقبل بلفظ اسم المفعول كقوله تعالى : (ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ)(٣) (٤)]

______________________________________________________

(١) فإذا وقعت في موقعها كانت معتدّا بها ، قليلة كانت أو كثيرة ، وإذا لم تقع موقعها ، فلا يعتدّ بها ، ولو كانت كثيرة بخلاف المنفق ، فإنّه معتدّ به إذا وقع في محلّه قليلا كان أو كثيرا.

(٢) محلّ الشّاهد قوله تعالى : (فَصَعِقَ) أي مات وهلك ـ هكذا في النّسخ ـ والصّواب : ففزع بمعنى يفزع ، حيث عبّر عن المعنى المستقبل بلفظ الماضي تنبيها على أنّه ممّا لا بدّ منه ، فهو إذا كالماضي في وقوعه ، وكونه مفروغا عنه.

(٣) محلّ الشّاهد قوله تعالى : (لَواقِعٌ) حيث عبّر عن المقصود الواقع في المستقبل بلفظ اسم الفاعل ، أي أنّ الجزاء بعد الحساب لحاصل ، ثمّ المراد من الجزاء هو الجزاء الأخروي.

(٤) محلّ الشّاهد قوله تعالى : (مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ) حيث عبّر عن المستقبل بلفظ اسم المفعول أي يجمع النّاس لما فيه من الثّواب والعقاب والحساب ، وجميع ما ذكر وارد على خلاف مقتضى الظّاهر ، ثمّ التّعبير عن اسم المفعول بقوله : «ونحوه» إشارة إلى اختلافهما في المعنى.

__________________

(١) سورة الزّمر : ٦٨.

(٢) سورة الذّاريات : ٦.

(٣) سورة هود : ١٠٤.

٧٠

مكان يجمع ، وههنا بحث ، وهو أنّ كلا من اسميّ الفاعل والمفعول قد يكون بمعنى الاستقبال وإن لم يكن ذلك بحسب أصل الوضع ، فيكون كلّ منهما ههنا واقعا في موقعه واردا على حسب مقتضى الظّاهر ، والجواب (١) أنّ كلا منهما حقيقة فيما تحقّق فيه وقوع الوصف وقد استعمل ههنا فيما لم يتحقّق مجازا تنبيها على تحقّق وقوعه. [ومنه] أي ومن خلاف مقتضى الظّاهر [القلب (٢)] وهو أن يجعل أحد أجزاء الكلام مكان الآخر ، والآخر مكانه [نحو : عرضت النّاقة على الحوض] مكان عرضت الحوض على النّاقة ، أي أظهرته عليها لتشرب (٣) [وقبله] أي القلب [السّكّاكي مطلقا (٤)] وقال : إنّه ممّا يورث الكلام ملاحة (٥). [وردّه غيره] أي غير السّكّاكي [مطلقا (٦)] لأنّه عكس المطلوب ونقيض المقصود.

______________________________________________________

(١) حاصل الجواب : إنّا لا نسلّم أنّه إذا استعمل أحدهما بمعنى الاستقبال على خلاف الوضع يكون واقعا موقعه ، بل هو واقع على خلاف مقتضى الظّاهر.

(٢) هو نظير العكس في علم المنطق ، والنّسبة بينهما عموم وخصوص مطلق ، لأنّ العكس على ما في المنطق هو تبديل طرفيّ القضيّة لا غير ، والقلب أعمّ من ذلك ، لأنّه كما أشار إليه بقوله : «أن يجعل أحد أجزاء الكلام ...» سواء كان طرف القضيّة أم لا ، «مكان الآخر والآخر مكانه».

(٣) لأنّ المعروض عليه يجب أن يكون له إدراك يميل به إلى المعروض.

(٤) أي سواء تضمّن القلب اعتبارا لطيفا أو لا ، واعتبر المصنّف فيه اعتبارا لطيفا ، وقيل : إنّه مردود مطلقا ، لأنّ فيه إغلالا لا يفهم المراد ظاهر.

(٥) أي حسنا وزينة.

(٦) أي سواء كان فيه اعتبار لطيف أم لا ، كما نسب إلى ابن مالك ، والحاصل : إنّ في القلب ثلاث مذاهب :

أحدها : إنّه مقبول مطلقا ، كما ذهب إليه السّكّاكي.

والثّاني : إنّه مردود مطلقا ، كما نسب إلى ابن مالك.

