دروس في البلاغة - ج ٢

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في البلاغة - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٥

وذلك (١) لأنّ الفعل دالّ بصيغته (٢) على أحد الأزمنة الثّلاثة من غير احتياج (٣) إلى قرينة تدلّ على ذلك ، بخلاف الاسم ، فإنّه إنّما يدلّ عليه بقرينة خارجيّة ، كقولنا : زيد قائم الآن أو أمس أو غدا ولهذا (٤) قال : [على أخصر وجه (٥)] ولمّا كان التّجدّد (٦) لازما للزّمان لكونه كمّا غير قارّ الذّات ،

______________________________________________________

وأمّا الحال الحقيقيّ فهو الآن الّذي لا يتجزّأ.

(١) أي بيان ما قاله المصنّف من أنّ الفعل يدلّ على التّقييد بأحد الأزمنة.

(٢) أي بهيئته ، احترز بها عن المادّة حيث يدلّ الفعل بها على الحدث لا على الزّمان.

(٣) أي من غير حاجة إلى قرينة تدلّ على الزّمان ، احترز به عن الاسم فإنّه إنّما يدلّ على أحد الأزمنة بقرينة خارجيّة لا بحسب أصل الوضع ، كما ترى ذلك في زيد قائم الآن أو أمس أو غدا ، حيث إنّ الدّالّ على زمان الحال هو الآن ، وعلى الماضي هو أمس ، وعلى المستقبل هو غدا.

(٤) أي لدلالة الاسم بالقرينة الخارجيّة ، والفعل بلا قرينة.

قال المصنّف : «وأمّا كونه فعلا ، فللتّقييد بأحد الأزمنة الثّلاثة على أخصر وجه».

(٥) أي بلا قرينة خارجيّة ، لأنّ الفعل بصيغته وهيئته دالّ على أحد الأزمنة الثّلاثة ، بخلاف الاسم ، فإنّه يحتاج في الدّلالة على أحد الأزمنة الثّلاثة إلى قرينة خارجيّة ، كما عرفت ، فالإتيان بالمسند فعلا تقييده بأحد الأزمنة بأخصر وجه ، لعدم تطويل الكلام فيه ، وتطويله في الاسم.

(٦) التّجدّد يطلق على معنيين :

أحدهما : الحصول بعد أن لم يكن.

والثّاني : التّقضّي والحصول شيئا فشيئا على وجه الاستمرار.

والمعتبر في مفهوم الفعل التّجدّد بالمعنى الأوّل ، واللّازم للزّمان التّجدّد بالمعنى الثّاني ، والجامع بينهما هو مطلق التّجدّد ، ثمّ التّجدّد بالمعنى الثّاني ، وإن كان غير لازم للفعل ، ولا معتبر في مفهومه ، إلّا أنّ الفعل مفيد له ، بعد ما كان الزّمان جزء من مدلوله ، لأنّ تجدّد الجزء يقتضي تجدّد الكلّ.

١٠١

أي لا يجتمع (١) أجزاؤه في الوجود والزّمان جزء من مفهوم الفعل ، كان (٢) الفعل مع إفادته التّقييد بأحد الأزمنة الثّلاثة مفيدا للتّجدّد ، وإليه أشار (٣) بقوله : [مع إفادة التّجدّد ، كقوله :] أي كقول طريف بن تميم [أو كلّما وردت عكاظ] هو متسوّق (٤) للعرب

______________________________________________________

(١) تفسير لقوله : «غير قارّ الذّات» أي الكمّ على قسمين :

أحدهما : قارّ الذّاتّ ، أي ما تجتمع أجزاؤه في الوجود ، كالمقادير.

وثانيهما : غير قارّ الذّاتّ أي ما لا تجتمع أجزاؤه في الوجود ، كالزّمان.

(٢) جواب لقوله : «لمّا كان» أي لمّا كان التّجدّد لازما للزّمان الّذي هو جزء لمدلول الفعل ، كان الفعل مع إفادته التّقييد بأحد الأزمنة مفيدا للتّجدّد ، لأنّ إفادة الملزوم ، وهو الزّمان مستلزم لإفادة اللّازم وهو التّجدّد.

(٣) أي أشار المصنّف بقوله : «مع إفادة التّجدّد» الّذي هو من لوازم الزّمان الّذي هو جزء من مفهوم الفعل ، وتجدّد الجزء يقتضي تجدّد الكلّ.

تحقيق الكلام في المقام : أنّه لا ريب في أنّ الفعل يدلّ على الحدث المقارن للزّمان ، كما هو المشهور ، ومن المسلّمات عند القدماء ، هذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى : لا ريب في كون الزّمان متجدّدا ، لأنّهم قد عرّفوه بأنّه عرض قابل للقسمة لذاته ، غير قارّ الذّاتّ ، أي لا تجتمع أجزاؤه في الوجود ، فيكون كلّ من تلك الأجزاء حادثا.

ومن ناحية ثالثة : أنّه لا معنى لمقارنة شيء لأمر حادث إلّا حدوثه معه ، إذ لو كان حدوثه قبله ، أو كان قديما لزم انفكاكه عنه والمفروض مقارنتهما ، فبضوء تلك النّواحي نستنتج أنّ مجموع مدلول الفعل من الحدث والزّمان متجدّد.

(٤) «متسوّق» بفتح الواو المشدّدة اسم لمكان البيع والشّراء ، و (عكاظ) أشهر أسواق العرب في الجاهليّة ، وأعظمها بين نخلة والطّائف ، كانت تقام في مستهلّ ذي القعدة ، وتستمرّ عشرين يوما ، تجتمع فيه قبائل العرب.

١٠٢

كانوا يجتمعون فيه فيتناشدون (١) ، ويتفاخرون (٢) ، وكانت فيه وقائع (٣) ، [قبيلة (٤) بعثوا (٥) إلى عريفهم] ، وعريف القوم القيّم بأمرهم الّذي شهر وعرف بذلك (٦) [يتوسّم] أي يصدر عنه تفرّس (٧) الوجوه وتأمّلها (٨) شيئا فشيئا ، ولحظة فلحظة (٩). [وأمّا كونه] أي المسند [اسما فلإفادة عدمهما] أي عدم التّقييد المذكور وإفادة التّجدّد (١٠)

______________________________________________________

(١) أي الشّعراء ، ويعرضون ما قالوه من نخب قصائدهم ، فتشيع قصائدهم شيوعا تامّا ، ويترنّم بها الرّكبان في كلّ صقع.

(٢) أي بذكر أنسابهم ، وبما يلبسونه من الثّياب ، وما يحملونه من السّلاح ، وما فعلوه من الجنايات ، والأعمال اللّا أخلاقيّة.

(٣) أي حوادث ، كالحرب والجدال والقتال.

(٤) فاعل «وردت» ، في قوله : «كلّما وردت».

(٥) أي أرسلوا ووجّهوا «إلى عريفهم» ، أي مدير أمرهم والقائم بسياستهم.

(٦) أي بالقيام بأمرهم ، وهذا إشارة إلى وجه تسميته عريفا ، وهو دون الرّئيس رتبة.

(٧) أي تفتش وجوه الحاضرين ليعرف أنا فيهم أوّلا.

(٨) تفسير لقوله : «تفرّس الوجوه» والضّمير في «تأمّلها» راجع إلى الوجوه ، أي يصدر عنه تأمّل الوجوه جزء فجزء.

