دروس في البلاغة - ج ٢

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في البلاغة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٥

الاستفهام

[ومنها] أي من أنواع الطّلب [الاستفهام] وهو طلب حصول صورة الشّيء في الذّهن (١) فإن كانت (٢) وقوع نسبة (٣) بين أمرين أو لا وقوعها (٤) فحصولها هو التّصديق وإلّا (٥) فهو التّصوّر [والألفاظ الموضوعة له (٦) الهمزة ، وهل ، وما ، ومن ، وأيّ ، وكم ، وكيف ، وأين ، وأنّى ، ومتى ، وأيّان ،

______________________________________________________

(١) أي طلب حصول صورة المستفهم عنه في ذهن المخاطب ، وفي هذا التّعريف إشارة إلى أنّ السّين والتّاء في الاستفهام للطّلب أي طلب الفهم ، وأنّ الفهم هو بمعنى العلم ، لأنّ الحصول هو الإدراك.

لا يقال : بأنّ هذا التّعريف غير مانع ، وذلك لأنّه يشمل مثل علّمني على صيغة الأمر ، فإنّه دالّ على طلب حصول صورة الشّيء في الذّهن ، مع أنّه أمر لا استفهام ، فكان على الشّارح أن يزيد بأدوات مخصوصة ليخرج نحو : علّمني.

فنقول في الجواب : إنّ التّعريف المذكور تعريف بالأعمّ ، أو إنّ الإضافة للعهد ، أي طلب معهود ، وهو ما كان بالأدوات المخصوصة ، أو أنّ أل في الذّهن عوض عن المضاف إليه ، أي في ذهن المتكلّم.

(٢) أي فإن كانت تلك الصّورة الّتي تعلّق بها الطّلب.

(٣) أي إدراك مطابقة النّسبة للواقع إيجابيّة كانت أو سلبيّة.

(٤) أي إدراك عدم مطابقتها ، كما إذا كان الكلام كاذبا.

(٥) أي وإن لم تكن تلك الصّورة وقوع النّسبة أو لا وقوعها ، بل كانت إدراك موضوع أو محمول أو نسبة مجرّدة عن وصف المطابقة وعدم المطابقة» فهو» أي حصول الصّورة» التّصوّر».

(٦) أي للاستفهام ، وهذه الألفاظ على ثلاثة أقسام :

منها : ما يستعمل لطلب التّصديق تارة ولطلب التّصوّر أخرى ، وهو الهمزة ، فلذا قدّمها على الباقي.

ومنها : ما يستعمل لطلب التّصديق فقطّ ، وهو هل.

ومنها : ما يستعمل لطلب التّصوّر ، وهو باقي الأدوات.

فحيث إنّ الهمزة أعمّ ، قدّمها على الجميع ، ثمّ ذكر هل ، لأنّ طلب التّصديق أهمّ من طلب التّصوّر.

٣٨١

فالهمزة (١) لطلب التّصديق] أي انقياد الذّهن وإذعانه (٢) لوقوع نسبة تامّة بين الشّيئين [كقولك : أقام زيد (٣)] في الجملة الفعليّة ، [وأزيد قائم] في الجملة الاسميّة ، [أو] لطلب [التّصوّر] ، أي إدراك غير النّسبة (٤) [كقولك :] في طلب تصوّر المسند إليه [أدبس في الإناء أم عسل] عالما بحصول شيء في الإناء طالبا لتعيينه ،

______________________________________________________

(١) شروع في بيان تفصيل مواقع هذه الألفاظ.

(٢) عطف الإذعان على انقياد الذّهن عطف تفسير ، والمراد بالإذعان لوقوع النّسبة إدراك وقوعها أو لا وقوعها ، فكأنّه قال : الهمزة لطلب التّصديق الّذي هو إدراك وقوع نسبة تامّة بين شيئين أو لا وقوعها ، أي إدراك موافقتها لما في الواقع أو عدم موافقتها له.

(٣) أي فقد تصوّرت القيام ، وزيدا والنّسبة بينهما ، وسألت عن وقوع النّسبة بينهما هل هو محقّق خارجا أو لا؟ فإذا قيل : قام حصل التّصديق ، والحاصل إنّ السّائل عالم بأنّ بينهما نسبة متلبّسة بالوقوع أو اللّا وقوع ، ويطلب تعيين ذلك ، وكذا يقال في المثال الثّاني.

(٤) الأولى أن يقول : غير وقوع النّسبة أو لا وقوعها ، وذلك كإدراك الموضوع والمحمول ، والنّسبة الّتي هي مورد الإيجاب والسّلب ، وإنّما كان الأولى ما قلناه ، لأنّ كلامه يفيد أنّ إدراك النّسبة من حيث ذاتها ليس تصوّرا ، مع أنّه تصوّر ، إلّا أن يقال : المراد غير النّسبة من حيث وقوعها ولا وقوعها ، فدخل فيه إدراك ذات النّسبة ، واعلم أنّ الفرق بين الاستفهام بالهمزة عن التّصوّر والاستفهام بها عن التّصديق من وجهين : لفظيّ وإنّ ما صلح أن يؤتى بعده بأم المنقطعة دون المتّصلة استفهام عن التّصوّر ، وما صلح أن يؤتى بعده بأم المّصلة فهو استفهام عن التّصديق ومعنويّ ، وهو أنّ الاستفهام عن التّصديق يكون عن نسبة تردّد الذّهن فيها بين ثبوتها ونفيها ، والاستفهام عن التّصوّر يكون عند التّردّد في تعيين أحد الشّيئين.

لا يقال : إنّ جعل الهمزة في المثالين المذكورين لطلب التّصوّر يستلزم طلب تحصيل الحاصل ، لأنّ تصوّر الطّرفين حاصل قبل السّؤال ، لأنّه متصوّر للمسند إليه ، وهو الدّبس وللمسند وهو الكون في الإناء قبل السّؤال ، فلا يتفاوت تصوّر الطّرفين بعد السّؤال وقبله في الحصول للسّائل ، بل هو حاصل في الحالين.

فإنّا نقول : إنّ المراد بالتّصوّر هو التّصوّر على وجه التّعيين ، أي تصوّر المسند إليه من حيث إنّه المسند إليه ، وتصوّر المسند من حيث إنّه المسند ، وهذا غير التّصوّر الحاصل قبل السّؤال ، وهو التّصوّر على وجه الإجمال ، فلا يلزم طلب تحصيل ما هو حاصل.

٣٨٢

[و] في طلب تصوّر المسند [أفي الخابيّة (١) دبسك أم في الزّقّ] عالما بكون الدّبس في واحد من الخابيّة والزّقّ طالبا لتعيين ذلك (٢) [ولهذا] أي لمجيء الهمزة لطلب التّصوّر [لم يقبح] في تصوّر الفاعل [أزيد قام] كما قبح هل زيد قام [و] لم يقبح في طلب تصوّر المفعول [أعمرا عرفت] كما قبح ، هل عمرا عرفت ، وذلك لأنّ التّقديم (٣) يستدعي حصول التّصديق بنفس الفعل ، فيكون هل لطلب حصول الحاصل ،

______________________________________________________

(١) أي الحبّ الكبير ، «الزّقّ» أعني المشك بالفارسيّة ، والقربة بالعربيّة ، ثمّ المراد هو العسل المتّخذ من الزّبيب ، ومن العسل هو عسل النّحل.

