دروس في البلاغة - ج ١

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في البلاغة - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٤

[وأكثرها] أي أكثر الكتب [للأصول] هو متعلّق بمحذوف يفسّره قوله : [جمعا (١)] لانّ (٢) معمول المصدر لا يتقدّم عليه والحقّ جواز ذلك (٣) في الظّروف لأنّها (٤) ممّا

______________________________________________________

(١) تمييز لنسبة أكثر إلى الضّمير المستتر فيه الرّاجع إلى القسم الثّالث ومحوّل عن الفاعل ، فالتّقدير القسم الثّالث أكثر جمع للأصول من الكتب المشهورة ، ثمّ الأصل والقاعدة متّحدان بحسب ما صدق عليه ومتغايران بحسب المفهوم تغايرا اعتباريّا فباعتبار أنّه موضع للمسألة قاعدة ، وباعتبار أنّ المسألة تفرّعت عليه أصل.

ثمّ إنّ المصنّف قد علّل كون القسم الثّالث أعظم نفعا بأمور ثلاثة :

الأوّل : كونه أحسنها ترتيبا.

والثّاني : كونه أتمّها تحريرا.

والثّالث : كونه أكثرها جمعا للأصول والقواعد.

ولا شكّ في أنّ الأمور المذكورة موجبة لا عظيمة النّفع به ، فإنّ الكلام إذا كان أحسن ترتيبا يكون أوضح في الدّلالة على ما هو المراد منه ، وما هو كذلك يكون أنفع لا محالة. وكذلك إذا كان أتمّ تحريرا إذ حينئذ لا يبقى المخاطب به متحيّرا في تشخيص ما هو زائد عن غيره ومتأمّلا في فهم ما له دخل في المراد فيكون أنفع أيضا ، وكذلك الأخير لأنّ أكثريّة القواعد مستلزمة لأعظميّة النّفع لا محالة.

لا يقال : إنّ كون الظّرف متعلّقا بالمصدر المحذوف باطل من وجهين :

الأوّل : إنّهم قد ذكروا أنّ المصدر لا يعمل محذوفا كما أنّه لا يعمل في المتقدّم.

الثّاني : أنّهم ذكروا أنّ ما لا يعمل لا يفسّر عاملا أيضا ، فقوله : «جمعا» كما أنّه لا يعمل المتقدّم وهو الظّرف كذلك لا يفسّر عاملا. وهو متعلّق الظّرف المحذوف.

فإنّه يقال : إنّ المقام إنّما هو من باب حذف العامل لا من باب عمل المحذوف. وإنّ ما ذكروه من أنّ ما لا يعمل لا يفسّر عاملا منحصر في باب الاشتغال وليس المقام منه.

(٢) علّة لقوله : «متعلّق بمحذوف».

(٣) أي جواز تقديم معمول المصدر عليه في الظّروف.

(٤) علّة لجواز تقديم معمول المصدر عليه لأنّ الظّروف ليست ممّا يحتاج إلى أن

٦١

تكفيه رائحة من الفعل [ولكن كان (١)] القسم الثّالث [غير مصون] أي غير محفوظ [عن الحشو (٢)] وهو الزّائد المستغنى عنه [والتّطويل (٣)] وهو الزّيادة على أصل المراد

______________________________________________________

يكون العامل فيها من الأفعال ، بل تكفيه رائحة من الفعل أي ما له أدنى ملابسة بالفعل كالمصدر فإنّه يدل على الحدث ، وهو أحد جزئي مدلول الفعل.

(١) استدراك عن وصف القسم الثّالث بالأوصاف السّابقة ودفع للتوهّم النّاشئ من وصفه بتلك الأوصاف فتوهّم أنّه لمّا كان أعظم ما صنّف نفعا لكونه أحسن ترتيبا وأتمّ تحريرا ... كان مصونا عن الحشو والتّطويل والتّعقيد فدفعه بقوله : «ولكن كان غير مصون عن الحشو والتّطويل والتّعقيد ...»

(٢) أي الحشو عبارة عن اللّفظ الزّائد في الكلام بحيث يستغنى عنه في إفادة أصل المراد. ثمّ الحشو بمعنى الزّائد المستغنى عنه في إفادة أصل المراد على ثلاثة أقسام :

الأوّل : أن يكون متعيّنا كقبله في قوله : أعلم علم اليوم والأمس قبله.

الثّاني : أن يكون غير متعيّن كما في قولك : أجد قوله كذبا ومينا ، فإنّ أحدهما لا على التّعيين زائد لكون كلّ منهما بمعنى واحد. ثمّ كلّ منهما يمكن أن يكون لفائدة أو لا.

والثّالث : كما في قولك : نعم الرّجل زيد ، فإنّ أصل المراد يؤدّى بأن يقال : نعم زيد ، إلّا أنّ في الإتيان بلفظ الرّجل فائدة ، وهي أوقعيّة الحكم في النّفس ، فإنّ الإيضاح بعد الإيهام يورث ذلك.

ثمّ في كلامه «وهو الزّائد المستغنى عنه» حيث لم يقل : الزّيادة المستغنى عنها ، إشعار بأنّ المصدر بمعنى اسم المفعول أي المحشو وهو وصف للقسم الثّالث.

(٣) وفي هذا الكلام أيضا إشعار بأنّ التّطويل بمعنى اسم المفعول أي المطوّل. ثمّ الظّاهر من كلام الشّارح أنّ النّسبة بين الحشو والتّطويل عموم مطلق ، والحشو أعمّ من التّطويل ، فكلّ تطويل حشو ، وبعض الحشو ليس تطويلا ، كما إذا كان الزّائد لفائدة ، وبعبارة أخرى أنّ الحشو مطلق ، والتّطويل مقيّد بكون الزّائد على أصل المراد بلا فائدة.

ومن هنا يظهر فساد ما ذكره بعض المحشّين : من أنّ مقتضى كلامه في المقام أنّ النّسبة بين الحشو والتّطويل هي التّساوي.

٦٢

بلا فائدة وستعرف الفرق بينهما (١) في باب الإطناب [والتّعقيد] وهو كون الكلام مغلقا (٢) لا يظهر معناه بسهولة [قابلا] خبر بعد خبر ، أي كان قابلا [للاختصار (٣)] لما فيه (٤) من التّطويل [مفتقرا] أي محتاجا [إلى الإيضاح] لما فيه من التّعقيد [و] إلى

______________________________________________________

(١) أي بين الحشو والتّطويل ، وملخّص الفرق بينهما : أنّ الزّائد في الحشو متعيّن كالرّأس في قوله : فأورثني تكلّمه صداع الرّأس ، إذ الرّأس زائد على التّعيين ، حيث إنّ الصّداع مغن عنه من دون العكس.

وفي التّطويل غير متعيّن كقولك : أجد قوله كذبا ومينا ، فإنّ كلّا من الكذب والمين بمعنى واحد فأحدهما زائد ، وليس في المقام ما يعيّنه ، فعليه النّسبة بينهما هي التّباين لكونهما طرفي النّقيض.

(٢) إشارة إلى أنّ التّعقيد بمعنى حاصل المصدر لا بمعناه الحقيقي أي جعل الكلام معقّدا لأنّه لا يناسب المقام ، حيث إنّ المصنّف في مقام بيان معايب القسم الثّالث ، والتّعقيد بمعناه المصدري وصف للفاعل لا للقسم الثّالث ، ثمّ كون الكلام مغلقا إمّا بسبب خلل في اللّفظ أو بسبب خلل في الانتقال فالتّعقيد على الأوّل لفظي وعلى الثّاني معنوي.

