دروس في البلاغة - ج ١

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في البلاغة - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٤

فإنّ فيه (١) مانعا من التّخصيص [وأمّا على تقدير الأوّل] يعني تخصيص الجنس (فلامتناع أن يراد أن المهر شر لا خير) لأنّ المهرّ (٢) لا يكون إلّا شرّا (وأما (٣) على) تقدير [الثّاني] يعني تخصيص الواحد [فلنبوّه (٤) عن مظانّ استعماله (٥)] أي لنبوّ تخصيص الواحد عن مواضع استعمال هذا الكلام (٦) ، لأنّه لا يقصد به إنّ المهرّ شرّ لا شرّان. وهذا ظاهر (٧)

______________________________________________________

(١) أي في قولهم : «شرّ أهرّ ذا ناب» مانع من التّخصيص فلا يقدّر فيه التّأخير ، بل يحمل على أن يكون شرّ مبتدأ من دون اعتبار التّأخير والتّقديم فيه ، وذلك لوجود مانع من تخصيص الجنس ، إذ المهرّ لا يكون إلّا شرّا ، فلا يكون السّامع متردّدا بين أن يكون المهرّ شرّا أو خيرا كي يقال : إنّه شرّ حتّى يفيد تخصيص الجنس ، هذا ما أشار إليه بقوله : «وأمّا على تقدير الأوّل» يعني تخصيص الجنس «فلامتناع أن يراد بالمهرّ شرّ لا خير» لأنّ المهرّ لا يكون إلّا شرّا ، وذلك لأنّ الهرير صوت الكلب غير نباحه المعتاد.

فإنّ للكلب نباحين معتاد وغير معتاد ، والأوّل يصدر منه عند إدراكه أمرا غريبا يسرّ صاحبه أو يضرّه ، والثّاني : ممّا جرّب أن صدوره عنه علامة إصابة صاحبه بمكروه وشرّ في المستقبل ، ولهذا يتطيّر به ، ومحلّ الكلام ليس إلّا شرّا محضا.

(٢) أي الصّوت الغير المعتاد لا يكون إلّا شرّا على ما عرفت ، لأنّ ظهور الخير للكلب لا يهرّه ولا يفزعه ، فلا معنى لنفي الخير حتّى يكون لتخصيص الجنس ، إذ الشّيء ينفى عن شيء إذا أمكن ثبوته له وإلّا خلا النّفي عن الفائدة.

(٣) أي وأمّا المانع عن التّخصيص على تقدير الثّاني أعني تخصيص الواحد «فلنبوّه» أي فلبعد هذا التّقدير الثّاني «عن مظانّ استعماله» أي استعمال قولهم : «شرّ أهرّ ذا ناب» لأنّه لا يستعمل عند القصد إلى أنّ المهرّ شرّ واحد لا شرّان ، وبعبارة أخرى : إنّه لا يستعمل لتخصيص الواحد.

(٤) مصدر نبا ينبو كمضى ، بمعنى البعد ، أي لبعده كما عرفت.

(٥) أي موارد استعمال قولهم : «شرّ أهرّ ذا ناب».

(٦) أي قولهم : «شرّ أهرّ ذا ناب».

(٧) من كلام القوم حيث قالوا : إنّ هذا ممّا قاله رجل حين نبح كلبه ، ثمّ صار مثلا

٤٠١

[وإذ قد صرّح الأئمّة بتخصيصه (١) حيث تأوّلوه (٢) بما أهرّ ذا ناب إلّا شرّ ، فالوجه] أي وجه الجمع بين قولهم بتخصيصه ، وقولنا بالمانع (٣) من التّخصيص [تفظيع (٤) شأن الشّر به بتنكيره (٥)] أي جعل التّنكير للتّعظيم والتّهويل ليكون المعنى شرّ عظيم فظيع أهرّ ذا ناب ، لا شرّ حقير ، فيكون تخصيصا نوعيّا ، والمانع إنّما كان من تخصيص

______________________________________________________

لقويّ أدركه العجز في حادثة ، وقالوا أيضا : إنّ مظنّة استعماله ما إذا كان المراد هو الإخبار عن فظاعة الحادث لا عن كونه واحدا لا اثنين.

