للزهراء شذى الكلمات

للزهراء شذى الكلمات

المؤلف:


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: المكتبة الأدبيّة المختصّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٥

كأنّ الزمان المعفّر بالانطفاء

المكبّل بالاحتباء

إلى بركة الوحل

يفترش الانكسار !

وحين يمرُّ على أنهر الرمش

ـ حيث تغطُّ سفائن أحداقنا باختناق الغرق ـ

نداؤك ... يحضن آهته الهامسه

معلّقةً بنتوآت باب يشمّ فحيح اللظى

فينغرس الصدأُ المرُّ

يحمل كلّ نكوص الخطى اليابسه

وكلَّ تداعي الوجوه الخريفية العابسه

ويسكن بين الضلوع

جداراً

تحطّمه مهجةٌ تستحمُّ بوهج الألق

فيطغى الجوى الأبديُّ

لكلّ البراءاتِ .. كل المسافاتِ

وهي تتوقُ لنبضٍ نقيِّ الرفيف

يتوّج بالنور وجهَ النهارْ

وكانَ ...

وكان المدى هائماً

والسماءُ الوليدةُ تائهةً

ما لها من قرارْ

وخلف خطاها الشرايين

ممتدّة إلى لألأ النور من جبهة العرشِ

٤١

وهو يبوحُ بسرًّ

يوزّعه الله حول مدى الكونِ

لا يحتويه ـ سواكِ ـ مدارْ

نداؤك

هذا الضعيف المحاصَرُ بالاختطافْ

يجيء إليَّ ... إليَّ

فيخترق الغبَشَ اللهبيّ على معبر الحدق الغارقهْ

يُطاردُ كلَّ ذهوليَ

كلّ احتراقيَ

كلّ احتمالات صحوي المُعافْ

فأصرُخُ في السرِّ

حين توكّرُ آهتُك المستباةُ على شجني

ووجهي المرمَّلُ بالإندثارْ

يفزّ على نبرةٍ باسقة

تطوّقها الريحُ مجنونةً باللهيبْ

وبالصخب الجاهليّ المتاجر بالنبضِ

في لُمّةٍ من فضاءٍ غريبْ

فاُهرعُ ـ كالطفل يفقِدُ كلّ مرافي الأمان

اُطوِّفُ في جنبات الصباح الكسير

فتُمطرني الشمسُ أدمعَها الباهته

ويُعولُ خلفي الربيع المصفّدُ

والوردُ يهربُ ..

والحدقات البريئةُ توغِلُ في البحر

يلتئمُ الاُفقُ بالرمد الأسود المُستعارْ

٤٢

فاُغلق بابي

وركلُ اللُّهاث على ظهري المتبدّدِ في الوحل

يتبعُني

يستطيل يداً

تنتقي أوجهاً من عذابي

تبوّأت عند انهمار المواجع

هالة روحِك ... وهي تشُدُّ الرحالْ

وبين يديها

تدُقُّ عنانَ السماء أصابع عُشبٍ يبيسْ

وحين توحّمت الأرضُ

كانت عصافيرُك الحائمات على شهقة البحرِ

تملأُ بالشدوِ والشجوِ سمعَ الترابْ

وتبحثُ بين أزيز الرمالْ

عن الوردِ ...

أين أضاع خطاه ؟

وأسلم للصمت دفءَ شذاه ؟

وراح إلى ضفةٍ لن تُنالْ !

يصير دوائرَ محمومةَ الاستعارْ

فتجفل منها الذئابْ

وترتدُّ أصداؤها كطنين الذبابْ

ولكن

تظلُّ العصافيرُ مشدوهةً بالأغاريد والابتهالْ

ولمّا استطال سكونُكِ ذاك المهيبْ

ولم تقتحمْهُ دموعُ ( الحسين )

٤٣

وآهةُ ( زينبَ )

أو حشرجاتُ نشيجِ ( الحسن )

تلوّتْ عصافيرك البيضُ والخضرُ

تنسُلُ ـ باكيةً ـ ريشَها بالرمادْ

ومن يومها

حين مالت يدُ الشمس وهي تُسلّم عند الغروبْ

على كلّ وجه أضاع الدروبْ

رأى الاُفقُ

كيف يشِبُّ الجنون بأعين كلّ الخطاطيفِ

والدمعُ يهطِلُ متّشحاً بالسوادْ !

