دروس في البلاغة - ج ١

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في البلاغة - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٤

المسند إليه ، أو عن حمله (١) على معناه ، وقيل (٢) : المراد تقرير الحكم نحو : أنا عرفت (٣) ، أو المحكوم عليه (٤) ، نحو : أنا سعيت في حاجتك وحدي (٥) أو لا غيري (٦). وفيه نظر (٧) ، لأنّه ليس من تأكيد المسند إليه في شيء إذا تأكيد المسند إليه لا يكون لتقرير الحكم قطّ (٨) ، وسيصرّح المصنّف بهذا

______________________________________________________

بالمسند على المسند إليه أنّك تجوّزت ، أي نسبت المسند إلى غير ما هو له بأن غفلت عمّا هو له ، فوضعت غيره مكانه.

(١) الضّمير يحتمل عوده إلى السّامع ، وهو ظاهر ، فالمعنى حينئذ غفلة السّامع عن حمله المسند إليه على معناه. ويحتمل عوده إلى المتكلّم ، فالمعنى عندئذ : غفلة السّامع عن حمل المتكلّم المسند إليه على معناه ، فيؤكّد المسند إليه دفعا لتوهّم الغفلة والسّهو.

(٢) القائل هو العلّامة الشّيرازي في شرحه للمفتاح ، وحاصله أنّه ليس مراد المصنّف تقرير المسند إليه فقط ، بل تقرير الحكم أو المحكوم عليه الّذي هو المسند إليه.

(٣) لأنّ فيه تكرير الإسناد مرّتين ، لأنّ المعرفة أسندت إلى الضّميرين مرّتين ، فكأنّها ذكرت مرّتين في اللّفظ ، فحصل لها بذلك تقرير وتقوية.

(٤) أي تقرير المحكوم عليه من حيث إنّه محكوم عليه ، وإن كان تقرير الحكم أيضا ، غاية الأمر ليس تقرير الحكم إلّا بواسطة تأكيد المسند إليه.

(٥) في قصر الأفراد.

(٦) في قصر القلب ، فإنّ في كلّ منهما تأكيد للمحكوم عليه.

(٧) وحاصل وجه النّظر بناء على أنّ المراد من قوله : «أمّا توكيده» الاصطلاحي أنّه ليس في هذين المثالين تأكيد المسند إليه فضلا عن أن يكون لتقرير الحكم أو المحكوم عليه ، لأنّ «وحدي» حال و «لا غيري» عطف على المسند إليه ، وأمّا لو حمل التّأكيد هنا على ما هو أعمّ من التّأكيد الاصطلاحي ، بأن أريد مطلق تكرير المسند إليه ، فلا نسلّم وجود تأكيد المسند إليه في «وحدي» و «لا غيري» بل الموجود فيهما تأكيد التّخصيص المستفاد من تقديم المسند إليه.

(٨) لأنّ تقرير الحكم في نحو : أنا عرفت إنّما هو من تقديم المسند إليه المستلزم لتكرّر الإسناد ، لا من تأكيد المسند إليه ، وإلّا لما اختلف الحال بتقديم المسند إليه ، وتأخيره مع أنّه لو أخّر ، فقيل : عرفت أنا ، وعرفت أنت لم يفد تقرير الحكم أصلا.

٣٦١

[أو لدفع توهّم التّجوّز (١)] أي التّكلّم بالمجاز نحو : قطع اللّصّ الأمير الأمير ، أو نفسه أو عينه ، لئلّا يتوهّم أنّ إسناد القطع إلى الأمير مجاز ، وإنّما القاطع بعض غلمانه ، [أو] لدفع توهّم (٢) [السّهو] نحو : جاءني زيد زيد ، لئلّا يتوهّم أنّ الجائي غير زيد ، وإنّما ذكر زيدا على سبيل السّهو. [أو] لدفع توهّم [عدم الشّمول (٣)] نحو : جاءني القوم كلّهم أو أجمعون (٤)

______________________________________________________

وقد اعترض على ذكر «قطّ» بعد فعل المضارع ، بأنّ قطّ ظرف لما مضى ، لا لما يستقبل ، فلا يصحّ عمل المستقبل فيه ، فقول الشّارح إمّا خطأ أو محمول على المجاز ، بأنّ قطّ هنا ظرف المستقبل مجازا.

(١) أي لدفع توهّم المخاطب على المتكلّم التّكلّم بالمجاز ، نحو : قطع اللّصّ الأمير الأمير ، أو قطع اللّصّ الأمير نفسه أو عينه ، فالتّأكيد اللّفظيّ في المثال الأوّل والمعنوي في المثال الثّاني ، لئلّا يتوهّم أنّ إسناد القطع إلى الأمير مجاز ، وإنّما القاطع في الحقيقة بعض غلمانه. واعترض عليه بأنّ التّأكيد هنا إنّما يفيد دفع توهّم المجاز في المسند إليه بأن يراد بالأمير غيره ، كغلمانه ، وهذا لا يستلزم دفع التّجوّز في الإسناد ، إلّا أن يقال : إنّ دفع التّجوّز في الإسناد يفهم من ذلك عرفا.

(٢) أي توهّم المتكلّم أنّ السّامع ظنّ به سهوا ، فلا بدّ حينئذ من التّأكيد اللّفظيّ ، ولا يندفع هذا التّوهّم بالتّأكيد المعنويّ بخلاف توهّم التجوّز ، ولذا أتى هنا المثال من التّأكيد اللّفظي فقط.

(٣) قال الشّارح في المطوّل : إنّ ذكر عدم الشّمول إنّما هو زيادة توضيح وإلّا فهو من قبيل دفع توهّم التّجوّز ، لأنّ كلّهم مثلا إنّما يكون تأكيدا إذا كان المتبوع دالا على الشّمول ومحتملا لعدم الشّمول على سبيل التّجوّز ، وإلّا لكان تأسيسا ، انتهى.

ثمّ توهّم عدم الشّمول إمّا في المسند إليه أو في الإسناد ، وقد أشار الشّارح إلى الأوّل بقوله : «إلّا أنّك لم تعتدّ بهم» وإلى الثّاني بقوله : «أو أنّك جعلت».

(٤) ربّما يجمع بين كلّ وأجمعون بحسب اقتضاء المقام كقوله تعالى : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ)(١) بناء على كثرة الملائكة ، واستبعاد سجود جميعهم مع تفرّقهم واشتغال كلّ بشأن.

__________________

(١) سورة ص : ٧٣.

٣٦٢

لئلّا يتوهّم (١) أنّ بعضهم لم يجئ ، إلّا أنّك لم تعتدّ بهم (٢) ، أو أنّك جعلت الفعل الواقع من البعض كالواقع (٣) من الكلّ بناء على أنّهم في حكم شخص واحد (٤) كقولك : بنو فلان قتلوا زيدا ، وإنّما قتله واحد منهم [وأمّا بيانه] أي تعقيب المسند إليه بعطف البيان (٥) [فلإيضاحه (٦) باسم مختصّ به (٧) نحو : قدم صديقك خالد (٨)]

______________________________________________________

(١) أي لئلّا يتوهّم السّامع أنّ بعضهم لم يجئ.

(٢) أي أطلقت القوم وأردت بهم ما عدا ذلك البعض ولو مجازا ، فالتّأكيد يدفع توهّم عدم الشّمول في لفظ القوم ، هذا هو دفع عدم الشّمول في المسند إليه.

(٣) أي فأسندت ما هو للبعض إلى الكلّ ، أي أسندت المجيء الصّادر عن البعض إلى الكلّ.