وبعبارة أخرى : إنّ هذا الكلام أعني «شرّ أهرّ ذا ناب» إنّما يقال في مقام الحثّ على شدّة الحزم لهذا لشّرّ ، والتّحريض على قوّة الاعتناء به ، وكون المهرّ شرّا لا شرّين ممّا يوجب التّساهل وقلّة الاعتناء ، فلا يصلح قصده من هذا الكلام.

(١) أي بتخصيص هذا القول أي صرّح أئمّة النّحاة بالتّخصيص.

(٢) أي فسّروه بما أهرّ ذا ناب إلّا شرّ ، ومن البديهي أنّ ما النّافية وإلّا الاستثنائيّة تفيدان التّخصيص ، ثمّ يمكن أن يكون قوله : «وإذ قد صرّح الأئمّة ...» جواب سؤال مقدّر وهو أن يقال : لا نسلّم أنّه فيه مانع من التّخصيص ، كيف وقد صرّح أئمّة النّحاة بتخصيصه حيث تأوّلوه بما أهرّ ذا ناب إلّا شرّ.

وحاصل الجواب : إنّ تصريح الأئمّة لا ينافي وجود المانع عن التّخصيص ، وذلك لإمكان الجمع بين قولهم بتخصيصه وقولنا بالمنع من التّخصيص ، إذ المراد من التّخصيص في كلامهم هو التّخصيص النّوعي ، والمانع إنّما كان من تخصيص الجنس أو الواحد ، وقد أشار إليه بقوله : «فالوجه ...».

(٣) أي التّوفيق بين قول الأئمّة بتخصيص شرّ أهرّ ذا ناب ، قول السّكّاكي بعدمه لمانع.

(٤) التّفظيع من فظع الأمر ، بمعنى شدّة الشّناعة.

(٥) أي بسبب تنكيره ، أي الدّلالة على التّفظيع إنّما هو بسبب التّنكير ، فيصحّ قولهم : ما أهرّ ذا ناب إلّا شرّ ، أي إلّا شرّ فظيع ، أي عظيم لا شرّ حقير ، لأنّ التّقييد بالوصف نفي للحكم عمّا عداه كما هو طريقة بعض الأصوليّين «فيكون تخصيصا نوعيّا» لكون المخصّص نوعا من الشّرّ لا الجنس ولا الواحد «والمانع إنّما كان من تخصيص الجنس أو الواحد» وحينئذ لا منافاة بين قول السّكّاكي أنّ فيه مانعا من التّخصيص ، وبين كلام

٤٠٢

الجنس أو الواحد [وفيه] أي فيما ذهب إليه السّكّاكي (١) [نظر إذ الفاعل اللّفظي (٢) والمعنويّ] كالتّأكيد (٣) والبدل [سواء في امتناع التّقديم ما بقيا على حالهما] أي ما دام الفاعل فاعلا والتّابع. تابعا ، بل امتناع تقديم التّابع أولى (٤)

______________________________________________________

أئمّة النّحاة المفيد لوجود التّخصيص فيه ، لأنّ كلّ واحد ناظر إلى جهة ، فالأئمّة ناظرون إلى التّخصيص النّوعي ، وهو المصحّح للابتداء ، وهو غير متوقّف على تقدير التّقديم من إلى جهة ، فالأئمّة ناظرون إلى التّخصيص النّوعي ، وهو المصحّح للابتداء ، وهو غير متوقّف على تقدير التّقديم من إلى جهة ، فالأئمّة ناظرون إلى تأخير ، والسّكّاكي ناظر إلى تخصيص الجنس والفرد اللّذين لا سبيل لهما إلّا تقدير كون المسند إليه مؤخّرا في الأصل نقدّم ، كما في لدّسوقي.

(١) من دعوى السّكّاكي أنّ التّقديم لا يفيد التّخصيص إلّا إذا كان ذلك المقدّم يجوز تقديره مؤخّرا في الأصل على أنّه فاعل معنى فقط ، ومن أنّ رجل جاءني لا سبب للتّخصيص فيه سوى تقدير كونه مؤخّرا في الأصل ومن انتفاء تخصيص الجنس في قولهم : شرّ أهرّ ذا ناب.