(٣) أي قوله قابلا للاختصار راجع إلى التّطويل.

(٤) راجع إلى التّعقيد والحشو أي كان القسم الثّالث غير مصون عن التّطويل إلّا أنّ تطويله كان قابلا للاختصار وغير محفوظ عن التّعقيد إلّا أنّ تعقيده كان مفتقرا ومحتاجا إلى الإيضاح وغير خال عن الحشو إلّا أنّ حشوه كان مفتقرا إلى التّجريد. وقد اختار المصنّف في جانب التّطويل لفظ الاختصار وفي جانب التّعقيد والحشو لفظ الافتقار كي يكون إشارة إلى أنّ الاحتراز عن التّعقيد والحشو أهمّ من الاحتراز عن التّطويل. وذلك لأنّ التّطويل لا يكون مفسدا للمعنى ولا موجبا لصعوبة فهمه بخلاف التّعقيد والحشو.

فإنّ الأوّل : موجب لصعوبة فهم المراد ، لخلل في اللّفظ أو الانتقال.

والثّاني : قد يكون مفسدا للمعنى كما سيأتي في محلّه.

وقدّم الاختصار على الافتقار للاهتمام به لأنّ مؤلّفه مختصر وملخّص للقسم الثّالث من المفتاح. ثمّ المراد بالاختصار ما يقابل التّطويل ليشمل الإيجاز والإطناب والمساواة فإنّ تلك الثّلاثة بأجمعها ليست من عيوب الكلام.

٦٣

[التّجريد] عمّا فيه من الحشو [ألّفت (١) جواب لمّا [مختصرا يتضمّن ما فيه (٢)] أي في القسم الثّالث [من القواعد (٣)] جمع قاعدة وهي (٤) حكم كلّي (٥)

______________________________________________________

(١) لا يقال إنّه كان على المصنّف أن يقول اختصرته بدل «ألّفت» مختصرا وذلك لوجهين : الأوّل : إنّ مؤلّفه مختصر للقسم الثّالث والمناسب لذلك أنّ يقول اختصرته.

والثّاني : إنّ اختصرته أوجز وأخصر من ألّفت مختصرا.

فإنّه يقال : إنّه اختار «ألّفت» للإشارة إلى أنّ همّه ونظره كان تأليف كتاب مشتمل على القواعد المذكورة في القسم الثّالث وعلى أشياء أخر استنبطها باجتهاده.

وكذلك إنّ قوله : «ألّفت ..» جواب لمّا في قوله «فلمّا كان علم البلاغة ...» فمعنى العبارة فلمّا كان علم البلاغة من أجلّ العلوم قدرا وكان القسم الثّالث من مفتاح العلوم أعظم ما صنّف ، ولكن غير مصون عن الحشو والتّطويل والتّعقيد ... ألّفت مختصرا.

(٢) أي أنّ مختصره يتضمّن ما في المفتاح أي يتضمّن معظم ما في القسم الثّالث وهو علم البلاغة وتوابعها فلا يرد عليه بعدم تضمّنه المباحث المذكورة في علم الجدل وعلمي العروض والقوافي ودفع المطاعن عن القرآن.

(٣) بيان لكلمة ما في قوله : «ما فيه».

(٤) تأنيث الضّمير في المقام إنّما هو باعتبار المرجع لانّ الضّمير إذا وقع بين المرجع والخبر المختلفين من ناحية التّذكير والتّأنيث كان إتيانه على طبق كلّ منهما صحيحا ، وقيل إنّ إتيانه على طبق الخبر أولى لكونه محطّا للفائدة.

(٥) لا يقال : إنّه لا يصحّ توصيف الحكم بالكلّي في قوله : «حكم كلّي» حيث جعل الحكم موصوفا بالكلّي. وذلك لأنّ الحكم معنى حرفيّ لا يكون إلّا جزئيّا حتّى فيما إذا كان موضوعه كلّيّا كما في قولنا : كلّ فاعل مرفوع ، فإنّ النّسبة الكائنة بين الطّرفين جزئيّة وإن كانا كلّيّين.

فإنّه يقال : إنّ توصيف الحكم بالكلّي من قبيل توصيف الشيء بحال متعلّقه وهو موضوعه فإنّ كلّيّة الحكم باعتبار كلّيّة موضوعه ، فالمعنى : وهي حكم على كلّي أي على موضوع كلّي «ينطبق» أي يشتمل ذلك الموضوع الكلّي على جميع جزئيّاته أي الكلّي ومعنى انطباقه : صدقه عليه ، وهو احتراز عن القضيّة الطّبيعيّة.

وهنا وجوه أخر في توجيه العبارة تركناها رعاية للاختصار.

٦٤

ينطبق على جميع جزئيّاته ليتعرّف (١) أحكامها منه (٢) كقولنا : كلّ حكم (٣) مع منكر يجب توكيده [ويشتمل على ما يحتاج إليه من الأمثلة (٤)] وهي (٥) الجزئيّات المذكورة لإيضاح القواعد ، [والشّواهد (٦)] وهي الجزئيّات المذكورة لإثبات القواعد فهي (٧) أخصّ من الأمثلة [ولم آل (٨)]

______________________________________________________

(١) اللّام في قوله : «ليتعرّف» للغاية والعاقبة.

(٢) أي حتّى يتعرّف أحكام الجزئيّات من حكم الموضوع الكلّي.

(٣) بأن يقال هذا الكلام مع المنكر وكلّ كلام مع المنكر يجب أن يؤكّد فهذا الكلام يجب أن يؤكّد.

(٤) بيان لكلمة ما وإشارة إلى أنّ الحشو والتّطويل في القسم الثّالث من ناحية كونه مشتملا على أمثلة وشواهد كثيرة لا يحتاج إليها والمختصر يشتمل على ما يحتاج إليه من الأمثلة فلا يكون فيه الحشو والتّطويل من ناحية كثرة الأمثلة والشّواهد.

(٥) أي الأمثلة عبارة عن الجزئيات الّتي تذكر لإيضاح القواعد وإيصالها إلى فهم المستفيد.

(٦) بأن تكون من التّنزيل أو من كلام العرب الموثوق بعربيّتهم.

(٧) أي فالشّواهد أخصّ من الأمثلة ، وتوضيح ذلك إنّ الأمثلة هي الجزئيات الّتي تذكر لإيضاح القواعد من أن تكون مقيدة بذكرها لغرض الإيضاح ، والشّواهد هي الجزئيات يستشهد بها لإثبات القواعد لكونها من التّنزيل أو من كلام العرب الموثوق بعربيّتهم من دون أن تكون مقيّدة بذكرها لغرض الإثبات فحينئذ تصبح الأمثلة مطلقة ، والشّواهد مقيدة حيث إنّها مشروطة بكونها من التّنزيل ، أو من كلام العرب الموثوق بعربيّتهم ، فالنّسبة بينهما حينئذ هي عموم مطلق ، ضرورة أن المقيّد أخصّ من المطلق إلّا أنّ الظّاهر من كلام الشّارح أنّ الأمثلة مقيّدة بذكرها للإيضاح والشّواهد مقيّدة بذكرها للإثبات فالنّسبة بينهما حينئذ هي التّباين لأنّه قد اعتبر في كلّ منها غير ما اعتبر الآخر.

