دروس في البلاغة - ج ٢

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في البلاغة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٥

بوقوع الشّرط (١) [تجاهلا]. كما إذا سئل العبد عن سيّده ، هل هو في الدّار ، وهو (٢) يعلم أنّه فيها ، فيقول : إن كان فيها أخبرك ، يتجاهل خوفا من السّيّد (٣) [أو لعدم جزم المخاطب (٤)] بوقوع الشّرط ، فيجري الكلام على سنن اعتقاده [كقولك لمن يكذّبك : إنّ صدقت فما ذا تفعل؟ (٥)] مع علمك بأنّك صادق (٦) [أو تنزيله] أي تنزيل المخاطب العالم بوقوع الشّرط [منزلة الجاهل ، لمخالفته مقتضى العلم] كقولك لمن يؤذي أباه : إن كان أباك فلا تؤذه (٧).

______________________________________________________

(١) قيد به الشّارح نظرا إلى الأمثلة المذكورة ، وإلّا فقد تستعمل في الجزم بعدم وقوعه أيضا ، الّذي هو خلاف أصلها أيضا ، لأنّ أصلها أن تستعمل في الأمور المحتملة.

(٢) أي العبد» يعلم» أنّ مولاه وسيّده في الدّار ، ومع ذلك» يقول : إن كان فيها أخبرك ، يتجاهل خوفا من السّيّد»

(٣) أي من عتابه على الإعلام ، فيجعل كون السّيّد في الدّار ، في حكم غير المقطوع به ، فيستعمل إن ، وإن لم يكن في محلّها لأنّه خلاف أصلها.

وبعبارة أخرى : العبد مع علمه بوجود سيّده في الدّار ، يتجاهل خوفا منه ، لأنّه أوصاه بأن لا يعلم أحدا بوجوده في الدّار ، إلّا بعد مشاورته ، وهذا التّجاهل يعدّ من نكات علم المعانيّ ، حيث اقتضاه الحال ، كما في المثال ، فإن كان إيراده لمجرد الظّرافة كان من البديع.

فلا يرد ما قيل : بأن تجاهل العارف من قبيل سوق المعلوم مقام غيره ، وهو من أنواع البديع ، فيكون ذكره هنا تطفّلا.

(٤) مع علم المتكلّم بوقوع الشّرط ، إلّا أنّ الكلام يجري على مقتضى اعتقاد المخاطب ، إمّا على سبيل الحقيقة ، أو على سبيل التّنزيل.

(٥) هذا مثال لكون الكلام جاريا على مقتضى اعتقاد المخاطب ، على سبيل الحقيقة ، أي إن ظهر صدقي فبأيّ شيء تدفع خجلتك ، الاستفهام للتّقرير ، أي لا تقدر على ما يدفع خجلتك.

(٦) أي لأنّ الإنسان عارف بصدق نفسه.

(٧) هذا مثال لكون الكلام جاريا على مقتضى اعتقاد المخاطب على سبيل التّنزيل ، لأنّ علمه بكونه أباه محقّق ، لكن نزّل منزلة غير العالم ، لعدم جريه على موجب علمه ، وهو عدم الإيذاء ، فعبّر بإن لأجل أن يجري الكلام على سنن اعتقاد المخاطب تنزيلا.

١٢١

[أو التّوبيخ] أي لتعبير المخاطب على الشّرط (١) ، [وتصوير (٢) أنّ المقام لاشتماله على ما يقلع الشّرط عن أصله ، لا يصلح إلّا لفرضه] أي فرض الشّرط [كما يفرض المحال (٣)] لغرض من الأغراض (٤) [نحو : (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ)(١) (٥)] أي أنهملكم (٦) ، فنضرب عنكم القرآن ، وما فيه من الأمر والنّهي والوعد والوعيد [صفحا] ، أي إعراضا أو للإعراض أو معرضين.

______________________________________________________

(١) أي يكون استعمال إن في ذلك المقام» لتعبير المخاطب على الشّرط» ، أي لتقبيحه ، وتعييبه على صدور الشّرط منه.

(٢) أي تبيين المتكلّم للمخاطب فهو من عطف السّبب على المسبّب ، وقيل : إنّه عطف بيان ، فمعناه تفهيم المتكلّم للمخاطب بأنّ المقام الّذي أورد في شأنه الكلام «لاشتماله» المقام ، وهو علّة لقوله الآتي «لا يصلح ...» ، «على ما» أي على البراهين القاطعة التّي «يقلع الشّرط» ، أي أدلّة تحقّق زوال الشّرط من أصله ، أي قلعا» عن أصله لا يصلح» ذلك المقام ، «إلّا لفرضه» ، أي إلّا لأن يفرض ويقدّر ذلك الشّرط ، كما يفرض المحال ، وكما أنّ المحال المحقّق يستعمل فيه إن كثيرا ، تستعمل هنا في ذلك المحال المقدّر المفروض.

(٣) أي كقول القائل : ليت زيدا طائر.

(٤) كالتّبكيت وإلزام الخصم والمبالغة ، ونحو ذلك ممّا يناسب المقام.

(٥) أي أفنصرف عنكم القرآن والاستفهام للإنكار ، أي لا نصرف عنكم القرآن بترك إنزاله لكم ، وترك إنزال ما فيه من الأمر والنّهي والوعد والوعيد ، وإنزال ذلك لغيركم؟!.

(٦) التّفسير المذكور إشارة إلى عطف» فنضرب» على مقدّر ، وكان الأصل أنهملكم فنضرب عنكم الذّكر ، فتكون الفاء عاطفة على فعل مقدّر.

وحاصل المعنى إنّا لا نصرف القرآن ، وما فيه من الأحكام ، بل نلزمكموها بحسب ربوبيّتنا ومربوبيّتكم ، وإن لم ترضوا بها ، ولم تقبلوها ، وأعرضتم عنها ، وأردتم الإهمال ، «صفحا ، أي «صفحا ، أي إعراضا» فيكون صفحا مفعولا مطلقا لنضرب من غير لفظه ، كقعدت جلوسا «أو للإعراض» أي لإعراضكم ، فيكون مفعولا له ، وعلّة له.

__________________

(١) سورة الزّخرف : ٥.

١٢٢

(أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ) فيمن قرأ إن بالكسر (١)] ، فكونهم مسرفين أمر مقطوع به ، لكن جيء بلفظ إن لقصد التّوبيخ (٢) ،

______________________________________________________

فإن الضّرب بمعنى الصّرف فعل الله ، والصّفح كما ذكرت بمعنى الإعراض ، وهو فعل المخاطبين فلا يجوز حذف اللّام ، كما قال ابن مالك :

وهو بما يعمل فيه متّحد

وقتا وفاعلا وإن شرط فقد

فاجرره باللّام وليس يمتنع

مع الشّروط كلزهد ذا قنع

المعنى اعتبارا لإعراضكم ، فينطبق على المشهور ، أو يكون صفحا من قبيل زيد عدل ، فيكون من باب المجاز في الكلمة ، فهو بمعنى» معرضين» ، فهو حال من ضمير المخاطبين المجرور ، والنّفي المستفاد من همزة الإنكار راجع إليه ، بناء على ما تقدم في ديباجة الكتاب ، من أنّ الشّيخ ذكر في دلائل الإعجاز : إنّ من حكم النّفي إذا دخل على كلام فيه تقييد على وجه ما ، أن يتوجّه إلى ذلك التّقييد ، كما في شرح المدرّس الأفغاني رحمه‌الله.