(٢) أي أحد الأمرين كي يحصل لك العلم به على وجه التّفصيل ، كما حصل لك العلم على وجه الإجمال ، فإنّ المطلوب في جميع ذلك معلوم بوجه إجماليّ ، وتطلب بالاستفهام تفصيله.

(٣) توضيح ذلك :

إنّ التّقديم يفيد الاختصاص ، فيكون مفاد التّركيب الأوّل أعني أزيد قام ، هو السّؤال عن خصوص الفاعل ، بمعنى أنّه يسأل عن المختصّ بالقيام ، هل زيد أو عمرو ، بعد تعقّل وقوع القيام ، فيكون أصل التّصديق بوقوع القيام من فاعل ما معلوما عنده ، فلزم كون السّؤال عن تعيين الفاعل ، ومفاد الثّاني أعني أعمرا عرفت ، هو السّؤال عن خصوص المفعول ، أي الّذي اختصّ بالمعرفة دون غيره بمعنى أنّه يسأل عن الّذي يصدق عليه أنّه المعروف فقطّ دون غيره ، بعد العلم بوقوع المعرفة على عمرو وغيره ، فأصل التّصديق بوقوع الفعل على مفعول ما معلوم ، وإنّما سأل عن تعيين المفعول ، فالسّؤال في الجملتين لطلب التّصوّر ، فلو استعملت فيهما هل لأفادت طلب التّصديق وأصل التّصديق معلوم فيهما فيكون الطّلب بها لتحصيل الحاصل بخلاف استعمال الهمزة ، فإنّه لا ضرر فيه ، لأنّها لطلب التّصّور.

لا يقال :

إنّ مقتضى هذا أنّ استعمال هل فيما ذكر من التّركيبين ممنوع لا أنّه قبيح فقطّ.

لأنّا نقول :

إنّما لم يكن ممنوعا لجواز أن يكون التّقديم لغير التّخصيص ، لأنّه لا يتعيّن أن يكون للتّخصيص ، فلذا لم يمنع أصل التّركيب.

٣٨٣

وهذا (١) ظاهر في أعمرا عرفت ، لا في أزيد قام ، فليتأمّل (٢). [والمسؤول عنه (٣) بها] أي بالهمزة [هو (٤) ما يليها كالفعل (٥) في أضربت زيدا] إذا كان الشّكّ في نفس الفعل ، أعني (٦) الضّرب الصّادر من المخاطب الواقع على زيد ، وأردت بالاستفهام أن

______________________________________________________

(١) أي استدعاء التّقديم حصول التّصديق بنفس الفعل ظاهر في تقديم المنصوب ، لأنّ تقديم المنصوب يفيد الاختصاص ما لم تقم قرينة على خلافه ، فالغالب فيه الاختصاص ، وأمّا كونه للاهتمام أو التّبرّك فخلاف الغالب ، وأمّا تقديم المرفوع فليس للاختصاص في الغالب ، بل الغالب فيه أن يكون لتقوّي الإسناد ، وأمّا كونه للتّخصيص ، فخلاف الغالب ، وحينئذ فلا يكون هل زيد قام قبيحا لما ذكر. نعم ، يقبح لأمر آخر على ما يأتي من أنّ هل بمعنى قد ، فلا يليها إلّا الفعل غالبا.

(٢) لعله إشارة إلى تساوي تقديم المنصوب والمرفوع ، لأنّ تقديم المنصوب يكون أيضا لغير الاختصاص ، فلا فرق بينهما وحينئذ يكون الإتيان بهل قبيحا دون الهمزة في تقديم المنصوب والمرفوع إلّا أن يقال :

إنّ الفرق بينهما بحسب الغالب كما عرفت ، وحينئذ يكون الإتيان بهل قبيحا دون الهمزة نظرا إلى الغالب فيهما.

(٣) أي الّذي يسأل عنه بالهمزة.

(٤) أي هو تصوّر ما يليها والتّصديق به.

(٥) أي كتصديق الفعل بالمعنى اللّغوي ، أعني الضّرب في المثال المذكور.

(٦) أتى بالعناية دفعا لما ربّما يقال : إنّ الفعل في نفسه من المتصوّرات البسيطة ، ولا يعقل الشّكّ فيها ، وإنّما مركز الشّكّ هو المركّبات التّامّة ، أو التّقييديّة.

وحاصل الدّفع :

إنّ المراد بالفعل ليس الفعل من حيث هو هو بل من حيث صدوره عن الفاعل فحينئذ يصحّ فيه الشّكّ ، إذ يحصل عندك الشّكّ في أنّ المخاطب ج ضرب زيدا أم لا؟

٣٨٤

تعلم وجوده (١) فيكون لطلب التّصديق (٢) ويحتمل أن يكون لطلب تصوّر المسند (٣) بأن تعلم أنّه قد تعلّق فعل من المخاطب بزيد ، لكن لا تعرف (٤) أنّه ضرب أو إكرام [والفاعل (٥) في أأنت ضربت] إذا كان الشّكّ (٦) في الضّارب [والمفعول في أزيدا ضربت] إذا كان الشّكّ في المضروب (٧) ، وكذا قياس سائر المتعلّقات (٨).

______________________________________________________

(١) أي أردت أن تعلم أنّ هذا الضّرب الواقع على زيد وجد من المخاطب أم لا؟

(٢) أي فيكون لطلب التّصديق بصدور الفعل عنه.

(٣) أي فهذا التّركيب أعني أضربت زيدا ، محتمل لأن يكون لطلب التّصديق ، ومحتمل لأن يكون لطلب التّصوّر.

(٤) أي أردت بالاستفهام تبيينه ، لكن هذا الاحتمال ضعيف جدّا ، فإنّ مثل هذا الكلام إنّما يساق بحسب ما هو المتعارف عندهم ، فيما إذا كان المخاطب متردّدا بين صدور الفعل عن الفاعل ، وعدم صدوره عنه ، فمعناه أضربت زيدا أم لا؟ لا فيما إذا كان المخاطب متردّدا بين أحد الفعلين كالضّرب والإكرام ، إذ عندئذ المتعارف عندهم أن يقال : أضربت زيدا أم أكرمته.

(٥) أي عطف على الفعل في قوله : «كالفعل» في أضربت زيدا ، والمراد به الفاعل المعنويّ ، أي الّذي صدر عنه الفعل ، وإن كان في الاصطلاح مبتدأ ، لأنّ الفاعل الصّناعيّ لا يجوز تقديمه على فعله.

(٦) أي تقول هذا الكلام ، أعني أأنت ضربت ، لمخاطبك إذا كنت تعلم أنّ شخصا صدر منه الضّرب ، وشككت في كونه هو المخاطب أو غيره ، فكأنّك تقول له : الّذي صدر منه الضّرب أأنت أم غيرك ، فالشّكّ هنا في الفاعل ، فالسّؤال هنا لطلب التّصوّر.

(٧) أي إنّ هذا الكلام ، أعني أزيدا ضربت ، إنّما تقوله إذا عرفت أنّ مخاطبك ضرب أحدا وجهلت عين ذلك الأحد ، فكأنّك تقول : هو مضروبك من هل هو زيد أم غيره ، فالشّكّ هنا في المفعول والسّؤال للتّصوّر.