(٩) أي يصدر عنه النّظر لحظة فلحظة ، معني أنّ لي على كلّ قبيلة جناية ، فمتى وردوا عكاظ طلبني الكافل بأمرهم وعريفهم ، للانتقام منّي ، ويحتمل أن يكون مراده بعثوا إليّ عريفهم لأجل أن يظهر مفاخرتهم بحضرتي ، لأنّه كان رئيسا على كلّ شريف.

ومحلّ الاستشهاد هو قوله : «يتوهّم» حيث أورد المسند فعلا للتّقييد بأحد الأزمنة الثّلاثة مع إفادة التّجدد ، لأنّ الشّعر مسوق لغرض الافتخار ، وإظهار الشّجاعة ، ولا ريب أنّ المضارع في مثل هذا المقام يدلّ على الاستمرار التّجدّدي ، ولو بالقرينة المقاميّة.

(١٠) أي عدم التّقييد بأحد الأزمنة الثّلاثة «و» عدم «إفادة التّجدد» المذكور ، ولازم هذا العدم هو الثّبوت والدّوام ، ولذا فسّره بقوله : «يعني لإفادة الدّوام والثّبوت ...».

والأظهر أن يقول المصنّف : فلإفادة الدّوام والثّبوت ، أو مطلق الثّبوت ، لأنّ المستفاد من الفعل صريحا هو التّقييد والتّجدّد ، والتزاما عدم الثّبوت والدّوام ، والمستفاد من الاسم صريحا

١٠٣

يعني لإفادة الدّوام والثّبوت (١) لأغراض تتعلّق بذلك (٢) [كقوله : (٣) لا يألف الدّرهم المضروب صرّتنا] وهو ما يجتمع فيه الدّراهم [لكن يمرّ عليها وهو منطلق].

______________________________________________________

هو الدّوام والثّبوت ، والتزاما هو عدم التّقييد والتّجدّد ، وكون صريح كلّ منهما هو التزام الآخر بمقتضى التّقابل بينهما.

(١) والمراد به تحقّق المحمول للموضوع بحسب الوضع ، وأمّا الدّوام فمستفاد من خارج لا من الوضع ، وكان الأولى تقديم الثّبوت على الدّوام ، لأنّه يلزم من الدّوام الثّبوت دون العكس.

(٢) أي بالدّوام والثّبوت ، كما إذا كان المقام مقتضيا لكمال المدح أو الذّمّ ، أو نحو ذلك ، ممّا يناسبه الدّوام والثّبات.

(٣) أي قول النّضر بن جويّة (لويّة ـ خ) في المدح بالغنى والكرم ، تمامه : «ولكن يمرّ عليها وهو منطلق».

المعنى : «يألف» بالفاء مضارع من الإلف بمعنى الأنس بالشّيء ، «المضروب» المسكوك ، «الصّرّة» ما يجمع فيها الدّراهم ، «يمرّ» مضارع من المرور ، «منطلق» بصيغة اسم الفاعل بمعنى الذّاهب.

الإعراب : «لا» نافية ، «يألف» فعل مضارع مرفوع ، «الدّرهم المضروب» نعت ومنعوت مفعول ل «يألف» ، «صرّتنا» مضاف ومضاف إليه فاعل ل «يألف» ، وفي إضافة الصّرّة إلى ضمير المتكلّم مع الغير نكتة دقيقة ، وهي أنّ صرّته مشتركة بينه وبين غيره ، وهذا يشعر بكمال جودهم وعدم اعتنائهم بالدّراهم ، «لكن» حرف استدراك ملغى عن العمل ، «يمرّ عليها» فعل وفاعل ومتعلّق «وهو منطلق» مبتدأ وخبر ، حال عن الضّمير المستتر في «يمرّ» والواو للحال.

والشّاهد : في «منطلق» حيث إنّه مسند أوتي به اسم فاعل ، لإفادة عدم التّجدّد والتّقييد بالأزمنة الثّلاثة ، ولو قال : ينطلق ، أفاد تجدّد الانطلاق المنافي لغرضه ، وهو التّوصيف بكثرة الجود ودوامه ، وأمّا قوله : «يمرّ عليها» فلدفع خلاف المقصود واستدراكه ، وهو أنّ عدم الألفة ليس بسبب انتفاء حصول جنس الدّراهم ، بل بسبب التّصدق على الفقراء أو المساكين وأهل الحاجة.

وبالجملة إنّ التّعبير بقوله : «منطلق» للإشعار بأنّ انطلاق الدّراهم من الصّرّة أمر ثابت دائم

١٠٤

يعني أنّ الانطلاق من الصّرّة ثابت للدّرهم دائما (١) قال الشّيخ عبد القاهر : موضوع الاسم (٢) على أن يثبت به الشّيء للشّيء من غير اقتضاء (٣) أنّه يتجدّد ويحدث شيئا فشيئا ، فلا تعرّض (٤) في زيد منطلق لأكثر من إثبات الانطلاق فعلا له ،

______________________________________________________

لا يتجدّد ، وأنّ الدّراهم ليس لها استقرار ما في الصّرّة ، وهذا مبالغة في مدحهم بالكرم ، وفي قوله : «لكن يمرّ عليها» تكميل لهذا المعنى ، فالأحسن حينئذ نصب «الدّرهم المضروب» على أن يكون مفعولا لقوله : «لا يألف» ليكون عدم الألفة من جانب الصّرّة ، وإن كان المشهور نصب الصّرّة على أنّها مفعول لقوله : «لا يألف».

(١) أي من غير اعتبار تجدّده وحدوثه في زمان من الأزمنة الثّلاثة ، لأنّ مقام المدح يقتضي دوام ذلك ، كما يدلّ عليه قوله قبل هذا.

إنّا إذا اجتمعت يوما دراهمنا

ظلّت إلى طرق الخيرات تستبق

(٢) أي الاسم المسند في التّركيب موضوع لأجل «أن يثبت به الشّيء للشّيء ...» هذا تعريض على المصنّف حيث قال : «وأمّا كونه اسما فلإفادة الدّوام» مع أنّ الشّيخ عبد القاهر قال في وضع الاسم : لمجرّد إثبات الشّيء لشيء ، سواء كان دائما أو متجدّدا.

ويمكن الجمع بين كلام المصنّف والشّارح وبين كلام الشّيخ بما حاصله : إنّ الاسم موضوع لتحقّق المحمول للموضوع بحسب الوضع ، وأمّا الدّوام فمن قرينة خارجيّة لا بحسب الوضع.

(٣) أي لعدم المقتضي فيه ، بخلاف الفعل ، فإنّه فيه مقتضيا له ، وهو الزّمان الّذي يستلزم التّجدّد.

(٤) أي إذا كان الأمر كذلك «فلا تعرّض في زيد منطلق لأكثر من إثبات الانطلاق فعلا له» أي لزيد ، وأمّا إفادة الدّوام فمن المقام والخارج ، كغرض المدح أو الذّمّ ، فلا منافاة بينه وبين كلام الشّارح المتقدّم ، حيث قال : «يعني لإفادة الدّوام والثّبوت» ، لأنّ كلام الشّيخ بعدم دلالة الاسم على الدّوام بحسب الوضع ، وكلام الشّارح بإفادة الدّوام باعتبار القرائن الخارجيّة.