وبالجملة إنّ قوله : «إعراضا» إشارة إلى أنّه مفعول من غير لفظه ، وقوله : «للإعراض» إشارة إلى أنّه مفعول له ، أي اعتبارا لإعراضكم ، فيتّحد فاعله ، وفاعل الفعل المعلّل ، وقوله : «معرضين» إشارة إلى أنّه حال بمعنى الفاعل.

(١) أي في قراءة من قرأ همزة إن بالكسر ، لتكون شرطيّة فيكون مثالا لما نحن فيه ، وأمّا إذا قرأ بالفتح ، فيكون في محلّ المفعول له ، والمعنى حينئذ لإن كنتم قوما مسرفين ، أي مستهزئين بآيات الله وكتابه ، قال في المفردات : السّرف : تجاوز الحدّ في كلّ فعل يفعله الإنسان ، وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر ، وقال في المجمع : السّرف : الجهل ، وقال في المصباح : أسرف إسرافا : جاز القصد ، والمسرفين بأي معنى كان فهو «أمر مقطوع به» فليس موضعا لإن الشّرطيّة.

(٢) أي توبيخ المتكلّم المخاطبين على الإسراف ، فيكون الغرض هو توبيخ المخاطبين على الإسراف.

١٢٣

وتصوير (١) أنّ الإسراف من العاقل في هذا المقام يجب أن لا يكون إلّا على سبيل الفرض والتّقدير كالمحالات ، لاشتمال (٢) المقام على الآيات (٣) الدّالّة على أنّ الإسراف ممّا لا ينبغي (٤) أن يصدر عن العاقل أصلا ، فهو بمنزلة المحال ، والمحال وإن كان مقطوعا بعدم وقوعه ، لكنّهم يستعملون فيه إن ، لتنزيله منزلة ما لا قطع بعدمه على سبيل المساهلة ، وإرخاء العنان (٥) ، لقصد التّبكيت (٦) كما في قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ)(١) (٧)

______________________________________________________

(١) أي تصوير المتكلّم للمخاطبين ، أي تفهيمهم» أنّ الإسراف من العاقل في هذا المقام» أي مقام تجاوزهم عن الإيمان ، الّذي هو أنفع الأشياء لهم في العاجل والآجل ، إلى الإسراف والكفر الّذي هو أضر الأشياء بهم كذلك ،» يجب أن لا يكون إلّا على سبيل الفرض والتّقدير كالمحالات ...».

(٢) تعليل لقوله : «لقصد التّوبيخ وتصوير الإسراف ...»

(٣) كقوله تعالى : (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)(٢) ، وقوله تعالى : (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ)(٣).

(٤) لأنّ العاقل لا يقدم على ما فيه ضرر ما ، فضلا عمّا فيه ضرر الدّنيا والآخرة ، فالإسراف منه بمنزلة المحال ادّعاء ، فيجب أن لا يتحقّق إلّا على سبيل مجرّد الفرض والتّقدير ، بحسب مقتضى المقام.

(٥) أي ينزّل المحال منزلة المشكوك ، من باب المماشاة مع الخصم.

(٦) أي إسكات الخصم وإلزامه ، من جهة أنّ الخصم إذا تنزّل معه إلى إظهاره مدّعاه في صورة المشكوك ، اطمأنّ لاستماعه ، فحينئذ إمّا يقبل رأي المتكلّم ، وإمّا يصبح ملزما ومفحما ، ولا مفرّ له إلّا السّكوت.

(٧) أي إن كان للرّحمن ولد ، وصحّ ذلك ، وثبت ببرهان صحيح ، وحجّة واضحة ، فأنا أوّل من يعظّم ذلك ، وأسبقكم إلى طاعته ، والانقياد له ، كما يعظّم الرّجل ولد الملك ، لتعظيم أبيه ، فهذا الكلام وارد على سبيل الفرض ، والغرض منه المبالغة في نفي الولد ، وأن لا يترك النّاطق به شبهة إلّا مضمحلّة ، وذلك أنّه علّق العبادة بكينونة الولد ، وهي محال

__________________

(١) سورة الزّخرف : ٨١.

(٢) سورة الأنعام : ١٤١.

(٣) سورة الإسراء : ٣٧.

١٢٤

[أو تغليب (١) غير المتّصف به] أي بالشّرط [على المتّصف به] ، كما إذا كان القيام قطعيّ الحصول لزيد ، غير قطعيّ لعمرو ، فنقول (٢) : إن قمتما كان كذا ، [وقوله تعالى للمخاطبين المرتابين : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا)(١) يحتملهما] أي يحتمل أن يكون للتّوبيخ (٣) ، والتّصوير المذكور (٤) ، وأن يكون لتغليب غير المرتابين على المرتابين (٥) ، لأنّه كان في المخاطبين من يعرف الحقّ وإنّما ينكره عنادا ، فجعل

______________________________________________________

(١) أي قد يستعمل إن في مقام الجزم بوقوع الشّرط ، بعد تغليب غير المتّصف بالشّرط على المتّصف به.

(٢) تقول لهما : إن قمتما كان كذا ، تغليبا لغير القطعيّ وهو قيام عمرو ، على القطعيّ ، وهو قيام زيد ، فيجعل الجميع غير قطعيّ ، فيصلح المحلّ لإن.

(٣) أي توبيخ المخاطبين على الارتياب في نبوّة نبيّنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي كون القرآن من عند الله جلّ جلاله.

(٤) أي وتصوير أنّ الارتياب ممّا لا ينبغي أن يصدر من عاقل إلّا على سبيل الفرض ، كما يفرض المحال ، لاشتمال المقام على ما يزيله ، وهي الآيات والمعجزات الدّالّة على أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبيّ ، والقرآن منزّل من عند الله تعالى ، فصار الارتياب بمنزلة المستحيل ، ثمّ نزّل ذلك المستحيل منزلة ما لا قطع بعدمه ، ولا بوجوده ، وهو المشكوك فيه ، فلذا استعمل فيه إن.

(٥) أي يكون استعمال إن فيه لتغليب غير المرتابين من المخاطبين على المرتابين منهم ، والأوّل من يعرف الحقّ يعني كون محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبيّنا ، والقرآن من عند الله سبحانه وتعالى ، إلّا أنّه كان ينكره عنادا ، فيكون قوله : «لأنّه كان في المخاطبين من يعرف الحقّ ...» تعليلا لقوله : «غير المرتابين» ، والثّاني من لا يعرف الحقّ ، وكان من المرتابين لا ممّن شكّ في ريبه ، والحاصل أنّه جعل جميع المخاطبين كأنّه لا ارتياب لهم في نبوّته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا في كون القرآن من عند الله تعالى ، فهم قاطعون بذلك ، فلا يتصوّر منهم الارتياب ، لأنّ الاجتماع بينه وبين القطع محال ، فعدم الارتياب كعدم سائر المحالات مقطوع به ، فالمتحصّل من التّغليب نفي الارتياب رأسا ، بحيث لا يحتمل في حقّهم الارتياب أصلا.