(٤) لتعاونهم وتوقّف بعضهم على رضاء كلّهم ، فلا تفاوت في أن تنسب الفعل إلى بعضهم أو إلى كلّهم إلّا أنّ إسناد ما هو للبعض إلى الكلّ مجاز عقليّ ، فيكون هذا دفعا لعدم الشّمول في الإسناد.

(٥) التّفسير إشارة إلى أنّ المراد من البيان هو المعنى المصدريّ ، لأنّه لا يعلّل إلّا الأفعال ، فقوله بيان لحاصل المعنى مع الإشارة إلى أنّ البيان في كلام المصنّف بالمعنى المصدريّ.

(٦) المراد بالإيضاح رفع الاحتمال سواء كان في المعرفة أو النّكرة ، فلا يلزم كون المتبوع فيه معرفة.

(٧) المراد به ما يقابل الفعل والحرف.

(٨) اعلم أنّه لا خلاف في أنّ كلّ موصوف أجرى على صفة يحتمل أن يكون عطف بيان ، كما يحتمل أن يكون بدلا ، وإنّما النّزاع في الأحسن ، فاختار الشّارح كونه عطف بيان لأنّ الإيضاح له مزيد اختصاص به واختار صاحب الكشّاف كونه بدلا لأنّ فيه تكرير العامل حكما ، ويتفرّع عليه تأكيد النّسبة ، وكان المصنّف رجّح احتمال كونه عطف بيان ، فمثّل له به ، ثمّ المفهوم من قوله : «فلإيضاحه باسم مختصّ به» أمور ثلاثة :

الأوّل : لزوم كون الثّاني أوضح.

والثّاني : إنّ عطف البيان يلزم أن يكون اسما مختصّا بالمتبوع.

٣٦٣

ولا يلزم (١) أن يكون الثّاني أوضح لجواز أن يحصل الإيضاح من اجتماعهما ، وقد يكون عطف البيان بغير اسم مختصّ به كقوله :

والمؤمن العائذات الطّير يمسحها

ركبان مكّة بين الغيل والسّند (٢)

فإنّ الطّير عطف بيان للعائذات مع أنّه ليس اسما مختصّا بها.

______________________________________________________

والثّالث : إنّ فائدة عطف البيان تنحصر في الإيضاح.

(١) شروع من الشّارح في الإشارة إلى اعتراضات ثلاثة على المصنّف في قوله : «فلإيضاحه».

وحاصل الاعتراض الأوّل : إنّ المستفاد من قوله : «فلإيضاحه باسم مختص به» اشتراط أن يكون عطف البيان أوضح من متبوعه ، إذ لو لم يكن كذلك لا يمكن أن يصير سببا مستقلا للإيضاح ، وليس الأمر كذلك لصحّة أن يكون كلّ من عطف البيان ومتبوعه مجملا عند ذكر أحدهما منفردا عن الآخر ، لكن حصل الإيضاح ورفع الإجمال من اجتماعها ، كما إذا كان للمخاطب في المثال صديقان كان أحدهما مسمّى بخالد ، وهو اسم لغيره أيضا ، فإذا يحصل الإيضاح من اجتماعهما ، وإن لم يكن الثّاني أوضح من الأوّل ، وقد أشار إلى هذا بقوله : «لجواز أن يحصل الإيضاح من اجتماعهما».

والاعتراض على الأمر الثّاني : ما أشار إليه بقوله : «وقد يكون عطف البيان بغير اسم مختصّ به» وحاصله إنّ المستفاد من كلام المصنّف اشتراط أن يكون عطف البيان اسما مختصّا بالمتبوع بأن يكون علما له ، لأنّ الاسم المختصّ بشيء إنّما هو العلم ، وليس الأمر كذلك ، فإنّهم قد ذكروا أنّ الطّير في قوله : «والمؤمن العائذات الطّير» عطف بيان للعائذات ، و «العائذات» جمع عائذة من العوذ بمعنى الالتجاء يعني بها الجماعة ، وهي مفعول «المؤمن».

(٢) ملخّص شرح مفردات قول النّابغة الذّبياني ، إنّ قوله : «المؤمن» من أسماء الله تعالى ، وهو اسم فاعل من باب الإفعال من الأمن بمعنى السّلامة ، «العائذات» جمع عائذة من العوذ بمعنى الالتجاء ، «يمسحها» مضارع من المسح بمعنى المسّ باليد ، أي يمسّها ، «ركبان» كغفران جمع ركب ، وهم أصحاب الإبل في السّفر «الغيل» اسم موضع في جانب الحرم ، وقيل : إنّه عين ماء تجري في أسفل جبل أبي قبيس «السّند» اسم موضع ، وقيل إنّ المراد

٣٦٤

وقد يجيء (١) عطف بيان لغير الإيضاح كما في قوله تعالى : (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ)(١) ذكر صاحب الكشّاف إنّ البيت الحرام عطف بيان للكعبة جيء به (٢) للمدح لا للإيضاح كما تجيء الصّفة لذلك (٣) [وأمّا الإبدال منه] أي من المسند إليه (٤) [فلزيادة التّقرير (٥)] من إضافة المصدر (٦) إلى المعمول ، أو من إضافة البيان (٧) أي الزّيادة الّتي هي التّقرير ،

______________________________________________________

به هنا جبال مكّة.

والشّاهد : في قوله : «العائذات الطّير» حيث إنّ الطّير ليس اسما مختصّا بالعائذات ، بل هو اسم جنس ، مع أنّ النّحاة صرّحوا بأنّ «الطّير» عطف بيان ل «العائذات».

(١) إشارة إلى الاعتراض الثّالث على الأمر الثّالث المستفاد من كلام المصنّف ، وملخّص الاعتراض أنّ المستفاد من كلامه انحصار فائدة عطف البيان في الإيضاح ، وليس الأمر كذلك ، لأنّ صاحب الكشّاف جعل البيت الحرام عطف بيان للكعبة في الآية المباركة ، مع أنّه صرّح بأنّه للمدح لا للإيضاح.

(٢) أي البيت الحرام.

(٣) أي للمدح لا للإيضاح. ولكن يمكن الجواب عن هذه الاعتراضات بأنّ كلام المصنّف مبنيّ على الغالب ، إذا فلا يرد عليه شيء منها.

(٤) في هذا التّفسير إشعار بأنّ المسند إليه هو المبدل منه ، وهذا صحيح بالنّظر إلى الظّاهر حيث يجعلون الفاعل في نحو : جاءني أخوك زيد ، هو أخوك ، إلّا أنّ المسند إليه في التّحقيق هو البدل.

(٥) أي تقرير المسند إليه.

(٦) أي إضافة «زيادة» إلى «التّقرير» ، وإنّما قال : «إلى المعمول» لأنّ الزّيادة تحتمل أن تكون مصدرا للازم ، وأن تكون مصدرا للمتعدّي ، فعلى الأوّل من قبيل الإضافة إلى الفاعل ، وعلى الثّاني من قبيل الإضافة إلى المفعول ، وعلى التّقديرين تكون الإضافة إلى المعمول ، لأنّ المعمول أعمّ من الفاعل والمفعول.

(٧) إن جعلت الزّيادة بمعنى الحاصل بالمصدر ، فالإضافة عندئذ بيانيّة ، فمعنى العبارة حينئذ ما أشار إليه الشّارح بقوله : «أي للزّيادة الّتي هي التّقرير».

__________________

(١) سورة المائدة : ١٠٠.