والثّالث : إنّه إن تضمّن اعتبارا لطيفا قبل ، وإلّا فلا ، كما يظهر من المصنّف.

٧١

[والحقّ إنّه إن تضمّن اعتبارا لطيفا] غير الملاحة الّتي أورثها نفس القلب [قبل ، كقوله : ومهمّة] أي مفازة (١) [مغبّرة] أي مملوءة بالغبرة [أرجاؤه] ، أي أطرافه ونواحيه جمع الرّجى مقصورا (٢) [كأنّ لون أرضه سماؤه] على حذف المضاف (٣) [أي لونها] يعني لون السّماء ، فالمصراع الأخير من باب القلب ، والمعنى كأنّ لون سمائه لغبرتها لون أرضه ، والاعتبار اللّطيف هو المبالغة في وصف لون السّماء بالغبرة حتّى كأنّه صار بحيث يشبّه به لون الأرض في ذلك (٤) ، مع أنّ الأرض أصل فيه (٥) [وإلّا] أي وإن لم يتضمّن اعتبارا لطيفا [ردّ] لأنّه (٦) عدول عن مقتضى الظّاهر من غير نكتة يعتدّ بها (٧) [كقوله (٨)] فلمّا أن جرى سمن عليها (٩) [كما طيّنت بالفدن (١٠)]

______________________________________________________

(١) مفازة هي الأرض الّتي لا ماء فيها ، ولا نبت سمّيت بها تفاؤلا بأنّ السّالك فيها يفوز بمقصوده أو بالنّجاة من المهالك ، وإلّا فهي مهلكة لا مفازة.

(٢) بمعنى النّاحية.

(٣) أي لونها ، لأنّه لا مناسبة بين لون الأرض ، وذات السّماء حتّى يشبّه بها ، فالمشبّه به محذوف ، وهو لون السّماء.

(٤) أي في ذلك الوصف وهو الغبرة.

(٥) أي مع أنّ لون الأرض أصل في لون الغبرة والتّشبيه.

(٦) أي لأنّ القلب عدول عن مقتضى الظّاهر من غير نكتة بعتدّ بها فلا يقبل.

(٧) فيه إشارة إلى أنّ الملاحة يوجبها القلب غير معتدّ بها على هذا القول.

(٨) أي كقول القطامي عمر بن سليم الثّعلبي يصف ناقته بالسّمن بكسر السّين وفتح الميم ، اسم مصدر من سمن يسمن ، من باب تعب إذا كثر لحم الحيوان وشحمه ، وأمّا السّمن بفتح الحرفين فهو ما يعمل من لبن البقر والغنم ، والمراد هنا المعنى الأوّل.

(٩) أي على النّاقة.

(١٠) «طيّنت» من طيّنت السّطح بالفدن ، أي القصر السّياع أي الطّين المخلوط بالتّبن ، وفي المزهر ـ وهو كتاب في اللّغة ـ لا يقال : سياع ، إلّا إذا كان فيه تبن ، وإلّا فهو طين.

٧٢

أي بالقصر [السّياعا] أي الطّين المخلوط بالتّبن ، والمعنى كما طيّنت الفدن بالسّياع ، يقال : طيّنت السّطح والبيت. ولقائل أن يقول (١) : إنّه يتضمّن من المبالغة في وصف النّاقة بالسّمن ما لا يتضمّنه قوله : كما طيّنت الفدن بالسّياع لإيهامه أنّ السّياع قد بلغ مبلغا من العظم والكثرة إلى أن صار بمنزلة الأصل ، والفدن بالنّسبة إليه كالسّياع بالنّسبة إلى الفدن

______________________________________________________

ومحلّ الشّاهد : قوله : «بالفدن السّياع» فإنّ فيه قلب ، وذلك لأنّ المعنى كما طيّنت الفدن بالسّياع ، يعني كان الفدن في المعنى نائبا للفاعل لقوله : «طيّنت» المبني للمفعول ، وكان بالسّياع مفعولا بالواسطة له فقلبا وعكسا ، أي جعل الفدن مفعولا بالواسطة والسّياع نائبا للفاعل ، والألف في آخره للإطلاق.

وحاصل معنى البيت : تشبيه النّاقة في سمنها بالفدن ، أي بالقصر المطيّن بالسّياع حتّى صار أملس لا حفرة فيه ، وفي الكلام قلب ، إلّا أنّ هذا القلب لم يتضمّن مبالغة كما تضمّنها قوله : «كأنّ لون أرضه سماؤه».