__________________

(١) سورة البقرة : ٢٣.

١٢٥

الجميع كأنّه لا ارتياب لهم ، وههنا (١) بحث ، وهو أنّه إذا جعل الجميع (٢) بمنزلة غير المرتابين ، كان (٣) الشّرط قطعي اللّا وقوع (٤) ، فلا يصحّ استعمال إن فيه (٥) ، كما (٦) إذا كان قطعيّ الوقوع ، لأنّها (٧) إنّما تستعمل في المعاني المحتملة المشكوكة ، وليس المعنى ههنا (٨)

______________________________________________________

(١) أي في الاحتمال الثّاني ، وهو التّغليب إشكال ، وحاصله إنّ البعض مرتاب قطعا ، والبعض الآخر غير مرتاب قطعا ، فلم يوجد ما يليق بإن ، ومجرّد التّغليب لا يكفي ، بل لابدّ من انضمام شيء آخر ، يصحّ به استعمال إن هنا ، وذلك أنّه إذا جعل جميع المخاطبين بمنزلة غير المرتابين بالتّغليب ، كان عدم الشّرط ، أي الارتياب قطعيّا ، فلا يصحّ استعمال إن فيه ، كما لا يصحّ استعمال إن ، إذا كان الشّرط قطعيّ الوقوع.

(٢) أي جميع المخاطبين.

(٣) جواب إذا في قوله : إذا جعل ...

(٤) أي عدم الشّرط مقطوع به على تقدير التّغليب ، فينبغي أن لا يؤتى بأن معه ، بل يؤتى بلو ، لأنّ لو كثيرا ما يستعمل في فرض المحالات.

(٥) أي في اللّاوقوع.

(٦) أي كما لا يصحّ استعمال إن ، فيما إذا كان الشّرط قطعيّ الوقوع.

(٧) أي كلمة إن تستعمل في المعاني التّي يحتمل فيها الوقوع واللّا وقوع. فقوله : «لأنّها» علّة لقوله : «فلا يصحّ استعمال إن فيه» ، أي تستعمل كلمة إن في المعاني المشكوكة ، لا في مقطوع الوقوع ، ولا في مقطوع اللّا وقوع.

(٨) أي في الآية ، وهذا الكلام من الشّارح إشارة إلى تزييف ما قيل : في جواب الإشكال المذكور ، فلابدّ أوّلا من بيان الجواب ، وثانيا من بيان وجه التّزييف.

فحينئذ ليس الشّرط ههنا وقوع الارتياب منهم في المستقبل ، بل في الماضي ، وحينئذ فلابدّ من التّغليب ، والفرض المذكور ، أي عدم وقوع الارتياب منهم إلّا على سبيل الفرض ، كما يفرض المحالات بأن ينزّل منزلة المشكوك فيه ، لتبكيت الخصم ، ليصحّ كونه موقعا لإن.

وأما الجواب فملخّصه إنّ الشّرط إنّما هو وقوع الارتياب لهم في الاستقبال ، وهو محتمل الوجود والعدم ، فهو من المعاني المحتملة المشكوكة ، لأنّ إنّ الشّرطيّة تجعل الفعل مستقبلا ،

١٢٦

على حدوث الارتياب في المستقبل ، ولهذا (١) زعم الكوفيّون أنّ إن ههنا بمعنى إذ ونصّ المبرّد والزّجاج على أنّ إن لا تغلب ـ كان ـ على معنى الاستقبال (٢) لقوة دلالته (٣)

______________________________________________________

فيصحّ استعمال إن من دون حاجة إلى التّغليب المستلزم للإشكال المذكور ، وأما تزييف هذا الجواب فلأنّ إن الشّرطيّة تقلب الفعل الماضي إلى الاستقبال ، إن لم يكن الفعل الواقع بعدها كان ، وإلّا بقي على مضيّه والفعل الواقع بعدها في الآية هو كان ، أي (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ).

(١) أي ولأجل كون المعنى ليس على حدوث الارتياب في المستقبل ، اعتقد «الكوفيّون أنّ إن ههنا» ، أي في الآية» بمعنى إذ» التّي لا تدلّ على الاستقبال بوجه ، لأنّ إذ موضوع للماضي.

(٢) وحاصل ما نصّ عليه المبرّد والزّجّاج من أنّ إن الشّرطيّة لا تقلب الأفعال النّاقصة ، كلفظ كان إلى معنى الاستقبال ، لأنّ الحدث المطلق الّذي هو مدلول كان يستفاد من الخبر ، فلا يستفاد منه إلّا الزّمان ، ومذهب المشهور أنّ لفظة إن الشّرطيّة تقلب كان إلى الاستقبال ، كغيرها من الأفعال الماضيّة ، وهو الصّحيح عند بعضهم ، قال العلّامة الدّسوقي : كان الأولى تقديم قوله : «ونصّ المبرّد ...» على قوله : «ولهذا» ، لأنّ هذا دليل للدّعوى ، وهي قوله : «وليس المعنى ههنا.

(٣) أي لقوّة دلالة لفظ كان على المضيّ لا تقلبه كلمة إن إلى الاستقبال ، بخلاف سائر الأفعال حيث لم تكن لها هذه القوّة ، لدلالتها على المصدر والزّمان ، لا على الزّمان فقطّ.

قال في المطوّل : لأنّ الحدث المطلق الّذي هو مدلوله يستفاد من الخبر ، فلا يستفاد منه إلّا الزّمان الماضي هذا ، ولكنّ الصّحيح مذهب المشهور والجمهور ، وهو أنّ كان الواقعة بعد إن الشّرطيّة بمنزلة غيرها من الأفعال الماضية ، كما في قوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا)(١).

__________________

(١) سورة المائدة : ٦.

١٢٧

على المضيّ ، فمجرّد (١) التّغليب لا يصحّح استعمال إن ههنا (٢) ، بل لا بدّ من أن يقال : لمّا غلّب (٣) صار الجميع بمنزلة غير المرتابين ، فصار الشّرط (٤) قطعيّ الانتفاء ، فاستعمل فيه إن على سبيل الفرض والتّقدير (٥) ، للتّبكيت والإلزام (٦) ، كقوله تعالى : (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا)(١) (٧) (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ)(٢) (٨) [والتّغليب (٩)] باب واسع

______________________________________________________

(١) هذا هو البحث السّابق أعاده ليترتّب عليه الجواب ، وهو قوله : «بل لا بدّ من أن يقال ...»

(٢) أي في الآية.

(٣) أي لمّا غلّب غير المرتابين على المرتابين.

(٤) أي كون المخاطبين مرتابين في القرآن مقطوع بانتفائه.

(٥) بأن ينزّل الرّيب المقطوع بعدمه منزلة المشكوك فيه ، كي يصحّ استعمال إن فيه ، ففيه تنزيلان كما لا يخفى.

(٦) أي استعمل لفظ إن لإسكات الخصم ، وإلزامه بما لا يقوله وإلجاؤه على الاعتراف.

(٧) ومعنى الآية فإن آمن الّذين هم على غير دينكم بدين مماثل لدينكم في الحقيقة فقد اهتدوا ، مع أنّ وجود دين غيره حقّا محال ، فإنّ الإيمان بمثل القرآن مع عدم وجوده محال ، فنزّل قطعيّ الانتفاء منزلة المشكوك فيه ، واستعمل فيه إن على سبيل الفرض والتّقدير ، أي وإن حصلوا دينا آخر مساويا لدينكم في الصّحّة والسّداد فقد اهتدوا.

