دروس في البلاغة - ج ١

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في البلاغة - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٤

أحوال المسند إليه (١)  

أي الأمور العارضة له (٢) من حيث إنّه (٣) مسند إليه وقدّم المسند إليه (٤) على المسند

______________________________________________________

(١) أي الباب الثّاني في أحوال المسند إليه.

(٢) التّفسير المذكور لعلّه إشارة إلى أنّ إضافة «أحوال» إلى «المسند إليه» في قوله : «أحوال المسند إليه» عهديّة ، فيكون المراد من «الأمور العارضة له» هي الأمور الّتي بها يطابق اللّفظ مقتضى الحال ، أي تكون سببا قريبا.

(٣) هذه الحيثيّة ليست تعليليّة ، لأنّ الحذف والذّكر والتّقديم والتّأخير ، وغير ذلك ممّا يذكر في هذا الباب لا تعرض المسند إليه من أجل أنّه مسند إليه ، بل إنّما تعرض عليه لأسباب أخر ، كالاحتراز عن العبث وتخييل العدول إلى أقوى الدّليلين في الحذف والاستلذاذ ، والتّنبيه على الغباوة والأصل في الذّكر وهكذا ، بل إنّما هي تقييديّة ، وفائدتها الاحتراز عن الأمور الّتي تعرض المسند إليه ، لا من هذه الحيثيّة ككونه حقيقة أو مجازا ، فإنّهما عارضان له من حيث كونه لفظا موضوعا ، وككونه متواطيا ومشكّكا وكلّيا وجزئيّا وجوهرا وعرضا ، فإنّها عارضة له من حيث معناه ، وككونه ثلاثيّا ورباعيّا وخماسيّا مثلا ، فإنّها عارضة عليه من حيث عدد حروفه ، ففي هذا الباب إنّما يبحث عمّا يعرضه من حيث إنّه مسند إليه كالذّكر والحذف ونحوهما لا عمّا يعرضه لا من هذه الحيثيّة.

فإن قلت : إنّ الرّفع في قولنا : زيد قائم ، والنّصب في قولنا : إنّ زيدا قائم ممّا يعرضان المسند إليه من حيث إنّه مسند إليه ، مع أنّ محلّهما علم النّحو ولا يبحث عنهما في هذا الباب.

قلت : إنّه خرج بما ذكرناه من أنّ إضافة أحوال إلى المسند إليه للعهد ، والمراد بها هي الأحوال الّتي يطابق اللّفظ مقتضى الحال ، وكذلك المراد من الأمور هي الأمور الّتي يطابق بها اللّفظ مقتضى الحال ، والرّفع والنّصب في المثالين المذكورين ليسا من الأحوال الّتي بها يطابق اللّفظ مقتضى الحال ، وإن كانا عارضين للمسند إليه من حيث إنّه كذلك ، في المقام كلام طويل تركناه رعاية للاختصار.

(٤) أي قدّم المصنّف أحوال المسند إليه على أحوال المسند ، لأنّ قوام المسند وقيامه

٢٨١

لما سيأتي (١) [أمّا حذفه (٢)] قدّمه (٣) على سائر الأحوال (٤) لكونه (٥) عبارة عن عدم الإتيان به (٦) وعدم الحادث سابق على وجوده (٧) وذكره (٨) ههنا بلفظ الحذف وفي المسند بلفظ التّرك تنبيها على أنّ المسند إليه هو الرّكن الأعظم شديد الحاجة إليه (٩) حتّى أنّه (١٠) إذا لم يذكر فكأنّه أتى به (١١)

______________________________________________________

بالمسند إليه من دون عكس.

(١) قريبا من أنّ المسند إليه هو الرّكن العظيم.

(٢) أي المسند إليه من غير إقامة شيء مقامه ، وحيث يكون لغرض معنويّ ، كما هو اللّائق بالفنّ لا لمجرّد أمر لفظيّ ، وبهذا يظهر وجه اقتصار المصنّف على حذف المبتدأ من المسند إليه ، لأنّ الفاعل إذا حذف إمّا أن يقوم شيء مقامه كما في باب النّيابة ورافعه الفعل ، أو شبهه وباب الاستثناء المفرّغ ، وباب المصدر ، ولا يحتاج حينئذ إلى القرينة ، بل إلى الدّاعي للحذف أو لغرض لفظيّ كالتقاء السّاكنين في نحو اضربنّ يا قوم مثلا.

(٣) أي الحذف مع أنّه خلاف الأصل.

(٤) أي كالذّكر والتّعريف والتّنكير وغير ذلك ممّا يأتي في كلام المصنّف.

(٥) أي الحذف.

(٦) أي بالشّيء في الاصطلاح ، لأنّه في اللّغة بمعنى الإسقاط أعني الإعدام بعد الإتيان ، ثمّ الحذف بمعناه اللّغويّ مشعر بأنّ المسند إليه لمكان كونه ركنا أعظم كأنّه أوتي به ، ثمّ أسقط ، ولذا اختير على لفظ التّرك.

(٧) أي الحادث ، أي عدم الحادث سابق على وجوده تكوينا ، فكذلك وضعا.

(٨) أي عدم الإتيان ، يعني ذكر المصنّف عدم الإتيان هنا بلفظ الحذف ، وفي باب المسند بلفظ التّرك حيث قال : «وأمّا تركه» تنبيها على كون المسند إليه ركنا فلا يترك ، بل يؤتى به ثمّ يحذف ، بخلاف المسند حيث لا يكون ركنا ، فيجوز ترك ذكره رأسا.

(٩) أي المسند إليه.

(١٠) أي المسند إليه.

(١١) أي المسند إليه.

٢٨٢

ثمّ حذف بخلاف المسند فإنّه (١) ليس بهذه المثابة (٢) فكأنّه (٣) ترك من أصله (٤) [فللاحتراز عن العبث (٥) بناء على الظّاهر (٦)] لدلالة القرينة عليه وإن كان في الحقيقة هو الرّكن من الكلام [أو تخييل العدول (٧) إلى أقوى الدّليلين من العقل واللّفظ] فإنّ (٨) الاعتماد عند الذّكر على دلالة اللّفظ من حيث الظّاهر (٩)

______________________________________________________

(١) أي المسند.