(٨) عطف على قوله : «ألّفت» أو حال عن فاعله ومضارع معتلّ مبدوء بهمزة المتكلّم وما فيه إلّا كعلا وغزا. وكان اصله أألو كأنصر وزنا بهمزتين فقلبت الهمزة الثّانية ألفا ، لأنّه إذا اجتمعت الهمزتان في أوّل الكلمة والثّانية منهما ساكنة تقلب الثّانية مدّة من

٦٥

من الألو (١) وهو التّقصير (٢) [جهدا (٣)] أي اجتهادا ، وقد استعمل الألو (٤) في قولهم لا آلوك جهدا متعدّيا إلى مفعولين ،

______________________________________________________

جنس حركة ما قبلها وهي الفتح في المقام والمدّة الّتي من جنسها الألف وحذفت الواو للجازم فصار آل.

(١) بفتح الهمزة وسكون اللّام كالنّصر والقصر ، أو بضمّ الهمزة واللّام كالعنق والعلوّ.

(٢) وهو أي الألو بمعنى التّقصير أي التّواني والتّكاسل من قصر عن الشيء أو توانى عنه وتكاسل لا من قصر عن الشيء بمعنى عجز عنه لعدم مناسبة هذا المعنى للمقام.

(٣) بالضّم والفتح بمعنى الاجتهاد ، وعن الفرّاء : الجهد بالضّم بمعنى الطّاقة أي القدرة وبالفتح بمعنى المشقّة.

(٤) جواب عن سؤال مقدّر. وحاصل السّؤال أنّ كون آل مأخوذا من الألو بمعنى التّقصير مستلزم لأن يكون لازما غير متعدّ. فحينئذ قوله : «جهدا» إمّا حال من فاعله ، أي لم آل مجتهدا أو تمييز عن نسبته إلى فاعله أي لم آل من جهة الاجتهاد فيكون في المعنى فاعلا مجازيّا أي لم يقتصر اجتهادي ، أو منصوب بنزع الخافض أي لم آل في اجتهادي وكلّ هذه الاحتمالات لا يرجع إلى محصّل صحيح.

أمّا الأوّل : فلأنّ مجيء المصدر حالا سماعي إلّا فيما إذا كان نوعا من عامله نحو : أتاني سرعة وبطؤ ، فلا بدّ في غيره من الاقتصار على المسموع وعدم التّعدّي عنه.

وأمّا الثّاني : فلأنّ التّميّز المحول عن الفاعل لا بد أن يكون محوّلا عن فاعل حقيقيّ ، إذ لم يثبت في مورد كونه محوّلا عن فاعل مجازي والفاعل في المقام مجازيّ.

وأما الثّالث : فلأنّ كون الشيء منصوبا بنزع الخافض أيضا سماعيّ فلا يتجاوز عن الأمثلة المسموعة من العرب وما نحن فيه ليس منها.

والجواب أنّ الألو قد استعمل ههنا أي في قولهم : لا آلوك جهدا متعدّيا إلى مفعولين على طريق التّضمين بمعنى أنّ قولهم : آلوك قد ضمن معنى أمنعك المتعدّي إلى اثنين فلم آل في كلام المصنّف محمول على هذا الاستعمال لأنّ هذا الفعل إذا قرن بالجهد ونحوه لم يوجد في الاستعمال إلّا متعدّيا إلى مفعولين.

٦٦

وحذف (١) هاهنا المفعول الأوّل والمعنى لم أمنعك جهدا [في تحقيقه] أي المختصر يعنى (٢) في تحقيق ما ذكر فيه من الأبحاث [وتهذيبه] أي تنقيحه (٣) [ورتّبته] أي المختصر [ترتيبا أقرب تناولا] أي أخذا [من ترتيبه] أي ترتيب السّكّاكي أو القسم الثّالثّ إضافة للمصدر إلى الفاعل (٤) أو المفعول به [ولم أبالغ في اختصار لفظه (٥)

______________________________________________________

(١) أيضا جواب عن سؤال مقدر والتّقدير أنّ ألو في المقام ليس متعدّيا إلى مفعولين بل له مفعول واحد. وهو جهدا والجواب أنّ المفعول الأوّل حذف أي ترك بالمرّة لعدم كونه مقصودا بخصوصه بأن يراد بالكاف مخاطب معيّن وترك لإفادة العموم فالمعنى لم أمنعك جهدا أي لم أمنع أحدا جهدا.

(٢) إشارة إلى دفع ما يتوهّم من أنّ المختصر عبارة عن الألفاظ فلا يناسبه التّحقيق لأنّه عبارة عن إثبات المسألة بالدّليل والألفاظ لا تثبت بالدّليل فالتّحقيق شأن المعاني فقط. وحاصل الدّفع أن العبارة بتقدير مضاف كقوله «في تحقيقه» أي في تحقيق مدلوله من الأبحاث المذكورة فيه.

(٣) أي لم أمنعك جهدا في تحقيق المختصر وتنقيحه ، ثمّ الضّمير في «تهذيبه» راجع إلى المختصر من دون حاجة إلى تقدير مضاف لأن التّهذيب من أوصاف اللّفظحيث إنّه تخليص من الحشو الكائن فيه. ثمّ المراد من التّحقيق والتّهذيب هو إيراد أبحاث المختصر وألفاظه من أوّل الأمر محقّقة ومهذّبة بإصلاح ما في القسم الثّالث من التّطويل والحشو لا تحقيقه وتهذيبه بعد الفراغ من تأليفه ، كما يتخيّل من ظاهر العبارة.

(٤) قوله : «إضافة المصدر ...» إشارة إلى قوله : «أي ترتيب السّكّاكي» حيث يكون التّرتيب وهو المصدر مضافا إلى الفاعل ، وهو السّكّاكي ، أو المفعول به إشارة إلى قوله : «أو القسم الثّالث» حيث يكون المصدر مضافا إلى المفعول به لأنّ الضّمير في ترتيبه يرجع إلى القسم الثّالث. وعلى الأوّل يرجع إلى السّكّاكي.

(٥) أي المختصر وإضافة اللّفظ إلى الضّمير الرّاجع إلى المختصر من قبيل إضافة العامّ إلى الخاصّ ، فإنّ اللّفظ أعمّ من المختصر لأنّ المختصر عبارة عن خصوص الألفاظ الّتي رتّبها المصنّف على ترتيب خاصّ ، وإنما صرّح به مع كونه مفهوما من الاختصار حيث إنّه عبارة عن تقليل اللّفظ مع إبقاء المعنى دفعا لتوهّم كونه راجعا إلى المختصر باعتبار معناه.

٦٧

تقريبا (١)] مفعول له لما تضمّنه معنى لم أبالغ أي تركت المبالغة في الاختصار تقريبا [لتعاطيه] أي تناوله [وطلبا لتسهيل فهمه على طالبيه] والضّمائر (٢) للمختصر ،

______________________________________________________

(١) مفعول له أي علة لما تضمّنه «لم أبالغ» وهو تركت فكأنّه قال : تركت المبالغة في الاختصار تقريبا لتناوله وطلبا لتسهيل فهمه على طالبيه ولا يكون قوله : «تقريبا» مفعولا له وعلّة للنّفي ، لأنّ المفعول له هو ما فعل لأجله الفعل ، وعدم المبالغة ليس فعلا ، فلا معنى لجعل «تقريبا» مفعولا له له ، وأيضا لا يكون مفعولا له للمنفي وهو المبالغة ، لأنّ المعنى حينئذ أنّ المبالغة في الاختصار لم تكن للتّقريب والتّسهيل بل كان لأمر آخر كسهولة الحفظ ـ مثلا ـ وهذا ليس بمراد قطعا.

