دروس في البلاغة - ج ١

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في البلاغة - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٤

بالبادية ، لأنّ فقد العزّ في الحضر (١) [أو التّعريض (٢) بغباوة السّامع] حتّى كأنّه لا يدرك غير المحسوس (٣) [كقوله (١) :

أولئك آبائي فجئني (٤) بمثلهم

إذا جمعتنا يا جرير المجامع

أو بيان حاله (٥)] أي المسند إليه [في القرب أو البعد أو التّوسّط كقولك : هذا (٦) وذلك (٧) وذاك زيد (٨)] وأخّر ذكر التّوسّط (٩)

______________________________________________________

(١) أي في البلد والمدينة.

(٢) أي إشارة خفيّة بغباوة السّامع وبلادته ، ويكون عطفا على قوله : «تميّزه».

(٣) أي لا يتميّز الشّيء عنده إلّا بالحسّ.

(٤) أي اذكر بمثلهم من آبائك ، فالأمر أعني «جئني» للتّعجيز أي إظهار المتكلّم عجز المخاطب ، وحاصل الكلام في قول الفرزدق إنّ جريرا كأمير هو اسم الشّاعر ، المجامع جمع المجمع وهو مكان الاجتماع ، وكان العرب يجتمعون ويتناشدون الأشعار ، ويذكر كلّ واحد منهم مفاخر آبائه.

ومحلّ الشّاهد :

في قوله : «أولئك» حيث أوتي المسند إليه باسم الإشارة للتّعريض بغباوة جرير حتّى كأنّه لا يدرك غير المحسوس.

(٥) أي أنّه يؤتى بالمسند إليه اسم الإشارة لبيان حال معناه من القرب من المتكلّم أو السّامع ، أو البعد أو التّوسّط منهما.

(٦) مثال للقرب.

(٧) مثال للبعد.

(٨) مثال للمتوسّط.

(٩) أي أنّ نظم الطّبيعي يقتضي ذكر القرب ثمّ التّوسّط ثمّ البعد إلّا أنّ المصنّف عدل عنه ، لأنّ التّوسّط لا يتحقّق إلّا بعد تحقّق طرفيه ، أعني القرب والبعد ، وبتعبير واضح إنّ التّوسّط نسبة بين القرب والبعد ، فيتوقّف تعقّله على تعقّلهما.

__________________

(١) أي قول الفرزدق في خطابه جريرا.

٣٢١

لأنّه (١) إنّما يتحقّق بعد تحقّق الطّرفين ، وأمثال هذه المباحث (٢) تنظر فيها اللّغة من حيث إنّها تبيّن أنّ هذا مثلا للقريب ، وذاك للمتوسّط ، وذلك للبعيد ، وعلم المعاني من حيث إنّه إذا أريد بيان قرب المسند إليه يؤتى بهذا ، وهو زائد على أصل المراد الّذي هو الحكم على المسند إليه المذكور المعبّر عنه بشيء يوجب تصوّره على أيّ وجه كان [أو تحقيره] أي تحقير المسند إليه [بالقرب (٣) نحو : (أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ)(١)

______________________________________________________

(١) أي التّوسّط.

(٢) هذا جواب عن سؤال مقدّر ، وهو أن يقال : إنّ ذا للقريب ، وذاك للمتوسّط ، وذلك للبعيد ، ممّا يقرّره الوضع واللّغة ، فلا ينبغي أن يتعلّق به نظر علم العاني ، لأنّه إنّما يبحث عن الزّائد عن أصل المراد.

حاصل الجواب : إنّ علم المعاني يبحث فيه عن أنّه إذا أريد بيان قرب المسند إليه يؤتى بهذا ، ومن البديهي أنّ إرادة بيان قرب المسند إليه زائد على أصل المراد ، وبعبارة واضحة إنّ جهة البحث وحيثيّته في أسماء الإشارات في اللّغة مخالفة لجهة البحث عنها في علم المعاني ، فإنّ اللّغوي يبحث عن أسماء الإشارات من جهة بيان معانيها الموضوعة بإزائها ، ويبيّن أنّ هذا للقريب ، وذاك للمتوسّط ، وذلك للبعيد ، وليس له أيّ نظر إلى أنّ المسند إليه إذا كان قريبا واقتضى حال المخاطب بيان قربه يؤتى بهذا ، وإذا كان متوسّطا واقتضى حال المخاطب بيان توسّطه يؤتى بذاك ، وإذا كان بعيدا واقتضى حال المخاطب بيان بعده يؤتى بذلك ، هذا بخلاف علماء المعاني ، فإنّهم يبحثون عن أسماء الإشارات من جهة أنّ الإتيان بها قد يقتضيه حال المخاطب ويختلف باختلاف أحوال المخاطبين ، فيقتضي حال المخاطب الإتيان بما وضع للقريب ، وقد يقتضي الإتيان بما وضع للمتوسّط ، أو البعيد.

وبعبارة أخرى حال المخاطب قد يقتضي القرب ، وقد يقتضي البعد أو التّوسّط ، وليس لهم أيّ نظر إلى بيان معاني تلك الألفاظ في اللّغة أصلا. ولا ريب أن حال المسند إليه من حيث القرب والبعد والتّوسّط زائد على أصل المراد الّذي هو عبارة عن مجرّد ثبوت المسند للمسند إليه ، فعليه لا يبقى مجال للسّؤال المذكور.

(٣) أي أنّه يؤتى بالمسند إليه اسم الإشارة لقصد إظهار حقارة معناه بسبب دلالته

__________________

(١) سورة الأنبياء : ٣٦.

٣٢٢

أو تعظيمه بالبعد نحو : (الم (١) ذلِكَ الْكِتابُ)(١) (١)] تنزيلا لبعد درجته (٢) ورفعة محلّه (٣) منزلة بعد المسافة [أو تحقيره (٤) بالبعد كما يقال : ذلك اللّعين فعل كذا] تنزيلا لبعده (٥)

______________________________________________________

على القرب ، فإنّ القرب هنا عبارة عن دنوّ رتبته وسفالة درجته.

توضيح ذلك : إنّ القرب قد يطلق على دناءة المرتبة فيقال : زيد قريب ، أي داني المرتبة ، وهذه المسألة قربيّة ، أي هيّنة وسهل التّناوّل ، كذلك قد يطلق ما يدلّ على القريب ، كلفظة هذا على دناءة المرتبة والحقارة ، فيقال : هذا الّذي فعل كذا لمجنون ، أي هذا الدّانيّ المرتبة وحقير المنزلة الّذي فعل كذا لمجنون ، تنزيلا لانحطاط درجته ودنوّ مرتبته منزلة قرب المسافة ، فإنّ كلّ شيء كان أعلى مرتبة ومنزلة ، يحتاج الوصول إليه إلى الوسائط ، كالشّيء البعيد من حيث المسافة بخلاف شيء دانيّ المرتبة ، فإنّ الوصول إليه لا يحتاج إلى وسائط فهو بمنزلة شيء قريب من حيث المسافة نحو : (أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ) والشّاهد : «هذا» حيث أوتي به لقصد إظهار حقارة المسند إليه أعني نبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قاله أبو جهل مشيرا إلى المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والحاصل أنّه قد أورد المسند إليه اسم الإشارة الموضوع للقريب قصدا لإهانته ، فكان الكفرة قبّحهم الله يقولون : أهذا الحقير يذكر آلهتكم المستعظمة بنفي الألوهيّة عنها.