أنا ـ الآنَ ـ اُهرَعُ خلف الخطاطيفِ

أنضحُ أدمعها بالعويلْ

أشمُّ احتراقَ دمِ ( الحسنين ) و( زينبَ )

وهو يُعاني مخاضَ الدموعْ

فتنزِلُ ناسيةً لونها الأحمر المتلثّم بالنارِ ...

تبعد عني الخطاطيفُ

نحو مدىً يتلاشى ...

تظلُّ تحومُ ... تحومْ

تتابعُ تهويمَها في عيونِ النجومْ

الطهر الاسمى

الشيخ عبد الكريم آل زرع

لكِ يا بضعة النبي الوفاءُ

من محبٍ لا يعتريه جفاءُ

مزجت ذاته بحبك حتى

كان منها كما يكون البناء

٤٤

فاستوى في جنانه منه نهر

صب فيه من الجلال بهاء

وجرى فهو في الحنايا عروج

لسماء وما عليها سماء

وهو في كونه مدامة حسن

رشفت من نميرها الأعضاء

فإذا مقلة تنم عن الحب وقلب يستاف منه الصفاء

ومحيّى يفيض منه جمال العشق عذباً مستعذباً والسناء

يا أبنة المصطفى وحسبك فخراً

انّكِ الطهر فاطم الزهراء

لكِ وجه لو أبصرته ذكاءٌ

أدركت ما هو الضياء ذكاء

حزتِ أسمى الصفات يا ابنة طه

بعضها بعد لم تحزها النساء

كَلَّ في مدحك اليراع ومَن رام محالاً أودى به الإعياء

وكليل الجناح يستصعب السفح وتعلوه قمة شمّاء

ما عسى أن أقول فيمَن أبوها

خير مَن شرفت به العلياء

سيد الكون باسمه قد تباهى الرسل والأنبياء والأولياء

ما عساني أقول في بعلك الطهر عليّ وفي يديه القضاء

هو للمصطفى وصي وعنه

صغر الأوصياء والأنبياء

هو قلب الوجود وهو إمامي

وأميري إن عدت الاُمراء

وبنوك الأُلى أضاءوا زماناً

أليلاً في ضميره إغفاء

وأحالوا جدب العواطف خصباً

فانتشى العدل واستقام الإخاء

ومن النبع يستقي ومن النور على كل ظلمة يستضاء

فهم النور والحياة وشيءٌ

ليس يدرى لكنّه معطاء

يا ابنة المصطفى ألفنا الرزايا

غير أنّا من حبكم سعداء

وصبرنا وكل صبر جهادٌ

وهتفنا أن منكم لا براء

دونه سادتي تسال الدماء

دونه الروح إن روحي فداء

إنَ هذا من الجهاد يسير

زرعته في قلبنا كربلاء

كيف أسعى ولستُ أملك شعري

لو غشاني مدح لكم وثناء

٤٥

وإذا الذكر خصكم بمديح

ما عسى أن تنمنم الشعراء

يا ابنة المصطفى عليك سلامي

ما تغنت بعشها ورقاء

الصوت المضيء

الشيخ علي الفرج

حُلُمي ذهولْ

لغَتي اصفرارٌ باردٌ وفمي ذبولْ

عيناي نَوْرَسَتان شاردتانِ ..

خلف الاُفق لا أدري أيرجعها الربيعُ

أم الخريفُ

إذا تسابقت الفصولْ

تتكسر الكلمات وسط دمي ويسرقها الافولْ

لا بدّ للوتر المحطّم أن يقولْ

الكون صمتٌ

كله صمتٌ

فلا شفةٌ ..

ولا رئةٌ ..