لا يقال :

إنّه لا حاجة إلى إدراج لفظ المعنى لاستقامة معنى العبارة من دونه ، إذ اللّفظ متضمّن لمعناه لا محالة ، ولازم ذلك أنّ يكون متضمّنا لما تضمّنه معناه أيضا ضرورة أن متضمّن المتضمّن لشيء متضمّن لذلك الشّيء ، فلو قال : «تقريبا» مفعول له لما تضمّنه «لم أبالغ» بإسقاط لفظ معنى لكان أخصر.

فإنّه يقال :

إنّ المعنى وإن كان صحيحا من دون إدراج لفظ المعنى إلّا أنّ في إدراجه فائدة مهمّة وهي الإشارة إلى أنّ (تركت المبالغة) ليس عين المعنى «لم أبالغ» ، كما يتوهّم في بادئ الرّأي ، بل إنّما هو لازمه حيث إنّ معنى لم أبالغ نفي المبالغة ويلزمه تركها. فالإدراج إنّما هو للاهتمام بتلك الإشارة لا لتصحيح المعنى حتّى يقال : إنّه صحيح من دون الإدراج.

(٢) أي الضّمائر الأربعة : أي في «لفظه» و «لتعاطيه» و «فهمه» و «طالبيه» كلّها راجعة إلى المختصر.

لا يقال :

إنّ طلب التّسهيل عين التّقريب ، لأنّ المراد «تقريبا لتعاطيه» هو تسهيل أخذ المسائل من عباراته فلا حاجة حينئذ لذكر التّسهيل بعد التّقريب.

فإنّه يقال : إنّ الأمر ليس كذلك إذ قد يقرب ما هو في غاية الصّعوبة فإذا لا يكون ذكر التّقريب مغنيا عن ذكر طلب التّسهيل.

٦٨

في وصف مؤلّفه بأنّه مختصر منقّح سهل المأخذ تعريض بأنّه لا تطويل فيه (١) ولا حشو ولا تعقيد كما في القسم الثّالث [وأضفت إلى ذلك] المذكور (٢) من القواعد (٣) وغيرها [فوائد عثرت (٤)] أي اطّلعت (٥) في بعض كتب القوم عليها أي على تلك الفوائد [وزوائد لم أظفر] أي لم أفز (٦) [في كلام أحد بالتّصريح بها] أي بتلك الزّوائد [ولا الإشارة إليها] بأن يكون كلامهم على وجه يمكن تحصيلها منه بالتّبعيّة

______________________________________________________

(١) راجع إلى قوله : «مختصر» ، و «لا حشو» راجع إلى قوله : «منقّح» ، و «لا تعقيد» راجع إلى قوله : «سهل المأخذ».

فمعنى العبارة حينئذ أنّ مؤلّفه مختصر ، أي لا تطويل فيه «منقّح» أي لا حشو فيه «سهل المأخذ» أي لا تعقيد فيه ، كما توجد هذه الأمور في القسم الثّالث من مفتاح العلوم حيث إنّه لا يخلو عن التّطويل والحشو والتّعقيد.

(٢) غرضه من ذكر المذكور وجعله مشارا إليه لقوله : «ذلك» أنّ المشار إليه في الحقيقة هي القواعد والأمثلة والشّواهد المذكورة في القسم الثّالث إلّا أنّ «ذلك» مفرد مذكّر لا يجوز أنّ يشار به إلى متعدّد ولكنه يجوز باعتبار التّأويل بالمذكور.

(٣) بيان للمذكور والمراد بقوله : «وغيرها» أي غير القواعد من الشّواهد والأمثلة.

(٤) «عثرت» من العثور بمعنى الاطّلاع على شيء من غير قصد.

(٥) وفي ذكر كلمة «بعض» حيث قال : «اطّلعت في بعض كتب القوم» إشارة إلى عزّة تلك الفوائد لأنّها لم تكن مذكورة وموجودة في جميع كتب المتقدّمين.

(٦) ما يحتاج إلى التّوضيح والبيان هو أمران :

الأوّل : أنّ في تعبير المصنّف عمّا أخذه من كتب القوم بالفوائد وعن مخترعات خواطره بالزّوائد احتمالان :

الأوّل أن تكون تسميتها بالزّوائد من باب التّواضع.

الثّاني : أن تكون من باب الفضل بأن يكون المراد أن مخترعات خواطره زوائد في الفضل على الفوائد الّتي أخذها من كتب المتقدّمين.

والثّاني : أنّ المفهوم بالتّبع ما لم يكن مقصودا من الكلام بل يستفاد منه تبعا لأمر آخر مثل كون أقلّ الحمل ستّة أشهر المستفاد من قوله تعالى :

٦٩

وإن لم يقصدوها [وسمّيته (١) تلخيص المفتاح] ليطابق اسمه معناه (٢) [وأنا أسأل الله] قدّم (٣) المسند إليه قصدا إلى جعل الواو للحال (٤)

______________________________________________________

(وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً)(١) وقوله تعالى : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ)(٢) فإنّه غير مقصود من الآيتين ، إذ المقصود في الأولى بيان تعب الأم في الحمل والفصال ، وفي الثّانية بيان أكثر مدة الفصال ، بل إنّما يستفاد منهما على نحو التّبعيّة ، فمراد المصنّف من قوله : «ولا بالإشارة إليها» إنّ تلك الزّوائد لا تستفاد من كتب القوم ولو على نحو التّبعيّة ، كما يستفاد اقلّ الحمل من الآيتين بعد ملاحظة مدلول إحداهما منضمّا إلى مدلول الأخرى.

(١) أي سمّيت المؤلّف بتلخيص المفتاح لأنّه تلخيص أعظم أجزائه ويكفي في تسميته تلخيص المفتاح أن يكون تلخيص معظم أجزائه فاندفع الاعتراض بأنّه إنّما هو تلخيص لبعضه.

(٢) أي ليطابق معنى اسمه العلمي الشّخصي وهو الألفاظ المخصوصة ، معناه الأصلي وهو التّنقيح والتّهذيب الّذين هما المعنى اللّغوي للتّلخيص فيكون معنى اسمه العلمي وهو الألفاظ المخصوصة الدالّة على المعاني المخصوصة مطابقا ومناسبا لمعناه الأصلي ، ووجه المناسبة أنّ هذه الألفاظ المخصوصة مشتملة على التّنقيح والتّهذيب فسمّيت هذه الألفاظ بالتّلخيص لاشتمالها عليه فالحامل للمصنّف على هذه التّسميّة تلك المناسبة ، كما أنّ الأفعال المخصوصة والأركان المخصوصة سمّيت بالصّلاة بمعنى الدّعاء لغة ، لاشتمالها عليه وليس المراد بقوله : «ليطابق اسمه معناه» أنّ ذات الاسم مطابق لمعناه إذ لا مناسبة بين حروف التّلخيص وبين الألفاظ المخصوصة أو التّنقيح.

(٣) أي لم يكتف بالضّمير المستتر المؤخّر حكما.

(٤) توضيح الكلام في المقام أنّ المصنّف قصد الجملة أعني : «وأنا اسأل الله» حالا على طريق التّنازع ، ليفيد مقارنة السّؤال لجميع ما تقدّم من التّأليف والتّرتيب والإضافة والتّسمية ، فإنّ فيه إشارة إلى غاية توجّهه إلى الله تعالى ، حيث إنّه سأل منه النّفع به عند كلّ فعل صدر منه ، فقدّم المسند إليه ليفيد الكلام هذا المعنى إذ لو لم

__________________

(١) سورة الأحقاف : ١٥.

(٢) سورة البقرة : ٢٣٣.