(٨) أي المعمولات نحو : أفي الدّار صلّيت وأيوم الجمعة سرت ، وأتأديبا ضربتجو أراكبا جئت ، تقول المثال الأوّل : فيما إذا كان صدور الصّلاة من المخاطب معلوما وكان المطلوب مكانها ، والمثال الثّاني فيما إذا كان الشّكّ في زمان السّير مع القطع بوقوع السّير وصدوره

٣٨٥

[وهل لطلب (١) التّصديق فحسب (٢)] وتدخل على الجملتين (٣) [نحو : هل قام زيد ، وهل عمرو قاعد (٤)] إذا كان المطلوب حصول التّصديق (٥) بثبوت القيام لزيد ، والقعود لعمرو.

[ولهذا] أي ولاختصاصها (٦) بطلب التّصديق [امتنع هل زيد قام أم

______________________________________________________

عن المخاطب ، والمثال الثّالث : فيما إذا كان الشّكّ في علّة الضّرب مع القطع بصدوره عن المخاطب ووقوعه على مفعول ، والمثال الرّابع : فيما إذا كان الشّكّ في الهيئة الكائنة للمخاطب حين مجيئه مع العلم بصدور المجيء عنه ، والمسؤول عنه في جميع هذه الأمثلة قد ولّى همزة الاستفهام.

(١) أي لطلب أصل التّصديق ، وهو مطلق إدراك وقوع النّسبة أو لا وقوعها ، فلا يرد أنّ الهمزة أيضا لطلب التّصديق دائما ، لأنّها لطلب تصديق خاصّ.

(٢) أي فطلب التّصديق بها حسبك ، كافيّك عن طلب التّصوّر فلا يتعدّى بها من التّصديق إلى التّصوّر ، فلا تستعمل فيه ، وتدخل عند استعمالها في التّصديق الّذي تختصّ به على الجملتين.

(٣) أي الاسميّة والفعليّة بشرط أن تكون الجملة مثبتة ، لأنّها في الأصل بمعنى قد ، وهي لا تدخل على المنفيّ ، ف لا يقال : قد لا يقوم زيد ، وكذلك في المقام لا يقال : هل لا قام زيد.

(٤) أتى المصنّف بمثالين دفعا لتوهّم اختصاص هل بالفعليّة ، لكونها في الأصل بمعنى قد ، وهي لا تدخل إلّا على الفعل.

(٥) أي الأولى أن يقول : إذا كان المطلوب التّصديق بثبوت القيام لزيد ، والقعود لعمرو ، وذلك لأنّ التّصديق كما مرّ هو حصول وقوع النّسبة أو لا وقوعها ، فيخلّ المعنى إذا كان المطلوب حصول وقوع النّسبة أو لا وقوعها ، ولا معنى له ، إلّا أن يجرّد التّصديق عن بعض معناه ، وهو الحصول ، ويراد به الوقوع ، فكأنّه يقال : إذا كان المطلوب حصول الوقوع لثبوت القيام لزيد ، أي إدراك أنّ هذا الثّبوت مطابق للواقع مع العلم بحقيقة كلّ من المسندين.

(٦) أي لاختصاص هل بطلب التّصديق امتنع الجمع بينها وبين ما يدلّ على السّؤال عن التّصوّر نحو : قولك : هل زيد قائم أم عمرو ، لأنّ أم هنا وقع بعدها مفرد ، فدلّ على كونها متّصلة والمتّصلة تدلّ على كون السّؤال عن التّصوّر لأنّها لتعيين أحد الأمرين ، أي المفرد الّذي قبلها ، والمفرد الّذي بعدها مع العلم بالنّسبة إلى أحدهما ، وقد تقدّم أنّ هل لطلب أصل

٣٨٦

عمرو] لأنّ (١) وقوع المفرد ههنا بعد أم دليل على أنّ أم متّصلة ، وهي لطلب تعيين أحد الأمرين ، مع العلم بثبوت أصل الحكم (٢) ، وهل إنّما تكون لطلب الحكم (٣) فقطّ ، ولو قلت (٤) : هل زيد قام بدون أم عمرو ، لقبح ولا يمتنع لما سيجيء. [و] لهذا (٥) أيضا [قبح (٦) هل زيدا ضربت ، لأنّ التّقديم يستدعي حصول التّصديق بنفس (٧) الفعل] فيكون هل لطلب حصول الحاصل (٨)

______________________________________________________

النّسبة المستلزم للجهل بها ، فيلزم التّنافي ، إذ مقتضى أم المتّصلة العلم بالنّسبة ، ومقتضى هل الجهل بها ، فيمتنع الجمع بينهما.

(١) علّة لامتناع هل زيد قام أم عمرو.

(٢) أي التّصديق ، لأنّ المراد بالحكم هو المحكوم به ، والعلم بثبوت المحكوم به تصديق ، فالحاصل إنّ أم لا تكون إلّا لطلب التّصوّر بعد حصول التّصديق بنفس الحكم ، فتنافي هل ، وهي لطلب أصل التّصديق بالحكم.

(٣) أي التّصديق فقطّ ، فأم المتّصلة تفيد أنّ السّائل عالم بالحكم ، وهل تفيد أنّه جاهل به ، لأنّها لطلبه وحينئذ فبينهما تناقض ، فيمتنع الجمع بينهما في تركيب واحد.

(٤) بيان لمحلّ امتناع المثال المتقدّم ، وهو الإتيان بأم بعد هل ، فلو لم تذكر ، فإنّه لا يمتنع ، بل يكون قبيحا لما سيجيء فانتظر.

(٥) لأجل اختصاصها بالتّصديق ، وكون التّقديم يقتضي حصول العلم بثبوت أصل الفعل.

(٦) عطف على» امتنع» أي لأجل اختصاص هل بطلب التّصديق قبح نحو : هل زيدا ضربت.

(٧) أي التّقديم يقتضي غالبا حصول العلم للمتكلّم بنفس وقوع الفعل ، كالضّرب مثلا.

(٨) أي لأنّ هل لطلب التّصديق الحاصل قبل السّؤال على ما هو المفروض.

٣٨٧

وهو محال (١) ، وإنّما لم يمتنع (٢) لاحتمال أن يكون زيدا مفعول فعل محذوف ، أو يكون التّقديم لمجرّد الاهتمام (٣) لا للتّخصيص ، لكن ذلك (٤) خلاف الظّاهر [دون] هل زيدا [ضربته (٥)] فإنّه لا يقبح [لجواز تقدير (٦) المفسّر قبل زيد] أي هل ضربت (٧) زيدا ضربته [وجعل السّكّاكي قبح هل رجل عرف لذلك] أي لأنّ التّقديم يستدعي

______________________________________________________

(١) أي حصول الحاصل محال ، وحينئذ فيكون طلبه عبثا.

(٢) جواب عن سؤال مقدّر ، تقريره : إنّ هذا الدّليل لا يوافق المدّعى ، فإنّ المدّعى هو القبح والدّليل يثبت الامتناع.