٣٦٥

وهذا (١) من عادة افتنان صاحب المفتاح حيث (٢) قال في التّأكيد للتّقرير ، وههنا لزيادة التّقرير ، ومع هذا (٣) فلا يخلو عن نكتة لطيفة ، وهي الإيماء إلى أنّ الغرض من البدل هو أن يكون مقصودا بالنّسبة ، والتّقرير زيادة تحصل (٤) تبعا وضمنا بخلاف التّأكيد ، فإنّ الغرض منه نفس التّقرير والتّحقيق ، [نحو : جاءني أخوك زيد] في بدل الكلّ (٥) ،

______________________________________________________

(١) يمكن أن يكون جوابا عن سؤال مقدّر : وهو أنّه على التّقدير الأوّل أعني إضافة الزّيادة إلى التّقرير من قبيل إضافة المصدر إلى المعمول ، فالفرق بين البدل والتّوكيد واضح ، لأنّ التّوكيد للتّقرير ، والبدل لزيادة التّقرير ، لأنّ في البدل تقرير المتبوع ، وهو المبدل منه ، وتقرير الحكم أيضا لكونه بتكرير العامل ، وأمّا في التّأكيد ففيه تقرير المتبوع فقط ، وهو المؤكّد لا غير ، ولازم ذلك أنّ في البدل زيادة تقرير ليست في التّأكيد ، فلهذا قال في التّأكيد : «أمّا توكيده ، فللتّقرير» ، وفي البدل «فلزيادة التّقرير» وأمّا على التّقدير الثّاني أعني إضافة الزّيادة إلى التّقرير من قبيل الإضافة البيانيّة ، فلا فرق بينهما أصلا ، لأن المراد من الزّيادة هو نفس التّقرير عندئذ.

وحاصل الجواب : إنّ التّعبير بزيادة التّقرير إنّما هو من باب التّفنّن ، وهو عبارة عن التّعبير عن المعنى الواحد بعبارات مختلفة ، وقد أخذ المصنّف هذا من لفظ المفتاح.

(٢) علّة ال «افتنان» ، يعني قال صاحب المفتاح في التّأكيد للتّقرير ، وههنا لزيادة التّقرير مع أنّ المراد هو أمر واحد أعني التّقرير.

(٣) أي مع كون قول المصنّف «فلزيادة التّقرير» في البدل تفنّنا «لا يخلو عن نكتة لطيفة ، وهي الإيماء» أي الإشارة إلى أنّ البدل هو المقصود بالنّسبة ، أي والمبدل منه وصلة له ، وهذا الإيماء إنّما يحصل بذكر الزّيادة ، فإنّه يشعر بأنّ التّقرير ليس مقصودا من البدل بل أمر زائد على المقصود منه ، وذلك الإيماء إنّما يكون في الوجه الثّاني الّذي هو إضافة البيان ، وأمّا على الوجه الأوّل الّذي هو إضافة المصدر ، فلا يحصل الإيماء.

(٤) أي بحسب أصل الكلام ، وإلّا فهو المقصود بهذا الفنّ ، إذ هو إنّما يبحث عن المعنى الزّائد عن أصل الكلام ، وكيف كان يمكن أن يكون قوله : «فلزيادة التّقرير» لنكتة لا للافتنان فقط ، وتلك النّكتة هي الإيماء المذكور.

(٥) وهو الّذي يكون ذاته عين ذات المبدل منه ، وإن كان مفهوماهما متغايرين ، كما في

٣٦٦

ويحصل التّقرير بالتّكرير (١) [وجاءني القوم أكثرهم] في بدل البعض (٢) [وسلب زيد ثوبه] في بدل الاشتمال (٣) وبيان التّقرير فيهما (٤) إنّ المتبوع يشتمل على التّابع إجمالا حتّى كأنّه مذكور أمّا في البعض فظاهر (٥) ، وأمّا في الاشتمال (٦) ، فلأنّ معناه أن يشمل المبدل منه على البدل لا كاشتمال الظّرف على المظروف ، بل من حيث كونه مشعرا به إجمالا ومتقاضيا له (٧) بوجه ما بحيث تبقى النّفس عند ذكر المبدل منه

______________________________________________________

المثال المذكور ، فإنّ الأخّ عبارة عن زيد.

قيل : إنّ الأحسن أن يسمّى هذا النّوع من البدل ببدل المطابق كما سمّاه بذلك ابن مالك في ألفيّته بدل الكلّ لوقوعه في اسم الله تعالى نحو : (إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (١) اللهِ)(١) فيمن قرأ بالجرّ ، فإنّ المتبادر من الكلّ التبعيض والتّجزّي ، وذلك ممتنع في حقّه تعالى ، فلا يليق هذا الإطلاق بحسب الأدب وإن حمل الكلّ على معنى آخر.

(١) فإنّ الأخّ عبارة عن زيد فقد كرّر زيد بمعناه.

(٢) وهو الّذي يكون ذاته بعضا من ذات المبدل منه ، وإن لم يكن مفهومه بعضا من مفهومه.

(٣) وهو الّذي لا يكون عين المبدل منه ولا بعضه ، ويكون المبدل منه مشتملا عليه لا كاشتمال الظّرف على المظروف ، بل من حيث كونه دالا عليه إجمالا ومتقاضيا له بوجه ما بحيث تبقى النّفس عند ذكر المبدل منه متشوّقة إلى ذكره منتظرة له فيجيء هنا مبيّنا وملخّصا لما أجمل أوّلا ، كما في المطوّل وسيأتي في كلام الشّارح.

(٤) أي في بدل البعض والاشتمال.

(٥) أي في بدل البعض فظاهر ، لأنّ المبدل منه مثل القوم يشتمل إجمالا على كثيرهم وقليلهم ، فيكون مشتملا على التّابع وهو أكثرهم.

(٦) أي وأمّا اشتمال المتبوع على التّابع إجمالا في بدل الاشتمال ، فلأنّ معناه اشتمال المبدل منه على البدل ، من حيث كونه دالا عليه إجمالا ، لا كاشتمال الظّرف على المظروف.

(٧) أي مطالبا له ، ومترقّبا له بوجه ما.

__________________

(١) سورة إبراهيم : ١.

٣٦٧

متشوّقة إلى ذكره (١) منتظرة له ، وبالجملة يجب أن يكون المتبوع فيه بحيث يطلق ويراد به التّابع (٢) نحو : أعجبني زيد إذا أعجبك علمه (٣) ، بخلاف ضربت زيدا إذا ضربت حماره (٤). ولهذا (٥) صرّحوا بأنّ نحو : جاءني زيد أخوه بدل غلط ، لا بدل اشتمال ، كما زعم بعض النّحاة (١) ، ثمّ بدل البعض (٦) والاشتمال ، بل بدل الكلّ أيضا لا يخلو عن إيضاح وتفسير ، ولم يتعرّض لبدل الغلط ،

______________________________________________________

(١) أي ذكر البدل.

(٢) أي يطلق المتبوع ، وهو المبدل منه في بدل الاشتمال ، ويراد به التّابع إجمالا ، ثمّ يأتي البدل بعده مبيّنا لذلك الإجمال.

(٣) لأنّ الذّات من حيث هي هي لا تكون من أسباب التّعجّب ، فالمتبوع مشعر إلى التّابع إجمالا.

(٤) لأنّه لا يشعر بضرب حماره ، فلا يكون بدل الاشتمال ، فهو من بدل الغلط.