(٢) أي الدّرجة.

(٣) أي المسند.

(٤) أي بأن لا يكون مذكورا لا ملفوظا ولا مقدّرا.

(٥) أي التّكلّم بما لا فائدة فيه ، بناء على ظاهر حال المخاطب.

(٦) إنّما قال «بناء على الظّاهر» لأنّ المسند إليه ركن الكلام ، فلا يكون ذكره عبثا في الحقيقة ، بل ذكره عبث بالنّظر إلى الظّاهر لوجود القرينة الدّالّة عليه ، فيكون قوله : «لدلالة القرينة عليه» علّة للزوم العبث لو لم يحذف ، لأنّه إذا قامت القرينة الدّالّة لكان ذكره عبثا بهذا المعنى لا في الحقيقة ونفس الأمر.

(٧) عطف على قوله : «الاحتراز» أي إيهام المتكلّم للسّامع العدول إلى أقوى الدّليلين ، أي إيقاعه في ذهنه العدول ـ بسبب الحذف أي يوقع المتكلّم في وهم المخاطب والسّامع بسبب الحذف أنّه عدل إلى أقوى الدليلين أعني العقل ، لأنّ إدراك المسند إليه عند الحذف إنّما هو بالعقل خاصّة ثمّ التّخييل مصدر مضاف إلى مفعوله الثّاني ، ومفعوله الأوّل اعني السّامع محذوف ، ثمّ قوله : «من العقل واللّفظ» بيان للدّليلين لا لأقواهما.

(٨) بيان لكونه دلالة العقل أقوى من دلالة اللّفظ.

(٩) أي الدّالّ عند الذّكر هو اللّفظ بحسب الظّاهر ، وإلّا فالدّالّ في الحقيقة هو العقل إمّا بواسطة لفظ إن كان هناك لفظ أو بمحض العقل إن لم يكن ، ويمكن أن يكون قوله : «فإنّ الاعتماد عند الذّكر على دلالة اللّفظ من حيث الظّاهر» جوابا عن سؤال ، وهو كيف يعتمد على اللّفظ مع أنّه لا بدّ من دلالة العقل بأن يعلم أنّ هذا اللّفظ موضوع لكذا؟

فأجاب بأنّ الاعتماد على اللّفظ إنّما هو بحسب الظّاهر ، وإن اعتمد بحسب التّحقيق على العقل مع اللّفظ ، وقوله : «وعند الحذف على دلالة العقل» أي من حيث الظّاهر أيضا بدليل قوله الآتي : «وإنّما قال : تخييل ، لأنّ الدّالّ ...»

٢٨٣

وعند الحذف على دلالة العقل وهو (١) أقوى لافتقار اللّفظ إليه (٢) وإنّما قال تخييل (٣) ، لأنّ الدّالّ حقيقة عند الحذف أيضا هو اللّفظ المدلول عليه بالقرائن [كقوله : قال لي : * كيف أنت؟ قلت عليل (٤) *] ولم يقل أنا عليل للاحتراز والتّخييل (٥) المذكورين (٦)

______________________________________________________

(١) أي الدّلالة بالعقل أقوى من الدّلالة باللّفظ ، لأنّ اللّفظ أبدا مفتقر في دلالته إلى العقل ، والعقل قد لا يفتقر إلى اللّفظ ، وغير المفتقر أقوى من المفتقر ، لأنّ المفتقر فرع المفتقر إليه.

(٢) أي العقل.

(٣) جواب عن سؤال : وهو أنّه لم زاد المصنّف لفظ «تخييل» ولم يقل : أو العدول.

وحاصل الجواب : أنّه إنّما زاد لفظ «تخييل» لأنّ العدول ليس محقّقا ، بل أمر تخييليّ متوهّم ، لأنّ العدول الواقعيّ يتوقّف على كون كلّ من العقل واللّفظ مستقلا في الدّلالة وليس الأمر كذلك ، لأنّ الدّالّ عند الحذف مجموع العقل واللّفظ لا العقل فقط ، بل الدّالّ حقيقة هو اللّفظ المدلول عليه بالقرائن ، أي بواسطة العقل ، فكلّ من اللّفظ والعقل غير غنيّ عن الآخر.

(٤) البيت كان هكذا :

قال لي : كيف أنت؟ قلت : عليل

سهر دائم وحزن طويل

أي حالي سهر دائم ، ولم يعلم قائله ، (العليل) بالعين المهملة كفعيل ، من تقبّض جلده من مرض ، السّهر : وهو بالسّين المهملة كفرس مصدر سهر فلان كفرح ، أي لم ينمّ ليلا ، الدّائم : فاعل من الدّوام ، الحزن : الهمّ ، الطّويل : بمعنى الكثير.

ومحلّ الشّاهد : قوله : «عليل» حيث حذف فيه المسند إليه للاحتراز عن العبث وتخييل العدول إلى أقوى الدّليلين.

(٥) لم يقل : أو التّخييل ليكون إشارة إلى أنّ «أو» في قول المصنّف «أو تخييل» مانعة خلوّ ، فيجوز الجمع بين الاحتراز عن العبث والتّخييل.

(٦) أي في المتن.

٢٨٤

[أو اختبار (١) تنبّه السّامع عند القرينة] هل يتنبّه (٢) أم لا؟ [أو] اختبار (٣) [مقدار تنبّهه] هل يتنبّه بالقرائن (٤) الخفيّة أم لا؟ [أو إيهام (٥) صونه] أي صون المسند إليه [عن لسانك] تعظيما

______________________________________________________

(١) أي امتحان «تنبّه» أي ذكاء السّامع عند القرينة.

