دروس في البلاغة - ج ٢

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في البلاغة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٥

يعني (١) الموجبة المهملة المعدولة المحمول نحو : إنسان لم يقم [وعن كلّ فرد في] الصّورة [الثّانية] يعني السّالبة المهملة نحو : لم يقم إنسان ، [إنّما أفاده (٢) الإسناد إلى ما (٣) أضيف إليه كلّ] وهو لفظ إنسان [وقد زال ذلك] الإسناد المفيد لهذا المعنى (٤) [بالإسناد إليها (٥)] أي إلى كلّ ، لأنّ إنسانا صار مضافا إليه (٦) ، فلم يبق مسندا إليه (٧) [فيكون] أي (٨) على تقدير أن يكون الإسناد إلى كلّ أيضا (٩) مفيدا للمعنى الحاصل (١٠) من الإسناد إلى إنسان يكون كلّ (١١)

______________________________________________________

التّأكيد على التّأسيس» ولا إشكال في الحكم ، بل الحكم مسلّم عند الكلّ ، وإنّما النّزاع في صحّة دليله ولذا أرجع بعضهم ضمير «فيه» إلى قوله : «لئلّا يلزم ترجيح التّأكيد ...».

(١) وعبّر بقوله : «يعني» في الموضعين ، لأنّ المصنّف لم يعبّر بعنوان الصّورة الأولى والصّورة الثّانية ، فخفي المراد منهما ، أو أنّه أتى بالعناية هنا ، لأنّ الصّورة الأولى في كلام المصنّف محتملة لها مع لفظ كلّ وبدونها ، والمراد الثّاني ، فلذا قال : «يعني» وكذا يقال فيما بعده كما في الدّسوقي.

(٢) أي أفاد ذلك النّفي في الصّورتين.

(٣) أي المراد من «ما» هو المسند إليه.

(٤) أي النّفي عن الجملة في الصّورة الأولى ، وعن كلّ فرد في الصّورة الثّانية.

(٥) تأنيث الضّمير مع تذكير كلّ ، إنّما هو باعتبار الكلمة أو الأداة.

(٦) أي مضافا إليه للفظ.

(٧) لا باعتبار اللّفظ إذ المسند إليه باعتبار اللّفظ هو كلّ ، ولا باعتبار المعنى لأنّ أداة السّور لا تكون مسندا إليه معنى ، وقد زال الإسناد الأوّل.

(٨) أي هذا التّفسير إنّما هو لبيان معنى الفاء التّفريعيّة في قوله : «فيكون تأسيسا لا تأكيدا».

(٩) أي كما كان الإسناد إلى إنسان.

(١٠) وهو النّفي عن الجملة في نحو : إنسان لم يقم ، والنّفي عن كلّ فرد في نحو : لم يقم إنسان.

(١١) إعادة لما في المتن ، لربط ما بعده بعد تقرير القيد الملحوظ بين الفاء وبين مدخوله وكان الأصل ، فعلى تقدير أن يكون الإسناد إلى كلّ أيضا مفيدا للمعنى الحاصل من الإسناد إلى إنسان يكون كلّ «تأسيسا لا تأكيدا».

٢١

[تأسيسا لا تأكيدا] لأنّ التّأكيد (١) لفظ يفيد تقوية ما (٢) يفيده لفظ آخر ، وهذا ليس كذلك (٣) لأنّ هذا المعنى (٤) حينئذ (٥) إنّما أفاده (٦) الإسناد إلى لفظ كلّ لا شيء آخر حتّى يكون كل تأكيدا له ، وحاصل هذا الكلام (٧) : إنّا لا نسلّم أنّه لو حمل الكلام بعد دخول كلّ على المعنى الّذي حمل عليه قبل كلّ كان كلّ للتّأكيد

______________________________________________________

(١) أي «لأنّ التّأكيد» الاصطلاحيّ ، فحذف الصّفة إنّما هو للعلم بها على ما يأتي بيانه في كلام الشّارح.

(٢) أي معنى يفيده لفظ آخر في تركيب واحد ، وإسناد واحد ، كجاء القوم كلّهم ، فلفظ كلّهم يفيد تقوية ما يفيد القوم ، وفي المقام ليس الأمر كذلك ، بل بطل الإسناد إلى الإنسان وقت الإسناد إلى كلّ ، ولذا قال : «وهذا ليس كذلك» أي لفظ كلّ ليس كذلك.

(٣) أي يفيد تقوية ما يفيده لفظ آخر.

(٤) أي النّفي عن الجملة في الصّورة الأولى بعد الإسناد إلى كلّ نحو : كلّ إنسان لم يقم ، والنّفي عن كلّ فرد في الصّورة الثّانية ، أي نحو : لم يقم كلّ إنسان.

(٥) أي حين الإسناد إلى كلّ كما عرفت.

(٦) أي المعنى المذكور أفاده الإسناد إلى لفظ كلّ بعد زوال الإسناد الأوّل «لا شيء آخر» أعني الإسناد إلى الإنسان حتّى يكون لفظ كلّ تأكيدا له.

(٧) أي الاعتراض والنّظر ، وحاصل النّظر : إنّ التّأكيد على قسمين : اصطلاحيّ ولغوي ، والفرق بينهما :

إنّ الأوّل : هو تقرير وتقوية ما يفيده الإسناد الأوّل مع بقائه وعدم زواله ، نحو : جاءني القوم كلّهم. وبعبارة أخرى : التّأكيد الاصطلاحيّ ما يفيده لفظ آخر في تركيب واحد ، وإسناد واحد.

والثّاني : أن يكون لفظ كلّ لإفادة معنى كلّ حاصلا قبله سواء كان في تركيب واحد أم لا ، بطل الإسناد الأوّل أم لا ، فالتّأكيد بالمعنى الثّاني أعمّ منه بالمعنى الأوّل الاصطلاحيّ.

فإذا عرفت الفرق بينهما فإنّا لا نسلّم أنّه لو حمل الكلام ـ أعني إنسان لم يقم ـ بعد دخول كلّ على المعنى الّذي حمل عليه قبل كلّ كان كلّ للتّأكيد ، أي لا نسلّم أن يكون لفظ للتّأكيد الاصطلاحيّ ، ولو حمل الكلام بعد كلّ على ما هو قبله لما عرفت من أنّ التّأكيد

٢٢

ولا يخفى أنّ هذا (١) إنّما يصحّ على تقدير أن يراد به (٢) التّأكيد الاصطلاحيّ أمّا لو أريد بذلك (٣) أن يكون كلّ لإفادة معنى كان حاصلا بدونه (٤) فاندفاع المنع (٥) ظاهر (٦) وحينئذ (٧) يتوجّه ما أشار إليه بقوله [ولأنّ (٨)] الصّورة [الثّانية] يعني السّالبة المهملة نحو : لم يقم إنسان [إذا أفادت النّفي عن كلّ فرد فقد أفادت النّفي عن الجملة (٩)

______________________________________________________

الاصطلاحيّ هو تقرير ما يفيده لفظ آخر في إسناد واحد ، وإسناد الأوّل قد زال في نحو : لم يقم كلّ إنسان ، فلا يكون تأكيدا لقولنا : لم يقم إنسان. بل يكون تأكيدا بالمعنى الثّاني كما أشار إليه بقوله : «ولا يخفى أنّ هذا إنّما يصحّ ...».

(١) أي قوله : «فيه نظر» إنّما يصحّ على تقدير أن يكون المراد بالتّأكيد التّأكيد الاصطلاحيّ ، وأمّا لو كان المراد منه التّأكيد بالمعنى الثّاني ، فلا منع فيه أصلا لتحقّقه جزما.