٧٠

[من فضله] حال من [أن ينفع به (١)] أي بهذا المختصر [كما نفع بأصله]

______________________________________________________

يقدّمه لكانت الواو للعطف ، لأنّ المضارع المثبت لا يقع حالا مع الواو كما قال ابن مالك :

وذات بدء بمضارع ثبت

حوت ضميرا ومن الواو خلت

وذات واو بعدها انو مبتدأ

له المضارع اجعلنّ مسندا

فعلى فرض كون الواو للعطف دون الحال يفوت ما قصد من إفادة مقارنة السّؤال لجميع ما تقدّم للإشارة إلى غاية توجّهه إلى الله تعالى هذا مع أنّه كان فيه عدم رعاية المناسبة بين الجملتين المعطوفتين ، لاختلافهما بالماضويّة والمضارعيّة.

نعم ، لو لم يأت بالواو لكان جعل قوله : «أسأل الله» حالا للأفعال المتقدّمة على نحو التّنازع ممكنا إلّا أنّه حينئذ لم يكن صريحا في الحالية ، بل كان ظاهرا في الاستئناف ، فقصدا لإفادة الكلام النّكتة المذكورة على نحو الصّراحة قدم المسند إليه وجعل الواو للحال.

فلا يرد عليه ما قيل : من أنّ تقديم المسند إليه على المسند الفعلي إذا لم يل حرف النّفي قد يأتي للتّخصيص وقد يأتي للتّقويّة ولا وجه لشيء منهما في المقام إذ لا حسن لقصر السّؤال عليه ، بل التّشريك في السّؤال حسن ليكون أقرب إلى الإجابة لاجتماع القلوب ، ولا حسن لتأكيد إسناد السّؤال إذ لا إنكار ولا تردّد فيه للسّامع.

وتقدّم الجواب عنه وملخّصه أنّ تقديم المسند إليه ، لقصد أن تجعل الجملة حالا ليفيد مقارنة السّؤال لجميع ما تقدّم من التّأليف والتّرتيب والإضافة والتّسمية ولا تحصل هذه النّكتة إلّا بإيراد الجملة الاسميّة مع جعل الواو للحال.

(١) أي حال من المصدر المؤوّل الواقع مفعولا ثانيا لقوله : «أسأل الله». فالمعنى أسأل الله النّفع به حال كونه كائنا من فضله.

ومن هنا يظهر دفع ما ربّما يتوهّم من أنّ «من فضله» متعلّق بقوله : «أن ينفع» فيرد عليه بأنّ ما وقع في حيّز كلمة أن لا يقدّم معموله عليها بالاتّفاق. وحاصل الدّفع أنّه حال له بعد تأويله بالمصدر لا معمول له ليلزم تقديم معمول الصّلة على الموصول.

٧١

وهو المفتاح أو القسم الثّالث منه (١) [إنّه (٢)] أي الله تعالى [وليّ ذلك] النّفع [وهو حسبي] أي محسبي (٣) وكافيّ (٤) [ونعم الوكيل (٥)] عطف إمّا على جملة

______________________________________________________

(١) لا يقال : إنّ جعل القسم الثّالث أصلا للمختصر صحيح ، وأمّا جعل المفتاح أصلا له فليس بصحيح ، إذ لا ربط له بالقسمين الأوّلين من المفتاح.

فإنّه يقال : إنّ جعل المفتاح أصلا للمختصر إنّما هو باعتبار أنّ أعظم أجزائه الّذي هو القسم الثّالث منه أصل فهو أصل له بواسطته. فكلّ ما كان جزؤه أصلا لشيء فالكلّ أيضا أصل له بهذا الاعتبار عند العرف سيّما إذا كان الجزء معظم أجزائه ، كما في المقام.

(٢) فيه احتمالان : الأوّل : أن تقرأ كلمة أنّ بالفتح فيكون حينئذ قوله : أنّه وليّ ذلك تعليلا إفراديّا لقوله : «أسأل الله» على تقدير لام الجرّ لأنّه وليّ ذلك.

الثّاني : أن تقرأ بكسرها فيكون قوله : وإنه وليّ ذلك حينئذ تعليلا مستأنفا بيانيا. وهو أنّ يكون الكلام جوابا عن سؤال سبب الحكم ، وهذا السّؤال وإن لم يصرّح به إلّا أنّه في ضمن الكلام المتقدّم. فإنّ قوله : «أنا أسأل الله» متضمّن لسؤال وهو لماذا سألت الله دون غيره؟ فقوله : «إنّه وليّ ذلك» جواب عن هذا السّؤال ، ثمّ قوله : «وليّ» فعيل بمعنى فاعل لا بمعنى مفعول ، فالمعنى حينئذ أنّه أي الله تعالى متولّي ذلك النّفع ومعطيه كما أنّه المتولّي لكلّ شيء ولا شريك له في شيء من الأمور.

(٣) إشارة إلى أمرين : الأوّل : إنّ الحسب في كلام المصنّف إنّما هو بمعنى اسم فاعل لا بمعنى اسم فعل بمعنى كفاني ، كما ربّما يتخيّل فإنّ الحسب في الأصل وإن كان اسم مصدر بمعنى الكفاية إلّا أنّه قد يستعمل اسم فاعل بمعنى محسب والمقام من هذا القبيل حيث استعمل بمعنى اسم فاعل.

الثّاني : إنّ الحسب بسكون السّين لا بفتحه ، فإنّ معناه بالفتح لا يكون مناسبا للمقام لأنّه حينئذ بمعنى الشّرافة بالآباء ، وما يعدّ من مفاخرهم فلا معنى لقصده هنا أصلا.

(٤) عطف تفسيري لقوله «محسبي» ، ثمّ مراده بقوله : «هو محسبي» إمّا كونه تعالى كافيا في جميع المهمّات الّتي منها إجابة هذا السّؤال ، وإمّا كونه تعالى كافيا في خصوص إجابة هذا السّؤال كما هو الظّاهر.

(٥) حمل الواو على العطف لأنّها الأصل فيه ، ولأنّه لو لم يحملها عليه لكان أمرها دائرا

٧٢

وهو حسبي والمخصوص محذوف ، وإمّا على حسبي (١) أي وهو نعم الوكيل فالمخصوص هو الضّمير المتقدّم على ما صرّح به صاحب المفتاح وغيره (٢) في نحو : زيد نعم الرّجل (٣) وعلى كلا التّقديرين (٤) قد يلزم عطف الإنشاء على الإخبار (٥)

______________________________________________________

بين حالتين : الأولى : أن تكون للاعتراض. والثّانية : أن تكون للحال. وكلّ منهما لا يمكن الالتزام به ، إذ الاعتراض لا يكون في آخر الكلام على مسلك المشهور ، ولا على قول من أجازه في آخر الكلام. وذلك لانتفاء النّكتة الّتي تدعو المتكلّم إليه. والحاليّة لا تناسب الجمل الإنشائيّة بل منعوا ذلك اتّفاقا على ما يظهر من مطاوي كلماتهم.

(١) إنّ الظّاهر من كلام الشّارح هو انحصار العطف في هذين ولا يصحّ العطف على قوله :

«أنا أسأل الله» ولا على قوله : «إنّه وليّ ذلك» وعدم صحّة العطف على الجملة الأولى فلوجهين : الأوّل : عدم الجامع بين المعطوف والمعطوف عليه.