وحاصل الجواب : إنّ ما ذكر في المتن ليس الدّليل بتمامه ، بل إنّما هو إشارة إليه ، وتمامه أنّ هذا لم يمتنع لاحتمال أن يكون من باب ما أضمر عامله بأن يكون زيدا مفعولا لفعل محذوف يفسّره الظّاهر ، أي هل ضربت زيدا ضربت ، فإذا لا يمتنع لعدم التّقديم حتّى يفيد التّخصيص المستلزم للامتناع ، لكنّه قبح لعدم كونه من الاستعمالات المتعارفة حيث لم يشتغل الظّاهر عن المتقدّم بالعمل في ضميره ، ومثل ذلك غير متعارف استعماله.

(٣) أي للاهتمام المجرّد عن التّخصيص ، فلا يكون التّقديم مستدعيا للتّصديق بحصول الفعل ، فلا تكون هل لطلب حصول الحاصل.

(٤) أي ما ذكر من التّوجيه خلاف الظّاهر ، فيكون الحمل عليه بعيدا ، والحمل على التّخصيص أرجح ، وإذا كان المقتضي للامتناع راجحا كان هذا المثال قبيحا ، مع ذلك الاحتمال المرجوح الكافيّ في تصحيحه.

(٥) أي أشار المصنّف بهذا المثال إلى أنّ القبح المذكور حيث لا يتّصل العامل بشاغل كما في المثال السّابق ، أمّا إذا اتّصل به كهذا المثال فلا يقبح.

(٦) بيان لسبب نفي القبح ، أي لجواز تقدير المفسّر جوازا راجحا ، لأنّ الأصل تقديم العامل على المعمول ، وحينئذ لا يكون من تقديم المعمول على العامل عين ولا أثر ، حتّى نقول : إنّه يستدعي التّصديق بأصل الفعل ، فتكون هل طلبا لحصول الحاصل ، وهو محال.

(٧) فإنّه لا يقبح ، لأنّ الفعل لمّا اتّصل بالشّاغل الّذي هو الضّمير لم يتعيّن التّخصيص المفيد لحصول العلم بأصل النّسبة.

٣٨٨

حصول التّصديق بنفس الفعل ، لما سبق (١) من مذهبه من أنّ الأصل عرف رجل على أنّ رجل بدل من الضّمير في عرف قدّم للتّخصيص [ويلزمه] أي السّكّاكي (٢) [أن لا يقبح هل زيد عرف] لأنّ تقديم المظهر المعرفة ليس للتّخصيص عنده (٣) ، حتّى يستدعي حصول التّصديق بنفس الفعل ،

______________________________________________________

(١) أي في بحث المسند إليه ، وحاصله إنّه قد تقدّم في بحث تقديم المسند إليه أنّ السّكّاكي اشترط في إفادة التّقديم الحصر أمرين :

الأوّل جواز التّقديم ،

والثّاني اعتباره ، وقال : إنّ هذين الأمرين موجودان فيما إذا كان المبتدأ منكرا ، أمّا الأوّل فلجواز أن يفرض أنّه كان مؤخّرا على أنّه بدل من الضّمير المستتر في الفعل ، ثمّ قدّم ، وأمّا الثّاني أي اعتبار التّقديم والالتزام به ، فلأنّ النّكرة لا تقع مبتدأ من دون تخصيص ، فلابدّ من اعتبار التّقديم والتّأخير حتّى حصل التّخصيص ، وصحّ وقوعها مبتدأ ففي نحو : هل رجل عرف ، يقال : إنّ هل إنّما تدخل على الجملة الخبريّة فلابدّ من صحّتها قبل دخولها ، ورجل عرف لا يصحّ بدون اعتبار التّقديم والتّأخير لعدم مصحّح الابتدائيّة عداه ، وإذا اعتبر التّقديم والتّأخير كان الكلام مفيدا للتّخصيص المستلزم لحصول التّصديق بنفس الفعل ، فلا يصحّ دخول هل عليه ، للزوم طلب حصول الحاصل ، وهو محال ، ولكن لم يحكم بفساده ، لإمكان أن يحمل على كونه من باب الإضمار على شريطة التّفسير ، وحيث إنّ اشتغال الفعل عن الاسم الظّاهر المرفوع قبله بضميره ، والالتزام بكونه مرفوعا بفعل مقدّر يفسّره هذا الفعل على خلاف ما هو المتعارف عند أبناء المحاورة يحكم بقبحه.

(٢) أي حيث جعل علّة القبح في المنكر كون التّقديم للتّخصيص وهذه العلّة منتفية في المعرفة.

(٣) أي عند السّكّاكي ، بل تقديم المعرفة عنده للاهتمام أو التّقوّي ، لأنّ اعتبار التّقديم والتّأخير لإفادة التّخصيص في رجل عرف ، لكونه لا سبب سواه لكون المبتدأ نكرة ، وأمّا المعرفة فغنيّة عن اعتبار كون التّقديم والتّأخير فيها للتّخصيص ، وإذا كان تقديم المعرفة لغير التّخصيص ، فلا ضرر في كون هل لطلب التّصديق.

٣٨٩

مع أنّه (١) قبيح بإجماع النّحاة ، وفيه (٢) نظر ، لأنّ ما ذكره من اللّزوم ممنوع لجواز أن يقبح لعلّة أخرى. [وعلّل غيره] أي غير السّكّاكي [قبحهما] أي قبح هل رجل عرف ، وهل زيد عرف [بأنّ (٣) هل بمعنى قد في الأصل] وأصله أهل [وترك الهمزة قبلها (٤) لكثرة وقوعها في الاستفهام] فأقيمت (٥) هي مقام الهمزة ، وتطفّلت (٦) عليها في

______________________________________________________

(١) أي ما يلزمه ـ من عدم قبح هل زيد عرف ـ ، قبيح بإجماع النّحاة ، ووجه قبحه الفصل بين هل والفعل بالاسم مع أنّها إذا رأت الفعل في حيّزها لا ترضى إلّا بمعانقته وعدم الانفصال عنه ، لأنّها في الأصل بمعنى قد ، وقد من خواصّ الفعل ، وكذا ما بمعناها.

(٢) هذا جواب عن اعتراض على السّكّاكي ، أي في هذا اللّزوم الّذي ذكره المصنّف نظر ، وحاصله : إنّه لا يلزم على السّكّاكي من أجل التزامه بقبح هل رجل عرف ، للوجه المذكور أن لا يلتزم بقبح هل زيد عرف ، لأنّ انتفاء علّة واحدة من القبح لا يوجب انتفاء جميع علله ، فلا يجب عليه أن يقول بحسن هذا التّركيب ، لانتفاء ما ذكره من العلّة فيه ، لجواز أن يكون قبيحا عنده لسبب آخر ، ككون هل بمعنى قد ، أو ندرة دخول هل على الاسم إلّا عند الاضطرار.

نعم ، يلزم عليه أن لا يكون هذا المثال قبيحا عنده من أجل العلّة المذكورة ، وأين هذا من لزوم التزام عدم القبح أصلا ، كما يدّعيه المصنّف ، إلّا أن يقال : إنّ الظّاهر من المصنّف انحصار علّة القبح بالوجه المذكور.