(٢) اعترض على قول الشّارح : «هل يتنبّه أم لا؟» بأنّ هل لطلب التّصوّر و «أم» لطلب التّصديق ، فلا يصحّ جعل الثّانية معادلة للأولى ، فالصّواب أن يقول : أيتنبّه أم لا؟

وأجيب عن ذلك بأنّ في الكلام حذف وهو همزة الاستفهام وكان الأصل أهل يتنبّه أم لا؟

فتكون أم المتّصلة حينئذ معادلة للهمزة كما هو حقّها.

نعم ، ربّما يقال : إنّ هذا الجواب مستلزم لدخول الاستفهام على نفسه ، فالصّحيح ما قيل : بأنّ هل هنا بمعنى قد ، كما في قوله تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) (١) (١). ويمكن أن يقال : إنّ ما ذكره الشّارح ليس بخطأ ، وإن لم نلتزم بتقدير الهمزة ، لأنّ أم المتّصلة تقع بعد هل على قلّة ، كما نصّ عليه نجم الأئمّة الرّضي رحمه‌الله.

(٣) أي امتحان مقدار تنبّه السّامع.

(٤) أتى بالجمع باعتبار تعدّد الموارد ، ومن أمثلة القرائن الخفيّة كما إذا حضر شخصان أحدهما أقدم صحبة من الآخر ، فتقول : أحسن للإحسان والله حقيق بالإحسان ، وتريد أقدمهما اختبارا لذكاء المخاطب هل يتنبّه لهذا المحذوف بهذه القرينة الّتي معها خفاء ، وهي أنّ أهل الإحسان ذو الصّداقة القديمة دون حادثها.

(٥) تعبير المصنّف بالإيهام هنا ، وبالتّخييل فيما سبق إنّما هو لمجرّد التّفنّن ، لأنّ المراد بالإيهام إيقاع معنى غير واقعي في الوهم كما أنّ المراد من التّخييل كان ذلك ، فما قيل : من أنّ الفرق بينهما من أنّ الصّون المذكور لا تحقّق له أصلا بخلاف العدول إلى أقوى الدّليلين ، فإنّ فيه شائبة من الثّبوت لا أساس له ، لأنّ المتبادر من التّخييل والإيهام إنّما هو كون متعلّقهما أمر غير واقعي محض ، فالصّحيح ما ذكرناه من أنّ العدول من التّخييل إلى الإيهام إنّما هو لمكان التّفنّن.

__________________

(١) سورة الدّهر : ١.

٢٨٥

له (١) [أو عكسه] أي إبهام صون لسانك عنه (٢) تحقيرا له (٣) [أو تأتّي الإنكار (٤)] أي تيسّره [لدى الحاجة] نحو : فاسق فاجر عند قيام القرينة على أنّ المراد زيد (٥) ، ليتأتّى لك أن تقول (٦) ما أردت زيدا ، بل غيره [أو تعيّنه (٧)] والظّاهر أنّ ذكر الاحتراز عن العبث يغني عن ذلك (٨)

______________________________________________________

(١) أي المسند إليه نحو قولك : رازق وخالق ، وبعبارة أخرى تطهيرا للمسند إليه عن لسانك لعلوّ مرتبته وسموّ منقبته حقيقة أو ادّعاء.

(٢) أي المسند إليه.

(٣) أي المسند إليه ، أي إهانة له نحو : لعين ورجيم.

(٤) أي إنكار المتكلّم ، فتكون إضافة «تأتّي» إلى «الإنكار» إضافة المصدر إلى المفعول مع حذف الفاعل. ومعنى العبارة : أنّ من أسباب حذف المسند إليه هو إمكان إنكار المتكلّم لدى الحاجة إلى الإنكار.

(٥) أي قيام القرينة على أنّ مرادك بالفاسق والفاجر هو زيد ، فقد حذفته «ليتأتّى لك أن تقول : ما أردت زيدا ، بل غيره» أي تقول هذا عند الحاجة كما إذا كان هناك أحد من أصدقاء زيد ينازعك.

(٦) عند المنازعة على ذلك.

(٧) أي المسند إليه ، وذلك لأمور : الأوّل : أن لا يكون المسند إليه صالحا إلّا له ، كقولك : خالق العباد وفالق الإصباح وربّ العالمين ، أي الله تعالى.

الثّاني : أن يكون المسند إليه واجدا لمرتبة راقية من المسند وكان مشتهرا بالاتّصاف به بحيث لا ينصرف الذّهن عند الإطلاق إلّا إليه كقولك : شجاع وقائد غرّ المحجّلين ، أي علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

الثّالث : أن يكون متعيّنا بين المتكلّم والمخاطب كقولك : جاءتني نصف اللّيل ، أي سلمى إذا كان المخاطب عارفا بأنّ بينك وبينها محبّة ، وأنّها لا تتمكّن أن تجيء عندك إلّا نصف اللّيل.

(٨) أي عن ذكر تعيّنه ، لأنّ المسند إليه إذا كان معيّنا يكون ذكره عبثا ، فالتّعيّن داخل في الاحتراز المذكور ، إذ متى تعيّن المسند إليه كان ذكره عبثا ، فيكون حذفه احترازا عن العبث ، وإذا كان كذلك فلا يصحّ جعل التّعيّن قسيما للاحتراز.

٢٨٦

لكن ذكره (١) لأمرين : أحدهما الاحتراز عن سوء الأدب فيما ذكروا له (٢) من المثال وهو خالق لما يشاء وفاعل لما يريد ، أي الله تعالى. والثّاني : التّوطئة والتّمهيد لقوله : [أو ادّعاء التّعيّن] له (٣) نحو : وهّاب الألوف ، أي السّلطان (٤) [أو نحو ذلك (٥)] كضيق المقام عن إطالة الكلام بسبب ضجر أو سآمة (٦) أو فوات فرصة (٧)

______________________________________________________

(١) أي التّعيّن ، أي ذكر المصنّف التّعيّن «لأمرين ...».