والثّاني : إنها جملة حاليّة ونعم الوكيل جملة إنشائيّة ومقتضى العطف أن تكون الإنشائيّة حالا مع أنّ الإنشائيّة لا تقع حالا. أمّا عدم صحّة العطف في الجملة الثّانية فلأنّها معلّلة وهذه الجملة أعني «ونعم الوكيل» لا تصلح للتّعليل فتعيّن عطف قوله «ونعم الوكيل» على الجملة الأخيرة وهي «وهو حسبي» ثمّ العطف يمكن أن يكون على تمامها أو جزئها ، فعلى الأوّل يكون عطف الجملة على الجملة ، وعلى الثّاني عطف الجملة على المفرد ، ثمّ عطف الجملة على المفرد صحيح باعتبار تضمّن المفرد معنى الفعل والمخصوص بالمدح محذوف على الأوّل ، وهو الضّمير أعني «هو» على الثّاني.

(٢) إنّما نسب ذلك إلى صاحب المفتاح وغيره تنبيها على أنّه لم يرتضيه ، لأنّه خلاف ما ذهب إليه المشهور فإنّهم قائلون بأنّ المخصوص ليس بالضّمير المتقدّم ، بل المخصوص ، إمّا مبتدأ والجملة الإنشائيّة خبر له قدّمت عليه ، وإمّا خبر مبتدأ محذوف.

(٣) حيث يكون المخصوص بالمدح هو زيد المتقدّم على ما ذهب إليه صاحب المفتاح.

(٤) أي على تقدير أن تجعل جملة «نعم الوكيل» معطوفة على «هو حسبي» أو على «حسبي» وحده.

(٥) لأنّ الجملة المعطوفة إنشائيّة والجملة المعطوفة عليها خبريّة على كلا التّقديرين :

٧٣

مقدّمة

رتّب المختصر (١) على مقدمة وثلاثة فنون

______________________________________________________

أمّا على الأوّل فظاهر. وأمّا على الثّاني فلأنّ حسبي وإن كان مفردا لفظا إلّا أنه جملة خبريّة معنى لأنّه بمعنى محسبي وهو بمعنى يحسبني.

نعم قد وقع الخلاف بينهم في صحّة عطف الجملة الإنشائيّة على الإخباريّة وعدمها وتحقيق المرام في هذا المقام يحتاج إلى بسط الكلام المنافي للاختصار المقصود فتركنا بسط الكلام رعاية لما هو المقصود في المقام.

ومن يريد التّحقيق والتّفصيل فعليه أن يرجع إلى كتاب (المفصّل في شرح المطوّل) للمرحوم الشّيخ موسى البامياني رحمه‌الله.

نعم قد يقال : إنّ جملة «وهو حسبي «قد استعملت استعمال الجمل الإنشائيّة حيث أريد بها الثّناء على الله تعالى بأنّه هو الكافي أو يراد بقوله : «نعم الوكيل «الإخبار عن الله تعالى بأنه حسن الوكالة والقيام بشؤون العباد فحينئذ يرتفع الإشكال رأسا.

(١) أي «رتّب» المصنّف «المختصر على مقدّمة وثلاثة فنون» وقد اعترض على كلام الشّارح :

أوّلا : بأنّه قد جعل المقدّمة من المقصود مع أنّها خارجة عنه قطعا.

وثانيا : بأنّه قد جعل الخطبة خارجة عن المختصر حيث قال : «رتّب المختصر على مقدّمة وثلاثة فنون» مع أنّها جزء من المختصر يقينا ، لأنّ المختصر اسم لمجموع ما في الدّفّتين ، كما يدلّ عليه قوله فيما سبق افتتح كتابه بالحمد ، كيف ولو لم تكن جزء له للزم أن لا يكون المصنّف عاملا بالحديث المشهور من أنّ «كلّ أمر ذي بال لم يبدأ ببسم الله أو الحمد لله فهو أبتر» ، إذ لا شكّ أنّ تأليف الكتاب الخارج عنه الخطبة أمر ذو بال ، ولم يقع افتتاحه بهما ، بل وقع افتتاح الخطبة بهما.

ويمكن الجواب عن الأوّل : بأنّ المراد من المقصود مقصود الكتاب لا مقصود العلم ، وما تكون المقدّمة خارجة عنه إنّما هو مقصود العلم لا مقصود الكتاب لأنّه عبارة عن المقدّمة وثلاثة فنون ، فإذا لا غبار على ما ذكره الشّارح من تلك الناحية.

وعن الثّاني : بأنّ المراد بالمختصر ما هو المقصود منه على طريق ذكر الكلّ وإرادة

٧٤

لأنّ (١) المذكور فيه (٢) إمّا أن يكون من قبيل المقاصد في هذا الفنّ (٣) أو لا (٤)

______________________________________________________

أعظم أجزائه أو على طريقة حذف المضاف أي أعظم أجزاء المختصر ، فلا تكون الخطبة داخلة فيه لعدم كونها مقصودة بالذّات ، بل إنّما ذكرت بعنوان كونها مقدّمة لما هو المقصود في المختصر من المقدّمة والفنون الثّلاثة.

ثمّ التّرتيب المستفاد من قوله : «رتّب» إنّما هو بمعنى الاشتمال فمعنى العبارة حينئذ إنّ المصنّف جعل المختصر مشتملا على مقدّمة وثلاثة فنون ، فيكون التّرتيب متضمّنا لمعنى الاشتمال. وحينئذ لا حزازة في الإتيان بكلمة «على» فلا يرد عليه ما قيل : من أنّ التّرتيب لا يتعدّى بكلمة «على» الدّاخلة على نفس الأشياء الّتي وضع كلّ واحد منها في مرتبته ، فلا يصحّ أن تقول : رتّبت الكراسي على هذا الكرسي وذاك الكرسي.

(١) علّة للحصر المستفاد من قوله :

«رتّب المختصر على مقدّمة وثلاثة فنون» حيث إنّ كونه مسوقا في مقام تعداد أجزائه وتحديدها يفيد الحصر. فلا يرد أنّه لا معنى لدعوى الحصر ، لعدم ما يدلّ عليه من الطّرق المعروفة وغيرها.

(٢) من قبيل ظرفيّة الكلّ لكلّ واحد من أجزائه.

فإنّ المختصر عبارة عن الألفاظ المخصوصة والمذكور فيه : المقدّمة والقواعد وما يلحق من الشّواهد والأمثلة ، وجميع ذلك عبارة عن الألفاظ.

والقاعدة قضيّة كلّيّة يستنبط منها أحكام جزئيات موضوعها. والشّاهد عبارة عن الكلام الجزئي يذكر لإثبات القاعدة. والمثال عبارة عن القضيّة الجزئيّة الّتي تذكر لإيضاح القاعدة. والمقدّمة عبارة عن ألفاظ لها بما لها من المعاني ربط بالمقصود.

ومن ذلك يظهر أنّ ترتيب المختصر واشتماله على هذه الأمور من قبيل ترتيب الكلّ واشتماله على أجزائه لا من قبيل ترتيب الألفاظ واشتمالها على معانيها.

(٣) يراد به فنّ البلاغة وهو شامل للبديع من باب التّغليب.

ثمّ المراد من المقاصد ما يكون مقصودا بالذّات. وإلّا فالمقدّمة أيضا مقصودة في الفنّ لكنّها مقصودة بالتّبع لا بالذّات.

(٤) أي لا يكون من قبيل المقاصد.