(٢) أي بالتّأكيد.

(٣) أي بالتّأكيد.

(٤) أي بدون لفظّ كلّ.

(٥) أي قوله : «وفيه نظر».

(٦) لأنّ لفظ كلّ على هذا المعنى تأكيد وليس بتأسيس ، والمتحصّل من الجميع من الجميع إنّ المصنّف ذكر ثلاث ممنوعات ، المنع الأوّل مشترك بين الصّورة الأولى والثّانية ، وتقدّم الكلام فيه ، وقد عرفت جواب الشّارح عنه. وأمّا المنعان الآخران فخاصّان بالصّورة الثّانية.

والأوّل ما أشار إليه بقوله : «ولأنّ الثّانية».

(٧) أي حين أريد بالتّأكيد المعنى الثّاني يتوجّه المنع والإشكال على الصّورة الثّانية ، وإن اندفع المنع المذكور المشترك بين الصّورتين.

(٨) عطف على قوله : «لأنّ النّفي ...».

(٩) لأنّ الخاصّ يستلزم العامّ دون العكس ، إذ النّفي عن كلّ فرد أخصّ من النّفي عن جملة الأفراد ، ومادّة الافتراق أنّ النّفي عن جملة الأفراد يصدق بالنّفي عن بعض الأفراد أيضا كما يصدق بالنّفي عن كلّ فرد فالنّفي عن كلّ فرد يستلزم النّفي عن جملة الأفراد.

٢٣

فإذا حملت (١) كلّ [على الثّانية] أي على إفادة النّفي عن جملة الأفراد حتّى يكون معنى لم يقم كلّ إنسان نفي القيام عن الجملة لا عن كلّ فرد [لا يكون] كلّ تأسيسا (٢) ، بل تأكيدا ، لأنّ هذا المعنى (٣) كان حاصلا بدونه (٤) وحينئذ (٥) فلو جعلنا لم يقم كلّ إنسان لعموم السّلب (٦) مثل لم يقم إنسان ، لم يلزم (٧) ترجيح التّأكيد على التّأسيس ، إذ لا تأسيس (٨) أصلا ، بل إنّما لزم ترجيح أحد التّأكيدين (٩) على الآخر ،

______________________________________________________

(١) أي تلك المهملة بعد دخول كلّ «على الثّانية» أعني النّفي عن جملة الأفراد بعد ما كانت للنّفي عن كلّ فرد قبل دخول كلّ ، لا يكون لفظ كلّ للتّأسيس بل للتّأكيد بالمعنى الثّاني ، لأنّ النّفي عن جملة الأفراد كان حاصلا قبل كلّ في ضمن النّفي عن كلّ فرد لما عرفت من أنّ الخاصّ يستلزم العامّ.

(٢) أي لا يكون كلّ تأسيسا أيضا ، كما لا يكون تأسيسا إذا كان النّفي من كلّ فرد.

(٣) أي نفي القيام عن جملة الأفراد كان حاصلا قبل دخول كلّ.

(٤) أي بدون لفظ كلّ.

(٥) أي حين حصول نفي القيام عن جملة الأفراد بدون كلّ.

(٦) أي السّلب الكلّي.

(٧) جواب الشّرط في قوله : «فلو جعلنا ...» أي يلزم ترجيح التّأكيد على التّأسيس ، كما زعمه هذا القائل ، بل غاية ما في الباب هو لزوم ترجيح أحد التّأكيدين على الآخر «إذ لا تأسيس أصلا» كما ادّعاه صاحب القول المذكور.

والحاصل : إنّ لم يقم إنسان ، لمّا كان مفيدا للنّفي عن كلّ فرد ، ويلزمه النّفي عن الجملة أيضا ، وكلا المعنيين حاصل قبل كلّ ، فعلى أيّهما حملت تكون تأكيدا لا تأسيسا ، فلا يصحّ قول المستدلّ أنّه يجب أن يحمل على النّفي عن الجملة لئلّا يلزم ترجيح التّأكيد على التّأسيس.

(٨) لأنّ كلا من المعنيين كان حاصلا بدون لفظ كلّ ، فيكون لفظ كلّ للتّأكيد على كلّ حال.

(٩) وهما تأكيد النّفي عن كلّ فرد ، وتأكيد النّفي عن الجملة ، فإن جعلناها بعد دخولها للنّفي عن كلّ فرد بمعنى عموم السّلب لزم ترجيح أحد التّأكيدين ، وهو تأكيد النّفي عن كلّ

٢٤

وما يقال (١) : إنّ دلالة لم يقم إنسان على النّفي عن الجملة بطريق الالتزام ، ودلالة لم يقم كلّ إنسان عليه بطريق المطابقة فلا يكون تأكيدا ، ففيه (٢) نظر ، إذ لو (٣) اشترط في التّأكيد اتّحاد الدّلالتين لم يكن حينئذ كلّ إنسان لم يقم على تقدير كونه لنفي الحكم عن الجملة تأكيدا ، لأنّ (٤) دلالة إنسان لم يقم على هذا المعنى (٥) التزام ،

______________________________________________________

فرد على التّأكيد الآخر وهو النّفي عن جملة الأفراد ، وإن جعلناها للنّفي عن جملة الأفراد ، وهو سلب العموم لزم ترجيح أحد التّأكيدين وهو النّفي عن جملة الأفراد على التّأكيد الآخر وهو النّفي عن كلّ فرد ، فلا يصحّ قول المستدلّ أنّه يجب أن يحمل على النّفي عن الجملة ، لأنّه لو حمل على النّفي عن كلّ فرد ، لزم ترجيح التّأكيد على التّأسيس ، إذ لا تأسيس أصلا حتّى يلزم ترجيح التّأكيد عليه.

(١) أي ما يقال من طرف صاحب القول السّابق وهو ابن مالك جوابا عن اعتراض المصنّف عليه ، وحاصل اعتراض المصنّف أنّا لا نسلّم أنّه لو حمل كلّ على الثّاني وهو النّفي عن الجملة يكون تأسيسا ، بل هو تأكيد.

وحاصل ذلك الجواب : أنّ لم يقم إنسان مدلوله المطابقي نفي الحكم عن كلّ فرد ، وأمّا النّفي عن الجملة فهو لازم له لأنّ السّلب الكلّي يستلزم رفع الإيجاب الكلّي ، فلو قلنا : مدلوله بعد كلّ النّفي عن الجملة ، كان المراد مدلولا مطابقيّا ، فالنّفي عن الجملة بعد كلّ مدلول مطابقي وقبلهما كان التزاميّا ، وحينئذ فلا يكون حمل لم يقم كلّ إنسان على نفي الجملة تأكيدا لعدم اتّحاد الدّلالتين.

(٢) أي في الجواب بقوله : «وما يقال» نظر وإشكال ، فهذا ردّ للجواب المذكور.

(٣) توجيه النّظر والإشكال أنّه لو اشترط في التّأكيد اتحّاد الدّلالتين لم يكن كلّ إنسان لم يقم عند جعله للنّفي عن جملة الأفراد تأكيدا لقولنا إنسان لم يقم بدون لفظ كلّ ، لأنّ دلالة قولنا : إنسان لم يقم ، على النّفي عن الجملة إنّما هو بالالتزام ، ودلالة كلّ إنسان لم يقم على هذا المعنى إنّما هو بالمطابقة ، فلم تتّحد الدّلالتان ، فلم يكن لفظ كلّ إذا حمل على هذا المعنى تأكيدا مع أنّهم اتّفقوا على أن يكون تأكيدا ، وقد جعله هذا القائل فيما سبق تأكيدا.