(٣) أي علّل غيره قبحهما بعلّة أخرى غير ما علّل بها السّكّاكي ، وهي أنّ هل دائما بمعنى قد في استعمالها الأصليّ ، والاستفهام مأخوذ من همزة مقدّرة قبلها ، فأصل هل عرف زيد ، أهل عرف زيد ، بإدخال همزة الاستفهام على هل الّتي بمعنى قد ، فكأنّه قيل أقد عرف زيد ، وقول الشّارح : وأصله أهل إشارة إلى ذلك.

(٤) أي قبل هل لكثرة وقوع هل في الاستفهام ، أي في الكلام الّذي أريد به الاستفهام ، ثمّ إنّه أتى بلفظ الكثرة للإشارة إلى أنّها قد تقع في غير الاستفهام أيضا.

(٥) أي أقيمت هل مقام الهمزة الاستفهاميّة في إفادة الاستفهام.

(٦) أي تابعت هل على الهمزة في إفادة الاستفهام. والتّطفّل : هو الرّجل الّذي تخلّق بأخلاق الأطفال ، وصار طفيليّا ، والطّفيليّ هو الّذي يدخل وليمة ، ولم يدع إليها ، وهو منسوب إلى طفيل ، وهو رجل كوفيّ كان يأتي الولائم من غير أن يدعى إليها ، كما في أقرب الموارد.

٣٩٠

الاستفهام ، وقد من خواصّ الأفعال. فكذا ما هي بمعناها ، وإنّما لم يقبح (١) هل زيد قائم ، لأنّها إذا لم تر الفعل في حيّزها ذهلت عنه وتسلّت (٢) ، بخلاف ما إذا رأته ، فإنّها (٣) تذكّرت العهود ، وحنّت (٤) إلى الألف المألوف ، فلم ترض بافتراق الاسم (٥) بينهما [وهي] أي هل [تخصّص المضارع بالاستقبال (٦)]

______________________________________________________

فمعنى العبارة صارت هل طفيليّة بدلا عن الهمزة في الاستفهام من دون أن تكون موضوعة له في الأصل.

(١) أي هذا جواب عمّا يقال : مقتضى هذا التّعليل أن يقبح دخول هل على الجملة الاسميّة الّتي طرفاها اسمان نحو : هل زيد قائم ، مع أنّه جائز بلا قبح ، فأيّ فرق بين ما إذا كان الخبر فعلا ، حيث قلتم بقبحه ، وإذا كان اسما قلتم بعدم قبحه مع أنّ مقتضى التّعليل استواء الأمرين في القبح.

وحاصل ما أجاب به الشّارح : إنّه فرق بين الأمرين ، وذلك لأنّه إذا كان طرفا الجملة اسمين لم تر هل الفعل في حيّزها ، فتذهل عنه ، ويراعى فيها معنى الاستفهام الّذي نقلت له ، وإذا كان الخبر فعلا ، رأت هل الفعل في حيّزها فلا ترضى إلّا بمعانقته نظرا لمعناها الأصليّ ، وهو كونها بمعنى قد المختصّة بالدّخول على الفعل.

(٢) أي تباعدت ، لأنّ تسلّت من السّلوّ ، وهو الخلوّ من العشق ، أي من عشق هل بالفعل ، فلم تذكر العهود والأوطان قائلة ما غاب عن العين غاب عن الخاطر.

(٣) أي فإنّ هل حينما رأت الفعل تذكّرت العهود ، أي العهد الّذي بينها وبين الفعل.

(٤) أي حنت بالتّخفيف ، بمعنى مالت إلى الفعل المألوف.

(٥) أي لم ترض هل بتفريق الاسم وفصله بين هل والفعل.

(٦) أي تخلّصه لذلك بعد ما كان محتملا له وللحال ، وذلك لأنّها لمّا كانت منقولة إلى الاستفهام التزم فيها مقتضاه ، وهو الاستقبال ، لأنّ حصول الأمر المستفهم عنه يجب أن يكون استقباليّا ، ضرورة أنّه لا يستفهم عمّا في الحال ، إذ لا يكون المتكلّم جاهلا به حتّى يستفهم عنه.

٣٩١

بحكم الوضع كالسّين وسوف (١) [فلا يصحّ (٢) هل تضرب زيدا] في أن يكون الضّرب واقعا في الحال على ما يفهم عرفا (٣) من قوله : [وهو أخوك ، كما يصحّ (٤) أتضرب زيدا وهو أخوك] قصدا إلى إنكار الفعل الواقع في الحال ، بمعنى أنّه لا ينبغي أن يكون ذلك ، لأنّ هل تخصّص المضارع بالاستقبال ، فلا تصلح لإنكار الفعل الواقع في الحال بخلاف الهمزة ، فإنّها تصلح لإنكار الفعل الواقع في الحال ، لأنّها (٥) ليست مخصّصة للمضارع بالاستقبال ، وقولنا (٦) في أن يكون الضّرب واقعا في الحال ،

______________________________________________________

(١) فإنّهما وضعا ليخصّصا المضارع بالاستقبال ، وكذا هل تدلّ على تخصيص المضارع بالاستقبال بالوضع لا بالقرائن ، بمعنى أنّ هل وضعت لتخصيص المضارع بالاستقبال ، إذا دخلت عليه ، بعد أن كان محتملا له وللحال.

(٢) أي فلأجل أنّها تخصّص المضارع بالاستقبال لا يصحّ أن تستعمل فيما يراد به الحال ، كما في قولك :

هل تضرب زيدا وهو أخوك ، ووجه عدم الصّحّة أنّ هل للاستقبال ، والفعل الواقع بعدها هنا حاليّ ، فقد يحصل التّنافي بين الأمرين ، والدّليل على أنّ الفعل هنا للحال ، إنّ جملة وهو أخوك حاليّة مضمونها حاصل في الحال ، ومضمون الحال قيد في عاملها ، فلمّا كان مضمون الحال وهو الأخوّة ثابتا في الحال ، وقيد الحال وهو الضّرب بذلك كان العامل أيضا واقعا في الحال ، فينافي هل لكونها للاستقبال.

(٣) لأنّ الشّائع في العرف أنّه إذا قيل زيد أخوك ، كان معناه أنّه متّصف بالأخوّة في الحال.

(٤) لأنّ الاستفهام بالهمزة يصحّ فيه إرادة الحال ، ومعناها الإنكار بمعنى لا ينبغي أن يقع منك الضّرب.

(٥) أي لأنّ الهمزة لا تخصّص المضارع بالاستقبال ، فيصلح لإنكار الفعل الواقع في الحال.

(٦) أي بعد قوله : «وهو أخوك».

٣٩٢

ليعلم (١) أنّ هذا الامتناع جار في كلّ ما يوجد فيه قرينة تدلّ على أنّ المراد إنكار الفعل الواقع في الحال ، سواء (٢) عمل ذلك المضارع في جملة حاليّة ، كقولك : أتضرب زيدا وهو أخوك أو لا؟ كقوله تعالى : (أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ)(١) (٣) ، وكقولك : أتؤذي أباك (٤) ، وأتشتم الأمير ، فلا يصحّ وقوع هل في هذه المواضع (٥).

______________________________________________________

(١) أي ليعلم أنّ هذا الامتناع ، أي امتناع كون هل لإنكار الفعل في الحال جار في إنكار الفعل الّذي أريد به الحال.