١٠٥

كما في زيد طويل ، وعمرو قصير (١). [وأمّا تقييد الفعل (٢)] وما يشبهه (٣) من اسم الفاعل والمفعول وغيرهما (٤) [بمفعول] مطلق أو به أو فيه أو له أو معه [ونحوه (٥)] من الحال والتّمييز

______________________________________________________

(١) أي كما لا تعرّض في قولنا : زيد طويل ، وعمرو قصير ، لأكثر من إثبات الطّول والقصر صفة لزيد وعمرو ، ولا يحتمل التّجدّد ، كذلك لا تعرّض في زيد منطلق ، لكن في زيد طويل لازم ، وفي زيد منطلق كاللّازم ، ولذا ذكر في صورة التّشبيه ، ومعلوم أنّ وجه الشّبه في المشبّه به يكون أقوى منه في المشبّه ، وإن احتمل التّجدّد في المشبّه ، لكن لا بقصد.

وبعبارة أخرى إنّ المسند في زيد منطلق ، اسم فاعل ، وفي زيد طويل وعمرو قصير ، صفة مشبّهة ، قال بعضهم : في توجيه الفرق بينهما بدلالة الأوّل على الحدوث ، والثّاني على الدّوام ، إنّ اسم الفاعل لمّا كان جاريا في اللّفظ على الفعل ، جاز أن يقصد به الحدوث بمعونة القرائن ، بخلاف الصفة المشبهة ولمّا كانت لا تدلّ على زمان معيّن ، وليس بعض الأزمنة أولى من البعض حمل على الجميع ، لا باعتبار أنّه يستفاد من لفظها.

(٢) أي المراد من الفعل ما يكون مسندا ، فلا يرد أنّ تقييد الفعل بما ذكر من مباحث متعلّقات الفعل ، فذكره هنا من ذكر الشّيء في غير محلّه.

وجه عدم الورود : إنّ المراد بالفعل هنا هو الفعل المقيّد بكونه مسندا فإذا يصبح تقييده بما ذكر من مباحث المسند ، كما أنّ تقييد الفعل المطلق به من مباحث متعلّقات الفعل ، وكذا الحال في ما يشبهه.

(٣) اقتصر المصنّف على الفعل إمّا لأنّه الأصل ، أو المراد منه المعنى اللّغوي أي الدّال على الحدث ، فيكون شاملا للفعل الاصطلاحي ، وما يشبهه جميعا ، وليس فيه اقتصار.

(٤) كأفعل التّفضيل والصّفة المشبهة والمصدر ، وإنّما سمّيت هذه الأمور شبيهة بالفعل لكونها مثله في الدّلالة على الحدث.

(٥) أي المفعول فلفظ المفعول للمفاعل الخمسة جميعا لاشتراكها في مطلق المفعوليّة.

لا يقال : إنّ المراد بمفعول مطلق غير ما هو للتّأكيد ، لأنّه لا يفيد تربية الفائدة ، حيث إنّ المراد منه نفس ما هو المراد من الفعل.

لأنّا نقول : إنّ الفعل يحتمل الحقيقة والمجاز والمصدر المؤكّد يفيد أنّ المراد به الأوّل ،

١٠٦

والاستثناء (١) [فلتربية الفائدة (٢)]

______________________________________________________

فالتّعيين فائدة زائدة على ما يفيده الفعل من المعنى المردّد بين الحقيقيّ والمجازي فيكون لتربية الفائدة.

(١) اعترض على الشّارح بأنّ ذكر الاستثناء ـ أي المستثنى ـ هنا وقع في غير محلّه ، لأنّه إمّا أن يكون مستثنى من الفاعل ، أو من المفعول به ، أو من غيره ، وعلى جميع التّقادير يكون من تتمّة المستثنى منه ، فليس التّقييد به لتربية ، إذ على تقدير كونه مستثنى من الفاعل يكون من تتمّته ، فهو لأصل الفائدة لا لتربيتها ، وعلى تقدير كونه مستثنى من غير الفاعل ، فتربية الفائدة تحصل قبله بالمستثنى منه ، فلا يبقى مجال بعد ذلك لكون التّقييد به لتربية الفائدة.

الجواب إنّ المستثنى عن غير الفاعل له دخل في تربية الفاعل كالمستثنى منه ، وعدّ الفاعل ممّا له دخل في أصل الفائدة تحكم واضح.

(٢) قد يقال : إنّ الفعل المتعدّي متى ذكر يعرف أنّ هناك مفعولا به ، لأنّ تعقّل الفعل المذكور يتوقّف على تعقّله ، وأفاد أيضا أنّ هناك مفعولا فيه ومعه وله ، فلا يكون التّقييد بهذه الأشياء لتربية الفائدة ، إذ ليس ذكرها مفيدا لشيء زائد على ما يستفاد بمجرّد ذكر الفعل.

ويمكن الجواب عن ذلك : بأنّ الفعل المتعدّي متى ذكر يدلّ على هذه الأمور على نحو الإجمال والإبهام ، فبذكرها يحصل التّعيين ، ولا ريب أنّ التّعيين فائدة زائدة ، فيكون الذّكر لتربية ما فهم إجمالا.

لا يقال : إنّ هذا مستلزم لأن يكون ذكر الفاعل أيضا لتربية الفائدة ، لأنّ الفعل متى ذكر يدلّ عليه إجمالا ، فبذكره يحصل التّعيين ، وهو فائدة زائدة.

لأنّا نقول : إنّ النّسبة إلى فاعل خاصّ قد أخذ في مفهوم الفعل ، فما لم يذكر الفاعل لا يحصل أصل الفائدة ونفس المفهوم.

نعم لو كان المأخوذ في مفهوم الفعل النّسبة إلى فاعل ما ، لكان مثل المفاعل وما يلحق بها ، في كون ذكره لتربية الفائدة ، إلّا أنّ الأمر ليس كذلك ، بل المأخوذ في مفهومه النّسبة إلى الفاعل الخاصّ على ما ذكروه.

١٠٧

لأنّ الحكم كلّما زاد خصوصا زاد غرابة (١) وكلّما زاد غرابة زاد إفادة ، كما يظهر بالنّظر إلى قولنا : شيء ما موجود (٢) ، وفلان بن فلان حفظ التّوراة سنة كذا في بلد كذا ، ولمّا استشعر (٣) سؤالا ، وهو أنّ خبر كان من مشبّهات المفعول ، والتّقييد به ليس لتربية الفائدة لعدم الفائدة بدونه ، أشار (٤) إلى جوابه بقوله : [والمقيّد في نحو : كان زيد

______________________________________________________

(١) أي بعدا عن الذّهن ، وقلّة خطور بالبال «وكلّما زاد غرابة» أي بالنّسبة الى السّامع «زاد إفادة» له ، والحاصل إنّ الحكم المطلق الخالي عن القيود لا يزيد على فائدة نسبة المحمول إلى الموضوع ، وربّما كان ذلك الحكم معلوما عند السّامع ، كقولنا «شيء ما موجود» فإنّه معلوم بالضّرورة ، فلا يفيد ، فإذا زيد فيه قيد كان فيه فائدة غريبة ، والحكم الغريب مستلزم للإفادة ، للجهل به غالبا ، وكلّما كثرت غرابته بكثرة قيوده فقد كثرت فوائده ، وإن شئت تربية الفائدة بالتّقييد بالأمور المذكورة ، فوازن بين قولك أكرمت ، وحفظت وقرأت وجلست وتصدقت وجلست ولا أحبّ ، وبين فولك : أكرمت أهل العلم والمعرفة ، وحفظت سورة البقرة في ثلاثة أيّام ، وقرأت الكتب العلميّة في النّجف الأشرف ، وجلست أمام ضريح السّيدة زينب عليها‌السلام في دمشق ، وتصدّقت بأموالي مخلصا ، ولا أحبّ إلّا المؤمنين والصّالحين.