سوى صوتٍ مضيءٍ من بعيدٍ

ذاك صوت رحى البتولْ

حُلُمي عذابْ

عبّأتُ أوردتي التهابْ

وحصدت خلفي ألف بابْ

وحملتُ أرصفتي لأبحث عنكِ في وسط الضبابْ

سافرتُ حتى ماتت الخطوات في قدميّ .. ماتت الماء من عطشٍ .. وجودي

٤٦

صخرةٌ .. نافورةٌ لليأسِ .. مهلاً .. لحظةٌ مغسولةٌ جاءت لتقتلع اليبابْ

وهنا تساقط صوتُكِ الفضّيُّ

من أعلى ..

تفتحت الصحارى أعيناً مجنونة نحو السماء. أجلْ ..

إذا بك تفرشين على السما

سجادة لك من سحاب

غسلتُ أقدامي التعبى بذاكرتي

ورحتُ اُطفئُ في مسراكِ أعصابي

أأنتِ نافورةٌ صلى لها عطشي

أم وردةٌ عَبَدَتْها كلّ أطيابي

أم أنتِ قطرةُ ضوءٍ حولها ضربتْ

كل النجوم لها أعراق أنساب

طفوتُ فوق غراماتي وسرتُ بها

زهراءُ واسمكِ محفورٌ على بابي

زهراءُ واسمك أشياء مدلَّلةٌ

تلهو بها صلواتي وسط محرابي

زهراءُ واسمك في اسمائنا حرمٌ

وفوق كعبتهِ علَّقتُ أهدابي

مولد الزهراء

الاستاذ علي حمدان الرياحي

ماذا اُحدّث عنكِ يا ابنة أحمدِ

ومثيل فضلك في الورى لم يُشهَدِ

ما دمت سيدة النساء وخيرها

وأجلّ مَن ولدت ومن لم تولد

اُمّ الأئمة والمصابيح التي

شعّ الزمان بنورها المتوقّد

ماذا اُحدّث عن أبيك وقد أتى

لمّا ولدت بلهفة المتوجّد

وحبا لوجهك لاثماً متشوقاً

حبّاً ترعرع من قديم سرمدي

وتماثل النوران نوراً واحداً

من كوكب متفرّد متجرّد

فكأن صورة أحمد في فاطمٍ

وكأن صورة فاطم في أحمد

ماذا اُحدّث عنك بعد طفولةٍ

وضياء وجه ما تلألأ يزدد

وتطاول الأعناق لابنة احمد

من كلّ ذي جاه وكل مسوَّد

٤٧

فيشيح خير المرسلين بوجهه

ويخيب من يأتي إليه ويغتدي

وثناك عن كل الصحابة والورى

وأباك إلاّ للكميِّ الأصيدِ

القاسم الهامات قصمة عادلٍ

بالقسط غير مقلّل ومزيّد

اُم الأئمة خير أعلام الورى

عفواً إذا شطّ اليراع على يدي

فتقبلي مني هدية شاعرٍ

لمحمّدٍ ولآل بيت محمّدِ

مبعث النور

الاستاذ علي حمدان الرياحي

أيّ يوم يَجلّ فيه العزاءُ

ومصابٌ يطيب فيه البكاءُ

مثل يوم مرزّءٍ مستحمٍ

غربت في سمائه الزهراءُ

لا السماوات بعدها مشرقات

حين تخبو ولا الضياء الضياءُ

يشحذ البدرُ من مطالعها النور وتمتاح من سناها ذكاءُ

أترى شفها بعادُ أبيها

فاستحم الجوى وحنّ اللقاءُ

بضعة المصطفى واُمّ أبيها

وشذاه والنفح واللألاءُ

اُمّ أسباطه وخير البرايا

والتراث الأجلّ والآلاءُ

قصَّر الخافقان عنها عطاءً

ووَنى عن لحاقها الأنبياءُ

قبَّل المصطفى يديها وما كان

لغير الزهراء هذا العطاءُ

مبعث النور والأئمة منها

شُهبٌ ما مضى الزمان وضاءُ

غصون الحنايا

الاستاذ فرات الاسدي

قمرٌ يافعُ البهاء حزينُ

ملأَ الليلَ وجهه المفتونُ

وتدانى فشفَّه خجل الأرض ، وقد نمَّ طرفُها الموهونُ

ليتَها بالهوى تبوحُ إليه

فيُناجى طيفٌ وتُروى شجونُ

٤٨

كم أسرَّت جوىً يُلحُّ عليها

وأذاع الأسرار حبٌّ مكينُ

ضمّنَتْه الشكاةُ للألقِ المخضلِّ فيه أديمُها ، والسنينُ

ولقاءٍ سمعت إليه وطافتْ

كلَّ شوطٍ حتى أضاء اليقينُ

طورُها مهدُ فاطمٍ أين منه

في التجلّي حِراءُ أو سينينُ !