(٢) الأوضح أن يقول : سواء كانت القرينة لفظيّة ، كما إذا عمل المضارع في جملة حاليّة كقولك : أتضرب زيدا وهو أخوك ، فإنّ قولك : وهو أخوك ، قرينة على أنّ الفعل واقع في الحال أو كانت حاليّة. كقوله تعالى ، وما ذكر بعده من المثالين ، فإنّ القرينة في الأمثلة الثّلاثة حاليّة ، وهي التّوبيخ.

(٣) ذيل الآية : (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) الخطاب لليهود ، والنّصارى وقيل : إنّ الآية وردت في ذمّ المشركين الّذين كانوا يبدون سوآتهم في طوافهم ، فكان يطوف الرّجال والنّساء عراة ، يقولون : نطوف كما ولدتنا أمّهاتنا ، ولا نطوف في الثّياب الّتي ارتكبنا فيها الذّنوب ، وإذا نهوا عنها قالوا وجدنا عليها آباءنا ، وإذا قيل ممّن أخذها آباؤكم ، قالوا : الله أمرنا بها ، فردّ الله عليهم بقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ ،) ثمّ ردّهم بوجه آخر ، وهو قوله تعالى : (أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) أي تفترون وتكذبون عليه.

والشّاهد في الآية : مجيء الهمزة لإنكار الفعل الواقع في الحال ، ولا يصحّ مجيء هل ، لأنّها تخلص المضارع بالاستقبال ، فينافي الحال والقرينة على أنّ الفعل للحال ، وهو كون الآية مسوقة للذّمّ والتّوبيخ ، إذ لا وجه لذمّ أحد على ما لا يفعله بعد.

(٤) والقرينة فيه ، وفي مثال شتم الأمير هي كونه مسوقا للذّمّ والتّوبيخ ، وهو إنّما على الفعل الّذي أتى به لا على ما سيأتي به.

(٥) أي المواضع الّتي دلّت فيها القرينة على إنكار الفعل الواقع في الحال ، وإنّما لم يصحّ وقوع هل فيها ، لأنّ هل للاستقبال المنافي لحصول الفعل الحالي.

__________________

(١) سورة الأعراف : ٢٨.

٣٩٣

ومن العجائب ما وقع لبعضهم (١) في شرح هذا الموضع (١) من أنّ هذا الامتناع (٢) بسبب أنّ الفعل المستقبل لا يجوز تقييده (٣) بالحال ، وإعماله فيها (٤) ، ولعمري (٥) إنّ هذه فرية ما فيها مرية ، إذ لم ينقل (٦) عن أحد من النّحاة امتناع مثل : سيجيء زيد راكبا ، وسأضرب زيدا ، وهو بين يدي الأمير ، كيف وقد قال الله تعالى : (سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ)(٢) (٧) ،

______________________________________________________

(١) أي من المفتاح.

(٢) أي امتناع دخول هل.

(٣) أي لا يجوز تقييد الفعل المستقبل بالحال ، وذلك لعدم مقارنة الحال للاستقبال ، والقيد والمقيّد يجب اقترانهما في الزّمان ، وفي المثال المذكور قيد الاستقبال بالحال ، وعمل فيها ، فلا يجوز لعدم المقارنة.

(٤) أي لا يجوز إعمال الفعل المستقبل في الحال ، فيكون عطف «إعماله فيها» على قوله : «بالحال» من عطف لازم على ملزوم.

(٥) أي الواو للقسم ، أي لحياتي إنّ مقالة هذا البعض كذبة من غير شكّ ، فالفرية الكذب ، والمرية الشّكّ ، فالمعنى هذه المقالة كذب ما فيها مرية ، أي ما في تلك الفرية والكذبة شكّ.

(٦) أي هذا ردّ على البعض ، وحال الرّدّ أنّه لم ينقل عن أحد من النّحاة امتناع مثل : سيجيء زيد راكبا ، مع أنّ المجيء مستقبل بدليل السّين ، وقد قيّد بالحال المفردة ، أعني راكبا ، وكذلك قوله : بعد «سأضرب زيدا» ، فإنّه مستقبل بدليل السّين ، وقيّد بالحال الّتي هي جملة اسميّة لنكتة ، والنّكتة في تعدّد الأمثلة ، هي الإشارة إلى أنّه لا فرق بين أن تكون الحال الّتي قيّد بها الفعل المستقبل مفردة أو جملة.

(٧) أي سيدخلون جهنّم ، أي صاغرين.

__________________

(١) وهو العلّامة الشّيرازي.

(٢) سورة المؤمن : ٦٠.

٣٩٤

(إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (٤٢)) (وآتاكم) (١) (١) وفي الحماسة (٢) :

سأغسل (٣) عنّي العار بالسّيف جالبا

عليّ قضاء الله ما كان جالبا

وأمثال هذه (٤) أكثر من أن تحصى ، وأعجب (٥) من هذا ،

______________________________________________________

(١) قوله تعالى : (مُهْطِعِينَ) أي مسرعين ، وحاصل ردّ البعض بالآيتين : كيف تصحّ مقالة هذا البعض ، والحال إنّ الله تعالى قال : (سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ) فإنّ الدّخول استقباليّ بدليل السّين ، وقد قيّد بالحال ، وهي قوله : (داخِرِينَ) وكذلك قوله : (إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ) فالتّأخير لذلك اليوم ، وهو يوم القيامة استقباليّ ، وقد قيّد بالحال ، وهي قوله : (مُهْطِعِينَ) أو التّشخّص هو العامل في (مُهْطِعِينَ) وهو بمعنى المستقبل ، لأنّه لا يكون إلّا في يوم القيامة.

(٢) وهو ديوان لأبي تمّام جمع فيه كلام العرب المتعلّق بالحماسة ، أي الشّجاعة ، وهذا الشّعر لسعد بن ناشب من شعراء الدّولة المروانيّة ، وسبب هذا الشّعر أنّه كان أصاب دما ، فهدم بلال بن أبي بردة داره بالبصرة وحرّقها.

(٣) المراد بالغسل الرّفع والإزالة من باب إطلاق الملزوم وإرادة اللّازم ،» وبالسّيف» متعلّق ب» أغسل» ، وهو على تقدير مضاف ، أي باستعمال السّيف ، وضربه في الأعداء ، و» جالبا» حال من فاعل» أغسل» وهو محلّ الاستشهاد بدليل اقترانه بالسّين ، و» عليّ» متعلّق ب» جالبا» ، و» قضاء الله» فاعل» جالبا» الأوّل ، و» ما كان جالبا» مفعوله ، والقضاء بمعنى الحكم.

والمعنى : سأدفع عن نفسيّ العار باستعمال السّيف في الأعداء في حال جلب حكم الله على الشّيء الّذي كان يجلبه من عداوة الأعداء ، وإنكارهم وأذيّتهم ، فالمقصود المبالغة في أنّه لا يترك دفع العار في حال من الأحوال.

ومحلّ الشّاهد : إنّ الغسل بمعنى الاستقبال بدليل السّين ، وقد قيّد بالحال.

(٤) أي ونظائر هذه الأمثلة والشّواهد أكثر من أن تحصى.

(٥) وإنّما كان أعجب ، لأنّ هذا الاستدلال على تلك الفرية ، وهو متضمّن لها ، ففيه الفرية وزيادة تقويّتها ، وقال البعض : إنّما كان أعجب ، لأنّ دليل إفساده يظهر ممّا جعله دليلا على دعواه ، أعني قول النّحاة ، لأنّ ذلك في الجملة الحاليّة لا في عاملها.