(٤) علّة لعدم كون كلّ إنسان لم يقم ، تأكيدا عن إنسان لم يقم.

(٥) أي على النّفي عن الجملة «التزام» ودلالته على نفي الحكم عن كلّ فرد مطابقة فينتفي اتّحاد الدّلالتين.

٢٥

[ولأنّ النّكرة (١) المنفيّة إذا عمّت كان قولنا : لم يقم إنسان سالبة كلّيّة لا مهملة] كما ذكره هذا القائل ، لأنّه (٢) قد بيّن فيها أنّ الحكم مسلوب عن كلّ واحد من الأفراد والبيان لا بدّ له من مبيّن (٣) ، ولا محالة ههنا شيء (٤) يدلّ على أنّ الحكم فيها (٥) على كلّيّة أفراد الموضوع ، ولا نعني بالسّور سوى هذا (٦) ، وحينئذ (٧) يندفع ما قيل : سمّاها مهملة باعتبار عدم السّور.

______________________________________________________

(١) يعني في الصّورة الثّانية ، وهذا اعتراض آخر وارد على تسمية لم يقم إنسان ، مهملة مع أنّها سالبة كلّيّة. وحاصل الكلام إنّ قوله : «ولأنّ النّكرة ...» مناقشة لفظيّة مع صاحب القول السّابق في التّسمية فقط ، واعتراض عليه بمخالفة اصطلاح القوم ، وهي واردة على قوله : «لأنّ السّالبة المهملة في قوّة السّالبة الكلّيّة ...» فمحطّ المنع تسمية الصّورة الثّانية سالبة مهملة مع أنّها سالبة كلّيّة ، لأنّه قد بيّن في تلك القضيّة «أنّ الحكم مسلوب عن كلّ واحد من الأفراد» أي أفراد الموضوع.

(٢) علّة كون لم يقم إنسان ، سالبة كلّيّة.

(٣) بصيغة اسم الفاعل ، أي لا بدّ أن يكون للبيان شيء يدلّ عليه ، وذلك المبيّن هنا وقوع النّكرة في سياق النّفي.

(٤) وهو عموم النّكرة الواقعة في سياق النّفي فيكون لم يقم إنسان سالبة كلّيّة.

(٥) أي في قضيّة لم يقم إنسان «على كلّيّة أفراد الموضوع» وهذا معنى سالبة كلّيّة.

(٦) أي سوى الشّيء الدّالّ على كمّيّة الأفراد ، ليس المراد من السّور لا شيء.

ولا واحد في السّلب الكلّي بل السّور عبارة عن كلّ ما دلّ على كمّيّة أفراد الموضوع ، وإن لم يكن بما هو المتعارف عند المنطقيّين.

(٧) أي حين كون المراد بالسّور الشّيء المذكور وإن لم يكن لفظا «يندفع ما قيل : سمّاها مهملة باعتبار عدم السّور».

قال خلخالي : إنّ ابن مالك سمّى قضيّة لم يقم إنسان ، مهملة باعتبار عدم السّور ، يقول الشّارح : هذا الاعتذار عن ابن مالك يندفع بما ذكرنا من أنّ المراد بالسّور ما يدلّ على كمّيّة الأفراد وإن لم يكن لفظا ، فهذه القضيّة أعني لم يقم إنسان مسوّرة كلّيّة ، فلا وجه لتسميّتها مهملة.

٢٦

[وقال عبد القاهر (١) إن كانت (٢)] كلمة [كلّ داخلة في حيّز النّفي بأن أخّرت (٣) عن أداته] سواء كانت معمولة لأداة النّفي أو لا (٤) ، وسواء كان الخبر فعلا [نحو :

ما كلّ ما يتمنّى المرء يدركه (٥)]

تجري الرّياح (٦) بما لا تشتهي السّفن

______________________________________________________

(١) قوله : «وقال عبد القاهر» عطف على «قيل».

(٢) تأنيث «كانت» باعتبار كلمة كلّ ، ثمّ إيراد كلام عبد القاهر إشارة إلى أنّ اعتراضات المصنّف على كلام هذا القائل المذكور إنّما هي لضعف دليله لا لبطلان مدّعاه. وبعبارة أخرى : إنّ ما ذكره الشّيخ عبد القاهر عين ما ذكره صاحب القول المذكور أعني ابن مالك ، فلا فائدة لذكر قول الشّيخ عبد القاهر إلّا أن يكون إشارة إلى صحّة القول المذكور وبطلان دليله فقط.

(٣) أي بأن أخّرت كلمة كلّ عن أداة النّفي لفظا أو رتبة ، وهذا يشمل أقساما أربعة ، أشار إليها بقوله : «سواء كانت» ـ أي كلمة كلّ ـ «معمولة لأداة النّفي أو لا ، وسواء كان الخبر فعلا ...».

(٤) بأن كانت معمولة للابتداء.

(٥) هذا البيت مثال لقسمين من الأقسام الأربعة :

أحدهما : أن تكون كلمة كلّ معمولة واسما للفظة ما ، والفعل أعني «يتمنّى» خبرها على اللّغة الحجازيّة.

وثانيهما : أن تكون كلمة كلّ مرفوعة بالابتداء ، والفعل خبرها كما عند بني تميم ، وبالجملة إنّ كلمة كلّ معمولة لأداة النّفي أعني «ما» في إحدى الصّورتين ، وللابتداء في الصّورة الأخرى ، فلا تكون معمولة لأداة النّفي.

(٦) أي هذا دليل على ما ادّعاه في الشّطر الأوّل ، وذلك لأنّ كون أرباب السّفن يشتهون جريان الرّيح بسفنهم إلى ما هو مقصودهم مع السّلامة ، وربّما تجري الرّيح بسفنهم إلى غير مقصودهم على خلاف اشتهائهم ، فلا يدركون ما يشتهون ، فعلم ممّا سبق أنّ إسناد الشّهوة إلى السّفن مجاز عقليّ ، أو بحذف أهل ، وكان في الأصل أهل السّفن.

ثمّ إنّ قوله : «تجري الرّياح ...» قضيّة مهملة في قوّة الجزئيّة ، فاندفع ما يقال : إنّ هذا من عموم السّلب وهو مخالف لما يفيده قوله : «ما كلّ ما يتمنّى ...» فلا يصحّ أن يكون دليلا له.

٢٧

أو غير فعل نحو : قولك : ما كلّ متمنّى المرء حاصلا (١) [أو معمولة للفعل المنفيّ (٢)] الظّاهر أنّه (٣) عطف على داخلة ، وليس بسديد (٤) لأنّ الدّخول في حيّز النّفي شامل لذلك (٥) ، وكذا (٦) لو عطفتها على أخّرت بمعنى أو جعلت (٧) معمولة ، لأنّ (٨) التّأخير عن أداة النّفي أيضا (٩) شامل له ،

______________________________________________________

(١) بالنّصب خبر ل «ما» على اللّغة الحجازيّة ، ويجوز رفعه على اللّغة التميميّة ، فيحتمل أن يكون مثالا لما إذا كانت كلمة كل معمولة لأداة النّفي ، ولما إذا كانت غير معمولة لها.

(٢) أو للوصف المنفيّ.

(٣) أي قوله : «أو معمولة ...» ، وجه الظّهور : إنّ قوله : «معمولة» صفة لكلمة كلّ ، وكذا قوله : «داخلة» صفة لها أيضا ، ففيه عطف صفة على مثلها ، ثمّ المراد من الصّفة أعمّ من الصّفة المصطلحة عند النّحويّين.