(٨) وقد سبق الكلام في بيان ما هو المراد منهما ، فراجع.

(٩) وهو عبارة عن ترجيح أحد المعلومين على الآخر في إطلاق لفظ عليهما ، والقيد الأخير لإخراج المشاكلة ، وهو إمّا مجاز مرسل بعلاقة الجزئيّة ، أو المصاحبة ، أو من قبيل عموم المجاز ، ولا ينحصر فيما ذكر ، بل هو باب واسع.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٣٧.

(٢) سورة الزّخرف : ٨١.

١٢٨

[يجري في فنون (١) كثيرة ، كقوله تعالى : (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ)(١) (٢)] غلّب الذّكر على الأنثى.

بأن أجرى الصّفة المشتركة بينهما على طريقة إجرائها على الذّكور خاصّة ، فإنّ القنوت ممّا يوصف به الذّكور والإناث ، لكن لفظ قانتين إنّما يجري على الذّكور فقطّ [و] نحو [قوله تعالى : (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)(٢)] (٣) غلّب جانب المعنى (٤) على جانب اللّفظ لأنّ القياس يجهلون بياء الغيبة ، لأنّ الضّمير عائد إلى قوم ، ولفظه لفظ الغائب ، لكونه اسما مظهرا (٥) ، لكنّه (٦) في المعنى عبارة عن المخاطبين فغلّب جانب الخطاب (٧)

______________________________________________________

(١) أي في أنواع» كثيرة» ، منه تغليب الذّكور على الإناث.

(٢) ولو لا التّغليب ، لقال : وكانت من القانتات ، فعدّت الأنثى أي مريم عليهم‌السلام من الذّكور القانتين بحكم التّغليب ، وسرّ التّغليب هنا أنّ القانتين في نوع الرّجال أكثر من النّساء ، وقنوت الرّجال أكمل ، لأنّه قلّ أن توجد امرأة تحسن القنوت ، وبما أنّ مريم كانت كثيرة القنوت لله كاملة في ذلك ، ألحقت بزمرة الكمّل في هذه الصّفة ، وهم الرّجال دون النّساء ، فقال : (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ ،) أي من المطيعين ، مع أنّ مقتضى القياس أن يقال : كانت من القانتات.

(٣)» أنتم» خطاب لقوم لوط ، حيث كانوا يأتون الرّجال بشهوة.

(٤) أي المصداق والذّاتّ ، ليس المراد من المعنى المفهوم والمدلول ، كما يظهر بأدنى تأمّل ، وحاصل الكلام : أنّه غلّب جانب المعنى ، وهو الخطاب ، على جانب اللّفظ ، وهو الغيبة ، نظرا إلى لفظ القوم ، ولفظه غائب ، ومعناه خطاب ، لأنّه محمول على أنتم ، فاستعمال تجهلون في المخاطبين المذكورين بلفظ الغائب ، لعلاقة المصاحبة أو المشابهة.

(٥) أي الاسم الظّاهر غائب ، إلّا المنادى.

(٦) أي لفظ قوم.

(٧) أي المعنى.

__________________

(١) سورة التّحريم : ١٢.

(٢) سورة النّمل آية / ٥٥.

١٢٩

على جانب الغيبة (١) ، [ومنه] أي من التّغليب (٢) [أبوان] للأب والأمّ ، [ونحوه] كالعمرين لأبي بكر وعمر ، والقمرين للشّمس والقمر ، وذلك بأن يغلّب أحد المتصاحبين (٣) أو المتشابهين (٤) على (٥) الآخر ، بأن يجعل (٦) الآخر متّفقا له في الاسم (٧) ثمّ يثنّى ذلك الاسم ، ويقصد اللّفظ إليهما (٨) جميعا فمثل أبوان ، ليس من قبيل قوله تعالى : (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) كما توهّمه بعضهم (٩)

______________________________________________________

(١) أي اللّفظ ، والحاصل إنّ لفظة القوم لها جهتان : جهة المعنى ، وجهة اللّفظ ، فمن حيث المعنى مخاطب ، لأنّ الخبر عين المبتدأ ، ومن حيث اللّفظ غائب ، لأنّه اسم ظاهر ، والأسماء الظّاهرة كلّها موضوعة للغيبة ، إلّا المنادى لأنّه بمنزلة كاف الخطاب. فغلّب جانب المعنى والمصداق ، لأنّه أشرف وأكمل وأقوى على جانب اللّفظ ، وأعيد إليه الضّمير من جملة الصّفة بتاء الخطاب.

(٢) التّفسير المذكور إشارة إلى أنّ الأمثلة الآتية أمثلة من مطلق التّغليب ، وليست من نحو : (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) إذ ليس وصف مشترك بين الأب والأمّ ، لأنّ الأبوّة ليست صفة مشتركة بينهما.

(٣) أي كالأبوين والعمرين.

(٤) أي كالقمرين ، لأنّهما كوكبان نيّران يستضيء العالم بنورهما.

(٥) متعلّق بقوله : «يغلّب».

(٦) بيان للتّغليب.

(٧) أي لا في المعنى.

(٨) أي المتصاحبين أو المتشابهين ، أي يطلق اللّفظ عليهما بعموم المجاز ، نعم ينبغي أن يغلّب الأخفّ لفظا ، كما في العمرين ، حيث إنّ حروف عمر قليلة بالنّسبة إلى أبي بكر ، لأنّ المقصود من التّغليب التّخفيف ، فيختار ما هو أبلغ في الخفّة ، إلّا أن يكون أحدهما مذكّرا والآخر مؤنّثا ، فحينئذ لم ينظر إلى الخفّة ، بل يغلّب المذكّر على المؤنّث كالقمرين في الشّمس والقمر ، حيث غلّب القمر على الشّمس لكونه مذكّرا والشّمس مؤنّثا.

(٩) أي بعض الشّارحين ، وهو السّيد عبد الله ، وعلّة التّوهّم هي اجتماعهما فيتنزيل المؤنّث منزلة المذكّر ، فالتّغليب في كلا المثالين إنّما هو من قبيل المذكّر على المؤنّث.