(٢) الإخبار عن شيء مطلق بالوجود غير مفيد ، لأنّه معلوم بالضّرورة بخلاف المثال الثّاني فإنّ فيه غرابات بكثرة القيود ، وبذلك كثرت فوائده.

(٣) وإنّما يستشعر هذا السّؤال من قوله : «ونحوه» فلو اقتصر على قوله : «بمفعول» لما استشعر هذا السّؤال ، لكن يلزم اختصاص تقييد الفعل وما يشبهه بالتّقييد بالمفعول ، مع أنّه أعمّ منه حيث يكون بنحوه أيضا.

وتقريب السّؤال إنّ خبر كان ممّا هو نحو المفعول حيث إنّه من المنصوبات» والتّقييد به» ، أي والحال إنّ تقييد كان بهذا الخبر «ليس لتربية الفائدة لعدم الفائدة بدونه» أي الخبر ، فهو لتحقّق أصل الفائدة لا لتكثيرها ، فإذا لا مجال لقوله : «وأمّا تقييد الفعل» بمفعول ونحوه «فلتربية الفائدة».

(٤) جواب لمّا في قوله : «ولمّا استشعر ...» ، وحاصل الجواب إنّ خبر كان خارج عن تقييد الفعل بالمفعول ونحوه ، لأنّه من تقييد نحو المفعول ، أعني خبر كان بالفعل ، أعني كان لا من تقييد الفعل بنحو المفعول.

١٠٨

منطلقا ، هو منطلقا لا كان (١)] لأنّ منطلقا هو نفس (٢) المسند ، وكان قيد له للدّلالة على زمان النّسبة ، كما إذا زيد منطلق في الزّمان الماضي. [وأمّا تركه] أي ترك التّقييد [فلمانع منها] أي من تربية الفائدة ، مثل (٣) خوف انقضاء المدّة والفرصة ، أو إرادة ألّا يطّلع الحاضرون على زمان الفعل ، أو مكانه أو مفعوله أو عدم العلم بالمقيّدات ، أو نحو ذلك (٤).

______________________________________________________

(١) وحاصل الجواب : إنّا لا نسلّم أنّ هذا من قبيل تقييد الفعل بمفعول الّذي كلامنا فيه ، بل هو من قبيل تقييد شبه الفعل بفعل ، وهذا لا كلام لنا فيه ، وحينئذ فلا اعتراض.

(٢) أي لأنّه هو الدّال على الحدث ، والمسند إنّما هو الدّال على الحدث ، بخلاف كان فإنّها إنّما تدلّ على الزّمان ، ولا دلالة لها على الحدث ، كما قال السّيد شريف وغيره ، وحينئذ يفيد ذلك المسند بمفاد كان وهو الزّمان الماضي ، فيفيد الكلام أنّ الانطلاق لزيد كان فيما مضى ، فكأنّك زيد منطلق في الزّمان الماضي ، فالحاصل إنّ منطلقا نفس المسند ، لأنّ أصل التّركيب زيد منطلق ، وكان إنّما ذكرت لدلالتها على زمان النّسبة ، فهي باعتبار دلالتها على الزّمان قيد ل «منطلقا» ، فحصل في المثال تربية الفائدة ، وزال الشّك.

(٣) مثال للمانع ، وقد ذكر لوجود المانع أمثلة متعدّدة :

الأوّل : هو خوف انقضاء الفرصة كقولك لصيّاد : غزال.

الثّاني : أن يريد المتكلّم» أن لا يطّلع الحاضرون على زمان الفعل أو مكانه ...» كقولك : زيد فعل كذا ، من غير قيد لإخفائه عن الحاضرين ، وقولك : ضرب زيد ، من غير ذكر المفعول لإخفائك إيّاه عن الحاضرين.

الثّالث : أن لا يعلم المتكلّم بالمقيّدات ، أي يعلم أنّ زيدا ضرب ، ولكن لا يعلم من ضربه ، ولا أين ضرب ، ولا متى ضرب ، ولا لم ضرب ، ولا كيف ضرب ، إلى غير ذلك؟

(٤) كمجرّد الاختصار حيث اقتضى المقام لضيق أو ضجر أو خوف أن يتصوّر المخاطب أنّ المتكلّم كثير الكلام فيستهان ، إذ كثرة الكلام دليل على البلاهة ، ولذا قيل : إنّ الرّجل إذا كثر عقله قلّ كلامه.

١٠٩

[وأمّا تقييده] أي الفعل (١) [بالشّرط (٢)] مثل أكرمك إن تكرمني ، وإن تكرمني أكرمك (٣) [فلاعتبارات (٤)] شتّى وحالات تقتضي تقييده به. [لا تعرف إلّا بمعرفة ما بين

______________________________________________________

(١) كان الأولى إرجاع الضّمير إلى المسند حتّى يناول ما يشبهه الفعل ، كما في قولك : إن كانت الشّمس طالعة فالنّهار موجود ، فإنّ الموجود قد قيد بالشّرط ، وهو شبه فعل ، إلّا أن يقال : إنّ إرجاعه إلى الفعل لكونه الأصل.

نعم كان الأولى أن يقدّم هذا على حالة ترك التّقييد ، ويؤخّر ترك التّقييد ، لتجري القيود الوجوديّة على سنن واحد ، لأنّ التّقييد بالشّرط في قوة المفعول فيه كما يعلم من قوله الآتي بمنزلة قولك : أكرمك وقت مجيئك إيّاي ، إلّا أن يقال إنّ التّقييد به كان محتاجا إلى بسط وتفصيل ، بخلاف التّرك حيث يكون مختصرا ، ثمّ الأحسن هو تقديم المختصر على المبسوط المفصّل.

(٢) إنّ الشّرط بحسب اصطلاحهم تارة يطلق على أداة الشّرط ، وأخرى على نفس التّعليق الّذي هو مدلول الأداة ، وثالثة على فعل الشّرط ، وأمّا إطلاقه على مجموع الشّرط والجزاء ، أو على فعل الشّرط مع الأداة ، أو على الجزاء فلم يعهد ، والمراد به في المقام فعل الشّرط بقرينة ما سيأتي من جعلهم له قيدا للجزاء.

(٣) أتى بالمثالين للإشارة إلى عدم الفرق بين كون الجزاء مقدّما على الشّرط أو مؤخّرا عنه في كون الشّرط قيدا له ، وليس للإشارة إلى عدم الفرق في ذلك بين الجزاء المذكور والجزاء المحذوف ، لأنّ البصريّين من النّحاة ، وإن التزموا بكون الجزاء في نحو : أكرمك إن تكرمني محذوفا ، لعدم جواز تقديم الجزاء على حروف الشّرط ، لكونها ممّا له صدارة لكنّ المعانيّين سلكوا في ذلك مسلك الكوفيّين ، والتزموا بجواز التّقديم ، وعدم الصّدارة لها.

والشّاهد على ذلك ما سيأتي من الشّارح في بحث الإيجاز والإطناب والمساواة من أنّ المتقدّم عند المعانيّين نفس الجزاء لا الدّال عليه ، فحينئذ الإتيان بالمثالين إشارة إلى عدم الفرق بين المتقدّم والمتأخّر من الجزاء لا إلى عدم الفرق بين المذكور والمحذوف منه.