(٢) أي كما في قولك زيد قام.

(٣) كالتّأكيد في قولك : أنا قمت ، والبدل في قولك : رجل جاءني ، فالتّأكيد والبدل مثال للفاعل المعنوي فقوله : «إذ الفاعل ...» ردّ لقول السّكّاكي «التّقديم يفيد الاختصاص» إن جاز تقدير كونه في الأصل مؤخّرا ... فإنّه يفهم منه أنّه يجوز تقديم الفاعل المعنوي دون اللّفظي.

وملخّص الرّدّ : هو عدم الفرق بين الفاعل المعنويّ واللّفظي ما دام الفاعل فاعلا ، فكما لا يجوز تقديم الفاعل اللّفظيّ لا يجوز تقديم الفاعل المعنوي.

(٤) أي أولى من امتناع تقديم الفاعل ، وجه الأولويّة :

أوّلا : أنّه إذا قدّم التّابع بدون المتبوع الّذي هو الفاعل ، فقد تقدّم على متبوعه ، وعلى ما يمتنع تقديم متبوعه عليه ، وهو الفعل فلامتناعه جهتان بخلاف ما إذا قدّم الفاعل ، فإنّ لامتناعه جهة واحدة ، وهي تقديمه على عامله.

وثانيا : إنّ التّابع لا يجوز تقديمه اتّفاقا ما دام تابعا ، بخلاف الفاعل فإنّه قد أجاز تقديمه بعض الكوفيّين.

٤٠٣

[فتجويز (١) تقديم المعنوي دون اللّفظي تحكّم] وكذا (٢) تجويز الفسخ في التّابع دون الفاعل تحكّم لأنّ (٣) امتناع تقديم الفاعل إنّما هو عند كونه فاعلا وإلّا (٤) فلا امتناع في أن يقال في نحو : زيد قام ، أنّه (٥) كان في الأصل قام زيد ، فقدّم زيد وجعل مبتدأ كما يقال في جرد قطيفة ، أنّ جردا كان في الأصل صفة ، فقدّم وجعل مضافا ،

______________________________________________________

وثالثا : إنّ الفاعل إذا فسخ عن الفاعليّة وقدّم ، يخلفه ضميره ، بخلاف التّابع فإنّه إذا قدّم لا يخلفه شيء ، واحترز المصنّف بقوله : «ما بقيا على حالهما» عمّا إذا فسخا ولم يبقيا على حالهما ، فإنّه لا امتناع في تقديمهما.

(١) أي فتجويز السّكّاكي تقديم الفاعل المعنوي مع بقائه على التّابعيّة دون اللّفظي مع بقائه على الفاعليّة «تحكّم» أي حكم بلا دليل ، أو ترجيح بلا مرجّح ، بل فيه ترجيح المرجوح على الرّاجح كما عرفت ، وكان الأولى للمصنّف أن يقول : فامتناع تقديم الفاعل اللّفظيّ دون المعنوي تحكّم.

(٢) هذا جواب عمّا يقال عن جانب السّكّاكي من الفرق بين الفرق بين التّابع ، أي الفاعل المعنوي وبين الفاعل اللّفظي. وحاصل الفرق هو جواز الفسخ عن التّابعيّة في التّابع وامتناع الفسخ عن الفاعليّة في الفاعل ، ولهذا قدّم التّابع ولم يقدّم الفاعل.

وحاصل الجواب : إنّ تجويز الفسخ في التّابع دون الفاعل اللّفظي تحكّم ، وحكم بلا دليل ، وذلك لعدم الفرق بينهما ، بل كلّ منهما يجوز فيه الفسخ والتّقديم لأنّ الفاعليّة غير لازم لذات الفاعل.

(٣) هذه العلّة ناظرة إلى المتن ، أي قوله : «فتجويز تقديم المعنويّ ...» أي «لأنّ امتناع تقديم الفاعل إنّما هو عند كونه» أي كون الفاعل فاعلا حال التّقديم.