(٢) أي للتّعيّن ، فإذا قيل : إنّ حذف المسند إليه وهو الله تعالى في مثل «خالق لما يشاء فعّال لما يريد» للاحتراز عن العبث كما ذكروا ـ يكون سوء الأدب ، إذ لا يعقل أن يكون ذكره الله تعالى عبثا ، فيقال : إنّ ترك ذكر المسند إليه إذا كان هو الله تعالى للتّعيّن كي لا يلزم سوء الأدب.

(٣) أي المسند إليه ، ذكر العلّامة المرحوم الشّيخ موسى البامياني هنا ما لا يخلو ذكره عن فائدة حيث قال : (لا حاجة إلى ما ذكره من الوجهين في التّفصّي عن إشكال كون الاحتراز عن العبث مغنيا عن ذكر قوله : «أو تعيّنه» ، وذلك لأنّ الأمور المقتضية للحذف من حيث أنفسها لا تصير داعية إلى الحذف ، بل إنّما تصبح دواعي بعد تعلّق القصد بها ، فالمراد من الاحتراز عن العبث قصد الاحتراز عنه ، وكذلك الأمر بالإضافة إلى غيره ، ولا ريب أنّ قصد التّعيّن غير قصد الاحتراز عن العبث ، فيمكن تحقّق أحدهما دون الآخر ، كما يمكن اجتماعهما ، فعليه لا يكون أحدهما مغنيا عن الآخر لعدم الملازمة) انتهى مورد الحاجة.

(٤) حيث حذف المسند إليه أعني السّلطان لادّعاء تعيّنه وأنّ غيره من رعيّته لا يتّصف بذلك ، وإنّما كان ادّعائيّا لإمكان أن يكون غيره كذلك.

(٥) أتى باسم الإشارة مفردا لكونه إشارة إلى أحد الأمور المستفادة من التّرديد.

(٦) مثال لقوله : «نحو ذلك» ، والضّجر والسّآمة بمعنى واحد ، فعطف «سآمة» على «ضجر» تفسيريّ ، ومثال ذلك قول المريض : عليل ، في جواب كيف أنت؟

(٧) أي خوف فوات فرصة ، لأنّ الدّاعي للحذف إنّما هو الخوف لا نفس الفوات ، «فوات فرصة» عطف على قوله : «ضجر» ، «فرصة» بمعنى برهة من الزّمان الّذي يمكن أن يؤتى بالمقصود فيه فقوله : ضجر ، وسآمة ، وفوات فرصة من أسباب ضيق المقام.

٢٨٧

أو محافظة على وزن (١) أو سجع (٢) أو قافية (٣) أو نحو ذلك (٤) كقول الصّيّاد : غزال (٥) ، أي هذا غزال ، أو كالإخفاء (٦) عن غير السّامع من الحاضرين (٧) مثل جاء (٨)

______________________________________________________

(١) أيضا عطف على قوله : «ضجر» ، إنّ الوزن هيئة تحصل من تركيب الألفاظ متناسبة من حيث حركات خاصّة وسكنات مخصوصة توجب التذاذ المتكلّم والسّامع بالكلام حين إلقائه واستماعه ، كما في (أنا عليل) في البيت السّابق ، فإنّ ذكر المسند إليه ـ أي أنا ـ يفسد الوزن الموجب للالتذاذ.

(٢) السّجع في اللّغة : هدير الحمامة ونحوها ، وفي الاصطلاح : تواطؤ الفصلين من الكلام المنثور ، كقولك : من طابت سيرته حسنت سريرته ، لو قلت : حسن النّاس سريرته لفات السّجع ، فالسّجع هو في النّثر ، كما أنّ الوزن والقافية في الشّعر.

(٣) القافية في اللّغة : بمعنى التّابعة والجزء الأخير من الشّيء ، وفي الاصطلاح : هو الرّويّ ، أي الحرف الأخير من البيت مع أوّل ساكن قبله وحركة قبل هذا السّاكن مثلا في قول البعض :

حلفت ولم أترك لنفسك ريبة

وليس وراء الله للمراد مطلب

الباء والطّاء مع حركة الميم قافية ، وعند المشهور القافية عبارة عن تواطؤ الفصلين من الكلام المنظوم في الرّويّ فصاعدا ، مثال ذلك قوله :

ما المال والأهلون إلّا ودائع

ولا بدّ يوما أن تردّ الودائع

فإنّه لو قال : أن يردّ النّاس الودائع لفاتت القافية على كلا القولين.

(٤) عطف على قوله : «ضجر» ، ومثال ذلك : قول الصّيّاد : غزال ، حيث إنّه لو تلفّظ بالمبتدأ ، واشتغل به ، وقال : هذا غزل ، لفات الغرض.

(٥) لأنّ المقام لا يسع أن تقول : هذا غزل ، فهذا مثال لما إذا كان الدّاعي للحذف ضيق المقام لفوات الفرصة.

(٦) عطف على قوله : «كضيق المقام».

(٧) قوله : «من الحاضرين» بدل لقوله : «غير السّامع».

(٨) أي زيد جاء ، فيحذف زيد لقرينة دالّة عليه بالإضافة إلى من يكون مقصودا

٢٨٨

وكاتّباع الاستعمال الوارد على تركه (١) مثل : رمية من غير رام (٢) أو ترك نظائره (٣) مثل الرّفع على المدح (٤) أو الذّمّ (٥) أو التّرحّم (٦) [وأمّا ذكره] أي ذكر المسند إليه [فلكونه] أي الذّكر (٧) [الأصل (٨)] ولا مقتضى للعدول عنه (٩)

______________________________________________________

بالسّماع أي المخاطب ، وإخفائه عن غيره من الحاضرين لغرض ، كما إذا كان لهم دين ، فيزدحمون عليه لو علموا بمجيئه ، ثمّ إنّ المراد من السّامع من قصد سماعه ، وهو مرادف للمخاطب ، فلا يرد : أن الصّواب أن يقول : غير المخاطب ، لأنّ الحاضرين كلّهم سامعون.