(١) قد أوتي بالمسند إليه اسم الإشارة الموضوع للبعيد لإظهار عظمته ، والمسند إليه في الآية هو القرآن ، فاستعمل اسم الإشارة الموضوع للبعيد تنزيلا لبعد درجته في البلاغة ، والإخبار بالغيوب بمنزلة البعد الخارجيّ ، فيكون التّنزيل المذكور من باب تنزيل المعقول منزلة المحسوس.

(٢) أي عظم درجته.

(٣) أي شأن الكتاب في الفصاحة والأسلوب.

(٤) أي المسند إليه ، كما يقال : ذلك اللّعين ، والحال أنّه قريب.

(٥) أي المشار إليه قوله : «تنزيلا» مفعول له لفعل محذوف ، أي استعمل ما وضع للإشارة إلى البعيد في الحاضر القريب «تنزيلا لبعده عن ساحة عزّ الحضور» ، وإضافة «عزّ» إلى

__________________

(١) سورة البقرة : ١.

٣٢٣

عن ساحة عزّ الحضور والخطاب منزلة بعد المسافة ولفظ ذلك (١) صالح للإشارة إلى كلّ غائب عينا كان أو معنى (٢) وكثيرا ما يذكر المعنى الحاضر المتقدّم بلفظ ذلك ، لأنّ المعنى غير مدرك بالحسّ (٣) ، فكأنّه بعيد (٤) [أو للتّنبيه (٥)] أي تعريف المسند إليه بالإشارة للتّنبيه (٦) [عند تعقيب المشار إليه بأوصاف (٧)]

______________________________________________________

«الحضور» من قبيل إضافة الصّفة إلى الموصوف ، أي حضور عزّ.

(١) أراد الشّارح أن يبيّن في المقام أنّ استعمال لفظ ذلك ، وهذا في الغائب أو الغير المحسوس مجاز ، فاسم الإشارة «صالح للإشارة إلى كلّ غائب» عن حسّ البصر على سبيل المجاز ، لأنّ أصل أسماء الإشارة وضعت كي يشار بها إلى محسوس مشاهد فخرجت المعقولات وما يحسّ بغير البصر.

(٢) أي مشاهدا كان ذلك الغائب إذا حضر كقولك : جاءني رجل ، فقال لي ذلك الرّجل كذا ، أو غير مشاهد ، كقولك : قال لي رجل كذا ، ثمّ فسّر ذلك القول ، وتلك الصّلاحية مشروطة بشرط أشار إليه بقوله : «وكثيرا ما يذكر المعنى الحاضر المتقدّم» فالشّرط هو تقدّم ذكر المشار إليه كما عرفت في المثالين المذكورين.

(٣) أي حسّ البصر ، وصرّح الشّارح بذلك الشّرط في المطوّل ، فراجع.

(٤) لا ينافي ذلك قوله : «المعنى الحاضر» لأنّ المراد بالمعنى ما يقوم بالغير وهو صادق على البعيد لعدم إدراك كليهما بحاسّة البصر.

(٥) أعاد الجارّ حيث قال : «للتّنبيه» ولم يقل : أو التّنبيه ، للبعد الفاصل بينه وبين قوله : «لتميّزه».

(٦) أي لتنبيه المتكلّم المخاطب.

(٧) المراد من «الأوصاف» الأوصاف اللّغوية لا خصوص النّحويّة ، وجه التّنبيه : أنّ ظاهر المقام إيراد المضمر لتقدّم الذّكر ، وقد عدل عنه إلى اسم الإشارة بناء على أنّ ذلك الموصوف قد تميّز بتلك الأوصاف تمييزا تامّا ، فصار كأنّه مشاهد ، ففي اسم الإشارة إشعار بالموصوف من حيث هو موصوف ، كأنّه قيل أولئك الموصوفون بتلك الصّفات على هدى ، فيكون من قبيل ترتيب الحكم على الوصف المناسب الدّالّ على الغلبة بخلاف الضّمير ، فإنّه يدلّ على ذات الموصوف ، وليس فيه إشارة إلى الصّفات ، وإن كان متّصفا بها ، والفرق بين الاتّصاف بحسب نفس الأمر وملاحظة الاتّصاف في العبارة غير خفيّ.

٣٢٤

أي عند إيراد الأوصاف على عقيب (١) المشار إليه ، يقال : عقّبه فلان (٢) ، إذا جاء على عقبه ثمّ تعدّيه (٣) بالباء إلى المفعول الثّاني ، وتقول عقّبته بالشّيء ، إذا جعلت الشّيء على عقبه ، وبهذا (٤) ظهر فساد ما قيل (٥) : إنّ معناه عند جعل اسم الإشارة بعقب أوصاف [على أنّه (٦)]

______________________________________________________

(١) أي على إثر المشار إليه.

(٢) أي يقول : عقّبه ، إذا جاء فلان بعده.

(٣) أي أنت تعدّيه بالباء إلى المفعول الثّاني ، وتقول عقّبته بالشّيء ، أي جعلت الشّيء على عقبه ، أي في عقبه ، أي بعده ، فالباء في حيّز التّعقيب تدخل على المتأخّر ، فالأوصاف متأخّرة عن المشار إليه في قول المصنّف : «عند تعقيب المشار إليه بأوصاف» لأنّ كلمة الباء تدخل على ما هو بعد المشار إليه ، ومتأخّر عنه ، وغرض الشّارح من بيان معنى عبارة المصنّف بحسب ما تقتضيه الاستعمالات العرفيّة واللّغة ، هو الرّدّ على السّكّاكي حيث تخيّل أنّ كلمة الباء بعد التّعقيب تدخل على ما هو المتقدّم على المشار إليه ، فالتزم في قول المصنّف بحمل وجعل المشار إليه بمعنى اسم الإشارة حتّى يستقيم معناه. لأنّ قوله : «بأوصاف» متقدّم على اسم الإشارة أعني (أُولئِكَ عَلى هُدىً).

وحاصل الرّدّ : إنّ كلمة الباء بعد التّعقيب تدخل على المتأخّر لا على المتقدّم ، فلا وجه لتكلّف تأويل المشار إليه باسم الإشارة.

(٤) أي بهذا التّفسير والبيان «ظهر فساد ما قيل» القائل هو السّكّاكي.

(٥) أي ظهر فساد ما قيل لوجهين :

أحدهما : إنّه أراد بالمشار إليه اسم الإشارة ، حيث أورد لفظ اسم الإشارة ، وترك لفظ المشار إليه ، حيث قال : «إنّ معناه» أي معنى قول المصنّف ـ عند تعقيب المشار إليه بأوصاف ـ «عند جعل اسم الإشارة بعقب أوصاف» وهو قليل.

الثّاني : إنّه مخالف لاستعمال اللّغة ، كما عرفت ، والمتحصّل إنّ المراد تعقيب المشار إليه بأوصاف لا تعقيب الأوصاف باسم الإشارة وإن كان المعنى حاصلا به أيضا ، لأنّ اسم الإشارة وقع عقب الأوصاف الّتي وقعت بعد المشار إليه إلّا أنّه ليس مقصودا.

(٦) أي المسند إليه.