٧٥

الثّاني (١) المقدّمة والأوّل (٢) إن كان الغرض منه الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد فهو (٣) الفنّ الأوّل وإلّا (٤) فإن كان الغرض منه (٥) الاحتراز عن التّعقيد

______________________________________________________

(١) أي ما لا يكون من قبيل المقاصد هي المقدّمة ، أخّرها في التّقسيم حيث قال : «إمّا أن يكون من قبيل مقاصد هذا الفنّ أو لا» ، فذكر ما يكون حاكيا عن المقدّمة مؤخّرا عمّا يكون عن المقاصد بالذّات لكونها في مقام اللّب مشتملة على أمر عدميّ ، بخلاف المقاصد ، والأحسن تقديم الوجودي على ما يشتمل على الأمر العدميّ ، فإنّ الوجود أشرف من العدم.

(٢) أي ما يكون من قبيل المقاصد.

(٣) أي الأوّل «الفن الأوّل» ، وحاصل الكلام في المقام أنّ المراد من قوله : «المعنى المراد» ما يكون زائدا على أصل مفهوم الكلام الّذي هو ثبوت شيء لشيء أو نفيه عنه ، من الخصوصيات والأغراض الّتي تدعو المتكلّم إلى أن يأتي بكلام خاصّ مناسب لها كردّ الإنكار ، فإنّه يدعو المتكلّم إلى أن يأتي بكلام مشتمل على التّأكيد ، والتّنبيه على البلادة فإنّه يدعوه إلى أن يذكر المسند إليه مثلا مع وجود قرينة تدل عليه.

والمراد من الخطأ في التّأدية الإتيان بكلام لا يكون مناسبا لغرضه ، كما إذا ساق مع المنكر كلاما خاليا من التّأكيد ، وكان غرضه ردّ إنكاره ، والمراد من الاحتراز عنه ترك الإتيان بكلام لا يكون مناسبا له ، كما إذا ساق مع المنكر كلاما مشتملا على التّأكيد. والمراد من الفن الأوّل هو (علم المعاني) وهو العلم الّذي يكون الغرض منه الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المراد. بمعنى أنّ من يعرف علم المعاني يقتدر على أن يأتي ـ مثلا ـ بكلام مشتمل على التّأكيد عند التّكلّم مع المنكر ، ويحترز دائما عن الإتيان بالخالي عنه لعلمه بان كلّ كلام ألقي إلى المنكر لا بدّ وأن يؤكّد.

(٤) أي وأن لا يكون الغرض منه الاحتراز المذكور.

(٥) أي ما كان الغرض منه الاحتراز عن التّعقيد المعنوي «فهو الفن الثّاني» أي علم البيان. ثمّ المراد من التّعقيد المعنوي كون الكلام معقّدا وغير ظاهر الدّلالة على المعنى المراد منه مجازا أو كناية لخلل واقع في انتقال الذّهن من المعنى الأوّل المفهوم منه بحسب اللّغة إلى المعنى الثّاني المقصود منه للمتكلّم ، فالفن الثّاني علم يكون الغرض منه الاحتراز عن التّعقيد المعنوي.

٧٦

المعنوي فهو الفنّ الثّاني وإلّا فهو الفنّ الثّالث (١) وجعل الخاتمة خارجة عن الفنّ الثّالث وهم (٢) كما سنبيّن (٣) إن شاء الله تعالى ولمّا انجرّ كلامه (٤) في آخر هذه المقدمة إلى انحصار المقصود في الفنون الثّلاثة ناسب ذكرها بطريق التّعريف العهدي بخلاف المقدّمة فإنّها لا مقتضى لإيرادها بلفظ المعرفة في هذا المقام فنكّرها وقال مقدّمة (٥) ، والخلاف في أنّ تنوينها للتّعظيم أو التّقليل ممّا لا ينبغي أن يقع بين المحصّلين (٦)

______________________________________________________

(١) أي وأن لا يكون الغرض منه الاحتراز عن التّعقيد المعنوي أو لا يكون الغرض منه الاحتراز أصلا ، بل إنّما هو مجرد تحسين للفظ وتزيينه فهو الفنّ الثّالث أي البديع.

(٢) جواب عمّا يقال :

من أنّ حصر ترتيب المختصر في الفنون الثّلاثة غير حاصر ، إذ من جملة أجزاء الكتاب هي الخاتمة فعلى الشّارح أن يذكرها ويقول : إنّ المختصر يشتمل على مقدّمة وثلاثة فنون وخاتمة.

والجواب :

إنّ جعل الخاتمة خارجة عن الفن الثّالث وهم ، بل الحقّ إنّ الخاتمة هي من الفنّ الثّالث فليست بخارجة عن الفنون الثّلاثة فحينئذ يكون الحصر صحيحا وحاصرا.

(٣) حيث يقول الشّارح في آخر الكتاب إنّ الخاتمة من الفنّ الثّالث.

(٤) أي كلام المصنّف «في آخر هذه المقدّمة ...» جواب عن سؤال مقدّر ، والتّقدير لماذا أتى المصنّف بالمقدّمة مجرّدة عن الألف واللّام؟ فقال مقدّمة وأتى بكلّ من الفنون الثّلاثة محلّى بها حيث قال الفنّ الأوّل علم المعاني ، الفنّ الثّاني علم البيان ، الفنّ الثّالث علم البديع.

وحاصل الجواب : إنّ المقدّمة لما لم يسبق من المصنّف ذكر لها ولو إشارة وكناية كان من حقّها التّنكير ، لعدم مقتض لتعريفها حينئذ ، هذا بخلاف الفنون الثّلاثة فحيث إنّها مذكورة في آخر المقدّمة عند التّكلّم حول وجه انحصار علم البلاغة بها كان اللائق بها التّعريف بطريق التّعريف العهدي.

(٥) أي هذه مقدّمة لأنّ الأصل في الأسماء التّنكير.

(٦) والخلاف المذكور لا ينبغي أن يقع بين المحصّلين لوجهين : الأوّل : إنّ شأن المحصّلين الاشتغال بالمهمّات والبحث في كون تنوين المقدّمة للتّعظيم أو التّقليل ليس منها.

٧٧

والمقدّمة مأخوذة من مقدّمة الجيش (١)

______________________________________________________

والثّاني : لا فائدة لكون التّنوين للتّعظيم أو التّقليل إذ من نظر إلى صغر حجمها وقال : إنّ التّنوين للتّقليل ، ومن نظر إلى كثرة نفعها قال : إنّ تنوينها للتّعظيم. ثمّ الوجه المذكور مما لا فائدة فيه ، وذلك لصحّة اعتبارها بالاعتبارين المذكورين فيجمع بين القولين ويرتفع الخلاف من البين.

وقيل في وجه التّعظيم والتّقليل إنّ التّنوين للتّعظيم في خصوص هذه المقدّمة لأنّها فاقت المقدّمات باعتبار كونها مقدّمة لعلوم ثلاثة.

ووجه كونه للتّقليل أنّها مقتصرة على بيان الحاجة دون تعريف العلم وبيان موضوعه بخلاف غيرها من المقدّمات.

(١) أي هذه اللّفظة مأخوذة ومنقولة من مقدّمة الجيش الّتي هي معناها الحقيقي عرفا ، إلى معناها الاصطلاحي ، أو أنّها مستعارة منها له ، فالمراد من المقدّمة في قوله : «والمقدّمة مأخوذة» لفظها ، والمراد من مقدّمة الجيش معناها أي طائفة من الجيش تتقدّم عليه.

فحينئذ لا يرد ما قيل : من أنّه لا معنى لنقل اللّفظ المفرد عن المضاف واستعارته منه ، إذ لا بدّ من اتّحاد اللّفظ فيهما ، فلا بدّ أنّ يكون مراد الشّارح أنّ لفظ المقدّمة مأخوذة من لفظ مقدّمة الجيش بعد القطع عن الإضافة.