(٤) أي وإن لم يكن المراد امتناع تقديم الفاعل حال كونه فاعلا ، فلا يصحّ لأنّه لا امتناع «في أن يقال في نحو : زيد قام ، أنّه كان في الأصل قام زيد ، فقدّم زيد وجعل مبتدأ» وجعل ضميره فاعلا بدله ، وهذا مثال لتقديم الفاعل بعد انسلاخه عن الفاعليّة ، وقوله : «كما يقال في جرد قطيفة ...» مثال لما إذا قدّم التّابع بعد انسلاخه عن التّابعيّة ، وجرد هنا مصدر بمعنى المفعول ، وهو بمعنى لا ريش له ، فأرض جرد ، أي لا نبت لها ، والمراد هنا بالفارسيّة (كهنه چادر) وبالعربيّة ثوب من القطن.

(٥) أي زيد قام كان في الأصل قام زيد.

٤٠٤

وامتناع (١) تقديم التّابع حال كونه تابعا ممّا أجمع عليه النّحاة إلّا في العطف في ضرورة الشّعر (٢) ، فمنع هذا (٣) مكابرة ، والقول (٤) بأنّ في حالة تقديم الفاعل ليجعل

______________________________________________________

(١) هذا ردّ لما يقال جوابا من جانب السّكّاكي ، وهو أنّ كون تجويز التّقديم في المعنوي دون الفاعل اللّفظيّ تحكّما ممنوع ، لأنّ التّابع يجوز تقديمه حال كونه تابعا ، بل واقع في قوله : (عليك ورحمة الله السّلام) فالمعطوف أعني قوله : ورحمة الله ، مقدّم على المتبوع ، أعني السّلام ، فيقاس عليه التّوكيد والبدل.

وحاصل ردّ الشّارح : إنّ النّحاة أجمعوا على امتناع تقديم التّابع ما دام تابعا في حال الاختيار ، وفي القول المذكور وقع لضرورة الشّعر ، وعلى هذا فمنع امتناع تقديم التّابع ما دام تابعا مكابرة.

(٢) كما في قوله : عليك ورحمة الله السّلام.

(٣) أي فمنع امتناع تقديم التّابع ما دام تابعا مكابرة.

(٤) هذا جواب وردّ آخر على من أجاب من جانب السّكّاكي ، فلا بدّ أوّلا من تقريب الجواب عن جانب السّكّاكي كي يتّضح الرّدّ ، فنقول : إنّ حاصل جواب البعض هو أنّ قولكم : بأنّ تجويز التّقديم في الفاعل المعنويّ دون اللّفظي تحكّم ممنوع ، فإنّه ليس بتحكّم ، وذلك للفرق بينهما ، لأنّ المعنويّ في الأصل تابع ، وتقديم التّابع ليجعل مبتدأ لا يلزم عليه محذور ، إذ غاية ما يلزم عليه خلوّ المتبوع عن التّابع ، ولا ضرر فيه ، ولذا قيل بجواز تقديمه ، بخلاف الفاعل اللّفظيّ ، فإنّ تقديمه ليجعل مبتدأ يلزم خلوّ الفعل من الفاعل وهو محال ، فنظرا إلى هذا الفرق بين الأمرين لا تحكّم في تجويز التّقديم في المعنوي دون اللّفظي.

وحاصل الرّدّ : إنّ القول بأنّ تقديم الفاعل ليجعل مبتدأ يستلزم محالا ، وهو خلوّ الفعل عن الفاعل «بخلاف الخلوّ عن التّابع» فإنّه ليس بمحال فاسد ، فقوله : «فاسد» خبر لقوله : «والقول بأنّ ...».

وجه الفساد : إنّ الخلوّ عن الفاعل في حالة التّقديم والتّحويل مجرّد اعتبار لا يلزم منه خلوّ الفعل عن الفاعل بحسب الواقع على أنّ في حالة التّقديم والتّحويل اعتبر في الفعل ضميره ، فلا يلزم خلوّ الفعل من الفاعل في حال من الحالات ، فلا فرق بين التّابع والفاعل في جواز الفسخ والتّقديم.