* * *

يا ابنة النور ، والعوالم جاءت

كيف شأءت : تكونُ أو لا تكونُ

وبأفلاكها مداراتُ هذا الكون صلّتْ ، وسبّح التكوينُ

أُنظرينا فنحنُ رهطُ مواليكِ ، وما ضيَّعَ اليسار يمينُ

لكِ ودٌ مخضوضر بدمانا

أنتِ فيه ، والتينُ والزيتونُ

جذره القلبُ والحنايا غصونُ

وله من تُرابِ خطوِكِ طينُ

رفَّ لم يختلفْ لديه وتينُ

أو أطاحت بنبضهِ سكّينُ

بل مضى ، يمنحُ المفاداةَ عمراً

علويّاً ، شهيدهُ والسجينُ !

* * *

قمرٌ شاحبُ .. ودربٌ حزينُ

والمدى في حدادِهِ مركونُ

.. المدى شائه المسافة يهوي

دونه الليل والسُرى والعيونُ

عثر النجم فيه وارتدَّ ركبٌ

أسلمَتْه إلى خطاه الظنونُ

فإذا التيهُ رايةٌ والخطايا

جندها ، والحداةُ صوتٌ هجينُ

وإذا غايةُ المسيرة أن يشتدَّ رهجٌ ، وأن تُساق مُتونُ !

* * *

لُعِنَ الغدرُ أيُّ نصرٍ ذليل

راح يجنيه حدُّهُ المسنونُ

أيُّ ذكرى منسيّةٍ لبريقٍ

كان في الفتح يلتظي ويبينُ

حسبُه اليوم غمدُهُ وغبارٌ

صَدِيءٌ باردٌ عليه يَرينُ !

خُيلاء السيوف تملأُ عطفَيه ادّعاءً .. ويشمخ العرنينُ

ثمَّ لا شيءَ غير عزمٍ دعيٍّ

هو في زحمة العزائم دُون

٤٩

اِيهِ يا اُمّة السقيفة هلاّ

رفَّ جفنٌ .. هلاّ تندّى جبينُ

ما نفضت الأكفَّ من ترب طه

بعد حتى استفاق حقدٌ دفينُ

وصدورٌ موغورةٌ وغضونُ

في وجوهٍ يؤودهُنَّ مجونُ

ما توضّانَ بالغدير ولكن

غارَ تحت الجلود جدبٌ ضنينُ

هل تراها تطيقُ طهرَ عليٍّ

وهو يشذى بمائِهِ النسرينُ

أم تراها تجلُّ فاطمة الزهراء ، والحقُّ حلفُها والدينُ

وهُداها القرآن والدمع إلفٌ

وصلاةٌ محزونةٌ .. وحنينُ

* * *

ألفُ عذراً يا بنتَ أحمدَ لو يُعصر صدرٌ ، ولو يُطاحُ جنينُ

إنَّها الردّةُ اللعينةُ والأطماعُ ، والثأرُ ، والعمى ، والجنونُ

حملتْها بخزيها صفّين ..

ولدى الطفّ عارُها مرهونُ

وأطاحت بالأزهر الفاطميّ المجد ، وانصاع تحتَها يستكينُ

وإلى الآن لم تزلْ ورؤاها

ينسَل الوهمُ بينها والهونُ !

والغريُّ الذي بها راح يصلى

والبقيعُ الذي بها مطعونُ

وغداً يثقلُ الحسابُ عليها

كم يُؤدّى غرمٌ ، وتُوفى ديونُ ؟

فوراء الغيوبِ لله أمرٌ

ولخيل المهديّ شوطٌ يحينُ !