(٤) أي فلمعتبرات ، وهي النّكات المترتّبة على التّقييد بأداة الشّرط ، وإنّما فسّرنا بذلك لقوله : «وحالات تقتضي تقييده به» أي بالشّرط ، وتلك الحالات هي تعليق مضمون الجملة بحصول مضمون جملة أخرى إمّا في الماضي ، كما في لو ، أو في الاستقبال ، إمّا مع الجزم كما في

١١٠

أدواته (١)] يعني حروف الشّرط وأسماءه (٢) [من (٣) التّفصيل ، وقد بيّن ذلك] أي التّفصيل [في علم النّحو (٤)] ، وفي هذا الكلام (٥) إشارة إلى أنّ الشّرط (٦) في عرف أهل العربيّة قيد لحكم الجزاء (٧) مثل المفعول ونحوه (٨) فقولك : إن جئتني أكرمك

______________________________________________________

إذا ، أو مع الشّكّ كما في إن ، أو في جميع الزّمان كما في متى ، أو المكان كما في أينما.

(١) أي حروف الشّرط.

(٢) أي الشّرط قوله : «وأسماءه» دفع لما يتوهّم من أنّ المراد بالأدوات حروف الشّرط فقطّ ، وحاصل الدّفع إنّ المراد بالأدوات مطلق أدوات الشّرط ، سواء كانت من الحروف أو الأسماء.

(٣) بيان لما في قوله : «إلّا بمعرفة ما ...» أي إلّا بمعرفة التّفصيل الّذي بين أدوات الشّرط الحاصل ، ببيان ما بينها من الفرق ككون إن وإذا للاستقبال ، لكن مع الجزم في إذا ، والشّك في إن ، وكون لو للشّرط في الماضي ، وكون مهما ومتى لعموم الزّمان ، وأين لعموم المكان ، ومن لعموم من يعقل ، وما لعموم غير عاقل ، فيعتبر في كلّ مقام ما يناسبه من معاني تلك الأدوات.

(٤) والأولى على المصنّف إسقاط قوله : «وقد بين ذلك» ، والاقتصار على قوله : «من التّفصيل في علم النّحو» ، لأنّ في كلامه هذا تعريض بالسّكّاكي حيث أتى بتطويل.

(٥) أي قوله : «وأمّا تقييده بالشّرط».

(٦) أي فعل الشّرط ، والمراد من «أهل العربيّة» هم النّحويّون والصّرفيّون واللّغويّون.

(٧) أي مضمون الجزاء مقيّد بقيد مخصوص ، وهو مضمون الشّرط ، كما يقيّد بالمفعول فيه ، والحال ، ونحوه ، فقولك إن يضرب زيد يضرب عمرو ، يفيد أنّ حكم نسبة الضّرب إلى عمرو في وقت الضّرب من زيد.

(٨) أي المفعول في كونه قيدا للحكم كالتّمييز ، والحال ، والاستثناء ، وحاصل الكلام إنّ مثل المفعول به ونحوه قيد لحكم الجزاء ، سواء كان الجزاء فعلا أو ما أشبهه ، فالكلام هو الجزاء وإنّما الشّرط قيد له بمنزلة الفضلات. فإذا إن جئتني أكرمك ، فالمعتبر لأصل الإفادة هو الإخبار بالإكرام ، وأما الشّرط فهو قيد ، فكأنّك أكرمك وقت مجيئك ، هذا على تقدير إضافة الحكم إلى الجزاء في قوله : «قيد لحكم الجزاء» بيانيّة ، أي قيد لحكم هو الجزاء ، وأمّا لو لم تكن الإضافة بيانيّة ، فالمراد بالحكم هو النّسبة كثبوت الإكرام في المثال المذكور.

١١١

بمنزلة قولك : أكرمك وقت مجيئك إياي (١) ، ولا يخرج الكلام (٢) بهذا القيد (٣) عمّا كان عليه (٤) من (٥) الخبريّة والإنشائيّة ، بل إن كان الجزاء خبرا فالجملة الشّرطيّة خبريّة ، نحو : إن جئتني أكرمك وإن كان إنشائيا فإنّشائيّة نحو : إن جاءك زيد فأكرمه (٦) وأما نفس الشّرط (٧) فقد أخرجته الأداة عن الخبريّة ، واحتمال الصّدق والكذب.

______________________________________________________

(١) أي المتبادر عرفا من كلّ منهما معنى واحد ، وتقييد مضمون الجزاء ، أي إكرام المتكلّم للمخاطب ، بمضمون الشّرط ، وهو إكرام المخاطب للمتكلّم ، ثمّ الوقت مستفاد من الشّرط لكونه علّة للجزاء ، وزمان العلّة والمعلول واحد.

(٢) أي الجزاء.

(٣) أي الشّرط.

(٤) أي قبل التّقييد بالشّرط.

(٥) بيان لما في قوله : «عمّا كان ...» ، وحاصل الكلام إنّ الجزاء إن كان خبرا قبل تقييده بالشّرط فلا يخرج مع هذا القيد عن الخبريّة ، وإن كان إنشاء قبل الشّرط فهو إنشاء بعده ، لأنّ أداة الشّرط إنّما تخرج الشّرط عن أصله ، ولا تسلّط لها على الجزاء بل هو باق على حاله.

(٦) وحاصل الكلام في هذا المقام أنّ مجموع الشّرط والجزاء من حيث الخبريّة والإنشائيّة تابع للجزاء ، بمعنى أنّه إن كان الجزاء خبرا ، فالجملة الشّرطيّة أعني مجموع الشّرط والجزاء خبريّة بسبب خبريّة الجزاء.

وإن كان الجزاء إنشائيا فالجملة الشّرطيّة إنشائيّة بسبب إنشائيّة الجزاء.

(٧) جواب عن سؤال استفساريّ ، وهو أن يقال : إنّه قد علم عدم خروج الخبر والإنشاء الواقعين جزاء من الخبريّة والإنشائيّة ، لكن لم يعلم أنّ الخبر الواقع شرطا ، هل خرج من الخبريّة ، احتمال الصّدق والكذب أم لا؟

فأجاب بأنّ الخبر الواقع شرطا قد أخرجته أداة الشّرط من الخبريّة إلى الإنشائيّة ، أي إلى حكم الإنشاء ، لأنّه ليس كلاما.

لأنّ المراد من قوله : «وأما نفس الشّرط» هو الجملة الشّرطيّة وحدها بدون الجزاء ، وهو قيد للجزاء.

١١٢

وما يقال (١) : من أنّ كلّا من الشّرط والجزاء خارج عن الخبريّة واحتمال الصّدق والكذب ، وإنّما الخبر هو مجموع الشّرط والجزاء المحكوم فيه بلزوم الثّاني (٢) للأول (٣) ،

______________________________________________________

(١) أي قائله هو شارح العلّامة في شرح المفتاح ، والمقصود من ذكر كلام العلّامة هو دفع التّنافي بين كلامه وكلام العلّامة.

وحاصل التّنافي بين الكلامين أنّ ما ذكره الشّارح من أنّ أداة الشّرط لا تخرج الجزاء عن الخبريّة ، وإنّما هو باق على ما كان عليه ، والشّرط بمنزلة قيد له ، ينافي ما ذكره العلّامة في شرح المفتاح من أنّ كلّ واحد من الشّرط والجزاء ليس خبرا محتملا للصّدق والكذب ، لأنّ الأداة أخرجته عن الخبريّة ، وإنّما الكلام الخبريّ المحتمل للصّدق والكذب هو مجموع الجزاء والشّرط.

فما قاله العلّامة من خروج كلّ من الشّرط والجزاء من الخبريّة ينافي ما قاله الشّارح من اختصاص الخروج من الخبريّة بالشّرط.