(١) هذا الكلام إيراد من الشّارح على المصنّف ، وحاصل الإيراد أنّ المصنّف جعل القلب في قول القطامي ممّا لم يتضمّن مبالغة مع انّه يتضمّن من المبالغة في سمن النّاقة الّتي شبّهت بالفدن ما لا يتضمّنه قولنا : كما طيّنت الفدن بالسّياع ، لأنّ القلب يدلّ على عظم السّياع وكثرته حتّى صار كأنّه الأصل ، ثمّ شبّه سمن النّاقة بذلك ، فيدلّ القلب حينئذ على عظم السّمن وكثرته حتّى صار الشّحم واللّحم لكثرته كالأصل.

ولا يخفى أنّ هذا الإيراد مبنيّ على أن يكون السّياع بمعنى الطّين المخلوط بالتّبن ، كما في الصّحاح ، وأمّا على ما ذكره الزّمخشري في الأساس من أنّ السّياع بالكسر هي الآلة الّتي يطيّن بها ، فلا يرد ولا يتأتّى أن يكون في القلب المذكور معنى لطيف ، فيحتمل أن يكون المصنّف ممّن جرى على ما في الأساس وحينئذ فلا اعتراض عليه.

٧٣

أحوال المسند

[أحوال المسند (١) أمّا تركه (٢) فلما مرّ] في حذف المسند إليه (٣) [كقوله :] ومن يك أمسى بالمدينة رحله (٤)

______________________________________________________

(١) أي الباب الثّالث أحوال المسند ، أي الأمور العارضة له من حيث إنّه مسند التّي بها يطابق الكلام مقتضى الحال.

(٢) أي المسند وإنّما قال : في المسند إليه حذفه ، وفي المسند تركه ، رعاية للطيفة ، وهي أنّ المسند إليه أقوم ركن في الكلام وأعظمه ، والاحتياج إليه فوق الاحتياج إلى المسند ، فحيث لم يذكر لفظا فكأنّه أتى به لفرط الاحتياج إليه ، ثمّ أسقط لغرض ، بخلاف المسند فإنّه ليس بهذه المثابة في الاحتياج ، فيجوز أن يترك ولا يؤتى به لغرض ، كما في المطوّل.

فحاصل الفرق بين الحذف والتّرك أنّ الأوّل عبارة عن الإتيان ثمّ الإسقاط ، والثّاني إشارة إلى عدم الإتيان به ابتداء ، ثمّ إسقاط المسند إليه بعد إتيانه إشارة إلى كونه أقوم ركن في الكلام ، لأنّ الكلام يشتمل على النّسبة بين المسند والمسند إليه وحيث كان المسند إليه في الأغلب ذاتا والمسند صفة ، والصّفة في تحقّقها محتاجة إلى الذّات فيكون المسند إليه أقوم ركن في الكلام.

(٣) أي من الاحتراز عن العبث ، بناء على الظّاهر وتخييل العدول إلى أقوى الدّليلين ، وضيق المقام بسبب التّحسّر أو بسبب المحافظة على الوزن واتّباع الاستعمال وغير ذلك.

(٤) لفظة من شرطيّة حذف الجزاء ، وأقيم غيره مقامه و «يك» فعل الشّرط ، أصله يكون ، حذفت الواو لالتقاء السّاكنين بعد الجزم ، وحذفت النّون أيضا تخفيفا أو تشبيها بالتّنوين في السّكون ، و «أمسى» إمّا مسند إلى ضمير من ، وجملة «بالمدينة رحله» خبره إن كانت ناقصة ، وحال إن كانت تامّة ، فالإسناد في «أمسى» حقيقة ، وإمّا مسند إلى رحله بمعنى المنزل والمأوى ، فالإسناد مجاز ، لأنّ المراد إمساء أهل المنزل دون المنزل نفسه ، أي ومن بك أمسى بالمدينة رحله فنعم الإمساء إمساءه ، لأنّه إمساء في المنزل بين الأهل والأحبّة والأصدقاء سالما عن كدر الغربة وتعب الفرقة. وحاصل المعنى من يمسي بالمدينة رحله فليمس ، فإنّي لا أمسي بها لأنّي غريب ، والغريب من يكون عازما على الارتحال.