فاتيما *

الاستاذ فرات الاسدي

صوتٌ يتصاعد في حنجرة الريح ، واُغنّيهْ

__________________

(*) أسم مشهد في البرتغال يأوي اليه الزمنى والمرضى والمعاقون في ليلةٍ خاصةٍ مشهودةٍ كل عام ، محمّلين بالنذور فيبرؤوا في صباحه.

٥٠

والنغم الخافقُ ينثالُ وئيداً

والشجر الخافقُ ينثالُ وئيداً

مزهواً بالصحو

وحبّات المطر المتساقطة ـ اللحظة ـ من وجه الشمسْ

صوتٌ يتصاعد ، والسربُ الموعودُ بأمنيّهْ

يتحاورُ في هَمسْ

يتنقّل في خطواتٍ لاهثة

فوق مدارج هذا الحُلْمْ ..

مَن حدَّث تلك الأرواح الظامئة الحيرى ؟

أنَّ نهاراً يُولَدُ ، يمتدُّ

يرفُّ حماماتٍ من أجنحة اللَّهفهْ

مَن أودع في دمها السِرّا ؟

مَن أومأ للنور وسافر خلفهْ ؟

مَن فجّر في هذي الأرض الخزفية

ينبوعَ الزهراءْ ؟

مَن نضّر ذاكرةَ الأسماء ؟!

صوتٌ يتصاعد في النبع وئيداً ..

يتهيّأ للُّقيا

ويُعوِّذُ في سرّ قرارته شبَحاً أبيضْ

عن نهرٍ نبويٍّ يَرفَضّْ

غدراناً من دمع يتفيّا

فيه الواديْ

ويُسرِّبُ عاشوراء إلى كلّ بلادِ !

.. سوف يمرُّ على العاهات فيُبرئُها ..

٥١

سوف يلملمُ من كلمات الفقراء براءتها ،

والمجذوبينْ

يمسحُ عنهم وجعاً وحنينْ

وسيحمل بين يديه نذورهم القرويّة

للربّ ، وللوجه القادم من عبق الشرقْ

.. يحمل ذكرى أبديّهْ

يا وجهاً يُوقظ في

الغابات نضارتها ، والبحر عواصفَهُ

مُرَّ على هذا الزمن المجدورْ

يا حُلماً بالوَهَج الدافقِ مضفورْ

يا حلُماً من نورْ

« فاتيما » تقتربُ الآن ..

وينكسرُ البلّورْ !

عن تربته بدمٍ منحورْ

يهَبُ الثورة والخصبَ بذورهما ،

يُطلقُ في الأرضِ الفرح المأسور !

« فاتيما » تقترب الآن ..

وينكسرُ البلّورْ

تندلق الفرحة في الطرقات وفي الدور :

فاتيما

فاتيما

يا حُلُماً ممطور !

صوتٌ ينزف :

كان هنا ظلٌّ يحمل خطوتها ..

٥٢

يُشبه مشيتَها ،

كان هنا ..

غادرت الأشياء جبلّتها ،

جاءت راكضةً

تهديها الورد الغضّْ

وتحيّيها

تمشي خلف خطاها تِيْها

والأطفال تُناديها :

فاتيما

يا مطراً أخضر

فاتيما

يا مصراً أخضر

صوتٌ يشهد :

هذا العالم مسكون بالخيبهْ ..

بأجنّته النوويّة والغثيانْ

حدَّ الرهبهْ !

مسكون بالحقد الكافر والآلاتْ

تقطع أعناق الكلماتْ

تنفخُ في قنديل الروح صفيَر الظلمات !

والإنسانْ

حَنّط حُبَّهْ

زجَّجَهُ في دَنَسِ الرَّغبهْ !

صوتٌ يهتفُ :

يا فاتيما :

٥٣

مُدّي للبحر نوافذهُ

وَدَعي أحزان الأشرعة الاولى

تنسربِ الآنَ مُغادرةً

من رئة الإعصار العاتي

فالبحر مواتيْ

يا فاتيما :

يا لُغة الطوفان الآتي !!