٣٢٥

متعلّق بالتّنبيه ، أي للتّنبيه على أنّ المشار إليه [جدير (١) بما يرد به بعده] أي بعد اسم الإشارة (٢) [من أجلها (٣)] متعلّق بجدير ، أي حقيق بذلك (٤) ، لأجل الأوصاف (٥) الّتي ذكرت بعد المشار إليه (٦) [نحو](الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) إلى قوله : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(١) (٧)] عقّب المشار إليه ، وهو (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) بأوصاف متعدّدة من الإيمان بالغيب وإقامة الصّلاة وغير ذلك (٨). ثمّ عرّف المسند إليه بالإشارة تنبيها (٩) على أنّ المشار إليهم أحقّاء بما يرد بعد أولئك ، وهو

______________________________________________________

(١) أي لائق وحقيق ، فجدير خبر أنّ في قوله : «أنّه» وقد سبق وجه التّنبيه حيث قلنا : إنّ مقتضى ظاهر المقام إيراد الضّمير ...

(٢) وهو لفظ (أُولئِكَ) في المثال ، وفي تفسير مرجع الضّمير في قوله : «بعده» باسم الإشارة تأمّل ، لأنّ اسم الإشارة ليس بمذكور في المتن ، والحقّ أن يرجع إلى المشار إليه ، إلّا أن يقال : إنّ مرجع الضّمير مذكور ضمنا.

(٣) أي الأوصاف.

(٤) أي بالهدى والفلاح.

(٥) أي الإيمان وإقامة الصّلاة وغيرهما.

(٦) أي لفظ (الَّذِينَ).

(٧) الشّاهد فيه : هو (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فالمشار إليه هو قوله تعالى للمتّقين (الَّذِينَ ،) والأوصاف الواقعة عقبه ، هي إيمان المتّقين بالغيب ، وإقامتهم الصّلاة ، وإنفاقهم ممّا رزقهم الله ، وإيمانهم بما أنزل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبما أنزل على من قبله من الرّسل وإيقانهم بثبوت الحشر والجزاء ، ولأجل تلبّسهم بتلك الأوصاف الثّمينة كانوا على هدى من ربّهم وأنّهم هم المفلحون.

(٨) أي كالإنفاق ممّا رزقهم الله ، والإيمان بما أنزل إلى الأنبياء والإيقان بالآخرة.

(٩) مفعول له لقوله : «عرّف المسند إليه» لأنّ إيراد اسم الإشارة بجعله كالمحسوس باعتبار التّمييز الحاصل بالاتّصاف وتعليق الحكم بمشتقّ يشعر بعليّة مأخذه.

__________________

(١) سورة البقرة : ٥.

٣٢٦

كونهم على الهدى عاجلا (١) ، والفوز بالفلاح آجلا (٢) من أجل اتّصافهم (٣) بالأوصاف المذكورة [وباللّام (٤)] أي تعريف المسند إليه باللّام

______________________________________________________

(١) أي في الدّنيا.

(٢) أي في الآخرة.

(٣) أي المشار إليهم بخلاف ما لو أتى بالضّمير ، فإنّه لا يفيد ملاحظة هذه الأوصاف وإن كانت موجودة ، لأنّ اسم الإشارة لكمال التّمييز ، فيلاحظ معه الوصف ، بخلاف الضّمير.

(٤) إشارة إلى أنّ المختار عنده ما ذهب إليه سيبويه من أنّ أداة التّعريف هي اللّام وحدها ، لا ما ذهب إليه الخليل والمبرّد من أنّها أل والهمزة معا ، ثمّ الهمزة على مذهب سيبويه اجتلبت لتعذّر النّطق بالسّاكن. وحاصل ما مشى عليه المصنّف أنّ اللّام قسمان : لام العهد الخارجيّ ، ولام الحقيقة.

فلام العهد تحتها أقسام ثلاثة ، لأنّ معهودها إمّا صريحيّ ، أي تقدّم ذكره صريحا ، أو كنائيّ ، أي تقدّم ذكره كناية ، أو علميّ ، أي لم يتقدّم له ذكر لكن للمخاطب علم به.

ولام الحقيقة تحتها أربعة أقسام ، لأنّ مدخولها إمّا الحقيقة من حيث هي هي ، وتسمّى لام الجنس ، ولام الحقيقة ولام الطّبيعة ، أو من حيث وجودها في ضمن فرد غير معيّن ، وتسمّى لام العهد الذّهني ، أو من حيث وجودها في ضمن جميع الأفراد الّتي يتناولها اللّفظ بحسب اللّغة ، وتسمّى لام الاستغراق الحقيقيّ ، أو بحسب العرف ، وتسمّى لام الاستغراق العرفيّ وسيأتي الجميع ، واختلف في الأصل والحقيقة.

فقيل : لام الحقيقة أصل ، ولام العهد الخارجيّ أصل آخر ، وهو الّذي أشار إليه المصنّف والشّارح. وقيل : الأصل لام العهد الخارجيّ ، قال الحفيد : وهو المفهوم من الكشّاف وسائر كتب القوم. وقيل : لام الاستغراق ، وقيل : الجميع أصول ، وقال الحفيد : التّحقيق ، إنّ معنى اللّام الإشارة إلى معنى دخلت هي عليه ، فإنّ كان اسم الجنس موضوعا بإزاء الحقيقة فالأصل لام الحقيقة ، وسائر الأقسام من فروعها حتّى العهد الخارجيّ ، ولهذا احتاج إلى القرينة ، أعني تقدّم الذّكر أو علم المخاطب ، وإن كان موضوعا بإزاء فرد ما فالأصل لام الذّهن ، وسائر الأقسام من فروعه بحسب المقامات والقرائن كما في التّجريد.

٣٢٧

[للإشارة إلى معهود (١)] أي إلى حصّة من الحقيقة (٢) معهودة (٣) بين المتكلّم والمخاطب واحدا كان أو اثنين أو جماعة يقال (٤) : عهدت فلانا إذا أدركته ولقيته ، وذلك لتقدّم ذكره صريحا أو كناية. [نحو : (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى)(١) (٥) أي ليس] الذّكر

______________________________________________________

(١) أي معهود في الخارج ، وقدّم لام العهد على لام الحقيقة ، لأنّ المعرّف بها أعرف من المعرّف بلام الحقيقة ، وعكس السّكّاكي.

(٢) التّفسير المذكور من الشّارح جواب عن سؤال مقدّر : وحاصل السّؤال : أنّه لا يصحّ جعل الإشارة إلى معهود مقابلا للإشارة إلى نفس الحقيقة ، لأنّ نفس الحقيقة في المعرّف بلام الجنس أيضا معهودة.

وملخّص الجواب : إنّ المراد من المعهود البعض ، أعني الفرد المقابل للحقيقة ، لا الفرد المقابل للاثنين والجماعة ، فإذا لا إشكال على جعل الإشارة إلى المعهود مقابلا للإشارة إلى نفس الحقيقة.

إن قلت : ما وجه اختيار الشّارح عنوان الحصّة دون عنوان الفرد مع أنّ الثّاني أوضح من الأوّل.

قلت : الوجه في ذلك أنّ المتبادر من الفرد هو الشّخص الواحد عرفا والمعهود الخارجيّ قد يكون واحدا ، وقد يكون اثنين ، وقد يكون جماعة.

نعم ، الحصّة في اصطلاح المناطقة عبارة عن الطّبيعة المعروضة للتّشخّص.

(٣) أي معيّنة.