(٥) أي لأجل وجوب كون المتبوع في بدل الاشتمال بحيث يطلق ويراد به التّابع صرّحوا بأنّ نحو : جاءني زيد أخوه ، بدل غلط ، لا بدل اشتمال ، كما زعم بعض النّحاة إنّه بدل اشتمال ، والوجه على أنّه ليس بدل الاشتمال هو عدم اقتضاء الأوّل الثّاني ، ولا شعوره له بوجه ما ، ولا يكون بدل كلّ ، ولا بدل بعض ، لعدم صدق الثّاني على جميع ما صدق عليه الأوّل ، ولا على بعضه ، لأنّ أخا زيد غيره لا عينه ولا بعضه.

(٦) هذا الكلام من الشّارح جواب عن سؤال مقدّر : وهو ينبغي على المصنّف أن يقول : وأمّا الإبدال منه فلزيادة التّقرير والإيضاح كما في المفتاح.

وحاصل الجواب : إنّ بدل البعض والاشتمال بل بدل الكلّ لا يخلو عن إيضاح وتفسير ، لأنّ التّقرير يستلزم الإيضاح ، وأمّا في بدل البعض والاشتمال فظاهر ، لأنّ البدل ذكر إجمالا أوّلا في ضمن المبدل منه ، ثمّ ذكر بلفظه مفصّلا ثانيا ، وأمّا في بدل الكلّ فلأنّ الإيضاح والتّفسير يحصل من التّكرير ، وعلى جميع التّقادير ، التّقرير يستلزم الإيضاح ، فلا حاجة إلى ذكره بعد التّقرير كما في المفتاح.

__________________

(١) وهو ابن الحاجب.

٣٦٨

لأنّه لا يقع في فصيح الكلام (١). [وأمّا العطف (٢)] أي جعل (٣) الشّيء معطوفا على المسند إليه [فلتفصيل المسند إليه (٤) مع اختصار نحو : جاءني زيد وعمرو] فإنّ فيه (٥) تفصيلا للفاعل بأنّه زيد وعمرو من غير دلالة على تفصيل الفعل (٦) بأنّ المجيئين كانا معا أو مترتّبين مع مهلة (٧) أو بلا مهلة (٨) ، واحترز بقوله : مع اختصار عن نحو : جاءني زيد ، وجاءني عمرو ،

______________________________________________________

(١) أي والحال إنّ بحث أرباب علم المعاني والبيان إنّما هو في كلام البلغاء والفصحاء ، فلا وجه لذكر ما هو بمعزل عن استعمال البلغاء والفصحاء ، إلّا أن يقال : إنّ عدم وقوع بدل الغلط مطلقا في كلام البلغاء ممنوع ، بل لا يقع بعض أقسامه.

وتوضيح ذلك : إنّ الغلط على ثلاثة أقسام : غلط صريح محقّق : كما أردت أن تقول : جاءني حمار ، فسبق لسانك إلى رجل ، ثمّ تداركته ، فقلت حمار.

وغلط نسيان : وهو أن تنسى المقصود فتعمد لما هو غلط ، ثمّ تداركته بذكر المقصود ، فهذان القسمان لا يقعان في فصيح الكلام.

وغلط بداء : وهو أن تذكر المبدل منه عن قصد ، ثمّ تذكر البدل ، وغرضك من ذلك التّرقّي من الأدنى إلى الأعلى كقولك : هذا نجم بدر ، وكذا قولك : نجم شمس ، وهذا القسم الأخير يقع في كلام البلغاء والشّعراء كثيرا مبالغة وتفنّنا.

(٢) أي عطف النّسق.

(٣) هذا التّفسير إشارة إلى أنّ العطف بمعنى المصدر لا التّابع المخصوص.

(٤) أي ذكره منفصلا بعضه عن بعض ، وأمّا تفصيل المسند إليه بالمعنى المذكور فظاهر ، وأمّا الاختصار فللاكتفاء بفعل واحد ، ولو قال : جاءني زيد ، وجاءني عمرو ، لفات الاختصار.

(٥) أي في المثال المذكور.

(٦) أي المجيء ، لأنّ الواو إنّما هو للجمع المطلق ، أي لثبوت الحكم للتّابع والمتبوع من غير تعرّض لتقدّم أحدهما على الآخر أو المعيّة.

(٧) كما إذا كان حرف العطف (ثمّ).

(٨) كما إذا كان حرف العطف (الفاء).

٣٦٩

فإنّ فيه تفصيلا للمسند إليه (١) ، مع أنّه ليس من عطف المسند إليه (٢) ، بل من عطف الجمل ، وما يقال : من أنّه (٣) احتراز عن نحو جاءني زيد جاءني عمرو ، من غير عطف ، فليس (٤) بشيء إذ ليس فيه دلالة على تفصيل المسند إليه بل يحتمل (٥) أن يكون إضرابا عن الكلام الأوّل ونصّ عليه (٦) الشّيخ في دلائل الإعجاز [أو] لتفصيل [المسند (٧)] بأنّه قد حصل (٨) من أحد المذكورين أوّلا ومن الآخر بعده مع مهلة أو بلا مهلة [كذلك] أي

______________________________________________________

(١) لكن لا مع الاختصار.

(٢) مع أنّ الكلام في عطف المسند إليه ، لا في عطف الجملة.

(٣) أي قوله : «مع اختصار».

(٤) خبر لقوله : «وما يقال : ...».

(٥) الظّاهر من كلام الشّارح أنّ في نحو : جاءني زيد جاءني عمرو ، احتمالين :

أحدهما : أن يكون إضرابا عن الكلام الأوّل ، فيكون الحكم فيه مرجوعا عن الأوّل ، فلم يبق فيه المسند إليه مسندا إليه ، فهو خارج من قوله : «فلتفصيل المسند إليه» لا محالة ، فبطل قول القائل : إنّه خارج من قوله : «مع اختصار».

الثّاني : أن يكون العاطف ملاحظا فيه ، فلا يكون إضرابا عن الأوّل ، فحينئذ يصحّ كونه لتفصيل المسند إليه ، لكن ليس فيه اختصار لتكرار العامل ، فيصحّ الاحتراز عنه بقوله : «مع اختصار» والظّاهر إنّ غرض ذلك القائل الاحتراز بالنّظر إلى الاحتمال الثّاني ، فيكون كلامه صحيحا لا غبار عليه ، فلعلّ مقصود الشّارح أنّ جعل ذلك القائل المثال المذكور متعيّنا للاحتراز مطلقا لا يصحّ لما فيه من الاحتمال.

(٦) أي نصّ على احتمال الإضراب ، الشّيخ عبد القاهر في دلائل الإعجاز.

(٧) المراد من تفصيل المسند هو تعدّد وقوعه مرتّبا بأن حصل من أحد الفاعلين سابقا ، ومن الآخر لاحقا مع مهلة أو بلا مهلة ، والأوّل فيما كان العطف بثمّ ، والثّاني فيما إذا كان بالفاء ، وقد أشار إليه بقوله : «بأنّه قد حصل من أحد المذكورين» أي حصل المسند من المعطوف أو المعطوف عليه «أوّلا ، ومن الآخر بعده مع مهلة أو بلا مهلة».

(٨) تصوير لتفصيل المسند.