الملكوت الزاهر

الاستاذ محمّد سعيد الجشي

صلّى الإله على البتول وآلِها

من تخضع الأملاك عند جلالِها

الطهر فاطمة سليلة ( أحمد )

من يشرق الإعجاز في أقوالها

ما قورنت شمس الضحى بسنائها

إلاّ تسامت رفعة بكمالها

هي شعلة من ( أحمد ) وضاءة

والشمس تمنح ضوءها لهلالها

ما نالها غير ( الوصي ) لأنّه

ورث المكارم من أجل رجالها

فاق الأنام مناقباً وفضائلاً

رُدت إليه الشمس بعد زوالها

* * *

ما أعظم ( الزهراء ) درّة عصمة

قد عمّ هذا الكون فيض نوالها

قد أزهر الملكوت من أنوارها

وسما رواق المجد تحت ظلالها

نبوية الأعراق طيبة الشذى

عطر الجنان يضوع من أذيالها

الله شرّفها وعظّم شأنها

وإمامة الإسلام في أنجالها

سادت نساء العالمين بفضلها

وبطهرها وفخارها ومقالها

٥٤

هي شعلة للحق ناطقة به

يزهو الهدى بيمينها وشمالها

الكوثر العذب الطهور بنطقها

نبع الهدى ينساب من سلسالها

شبه ( الرسول ) شمائلاً وخلائقاً

ما ( مريم ) في الفضل من أمثالها

مَن ذا يماثلها ( ففاطم ) علّة

يهمي سحاب الفضل من أفضالها

* * *

ما كان يشبهها بنهج خصالها

إلاّ وريثة نهجها وخصالها

هي ( زينب ) من أشعلت بخطابها

قبساً يضيء على مدى أجيالها

قد ورثتها كل فضل باذخ

ولذا سمت كالشمس في أفعالها

في مولد الزهراء

الاستاذ محمود مهدي

تجلّت شمس هدي في ضحاها

وأشرقت المعالم من سناها

وفي دلج السُّرى الحادي تغنى

بمولدها ، وفيها الكون باهى

فلا تحف السؤال خلاك ذمٌ

عن الشمس التي الحادي عناها

وشعشع نورها في كلّ منحىً

وطوّق فسحة الدنيا صداها

* * *

هي الريحانة الذاكي شذاها

لسر الطهر مولاها اصطفاها

هي الكنز المصون لكلّ جيلٍ

من الإعجاز بارينا براها

هي المشكاة مشكاة الدراري

هي القديسة السامي علاها

هي الفحوى لقاموس المعالي

هي الزهرا البتول فتاة طه

وأيم الله لا تعطى صفات

كهذي من بني الدنيا سواها

يضيق الوصف عن حصر المعاني

التي فيها مكوّنها حباها

فمن حقّ المعالي ان تباهى

ببنت كان هادينا أباها

٥٥

وقفتُ وفي حلقي شجىً

السيد مدين الموسوي

وقفتُ على قبر النبي وأعيُني

تكاد بأن تأتي عليها دموعُها

وارخيتُ أجفاني لتسكُبَ عبرةً

تفجَّر من أرض العراق نقيعها

بكيتُ بها حزناً لآل محمّدٍ

وقد راعني في كلّ أرض مضيعُها

لماذا عفت منهم قبور وغيرهم

تلألأُ نوراً بالنعيم شموُعها

لماذا خَبَتْ منهم شموس وغُيّبتْ

بدورٌ مع القرآن كان طلوعها

وقفتُ وفي حلقي شجىً يستفزّني

وقد هُدَّ من تلك العماد رفيعها

اُسائلها الزهراء كيف تهشّمتْ

عشية خلف الباب عمداً ضلوعها

اُسائل عن نارٍ ببابك لم تزَل

تُحرّق أكباداً تضرّى صديعها

اُسائل عن أرضٍ وقد ضمَّ تُرابها

طهارة اجداثٍ عبيراً تضوعها

فما راعني إلاّ صدىً جاوبَ الصدى