٤٠٥

مبتدأ يلزم خلوّ الفعل عن الفاعل وهو محال ، بخلاف الخلوّ عن التّابع فاسد ، لأنّ هذا (١) اعتبار محض. [ثمّ لا نسلّم (٢) انتفاء التّخصيص] في نحو : رجل جاءني [لو لا تقدير التّقديم لحصوله] أي التّخصيص [بغيره] أي بغير تقدير التّقديم [كما ذكره] السّكّاكي من التّهويل وغيره كالتّحقير والتّكثير والتّقليل ، والسّكّاكي وإن لم يصرّح بأن لا سبب للتّخصيص سواه (٣) ، لكن لزم ذلك من كلامه حيث قال : إنّما يرتكب ذلك الوجه البعيد (٤) عند المنكر لفوات شرط الابتداء (٥).

______________________________________________________

(١) أي تقديم الفاعل ليجعل مبتدأ اعتبار محض ، أو الفسخ المذكور ليس أمرا محقّقا بل أمرا اعتباريّا ، وبقاء الفعل بلا فاعل يندفع باعتبار المذكور مقرنا لاعتبار الفسخ ، فلا يلزم من تقديم الفاعل اللّفظيّ خلوّ الفعل عن الفاعل.

(٢) قوله : «ثمّ لا نسلّم ...» عطف على مدخول إذ ، بحسب المعنى ، كأنّه قال ، وفيه نظر ، إذ لا نسلّم جواز تقديم الفاعل المعنويّ «ثمّ لا نسلّم انتفاء التّخصيص» وفي نحو : رجل جاءني «لو لا تقدير التّقديم لحصوله» أي التّخصيص «بغيره» أي بغير تقدير التّقديم ، والحاصل إنّ هذا ردّ ومنع لقول السّكّاكي لئلّا ينتفي التّخصيص ، إذ لا سبب للتّخصيص سوى التّقديم.

وحاصل المنع : إنّ التّخصيص لا يتوقّف على التّقديم لحصوله بغيره «كما ذكره» أي حصول التّخصيص بغير التّقديم «السّكّاكي من التّهويل وغيره كالتّحقير والتّكثير والتّقليل» وغير ذلك ممّا يستفاد من التّكثير ، فيحصل التّخصيص بهذه الأمور كما يحصل بتقدير التّقديم ، فيمكن أن يقال : إنّ قولنا : رجل جاءني ، وإن كان مفيدا للتّخصيص ، إلّا أنّ التّخصيص ليس باعتبار تقدير التّقديم بل باعتبار التّهويل وغيره من الأمور كما ذكره السّكّاكي في كتابه في قوله : شرّ أهرّ ذا ناب ، حيث قال : إنّ التّخصيص مستفاد من التّهويل ، فالقول بانتفاء التّخصيص لو لا التّقديم غير مسلّم.

(٣) أي سوى تقدير التّقديم.

(٤) أي تقدير كونه مؤخّرا في الأصل على أنّه فاعل معنى ثمّ قدّم.

(٥) أي لفوات شرط الابتداء بالنّكرة لو لا التّخصيص والمستفاد من كلامه أنّ الشّرط للابتداء بالنّكرة هو التّخصيص ، وهو يفوت عند ارتكاب هذا الوجه البعيد أعني تقدير

٤٠٦

ومن العجائب أنّ السّكّاكي إنّما ارتكب في مثل رجل جاءني ذلك الوجه البعيد لئلّا يكون المبتدأ نكرة محضة ، وبعضهم يزعم أنّه عند السّكّاكي بدل مقدّم لا مبتدأ وانّ الجملة فعليّة لا اسميّة ، ويتمسّك في ذلك بتلويحات بعيدة من كلام السّكّاكي ، وبما وقع من السّهو للشّارح العلّامة في مثل زيد قام ، وعمرو قعد ، إنّ المرفوع يحتمل أن يكون بدلا مقدّما ، ولا يلتفت إلى تصريحاته بامتناع تقديم التّوابع حتّى قال الشّارح العلّامة في هذا المقام أنّ الفاعل هو الّذي لا يتقدّم بوجه ما. وأمّا التّوابع فتحتمل التّقديم على طريق الفسخ ، وهو أن يفسخ كونه تابعا ويقدّم ، وأمّا لا على طريق الفسخ فيمتنع تقديمها أيضا لاستحالة تقديم التّابع على المتبوع من حيث هو تابع فافهم.