٣٧٠

مع اختصار واحترز بقوله : كذلك ، عن نحو : جاءني زيد وعمرو بعده بيوم أو سنة (١) ، [نحو : جاءني زيد فعمرو أو ثمّ عمرو ، أو جاءني القوم حتّى خالد] فالثّلاثة تشترك في تفصيل المسند إلّا أنّ الفاء تدلّ على التّعقيب من غير تراخ ، وثمّ على التّراخي ، وحتى على أنّ أجزاء ما قبلها مترتّبة في الذّهن من الأضعف إلى الأقوى (٢) ، أو بالعكس (٣) ، فمعنى تفصيل المسند فيها (٤) أن يعتبر تعلّقه (٥) بالمتبوع أوّلا وبالتّابع ثانيا من حيث إنّه (٦) أقوى أجزاء المتبوع أو أضعفها ولا يشترط فيها (٧) التّرتيب الخارجيّ.

______________________________________________________

(١) إذ ليس فيه باعتبار تفصيل المسند اختصار ، وإن كان فيه تفصيل المسند إليه مع اختصار. وبعبارة أخرى : إنّ العطف فيه وإن كان مفيدا لتفصيل المسند إليه مع اختصار بحذف العامل الّذي قام العطف مقامه إلّا أنّه لا يفيد تفصيل المسند بل تفصيله وتعدّده بحسب الوقوع في الأزمنة ، فإنّما استفيد من التّقييد بالظّرف لا من العطف ، فصحّ الاحتراز عنه.

(٢) نحو : مات النّاس حتّى الأنبياء.

(٣) نحو : قدم الحجّاج حتّى المشاة.

وتوضيح ذلك أنّ الفاء وثمّ وحتّى تشترك وتجتمع في تفصيل المسند ، وتفترق باختصاص الفاء بالتّعقيب ، أي تعقيب التّابع على المتبوع بلا مهلة ، وثمّ بالتّراخي ، وحتّى بالغاية والتّدريج ، ثمّ إنّ التّعرّض للأجزاء في حتّى إنّما هو للتّمثيل لا الحصر ، إذ المعتبر في حتّى كما صرّح به في المغني وغيره أن يكون معطوفها بعضا من جمع قبلها كقدم الحجّاج حتّى المشاة أو جزء من كلّ ، نحو : أكلت السّمكة حتّى رأسها ، أو كالجزء نحو : أعجبتني الجارية حتّى حديثها ، أو المراد من الأجزاء ما يشمل الأجزاء الحقيقيّة والتّنزيليّة والأبعاض.

(٤) أي في حتّى ، وملخّص الكلام أن يلاحظ الذّهن تعلّق الحكم أعني القدوم بالحجّاج واحدا بعد واحد مبتدأ من الرّكبان إلى المشاة ، وكذا الموت في المثال الأوّل.

(٥) أي تعلّق الحكم.

(٦) أي التّابع «أقوى أجزاء المتبوع» كما في نحو : مات النّاس حتّى الأنبياء «أو أضعفها» ، كما في نحو : قدم الحجّاج حتّى المشاة.

(٧) أي في كلمة حتّى ، أي لا يشترط فيها التّرتيب الخارجي ، بخلاف الفاء وثمّ ،

٣٧١

فإن قلت : في هذه الثّلاثة (١) أيضا تفصيل للمسند إليه ، فلم لم يقل : أو لتفصيلهما معا (٢)؟ قلت : فرق بين أن يكون الشّيء (٣) حاصلا من شيء (٤) ، وبين أن يكون الشّيء مقصودا منه ، وتفصيل المسند إليه في هذه الثّلاثة وإن كان حاصلا لكن ليس العطف بهذه الثّلاثة لأجله (٥) ، لأنّ الكلام إذا اشتمل على قيد زائد (٦) على مجرّد الإثبات (٧) أو النّفي (٨) فهو الغرض الخاصّ ، والمقصود (٩) من الكلام ،

______________________________________________________

حيث يشترط فيها التّرتيب الخارجي. نعم ، ينبغي في حتّى التّرتيب الذّهني كما عرفت.

(١) أي الفاء وثمّ وحتّى ، تفصيل للمسند إليه أيضا ، أي كما أنّ فيها تفصيل للمسند.

(٢) أي لتفصيل المسند إليه والمسند معا ، فلا وجه لتخصيصه العطف بهذه الثّلاثة بالمسند.

(٣) أي تفصيل المسند إليه.

(٤) أي من العطف ، فالمراد من الشّيء الأوّل تفصيل المسند إليه ، ومن الشّيء الثّاني العطف بإحدى هذه الحروف. فمعنى العبارة : فرق عظيم بين أن يكون تفصيل المسند إليه حاصلا من العطف من غير قصد ، أي يحصل منه تبعا وضمنا «وبين أن يكون الشّيء مقصودا منه» أي العطف كتفصيل المسند.

(٥) أي لأجل المسند إليه ، بل لأجل حصول تفصيل المسند ، فحاصل ما يظهر من الشّارح أنّ المقصود في هذه الثّلاثة هو تفصيل المسند ، فلا ينافي حصول تفصيل المسند إليه من غير قصد ، أو قصده للتّوسّل.

(٦) المراد بالقيد هنا التّرتيب بين المجيئين مثلا بمهلة أو لا.

(٧) في نحو : جاءني زيد.

(٨) في نحو : ما جاءني زيد.

(٩) عطف تفسيريّ على «الغرض الخاصّ» ، ومعنى ذلك أنّ الإثبات والنّفي ينصبّ ويتوجّه على ذلك القيد ، قال الشّيخ عبد القاهر في دلائل الإعجاز أنّ النّفي إذا دخل على كلام فيه تقييد بوجه ما توجّه إلى ذلك القيد ، وكذا الإثبات ، يعني أنّ الإثبات إذا دخل على كلام فيه تقييد بوجه ما توجّه إلى ذلك القيد ، فمعنى جاءني زيد فعمرو ، حصول مجيء عمرو بعد مجيء زيد بلا مهلة.

٣٧٢

ففي هذه الأمثلة تفصيل المسند إليه كأنّه أمر كان معلوما (١) ، وإنّما سيق الكلام لبيان أنّ مجيء أحدهما كان بعد الآخر (٢) ، فليتأمّل (٣). وهذا البحث (٤) ممّا أورده الشّيخ في دلائل الإعجاز ووصّى بالمحافظة عليه (٥) [أو ردّ السّامع (٦)] عن الخطأ في الحكم [إلى الصّواب (٧) نحو : جاءني زيد لا عمرو] لمن اعتقد أنّ عمرا جاءك دون زيد (٨) ، أو أنّهما جاءاك جميعا (٩) ،

______________________________________________________

(١) عند المخاطب قبل دخول هذه الثّلاثة ، وكان غير مقصود بهذه الثّلاثة.

(٢) وهو عين تفصيل المسند.

(٣) لعلّه إشارة إلى أنّ هذه القاعدة أغلبيّة ، وليست كلّيّة ، كما هو ظاهر كلام الشّيخ إذ قد يكون النّفي داخلا على مقيّد بقيد ، ويكون منصبّا على المقيّد وحده أو على القيد والمقيّد معا بواسطة القرينة.

(٤) أي إنّ الشّيء قد يكون حاصلا ولا يكون مقصودا أو أنّ الكلام إذا اشتمل على قيد زائد على مجرّد الإثبات فهو الغرض الخاصّ والمقصود من الكلام ، والاحتمال الأوّل أقرب إلى ما في كلام الشّيخ في دلائل الإعجاز.

(٥) أي أمر ، ونبّه وقال : فاحفظه ، فإنّه ينفعك في مواضع شتّى.