٧٤

[فإنّي وقيّار بها لغريب (١)] الرّحل هو المنزل والمأوى (٢) وقيّار اسم فرس أو جمل للشّاعر ، وهو (٣) ضابئ بن الحارث كذا في الصّحاح ، ولفظ البيت خبر (٤) ، ومعناه التّحسّر والتّوجّع (٥) ، فالمسند إلى قيّار محذوف (٦) لقصد الاختصار والاحتراز عن العبث

______________________________________________________

(١) هذا المصراع من البيت علّة للمحذوف المعطوف على جواب الشّرط ، والتّقدير : ومن يك أمسى بالمدينة رحله حسنت حاله وساءت حالي ، لأنّي وقيّار بها لغريب ، «وقيّار» مبتدأ وخبره محذوف أي قيّار كذلك.

ولا يقال : قوله : «لغريب» خبر قيّار ، لأنّ لام الابتداء لا تؤخّر عن المبتدأ. فلا تدخل على خبر المبتدأ ، والشّاهد في البيت أنّه حذف المسند من المسند إليه الثّاني يعني قيّار حيث كان في الأصل فإنّي بها لغريب وقيّار كذلك ، أي غريب ، والمعنى إنّي لغريب وقيّار أيضا غريب.

قلنا : إن الجزاء محذوف ، وأقيم غيره مقامه ، ولا يصحّ أن تكون الجملة المقرونة بالفاء جوابا ، لأنّ الجواب مسبّب عن الشّرط ولا مسبّبيّة هنا.

(٢) «والمأوى» مرادف للمنزل.

(٣) أي الشّاعر «ضابئ» بتقديم الباء على الهمزة ، أي ضابئ بن الحارث البرجمي وهو محبوس في المدينة زمن عثمان بن عفّان ، كما في بعض الشّروح.

(٤) قوله : «ولفظ البيت خبر» إشارة إلى وجه ذكره في باب الخبر مع كونه إنشاء معنى ، أي الوجه لذكره في باب الخبر إنّ لفظ البيت خبر استعمل في مقام الإنشاء ، أي إنشاء التّحسّر على الغربة أي التّحزّن منها والتّوجّع بها أي بسبب الغربة ومقاساة شدائدها ، فالبيت باعتبار اللّفظ ورد هنا.

(٥) أي وجع القلب من الكربة الحاصلة بسبب الغربة ، كما قيل بالفارسيّة :

غريب اگرچه بغربت ميانه گنج است

همينكه شام شود آن غريب دل رنجست

نقلا عن المدرّس رحمه‌الله.

(٦) وتقدير الكلام : فإنّي بها لغريب وقيّار بها غريب ، وحذف غريب الثّاني لدلالة العطف عليه ، فيكون العطف من قبيل عطف الجملة على مثلها.

٧٥

بناء (١) على الظّاهر مع ضيق المقام بسبب (٢) التّوجّع ومحافظة الوزن ، ولا يجوز أن يكون قيّار عطفا على محلّ اسم إنّ (٣) ، وغريب (٤) خبرا عنهما (٥) ، لامتناع العطف (٦) على محلّ اسم إنّ قبل مضيّ الخبر (٧) لفظا أو تقديرا

______________________________________________________

(١) أي العبثيّة إنّما هي بناء على الظّاهر ، وإلّا فلا عبث بحسب الحقيقة ونفس الأمر لكون كلّ من المبتدأ والخبر ركن الكلام في الحقيقة ، فكيف يكون ذكره عبثا! فقوله : «بناء على الظّاهر» متعلّق بالعبث.

ويمكن جعل قوله : «بناء على الظّاهر» جواب سؤال مقدّر ، تقديره أنّ الأصل في المبتدأ والخبر ثبوتهما في الكلام ، فلماذا حذف؟ فأجاب بما ترى.

(٢) أي لأجل التّوجّع فقوله : «بسبب التّوجّع» علّة لضيق المقام ، وكذلك قوله : «ومحافظة الوزن» حيث يكون عطفا على التّوجّع ، فيكون علّة لضيق المقام أيضا ، فيحذف المسند لوجوه :

١ : الاختصار.

٢ : الاحتراز عن العبث في الظّاهر.

٣ : ضيق المقام.

(٣) أي على محلّ اسم إنّ باعتبار محلّه ، وهو الرّفع بالابتداء.

(٤) أي المراد من قوله : «وغريب» هو المذكور في الكلام أعني «لغريب».