[ثمّ لا نسلّم (١) امتناع أن يراد بالمهرّ شرّ لا خير] كيف (٢) وقد قال الشّيخ عبد القاهر قدّم شّرّ ، لأنّ المعنى أنّ الّذي أهرّ من جنس الشّرّ لا من جنس الخير.

______________________________________________________

كون المسند إليه مؤخّرا في الأصل على أنّه فاعل معنى ، ويفهم منه أنّه لا سبب للتّخصيص سوى اعتبار التّقديم في المنكّر ، وحاصل الرّدّ : إنّ التّخصيص لا ينحصر بذلك الوجه البعيد.

(١) هذا الكلام من المصنّف ردّ لما ادّعاه السّكّاكي من انتفاء تخصيص الجنس في نحو شرّ أهرّ ذا ناب. وملخّص الرّدّ : إنّ الهرير هو عبارة عن مطلق صوت الكلب ، والكلب يصوت تارة للشّرّ ، وأخرى للخير ، إلّا أن يقال : بأنّ المهرّ لا يكون إلّا شرّا ، فالحقّ حينئذ مع السّكّاكي ، ويمكن الجمع بين القولين بأنّ المراد من الهرير إن كان هو النّباح الغير المعتاد ، فلا يصحّ تخصيص الجنس لأنّه من علامات الشّرّ ، ولا خير فيه أصلا ، وإن كان المراد مطلق الصّوت يصحّ تخصيص الجنس.

(٢) أي كيف يكون تخصيص الجنس ممنوعا «وقد قال الشّيخ عبد القاهر قدّم شرّ ، لأنّ المعنى أنّ الّذي أهرّ من جنس الشّرّ لا من جنس الخير» وهذا الكلام منه صريح في تخصيص الجنس ، فيمكن أن يكون المهرّ خيرا بالنّسبة إلى صاحب الكلب لا بالنّسبة إلى الكلب نفسه.

هذا تمام الكلام في الجزء الأوّل من كتابنا (دروس في البلاغة) ويليه الجزء الثّاني إن شاء الله.

٤٠٧
٤٠٨

الفهرست

مقدّمة المؤلّف.......................................................................... ٣

الدّيباجة............................................................................... ٧

المقدّمة.............................................................................. ٢١

الكلام في البسملة.................................................................... ٢١

في بيان النّسبة بين الحمد والشّكر....................................................... ٢٧

شرح براعة الاستهلال................................................................. ٣٣

وجه التّسامح في قوله : «ما لم نعلم».................................................... ٣٥

حول كلمة أمّا بعد.................................................................... ٤٣

المراد من الاستعارة بالكناية............................................................. ٥٣

وجه أعظميّة النّفع بالقسم الثّالث....................................................... ٦١

بيان معاني القواعد والأمثلة والشّواهد.................................................... ٦٥

مقدّمة............................................................................... ٧٤

شرح معنى المقدّمة..................................................................... ٧٨

معنى الفصاحة........................................................................ ٨٣

معنى البلاغة......................................................................... ٨٦

الفصاحة في المفرد..................................................................... ٨٩

معنى التّنافر.......................................................................... ٩١

أقسام الحروف باعتبار أوصافها......................................................... ٩٤

وجه النّظر في أنّ الكلام المشتمل على كلمة غير فصيحة لا يخرج عن الفصاحة................ ٩٧

تفسير الغرابة......................................................................... ٩٩

تفسير المخالفة...................................................................... ١٠٣

معنى آخر للفصاحة في المفرد.......................................................... ١٠٥

٤٠٩

الفصاحة في الكلام.................................................................. ١٠٧

البحث حول قوله : «مع فصاحتها».................................................. ١٠٨

تفسير الضّعف..................................................................... ١١١

تفسير التّنافر....................................................................... ١١٢

تفسير التّعقيد....................................................................... ١١٦

معنى آخر للفصاحة في الكلام........................................................ ١٢٧

الفصاحة في المتكلّم.................................................................. ١٣٢

أقسام المتصوّر في الذّهن.............................................................. ١٣٤

أقسام الأعراض النّسبيّة.............................................................. ١٣٥

المراد من قوله : «بلفظ فصيح»....................................................... ١٣٧

ضبط مقتضيات الأحوال............................................................. ١٤١