وحاصل الدّفع إنّ ما ذكره الشّارح مبنيّ على وجهة نظر أهل العربيّة ، وما ذكره العلّامة إنّما هو مصطلح المناطقة.

وبعبارة أخرى إنّ ما ذكره العلّامة اعتبار أهل المنطق ، وهذا الاختصاص اعتبار أهل العربيّة ، وبين الاعتبارين فرق.

وحاصل الفرق إنّ المحكوم عليه والمحكوم به مفردان باعتبار أهل العربيّة ، وجملتان باعتبار أهل المنطق ، فلا يصحّ الاعتراض بأحدهما على الآخر ، لأنّ كلّا منهما اصطلاح آخر ، وفنّ مخالف ، ولا يقدح الخلاف بينهما في شيء منهما ، بل كلّ منهما صحيح في الواقع ، ومعتبر في نفسه.

(٢) أي التّالي والجزاء.

(٣) أي المقدّم والشّرط ، أي بلزوم الجزاء للشّرط ، بمعنى أنّه متى وجد الشّرط الّذي هو الملزوم ، وجد الجزاء الّذي هو اللّازم.

١١٣

فإنّما هو (١) باعتبار المنطقيين ، فمفهوم قولنا : كلّما كانت الشّمس طالعة فالنّهار موجود ، باعتبار أهل العربيّة الحكم بوجود النّهار في كلّ وقت من أوقات طلوع الشّمس ، فالمحكوم عليه هو النّهار ، والمحكوم به هو الموجود (٢) ، وباعتبار المنطقيين الحكم بلزوم وجود النّهار لطلوع الشّمس ، فالمحكوم عليه طلوع الشّمس والمحكوم به وجود النّهار ، فكم (٣) من فرق بين الاعتبارين (٤) [ولكن لا بدّ من النّظر ههنا (٥) في إن

______________________________________________________

(١) أي وما يقال ، فقوله : «فإنّما ...» خبر المبتدأ أعني» ما يقال ...».

(٢) والشّرط قيد للوجود ، ومفهوم القضيّة أنّ الوجود يثبت للنّهار على تقدير طلوع الشّمس ، وظاهر أنّ الجزاء باق على ما كان عليه من احتمال الصّدق والكذب ، وصدقها باعتبار مطابقة الحكم بثبوت الوجود للنّهار حينئذ ، وكذبها بعدمها.

وأمّا عند المنطقيّين فالمحكوم عليه هو الشّرط ، والمحكوم به هو الجزاء ، ومفهوم القضيّة الحكم بلزوم الجزاء للشّرط ، وصدقها باعتبار مطابقة الحكم باللّزوم ، وكذبها بعدمها ، فكلّ من الطّرفين قد انخلع عن الخبريّة واحتمال الصّدق والكذب.

(٣) لفظة كم هنا للّتكثير ، يعني أنّ هناك فروقا كثيرة ، فرق في المحكوم عليه ، وفرق في المحكوم به ، وفرق في الحكم ، وتعرف هذه الفروق بأدنى تأمّل.

(٤) أي بين اعتبار أهل العربيّة وأهل الميزان. قال عبد الحكيم : فإن فما الفرق بين مذهبي أهل العربيّة وأهل الميزان ، فإنّ المآل واحد.

الفرق إنّ الشّرط عند أهل العربيّة مخصّص للجزاء ببعض التّقديرات ، حتّى أنّه لو لا التّقييد بالشّرط كان الحكم الّذي في الجزاء عامّا لجميع التّقديرات ، فيكون التّقييد مفهومه مفهوم مخالفة ، كما ذهب إليه الشّافعيّة. وعند أهل الميزان كلّ واحد من الشّرط والجزاء بمنزلة جزء القضيّة الحمليّة ، لا يفيد الحكم أصلا ، فلا يكون الشّرط مخصّص الجزاء ببعض التّقديرات ، فلا يتصوّر مفهوم المخالفة ، بل هو ساكت عنه ، كما هو مذهب الحنفيّة ، وفيه اعتراضات وأجوبة ، لا مجال لذكرها في هذا المختصر.

(٥) أي في هذا العلم أي لا بدّ من النّظر في أحرف الشّرط الثّلاثة ، وهي» إن وإذا ولو» أي لابدّ من بيان معاني هذه الثّلاثة فقوله : «ولكن ...» استدراك من قوله : «وقد بيّن ذلك في علم النّحو» ، ودفع لما ربّما يتوهّم من أنّ المصنّف حينئذ لا يبحث عنها أصلا في هذا الكتاب.

١١٤

وإذا ولو] لأنّ فيها أبحاثا كثيرة ، لم يتعرّض لها في علم النّحو [فإن وإذا للشّرط (١)

______________________________________________________

وحاصل الدّفع أنّه لا بدّ من النّظر في مباحثها الكثيرة الغير المتعرّض بها في علم النّحو ، لضيق المحلّ مع أنّ فيها من الفائدة لو أهملت ههنا أيضا لفاتت تلك الفائدة.

وأما اختصاص النّظر بإن وإذا ولو ، دون غيرها من كلمات الشّرط ، فلكثرة دورانها في كلام البلغاء ، وفي القرآن العزيز ، مع ما يتعلّق بها من المعاني الدّقيقة المشتملة عليها القرآن ، وقد تركوها في علم النّحو ، هذا ما قد أشار إليه الشّارح بقوله : «لأنّ فيها أبحاثا ...» ، أي في هذه الثّلاثة أبحاث كثيرة ، لم يتعرّض لتلك الأبحاث في علم النّحو.

(١) الشّرط هو تعليق شيء بشيء ، بحيث إذا وجد الأوّل يوجد الثّاني ، وهذا قدر مشترك بين الأدوات كلّها ، والافتراق بين إن وإذا وبين غيرهما بحسب الزّمان ، ولهذا قيّد بقوله : في الاستقبال ، حتّى يفترقا عن سائر الأدوات.

فحاصل الكلام في المقام إنّ إن وإذا للشّرط في الاستقبال ، أي لتعليق حصول مضمون جملة الجزاء على حصول مضمون جملة الشّرط في الاستقبال ، سواء دخلتا على صيغة المستقبل ، كقولك : إن تضرب أضرب ، أو على صيغة الماضي كقولك : إن قمت قمت ، فلفظ الشّرط بالمعنى المصدري ، وفي الاستقبال متعلّق بالحصول الثّاني الّذي يتضمّنه لفظ الشّرط لا بالتّعليق ، لأنّه في الحال ولا بالحصول الأوّل ، لأنّه معلّق على الحصول الثّاني.

وقد أشار إلى الفرق بين إن وإذا بقوله : «لكن أصل إن عدم الجزم بوقوع الشّرط» ، وحاصل الفرق بينهما بعد اشتراكهما في التّعليق في الاستقبال ، أنّ إن تستعمل في مقام عدم جزم المتكلّم بوقوع الشّرط في اعتقاده حين يعلّق به الجزاء ، وإذا تستعمل في مقام جزمه بوقوعه في اعتقاده حين يعلّق به الجزاء.