وقد صُمَّ من تلك القلوب سميعها

هي الآن قاعاً صفصفاً غير أنّها

تُحشّدُ أملاك السماء ربوعها

سلاماً أبا الزهراء إنّ عصابة

توالت على إيذاك ساء صنيعها

وأنّ يداً اعفتْ قبوراً بطيبَةٍ

وباسمك بعد الله زال خنوعها

لها من اكفّ سالفات وراثة

غداة أحاطت بالحسين جموعها

وأنَّ اَكُفّاً اضرمت باب حيدرٍ

بنارٍ وللزهراء راحت تروعها

هي الآن تمري الضرع سُمَاً تدوفه

فتقطر من حقد علينا ضروعها

تبادلنا كأساً بكأسٍ نقيعةٍ

فنسكرها حُبّاً ويطغى نقيعها

لقد رويت منّا دماءً ولم يزل

يُطارد أشلاء الملايين جوعها

وقد قطعت منّا رؤوساً كريمةً

وقد اضرمت ناراً ترامى وسيعها

فمنّا بكوفان اُبيحت حرائرٌ

وبغدادُ ما زالت تسيل صدوعها

وفي كربلا حيث الزمان تفصّمتْ

عراه وقد جلّى السماء صديعها

وفي أرض فخٍّ لا تزال جماجم

معلّقة مالت عليها جَذوعها

٥٦

وقد حسبَتْ انّا إذا السيف حُكّمَتْ

قواعده فينا تطول قطوعها

وقد حسبَتْ انّا إذا غاب بعضنا

واخلى لها درباً يسود جميعها

وما علِمَتْ انّا بقيّة صرخة

تردّد في صُمِّ الزمان رجيعها

وانّا غراس ثابتات بأصلها

وقد ناطحت هام السماء فروعها

عزاءً أبا الزهراء لستُ معزّياً

سواك بمَن يوم الحساب شفيعها

بامّة ظلم اجمعتْ فيك رأيها

وعنك تخلّى جلفها وقطيعها

وطال بوجه الله عمْداً وقوفها

وفي حضرة الشيطان دام ركوعها

غداة أزاحت عن علاها عليّها

ورُفِّع من جهلٍ عليها وضيعها

وراحت تكافيك الصنيع فتارة

بنار واُخرى سُمُّها ونقيعها

وفي كربلا لم تُبق منك بقيّةً

ليفنى عليها شيخنا ورضيعها

واخرى وقد لاحت لآلك قبَّةٌ

يُلامِس أبراج المساء سطوعها

عفَتها لتعفي نورها وسموَّها

وقد خاب ، إلاّ تطولَ ، صنيعها

عزاءً أبا الزهراء في كل بقعةٍ

تساوى عليها طفُّها وبقيعها

سيدة النساء

السيد مدين الموسوي

ارى على بوابة السماءْ

ملائكاً تهبط للأرض على حياءْ

تلامس التراب في حفيفها وتفرش الضياء

أسمع في موكبها همهمة الوحي وصوتاً يشبه البكاءْ

فتعتريني رعشة الخشوعْ

ويخفق القلبُ فما تكاد أن تمسكه الضلوعْ

أغرق في دوامة الدموعْ

٥٧

وأقرأ الأشياءْ

أقرؤها بلا حروف أو نقاط تكشف الأسماءْ

أقرأ في القلب وفي العيون في ارتعاشة الدماءْ

نوراً به تحتفل الأرض ، فتنجابُ له السماءْ

أقرؤها فاطمة الزهراءْ ، فاطمة الزهراءْ

أطهرُ مَن يمشي على الأرض ، ومَن يمرُّ في الأجيالْ

أكرمُ مَن تحمد في خصالها الخصالْ

أعظم مَن يعظمُ في تعظيمه الكمالْ

أفضل مَن تحمل في ظهورها الرجالْ

سيدة النساءْ

بوابة الجنة يوم يوضع الميزان للجزاءْ

ربيبةُ العصمة والجمالْ

حليلة الإمامْ

شريكة الهمّ الذي ناءت به الجبالْ

كريمة الكرامْ

فلتفخر النساءْ .. بأن فيها أصبحت فاطمة الزهراءْ