(٦) لا بدّ من تقييد الرّدّ المذكور بقيد مع اختصار ليخرج عنه نحو : ما جاء زيد ، ولكن جاء عمرو ، فإنّ فيه ردّ السّامع إلى الصّواب ، لكن لا اختصار فيه ، فلذا لم يكن من العطف على المسند إليه ، بل من عطف الجملة على الجملة.

ويمكن أن يقال : بأنّ الغرض أنّ الرّدّ المذكور يحصل من العطف المذكور لا أنّه لا يحصل إلّا منه كي يحتاج إلى التّقييد.

(٧) أي ردّ السّامع عن كون حكمه خطأ إلى كون حكمه صوابا.

وقيل : ردّ السّامع عن الخطأ ، أي عن الاعتقاد غير المطابق للواقع إلى الصّواب أي إلى الاعتقاد المطابق للواقع.

(٨) فيكون قوله : «جاءني زيد لا عمرو» قصر قلب.

(٩) فيكون قوله : «جاءني زيد لا عمرو» قصر إفراد.

٣٧٣

ولكن (١) أيضا للرّد إلى الصّواب إلّا أنّه (٢) لا يقال لنفي الشّركة ، حتّى إنّ نحو : ما جاءني زيد لكن عمرو ، إنّما يقال : لمن اعتقد أنّ زيدا جاءك دون عمرو ، لا لمن اعتقد أنّهما جاءاك جميعا. وفي كلام النّحاة (٣) ما يشعر بأنّه إنّما يقال : لمن اعتقد انتفاء المجيء عنهما جميعا [أو صرف الحكم (٤)] عن المحكوم عليه [إلى] محكوم عليه [آخر ، نحو :جاءني زيد بل عمرو (٥) ، أو ما جاءني زيد بل عمرو (٦)] فإنّ بل للإضراب عن المتبوع ، وصرف الحكم إلى التّابع ، ومعنى الإضراب (٧) عن المتبوع

______________________________________________________

(١) أي لفظ «لكن أيضا» أي مثل لا لردّ السّامع إلى الصّواب.

(٢) أي لفظ «لكن» لا يستعمل لنفي الشّركة كي يكون لقصر إفراد ، فيكون لقصر القلب فقط ، فهذا الاستدراك دفع لما يتوهّم من أنّ «لكن» مثل (لا) من كلّ وجه.

(٣) لأنّ النّحاة قالوا : الاستدراك رفع ما يتوهّم من الكلام السّابق ، كما في نحو : ما جاءني زيد ، فيتوهّم نفي مجيء عمرو أيضا ، لما بينهما من المشاركة والمصاحبة ، فيقال : لكن عمرو ، فهذا يدلّ على أنّ المتوهّم الاشتراك في النّفي ، فقوله : «لكن عمرو» أي جاء عمرو ، فيكون لقصر إفراد لا لقصر قلب ، والغرض من نقل ما يشعر به كلام النّحاة المعارضة بينه وبين ما قرّره أوّلا الّذي هو كلام المفتاح والإيضاح. لأنّ حاصل ما قرّره أوّلا : إنّ لكن لقصر القلب فقط ، وحاصل ما نقله عن النّحاة أنّ لكن لقصر الإفراد ، أي نفي الشّركة في الانتفاء ، ثمّ إنّ الخلاف في النّحويّين والمعانيّين في كون لكن لقصر الإفراد أو القلب ، إنّما في النّفي ، وأمّا كونها لقصر الإفراد أو القلب في الإثبات فلا قائل به كما قاله في المطوّل ، لأنّ المفهوم من كلام النّحاة اختصاص لكن العاطفة بالنّفي ، كما أنّ لا العاطفة المختصّة بالإثبات.

(٤) أي المحكوم به.

(٥) مثال للإثبات.

(٦) مثال للنّفي ، فالغرض من العطف بكلمة «بل» صرف الحكم أعني الفعل عن المحكوم عليه ، أعني زيدا إلى آخر ، أعني عمرا ، فإنّ «بل» للإضراب ، أي الإعراض عن المتبوع وصرف الحكم إلى التّابع ، فكأنّ المتكلّم حكم أوّلا بأنّ الفعل مسند إلى المتبوع ، ثمّ ظهر له أنّه غلط ، فصرف الفعل عنه إلى التّابع.

(٧) شروع في معنى الإضراب تفصيلا.

٣٧٤

أن يجعل (١) في حكم المسكوت عنه لا أن ينفى عنه الحكم قطعا. خلافا لبعضهم (٢) ، ومعنى صرف الحكم في المثبت ظاهر (٣) ، وكذا في المنفي إن جعلناه (٤) بمعنى نفي الحكم عن التّابع والمتبوع في حكم المسكوت عنه ، أو متحقّق الحكم له (٥) حتّى يكون معنى ما جاءني زيد بل عمرو ، أنّ عمرا لم يجئ ، وعدم مجيء زيد ومجيئه على الاحتمال (٦) أو مجيئه متحقّق (٧) كما هو مذهب المبرّد

______________________________________________________

(١) أي يجعل المتبوع في حكم المسكوت عنه ، سواء جاء ، أو لم يجئ ، كأنّه لم يحكم عليه بالمجيء ولا بعدمه ، فنحو : جاءني زيد بل عمرو ، يحتمل مجيء زيد وعدم مجيئه ، هذا هو مذهب الجمهور.

(٢) وهو ابن الحاجب في المثبت ، وابن المالك في المنفي ، حيث قال الأوّل : إنّ الإضراب في المثبت يقتضي عدم مجيء المتبوع قطعا ، ففي المثال المذكور لا يحتمل مجيء زيد للقطع بعدم مجيئه ، وقال الثّاني في نحو : ما جاءني زيد بل عمرو ، إنّ مقتضى الإضراب هو مجيء المتبوع قطعا.

(٣) لأنّ المتبوع فيه إمّا في حكم المسكوت عنه كما عليه الجمهور أو منفي عنه المجيء قطعا ، كما هو مذهب ابن الحاجب ، وعلى كلا التّقديرين يتحقّق صرف الحكم عن المتبوع إلى التّابع. فإذا قلت : جاءني زيد بل عمرو ، فقد أثبتّ المجيء لعمرو قطعا ، وصيّرت زيدا في حكم المسكوت عنه ، فيحتمل مجيئه ، وعدم مجيئه بحسب نفس الأمر ، هذا عند الجمهور ، وأمّا عند ابن الحاجب فقد أثبتّ المجيء لعمرو تحقيقا ، ونفيت عن زيد كذلك ، وعلى التّقديرين يتحقّق صرف الحكم عن محكوم عليه إلى محكوم عليه آخر ،

(٤) أي إن جعلنا الصّرف بمعنى نفي الحكم عن التّابع وجعلنا المتبوع في حكم المسكوت عنه كان صرف الحكم في المنفي أيضا ظاهرا كالمثبت.

(٥) أي المتبوع ، كما هو مذهب ابن الحاجب.

(٦) كما هو مذهب المبرّد.