(٤) أي يقال : عهدت فلانا لغة ، والمراد هنا لازمه وهو التّعيين ، لأنّ إدراك الشّيء وملاقاته يستلزم تعيينه ، فالمراد بالمعهود هو المعيّن.

(٥) والقصّة ، إذ قالت امرأة عمران : (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ٣٥ فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ).

والشّاهد : في قوله تعالى : (وَلَيْسَ الذَّكَرُ) حيث إنّ الذّكر مذكور سابقا في ضمن قولها : (مُحَرَّراً) لأنّ قولها : (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) بمنزلة إنّي نذرت الذّكر الّذي في بطني لأنّ العتق لخدمة بيت المقدس لا يكون صالحا إلّا الذّكر.

__________________

(١) سورة آل عمران : ٣٦.

٣٢٨

[الّذي طلبت] امرأة عمران (١) [كالّتي] أي كالأنثى الّتي [وهبت] تلك الأنثى [لها] أي لامرأة عمران ، فالأنثى (٢) إشارة إلى ما تقدّم ذكره صريحا في قوله تعالى : (قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) لكنّه ليس بمسند إليه والذّكر (٣) إشارة إلى ما سبق ذكره كناية في قوله تعالى : (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) فإنّ لفظة ما وإن كان يعمّ (٤) الذّكور والإناث ، لكنّ التّحرير (٥) ، وهو أن يعتق الولد لخدمة بيت المقدس ، إنّما كان للذّكور دون الإناث وهو (٦) مسند إليه (٧) ، وقد يستغنى (٨) عن ذكره (٩) لتقدّم علم المخاطب به (١٠) نحو : خرج الأمير إذا لم يكن في البلد إلّا أمير واحد (١١). [أو] للإشارة [إلى نفس الحقيقة (١٢)]

______________________________________________________

(١) أي أمّ مريم ، والمراد من الأنثى هي مريم.

(٢) أي اللّام الدّاخلة على أنثى ، إشارة إلى ما سبق ذكره صريحا في قولها : (وَضَعْتُها أُنْثى) فيكون مثالا للقسم الأوّل ، أعني المعهود الصّريحيّ.

(٣) أي اللّام الدّاخلة على ذكر إشارة إلى ما سبق ذكره كناية ، فيكون مثالا للمعهود الكنائي.

(٤) أي بحسب الوضع.

(٥) أي التّحرير المستفاد من قولها : (مُحَرَّراً) قرينة مخصّصة للفظ ما بالذّكور.

(٦) أي الذّكر.

(٧) لأنّه اسم ليس في قوله تعالى : (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى).

(٨) هذا إشارة إلى القسم الثّالث العلميّ المقابل للصّريحي والكنائي كما سبق بيانه.

(٩) أي عن ذكر المعهود.

(١٠) أي المعهود بالقرائن.

(١١) فإنّ العلم بعدم كون أمير في البلد إلّا شخصا معيّنا قرينة على أنّ المراد بالأمير في قولك : «خرج الأمير» هذا الشّخص المعيّن ، فتكون القرينة عندئذ حاليّة.

(١٢) أي لام الجنس ولام الحقيقة معناهما واحد وهو قسم من لام الجنس يقابل العهد الذّهني والاستغراق ، كما في المطوّل.

٣٢٩

ومفهوم المسمّى (١) من غير اعتبار (٢) لما صدق عليه من الأفراد [كقولك : الرّجل خير من المرأة (٣) ،

______________________________________________________

(١) عطف تفسيريّ على الحقيقة ، فيكون قوله : «ومفهوم المسمّى» تفسيرا للحقيقة ، وهذا التّفسير إشارة إلى أنّه ليس المراد بالحقيقة ههنا المعنى المشهور ، أي الماهية الموجودة في الخارج.

توضيح ذلك : إنّ الأمر الكلّي باعتبار وجوده في الخارج يسمّى بالحقيقة عند الفلاسفة ، وباعتبار تعقّله في الذّهن سواء كان له وجود في الخارج أم لا ، يقال له عندهم المفهوم ، وباعتبار وقوعه في جواب ما هو عند السّؤال عن الكثيرين المتّفقين بالحقيقة أو المختلفين ، يقال له عندهم الماهية.

وإذا عرفت هذا فنقول : إنّ التّفسير إشارة إلى أنّ المراد بالحقيقة هو المفهوم على خلاف اصطلاح الفلاسفة ليشمل قولنا : العنقاء والغول ، فإنّ اللّام فيهما للجنس مع أنّهما من الكلّيات الّتي لا فرد لها خارجا ، وإضافة «مفهوم» إلى «المسمّى» بيانيّة ، كخاتمه فضّة ، أي المفهوم هو مسمّى الاسم ، والنّسبة بين المفهوم والمسمّى عموم من وجه ، فإنّهما يوجدان معا فيما إذا كان ما وضع له اللّفظ كلّيّا ، ويوجد الأوّل فقط فيما إذا تعقّلنا كلّيّا في الذّهن ولم يوضع له لفظ بعد ، ويوجد الثّاني فقط ، فيما إذا كان الموضوع له جزئيّا حقيقيّا. فإنّه لا يقال عليه عند الأدباء ، وقد تقرّر في محلّه أنّ النّسبة بين المضاف والمضاف إليه إذا كانت عموما من وجه تكون الإضافة بيانيّة.

(٢) بيان وتفسير لقوله : «ونفس الحقيقة» أي من غير ملاحظة ما صدق عليه ذلك المفهوم من الأفراد ، كما في قولك : الحيوان جسم نام ، والإنسان حيوان ناطق ، لأنّ التّعريف إنّما هو للماهية ، وكما في اللّام الدّاخلة على موضوع القضيّة الطّبيعيّة نحو : الحيوان جنس ، والإنسان نوع ، فبقوله من غير اعتبار وقع الاحتراز عن العهد الذّهني والاستغراق فإنّهما وإن كانا من فروع لام الحقيقة عند المصنّف والشّارح إلّا أنّهما اعتبر في أحدهما بعض الأفراد الغير المعيّن وفي الآخر كلّ الأفراد.

(٣) أي جنس الرّجل وماهيّته خير من جنس المرأة وماهيّتها ، فلا يلزم من ذلك أن لا تكون امرأة خير من الرّجل لإمكان أن يكون الجنس الحاصل في ضمن كلّ فرد من

٣٣٠

وقد يأتي (١)] المعرّف بلام الحقيقة [لواحد] من الأفراد [باعتبار عهديته (٢) في الذّهن]

______________________________________________________

الرّجل خيرا من جنس المرأة الحاصل في ضمن جميعها ، مع كون فرد خاصّ منها خيرا من عدّة أفراد منه كفاطمةu فإنّها خير من عدّة الرّجال للخصوصيّات الفرديّة الطّارئة عليها.

وبعبارة أخرى : إنّ ماهية الرّجل من حيث هي هي الّتي توجد في الذّهن مع قطع النّظر عن وجودها مع الخصوصيّات الفرديّة خير من ماهيّة المرأة كذلك ، وهذا لا ينافي أن يكون بعض أفراد المرأة نظرا إلى خصوصيّة فرديّة في ذلك البعض خيرا من أفراد الرّجل نظرا إلى كونه فاقدا لتلك الخصوصيّة.