(١) أي المسند إليه.

(٢) أي هذه رمية مصيبة من غير رام مصيب ، بل من رام مخطئ ، وهذا مثل يضرب لمن صدر منه ما ليس أهلا للصّدور منه ، فيحذف المسند إليه اتّباعا للاستعمال الأوّل الوارد على تركه ، لأنّ الأمثال لا تتغيّر.

(٣) أي نظائر المسند إليه المحذوف في التّركيب الّذي تكلّم به المتكلّم ، وهو عطف على تركه بدليل قوله في المطوّل (أو على ترك نظائره) وإن أمكن أن يعطف على الاستعمال ، فالمعنى كاتّباع الاستعمال الوارد على ترك المسند إليه في نظائر المسند إليه ، والمراد ب «نظائره» ما حذف في كلام العرب الّذي هو مع كلامك من باب واحد.

(٤) كقولك : الحمد لله أهل الحمد ، أي هو أهل الحمد.

(٥) كقولك : أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم ، أي هو الرّجيم.

(٦) كقولك : ارحم عبدك المسكين أي هو المسكين. فحذف المسند إليه في هذه الأمثلة إنّما هو للاتّباع ، أي اتّباعا للاستعمال الوارد من العرب على ترك نظائر المسند إليه الّذي حذف ، فتقول في نظائره كقولهم : مررت بزيد الكريم أو المسكين أو الخبيث ، برفع الكريم والمسكين والخبيث ، بحذف المسند إليه أي هو الكريم ، هو المسكين ...

(٧) التّفسير إنّما هو لدفع توهّم رجوع الضّمير إلى المسند إليه.

(٨) المراد بالأصل هنا القاعدة والضّابطة والرّاجح في نفسه ، كالكثرة والسّابق في الاعتبار ، كما يقال : الأصل في الكلام الحقيقة.

(٩) أي عن الأصل ، يفيد هذا القيد أنّ مجرّد الاختصار ليس سببا للعدول عن ذكر

٢٨٩

[أو للاحتياط (١) لضعف التّأويل] أي الاعتماد [على القرينة (٢) أو التّنبيه (٣) على غباوة السّامع أو زيادة الإيضاح والتّقرير (٤)] وعليه (٥) قوله تعالى : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ

______________________________________________________

المسند إليه ، بل مقتضى الأصل هو الذّكر بشرط أن لا يكون المقام ممّا فيه نكتة من نكات الحذف ، فعند وجودها لا يقتضي الذّكر.

(١) عطف على قوله : «لكونه الأصل» لا على «الأصل» ، ومعنى العبارة : أنّه يذكر المسند إليه لأجل احتياط إحضاره في ذهن السّامع وإن وجدت قرينة دالّة عليه.

(٢) إمّا لخفاء القرينة ، وإمّا لاشتباه فيها ، وبه يظهر أنّ ما سبق من أنّ القرينة العقليّة أقوى من اللّفظ يحمل على ما إذا لم يكن فيها خفاء واشتباه فلا منافاة بين هذا وبين ما سبق ، فلا يصحّ أن يقال : إنّ هذا يقتضي أنّ اللّفظ أقوى من القرينة العقليّة ، فيكون مناقضا لما سبق من أنّ القرينة العقليّة أقوى ، حيث قال المصنّف هناك : «أو لتخييل العدول إلى أقوى الدّليلين من العقل والنّقل».

(٣) أي تنبيه المتكلّم الحاضرين على غباوة من هو مقصود بالسّماع مع علم المتكلّم بأنّ السّامع يفهم المسند إليه من القرينة عند الحذف.

(٤) أي زيادة إيضاح المسند إليه وزيادة تقريره وتثبيته في ذهن السّامع كقولك : سرق ابن السّلطان ، في جواب ما صنع ابن السّلطان؟ قصدا لزيادة إيضاحه وتقريره في ذهن السّامع.

لا يقال : إنّ كلام المصنّف صريح في أنّ ذكر المسند إليه عند وجود القرينة إمّا لزيادة إيضاحه وزيادة تقريره ، وهذا صحيح بالإضافة إلى الزّيادة حيث إنّ نفس الإيضاح والانكشاف حاصل بواسطة القرينة وزيادته بذكره ، وغير صحيح بالقياس إلى التّقرير ، لأنّه عبارة عن إثبات الشّيء ثانيا بعد إثباته أوّلا ، فالذّكر مفيد لأصله لا لزيادته.

فإنّه يقال : بأنّ الإشكال المذكور إنّما يرد على تقدير أن يكون التّقرير معطوفا على «الإيضاح» ، وليس الأمر كذلك ، بل إنّه عطف على «زيادة» فعندئذ يندفع الإشكال.

أو يقال : إنّ المراد من التّقرير هو مطلق الإثبات لا الإثبات المسبوق بإثبات آخر ، فلا إشكال حتّى على فرض عطف «التّقرير» على «الإيضاح» فإنّ أصل التّقرير ، أي مجرّد الإثبات حاصل بالقرينة ، والذّكر مفيد لزيادته.

(٥) أي على ذكر المسند إليه لزيادة الإيضاح والتّقرير جاء قوله تعالى ، حيث لم يحذف

٢٩٠

وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(١) [أو إظهار تعظيمه (١)] لكون اسمه (٢) ممّا يدلّ على التّعظيم نحو : أمير المؤمنين حاضر (٣) [أو إهانته] أي إهانة المسند إليه لكون اسمه ممّا يدلّ على الإهانة مثل السّارق اللّئيم حاضر (٤) [أو التّبرك بذكره (٥)]

______________________________________________________

فيه المسند إليه أعني اسم الإشارة الثّاني ، وإنّما قال : «وعليه» ولم يقل كقوله تعالى لأمرين :

الأوّل : إنّه ليس من قبيل ما لو لم يذكر لكان المسند إليه محذوفا ، إذ لو لم يذكر المسند إليه فقوله : (هُمُ الْمُفْلِحُونَ) إمّا معطوف على خبر (وَأُولئِكَ) الأوّل ، أعني (عَلى هُدىً) أو على جملة (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) فيكون من عطف الجمل ، وعلى التّقديرين لا حذف للمسند إليه.