الإيراد على قول المصنّف : «وارتفاع شأن الكلام ...».................................. ١٥٢

البلاغة بمعنى أنّه كلام بليغ........................................................... ١٥٦

أطراف البلاغة...................................................................... ١٦٠

البلاغة في المتكلّم................................................................... ١٦٦

مرجع البلاغة....................................................................... ١٦٨

الفنّ الأوّل علم المعاني............................................................... ١٧٦

إشكالان حول كلمة الفنّ............................................................ ١٧٦

تعريف علم المعاني................................................................... ١٧٧

انحصار أبواب علم المعاني في ثمانية أبواب............................................... ١٨٢

أقسام النّسبة....................................................................... ١٨٤

تعريف الخبر والإنشاء................................................................ ١٨٦

صدق الخبر وكذبه................................................................... ١٩٠

رأي الجمهور حول معنى الصّدق والكذب.............................................. ١٩١

رأي النظّام حول معنى الصّدق والكذب................................................ ١٩٢

رأي الجاحظ حول معنى الصّدق والكذب............................................... ١٩٧

الباب الأوّل أحوال الإسناد الخبريّ..................................................... ٢٠٥

٤١٠

تعريف الإسناد الخبريّ............................................................... ٢٠٥

قصد المخبر من إخباره............................................................... ٢٠٧

تنزيل المخاطب العالم منزلة الجاهل..................................................... ٢١٢

كيفيّة خطاب المخاطب الخاليّ الذّهن.................................................. ٢١٦

كيفيّة خطاب المخاطب المتردّد........................................................ ٢١٧

كيفيّة خطاب المخاطب المنكر........................................................ ٢١٨

إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظّاهر بجعل غير السّائل كالسّائل...................... ٢٢٣

أو غير المنكر كالمنكر................................................................ ٢٢٥

أو المنكر كغير المنكر................................................................. ٢٢٧

الإسناد الحقيقيّ والمجازيّ.............................................................. ٢٣٢

تعريف الإسناد الحقيقيّ العقليّ........................................................ ٢٣٤

أقسام الحقيقة العقليّة................................................................ ٢٣٦

تعريف المجاز العقليّ.................................................................. ٢٣٨

الأمثلة على المجاز العقليّ............................................................. ٢٤٣

أقسام المجاز العقليّ.................................................................. ٢٥٣

الأمثلة على المجاز العقليّ في القرآن الكريم............................................... ٢٥٦

لا بدّ في المجاز العقليّ من قرينة........................................................ ٢٦٠

كيفيّة معرفة حقيقة المجاز العقليّ....................................................... ٢٦٤

وجه إنكار السّكّاكي المجاز العقليّ..................................................... ٢٦٩

الردّ على رأي السّكّاكي............................................................. ٢٧٣

أحوال المسند إليه................................................................... ٢٨١

أمّا حذفه.......................................................................... ٢٨٢

للاحتراز عن العبث................................................................. ٢٨٣

أو تخييل العدول إلى اقوى الدّليلين..................................................... ٢٨٣

أو اختبار تنبّه السّامع عند القرينة...................................................... ٢٨٥

أو تأتّي الإنكار..................................................................... ٢٨٦

أو ادّعاء التّعيّن..................................................................... ٢٨٧

٤١١

أمّا ذكره فلكونه الأصل.............................................................. ٢٨٩

أو للاحتياط لضعف التّأويل على القرينة............................................... ٢٩٠

أو إظهار تعظيمه.................................................................... ٢٩١

أو استلذاذه........................................................................ ٢٩٢

او التّسجيل على السّامع............................................................. ٢٩٣

أمّا تعريفه فبالإضمار................................................................ ٢٩٤

أصل الخطاب....................................................................... ٢٩٥

تعريفه بالعلميّة...................................................................... ٢٩٧

لإحضاره بعينه...................................................................... ٢٩٨

حول لفظ الجلالة................................................................... ٣٠٢

أو للتّعظيم أو للإهانة................................................................ ٣٠٤

أو إيهام استلذاذه................................................................... ٣٠٧

أو التّبرّك به........................................................................ ٣٠٨

تعريفه بالموصوليّة لعدم علم المخاطب بالأحوال المختصّة به................................ ٣٠٨