ولتفخر الرسلْ .. والبيت والدعاءْ

لمّا تطوف حوله فاطمة الزهراءْ

وليفخر المقدسُ والإسراء .. لما ترى أنواره فاطمة الزهراءْ

وليفخر الكون الذي يضاءْ .. بطلعة الزهراء ،

فإن فيها رحمة السماءْ

تاب بها آدمُ من عصيانه

وكفّرت سوأتها حواءْ

٥٨

نهج الكوثرية

الشيخ محمّد حسين الانصاري

يا أوّل نور قد صوّرْ

وبه كلّ نبيّ بشّرْ

إنّا أعطيناك الزهرا

إنّا أعطيناك الكوثر

أبناءُ الزهراء نجومٌ

إذ قيل لشانئك الابتر

فهم أوّل مَن قد صلّى

أوّل من هلل أو كبّر

الجنّة أكبر من وصف

وفواكهها حُسناً أكبر

والزهرا فاكهة منها

ولذا فيها سحر يؤثر

والشعر علا بمدائحها

لا يُذكر شيءٌ إن تُذكَر

أنوارُ مدائحها تطغى

حتى في الصبح إذا أسفر

وعبير مدائحها يذكو

حتى في المسك أو العنبر

ورقيق مدائحها حرٌّ

لسواها بالملك فلا قر

وجمال مدائحها يبدو

كجمال الروض إذا أزهر

كالورد الأحمر إذ يبدو

يجلس في محراب أخضر

وإذا ما شئتَ لها وصفاً

فالنور لها أقرب مصدر

ولذا في المحشر لا تبدو

حتى بالغضّ لنا يؤمَر

فسنا برق الزهرا سحرٌ

يخطَفُ ألباب ذوي المحشر

ويكاد سنا برق الزهرا

يذهب بالأبصار إذا مر

وربيع مدائحها فيضٌ

من جنبات العرش تحدّر

وبه أرض الشعر ستنمو

وسماوات الشعر ستكبر

وتكاد سماوات الشعراء

بمدح الزهرا تتفطَّر

الزهرا مشكاة فيها

مصباح يا حُسن المنظر

والمصباح إذا ما يبدو

في نور زجاجته مُغمَر

دريٌّ كوكبها يعلو

وبه نور الله تكوّر

٥٩

يوقَد من زيتونة خيرٍ

وله الله لهذا استأثر

ويكاد الزيت يضيءُ ولو

لم تمسسهُ النار فيؤمَر

نور في نورٍ يتجلّى

سبحان الله إذا صوَّر

قد قال لها الهادي قولاً

حسبي هذا وبه أفخر

الباري يرضى لرضاها

وبذا حتى الشانئ قد قر

ويُكنّيها اُم أبيها

وتُخَصّ بآياتٍ أكثر

ويُقبِّل حبّاً إكراماً

يدَها والأمر هنا أبهر

فالهادي لا ينطق هجراً

لا يفعل إلاّ ما يؤمَر

قطوف طوبى

السيد مسلم فاخر الجابري

النور فاض بمكةٍ فأضاءَ‌ها

فلتنسج البطحاء منه رداءَ‌ها

والكعبة الغراء يغسل وجهها

بالعطر ما ساقى الهوى بطحاء‌ها

قمر السماء أطلّ من عليائه

وهفا إليها لاثماً علياءها

ما كوكبٌ إلاّ وأوجع قلبه

شوق يهدهد بالجوى حصباءها

وتهافتت زهر النجوم برملها

فاختار قلب محمّد زهراءها

يا كعبة الله اهتفي وتعطّفي

حتى يزور العطر منكِ فِناءها

وتبرّجي فرحاً بزهرة دوحةٍ

باهت بها أرض الحجاز سماءها

أقسمتُ لو مدّتْ عليه غصونها

لكست بوارف ظلها صحراءها

ولسان واديها يروّى عذبه

دنيا تساقى الظامئين رواءها

والليل هل يدري سيخلع لونه

للنور لو لاقى هناك ذُكاءها

هذي الحجارة في شوامخ مكةٍ

خشعت وشاطرت السماء نعماءها

ولو أنّها استطاعت تذوب محبةً

لسعتْ يغيّر شوقها أسماءها

٦٠