١٣٠

لأنّ (١) الأبوة ليست صفة مشتركة بينهما كالقنوت ، فالحاصل إنّ مخالفة الظّاهر في مثل (الْقانِتِينَ) من جهة الهيئة والصّيغة ، وفي ـ أبوان ـ من جهة المادّة ، وجوهر اللّفظ بالكلّيّة ، [ولكونهما (٢)] أي إن وإذا [لتعليق أمر] هو حصول مضمون الجزاء [بغيره (٣)] ، يعني (٤) حصول مضمون الشّرط [في الاستقبال] متعلّق (٥) بغيره ، على معنى أنّه يجعل

______________________________________________________

(١) دفع للتّوهّم ، ببيان الفرق بين المثالين ، وحاصل الفرق : إنّ التّغليب في قوله تعالى : (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ ،) إنّما هو في هيئة الوصف المجرى الذّكور على هيئة الوصف المجرى على الإناث ، لأنّ هيئة قانتين غير هيئة قانتات مع تساويهما في المادّة ، هذا بخلاف أبوين ، حيث تكون مخالفة الظّاهر فيه من جهة المادّة ، وجوهر اللّفظ بالكلّيّة ، فالاختلاف بين المذكّر والمؤنّث في المثال الأوّل ، إنّما هو من ناحية الصّيغة واللّفظ ، وفي المثال الثّاني جوهريّ ، ولا دخل له بالصّيغة ، وقيل : إنّ مخالفة الظّاهر في المثال الثّاني في الهيئة أيضا ، إذ هيئة التّثنية موضوعة للمشتركين لفظا ومعنى على مذهب الجمهور ، أو لفظا فقط على مذهب ابن الحاجب ، وإنّما اقتصر على جهة المادّة ، لأنّها جهة الافتراق بين مثل أبوين ، ومثل (الْقانِتِينَ ،) لكن ارتكاب المجاز في المادّة في مثل أبوين لضرورة الهيئة ، إذ هيئة التّثنية هنا لا تمكن إلّا بعد تغيير مادّة أحد الشّيئين إلى مادّة الآخر.

(٢) علّة متقدّمة على المعلول ، وهو» كان كلّ ...» وسرّ تقديم العلّة على الحكم المعلول ، هو أن يقع في ذهن السّامع معلّلا من أوّل الأمر ، ليكون أوقع في النّفس من الحكم المنتظر علّته.

(٣) أي على غيره ، حيث إنّ الباء بمعنى على.

(٤) وإنّما فسّر بالحصول ليصحّ تعلّق الجار والمجرور ، لأنّ الغير اسم جامد لا يصحّ تعلّق الجارّ ، وهو» في الاستقبال» ، فمعنى العبارة : «لكونهما» أي إن وإذا لتعليق أمر على حصول مضمون الشّرط في الاستقبال.

(٥) أي الجار أعني في» متعلّق بغيره» ، أي بلفظ غير ، لأنّه بمعنى الحصول ، فمعنى الكلام أنّ إن وإذا يفيدان أنّ المتكلّم علّق في حال التّكلّم حصول الجزاء في الاستقبال على حصول الشّرط في ذلك الاستقبال ، ولازم ذلك حصولهما في الاستقبال ، ضرورة استحالة انفكاك اللّازم عن الملزوم ، فلا يمكن حصول اللّازم ، أعني الجزاء في الحال ، والملزوم أعني الشّرط في الاستقبال.

١٣١

حصول الجزاء مترتّبا ومعلّقا على حصول الشّرط في الاستقبال ، ولا يجوز (١) أن يتعلّق بتعليق أمر ، لأنّ التّعليق إنّما هو في زمان التّكلّم لا في الاستقبال ، ألا ترى أنّك إذا إن دخلت الدّار فأنت حرّ ، فقد علّقت في هذه الحال (٢) حرّيّته على دخول الدّار في الاستقبال (٣) [كان كلّ من (٤) جملتي كلّ] من (٥) إن وإذا ، يعني (٦) الشّرط والجزاء [فعليّة استقباليّة (٧)] ، أمّا الشّرط (٨) فلأنّه (٩)

______________________________________________________

(١) أي لا يجوز أن يتعلّق الجارّ ، أعني في» بتعليق أمر ، لأنّ التّعليق إنّما هو في زمان التّكلّم لا في الاستقبال».

(٢) أي حال التّكلّم قوله : «ألا ترى» إحالة لإثبات كون التّعليق في زمان التّكلّم دون الاستقبال ، إلى مراجعة الوجدان واعتماد الذّوق العرفيّ.

(٣) أي في زمان الاستقبال ، فيكون متعلّقا بالدّخول.

(٤) بيان للفظة كلّ الأولى.

(٥) بيان للفظة كلّ الثّانية.

(٦) بيان للجملتين ، وحاصل المعنى : ولأجل إفادة إن وإذا تعليق حصول مضمون الجزاء في الاستقبال بحصول مضمون الشّرط في ذلك الاستقبال ، كان كلّ جملة من جملتي الشّرط والجزاء المسبوقتين بكلّ من إن وإذا «فعليّة استقباليّة» أي لا اسميّة ، ولا ماضويّة ، ولا حاليّة ، فلا يجوز أن يؤتى بإحداهما اسميّة أو ماضويّة إلّا لنكتة.

(٧) أي بحسب الوضع ، فإن أوتي بإحداهما ، أو بكلتاهما اسميّة ، أو ماضويّة ، فكان ذلك على خلاف الوضع لنكتة ، فلا ينافي ذلك استعمال إن مع كان بكثرة ، أو مع مطلق الماضي إذا كانت مع الواو ، وبقلّة إذا لم يكن معها ، واستعمال إذا مع الماضي بكثرة ، فإنّ هذا إنّما هو على خلاف الأصل لنكتة.

(٨) أي أمّا اقتضاء العلّة المذكورة ، لكون جملة الشّرط فعليّة استقباليّة.

(٩) أي الشّرط.

١٣٢

مفروض الحصول (١) في الاستقبال (٢) فيمتنع ثبوته (٣) ومضيّه (٤) ، وأمّا الجزاء (٥) فلأنّ حصوله معلّق على حصول الشّرط في الاستقبال ، ويمتنع تعليق حصول الحاصل الثّابت على حصول ما يحصل في المستقبل. [ولا يخالف ذلك لفظا (٦)

______________________________________________________

(١) أي قدّر وفرض حصوله ووقوعه» في الاستقبال».

(٢) أي «في» في قوله : «في الاستقبال» متعلّق بالحصول ، وحاصل المعنى : إنّ الشّرط مفروض الحصول في الاستقبال ، فلا ثبوت له في زمان الماضي ، ولا في زمان الحال.

(٣) أي الّذي هو مفاد الجملة الاسميّة ، فلا يكون جملة اسميّة.

(٤) أي الّذي هو مفاد الجملة الماضويّة ، فلا يكون ماضويّة ، وحاصل المعنى : إنّ الشّرط لمّا كان حصوله في الاستقبال فيمتنع ثبوته الحاصل من جملة اسميّة ، فلا يكون اسميّة ، ويمتنع مضيّه الحاصل من الماضي فلا يكون ماضويّة.

(٥) أي وأما اقتضاء العلّة المذكورة لكون الجزاء فعليّة استقباليّة ، «فلأنّ حصول الجزاء معلّق على حصول الشّرط في الاستقبال» ، ومن المعلوم بديهة أنّ المعلّق لا يحصل قبل المعلّق عليه ،» ويمتنع تعليق حصول الحاصل» فيما مضى ، لو كان ماضيا ، أو في الآن» الثّابت» لو كانت اسميّة ،» على حصول ما» ، أي الشّرط الّذي» يحصل في المستقبل». وجه الامتناع أنّه يلزم من هذا التّعليق أحد المحذورين :

الأوّل : توقّف ثبوت أحد النّقيضين على ثبوت الآخر ، يعني يلزم توقّف الثّبوت في الماضي ، أو الحال على الثّبوت في الاستقبال ، وقد ثبت في محلّه أنّها من أنواع الوجودات المتناقضة لا يمكن اجتماعها.