(١) لم يقل : وقد يقصد ، أو قد يستعمل ، لأنّ الوحدة المبهمة مستفادة من القرينة الخارجيّة ، لا من المعرّف باللّام ، وإنّما يقصد به الجنس المعهود ، ثمّ هذا الجنس ينطبق على الفرد المستفاد من القرينة من قبيل انطباق الكلّي على فرده وبعد هذا الانطباق يصبح المعرّف بلام العهد الذّهني كالنّكرة «لواحد من الأفراد» أي لواحد غير معيّن عند المتكلّم والسّامع ، ثمّ المراد من الأفراد أفراد مدلوله فإن كان مفردا فهو لواحد من الأفراد وإن كان تثنية فهو لواحد من المثنّيات ، وإن كان جمعا فهو لواحد من الجماعات.

لا يقال : كيف يجيء المعرّف بلام الجنس لواحد من أفراد مدلوله ، وقد مرّ أنّ اللّام فيه إشارة إلى نفس الماهية من غير اعتبار لما صدق عليه من الأفراد.

لأنّا نقول : إنّ عدم اعتبار ما صدق عليه في المعرّف بلام الجنس لا يستلزم اعتبار عدم الصّدق على الأفراد ، والمنافي لإتيان المعرّف بلام الجنس لواحد من أفراده هو الثّاني دون الأوّل.

(٢) أي معهوديّة ذلك الواحد المأتي له المعرّف بلام الحقيقة ، فالمعهود ابتداء هو الحقيقة ، ولمّا كان استحضار الماهية يتضمّن استحضار أفرادها كان كلّ واحد من الأفراد معهودا ذهنا ، ثمّ قوله : «باعتبار عهديّته» جواب عن سؤال مقدّر ، وحاصل السّؤال : إنّ لام الحقيقة لام التّعريف ، والمعرّف بها من المعارف وواحد من الأفراد غير معرّف فكيف يجيء المعرّف باللّام لواحد من الأفراد؟ وهل هذا إلّا كالجمع بين الذّئب والشّاة.

والجواب : إنّ واحدا من الأفراد معهود في الذّهن ، ولا يكون ممّا لا حظّ له من التّعيّن أصلا ، والوجه في ذلك أنّه لا ريب في أنّ نفس الحقيقة إذا كانت معيّنة ومعهودة في ذهن المخاطب ، بمعنى كونها مميّزة عنده عن أفراد سائر الطّبائع بواسطة تمييز حقيقتها

٣٣١

لمطابقة (١) ذلك الواحد الحقيقة يعني (٢) يطلق المعرّف بلام الحقيقة الّذي هو

______________________________________________________

عنها ، ألا ترى إنّك إذا تعرف معنى الإنسان وتميّزه عن معاني البقر والغنم وغيرهما تعرف أفراد الإنسان وتميّزها عن أفراد البقر والغنم وغيرهما أيضا ، والسّرّ في ذلك كون الأفراد مشتملة على الحقيقة ومنشأ لانتزاعها ، وكون الحقيقة صادقة عليها ومتّحدة معها في الوجود الخارجيّ ، فكلّ فرد من أفراد حقيقة معيّنة معهود ومميّز بتبعها عن كلّ فرد من أفراد حقيقة أخرى. نعم ، كلّ فرد من هذه الأفراد لا يمكن أن يصير معهودا ومميّزا عن سائر تلك الأفراد بتبع تمييز الحقيقة عن سائر الحقائق ، بل لا بدّ في ذلك من العلم بالمشخّصات الخارجيّة فإنّ الحقيقة صادقة على جميعها بالتّواطئ ، فلا يمكن أن تقع ما به الامتياز لكلّ منها بالقياس إلى غير ما يشاركه في هذه الحقيقة.

إذا عرفت ما ذكرنا فنقول : إنّ لواحد من الأفراد حظّا من التّعيّن والتّميّز في ضمن تعيّن الحقيقة وتميّزها ، وإن لم يكن له تميّز تامّ بهذا الاعتبار ، فعليه لا مانع من أن يجيء المعرّف بلام الحقيقة له ، إذ يكفي في ذلك هذا المقدار من التّميّز وليس الجمع بينهما كالجمع بين الذّئب والشّاة ، بل إنّما هو كالجمع بين العنوان والمعنون.

(١) علّة لقوله : «عهديّته» أي معهوديّته في الذّهن «لمطابقة ذلك الواحد الحقيقة» ومعنى مطابقتها لها كون الواحد مشتملا عليها كاشتمال المعنون على العنوان لا كاشتمال الظّرف على المظروف أو مصداقا لها ومتّحدا لها في الخارج.

(٢) قوله : «يعني» إشارة إلى دفع توهّم ناش من قول المصنّف : «وقد يأتي المعرّف بلام الحقيقة لواحد من الأفراد» فإنّه موهم بظاهره أنّ المعرّف باللّام يستعمل في واحد من الأفراد كاستعمال العامّ في الخاصّ فيكون مجازا.

وحاصل الدّفع : إنّ مراد المصنّف من العبارة المذكورة ليس ما يتوهّم من ظاهرها من كون المعرّف باللّام مستعملا في واحد من الأفراد حتّى يصبح مجازا ، بل مراده من الإتيان الانطباق لا الاستعمال بمعنى أنّ المعرّف باللّام قد استعمل في الجنس المعهود لا غيره ، وإنّما الفرد يستفاد من القرينة الخارجيّة ، ك (ادخل) في المثال الآتي ، فحيث إنّ هذا الفرد جزئيّ من جزئيّاته ومطابق له ، أي مشتملا عليه كاشتمال العنوان على المعنون ، أي ينطبق عليه كانطباق العنوان على المعنون ، فعليه ليس من المجاز عين ولا أثر ، فإنّ بين الانطباق على الفرد والاستعمال فيه فرقا لا يخفى على أحد ، فقوله : «يطلق المعرّف ...» أي ينطبق المعرّف بلام الحقيقة.

٣٣٢

موضوع للحقيقة المتّحدة في الذّهن على فرد (١) ما موجود من الحقيقة باعتبار كونه معهودا في الذّهن ، وجزئيّا من جزئيات تلك الحقيقة مطابقا إيّاها (٢) كما يطلق (٣) الكلّي الطّبيعي على كلّ جزئيّ من جزئيّاته ، وذلك (٤) عند قيام قرينة دالّة على أنّه ليس القصد إلى نفس الحقيقة من حيث هي هي (٥) ، بل من حيث الوجود ولا من حيث وجودها (٦) في ضمن جميع الأفراد ، بل بعضها (٧) [كقولك : ادخل السّوق ، حيث لا عهد (٨)]

______________________________________________________

(١) متعلّق بقوله : «يطلق».

(٢) أي مشتملا على تلك الحقيقة.

(٣) أي كما يحمل الكلّي الطّبيعي على كلّ جزئيّ من جزئيّاته في عدم الاستلزام للمجازيّة.

(٤) أي إطلاق المعرّف باللّام وانطباقه على واحد من الأفراد.

(٥) أي من غير نظر إلى ما صدقت عليه من الأفراد ، أي ليس المراد الجدّي الحقيقة من حيث هي هي ، لا أنّ المراد الاستعمالي ليس الحقيقة من حيث هي هي ، فإنّ المراد الاستعمالي كما يتّضح من مطاوي كلماته ليس إلّا الحقيقة من حيث هي هي ، وإلّا لزم المجاز ، وهو يفرّ منه.

(٦) أي الحقيقة «في ضمن جميع الأفراد» حتّى يصبح استغراقيّا.

(٧) أي الأفراد لا على التّعيين.