وجه عدم الورود أنّ الشّارح لم يقصد من مقدّمة الجيش لفظها حتّى يرد أنّه لا معنى لنقل لفظ المفرد عن المضاف بل أراد منها معناها. فمعنى كلامه أنّ لفظ المقدّمة منقول من طائفة من العسكر تتقدّم عليه إلى ما هو المراد منه اصطلاحا.

وكيف كان فلا بدّ من نقل الأقوال في المقدّمة. وقد نقل المرحوم العلّامة الشّيخ موسى البامياني رحمه‌الله فيها خمسة أقوال :

الأوّل : إنّها مستعارة من مقدّمة الجيش ، بمعنى أنّ لفظ المقدّمة الّذي هو حقيقة عرفيّة في طائفة من الجيش تتقدّم عليه قد استعمل في طائفة من الألفاظ الّتي تتقدّم على المقصود ، لكونها دالّة على معان مرتبطة به ، وتوجب زيادة البصيرة فيه بعلاقة المشابهة ، حيث إنّ تلك الطّائفة من الألفاظ تشابه طائفة من الجيش في التقدّم لغرض الانتفاع وزيادة البصيرة ، وهذا صريح كلام الزّمخشري في الفائق ، حيث قال : إنّ المقدّمة هي الجماعة الّتي تتقدّم

٧٨

الجيش من قدّم بمعنى تقدّم استعيرت لأوّل كلّ شيء ، فقيل مقدّمة الكتاب ، وفتح الدّال خلف ، انتهى مورد الحاجة.

الثّاني : إنّه منقول من مقدّمة الجيش ، بمعنى أنّه كان حقيقة عرفيّة في طائفة من الجيش تتقدّم عليه ، ثمّ نقل منها إلى طائفة من الألفاظ الّتي تتقدّم على الكتاب تعيينا أو تعيّنا. فعليه طرأ النّقل على لفظ المقدّمة مرّتين طولا أي نقل تارة من معناه الأوّلي وتارة أخرى من معناه الثّانوي لأنّه في الأصل اسم فاعل مشتقّ من قدّم بمعنى تقدّم ، وكان يصحّ إطلاقه على كلّ شيء ثبت له التقدّم ، ثمّ نقل عرفا إلى الاسميّة ، وجعل اسما لخصوص طائفة من الجيش تتقدّم عليه ، فالتّاء فيه للدّلالة على النّقل كالتّاء في الحقيقة.

وجه الدّلالة إنّ التّاء في الأصل للتّأنيث ، وهو فرع التّذكير وكذلك الاسميّة الطّارئة فرع الوصفيّة الأصليّة.

لا يقال : إنّ التّاء موجودة حال الوصفيّة أيضا لكون الموصوف في المقام مؤنّثا.

لأنّا نقول : يقدّر زوالها والإتيان بغيرها ، ثمّ نقل اصطلاحا من معناه العرفي إلى طائفة من الألفاظ الّتي تتقدّم على المقصود ، بخلاف ما إذا قلنا : بكونها مستعارة ، إذ طرأ النّقل عليه مرّة عرفا ، ثمّ طرأ عليه المجاز.

الثّالث : إنّ كلّا من مقدّمة الجيش ومقدّمة الكتاب منقول من اسم فاعل مشتقّ من قدّم بمعنى تقدّم ، يعني أنّ لفظ المقدّمة كان في الأصل اسم فاعل لقدّم بمعنى تقدّم ، ثمّ طرأ عليه النّقل عرفا واصطلاحا من معناه الوصفي إلى المعنيين الاسميّين ، أعني طائفة من الجيش وطائفة من الألفاظ ، كما يظهر من كلام المغربيّة حيث قال : قدّم وتقدّم بمعنى واحد ، ومنه مقدّمة الجيش ومقدّمة الكتاب ، فإنّ ظاهر هذا الكلام أنّ استعمال لفظ المقدّمة في مقدّمة الكتاب ليس متفرّعا على استعماله في مقدّمة الجيش ، وأنّ النّقل إليهما عرضيّ لا طوليّ.

الرّابع : إنّ لفظ المقدّمة منقول من اسم مفعول مشتقّ من قدّم المتعدّي والوجه فيه ظاهر ، فإنّ المصنّفين يقدّمونها أمام المقصود لتوقّف المسائل عليها ، وقد جوّز ذلك المحقّق الدّيواني حيث قال : ـ في تعليقته على التّهذيب ـ : المقدّمة : ـ بكسر الدّال وبفتحها ـ

٧٩

للجماعة المتقدّمة منها (١) من قدّم بمعنى تقدّم (٢) ، يقال مقدّمة العلم لما (٣) يتوقّف عليه الشّروع في مسائله

______________________________________________________

ما يذكر قبل الشّروع.

الخامس : إنّ لفظ المقدّمة منقول من اسم فاعل مشتقّ من قدّم المتعدي ، ولا ملزم لنا على أن نلتزم بكونه منقولا من اسم فاعل مشتقّ من قدّم بمعنى تقدّم ، لاستقامة المعنى وإن قلنا : بأنّ المشتقّ منه فعل متعدّ وذلك لأنّ هذه الطّائفة لاشتمالها على سبب التّقديم ، وهو الانتفاع بها في البصيرة قدّمت من يعرفها في فهم المطالب على من لم يعرفها ، لكون نسبة الأوّل إلى الثّاني كنسبة البصير إلى الأعمى.

ثمّ هذه الأقوال وإن كانت لا تخلو عن وجاهة إلّا أنّ الأوجه منها هو القول الخامس لكونه منبئا عن الاعتناء بشأن المقدّمة وزيادة المبالغة انتهى مع تصرّف ما.

(١) أي من الجيش وتأنيث الضّمير باعتبار تأويله بالطّائفة. والظّرف متعلّق بما هو خبر لمبتدأ محذوف والتّقدير لفظها ـ أي مقدّمة الجيش ـ موضوع عرفا للجماعة المتقدّمة من الجيش. ثمّ قوله : «مأخوذة» يمكن أن يكون بمعنى منقولة ، ويمكن أن يكون بمعنى مستعارة وإن كان الظّاهر هو الأوّل.

(٢) يمكن أن يكون إشارة إلى أنّ المشتقّ منه هو قدّم اللّازم لا المتعدّي لأنّ المباحث المذكورة متقدّمة لا مقدّمة لشيء آخر.

(٣) أي يطلق لفظ مقدّمة العلم على ما يتوقّف عليه الشّروع في مسائل العلم كبيان الحدّ والموضوع والغاية ، فمقدّمة العلم اسم للمعاني المخصوصة وهي معرفة حدّ العلم ومعرفة غايته ومعرفة موضوعه وذكر الألفاظ لتوقّف الإنباء عليها لا أنّها مقصودة لذاتها ومن هنا نعلم أنّ النّسبة بين مقدّمة العلم ومقدّمة الكتاب هي المباينة الكلّيّة لأنّ مقدّمة الكتاب كما ستعرف اسم للألفاظ المخصوصة.

وكيف كان ، فالمهمّ بيان وجه توقّف الشّروع على مقدّمة العلم أعني هذه الأمور أي معرفة الحدّ والغاية والموضوع وقبل الخوض في المقصود نقول : إنّ المراد بالمعرفة الإدراك المطلق الجامع بين الإدراك التّصوّري والإدراك التّصديقي ، وذلك لأنّ ما يتوقّف عليه الشّروع عندهم تصوّر العلم بحدّه والتّصديق بأنّ هذا موضوعه ، وذاك غاية مترتّبة

٨٠