(٧) كما هو مذهب ابن الحاجب ، وعلى الشّارح أن يذكر قوله : «كما هو مذهب المبرّد» قبل قوله : «أو مجيئه محقّق» ، فمعنى ما جاءني زيد بل عمرو ، هو عدم مجيء عمرو ، وأمّا عدم مجيء زيد فمسكوت عنه على مذهب المبرّد ، أو مجيئه متحقّق ، كما هو مذهب

٣٧٥

وإن جعلناه (١) بمعنى ثبوت الحكم للتّابع حتّى يكون معنى ما جاءني زيد بل عمرو ، أنّ عمرا جاء ، كما هو مذهب الجمهور ، ففيه (٢) إشكال [أو للشّكّ] من المتكلّم [أو التّشكيك للسّامع (٣) أي إيقاعه (٤) في الشّكّ [نحو : جاءني زيد أو عمرو] أو للإبهام (٥) نحو قوله تعالى (٦) : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(١) أو للتّخيير أو للإباحة

______________________________________________________

ابن الحاجب ، وعلى التّقديرين فصرف الحكم عن المحكوم عليه إلى المحكوم عليه الآخر ، أعني عن المتبوع إلى التّابع.

(١) أي إن جعلنا الصّرف في المنفي «بمعنى ثبوت الحكم للتّابع حتّى يكون معنى ما جاءني زيد بل عمرو ، أنّ عمرا جاء كما هو مذهب الجمهور» في النّفي.

(٢) أي ففي صرف الحكم إشكال ، لأنّ الحكم في المنفي هو عدم المجيء ، ولم يصرف عن المتبوع إلى التّابع ، وإنّما الّذي صرف هو ضدّ ذلك الحكم أعني ثبوت المجيء ، فلا يصدق أنّ الحكم قد صرف عن المحكوم عليه إلى آخر.

وأجاب بعضهم عن هذا الإشكال بما ملخّصه : إنّ المراد من صرف الحكم تغيير المحكوم به من حيث نسبته ، ولا شكّ أنّه هنا كانت نسبة المجيء إلى المتبوع بالنّفي ، ثمّ صرفت أي غيّرت من النّفي إلى الإثبات.

(٣) وإن كان المتكلّم غير شاكّ ، والتّشكيك عبارة عن إخفاء الأمر عن السّامع ، ومن هنا يظهر أنّه لا فرق بين التّشكيك ، وبين الإبهام ، لأنّ الإبهام أيضا إخفاء الأمر عن السّامع مع علم المتكلّم ، فلا يجوز جعل أحدهما قسيما للآخر بقوله : «أو للإبهام». إلّا أن يقال : إنّ الغرض من الإبهام التّأمل في الكلام لظهور الحقّ ، لا للتّشكيك.

(٤) أي إيقاع المتكلّم السّامع في الشّكّ ، بأن يكون المتكلّم عالما بالحكم لكنّه يريد تشكيك المخاطب.

(٥) الفرق بين التّشكيك والإبهام أنّ المقصود في الأوّل إيقاع الشّبهة في قلب السّامع ، وفي الثّاني الإخفاء عنه ، وليس فيه إيقاع السّامع في الشّكّ في أصل الحكم.

(٦) ففي الآية عطف (فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) على (لَعَلى هُدىً) فهو من قبيل عطف المفرد على المفرد ، فالمقصود هو الإبهام ، فكأنّه قيل : أحدنا ثابت له أحد الأمرين ، أي الهدى

__________________

(١) سورة سبأ : ٢٤.

٣٧٦

نحو : ليدخل الدّار زيد أو عمرو ، والفرق بينهما (١) أنّ في الإباحة يجوز الجمع بينهما بخلاف التّخيير. [وأمّا فصله] أي تعقيب المسند إليه بضمير الفصل (٢) ، وإنّما جعله (٣) من أحوال المسند إليه ، لأنّه يقترن به أوّلا ، ولأنّه في المعنى عبارة عنه

______________________________________________________

أو الضّلال ، ولم يقل : إنّا لعلى هدى وأنتم في ضلال مبين ، لأنّه فضلا عن كونه خلاف التّأدّب في أكثر المقامات ممّا يجرّ العصبيّة ، ويزيد في الضّالّ عتوّا على عتوّه ، وبعدا عن التّفكّر ، ففي التّعبير المذكور إسماع المخاطبين الحقّ على وجه لا يثير غضبهم ، فالنّكتة دفع الشّغب من دون أن يزيد في إنكارهم.

قال قطب الدّين : إنّما خولف بين (على) و (في) في الدّخول على الحقّ والباطل ، لأنّ صاحب الحقّ كأنّه على فرس جواد يركض به حيث يشاء ، وصاحب الباطل كأنّه منغمس في ظلام لا يدري أين يتوجّه.

(١) أي بين التّخيير والإباحة ، إنّ التّخيير يفيد ثبوت الحكم لأحدهما فقط بالقرينة الخارجيّة حيث دلّت على طلب أحد الأمرين بخلاف الإباحة حيث يجوز الجمع بينهما أيضا ، لكن لا من حيث مدلول اللّفظ بل بالقرينة الخارجيّة ، فالمثال المذكور صالح للتّخيير والإباحة ، والتّعيين إنّما هو بدليل خارجي.

(٢) في التّفسير المذكور إشارة إلى أنّ قوله : «فصله» بمعنى ضمير الفصل لا المعنى المصدريّ ، فيكون على حذف المضاف ، أي إيراد الفصل ، فهو بيان حاصل المعنى.

(٣) أي ضمير الفصل ، هذا جواب عن سؤال مقدّر : وهو أنّه لماذا جعل المصنّف ضمير الفصل من أحوال المسند إليه دون المسند ، ولم يجعله من أحوالهما مع أنّه لا يتحقّق إلّا بين المسند إليه والمسند ، ومع أنّ المسند عين المسند إليه.

وحاصل الجواب : إنّما جعله من أحوال المسند إليه لأنّ ضمير الفصل يقترن بالمسند إليه أوّلا وقبل مجيء الخبر ، هذا أوّلا ، وثانيا أنّه في المعنى عبارة عن نفس المسند إليه «وفي اللّفظ مطابق له» أي في التّذكير والتّأنيث والإفراد والتّثنية والجمع بخلاف المسند ، فإنّه قد يكون فعلا مضارعا ، فلا تحصل المطابقة في اللّفظ ، ثمّ ما ذكرناه من أنّ ضمير الفصل هو عين المسند إليه في المعنى مبنيّ على ما هو المشهور من كونه اسما ، وجعله مبتدأ أو تأكيدا أو بدلا ، وأمّا على مذهب أكثر البصريّين من أنّه حرف على ما صرّح صاحب

٣٧٧

وفي اللّفظ مطابق له [فلتخصيصه] أي المسند إليه [بالمسند (١)] يعني (٢) لقصر المسند على المسند إليه ، لأنّ معنى قولنا : زيد هو القائم ، إنّ القيام مقصور على زيد لا يتجاوزه إلى عمرو ، فالباء (٣) في قوله : فلتخصيصه بالمسند مثلها في قولهم : خصّصت فلانا بالذّكر ، أي ذكرته دون غيره ، كأنّك جعلته من بين الأشخاص مختصّا بالذّكر أي منفردا به والمعنى ههنا جعل المسند إليه من بين ما يصحّ اتّصافه بكونه مسندا إليه مختصّا بأنّ يثبت له المسند كما يقال : في (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) معناه نخصّك (٤) بالعبادة ولا نعبد غيرك.

______________________________________________________

المغني ، فلا يكون عين المسند إليه في المعنى ، إذ لا يكون معنى الحرف والاسم واحدا.

(١) قاعدة : إنّ الباء إذا دخلت على المقصور عليه ، تكون بمعنى على ، وإذا دخلت على المقصور لا تكون إلّا زائدة ، ولا تكون للاختصاص بل للامتياز ، ونظرا إلى هذه القاعدة فسّر الشّارح قوله : «بالمسند» بقوله : «يعني لقصر المسند على المسند إليه» حيث أشار به إلى أنّ الباء داخلة على المقصور والتّخصيص بمعنى القصر إذ لو كانت الباء داخلة على المقصور عليه ، لما كانت محتاجة إلى التّفسير والتّأويل.