(٨) أي حيث ليس بينك وبين مخاطبك سوق معهود ، ومميّز عن سائر الأسواق في الخارج بأن تتعدّد أسواق البلد ، ولا تعيين لواحد منها بينك وبين مخاطبك وإن كان معهودا في الذّهن بالمعنى الّذي ذكر من كونه مميّزا من أفراد غير السّوق بتبع تمييز ماهية السّوق عن سائر الماهيات ، وإنّما نفى العهد في الخارج ، لأنّ اللّام عند وجوده يكون من أحد أقسام العهد الخارجيّ بالمعنى الأعمّ لا العهد الذّهني ، فإنّ قولك : «ادخل» قرينة على أنّ المراد بالمعرّف بلام الحقيقة هو واحد من الأفراد الموجودة في الخارج ، وليس المراد حقيقة السّوق من حيث هي هي لاستحالة الدّخول في جميع أفراد السّوق والعهد الخارجيّ منتف من الأصل ، فعلم من هذا أنّ المراد الحقيقة في ضمن بعض الأفراد ، فلا يمكن جعل اللّام للحقيقة والاستغراق.

٣٣٣

في الخارج (١) ، ومثله (٢) قوله تعالى : (وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ)(١) [وهذا (٣) في المعنى كالنّكرة] وإن كان في اللّفظ يجرى عليه (٤) أحكام المعارف من وقوعه (٥) مبتدأ وذا حال ووصفا للمعرفة وموصوفا بها (٦) ونحو ذلك (٧) ،

______________________________________________________

(١) أي لا مطلقا كما يوهمه إطلاق النّفي في كلام المصنّف لوجود العهد في الذّهن ، فالمنفيّ هو العهد الخارجي لا الذّهني لوجوده ، فلا تنافي. نعم ، لو فرض أنّ هنا سوقا معهودا بين المتكلّم والمخاطب كان اللّام للعهد الخارجيّ.

(٢) أي مثل (ادخل السّوق) قوله تعالى : (وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) حاكيا عن يعقوب] قال : (إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) فإنّ الأكل قرينة على أنّ المراد من الذّئب فرد من أفراد الحقيقة المعيّنة في الذّهن ، وليس المراد حقيقة الذّئب من حيث هي هي ، لأنّ حقيقة الذّئب من حيث هي هي لا تأكل ولا الحقيقة في ضمن جميع الأفراد.

(٣) أي المعرّف بلام العهد الذّهني «في المعنى كالنّكرة» أي بعد اعتبار القرينة ، لأنّ المراد به بعد اعتبارها فرد مبهم ، أمّا قبل اعتبارها فليس كالنّكرة ، لأنّ المراد به قبل اعتبارها هي الحقيقة المعيّنة.

(٤) أي المعرّف بلام العهد الذّهني ، وحاصل ما ذكره الشّارح من أنّ المعرّف باللّام من حيث المبدأ من المعارف ، حيث إنّ اللّام إشارة إلى الحقيقة المتّحدة المعيّنة ، ومن حيث المنتهى كالنّكرة حيث إنّ المستفاد من القرينة هو الفرد المنتشر ، وينطبق الجنس عليه ، فبعد الانطباق يصبح أشبه شيء بالنّكرة ، فروعي فيه كلتا الحيثيّتين ، فمن الحيثيّة الأولى تجرى عليه أحكام المعارف غالبا ، ومن الحيثيّة الثّانية تجرى عليه أحكام النّكرة.

(٥) أي المعرّف بلام العهد الذّهني «مبتدأ» كقولك : الرّجل شتمني «وذا حال» كقولك : جاءني الرّجل وهو تركيّ ، «ووصفا للمعرفة» كقولك : أعجبني هذا الأسود.

(٦) أي بالمعرفة كقولك : رأيت السّوق المعمور.

(٧) كعطف البيان من المعرفة ، نحو : رأيت الشّيء في السّوق.

__________________

(١) سورة يوسف : ١٣.

٣٣٤

وإنّما قال : كالنّكرة لما بينهما (١) من تفاوت ما (٢) ، وهو أنّ النّكرة معناه (٣) بعض غير معيّن من جملة الحقيقة ، وهذا معناه نفس الحقيقة وإنّما تستفاد البعضيّة من القرينة كالدّخول والأكل فيما مرّ ، فالمجرّد (٤) وذو اللّام (٥) بالنّظر إلى القرينة (٦) سواء (٧) ، وبالنّظر إلى أنفسهما مختلفان (٨) ، ولكونه (٩) في المعنى كالنّكرة قد يعامل معاملة النّكرة ،

______________________________________________________

(١) أي بين النّكرة والمعرفة بلام الحقيقة.

(٢) وحاصل التّفاوت : إنّ المعرّف بلام العهد الذّهني مدلوله الحقيقة في ضمن فرد ما ، والنّكرة مدلولها فرد ما منتشر ، هذا إن قلنا : إنّ النّكرة موضوعة للفرد المنتشر ، فإن قلنا أيضا : إنّها للمفهوم كالمعرّف بلام الحقيقة ، فالفرق أنّ تعيين الجنس وعهديّته معتبر في مدلول المعرّف بلام العهد الذّهني غير معتبر في النّكرة وإن كان حاصلا.

(٣) أي معنى النّكرة بحسب الوضع غير معيّن من جملة أفراد الحقيقة ومعنى المعرّف هو نفس الحقيقة بحسب الوضع ، والبعضيّة والفرديّة مستفادة من القرينة كالدّخول مثلا.

(٤) أي المجرّد من اللّام ، نحو : سوقا.

(٥) نحو : السّوق.

(٦) قيد ل «ذو اللّام» إذ المجرّد استعماله في المفرد لا يتوقّف على القرينة.

(٧) في إفادة كلّ منهما بعضا غير معيّن ، وإن كان في النّكرة بالوضع ، وفي ذي اللّام بالقرينة. وبعبارة أخرى : إنّ المجرّد وذو اللّام سواء في أنّ المراد هو البعض في كليهما ، وإن كانت إرادة البعض في المجرّد بنفس اللّفظ ، وفي المعرّف بالقرينة.

(٨) بمعنى أنّ المجرّد موضوع للفرد المنتشر وذو اللّام للحقيقة المتّحدة المعيّنة في الذّهن ، وإنّما أطلق على الفرد للقرينة باعتبار وجود الحقيقة فيه ، فإفادة البعضيّة في المجرّد بالوضع وفي ذي اللّام بالقرينة.

(٩) أي المعرّف بلام العهد الذّهني ، وهذا بيان لرعاية الحيثيّة الثّانية الّتي تجري عليه باعتبارها أحكام النّكرة. وبعبارة أخرى : للمعرّف بلام العهد الذّهني اعتباران : اعتبار في اللّفظ ، فتجرى عليه أحكام المعرفة بهذا الاعتبار ، كما عرفت ، واعتبار في المعنى فتجرى عليه أحكام النّكرة بهذا الاعتبار ، لأنّه بهذا الاعتبار كالنّكرة فيعامل معه معاملتها ، ويوصف بالجملة كالنّكرة.

٣٣٥

ويوصف بالجملة (١) كقوله : «ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّني» (٢). [وقد يفيد] المعرّف باللّام المشار بها إلى الحقيقة [الاستغراق (٣) نحو : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ)(١) (٤)] أشير باللّام إلى الحقيقة لكن لم يقصد بها الماهيّة من حيث هي هي ، ولا من حيث تحقّقها في ضمن بعض الأفراد ، بل في ضمن الجميع بدليل صحّة الاستثناء الّذي شرطه دخول

______________________________________________________

(١) عطف على قوله : «يعامل» من قبيل عطف المعلول على العلّة.