(٥) أي إنّ وقيّار من دون أن يكون في الكلام حذف.

(٦) أي يمتنع العطف لما يلزم من توجّه عاملين أي الابتداء وإنّ إلى معمول واحد ، أعني قوله : «لغريب» ، فعلّة عدم الجواز هو لزوم توارد عاملين على معمول واحد. وليس عدم الجواز من جهة كون غريب مفردا والمبتدأ متعددا ، كما قيل ، لأنّه وصف يستوي فيه المفرد والمثنّى والمجموع ، فلا يحتاج إلى أن يقال غريبان.

(٧) أي ذكر خبرها قبل المعطوف ، أي إنّ المحذور المذكور إنّما هو إذا كان العطف قبل ذكر خبر إنّ لفظا وتقديرا ، مثل إنّ زيدا وعمرا ذاهبان ، إذ لا شكّ في أنّ قوله : ذاهبان خبر عن كلّ من المعطوف والمعطوف عليه ، فمن حيث إنّه خبر عن اسم إنّ يكون العامل في رفعه إنّ ، ومن حيث إنّه خبر المعطوف على محلّ اسم إنّ يكون العامل في رفعه الابتداء ، فيلزم ما

٧٦

وأمّا إذا قدّرنا له (١) خبرا محذوفا ، فيجوز أن يكون هو (٢) عطفا على محلّ اسم إنّ ، لأنّ الخبر (٣) مقدّم تقديرا ، فلا يكون مثل إنّ زيدا وعمرو ذاهبان (٤) ، بل مثل : إنّ زيدا وعمرو لذاهب ، وهو (٥) جائز ويجوز أن يكون (٦) مبتدأ والمحذوف خبره ،

______________________________________________________

ذكرنا من المحذور ، أعني اجتماع عاملين ، أي إنّ والابتداء على معمول واحد ، وهو باطل ، ومن هذا القبيل نحو : إنّ زيدا وعمرا منطلقان. هذا بخلاف ما إذا كان العطف بعد مضيّ الخبر لفظا ، مثل إنّ زيدا قائم وعمرو. أو تقديرا مثل إنّ زيدا وعمرا قائم ، أي إنّ زيدا قائم وعمرو قائم ، فلا يلزم المحذور المذكور لتعدّد الخبر.

(١) أي لقيّار ، أي قدّرنا له خبرا محذوفا ، كي يكون العطف بعد مضيّ الخبر وهو جائز.

(٢) أي قيّار أي يجوز عطفه على محلّ اسم إنّ.

(٣) أي خبر إنّ ، أعني قوله : لغريب «مقدّم» في التّقدير على المعطوف ، أعني قيّار ، فيكون العطف على محلّ اسم إنّ بعد مضيّ الخبر ، فيصحّ العطف حينئذ.

(٤) أي لا يكون ما نحن فيه مثل المثال المذكور في عدم جواز العطف ، لما فيه من اجتماع عاملين على معمول واحد.

(٥) أي العطف في مثل «إنّ زيدا وعمرو لذاهب» جائز ، لما فيه من العطف على محلّ اسم إنّ بعد مضيّ الخبر ، أي تقديرا ، إذ يقدّر لعمرو خبر آخر فيكون خبر الأوّل المذكور في نيّة التّقديم على المعطوف ، وهذا من قبيل المفردات ، لأنّه عطف المبتدأ على محلّ اسم إنّ ، وخبره على خبر إنّ ، وقد أشار إلى عطف الجملة على الجملة بقوله : «ويجوز أن يكون مبتدأ والمحذوف خبره» والتّقدير وقيّار غريب «والجملة بأسرها عطف على جملة إنّ مع اسمها وخبرها».

(٦) هذا الوجه نفس ما سبق في قوله : «فالمسند إلى قيّار ...» لكن أعاده لأجل إفادة أنّه من عطف الجمل ، لا من عطف المفردات ، كما في الوجه الّذي قبله ، والحاصل إنّ البيت يحتمل احتمالات أربعة ، اثنان جائزان ، واثنان ممنوعان ، فالجائزان : جعل قيّار مبتدأ خبره محذوف ، والجملة بأسرها عطف على جملة اسم إنّ وخبرها ، أو جعل قيّار عطفا على محلّ اسم إنّ ، ويقدّر له خبر عطف على خبر إنّ ، واثنان ممنوعان ، وهما : جعل قيّار مبتدأ وخبره وخبر إنّ محذوف ، أو جعل قيّار عطفا على محلّ اسم إنّ ولغريب خبر عنهما.