(٢) التّفسير إشارة إلى أنّ الباء داخلة على المقصور ، فيكون من قصر الصّفة على الموصوف ، لأنّ المسند صفة للمسند إليه.

(٣) هذا الكلام تأويل وإشارة إلى إصلاح عبارة المصنّف لإيهامها خلاف المقصود ، لأنّ قوله : «بالمسند» يدلّ على تخصيص المسند إليه بالمسند وهو قصره بالمسند ، لأنّ معناه جعل المسند إليه بحيث يخصّ المسند ولا يعمّ غيره ، وذلك لأنّ الباء إنّما تدخل إلى المقصور عليه ، مع أنّه ليس بمراد ، لأنّ المذكور في كتبهم تخصيص المسند بالمسند إليه ، وحاصل التّأويل والإصلاح : إنّ ما بعد الباء وإن كان هو المقصور عليه باعتبار أصل اللّغة ، إلّا أنّ العرف الاصطلاحيّ نقله إلى خلاف ذلك ، وهو أن يكون ما بعد الباء ، هو المقصور على ما قبله.

(٤) أي نجعلك منفردا بالعبادة لا نعبد غيرك ، مع أنّ المراد اختصاص العبادة ولا اختصاصه تعالى بالعبادة كأنّه قيل : نخصّك من بين جميع المعبودين بالعبادة ، فكذا ههنا المراد اختصاص المسند بالمسند إليه على معنى اختصاص المسند إليه من بين جميع ما يصلح لأن يكون مسندا إليه بإثبات المسند له.

٣٧٨

[وأمّا تقديمه] أي تقديم المسند إليه (١) [فلكون ذكره أهمّ (٢)] ولا يكفي في التّقديم مجرّد ذكر الاهتمام ، بل لا بدّ من أن يبيّن أنّ الاهتمام من أيّ جهة ، وبأيّ سبب ، فلذا (٣) فصّله بقوله : [إمّا لأنّه] أي تقديم المسند إليه [الأصل] لأنّه المحكوم عليه ولا بدّ من تحقّقه (٤) قبل الحكم فقصدوا (٥) أن يكون في الذّكر أيضا (٦) مقدّما [ولا مقتضى للعدول عنه] أي عن ذلك الأصل ، إذ لو كان أمر يقتضي العدول عنه فلا يقدّم (٧) ،

______________________________________________________

(١) أي على مسنده ، ثمّ المراد من المسند إليه ههنا هو المبتدأ ، لا الأعمّ منه ومن الفاعل ، لأنّ رتبة الفاعل البعديّة ، ومن تقديمه إيراده أوّل النّطق.

فاندفع به ما في الكشّاف من الاعتراض على تقديم المسند إليه على المسند ، وملخّص الاعتراض أنّه إنّما يقال : مقدّم أو مؤخّر للمزال من مكانه لا للقارّ في مكانه والمسند إليه مكانه قبل المسند ، فهو قائم في محلّه ، فلا يصحّ أن يقال : إنّه مقدّم.

(٢) أي أهمّ عند المتكلّم من ذكر باقي أجزاء الكلام بأن تكون العناية بذكره أكثر من العناية بذكر غيره.

(٣) أي لأجل عدم الاكتفاء في التّقديم بمجرّد ذكر الاهتمام فصّله بقوله : «إمّا لأنّه أي تقديم المسند إليه الأصل» لأنّ المسند إليه في الغالب ذات والمسند صفة ، والذّات مقدّم على الصّفة في الوجود الخارجيّ ، فناسب أن يراعى ذلك في الوجود اللّفظيّ أيضا.

(٤) أي لا بدّ من وجود المسند إليه قبل وجود الحكم أعني المحكوم به في الخارج ، إن كان من الأمور الخارجيّة ، وفي الذّهن إن كان من الأمور العقليّة الذّهنيّة ، وفي اللّفظ أيضا ، وذلك لما ذكرناه من أنّ المحكوم عليه موصوف ، والحكم صفة والموصوف يجب تحقّقه قبل تحقّق صفته لما هو المعروف من ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له ، فثبوت الصّفة فرع ثبوت الموصوف ، والمتحصّل من الجميع أنّ ثبوت المحمول للموضوع فرع ثبوت الموضوع ، فإن كان ثبوت المحمول للموضوع خارجا ، فهو فرع الموضوع الخارجي وإن كان ذهنا ففرع الثّبوت الذّهني.

(٥) أي العلماء.

(٦) أي كتحقّقه قبل الحكم في الواقع «مقدّما».

(٧) أي فلا يقدّم المحكوم عليه نظرا إلى وجود أمر يقتضي العدول عن الأصل «كما

٣٧٩

كما في الفاعل فإنّ مرتبة العامل التّقدّم على المعمول (١) [وإمّا ليتمكّن الخبر في ذهن السّامع ، لأنّ في المبتدأ تشويقا إليه] أي الخبر (٢) [كقوله (١) :

والّذي حارت البريّة فيه

حيوان مستحدث (٣) من جماد]

يعني تحيّرت الخلائق في المعاد الجسماني (٤) والنّشور (٥) الّذي ليس بنفساني (٦) بدليل ما قبله :

بأنّ أمر الإله واختلف النّا

س فداع إلى ضلال (٧) وهاد

______________________________________________________

(١) قيل : إنّ للفاعل مرتبتين : الأصل لكونه مسندا إليه ، وعدمه بحسب كونه معمولا ، فالأوّل يقتضي التّقديم ، والثّاني عدمه ، فاجتمع المقتضي والمانع ، فرجّح المانع.

(٢) أي تشويقا للسّامع إلى الخبر لما معه من الوصف الموجب لذلك أو من الصّلة كذلك ، كما في قوله : «حارت» في المثال الآتي ، فإنّ فيها تشويقا للنّفس إلى علم الخبر.

فإذا قيل : حيوان ، تمكّن في النّفس ، لأنّ الحاصل بعد الطّلب ألذّ وأعزّ من المنساق بلا تعب. والمراد من الخبر هو الخبر وقتا ما ، ولو في غير الحال ليشمل البيان تقديم المفعول الأوّل من باب علم على الثّاني نحو قولك : علمت الّذي حارت البريّة ـ أعني الخلائق ـ فيه حيوانا مستحدثا من جماد.

(٣) المراد من استحداث الحيوان من الجماد البعث والمعاد للأجسام الحيوانيّة يوم القيامة ، ويدل عليه قوله : «بان أمر الإله» أي ظهر أمره تعالى.

والشّاهد قوله : «والّذي» حيث إنّه مسند إليه ، وقدّم لتشويق السّامع إلى الخبر أعني «حيوان».

(٤) أي الرّجوع وعود الجسم ، ثمّ الاختلاف إنّما هو في المعاد الجسماني لا في المعاد النّفساني إذ المعاد النّفساني حقّ بالاتّفاق.

(٥) بمعنى الإحياء ، عطف تفسيريّ على «المعاد».

(٦) أي ليس بروحانيّ بل هو جسمانيّ.

(٧) أي كان بعضهم داعيا للخلائق إلى الضّلال كالمعتزلة ، لأنّهم لا يقولون بالمعاد

__________________

(١) أي قول أبي العلاء المعرّي من قصيدة يرثي بها فقيها حنفيّا.

٣٨٠