(٢) البيت هكذا :

ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّني

فمضيت ثمّة قلت : لا يعنيني

فقوله : «أمرّ» بمعنى مررت ، وإنّما عدل عنه إلى المضارع لقصد تصوير الحالة العجيبة واستحضارها ، «اللّئيم» الدّنيء الأصل والبخيل ، «يسبّني» مضارع من السّبّ بمعنى الشّتم «مضيت» من المضيّ بمعنى التّرك ، «ثمّة» حرف عطف ، والباقي واضح.

والشّاهد : في قوله : «اللّئيم» حيث إنّه وصف بالجملة أعني «يسبّني» وهو المعرّف بلام العهد الذّهني حيث إنّ القائل لم يرد لئيما معيّنا ، إذ ليس فيه إظهار ملكة الحلم المقصودة بالتّمدّح بها ، ولا الماهية من حيث هي هي ، لأنّها ليست قابلة للمرور ولا جميع أفراد اللّئيم لعدم إمكان المرور على كلّ لئيم في العالم ، فيتعيّن أن يكون المراد به الجنس في ضمن فرد مبهم. وبعبارة أخرى : أنّه ليس المراد باللّئيم شخصا معيّنا معهودا في الخارج ، بل المراد به أنّ كلّ لئيم عادته السّبّ والشّتم كائنا من كان ، لأنّ القائل أراد بقوله هذا إظهار أنّ له ملكة الحلم ، وشيم الكرام (الَّذِينَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً ،) وهذا المعنى لا يناسب إرادة لئيم خاصّ ، بل المناسب له إرادة مطلق من كان كذلك ، ثمّ الوجه لكون الجملة صفة لا حالا ، أنّ الغرض أنّ اللّئيم دأبه السّبّ والشّتم ، ومع ذلك يتحمّله القائل ، ويعرض عنه ، وليس الغرض تقييد السّبّ بحال المرور فقط ، كما هو مقتضى الحالية.

(٣) أي استغراق جميع الأفراد ، وهذا هو القسم الثّالث من أقسام لام الحقيقة.

(٤) تمام الآية (وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا

__________________

(١) سورة العصر : ٢.

٣٣٦

المستثنى في المستثنى منه لو سكت عن ذكره (١) ، فاللّام (٢) الّتي لتعريف العهد

______________________________________________________

بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) أقسم سبحانه بالدّهر ، لأنّ فيه عبرة لذوي الأبصار من جهة مرور اللّيل والنّهار ، إنّ الإنسان لفي نقصان ، لأنّه ينقص عمره كلّ يوم وهو رأس ماله فإذا ذهب ولم يكتسب به الطّاعة يكون على نقصان طول دهره ، ويستثنى المؤمنون العاملون بطاعة الله ، ووصّى بعضهم بعضا باتّباع الحقّ واجتناب الباطل ، وبالصّبر على المشاقّ.

والشّاهد : في قوله تعالى : (الْإِنْسانَ) حيث أوتي به معرّفا باللّام المشار بها إلى الحقيقة من حيث وجودها في ضمن جميع الأفراد.

(١) أي لو سكت المتكلّم عن ذكر المستثنى ، وحاصل الكلام : إنّه لا بدّ في المقام من الالتزام بأنّ قوله تعالى : (الْإِنْسانَ) أريد به الاستغراق ، وذلك لأنّه لو كان المراد به الحقيقة من حيث هي هي لما صحّ الاستثناء لعدم تناوله للأفراد حينئذ ، وكذلك لو كان المراد به مبهما لعدم إحراز دخول المستثنى في المستثنى منه على هذا التّقدير ، وكذلك لو كان المراد به بعضا معيّنا ليس ذلك البعض من جملة (الَّذِينَ آمَنُوا ،) وذلك لعدم الدّخول ، وكذلك لا يصحّ الاستثناء لو كان المراد به بعضا معيّنا من جملته (الَّذِينَ آمَنُوا) للزوم التّرجيح بلا مرجّح ، إذ غير الّذين آمنوا كلّه في خسر ، فلا وجه لإرادة بعض دون بعض ، فيتعيّن بقرينة الاستثناء كونه مفيدا للاستغراق ، وقد انقدح من هذا التّوجيه إنّ المعرّف بلام الاستغراق أيضا قد استعمل في الحقيقة والأفراد إنّما تستفاد من الخارج ، وهو الاستثناء ، ثمّ انطبقت الحقيقة عليها ، لكونها أفرادا لها ومتّحدة معها في الخارج.

إن قلت : إنّ الاستدلال على العموم بصحّة الاستثناء مستلزم للدّور ، لأنّ صحّة الاستثناء يتوقّف على العموم ، فلو كانت إرادة العموم متوقّفة على صحّة الاستثناء كما هو مقتضى الاستدلال للزم الدّور.

قلت : إنّ صحّة الاستثناء يتوقّف ثبوتا على إرادة العموم وإرادة العموم يتوقّف إثباتا على صحّة الاستثناء فلا دور.

(٢) هذا تفريع على إرجاع الضّمير في قوله : «وقد يأتي ـ وقد يفيد» إلى المعرّف بلام الحقيقة ، أي فعلم أنّ اللّام الّتي لتعريف الذّهنيّ أو الاستغراق هي لام الحقيقة إذ المتفرّع على إرجاع الضّمير علم ذلك لا نفسه.

٣٣٧

الذّهني أو الاستغراق هي لام الحقيقة ، حمل على ما ذكرنا (١) بحسب المقام والقرينة.

ولهذا (٢) قلنا : إنّ الضّمير في قوله : وقد يأتي ، وقد يفيد ، عائد (٣) إلى المعرّف باللّام المشار بها إلى الحقيقة (٤) ولا بدّ في لام الحقيقة من أن يقصد بها الإشارة إلى الماهيّة باعتبار حضورها في الذّهن ليتميّز عن أسماء الأجناس النّكرات مثل الرّجعى ورجعى ، وإذا اعتبر الحضور في الذّهن ، فوجه امتيازه عن تعريف العهد أنّ لام العهد إشارة إلى

______________________________________________________

(١) أي حمل مدخولها على ما ذكرنا من الفرد المبهم في العهد الذّهني وجميع الأفراد في الاستغراق بحسب المقام والقرينة ، فالحاصل : إنّ لام الحقيقة هي الأصل والعهد الذّهني والاستغراق فرعان لها مستفادان بحسب المقام والقرينة ، لكن تارة يقصد بلام الحقيقة الحقيقة من حيث هي هي ، وأخرى يقصد الحقيقة من حيث تحقّقها في بعض الأفراد ، وثالثة يقصد الحقيقة من حيث تحقّقها في جميع الأفراد ، وأمّا لام العهد الخارجيّ ، فهي قسم برأسها عند المصنّف والشّارح ، وجعل بعضهم الكلّ فرع لام الحقيقة ، وبعضهم جعل لام العهد الخارجيّ أصلا للكلّ ، ومن يريد التّحقيق فعليه بالمطوّلات.