(٤) أي لما فيه من عطف الخاصّ على العامّ بأو ، وهو غير جائز ، بل ممنوع.

(٥) أي لكون كلمة معمولة للفعل المنفيّ ، فقوله : «لأنّ الدّخول ...» علّة للزوم عطف الخاصّ على العامّ.

(٦) أي ليس بسديد أيضا «لو عطفتها» أي معمولة «على أخّرت» لأنّ «معمولة» اسم ، وعطف الاسم على الفعل ، وبالعكس لا يصحّ.

إلّا أن يقال : إنّ «معمولة» بمعنى جعلت معمولة ، فهو اسم يشبه الفعل ، أو بتقدير الفعل أعني أو جعلت معمولة ليكون من عطف الجملة على الجملة.

فنقول : إنّ هذا وإن صحّ من جهة اللّفظ إلّا أنّه لا يصحّ من جهة المعنى لما سبق من لزوم عطف الخاصّ على العامّ بأو. لأنّ التّأخير عن أداة النّفي أعمّ من أن يكون معمولة للفعل المنفيّ أم لا ، فيكون داخلا في المعطوف عليه ، فلا يصحّ العطف بأو ، لأنّها تقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه.

(٧) إنّ تقدير «جعلت معمولة» إنّما هو لدفع لزوم عطف الاسم على الجملة.

(٨) بيان لعلّة عدم كون العطف سديدا.

(٩) أي كالدّخول في حيّز النّفي «شامل له» أي المعطوف أعني قوله : «جعلت معمولة» فيلزم المحذور المذكور أعني عطف الخاصّ على العامّ مضافا إلى أنّ فيه فساد ثان ، لأنّ حذف

٢٨

اللهمّ (١) إلّا أن يخصّص التّأخير بما إذا لم تدخل الأداة على فعل عامل في كلّ على ما يشعر به المثال (٢) والمعمول (٣) أعمّ من أن يكون فاعلا أو مفعولا أو تأكيدا لأحدهما (٤) أو غير ذلك (٥) [نحو : ما جاءني القوم كلّهم] في تأكيد الفاعل [أو ما جاءني كلّ القوم] في الفاعل (٦) ،

______________________________________________________

المعطوف وإبقاء معموله مخصوص بالعطف بالواو ، كما في قول الشّاعر : * وعلّفتها تبنا وماء باردا* أي أسقيتها ماء باردا.

(١) هذا التماس لتصحيح الكلام ، ولو بارتكاب وجه بعيد ، وحاصل الجواب : عن الاعتراض الوارد على العطف أن يخصّص قول المصنّف «بأن أخّرت» بالحمل على ما إذا لم تدخل أداة النّفي على فعل عامل في كلّ ، والمعنى بأن أخّرت أداة النّفي الغير الدّاخلة على الفعل العامل في كلّ أو جعلت معمولة للفعل المنفي.

(٢) أي قوله : «* ما كلّ ما يتمنّى المرء يدركه*» حيث إنّ فيه كلمة كلّ تكون مؤخّرة عن أداة النّفي وليس حرف النّفي داخلا على فعل عامل في كلّ وليست كلمة كلّ معمولة لفعل منفيّ ، وحينئذ لا يكون المعطوف عليه شاملا للمعطوف فيصحّ العطف ولا يخفى ما فيه من دعوى التّخصيص من غير مخصّص ، ولهذا قال الشّارح : «اللهمّ» حيث يكون هذا التّعبير مشعرا على الضّعف.

(٣) أي المذكور بقوله : «معمولة للفعل المنفيّ» أي المعمول في المعطوف «أعمّ من أن يكون فاعلا أو مفعولا» مقدّما أو مؤخّرا.

(٤) أي للفاعل أو للمفعول ، لأنّ التّأكيد معمول لعامل المتبوع ، لأنّ العامل في المتبوع عامل في التّابع.

(٥) ككون كلمة «كلّ» مجرورة ، أو ظرفا ، نحو : ما مررت بكلّ القوم ، وما سرت بكلّ القوم.

(٦) أي في كون «كلّ» فاعلا ، قدّم المصنّف مثال التّأكيد على مثال الفاعل ، لأنّ الأصل في لفظ «كلّ» أن يقع تأكيدا لدلالته على الإحاطة والشّمول ، وأمّا وقوعه فاعلا فقليل في لغة العرب ، كما أشار إليه بقوله : «لأنّ كلا أصل فيه» أي لأنّ لفظ «كلّ» أصل في التّأكيد وإن كان فاعلا في نفسه.

٢٩

وقدّم (١) التّأكيد على الفاعل ، لأنّ كلا أصل فيه (٢) [أو لم آخذ كلّ الدّراهم] في المفعول المتأخّر (٣) [أو كلّ الدّراهم لم آخذ] في المفعول المتقدّم (٤) وكذا لم آخذ الدّراهم كلّها ، أو الدّراهم كلّها لم آخذ (٥) ، ففي جميع هذه الصّور (٦) [توجّه (٧) النّفي إلى الشّمول خاصّة] لا إلى أصل الفعل (٨) [وأفاد] الكلام [ثبوت الفعل (٩) أو الوصف (١٠) لبعض] ممّا أضيف إليه كلّ إن كانت كلّ في المعنى فاعلا

______________________________________________________

(١) أي قدّم المصنّف مثال التّأكيد على الفاعل ، مع أنّ الفاعل أصل ، وقد عرفت وجه التّقديم.

(٢) أي في التأكيد.

(٣) أي المتأخّر عن الفعل المنفيّ.

(٤) أي المتقدّم على الفعل المنفيّ لفظا ، وإن كان متأخّرا رتبة ، وجعل الفعل منفيّا بلم ، لأنّ المنفيّ بما لا يقدّم معموله عليه بخلاف لم ولا ولن على ما بيّن في النّحو كما في الجامي في آخر الأفعال النّاقصة.

(٥) أي ذكر هذين المثالين إشارة إلى أنّ المصنّف ترك مثال التّأكيد اعتمادا على فهمهما ممّا سبق ، ثمّ الوجه لتعدّد المثال : إنّ التّأكيد في المثال الأوّل متأخّر ، وفي المثال الثّاني متقدّم.

(٦) أي المذكورة في كلام المصنّف ، فقوله : «ففي جميع هذه الصّور» وإن كان متعلّقا بقوله : «توجّه النّفي ...» إلّا أنّه لحلّ المعنى لا لبيان الإعراب.

(٧) جواب شرط وهو قوله : «وإن كانت داخلة» فمعنى العبارة حينئذ.

«قال عبد القاهر : إن كانت كلّ داخلة في حيّز النّفي بأن أخّرت عن أداته» كالأمثلة المذكورة «توجّه النّفي إلى الشّمول خاصّة» أي يكون «كلّ» في هذه الأمثلة لسلب العموم ونفي الشّمول لا لعموم السّلب وشمول النّفي ، حتّى يكون النّفي متوجّها إلى أصل الفعل كالمجيء والأخذ في الأمثلة المتقدّمة.

(٨) إنّما قال ذلك ، لأنّه إذا توجّه النّفي إلى أصل الفعل يفيد شمول النّفي.

(٩) أي كما في المثال الثّاني والثّالث حيث يكون مفاد ما جاءني القوم كلّهم ، وما جاءني كلّ القوم ، ثبوت مجيء بعض القوم في كلا المثالين.

(١٠) مثل ما كاتب كلّ القوم ، فإنّه يفيد ثبوت الكتابة لبعض القوم.