الثّاني : إنّ الذّكر في قوله تعالى ، ليس لزيادة إيضاح المسند وزيادة تقريره بل الذّكر إشارة إلى نكتة أخرى وهي أنّ تكرير المسند إليه إنّما هو لزيادة إيضاح غرض متعلّق بتكريره ، وهو أنّ هؤلاء الموصوفين بشرف الإيمان ممتازون عن غيرهم بكلّ من الأثرين : أعني الهداية في العاجل ، والفلاح في الآجل ، وأنّ واحدا منهما تكفي في تمييزهم عن غيرهم ، حيث إنّه لو حذف (أُولئِكَ) الثّاني بنصب قرينة عليه لما اتّضح كمال الاتّضاح ، فلا يظهر الغرض كمال الظّهور.

(١) أي المسند إليه ، فيما إذا كان المقام مقام التّعظيم.

(٢) أي المسند إليه ، فقوله : «لكون اسمه» ممّا يدلّ على تعظيمه أي المسند إليه دفع للإشكال ، وتقريبه : إنّ ذكر لفظ المسند إليه يفيد التّعظيم لا إظهاره ، فلا وجه للإتيان بلفظ الإظهار ، وحاصل الدّفع : إنّ أصل التّعظيم يستفاد من لفظ المسند إليه واسمه عند الحذف أيضا ، وإنّما الذّكر يفيد إظهاره.

(٣) في جواب من قال : هل حضر أمير المؤمنين؟ فإنّ الإمارة ممّا يدلّ على التّعظيم.

(٤) في جواب من قال : هل جاء الفاسق اللّئيم.

(٥) أي المسند إليه ، فقوله : «التّبرّك بذكره» عطف على إظهار التّعظيم لا على التّعظيم ، لأنّ أصل التّبرّك يتوقّف على الذّكر لا إظهاره.

__________________

(١) سورة البقرة : ٥.

٢٩١

مثل النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائل هذا القول (١) [أو استلذاذه (٢)] الحبيب حاضر (٣) [أو بسط الكلام حيث الإصغاء مطلوب (٤)] أي في مقام (٥) يكون إصغاء السّامع مطلوبا للمتكلّم لعظمته (٦) وشرفه (٧) ، ولهذا يطال الكلام مع الأحبّاء وعليه [نحو] قوله تعالى حكاية عن موسى عليه‌السلام (هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها)(١)

______________________________________________________

(١) في جواب من قال : من قائل هذا القول؟ فيقال : النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائل هذا القول ، فذكر المسند إليه إنّما هو لقصد التّبرّك بذكره.

(٢) أي ذكر المسند إليه كذكر المحبوب والمعشوق.

(٣) في جواب من قال : هل حضر الحبيب ، فذكر المسند إليه مع وجود القرينة إنّما هو للاستلذاذ.

(٤) التّقييد بالحيثيّة إشارة إلى أنّ مجرّد بسط الكلام لا يكون داعيا إلى الذّكر ، لأنّه ربّما يكون قبيحا ، بل إنّما يصير داعيا إلى الذّكر ومرجّحا له حيث يكون الإصغاء مطلوبا بخلاف سائر النّكات المذكورة في المتن فإنّها صالحة للدّاعويّة من دون تقييدها بهذه الحيثيّة.

(٥) التّفسير المذكور إشارة إلى أنّ «حيث» للظّرفيّة المكانيّة.

(٦) أي السّامع.

(٧) أي السّامع ، وعطفه على قوله : «لعظمته» عطف تفسيريّ.

(٨) في جواب قوله تعالى : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى) كان يكفيه في الجواب أن يقول : عصاي ، قد ذكر موسى عليه‌السلام المسند إليه والإضافة والأوصاف لأجل بسط الكلام في هذا المقام لكون الإصغاء مطلوبا للمتكلّم.

وبعبارة أخرى : إنّ موسى عليه‌السلام لم يقل عصاي فقط ، بل ذكر المسند إليه مع وجود القرينة ، لكون إصغاء الله سبحانه مطلوبا له ، لكونه ذا عظمة فائقة ، وشرافة راقية.

لا يقال : إنّ قول موسى عليه‌السلام في آخر الآية (وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى) ينافي حمل ذكر المسند إليه في الآية على أنّه للبسط ، إذ مقتضى ذلك تفصيل المآرب بالاستسقاء من البئر ، وإنزال الثّمار من الشجرة ، ومقاتلة السّباع لذبّها عن غنمه وغير ذلك من المآرب

__________________

(١) سورة طه : ١٨.

٢٩٢

وقد يكون الذّكر للتّهويل (١) أو التّعجّب (٢) أو الإشهاد في قضيّة (٣) أو التّسجيل (٤) على السّامع حتّى لا يكون له سبيل إلى الإنكار وعليه.

______________________________________________________

المترتّبة على العصا خارجا.

فإنّه يقال : أوّلا : إنّ موسى عليه‌السلام أجمل تلك المآرب لأنّه كان مترقّبا لأن يسأله الله تعالى عن تفصيلها ، فيلتذّ بخطابه تعالى.

وثانيا : أجملها لعدم التفاته إلى تفصيلها حين تكلّمه مع الله سبحانه.

وثالثا : إنّه أجملها لغلبة الحياء عليه لمزيد المهابة والجلالة.

فإن قلت : إنّ التّعبير بالإصغاء لا يناسب التّمثيل بقوله تعالى حكاية عن موسى عليه‌السلام (هِيَ عَصايَ ،) لأنّ الإصغاء في اللّغة بمعنى إمالة الأذن لسماع الكلام ، ولا شكّ أنّها لا يتصوّر في حقّ الله سبحانه ، لتنزّهه عن الجارحة.

قلت : إنّ المراد بالإصغاء هو السّماع مجازا.