(٢) أي لأجل أنّ لام العهد الذّهني ولام الاستغراق متفرّعان على لام الحقيقة ، قيّد مرجع الضّمير في «يأتي ويفيد» بقوله : «المشار بها إلى الحقيقة» ولم يجعل مرجعه مطلق اللّام ، إذ يفهم من التّقييد المذكور أنّ لام العهد الذّهني مندرجة تحت لام الحقيقة بخلاف ما إذا عاد الضّمير إلى مطلق المعرّف فإنّه وإن كان صحيحا في الواقع إلّا أنّه لا يدلّ على اندراج لام الاستغراق تحت لام الحقيقة ، ولا على اندراج لام العهد الذّهنيّ تحت لام الحقيقة مع أنّه مراد.

(٣) أي ليس بعائد إلى المعرّف باللّام مطلقا لعدم إفادته أنّ هذين القسمين من أفراد لام الحقيقة ، وممّا يدلّ على إرجاعه إليه تغبير المصنّف الأسلوب حيث لم يقل : أو للإشارة كما قال في الأوّلين.

(٤) جواب عن إشكال صاحب المفتاح ، وتقريب الإشكال : إنّ تعريف الحقيقة إن قصد به الإشارة إلى الماهيّة من حيث هي هي لم يتميّز عن أسماء الأجناس الّتي ليست فيها دلالة على البعضيّة والكلّيّة ، وإن قصد باعتبار حضورها في الذّهن لم يتميّز عن تعريف العهد الخارجيّ ، لأنّ كلا منهما إشارة إلى حاضر معيّن في الذّهن.

٣٣٨

حصّة معيّنة من الحقيقة واحدا كان (١) أو اثنين (٢) أو جماعة (٣) ولام الحقيقة إشارة إلى نفس الحقيقة (٤) من غير نظر إلى الأفراد (٥) ، فليتأمّل [وهو] أي الاستغراق (٦) [ضربان

______________________________________________________

وحاصل الجواب الّذي أشار إليه بقوله : «ولا بدّ ...» ، إنّا نختار الثّاني ، وهو أنّ لام الحقيقة الدّاخلة على اسم جنس يقصد بها الإشارة إلى الماهيّة باعتبار حضورها في الذّهن ، والفرق بين المعرّف بلام الحقيقة ولام العهد الخارجيّ المشار إليه بلام الحقيقة هو الحقيقة المعيّنة في الذّهن ، والمشار إليه بلام العهد الخارجيّ حصّة من أفراد الحقيقة ، والفرق بين الحقيقة والحصّة منها واضح.

(١) نحو : جاء رجل فأكرمت الرّجل.

(٢) نحو : جاءني رجلان فأكرمت الرّجلين.

(٣) نحو : جاءني رجال فأكرمت الرّجال ، ثمّ ما تقدّم في قوله : «الرّجعى» مثال للمعرّف بلام الحقيقة ، وقوله : «رجعى» مثال لأسماء الأجناس النّكرات.

(٤) أي نفس حقيقة مدخولها.

(٥) أي مع قطع النّظر عن القرائن ، وإلّا فقد ينظر في مدخول لام الحقيقة إلى الأفراد ، وهذا الفرق صحيح إذا كان مقصود الشّارح بيان الفرق بين لام العهد الخارجيّ العلميّ ، وبين القسم الأوّل من أقسام لام الحقيقة خاصّة ، لأنّ لام الحقيقة من حيث هي هي لا ينظر فيها إلى الأفراد ، وأمّا لو كان مقصوده بيان الفرق بين لام العهد الخارجيّ ، وبين لام الحقيقة بأقسامها كما قاله البعض فيشكل عليه قوله : «من غير نظر إلى الأفراد» لأنّه قد ينظر في مدخول لام الحقيقة إلى الأفراد ، كما في العهد الذّهنيّ والاستغراق ، فلا يصحّ قوله : «من غير نظر إلى الأفراد» ولعلّ قوله : «فليتأمّل» إشارة إلى هذا الإشكال.

(٦) أي الاستغراق من حيث هو ، سواء كان في المسند إليه أو في غيره ، فليس المراد الاستغراق في خصوص المسند إليه ، فلا يرد أنّ الغيب والشّهادة مضاف إليه ، والصّاغة مفعول به ، فلا يصحّ التّمثيل بالمثالين المذكورين في المتن.

٣٣٩

حقيقيّ] وهو أن يراد كلّ فرد (١) ممّا يتناوله اللّفظ بحسب اللّغة [نحو : (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) أي كلّ غيب وشهادة (٢) وعرفيّ] وهو أن يراد كلّ فرد ممّا يتناوله اللّفظ بحسب متفاهم العرف (٣) ، [نحو : جمع الأمير الصّاغة أي صاغة بلده و] أطراف [مملكته (٤)] لأنّه (٥)

______________________________________________________

(١) قد يقال : إنّ الإرادة فعل المتكلّم والاستغراق وصف اللّفظ ، فلا يصحّ قوله أعني «أن يراد» لكونه تعريفا للاستغراق بما هو مباين له.

فإنّه يقال : بأنّ الإرادة سبب للاستغراق الّذي هو عبارة عن شمول اللّفظ لكلّ فرد ، فهو من قبيل إطلاق السّبب وإرادة المسبّب ، فإذا لا غبار على ما ذكره.

نعم ، يلزم ارتكاب المجاز إلّا أنّه لا بأس به فإنّ تعاريف الأدباء مشحونة به.

(٢) أي الله عالم غائب عينا ، وكلّ مشاهد لنا ، إذ من الموجودات ما يدرك بالحسّ ويسمّى بالشّهادة والملك والخلق ، ومنها ما لا يدرك بالحسّ ويسمّى بالغيب والملكوت والأمر.

(٣) أي متفاهم للعرف ، لأنّ إضافة «متفاهم» إلى «العرف» لاميّة ، والمراد من العرف هو العرف العامّ ، أي بحسب فهم أهل العرف العامّ ، فإنّ ما كان بحسب العرف الخاصّ داخل في الحقيقيّ ، إذ ذكر اللّغة في تعريف الاستغراق الحقيقيّ إنّما هو من باب المثال لا من باب الاحتراز ، فإذا أريد كلّ فرد يتناوله اللّفظ بحسب العرف الخاصّ الشّرعي ، فهو داخل في الحقيقيّ ، كقولك : الصّلاة واجبة ، لعلوّ الدّرجة ، إلّا أن تكون فاسدة ، فالاستغراق العرفي أخصّ من الاستغراق اللّغوي.

(٤) إضافة الأطراف إلى المملكة بيانيّة ، ثمّ الوجه في الإتيان بمثالين هو اختلاف المفهومات العرفيّة ، فإنّ لها مراتب بعضها فوق بعض بخلاف المفهومات بحسب اللّغة ، و «صاغة» أصله صوغة ، كطلبة ، قلبت الواو ألفا لتحرّكها ، وانفتاح ما قبلها ، والمراد من صاغة بلده هو صاغة البلد الّذي هو ساكن فيه.

(٥) أي جميع صاغة البلد أو المملكة هو المفهوم عرفا لا جميع صاغة الدّنيا ، فالصّاغة بحسب وضعها اللّغوي ، وإن كان شاملا لجميع صاغة الدّنيا ، لكن أهل العرف بما أنّهم يعلمون بأنّ الأمير لا يقدر عادة على جمع صاغة الدّنيا كلّهم يفهمون أنّ المراد بها الصّاغة الموجودة في بلده أو مملكته.

٣٤٠