٣٠

للفعل أو الوصف (١) المذكور في الكلام [أو] أفاد (٢) [تعلّقه] أي تعلّق الفعل أو الوصف [به] أي ببعض ممّا أضيف إليه كلّ وإن كان كلّ في المعنى مفعولا للفعل أو الوصف وذلك (٣) بدليل الخطاب (٤) وشهادة الذّوق والاستعمال. والحقّ إنّ هذا الحكم (٥) أكثريّ لا كلّيّ ، بدليل قوله تعالى : (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ

______________________________________________________

(١) مثال كون «كلّ» فاعلا في المعنى للفعل نحو : ما كلّ القوم يكتب ، إذ ضمير الفاعل في قوله : يكتب ، عائد إلى كلمة «كلّ» فتكون في المعنى فاعلا للفعل المذكور ، ومثال الوصف : نحو : ما كلّ القوم كاتبا ، أو كاتب على اللّغة الحجازيّة ، أو التّميميّة ، وعلى القولين يكون «كلّ» فاعلا في المعنى لعود الضّمير إليه ، ويشمل ما إذا كان لفظ «كلّ» توكيدا للفاعل اللّفظيّ ، ولو قال المصنّف : وأفاد ثبوت الحكم بدل قوله : «أفاد ثبوت الفعل ...» لكان أولى ليشمل ما إذا كان الخبر جامدا ، نحو : ما كلّ سوداء تمرة ، وما كلّ بيضاء شحمة ، لأنّ الخبر فيهما يطلق عليه أنّه محكوم به وليس بفعل ولا وصف.

(٢) أي إطلاق الثّبوت على نسبة الفعل أو الوصف للفاعل وإطلاق التّعلّق على نسبة الفعل أو الوصف للمفعول اصطلاح شائع.

(٣) أي ثبوت الفعل أو الوصف أو تعلّقهما بالبعض «بدليل الخطاب» أي مفهوم المخالفة مثلا ما جاء القوم كلّهم ، منطوقه نفي المجيء عن الكلّ فيفهم منه ثبوت مجيء البعض بمفهوم المخالفة وشهادة الذّوق السّليم.

(٤) إضافة «الدّليل» إلى «الخطاب» بيانيّة ، ويسمّى بمفهوم المخالفة أيضا كما يسمّى مفهوم الموافقة بلحن الخطاب ، وفحوى الخطاب أيضا.

(٥) أي توجّه النّفي إلى الشّمول ، وثبوت الفعل أو الوصف للبعض عند وقوع «كلّ» في حيّز النّفي ليس بكلّيّ بل أكثريّ ، لتخلّفه في بعض الموارد كالآيات ، فقد يتوجّه النّفي عند وقوع «كلّ» في حيّزه إلى الفعل ، ويكون القصد نفيه عن كلّ فرد بدليل قوله تعالى : (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ)(١) المختال بمعنى متكبّر معجب ، وفخور بمعنى كثير الفخر على النّاس بغير حقّ.

ومعنى الآية : والله لا يحبّ كلّ فرد من مختال فخور ، فلو أفاد تعلّقه بالبعض لكان المعنى :

__________________

(١) سورة الحديد : ٢٣.

٣١

فَخُورٍ ، وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ)(١) (١) ، (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ)(٢) (٢) وإلا : أي وإن لم تكن (٣) داخلة في حيّز النّفي بأن قدّمت (٤) على النّفي لفظا (٥) ،

______________________________________________________

والله لا يحبّ كل مختال فخور ، بل يحبّ بعض المختال ، وهو غير صحيح.

(١) أي والله لا يحبّ كلّ جاحد بتحريم الزّنا (أثيم) أي كثير الإثم.

(٢) (حلاف) أي كثير الحلف في الحقّ والباطل (مهين) أي قليل الرّأي والتّمييز ، أو حقير عند النّاس لأجل كذبه ، وفي التّمثيل بهذه الآية إشارة إلى أنّ النّهي كالنّفي في الحكم السّابق.

والمتحصّل من هذه الآيات أنّه ليس المراد فيها المعنى الّذي قاله الشّيخ عبد القاهر وأتباعه ، فالمعنى الّذي قاله الشّيخ وأتباعه اكثريّ وليس كلّيّا.

إلّا أن يقال : إنّ الحقّ ما فهمه الشّيخ ، ولا يرد عليه النّقض بالآيات ، لأنّ عدم الحمل على ثبوت الحكم للبعض فيها إنّما هو بواسطة قرينة خارجيّة وخصوصيّة المادّة ، فلا يلزم من ذلك انخرام القاعدة الّتي استفادها الشّيخ من تتبّع كلمات البلغاء ، لأنّ القاعدة هي أنّ لفظة «كلّ» متى وقعت في حيّز النّفي ، فبالنّظر إلى نفس التّركيب وذاته يفيد ما فهمه الشّيخ وأتباعه ، وهذا لا ينافي عدم الحمل على ذلك في بعض المواضع لمانع خارجي ، إذ قد دلّ الدّليل على تحريم الاختيال والفخر مطلقا.

(٣) أي وإن لم تكن لفظة كلّ «داخلة في حيّز النّفي».

(٤) في هذا التّفسير إشارة إلى أنّ النّفي المستفاد من لفظة «إلّا» ـ في قوله : «وإلّا» ـ متوجّه إلى القيد أعني الدّخول في حيّز النّفي فيفيد وجود النّفي في الكلام مع تقدّم كلّ عليه ، فلا يرد عليه ما يقال : من أنّ انتفاء الدّخول في حيّز النّفي قد يكون بانتفاء النّفي من الكلام أي عدم وجوده فيه أصلا ، فلا يصحّ حينئذ بقاء قوله : «عمّ النّفي» على إطلاقه.

(٥) إنّما قيّد تقدّم «كلّ» على النّفي بقوله : «لفظا» احترازا عمّا إذا تقدّمت على النّفي لفظا ومعنى ، فإنّ النّفي حينئذ لا يتّصل عليه بوجه مع أنّ الغرض حينئذ أنّه لعموم السّلب ، فلا بدّ أن يكون لفظ كلّ متأخّرا معنى ليتوجّه إليه النّفي وإن كان متقدّما لفظا.

__________________

(١) سورة البقرة ٢٧٦.

(٢) سورة القلم : ١٠.

٣٢

ولم تقع (١) معمولة للفعل المنفيّ [عمّ] النّفي [كلّ فرد] ممّا أضيف إليه كلّ ، وأفاد (٢) نفي أصل الفعل عن كلّ فرد [كقول النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا قال له ذو اليدين] اسم (٣) واحد من الصّحابة [أقصرت الصّلاة] بالرّفع (٤) فاعل أقصرت [أم نسيت] يا رسول الله [كلّ (٥) ذلك لم يكن] هذا قول النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمعنى (٦) لم يقع واحد من القصر والنّسيان على سبيل شمول النّفي وعمومه لوجهين أحدهما : إنّ جواب أم إمّا بتعيين أحد الأمرين أو بنفيهما جميعا تخطئة للمستفهم لا بنفي الجمع بينهما لأنّه (٧) عارف

______________________________________________________

(١) أي لم تقع كلمة «كلّ» معمولة للفعل المنفيّ ، قيّد به ليخرج نحو : كلّ الدّراهم لم آخذ ، فإنّ. كلمة «كلّ» وإن كانت مقدّمة على النّفي في هذا المثال لكنّها معمولة للفعل المنفيّ ، فتكون داخلة في حيّز النّفي ولو زاد رتبة بعد قوله : «لفظا» لاستغنى عن قوله : «ولم تقع ...».