ثمّ المراد بعدم الجزم الشّك في وقوعه ، وتوهّم وقوعه في المستقبل ، فيصدق على الظّنّ بالوقوع ، وعلى الجزم بعدم الوقوع ، توضيح ذلك أنّ الفعل الاستقباليّ له خمسة أحوال : فإنّه إمّا مجزوم الوقوع في المستقبل ، وإمّا مظنون الوقوع فيه ، وإمّا مشكوك الوقوع فيه ، وإمّا موهوم الوقوع فيه ، وإمّا مجزوم عدم وقوعه فيه ، فإذا تستعمل في الحالة الأولى والثّانية ، وإن تستعمل في الحالة الثّالثة والرّابعة ، وأمّا الحالة الخامسة فلا يستعمل فيها شيء منهما ، إذ لا معنى لتعليق حصول شيء بحصول شيء يجزم بعدم حصوله ، إلّا أن ينزّل بمنزلة ما

١١٥

في الاستقبال ، لكن أصل إن عدم الجزم بوقوع الشّرط]. فلا يقع في كلام الله تعالى على الأصل (١) إلّا حكاية (٢) أو على ضرب من التّأويل (٣).

______________________________________________________

لا قطع بعدمه ، فحينئذ يدخل في أحد الفروض المتقدّمة ، لأنّ المراد بها أعمّ من الحقيقيّة والتّنزيليّة ، فتحصّل من هذا البيان أنّ إذا تشارك إن في عدم الدّخول ، فيما يجزم بعدم وقوعه في المستقبل ، إلّا في فرض التّنزيل لنكتة ، وتنفرد إن في الدّخول على المشكوك والمتوهّم وقوعه ، وتنفرد إذا في الدّخول على المتيقّن والمظنون.

فعليه قول المصنّف : «لكن أصل إن عدم الجزم ...» وإن كان صادقا على الشّكّ بالوقوع ، وتوهّمه وظنّه ، والجزم بعدمه ، لكن لا بدّ من حمله على الفرضين الأوّلين ، دون الفرضين الأخيرين ، لعدم كون شيء منهما معنى أصليّا لغويّا لها.

ثمّ إنّه اعترض على هذا بنحو : إن مات زيد فافعل كذا ، حيث إنّ الموت مجزوم بوقوعه ، فلا يصحّ استعمال إن.

وأجاب عنه صاحب الكشّاف بأنّ زمن الموت حيث إنّه غير معلوم نزّل منزلة المشكوك ، فأدخل عليه إن ، ولا مانع من دخولها على المشكوك التّنزيليّ.

(١) وهو عدم الجزم بوقوع الشّرط ، أي فلا يقع لفظ إن في كلام الله تعالى ، لكونه بمعنى عدم الجزم بوقوع الشّرط ، لأنّه تعالى عالم بحقائق الأشياء على ما هي عليه ، فيستحيل في حقه تعالي الشّكّ والتّردّد في شيء ما.

(٢) أي حكاية عن الغير كما في قوله تعالى : (قالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ)(١) حيث يكون حكاية عن أخوة يوسف عليه‌السلام.

(٣) مثل سوق المعلوم مساق المشكوك ، لنكتة تقتضيه ، أو كون المخاطب غير جازم ، فإنّ إن قد تستعمل في شكّ المخاطب ، كما تستعمل إمّا لتفصيل المجمل الواقع في ذهنه.

__________________

(١) سورة يوسف : ٧٧.

١١٦

[وأصل (١) إذا الجزم] بوقوعه (٢) فإن وإذا يشتركان في الاستقبال (٣) ، بخلاف لو (٤) ، ويفترقان بالجزم بالوقوع ، وعدم الجزم به (٥) ، وأمّا عدم الجزم بلا وقوع الشّرط (٦) فلم يتعرّض له ، لكونه مشتركا بين إذا وإن ، والمقصود بيان وجه الافتراق ، [ولذلك (٧)] أي ولأنّ أصل إن عدم الجزم بالوقوع [كان] الحكم [النّادر] لكونه (٨) غير مقطوع به في

______________________________________________________

(١) أي معناها الأصلي اللّغوي الّذي تستعمل فيه على سبيل الجزم.

(٢) أي وقوع الشّرط في المستقبل بحسب اعتقاد المتكلّم ، والمراد بالجزم هو الرّجحان الّذي هو قدر جامع بين العلم والظّنّ ، أو فيه حذف ، والتّقدير وأصل إذا الجزم أو الظّنّ بوقوع الشّرط.

(٣) أي في أنّ كلّ منهما شرط في الاستقبال.

(٤) أي بخلاف لو ، حيث إنّها شرط في الماضي.

(٥) أي بالوقوع ، أي يفترق كلّ من إذا وإن بالجزم بالوقوع ، أي بالنّسبة إلى إذا ، وعدم الجزم به بالنّسبة إلى إن.

(٦) أي قوله : «وأما عدم الجزم ...» جواب سؤال مقدّر ، كأنّه قيل : كما يشترط في إن عدم الجزم بوقوع الشّرط ، فكذا يشترط أيضا عدم الجزم بلا وقوعه ، فلماذا لم يتعرّض له المصنّف؟

وحاصل الجواب : إنّ المصنّف إنّما هو بصدد بيان الفرق بينهما ، وهو يتصوّر في جانب وقوع الشّرط ، وأمّا لا وقوع الشّرط فعدم الجزم به مشترك بينهما ، فلهذا لم يتعرّض له ، غاية ما في الباب أنّ عدم الجزم باللّا وقوع في إن ، إنّما هو باعتبار التّردّد فيه ، وفي إذا باعتبار الجزم بانتفائه ، لأنّ الجزم بالوقوع لا ينفكّ عن عدم الجزم باللّا وقوع.

(٧) متعلّق بكان المؤخّر ، فالمعنى وكان لذلك ، أي لأنّ أصل إن عدم الجزم بالوقوع ، الحكم النّادر موقعا لإن ، وكان الحكم الكثير الوقوع موقعا لإذا ، وغلب لفظ المضارع مع إن ، وغلب لفظ الماضي مع إذا.

(٨) أي لكون الحكم النّادر غير مقطوع به في الغالب ، فقوله : «لكونه» علّة لكونه نادرا ، والأولى أن يجعل علّة لكونه موقعا لإن ، وإنّما قيّد بالغالب لأنّه يمكن أن يكون النّادر مقطوعا به ، كقيام السّاعة فإنّه نادر الوقوع ، لأنّه إنّما يقع مرّة مع أنّه مقطوع بوقوعه.

١١٧

الغالب [موقعا (١) لإن ، و] لأنّ أصل إذا الجزم بالوقوع [غلب لفظ الماضي (٢)] لدلالته على الوقوع قطعا ، نظرا إلى نفس اللّفظ (٣) وإن نقل ههنا (٤) إلى معنى الاستقبال [مع إذا نحو : (فَإِذا جاءَتْهُمُ)(١)] أي قوم (٥) موسى (الْحَسَنَةُ) كالخصب (٦) والرّخاء (قالُوا لَنا هذِهِ ،) أي (٧) هذه مختصّة بنا ، ونحن مستحقّوها (٨) ، (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ)

______________________________________________________

(١) أي موضع وقوع لها.

(٢) على لفظ المضارع في الاستعمال مع إذا ، لأنّ الماضي أقرب من المضارع إلى القطع بالوقوع ، ثمّ المراد من لفظ الماضي هو اللّفظ الدّالّ بالوضع على الزّمان الماضي ، سواء كان الفعل الماضي أو المضارع مع لم ، ولذا قال لفظ الماضي ، ولم يقل الماضي ، لئلّا يتبادر منه الفعل الماضي.

(٣) أي الموضوع للدّلالة على الوقوع ، لأنّ الماضي بما أنّه موضوع للدّلالة على الوقوع ، فلفظه يعطي التّحقّق في مادّته لو خلّي وطبعه ، وإن كان معناه مع إذا هو الاستقبال ، لأنّ إذا الشّرطيّة تقلب الماضي إلى المستقبل.