الثّاني : يلزم توقّف وقوع ما هو واقع في الماضي ، أو الحال على وقوع ما يقع في الاستقبال ، وذلك من أوضح أقسام المحال ، فلا يكون الجزاء أيضا جملة ماضويّة ولا اسميّة.

(٦) أي لا يخالف كون كلّ من جملتي الشّرط والجزاء من فعليّة استقباليّة من جهة اللّفظ ، بأن يكون لفظهما ، أو لفظ أحدهما لفظ جملة اسميّة ، أو فعليّة ماضويّة ، لوجوب التّطابق بين اللّفظ والمعنى ، فإنّ استقباليّة المعنى يوجب استقباليّة اللّفظ فلابدّ من لفظ يدلّ على الاستقبال حتّى يفهم ذلك المعنى.

وبعبارة واضحة لا يخالف المتكلّم جعل كلّ من جملتي إن وإذا فعليّة استقباليّة إلّا لنكتة ، وهي أمر يستحصل بدقّة النّظر.

١٣٣

إلّا لنكتة (١)] لامتناع مخالفة مقتضى الظّاهر من غير فائدة ، وقوله : (٢) لفظا ، إشارة إلى أنّ الجملتين ، وإن جعلت كلتاهما أو إحداهما اسميّة (٣) ، أو فعليّة ماضويّة ، فالمعنى على الاستقبال (٤) حتّى أنّ قولنا (٥) إن أكرمتني الآن فقد أكرمتك أمس ، معناه (٦)

______________________________________________________

(١) أي لفائدة مقتضية لما يخالف الأصول ، وذلك» لامتناع مخالفة مقتضى الظّاهر من غير فائدة» فقوله : «لامتناع ...» علّة النّفي ، وحاصل الكلام إنّه لا يخالف عن جعل كلّ من جملتي الشّرط والجزاء فعليّة استقباليّة إلّا لنكتة ، وذلك لأنّ ظاهر الحال يقتضي مراعاة الموافقة بين اللّفظ والمعنى ، فلا يعدل عن الموافقة المذكورة إلّا لنكنة ، لأنّ العدول عنها بلا نكتة ممنوع في البلاغة.

(٢) أي قول المصنّف» لفظا ، إشارة إلى أنّ الجملتين» أي جملة الشّرط والجزاء.

(٣) ظاهر هذا الكلام يقتضي جواز وقوع جملة اسميّة شرطا لكلّ من إن وإذا ، وقد تقرّر في النّحو امتناعه عند الجمهور ، نعم ذهب الكوفيّون إلى جواز وقوع الجملة الاسميّة شرطا لإن ، وذهب الأخفش وابن مالك إلى جواز وقوعها شرطا لإذا ، فما ذكره الشّارح إمّا مبنيّ على مذهبهما ومذهب الكوفيين ، وإمّا محمول على أنّ المراد بقوله : «إحداهما» هو الأحد المعيّن ، أعني الجزاء بخصوصه ، لأنّ وقوع الاسميّة جزاء ، وكذا الفعليّة الماضويّة ممّا لا خلاف فيه.

(٤) أي فالمعنى لا تجوز المخالفة فيه مع الإمكان ، بخلاف اللّفظ ، فإنّه قد يخالف لنكتة.

(٥) أتى به لقصد المبالغة في كون المعنى على الاستقبال ، فإنّه ناطق بأنّ المعنى الاستقبالي حتّى فيما إذا صرّح بالآن والأمس في الكلام ، مع إمكان الحمل على الاستقبال بالتّأويل أو التّقدير.

(٦) أي قولنا» إن تعتدّ» أنت في الزّمان الآتي ، أي في الزّمان المستقبل ، «بإكرامك إياي الآن فأعتدّ» أنا «بإكرامي إيّاك أمس» فالشّرط والجزاء استقاليّان ، لأنّ الآن والأمس ظرفان للإكرام ، لا للاعتداد المستفاد من قوله : «تعتدّ وأعتدّ» المقدّران بقرينة المقام.

نعم قوله : «فأعتدّ» إمّا بصيغة المتكلّم ، أو بصيغة الأمر ، فالهمزة على الأوّل للقطع ، وعلى الثّاني للوصل ، كما أنّ الدّال تقرأ بالضّم على الأوّل ، وبالفتح على الثّاني.

١٣٤

إن تعتدّ بإكرامك إياي الآن فأعتد بإكرامي إياك أمس ، وقد تستعمل إن في غير الاستقبال (١) قياسا مطّردا مع كان ، نحو : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ) (٢) كما مرّ (٣) وكذا إذا جيء بها (٤) في مقام التّأكيد (٥) بعد واو الحال لمجرّد (٦) الوصل

______________________________________________________

(١) أي في الماضي الحقيقيّ ، وذلك فيما إذا قصد بها تعليق حصول مضمون الجزاء بحصول مضمون الشّرط في الماضي.

لا يقال : إنّ هذا لا ينافي ما تقدّم آنفا من أنّ الشّرط مفروض الحصول في الاستقبال.

لأنّا نقول : إنّ كون الشّرط كذلك إنّما هو فيما إذا كانت إن جائية على أصلها ، وهو كونها لتعليق حصول مضمون الجزاء بحصول مضمون الشّرط في الاستقبال ، لا فيما إذا كانت جائية على خلاف أصلها ، كما هو المفروض في المقام ، فيكون هذا المورد من المجازات الشّائعة المشهورة.

(٢) أي وإن كنتم في شكّ وريب فيما مضى ، واستمرّ ذلك الرّيب إلى وقت الخطاب (فَأْتُوا بِسُورَةٍ) أي فأنتم مطالبون بما يزيله ، وهو المعارضة والإتيان بالسّورة مثل سور القرآن. فإذا كان التّقدير كذلك ، لا يرد عليه ما في بعض الشّروح من أنّه إن كان المعلّق عليه حقيقة هذا الفعل فهو مشكل ، لأنّ المعلّق مستقبل ولا يمكن تعليقه بالماضي ، وإن كان التّقدير وإن ثبت ، أي في المستقبل كونكم مرتابين فيما مضى ، فأتوا بسورة كانت ، إن لم تستعمل حقيقة إلا مع المستقبل. والدّليل على التّقدير المتقدّم هو العلم بأنّ المأمور بطلب المعارضة المشعر بالتّبكيت هو المرتاب في الحين ، لا الّذي سبق منه الرّيب أو سيرتاب وهو مؤمن فعلا ، ومن ذلك يظهر عدم إمكان التّأويل فيه ، لعدم المعنى على الاستقبال يقينا.

(٣) قوله : «كما مرّ» أي في بحث التّغليب إنّ إن لا تقلب كان إلى المستقبل ، لأصالتها وعراقتها في الدّلالة على المضيّ.

(٤) أي بإن.

(٥) أي تأكيد الحكم.

(٦) متعلّق بقوله : «جيء» ، أي جيء بإن لمجرّد وصل ما بعدها من الجملة الحاليّة بما قبلها ، وهو صاحبها ، فليست إن شرطيّة.

١٣٥

والرّبط (١) دون الشّرط (٢) نحو : زيد وإن كثر ماله بخيل (٣) ، وعمرو وإن أعطي جاها لئيم (٤) وفي غير ذلك (٥) قليلا ، كقوله ((١)) :

فيا وطني إن فاتني بك سابق

من الدّهر فلينعم لساكنك البال (٦)

______________________________________________________

(١) أي ربط الحال بذي الحال ، وعطف الرّبط على الوصل تفسيري.