٧٧

والجملة بأسرها عطف على جملة إنّ مع اسمها وخبرها ، [وكقوله (١) :

نحن بما عندنا وأنت بما

عندك راض والرّأي مختلف]

فقوله : نحن ، مبتدأ محذوف الخبر ، لما ذكرنا (١) أي نحن بما عندنا (٢) راضون ، فالمحذوف ههنا هو خبر الأوّل بقرينة الثّاني (٣) وفي البيت السّابق بالعكس. [وقولك : زيد منطلق وعمرو] أي وعمرو منطلق (٤) ،

______________________________________________________

(١) أي لما ذكرنا في حذف خبر قيّار من أنّه للاختصار والاحتراز عن العبث بناء على الظّاهر.

(٢) من الاعتقادات والأفعال والأقوال والعادات راضون ، وأنت بما عندك راض ، ولكن رأينا وأفكارنا وأعمالنا وطريقتنا مختلفة ، فالمحذوف ههنا هو خبر الأوّل بقرينة الثّاني ، وفي البيت السّابق بالعكس ، ومراد الشّاعر أنّ ما عندنا خير ممّا عندك.

كما قال الله تعالى : (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)(٢) ، ولكنّه لم يصرّح به نظير قوله تعالى حكاية : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٣).

(٣) أي لدلالة خبر الثّاني عليه ، فالمذكور أعني «راض» خبر أنت لتطابقهما في الإفراد ، والمحذوف خبر نحن وهو «راضون» ، لأنّ المذكور لا يمكن أن يكون خبرا عن «نحن» لعدم تطابقهما.

وكيف كان ، فالوجه في هذا البيت وجوب المطابقة في الخبر المشتقّ ، كما أنّه في البيت الأوّل اللّام الابتدائيّة ، لأنّها لا تدخل على خبر المبتدأ إلّا إذا قدّم نحو : لقائم زيد ، أو كان خبرا لمبتدأ منسوخ ، فلا يصحّ جعل «لغريب» خبرا لقيّار فيكون خبره محذوفا.

(٤) تفسير قوله : «وعمرو» بقوله : «وعمرو منطلق» إشارة إلى جعل الكلام من عطف الجمل ، وكان المثال المذكور من قبيل حذف المسند من الجملة الثّانيّة. ويحتمل أن يكون من عطف المفرد على المفرد ، فيكون المثال خارجا عن المقام ، لأنّه مثال لحذف المعطوف على المسند ، ومحلّ الكلام هو حذف المسند فحينئذ يلزم العطف على معمولي عاملين

__________________

(١) أي قول قيس بن عطيّة ، أو قيس بن الحطيم ، أو امرئ القيس.

(٢) سورة الرّوم : ٣٢.

(٣) سورة سبأ : ٢٤.

٧٨

فحذف للاحتراز عن العبث ، من غير ضيق المقام (١) [وقولك : خرجت فإذا زيد] أي (٢) موجود أو حاضر أو واقف أو بالباب ، أو ما أشبه ذلك ، فحذف لما مرّ (٣) مع اتّباع الاستعمال (٤) لأنّ (٥)

______________________________________________________

مختلفين ، لأنّ العامل في المبتدأ معنوي ، وفي الخبر هو المبتدأ عند سيبويه ، وهو غير جائز على مذهبه.

(١) قوله : «من غير ضيق المقام» إشارة إلى الفرق بين هذا المثال والمثال الأوّل ، فاندفع به ما يقال : من أنّ هذا المثال موافق للمثال الأوّل ، فلا فائدة لذكره.

وحاصل الدّفع إنّ هذا المثال ، وإن كان موافقا للأوّل في أنّ الحذف في كلّ منهما من الثّاني لدلالة الأوّل عليه ، إلّا أنّ بينهما فرقا ، وهو أنّ المقتضي للحذف في الأوّل الاحتراز عن العبث مع ضيق المقام ، وفي الثّاني الاحتراز عن العبث من غير ضيق المقام ، فلا يكون ذكره لغوا.