(١) أي التّخويف كما في قول القائل : أمير المؤمنين يأمرك بكذا ، تهويلا للمخاطب بذكر المسند إليه باسم الإمارة للمؤمنين ليمتثل أمره. أو في قول القائل : القائد العامّ للجيش يأمرك بكذا ، فذكر المسند إليه في المثالين ليس إلّا لتخويف المخاطب.

(٢) أي إظهار التّعجّب من المسند إليه بذكر اللّفظ الدّالّ عليه ، كقولك : هذا الصّبي قتل السّبع ، وزيد يقاوم الأسد ، فذكر المسند إليه مع وجود القرينة إنّما هو لإظهار العجب والتّعجّب ، إذ نفس التّعجّب لا يتوقّف على الذّكر.

(٣) أي إشهاد المتكلّم السّامع على اتّصاف المسند إليه بالمسند المذكور بأن يشهده ، ويقول المتكلّم : زيد معتق فلان ، فإنّه يذكر زيدا مع وجود القرينة كي يتعيّن عند السّامع ولا يطرأ عليه الالتباس عند أداء الشّهادة ، ولا يجد المشهود عليه سبيلا للإنكار.

(٤) أي كتابة الحكم وضبطه على السّامع بين يديّ الحاكم حتّى لا يكون له سبيل إلى الإنكار ، كما إذا أقرّ عمرو عند جماعة بأنّ الفرس لزيد ، ثمّ رجع عن إقراره ، ولم يردّ الفرس إلى زيد ، فاشتكى زيد عند الحاكم فأحضر الحاكم الجماعة مع عمرو ، وسألهم : هل أقرّ هذا مشيرا إلى عمرو ، فيقولون : نعم ، عمرو هذا أقرّ على نفسه ، فيذكرون المسند إليه مع وجود القرينة لتسجيلهم الأمر على السّامع أعني عمرا حتّى لا

٢٩٣

[وأمّا تعريفه] أي إيراد المسند إليه معرفة (١) وإنّما قدّم ههنا التّعريف ، وفي المسند التّنكير ، لأنّ الأصل (٢) في المسند إليه التّعريف وفي المسند التّنكير [فبالإضمار (٣) ، لأنّ المقام للتّكلّم (٤)] نحو : أنا ضربت [أو الخطاب] نحو : أنت ضربت [أو الغيبة] نحو : هو ضرب ، لتقدّم ذكره (٥) إمّا لفظا تحقيقا (٦). أو تقديرا (٧) ،

______________________________________________________

يكون له سبيل إلى الإنكار.

(١) قد عدل الشّارح من تفسيره في المطوّل أعني أي جعل المسند إليه معرفة إلى قوله هنا أي «إيراد المسند إليه معرفة» لأجل أنّ تفسيره في المطوّل لا يخل عن إشكال ، لأنّ تفسير تعريفه بجعل المسند إليه معرفة لا يصحّ ، لأنّ جعله معرفة وظيفة الواضع دون المتكلّم البليغ بل وظيفة المتكلّم البليغ إيراده معرفة.

(٢) الأصل هنا بمعنى الرّاجح ، وإنّما كان الأصل في المسند إليه التّعريف ، لأنّه محكوم عليه ، والمحكوم عليه لا بدّ أن يكون معلوما للمخاطب حتّى يفيد الحكم عليه بشيء مجهول عنده وهو المسند ، والأصل في المسند هو التّنكير ، لأنّه حال من أحوال المسند إليه ، فلو كان معلوما للمخاطب قبل الإخبار لم يفده شيئا.

(٣) عطف على محذوف من قبيل المفصّل على المجمل ، والتّقدير «وأمّا تعريفه» فلإفادة المخاطب أتمّ فائدة «فبالإضمار ...» أي كان المقام مقام الإضمار ، وقدّم المضمر لكونه أعرف المعارف.

(٤) أي لأنّ المقام يقتضي إيراد لفظ يحكي عن المتكلّم على نحو يكون نصّا فيه ، أو عن المخاطب كذلك ، كما إذا قيل لك : من ضرب فلانا ، وكان ضربه فخرا للضّارب ، وكنت أنت الضّارب ، فتقول : «أنا ضربت» أو كان في الضّرب مذمّة ، وكان الضّارب هو المخاطب أو الغائب ، فتقول : «أنت ضربت» أو «هو ضرب».

(٥) أي الغائب المسند إليه ، أو مرجع الضّمير.

(٦) نحو : جاءني زيد وهو يضحك.

(٧) بأنّ يكون المرجع في تقدير التّقديم ، وبعبارة أخرى أن يكون تقديمه رتبة نحو : في داره زيد ، أو ضرب غلامه زيد ، إذ رتبة المبتدأ في المثال الأوّل والفاعل في المثال الثّاني هو التّقديم.

٢٩٤

وإمّا معنى بدلالة لفظ عليه (١) ، أو قرينة حال (٢) وإمّا حكما (٣) [وأصل الخطاب أن يكون لمعيّن (٤)] واحدا كان (٥) أو أكثر (٦) لأنّ (٧) وضع المعارف على (٨) أن تستعمل لمعيّن

______________________________________________________

(١) أي على المرجع ، نحو : قوله تعالى : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى)(١) فالضّمير أعني هو يرجع إلى العدل وقد تقدّم معناه في لفظ (اعْدِلُوا).

(٢) كقوله تعالى : (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ)(٢) حيث إنّ الضّمير يرجع إلى الميّت بقرينة أنّ الكلام في الإرث.

(٣) بأن لا يدلّ عليه شيء ممّا ذكر ، لكن قدّم لنكتة كضمير ربّ والشّأن ، فإنّ التّقدّم فيهما لازم للضّمير لنكتة ، وهي البيان بعد الإبهام ، فيكون المرجع في حكم المتقدّم ذكره ، والتّفصيل في كتب النّحو.