(٤) أي مع إذا ، أي نقل الماضي مع إذا الشّرطيّة إلى معنى الاستقبال ، لما ذكرناه من أنّ إذا الشّرطيّة تقلب الماضي إلى المستقبل.

(٥) أي فرعون وقومه ، وسمّاهم قوم موسى لأنّه مبعوث إليهم.

(٦) «الخصب» النّماء والبركة ، وهو خلاف الجدب ، يقال : أخصب الله الموضع ، إذ أنبت فيه العشب والكلأ ، وإنّما أتى بكاف التّشبيه كي يكون إشارة إلى أنّه ليس المراد من (الْحَسَنَةُ) الخصب فقطّ ، بل مطلق ما كان حسنة ، كالأموال ، وكثرة الأولاد ، وصحّة البدن ، وغير ذلك ممّا هو مرغوب فيه عند العرف ، فذكر الخصب من باب المثال لا الانحصار ، «والرّخاء» عطف تفسير له ، أو عطف لازم على الملزوم.

(٧) أي التّفسير إشارة إلى تقديم المعمول ، أي لنا ، لأنّه خبر لهذه ، والخبر معمول للمبتدأ ، فيكون لنا خبر مقدّم ، و «هذه» مبتدأ مؤخّر ، والجملة مقولة ل (قالوا).

(٨) أي الحسنة ، وقوله : «ونحن مستحقّوها» إشارة إلى أنّهم ادّعوا اختصاص الحسنة بحسب الاستحقاق ، لا بحسب الوقوع.

__________________

(١) سورة الأعراف : ١٣٠.

١١٨

أي جدب (١) وبلاء (يَطَّيَّرُوا) (٢)] أي يتشاءموا (٣) (بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ) من المؤمنين جيء في جانب الحسنة بلفظ الماضي مع إذا (٤) [لأنّ المراد بالحسنة الحسنة المطلقة] التّي حصولها مقطوع به (٥) [ولهذا (٦) عرفت] الحسنة [تعريف الجنس] أي الحقيقة (٧) ، لأنّ وقوع الجنس كالواجب (٨) لكثرته واتّساعه ،

______________________________________________________

(١) وهو خلاف الخصب ، وعطف البلاء تفسير ، أو من عطف لازم على الملزوم ، قال في المصباح : الجدب معنى هو انقطاع المطر ، ويبس الأرض.

(٢) أي كان أصله يتطيّروا ، أدغم التّاء بالطّاء فصار يطّيّروا.

(٣) ويقولوا هذا الجدب من شرّ موسى ، ومن معه من المؤمنين ، فإنّ التّشاؤم هو ترقّب حصول المكروه بسبب موسى ومن معه.

(٤) أي الشّاهد في هذه الآية الكريمة أنّه جيء في جانب إذا بفعل الماضي ، أي (فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ ،) وفي جانب إن بفعل المضارع أي (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ) ثمّ إنّه استشهد بالآية على استعمال إذا في المقطوع ، واستعمال إن في المشكوك فيه ، نظرا إلى أنّ كلامه تعالى يكون واردا على أساليب كلامهم ، وإلّا فالله سبحانه لا يتصوّر منه جزم ولا شكّ ، لأنّه علّام الغيوب ، والشّيء عنده تعالى إمّا معلوم الوقوع ، أو معلوم عدمه.

(٥) أي ولو في ضمن فرد من الأفراد ، وحاصل الكلام إنّ المراد بالحسنة المطلقة هي الغير المقيدة بنوع مخصوص ، التّي حصولها مقطوع به عادة ، وإن لم يكن كذلك عقلا.

(٦) أي لأجل أنّ الحسنة مطلقة عرفت تعريف الجنس.

(٧) أي التّفسير إشارة إلى أنّ المراد بالجنس ليس الجنس من حيث هو هو ، لعدم صلاحيته للمجيء ، وليس المراد به الاستغراق لعدم صحّته ، فتعيّن أن يكون المراد به الحقيقة الموجودة في ضمن فرد غير معيّن ، فالألف واللّام للعهد الذّهنيّ الّذي هو من شعب لام الجنس ، وقيل : إنّ المراد منه هو الاستغراق العرفيّ لا العهد الذّهنيّ.

(٨) هذا الكلام في الحقيقة شروع في بيان كون الحسنة المطلقة مناسبة لإذا ولفظ الماضي ، لأنّ جنس الحسنة لمكان تحقّقه في ضمن أيّ فرد من الأفراد ، وأيّ نوع من الأنواع له كثرة واتّساع ، وما كان كذلك وقوعه كالواجب ، وممّا يقطع به فيكون مناسبا للماضي الدّالّ على الوقوع ، وإذا الموضوع للجزم بالوقوع ، فقوله : «كالواجب» في كون وجوده ضروريا من

١١٩

لتحقّقه (١) في كلّ نوع ، بخلاف النّوع (٢) وجيء في جانب السّيّئة بلفظ المضارع مع إن ، لما ذكره بقوله : [والسّيّئة نادرة بالنّسبة إليها (٣)] أي إلى الحسنة المطلقة ، [ولهذا (٤) نكّرت] السّيّئة ليدلّ على التّقليل (٥) ، [وقد تستعمل (٦) إن في] مقام [الجزم (٧)]

______________________________________________________

ناحية علّته التّامّة.

(١) أي الجنس وهو علّة لكثرته واتّساعه ، وحاصل الكلام في المقام : إنّ الجنس له أنواع متشتّتة ، كإعطاء الحياة والأموال والأولاد والخصب والرّخاء والفتح والغنيمة ، وغير ذلك ممّا لا يحصى ، فأيّ نوع من هذه الأنواع تحقّق في الخارج يتحقّق في ضمنه الجنس ، فلا محالة تكون له كثرة واتّساعا ، هذا بخلاف نوع الحسنة ، فإنّه لا يكثر كثرة جنسها.

(٢) أي أنّه ليس كالجنس في الشّمول المقتضي لكونه مقطوعا به ، لأنّ نوع الحسنة محدود ومعدود.

(٣) أي لما كانت السّيّئة نادرة بالنّسبة إلى الحسنة المطلقة ، جيء في جانبها بلفظ المضارع مع إن ، لأنّ النّادر بمنزلة غير المقطوع به ، وفعل المضارع يشعر بأنّها لم تقع.

(٤) أي لكون السّيّئة نادرة بالنّسبة إلى الحسنة المطلقة» نكّرت» السّيّئة.

(٥) أي ليدلّ تنكيرها على التّقليل والنّدرة.

لا يقال : إنّ المطلوب تقليل الوقوع ، والتّنكير إنّما يدلّ على التّقليل العددي ، بمعنى أنّ السّيّئة شيء يسير واحد لا كثير.

فإنّه يقال : إنّ التّقليل من حيث العدد يستلزم التّقليل من حيث الوقوع.

(٦) هذا مقابل للأصل في قوله السّابق ، حيث قال : «لكن أصل إن عدم الجزم بوقوع الشّرط» ، وقد تستعمل إذا أيضا في مقام الشّكّ ، كما يدلّ عليه قوله السّابق : «وأصل إذا الجزم بوقوعه» ، وإلّا فلا يتّجه ذكر الأصل.

(٧) أي حالته ، وقدّر مقام تبعا لعبارة المفتاح والإيضاح ، قال في الأطول وهي الصّواب ، لأنّ إن لم تستعمل في الجزم.

١٢٠