(٢) التّفسير المذكور إشارة إلى حذف المسند ، قال في المطوّل : والفاء في «فإذا» قيل : هي للسببيّة التّي يراد بها لزوم ما بعدها لما قبلها ، أي مفاجأة زيد لازمة للخروج ، وقيل : للعطف حملا على المعنى ، أي خرجت ففاجأت وقت وجود زيد بالباب ، فالعامل في «إذا» هو فاجأت ، فحينئذ يكون مفعولا به لا ظرفا ، ويجوز أن يكون العامل هو الخبر المحذوف ، فحينئذ لا يكون مضافا إلى الجملة ، وقال المبرّد : «إذا» ظرف مكان فيجوز أن يكون هو خبر المبتدأ ، أي فبالمكان زيد. والتزم تقديمه لمشابهتها إذا الشرطيّة ، لكنّه لا يطرّد في نحو : خرجت فإذا زيد بالباب ، إذ لا معنى لقولنا : فبالمكان زيد بالباب.

(٣) أي فحذف الخبر ، أي موجود مثلا «لما مرّ» من الاحتراز عن العبث.

(٤) أي «مع» أنّ في هذا الحذف اتّباع الاستعمال الوارد على ترك الخبر بعد إذا المفاجأة ، فيكون هذا الوجه زيادة في هذا المثال.

(٥) تعليل لكون الحذف لما مرّ ، وليس تعليلا لاتّباع الاستعمال ، لأنّه لا يتّجه كما هو الظّاهر.

٧٩

إذا المفاجأة (١) تدلّ على مطلق الوجود (٢) وقد (٣) ينضم إليها قرائن تدلّ على نوع خصوصيّة ، كلفظ الخروج المشعر بأنّ المراد فإذا زيد بالباب أو حاضر أو نحو ذلك (٤) ، [وقوله :

إنّ محلّا وإنّ مرتحلا (٥)]

وإنّ في السّفر (٦) إذ مضوا (٧) مهلا (٨)

______________________________________________________

(١) أي بجرّ المفاجأة بإضافة إذا إليها من إضافة الدّالّ إلى المدلول ، كما تقول : لام الابتداء ، ولا يصحّ نصب المفاجأة صفة لإذا ، لأنّ الصّفة لا بدّ أن يكون معناها قائما بالموصوف ، والمفاجأة ليست قائمة بإذا بل مفهومة من اللّفظ.

(٢) أي إذا المفاجأة تدلّ على مطلق الوجود الّذي هو مفاد أفعال العموم على تقدير كون المحذوف من الأفعال العامّة. وأما إذا أريد فعل خاصّ ، أي إذا كان الخبر من أفعال الخصوص مثل قائم أو قاعد أو راكب ، فلابدّ حينئذ من ذكر الخبر إذ لا دلالة للفظة إذا حينئذ على الّذي هو من أفعال الخصوص.

(٣) في هذا الكلام إشارة إلى ما ذكرنا من أنّه إذا كان الخبر مخصوصا لا يجوز أن تجعل إذا الفجائيّة قرينة ، لأنّها إنّما تدلّ على مطلق الوجود لا على الخصوصيّة ، فلابدّ من قرينة أخرى تدلّ عليها ، كلفظ الخروج في المثال المذكور ، فمعناه أنّ مفاجأة زيد بالباب لازمة للخروج ، هذا على تقدير كون الفاء في قوله : «فإذا» للسببيّة ، وقيل : إنّها للعطف على المعنى ، أي خرجت ففاجأت وقت وجود زيد بالباب.

(٤) كواقف أو جالس ونحوهما ، ممّا يدلّ عليه قرينة المقام والحال.

(٥) قوله : «مرتحلا» مصدر ميمي بمعنى الارتحال ، كما أن محلّا بمعنى الحلول كذلك.

(٦) أي في المسافرين ، أي في غيبتهم و «السّفر» اسم جمع سافر ، بمعنى مسافر لا جمع له ، لأنّ فعلا ليس من أبنيّة الجمع.

(٧) قوله : «إذ مضوا» يمكن أن يكون حالا من الضّمير ، فالمعنى وإنّ مهلا ، أي بعدا وطولا كائن في غيبة المسافرين حال مضيّهم ، ويجوز أن يكون منصوبا بفعل محذوف ، تقديره أعني وقت مضيّهم ، ويجوز أن يكون تعليلا ، أي إنّ في غيبتهم مهلا ، لأنّهم مضوا مضيّا لا رجوع بعده.

(٨) قوله : «مهلا» مصدر بمعنى الإمهال وطول الغيبة ، والمعنى إنّ لنا حلولا في الدّنيا وإنّ

٨٠