__________________

(١) سورة إبراهيم : ٤٢ ـ ٤٣.

٣٩٥

أنّه (١) لمّا سمع قول النّحاة أنّه يجب تجريد صدر الجملة الحاليّة عن علم الاستقبال لتنافيّ الحال والاستقبال بحسب الظّاهر (٢) على ما سنذكره (٣) حتّى (٤) لا يجوز : يأتيني زيد سيركب ، أو لن يركب ، فهم (٥) منه أنّه يجب تجريد الفعل العامل في الحال عن علامة الاستقبال ، حتّى (٦) لا يصحّ تقييد مثل (٧) : هل تضرب ، وستضرب ، ولن تضرب بالحال.

وأورد (٨) هذا المقال ،

______________________________________________________

(١) أي ذلك البعض ، ثمّ الضّمير في» أنّه يجب» للشّأن.

(٢) أي وإن لم يكن هناك تناف في الواقع ، إذ الكلام في الحال النّحويّة ، وهي لا تنافي الاستقبال ، بل يكون زمنها ماضيا وحالا ومستقبلا ، لأنّ الواجب إنّما هو مقارنتها لعاملها ، فزمنها زمن عاملها أيّا كان ، والمنافي له إنّما هو الحال الزّمانيّة المقابلة للماضي والمستقبل ، غاية ما في الباب أنّهما متّحدان في اسم الحال ، وهذا هو المراد من قوله : «بحسب الظّاهر».

(٣) أي في بحث الحال ، في أواخر باب الفصل والوصل في التّذنيب.

(٤) تفريع على قوله : «يجب تجريد» أو على» التّنافي».

(٥) جواب لمّا في قوله : «لمّا سمع» وهذا الّذي فهمه من كلامهم غير ما قالوه ، فالّذي ادّعاه النّحاة وجوب تجريد الحال من علامة الاستقبال ، والّذي فهمه وجوب تجريد الفعل العامل في الحال من علامة الاستقبال لا نفس الحال ، كما هو الواقع في كلام النّحاة ، وبين الأمرين بون بعيد.

(٦) غاية لوجوب تجريد الفعل العامل في الحال من علامة الاستقبال لامتناع عمل المستقبل في الحال.

(٧) أي ف لا يقال : هل تضرب زيدا وهو راكب ، ولا ستضرب زيدا وهو راكب ، ولا لن تضرب زيدا وهو راكب.

(٨) أي أورد ذلك البعض» هذا المقال» أي قول النّحاة ، وهو أنّه يجب تجريد صدر الجملة الحاليّة عن علم الاستقبال لتنافي الحال والاستقبال في الظّاهر.

٣٩٦

دليلا على ما ادّعاه (١) ، ولم ينظر (٢) في صدر هذا المقال حتّى يعرف أنّه لبيان امتناع تصدير الجملة الحاليّة بعلم الاستقبال ، [ولاختصاص (٣) التّصديق بها (٤)] أي لكون (٥) هل مقصورة على طلب التّصديق ، وعدم مجيئها لغير التّصديق. كما ذكر فيما سبق (٦) [وتخصيصها (٧) المضارع بالاستقبال (٨) كان لها مزيد اختصاص بما كونه زمانيّا أظهر] وما موصولة ، وكونه مبتدأ ، خبره أظهر ، وزمانيّا خبر الكون ، أي بالشّيء الّذي زمانيّته

______________________________________________________

(١) أي من وجوب تجريد عامل الحال من علم الاستقبال ، وهو ينادي على خطئه ، إذ لم ينقل عن أحد امتناع تقييد الفعل المستقبل بالحال.

(٢) حيث قال النّحاة في صدر هذا المقام : يجب تجريد الجملة الحاليّة عن علم الاستقبال لا عامل الحال ، أي ليس في كلامهم تجريد عامل الحال عن علامة الاستقبال ، كي يكون دليلا على مدّعى هذا البعض.

(٣) أي علّة مقدّمة على معلولها ، أعني قوله : «كان لها مزيد ...» أي كان لهل زيادة اختصاص بما زمانيّته أظهر ، لأجل اختصاص التّصديق بها ، ولأجل تخصيصها المضارع بالاستقبال ، وقدّم العلّة اهتماما بها ، أو لأجل أن يكون اسم الإشارة في قوله : بعد» ولهذا ...» عائد على أقرب مذكور ، فإنّه لو أتى بالكلام على جريه الطّبيعيّ لأصبح قوله : «كان لها مزيد اختصاص ...» بعيدا عن قوله : «ولهذا».

(٤) أي بهل.

(٥) جواب عن سؤال مقدّر ، تقريره : هو أنّ التّصديق لا يختصّ بهل ، إذ الهمزة أيضا قد تجيء لطلب التّصديق ، فلا وجه للحكم باختصاص التّصديق بهل ، وخلاصة الجواب أنّ الباء داخلة على المقصور ، فالمقصود قصر هل بالتّصديق لا العكس ، ودخول الباء على المقصور شائع في كلماتهم ، كما في قولهم : معنى (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) نخصّك بالعبادة.

(٦) أي في قوله : «وهل لطلب التّصديق فحسب» ، وبالجملة إنّ معنى كون التّصديق مختصّا بهل أنّها لا تتعدّى التّصديق إلى التّصوّر ، لأنّ التّصديق لا يتعدّاها إلى الهمزة.

(٧) بالجرّ عطف على «الاختصاص» ، أي لأجل تخصيص هل «المضارع بالاستقبال».

(٨) الباء هنا داخلة على المقصور عليه.

٣٩٧

أظهر [كالفعل (١)] فإنّ (٢) الزّمان جزء من مفهومه ، بخلاف الاسم فإنّه إنّما يدلّ عليه حيث يدلّ بعروضه له (٣) أمّا اقتضاء (٤) تخصيصها المضارع بالاستقبال لمزيد اختصاصها بالفعل ، فظاهر (٥) ، وأمّا اقتضاء كونها لطلب التّصديق فقطّ ،

______________________________________________________

(١) أي النّحويّ ، والإتيان بالكاف يقتضي أنّ زمانيّته أظهر من غيره ، فيشمل الفعل وغيره ، وليس الأمر كذلك ، إذ ما زمانيّته أظهر من غيره منحصر في الفعل ، وكان الأولى أن يقول : وهو الفعل ، ويحذف الكاف ، إلّا أن تجعل الكاف استقصائيّة ، ولم يعبّر بالفعل من أوّل وهلة ، بأن يقول : كان لها مزيد اختصاص بالفعل ، ليكون إشارة إلى أنّ زيادة اختصاصها به من حيث أظهريّة زمانه ، لا من جهة أخرى كدلالته على الحدث مثلا.

(٢) علّة لكون الفعل زمانيّته أظهر من الاسم ، لأنّ الزّمان جزء من مفهوم الفعل ودلالة الكلّ على الجزء أظهر من دلالة الشّيء على لازمه ، كدلالة الاسم على الزّمان من باب دلالة الشّيء على لازمه باعتبار كون الاسم زمانيّا.