(٢) أي التّعليق ، ويفهم منه أنّ إن تخرج عن الشّرطيّة بواو الحال ، فلا يذكر لها حينئذ جزاء ، هذا أحد الأقوال ، قيل : إنّ الجزاء هي الجملة المذكورة ، وقيل : إنّه مقدّر بقرينة الجملة المذكورة.

(٣) أي زيد بخيل ، والحال أنّ ماله كثير ، ولا شكّ أنّ هذا يدلّ على بخله على نحو آكد ، لأنّه إذا ثبت له البخل حال كثرة المال لكان لازما له غير منفكّ عنه.

(٤) ولا ريب في أنّ العامل في الحال في مثل المثالين ممّا يكون الخبر فيه مشتقّا هو الخبر ، ثمّ إنّ الدّليل على عدم كون المعنى على الاستقبال في هذين المثالين كونهما مسوقين لغرض التّوبيخ ، ومن المعلوم أنّه لا مجال للتّوبيخ بالإضافة إلى من لم يكن متّصفا بالبخل فعلا ، وإنّما يتّصف به بعد ، وحيث إنّ عدم الاستقبال مقطوع لا مجال لارتكاب التّأويل فيهما وأمثالهما ، فلابدّ من الالتزام بالمجاز.

(٥) أي وقد تستعمل إن في غير الاستقبال بدون لفظ كان ، وبغير واو الحال قليلا.

(٦) معنى المفردات : «الوطن» بالواو والطّاء المهملة والنّون بمعنى المنزل ومحلّ الإقامة «فاتني» بالفاء المثنّاة ، ماض بمعنى ذهب عني «السّابق» الماضي «فلينعم» اللّام دعائيّة ، وينعم بمعنى عيش ناعم ، أي ليّن حسن ، «البال» بالموحّدة القلب.

وحاصل معنى البيت : إن كان زمن سابق من الدّهر فوّت عليّ المقام في وطني ، ولم يتيّسر لي الإقامة فيه ، وتولّاه غيري فلا لوم عليّ ، لأنّي تركته من غير عيب فيه ، فلتطلب به قلوب ساكنيه ، والغرض من ذلك إظهار التّحسّر والتّحزّن على مفارقة الوطن.

والشّاهد : في قوله : «إن فاتني» حيث استعمل فيه إن مع الماضي لفظا ومعنى ، للجزم بأنّ المعنى على المضيّ المحض ، لا على الاستقبال ، لما عرفت من أنّ البيت مسوق لغرض التّأثر والتّحزّن على مفارقة لوطن.

__________________

(١) أي قول أبي العلاء المعرّي.

١٣٦

ثمّ أشار إلى تفصيل النّكتة (١) الدّاعية إلى العدول عن لفظ الفعل المستقبل بقوله : [كإبراز غير الحاصل (٢) في معرض (٣) الحاصل لقوّة الأسباب] المتآخذة (٤) في حصوله (٥) نحو : إن اشتريت كان كذا ، حال انعقاد أسباب (٦) الاشتراء ، [أو كون ما هو (٧) للوقوع كالواقع]

______________________________________________________

وقوله : «فلينعم» دالّ على الجزاء ، وهو محذوف أي لم يبق خاليا.

(١) أي ثمّ أشار المصنّف إلى تفصيل سبب النّكتة ، فهو على حذف مضاف ، وذلك لأنّه لم يذكر إلّا نكتة ، وذكر لها أسبابا كثيرة ، فالتّفصيل يرجع إلى سبب النّكتة لا إليها.

(٢) أي أمر المستقبل.

(٣) أي معرض ، كمسجد اسم لموضع عرض الشّيء ، أي ذكره وظهوره ، وموضع الذّكر والظّهور للشّيء ، عبارة عن اللّفظ الدّالّ عليه ، فهو مكان اعتباري لا حقيقي ، وبعبارة أخرى : إنّ المراد من المعرض في المقام هو لفظ الماضي ، أو الحال الدّال على غير الحاصل ، أي الأمر الاستقبالي ، والمعنى كإظهار المعنى الاستقبالي الغير الحاصل باللّفظ الدّالّ على المعنى الحاصل في الحال ، أو في الماضي قوله : «لقوّة الأسباب» علّة للإبراز المذكور ، وآل في الأسباب للجنس ، فيشمل ما له سبب واحد.

(٤) بالمدّ مع تخفيف الخاء من التّأخّذ ، وهو التّفاعل من الجانبين ، والمراد في المقام المجتمعة» المتآخذة» أي المجتمعة التّي أخذ بعضها بعضد بعض ، ومعلوم أنّ الشّي إذا قويت أسبابه يعدّ حاصلا.

(٥) أي حصول غير الحاصل.

(٦) من رغبة المشتري والبائع ، وتراضيهما على الثّمن والمثمن ، وحضور كلّ من الثّمن والمثمن ، وتوافقهما على القيمة ، وغير ذلك من المقدّمات التّي تؤدي إلى تحقّق البيع.

(٧) أي كون ما هو بصدد الوقوع يعني يعبّر بالماضي عن المعنى المستقبل في جملة الشّرط ، لقصد إبراز غير الحاصل في معرض الحاصل ، لكون ذلك المعنى الاستقبالي شأنه الوقوع ، فهو كالواقع في ترتّب ثمرة الموقوع في الجملة على كلّ منهما ، نحو : إن متّ كان كذا وكذا.

١٣٧

هذا (١) عطف على قوّة الأسباب ، وكذا المعطوفات بعد ذلك (٢) بأو لأنّها (٣) كلّها علل لإبراز غير الحاصل في معرض الحاصل ، على (٤) ما أشار إليه في إظهار الرّغبة ، ومن زعم أنّها كلّها عطف على إبراز غير الحاصل في معرض الحاصل ، فقد سها سهوا بيّنا (٥).

______________________________________________________

(١) أي قوله : «أو كون ...» عطف على قوّة الأسباب ، لا على إبراز غير الحاصل.

(٢) أي بعد قوله : «أو كون ..» أي ما ذكر من المعطوفات أيضا عطف على قوّة الأسباب.

(٣) أي لأنّ المعطوفات كلّها علل وأسباب» لإبراز غير الحاصل في معرض الحاصل» ، وحاصل الكلام إنّ النّكتة التّي ذكرها المصنّف للعدول عن المضارع إلى الماضي ، وإن كانت واحدة إلّا أنّ أسبابها متعدّدة.