(٢) أي أفاد الكلام «نفي أصل الفعل عن كلّ فرد» أي يتوجّه النّفي حينئذ إلى أصل الفعل ، فيكون النّفي نفيا عامّا ، كما هو الحكم في السّالبة الكلّيّة ، ويناقضه الإيجاب الجزئي بخلاف ما إذا قدّم النّفي على كلمة «كلّ» فإنّ النّفي فيه نفي للعموم ، ولا ينافي الإيجاب الجزئيّ.

(٣) المراد بالاسم هو اللّقب ، يعني أنّه لرجل من الصّحابة اسمه الخرباق أو العرباض بن عمرو ، وإنّما لقّب بذي اليدين لطول يديه ، وقيل : إنّه كان يعمل بكلتا يديه على السّواء.

(٤) أي برفع الصّلاة حيث إنّها فاعل «قصرت» لأنّ «قصرت» لازم لا بالنّصب على أن تكون مفعولا ، والضّمير خطابا للنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٥) أي كقول النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كلّ ذلك لم يكن ، فقوله : «كلّ ذلك ...» مقول قول النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٦) أي ومعنى الحديث هو شمول النّفي ، واحتجّ لشمول النّفي وعمومه بالحديث لوجهين : وذلك إنّ جواب أم إمّا بتعيين أحد الأمرين ، لأنّ السّؤال إنّما هو عن التّعيين ، فيجب أن يكون الجواب بالتّعيين كي يكون مطابقا للسّؤال أو يكون الجواب بنفي كلا الأمرين جميعا كي يكون تخطئة للمستفهم ، وهو ذو اليدين في مورد الحديث ، وحيث لم يكن جوابه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تعيين أحد الأمرين فلزم أن يكون مراده نفي كلّ منهما تخطئة للمستفهم في اعتقاد الثّبوت لأحدهما.

(٧) أي المستفهم وهو ذو اليدين «عارف» أي معتقد بثبوت أحدهما ، وإذا كان كذلك فلا يصحّ أن يجاب به لأنّه لم يفده فائدة ، كما في أزيد قام أو عمرو ، فإنّه بتعيين أحدهما أو بنفي كلّ منهما ، ولا يجاب بنفي الجمع بينهما لأنّه لا يفيد السّائل شيئا لأنّه عالم بقيام أحدهما ،

٣٣

بأنّ الكائن أحدهما (١) ، والثّاني ما روي أنّه (٢) لمّا قال النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّ ذلك لم يكن ، قال له ذو اليدين ، بل بعض ذلك قد كان (٣) ، ومعلوم أنّ الثّبوت للبعض إنّما ينافي (٤) النّفي عن كلّ فرد لا النّفي عن المجموع (٥) ، [وعليه] أي على عموم النّفي عن كلّ فرد [قوله] أي قول أبي النّجم :

[قد أصبحت أمّ الخيار (١) تدّعي

عليّ ذنبا كلّه لم أصنع]

برفع كلّه على معنى (٦) لم أصنع شيئا ممّا تدّعيه عليّ

______________________________________________________

ولم يعلم أيّهما قام.

(١) أي بأنّ الثّابت أحد الأمرين.

(٢) الضّمير للشّأن.

(٣) فلو لم يكن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كلّ ذلك لم يكن» مفيدا للسّلب الكلّي ، لما صحّ قول ذي اليدين بعض ذلك قد كان ، لأنّ الإيجاب الجزئيّ هو المقابل للسّلب الكلّي.

(٤) أي الثّبوت للبعض يناقض النّفي عن كلّ فرد ، بمعنى أنّ نقيض الموجبة الجزئيّة هو السّالبة الكلّيّة لا الجزئيّة ، لجواز أن يثبت للبعض ، وينتفي عن البعض الآخر ، فتصدقان معا ، والحاصل إنّ الثّبوت للبعض إنّما ينافي في عموم السّلب وشموله ، لا سلب العموم ونفي الشّمول.

(٥) المراد بالنّفي عن المجموع هو سلب العموم ونفي الشّمول. ولا بأس بذكر الحديث : روى أبو هريرة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى صلاة العصر في الحضر وسلّم من ركعتين ، فقام ذو اليدين وقال : أقصرت الصّلاة أو نسيت يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كلّ ذلك لم يكن ، فقال ذو اليدين : بعض ذلك قد كان ، فأقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على النّاس أحقّ ما يقول ذو اليدين؟ فقالوا : نعم ، يا رسول الله ، فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأتمّ الصّلاة ثمّ سجد سجدتين للسّهو. وتركنا الإشكال في الحديث رعاية للاختصار.

(٦) فمفاد الكلام عموم السّلب وشمول النّفي ، وليس المراد إثبات بعض الذّنوب الّتي تدّعي عليه أمّ الخيار ونفي بعضها الآخر ، كما هو مفاد الكلام على فرض نصب كلّه على أن يكون مفعول لقوله : «لم أصنع» وكلّه على تقدير رفعه مبتدأ وخيره جملة «لم أصنع»

٣٤

من الذّنوب (١) ولإفادة هذا المعنى (٢) عدل عن النّصب المستغنى عن الإضمار (٣) إلى الرّفع المفتقر إليه (٤) ، أي لم أصنعه ، [وأمّا تأخيره] أي تأخير المسند إليه [فلاقتضاء (٥) المقام تقديم المسند] وسيجيء بيانه (٦)

______________________________________________________

والرابط محذوف ، أي كان في الأصل لم أصنعه ، أي لم أصنع شيئا.

(١) قوله : «من الذّنوب» إشارة إلى أنّ ذنبا نكرة عامّة بقرينة المقام وإن كانت واقعة في سياق الإثبات. وقيل : فيه إشارة إلى أنّ المراد من الذّنب هنا الذّنوب ، لأنّه اسم جنس يقع على القليل والكثير.

(٢) أي النّفي عن كلّ فرد ، عدل الشّاعر عن نصب كلّه إلى رفعه ، فقوله : «لإفادة» متعلّق بقوله : «عدل» ، فإنّه لو نصبه لأفاد تخصيص النّفي بالكلّ ، فيكون دليلا على أنّه فعل بعض الذّنب مع أنّ مراد الشّاعر أنّه لم يرتكب شيئا من الذّنب.

وبعبارة أخرى : أنّه عدل من النّصب المفيد لسلب العموم إلى الرّفع المفيد لعموم السّلب وشموله ، لأنّ المراد هو الثّاني دون الأوّل.

(٣) لأنّ كلّه على تقدير النّصب مفعول مقدّم للفعل المنفيّ أعني لم أصنع ، فلا يحتاج الفعل إلى تقدير شيء ، بخلاف الرّفع فيكون الفعل محتاجا إلى تقدير الضّمير كي يكون مفعولا ورابطا ، فيكون من أمثلة ما نحن فيه ، إذ يدلّ الكلام على براءة الشّاعر عن كلّ فرد من الذّنوب وهو المطلوب.

(٤) أي إلى الضّمير ، لأنّ كلّه بالرّفع مبتدأ و «لم أصنع» خبره لا بدّ في الخبر من ضميره.

(٥) بيان علّة تقديم المسند.

(٦) أي بيان تأخير المسند إليه يأتي في آخر بحث المسند حيث قال : «وأمّا تقديمه فلتخصيصه بالمسند إليه أو التّنبيه من أوّل الأمر على أنّه خبر لا نعت أو التّفاؤل أو التّشويق لى ذكر المسند إليه». وحاصل الكلام : إنّ تأخير المسند إليه فلاقتضاء المقام تقديم المسند ، مثل كونه عاملا ، أو له الصّدارة أو نحوهما.