(٣) أي بسبب عروض الزّمان لذلك الاسم ، أي لمدلوله من عروض اللّازم للملزوم ، وذلك لأنّ اسم الفاعل موضوع لذات قام بها الحدث ، ومن لوازم زمان يقع فيه.

فالحاصل إنّ الفعل من حيث هو فعل لا ينفكّ عن الزّمان بحسب الوضع بخلاف الاسم ، فإنّه ينفكّ عنه من حيث هو اسم ، وهذا لا ينافي عروضه ، أي لزومه لمدلوله ، إذا كان وصفا.

(٤) مصدر مضاف إلى فاعله ، ومفعوله قوله : «لمزيد اختصاصها» واللّام في قوله : «لمزيد» للتّقوية متعلّقة بالاقتضاء ، لأنّها ليست زائدة محضة ، حتّى لا تتعلّق بشيء والمضارع مفعول» تخصيصها» ، وقوله : «بالفعل» لم يقل بنحو الفعل إشارة إلى أنّ الكاف في قوله : «كالفعل» ليست بمعنى مثل بل استقصائيّة.

(٥) لأنّ المضارع نوع من مطلق الفعل ، وما كان لازما للنّوع كان لازما للجنس في الجملة.

وبعبارة أخرى : إذا كانت هل لتخصيص الفعل المضارع بزمان الاستقبال يكون لها مزيد أولويّة بالفعل ، لأنّ الفعل المضارع نوع من مطلق الفعل ، وما كان لازما للنّوع كان لازما للجنس في الجملة.

٣٩٨

لذلك (١) فلأنّ التّصديق (٢) هو الحكم بالثّبوت أو الانتفاء ، والنّفي والإثبات إنّما يتوجّهان (٣) إلى المعاني والأحداث الّتي هي مدلولات الأفعال ، لا (٤) إلى الذّوات الّتي هي مدلولات الأسماء [ولهذا] أي لأنّ لها مزيد اختصاص بالفعل [كان (فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ)(١) أدلّ (٥) على طلب الشّكر من فهل تشكرون ، وفهل أنتم تشكرون].

______________________________________________________

(١) أي لمزيد اختصاصها بالفعل ، وهو مفعول» باقتضاء» واللّام للتّقوية.

(٢) أي فلأنّ التّصديق هو الإذعان بثبوت شيء لشيء في القضيّة الموجبة ، وبانتفاء ثبوت شيء لشيء في القضيّة السّالبة.

(٣) اعترض عليه أنّ النّفي والإثبات هو الحكم الّذي هو عبارة عن الإذعان بثبوت شيء لشيء ، أو انتفاء ثبوت شيء عن شيء ، ولا ريب أنّ الإذعان لا يتوجّه إلى المعاني والأحداث ، وإنّما هو يتعلّق بالثّبوت والانتفاء ، وهما متوجّهان إلى المعاني والأحداث ، فكان عليه أن يقول : وهما ، أي الثّبوت والانتفاء يتوجّهان ...

وأجيب عن ذلك بأنّ المراد بالنّفي والإثبات الثّبوت والانتفاء ، وإنّما عبّر عنهما بهما تفنّنا ، فمحصّل كلامه : إنّ التّصديق الّذي اختصّت هل به متعلّق بالأفعال بواسطة أنّ متعلّقه وهو الثّبوت والانتفاء يتوجّهان إلى المعاني والأحداث الّتي هي مدلولات الأفعال ، فلذا كان تعلّقهما بالفعل أشدّ.

(٤) أي لا يتوجّه النّفي والإثبات إلى الأمور القائمة بأنفسها من حيث إنّها اعتبرت كذلك ، نعم ، إذا اعتبرت قائمة بغيرها فحينئذ يتوجّه النّفي والإثبات إليها.

(٥) خبر كان ، والمعنى : «كان (فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ») أي الّذي عدل فيه عن الفعل إلى الجملة الاسميّة ، لأنّ قوله تعالى : (فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ) أدلّ على طلب الشّكر أي على طلب حصوله في الخارج ، لأنّ المراد هو حصول الشّكر في الخارج دون الاستفهام ، لامتناعه من علّام الغيوب.

والحاصل إنّ قوله : (فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ) أدلّ على طلب الشّكر من الجملتين الأخيرتين ، لأنّهما يفيدان التّجدّد دون الثّبوت والاستمرار.

والحاصل : إنّ الصّور ستّ ، لأنّ الاستفهام إمّا بهل أو بالهمزة ، وكلّ منهما إمّا داخل على جملة فعليّة أو اسميّة خبرها فعل أو اسم ، و (فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ) أدلّ على طلب الشّكر من الخمسة الباقيّة لما ذكره المصنّف.

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٨٠.

٣٩٩

مع أنّه (١) مؤكّد بالتّكرير ، لأنّ (أَنْتُمْ) فاعل لفعل محذوف (٢) [لأنّ إبراز (٣) ما سيتجدّد (٤) في معرض الثّابت (٥) أدلّ (٦) على كمال العناية بحصوله] من إبقائه على أصله (٧) ، كما في هل تشكرون ، وفهل أنتم تشكرون.

______________________________________________________

(١) أي مع أنّ فهل أنتم تشكرون مؤكّد بالتّكرير.

(٢) أي على الأصحّ والتّقدير :

فهل تشكرون تشكرون ، فحذف الفعل الأوّل فانفصل الضّمير ، وإنّما كان أنتم فاعلا لمحذوف ، كما قال : لما تقدّم من أنّ هل إذا رأت الفعل في حيّزها لا ترضى إلّا بمعانقته ، ويجوز أن يكون فاعلا معنى ثمّ قدّم على مذهب السّكّاكي.

(٣) أي إظهار ما يكون في الزّمان المستقبل في صورة الأمر الثّابت في الحال أدلّ وأقوى دلالة على كمال العناية والاعتناء ، ثمّ قوله : «لأنّ» علّة للمعلّل مع علّته.

(٤) أي ما يتقيّد وجوده بزمان الاستقبال واقعا ، والمراد به في المقام الشّكر حيث إنّك عرفت أنّ قوله تعالى : (فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ) سيق لبيان طلب الشّكر ، فلا ريب أنّه غير حاصل في الحال ، لاستحالة طلب الحاصل ، بل يكون ما سيتجدّد ويحدث خارجا.

(٥) أي في صورة الثّابت وشكله بأن يبرزه بإلقاء الجملة الاسميّة النّاطقة بالثّبوت المطلق عن شوب التّقيّد بالزّمان.

(٦) أي أقوى دلالة على كمال الاعتناء بحصول ما سيتجدّد.

(٧) أي الّذي هو إبرازه في صورة المتجدّد ، وهي الجملة الفعليّة ، كما في هل تشكرون ، والاسميّة الّتي خبرها فعل ، كما في فهل أنتم تشكرون ، ووجه كون إبراز ما سيتجدّد في معرض الثّابت يدلّ على كمال العناية بما سيتجدّد أنّ إبراز ما كان وجوده مقيّدا بالاستقبال في صورة الثّابت الغير المقيّد بزمان يدلّ على طلب حصول غير مقيّد بزمان من الأزمنة ، ولا شكّ أنّ المنبئ عن طلب حصول مطلق أقوى دلالة بما ينبئ عن طلب حصول مقيّد بزمن.

٤٠٠