(٤) متعلّق بقوله : «لأنّها كلّها علل» فالمعنى لأنّ المعطوفات كلّها علل على ما أشار المصنّف إليه في قوله الآتي ، أعني» فإنّ الطّالب ...» لما نرى وجدانا من أنّ إظهار المعنى الاستقبالي في معرض المعنى الحاصل في الماضي ، ليس إلّا لداع يدعو إليه من الأمور المذكورة في المتن وغيرها ، فحينئذ لا بدّ من جعل ما ذكر بعد قوله : «لقوّة الأسباب» من كون ما هو الآئل للوقوع كالواقع ، والتّفؤّل وإظهار الرّغبة معطوفا عليه ، لا على الإبراز وذلك لعدم صحّة جعل علّة الشّيء معطوفا عليه بأو ، هذا مضافا إلى الوجهين الآخرين النّاطقين بذلك :

أحدهما : إنّ قول المصنّف : «فإنّ الطّالب إذا عظمت رغبته في حصول أمر يكثر تصوره إيّاه ، فربّما يخيل إليه حاصلا» ينادي بأعلى صوته على أنّ قوله : «إظهار الرّغبة» عطف على «قوّة الأسباب» وسبب لإبراز مثله ، وكونه عطفا عليها مستلزم لكون التّفاؤل ، والكون أيضا كذلك.

وثانيهما : إنّ ما ذكر بعد قوله : «لقوّة الأسباب» مشتمل على إبراز غير الحاصل في معرض الحاصل ، ومستلزم له ، فلا يصحّ جعله قسيما له ، لكونه موجبا لانفكاك الملزوم عن اللّازم ، وهو مستحيل.

(٥) أي من وجوه : الأوّل : أنّه خلاف ما أشار إليه المصنّف في إظهار الرّغبة من أنّ المعطوفات علل للإبراز.

الثّاني : أنّ ما زعم ، يوجب أن يكون أقسام الشّيء قسيمه ، لأنّ الإبراز يعمّ الكلّ ، ومن المعلوم ضرورة استحالة جعل قسم الشّيء قسيما له.

١٣٨

[أو التّفاؤل (١) أو إظهار الرّغبة (٢) في وقوعه] أي وقوع الشّرط (٣) [نحو : إن ظفرت بحسن العاقبة فهو المرام (٤)] ، هذا (٥) يصلح مثالا للتّفاؤل ولإظهار الرّغبة ، ولمّا كان اقتضاء إظهار الرّغبة إبراز غير الحاصل في معرض الحاصل يحتاج (٦) إلى بيان ما أشار إليه بقوله : [فإنّ الطّالب إذا عظمت رغبته في حصول أمر (٧)

______________________________________________________

الثّالث : أن المعطوف إذا عطف على إبراز غير الحاصل ، يبقى المعلول بلا علّة.

الرّابع : أنّه يلزم انحصار سبب الإبراز في قوّة الأسباب ، وليس الأمر كذلك.

(١) أي ذكر ما يسرّ به السّامع ، لأنّه يسرّ بوقوع ما يتمنى.

فإنّه إذا كان مشتاقا إلى شيء ، فأبرز له في معرض الحاصل بل أوتي بلفظ يدلّ على حصوله أدخل في قلبه السّرور.

(٢) أي من المتكلّم يعني أنّه يبرز غير الحاصل في معرض الحاصل ، لأجل إظهاره الرّغبة في وقوع ذلك الشّرط ، بسبب هذا الإبراز الحاصل بالتّعبير بالماضي عن المستقبل.

(٣) كان الأولى إرجاع الضّمير إلى غير الحاصل ، لكونه مذكورا في السّابق صريحا ، والمعنى واحد.

(٤) أي فالظّفر بحسن العاقبة هو المرام ، أي المقصود ، إذ المرام على وزن المكان بمعنى المقصود.

(٥) أي نحو : «إن ظفرت بحسن العاقبة فهو المرام» ، «يصلح مثالا للتّفاؤل ولإظهار الرّغبة» ، فعلى الأوّل يقرأ قوله : «إن ظفرت» بالخطاب ، وعلى الثّاني يقرأ بالتّكلّم ، لما عرفت من أنّ التّفاؤل من السّامع ، وإظهار الرّغبة من المتكلّم ، فالأظهر في الأوّل الخطاب ، وفي الثّاني التّكلّم.

(٦) أي ما يحتاج إلى بيان ما مرّ من الأمور المذكورة هو إظهار الرّغبة ، بخلاف ما هو كالواقع والتّفاؤل ، أشار إلى بيانه بقوله : «فإنّ الطّالب ...» ، فقوله : «أشار إليه» جواب لمّا في قوله : «لمّا كان ...».

(٧) أي في المستقبل.

١٣٩

يكثر (١) تصوّره] أي الطّالب [إيّاه] أي ذلك الأمر ، [فربّما (٢) يخيّل] أي ذلك الأمر [إليه حاصلا (٣)] ، فيعبّر عنه (٤) بلفظ الماضي [وعليه (٥)] أي على استعمال الماضي مع إن لإظهار الرّغبة في الوقوع ، ورد قوله تعالى : (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً)(١) (٦)

______________________________________________________

(١) يصحّ أن يقرأ بفتح حرف المضارعة وضمّ ثالثه ، وأن يقرأ بضمّ حرف المضارعة وكسر ثالثه ، ثمّ «تصوّره» مرفوع على أنّه فاعل ليكثر على الاحتمال الأوّل ، ومنصوب على أنّه مفعوله على الاحتمال الثّاني.

(٢) أي كثيرا ما يظنّ ذلك الأمر إلى ذلك الطّالب حاصلا ، فقوله : «فربّما ...» جواب إذا في قوله : «إذا عظمت ...».

(٣) أي حاصلا فيما مضى.

(٤) أي عن الأمر الّذي عظمت رغبة الطّالب في حصوله ، وكثر تصوّره إيّاه «بلفظ الماضي» هذا معنى إبراز غير الحاصل في معرض الحاصل ، ثمّ إنّ قوله : «فإنّ الطّالب ...» علّة لكون إظهار الرّغبة سببا لإبراز غير الحاصل في معرض الحاصل ، وهي علّة غائيّة له إن بقيت على ظاهرها ، فإنّ إظهار الرّغبة متأخّر عن الإبراز ، وعلّة فاعليّة إن أريد منه قصد إظهارها لتقدّمه على الإبراز المذكور.

(٥) إنّما قال : «عليه» ولم يقل نحو : (إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً ،) لأنّ التّعبير عن المستقبل بالماضي في قوله تعالى ، ليس لإظهار الرّغبة ، لأنّها عبارة عن اشتياق النّفس إلى شيء ، ولا ريب أنّه مستحيل عليه سبحانه تعالى ، بل لإظهار كمال الرّضا اللّازم للرّغبة ، أو لإظهار كون إرادة التّحصّن مرغوبا فيه في نفس الأمر ، من دون اعتبار كون الرّغبة قائمة في نفس المتكلّم ، وأيضا إنّ ما ذكره المصنّف من بيان اقتضاء إظهار الرّغبة للإبراز لا يجري في حقه تعالى ، لأنّ كثرة التّصوّر وتخيّل الحصول محال عليه سبحانه ، فإذا لا مجال لحمل التّعبير عن المستقبل بالماضي في قوله تعالى على كونه لإظهار الرّغبة بالمعنى الّذي في المثال المذكور ، بل لابدّ من حمله على المعنى المذكور في الشّرح ، أو على ما قيل من أنّ إظهار رغبته تعالى في وقوع الشّيء ، إظهار إيجابه وطلبه طلبا جازما.

(٦) أي إن أظهرن الرّغبة في التّحصّن والعفّة ، ولكن إكراه الموالي حال دون رغباتهنّ ، قال

__________________

(١) سورة النّور : ٣٣.

١٤٠