فإن فلماذا لم يأت بالنّكات هنا ، وأحال فيما يأتي.

إنّ المصنّف نقل ذلك عن المطوّل ، ليكون إشارة إلى أنّ التّأخير للمسند إليه ليس من مقتضيات أحواله ، وإنّما هو من لوازمها ، ومقتضى الحال إنّما هو التّقديم للمسند ، فيلزم منه خير المسند إليه.

٣٥

وضع المضمر موضع المظهر

[هذا] أي الّذي ذكر (١) من الحذف والذّكر والإضمار وغير ذلك (٢) في المقامات المذكورة [كلّه (٣) مقتضى الظّاهر] من الحال [و (٤) قد يخرج الكلام على خلافه (٥)] أي على خلاف مقتضى الظّاهر لاقتضاء الحال إيّاه (٦) [فيوضع المضمر موضع المظهر كقولهم (٧) : نعم رجلا] زيد ، [مكان نعم الرّجل زيد] فإنّ مقتضى الظّاهر في هذا المقام هو

______________________________________________________

(١) أي قول الشّارح «الّذي ذكر ...» إشارة إلى أنّ إفراد اسم الإشارة في كلام المصنّف مع تعدّد المشار إليه إنّما هو باعتبار التّأويل بما ذكر.

(٢) كالتّعريف والتّنكير.

(٣) أي ما ذكر من الأحوال في المقامات المذكورة للمسند إليه «كلّه مقتضى الظّاهر» من الحال ، أي ظاهر حال المتكلّم. وقيل : إنّ قوله : «كلّه مقتضى الظّاهر» مبنيّ على التّغليب ، وإلّا فترك الخطاب مع معيّن إلى غيره الّذي ذكر في مباحث الإضمار من جملة إخراج الكلام على خلاف الظّاهر.

(٤) الواو في قوله : «ويخرج الكلام ...» للاستئناف.

(٥) أي وقد يورد الكلام على خلاف مقتضى ظاهر الحال لا باطنه.

(٦) أي لاقتضاء ذات الحال وباطنه إيّاه لعروض اعتبار آخر ألطف من ذلك الظّاهر ، أتى بقد مع المضارع ، إشارة إلى قلّته بالنّسبة إلى مقابله ، أي مقتضى الظّاهر ، فلا ينافي الكثرة في نفسه.

ثمّ الفرق بين مقتضى الظّاهر ومقتضى الحال ، أنّ مقتضى الحال أعمّ من مقتضى الظّاهر ، فكلّ مقتضى الظّاهر مقتضى الحال ، وليس كلّ مقتضى الحال مقتضى الظّاهر.

(٧) أي العرب ابتداء من غير ذكر المسند إليه لفظا أو تقديرا «نعم رجلا مكان نعم الرّجل ونعم رجلين مكان نعم الرّجلان ، ونعم رجالا مكان نعم الرّجال ، حيث كان مقتضى الظّاهر الإتيان بالاسم الظّاهر في الأمثلة المذكورة لا بالضّمير ، فإذا قيل : نعم رجلا ... بإضمار المسند إليه ، ذكره لفظا أو تقديرا كان الكلام مخرجا على خلاف مقتضى الظّاهر لنكتة ، وهي عروض اعتبار آخر ألطف من ذلك الظّاهر ، وهو حصول الإبهام.

ثمّ التّفسير المناسب لوضع هذا الباب للمدح والذّمّ العامّين أعني من غير تعيين خصلة حميدة أو ذميمة.

٣٦

الإظهار دون الإضمار ، لعدم تقدّم ذكر المسند إليه (١) ، وعدم قرينة تدلّ عليه (٢) ، وهذا الضّمير (٣) عائد إلى متعقّل معهود في الذّهن ، والتزم تفسيره بنكرة ليعلم (٤) جنس المتعقّل وإنّما يكون هذا (٥) من وضع المضمر موضع المظهر [في أحد القولين]

______________________________________________________

(١) أي لا يكون في الكلام لفظ يدلّ عليه مطابقة ولا تضمّنا ولا التزاما.

(٢) أي على المسند إليه بخصوصه ، ومن هنا يظهر أنّه لا بدّ للإضمار من أحد الأمرين إمّا تقدّم المرجع لفظا أو تقديرا وإمّا وجود قرينة تدلّ عليه ، ومع فقدهما يكون الكلام مخرجا على خلاف مقتضى الظّاهر.

(٣) يمكن جعله جوابا لسؤال مقدّر والتّقدير : ما هو مرجع الضّمير المستتر في نعم ، في نحو : نعم رجلا زيد.

وحاصل الجواب : إنّ هذا الضّمير عائد إلى متصوّر معهود في ذهن المتكلّم مبهم باعتبار الوجود الخارجي ، أي بمعنى شيء صادق على رجل أو أكثر ، فإذا أتى برجل مثلا الّذي تمييز وتفسير له علم جنس ذلك المتعقّل دون شخصه ، وزال الإبهام في الجملة ، فإذا ذكر المخصوص بالمدح بعد ذلك تعيّن شخصه.

(٤) أي التزم تفسيره بنكرة لا بمعرفة ليعلم جنس المتعقّل فقط دون شخصه ليحص الإبهام ، ثمّ التّعيين الحاصل بالمخصوص بخلاف المعرفة ، فإنّ بها يعلم شخص المتعقّل كما يعلم جنسه ، فيفوت ما هو المقصود من الإبهام ثمّ التّعيين.

(٥) أي قولهم : نعم رجلا زيد ، ونحوه «من وضع المضمر موضع المظهر في أحد القولين» أي المشهورين ، فلا ينافي أن يكون هناك قول آخر ، وهو جعل المخصوص مبتدأ محذوف الخبر.

٣٧

أي قول من (١) يجعل المخصوص خبر مبتدأ محذوف (٢) ، وأمّا من يجعله (٣) مبتدأ ، ونعم رجلا خبره (٤) ، فيحتمل عنده أن يكون الضّمير عائدا إلى المخصوص وهو مقدّم تقديرا ، ويكون (٥) التزام إفراد الضّمير حيث لم يقل : نعما ونعموا من خواصّ هذا الباب ، لكونه (٦) من الأفعال الجامدة [وهو قولهم (٧) : هو أو هي زيد عالم مكان الشّأن (٨)

______________________________________________________

(١) تفسير لأحد القولين ، وبيّن القول الآخر منهما بقوله : «وأمّا من يجعله مبتدأ ، ونعم رجلا خبره ، فيحتمل عنده أن يكون الضّمير عائدا إلى المخصوص ، وهو مقدّم تقديرا» فلا يكون الكلام حينئذ مخرجا على خلاف مقتضى الظّاهر.

(٢) أي والتّقدير : هو زيد.

(٣) أي المخصوص بالمدح أو الذّمّ.

(٤) فيكون قوله : «نعم رجلا زيد» في التّقدير : زيد نعم رجلا ، فليس من هذا الباب لاحتمال أن يكون الضّمير عائدا إلى المخصوص ، وهو مقدّم تقديرا ، وإنّما ذكر الاحتمال ، لأنّ الضّمير عائد إلى متعقّل ذهنيّ معهود عند أكثر النّحاة كما صرّح به في شرح المفتاح ، فيكون ممّا نحن فيه.