لاستهجان التّصريح بالاسم........................................................... ٣٠٩

أو زيادة التّقرير...................................................................... ٣١٠

أو التّفخيم......................................................................... ٣١٣

أو الإيماء إلى وجه بناء الخبر........................................................... ٣١٤

ربّما جعل ذريعة إلى التّعريض بالتّعظيم لشأن الخبر........................................ ٣١٦

أو شان غيره........................................................................ ٣١٨

تعريفه بالإشارة بتمييزه أكمل تمييز..................................................... ٣١٩

أو التّعريض بغباوة السّامع............................................................ ٣٢١

أو تحقيره بالقرب.................................................................... ٣٢٢

أو تحقيره بالبعد..................................................................... ٣٢٣

أو للتّنبيه........................................................................... ٣٢٤

تعريفه بالألف واللّام................................................................. ٣٢٧

للإشارة إلى معهود................................................................... ٣٢٨

٤١٢

للإشارة إلى نفس الحقيقة............................................................. ٣٢٩

باعتبار عهديّته في الذّهن............................................................. ٣٣١

للاستغراق.......................................................................... ٣٣٦

أقسام الاستغراق.................................................................... ٣٣٩

لا تنافي بين الاستغراق وإفراد الاسم................................................... ٣٤٥

تعريفه بالإضافة لأنّها أخصر طريق..................................................... ٣٤٦

أو لتضمّنها تعظيما.................................................................. ٣٤٨

أو لتضمّنها تحقيرا................................................................... ٣٤٩

أمّا تنكيره فلأفراد................................................................... ٣٥٠

أو التّعظيم......................................................................... ٣٥١

أو التّكثير.......................................................................... ٣٥٢

من تنكير غيره للأفراد أو النّوعيّة...................................................... ٣٥٣

وللتّحقير........................................................................... ٣٥٤

أمّا وصفه.......................................................................... ٣٥٥

لكونه مبيّنا له...................................................................... ٣٥٦

أو لكونه مخصّصا................................................................... ٣٥٧

أو لكونه مدحا أو ذمّا............................................................... ٣٥٨

أو لكونه تأكيدا.................................................................... ٣٥٩

أمّا توكيده فللتّقرير................................................................... ٣٦٠

أو لدفع توهّم التّجوّز................................................................ ٣٦٢

أمّا بيانه فلإيضاحه.................................................................. ٣٦٣

أمّا الإبدال منه فلزيادة التّقرير......................................................... ٣٦٥

أمّا العطف فلتفصيل المسند إليه مع اختصار............................................ ٣٦٩

أو لتفصيل المسند................................................................... ٣٧٠

أو ردّ السّامع إلى الصّواب............................................................ ٣٧٣

أو صرف الحكم عن المحكوم عليه إلى محكوم عليه آخر................................... ٣٧٤

أو للشّك.......................................................................... ٣٧٦

٤١٣

أمّا فصله........................................................................... ٣٧٧

فلتخصيصه بالمسند.................................................................. ٣٧٨

أمّا تقديمه فلكون ذكره أهمّ........................................................... ٣٧٩

أو ليتمكّن الخبر في ذهن السّامع...................................................... ٣٨٠

أو لتعجيل المسرّة او المساءة........................................................... ٣٨١

أو لإيهام أنّه لا يزول عن الخاطر...................................................... ٣٨٢

قد يقدّم المسند إليه ليفيد التّقديم تخصيصه بالخبر الفعليّ.................................. ٣٨٢

وقد يأتي التّقديم للتّخصيص ردّا على من زعم انفراد غيره به............................... ٣٨٦

وقد يأتي لتقوّي الحكم............................................................... ٣٨٧

صور الوفاق والخلاف بين كلامي الشّيخين السّكّاكي وعبد القاهر في التّقديم............... ٣٩٢

الأقوال في قولهم : شرّ أهرّ ذا ناب.................................................... ٤٠٠

وجه أولويّة امتناع تقديم التّابع......................................................... ٤٠٣

وجه عدم انتفاء التّخصيص في نحو : رجل جاءني........................................ ٤٠٦

الفهرس............................................................................ ٤٠٩

٤١٤