(٥) جواب عن سؤال مقدّر ، تقرير السّؤال أن يقال : لو جاز رجوع الضّمير إلى المخصوص على تقدير كونه مبتدأ وخبره ما قبله ، لوجب مطابقة الضّمير للمرجع إفرادا أو تثنية وجمعا ، فيقال : نعم رجلا زيد ، ونعما رجلين الزّيدان ، ونعموا رجالا الزّيدون ، مع أنّه ليس كذلك ، بل إنّهم التزموا إفراد الضّمير فيدلّ على أنّه لا مرجع له سواء كان المخصوص مبتدأ أم لا.

وحاصل الجواب : إنّ الالتزام بإفراد الضّمير إنّما هو «من خواصّ هذا الباب» أي باب أفعال المدح والذّمّ.

(٦) أي لكون نعم «من الأفعال الجامدة» أي المشابهة للأسماء الجامدة في عدم التّصرّف ، حتّى ذهب بعضهم إلى أنّ نعم وبئس اسمان جامدان.

(٧) أي قولهم بالجرّ عطف على قولهم السّابق أعني «كقولهم : نعم رجلا زيد».

(٨) ناظر إلى هو.

٣٨

أو القصّة (١)] فالإضمار فيه (٢) أيضا (٣) على خلاف مقتضى الظّاهر لعدم التّقدّم (٤) ، واعلم (٥) أنّ الاستعمال على (٦) أنّ ضمير الشّأن إنّما يؤنّث إذا كان في الكلام مؤنّث غير فضلة

______________________________________________________

(١) ناظرة إلى هي ، فتذكير الضّمير إنّما هو باعتبار الشّأن وتأنيثه باعتبار القصّة.

لا يقال : لا يصحّ هو زيد عالم ، مثالا لعدم العائد في الجملة الواقعة خبرا ، لأنّ الجملة من حيث هي جملة مستقلّة بالفائدة ، فإذا لم يوجد فيها رابط لم تربط بالمبتدأ.

فإنّه يقال : إنّ الجملة الواقعة خبرا عن ضمير الشّأن لا تحتاج إلى رابط ، لأنّ الجملة المفسّرة لضمير الشّأن عين المبتدأ ، فهي في حكم المفرد في عدم الحاجة إلى الرّابط ، فمعنى هو زيد عالم ، أنّ الشّأن والحديث أنّ زيدا عالم ، فالخبر أي زيد عالم عين المبتدأ ، أي الشّأن والحديث ، وكذا لا يحتاج إلى الضّمير في كلّ جملة تكون عبارة عن المبتدأ نحو : قول النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أفضل ما قلت أنا والنّبيّون من قبلي لا إله إلّا الله.

(٢) أي في هذا القول.

(٣) أي كنعم «على خلاف مقتضى الظّاهر لعدم التّقدّم».

(٤) أي لعدم تقدّم المسند إليه ، فإنّ عدم تقدّمه يقتضي إيراده اسما ظاهرا ، فإيراده ضميرا مخالف لمقتضى الطّاهر ، إلّا أنّ الحال يقتضيه لعروض اعتبار الإبهام ثمّ التّفسير.

(٥) قصد الشّارح بهذا الكلام الاعتراض على قول المصنّف أعني «وقولهم هو أو هي زيد عالم» ، وملخّص الاعتراض أنّ قولهم : «هو أو هي زيد عالم» يقتضي صحّة استعمالهم هي زيد عالم ، مع عدم المطابقة في التّأنيث والتّذكير.

(٦) أي فيه إشارة إلى أنّ ضمير الشّأن والقصّة واحد في المعنى ، وإنّما اصطلحوا على أنّ الجملة المفسّرة للضّمير إذا كان فيها مؤنّث غير فضلة ولا شبهها يؤنّث الضّمير ، ويقال له : ضمير القصّة ، وإلّا يذكّر ويقال له : ضمير الشّأن ، نحو : هي هند مليحة ، وهو زيد عالم ، وإنّما أنّث الضّمير في المثال الأوّل لمجرّد قصد المطابقة اللّفظيّة لا لأنّ مرجعه ذلك المؤنّث ، ولا أنّ ذلك المؤنّث مفسّره ، لأنّ مفسّره هي الجملة بتمامها ، وقد خرج ـ بغير فضلة ولا شبهها ـ نحو : إنّها بنيت غرفة ، ونحو : إنّها كان القرآن معجزة ، والغرفة في المثال الأوّل فضلة ، المعجزة في المثال الثّاني شبيهة بالفضلة ، فلا يؤنّث الضّمير فيهما ، بل يقال في المثالين :

٣٩

فقوله (١) : هي زيد عالم ، مجرّد قياس ، ثمّ علّل وضع المضمر موضع المظهر في البابين (٢) بقوله : [ليتمكّن (٣) ما يعقّبه] أي يعقّب الضّمير ، أي يجيء على (٤) عقبه [في ذهن السّامع لأنّه] أي السّامع [إذا لم يفهم منه] أي من الضّمير [معنى انتظره] أي انتظر السّامع ما يعقب الضّمير ليفهم منه معنى فيتمكّن (٥) بعد وروده فضل تمكّن (٦) ، لأنّ الحصول بعد الطّلب أعزّ (٧)

______________________________________________________

إنّه بنيت غرفة ، وإنّه كان القرآن معجزة ، وإنّما اشترط كون المؤنّث غير فضلة ولا شبهها لأنّ الضّمير مقصود مهم ، فلا تراعى مطابقته للفضلات.

(١) أي فقول المصنّف ـ «هي زيد عالم ـ مجرّد قياس» أي قياس على قولهم : هي هند مليحة ، بجامع عود الضّمير في كلّ منهما إلى القصّة ، ومجرّد عن السّماع والاستعمال ، وحينئذ فلا يصحّ قول المصنّف حيث قال : «وقولهم : هو أو هي زيد عالم» ، لأنّ المفهوم منه أنّ الاستعمال المذكور مسموع ، مع أنّه غير مسموع ، ولكنّ القياس يقتضي جوازه ، ولذلك قال الرّضي وتأنيثه وإن لم تتضمّن الجملة مؤنّثا قياس ، لكنّه لم يسمع.

(٢) أي في باب نعم ، وضمير الشّأن.

(٣) علّة غائيّة لوضع المضمر موضع المظهر ، لأنّ ذكر المسند إليه بالضّمير المبهم أوّلا ثمّ بالتّفسير ثانيا يكون أوقع في النّفس ، أي متمكّنا ومتقرّرا في ذهن السّامع ، إذ الحصول بعد الطّلب ألذّ وأوقع في الذّهن.

(٤) إنّما عبّر بعلى ، ولم يقل : يجيء عقبه لإشعار «على» بشدّة اللّصوق ، لأنّها تشعر بالاستعلاء والتمكّن ، بخلاف ما لو تركها فإنّه وإن كان مشعرا باللّصوق ، لكن لا يشعر بشدّته وبعبارة أخرى : إنّ عقب حال جرّها ب «على» ليست ظرفا ، بل اسم بمعنى الآخر ، والطّرف ، فالمعنى على آخره وطرفه ، فتفيد على اتّصال المتعاقبين والتصاقهما ، وأن لا فاصل بينهما كما في التّجريد.

(٥) أي فيتقرّر ما يعقب الضّمير في ذهن السّامع لما جعل الله النّفوس عليه من التّشوّق إلى معرفة ما قصد إبهامه.

(٦) أي تمكّنا زائدا ، وهو السّرّ في التزام تقديمه.

(٧) وجه الأعزّيّة : أنّ فيه أمرين : لذّة العلم ، ولذّة دفع ألم التّشوّق بخلاف المنساق بلا تعب ، أي النّيل بغير طلب ، فإنّ فيه الأمر الأوّل فقط ، والأمران المرغوبان أحلى وأولى من الواحد

٤٠