(٤) أي أصل استعمال ضمير الخطاب ، والواجب فيه بحكم الوضع أن يكون لمعيّن لأنّ الحضور داخل في مفهومه وضعا ، فلا بدّ أن يستعمل في المعيّن ، بمعنى أنّه إن كان بصيغة التّثنية يجب أن يكون لاثنين معيّنين وإن كان بصيغة الجمع ، فلا بدّ أن يكون لجماعة معيّنة أو للجميع على سبيل الشّمول كما في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ)(٣) حيث إنّ الشّمول ملازم للتّعيين ، وقوله : «وأصل الخطاب ...» توطئة لقوله : «وقد يترك».

(٥) كقولك : أنت أنت.

(٦) كقولك : أنتما أنتم.

(٧) تعليل للحكم بأنّ الأصل في الخطاب أن يكون لمعيّن.

(٨) كلمة «على» هنا بمعنى اللّام ، أي لأنّ وضع المعارف لأن تستعمل لمعيّن ، والحاصل أنّ مقتضى الوضع في جميع المعارف أن تستعمل في المعيّن ، وضمير الخطاب منها.

لا يقال : إنّ ما ذكره الشّارح من أنّ المعارف وضعت لتستعمل في معان معيّنة ينتقض بالمعرّف بلام العهد الذّهني ، فإنّه لا يستعمل في معنى معيّن مع كونه من المعارف.

__________________

(١) سورة المائدة : ٨.

(٢) سورة النّساء : ١١.

(٣) سورة البقرة : ٢١.

٢٩٥

مع أنّ الخطاب (١) هو توجيه الكلام إلى حاضر [وقد يترك] الخطاب (٢) مع معيّن [إلى غيره (٣)] أي غير معيّن [ليعمّ] الخطاب [كلّ مخاطب] على سبيل البدل (٤)

______________________________________________________

لأنّا نقول : إنّه في الحقيقة نكرة ، وإنّما جعل من المعارف لوقوعه مبتدأ ، فهو معرفة حكما لا حقيقة ، وما ذكره الشّارح ناظر إلى المعارف الحقيقيّة على أنّ المعرّف بلام العهد الذّهني مستعمل في الجنس وهو معيّن ، ومعهود بنفسه وإن كان وجوده في ضمن فرد ما غير معيّن ، راجع المفصّل في المطوّل.

(١) تعليل ثان لكون الأصل في الخطاب أن يكون لمعيّن وحاصل الكلام : أنّه مضافا إلى قوله : «لأنّ وضع المعارف» الجاري في جميع المعارف هنا وجه يجري في خصوص ضمير الخطاب ، يقتضي كون المخاطب به معيّنا ، وهو أنّ الخطاب عبارة عن إلقاء الكلام إلى حاضر حيث إنّ الحضور داخل في مفهومه ، ومقتضى ذلك أن يكون إلى معيّن ، لأنّ الحضور ملازم للتّعيّن.

(٢) ذكر الخطاب إشارة إلى أنّ الضّمير المستتر في قوله : «يترك» عائد إلى الخطاب لا إلى الأصل ، وقوله : «مع معيّن» متعلّق بالخطاب. فيرد عليه : إنّ الخطاب لا يستعمل بكلمة «مع» بل يستعمل إمّا متعدّ بنفسه ، فيقال : خاطبته ، أو باللّام فيقال : هذا الخطاب له ، اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ الظّرف مستقرّ وحال عن الخطاب ، أي كائنا مع معيّن ، لكن يرد عليه : أنّ الخطاب حال كونه مع معيّن لا يمكن أن يكون لغير معيّن لاستحالة اجتماع النّقيضين ، ويمكن أن يقال : إنّ المراد من الكائن ما من شأنه أن يكون ، فعندئذ لا غائلة في قوله.

(٣) الجارّ والمجرور متعلّق بقوله : «يترك» فيرد عليه : أنّ التّرك لا يتعدّى بكلمة إلى ، بل إنّما يتعدّى بكلمة من واللّام ، فيقال : تركت النّاقة في الصّحراء ، وتركت الزّنا للخوف من الله ، وتركت التّزويج للفقر. إلّا أن يقال : إنّ التّرك ضمّن معنى الإمالة ، فالتّقدير وقد يمال الخطاب كائنا مع معيّن إلى غيره كما في المفصّل مع تلخيص.

(٤) أي لا على سبيل الشّمول والعموم ، لأنّ المخاطب من المعارف والإطلاق على المعيّن معتبر في المعارف ، ولذا أفرد ضمير المخاطب في قوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ). والشّاهد في قوله تعالى : (تَرى) حيث كان الخطاب فيه إلى غير معيّن ، والجواب محذوف ، أي لرأيت أمرا فظيعا.

٢٩٦

[نحو : (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ)(١)] لا يريد بقوله :] ولو ترى إذ المجرمون [مخاطبا معيّنا قصدا إلى تفظيع (١) حالهم [أي تناهت حالهم في الظّهور (٢)] لأهل المحشر إلى حيث يمتنع خفاؤها ، فلا يختصّ بها (٣) رؤية راء دون راء وإذا كان (٤) كذلك (٥) [فلا يختصّ به] أي بهذا الخطاب [مخاطب (٦)] دون مخاطب ، بل كلّ من يتأتّى منه الرّؤية ، فله مدخل في هذا الخطاب (٧) ، وفي بعض النّسخ فلا يختصّ بها ، أي برؤية حالهم مخاطب ، أو بحالهم رؤية مخاطب ، على حذف المضاف (٨). [وبالعلميّة] أي تعريف المسند إليه بإيراده علما (٩)

______________________________________________________

(١) أي بيان فظاعة وشناعة حالهم ، والمعنى : ولو ترى يا من تأتّى منه الرّؤية وقت كون المجرمين موقوفين عند ربّهم ، أي ما طرأ عليهم في هذا الوقت من الحالة الفظيعة الشّنيعة لرأيت أمرا فظيعا ، فلا يريد الله تعالى بضمير الخطاب المستتر في قوله : (تَرى) مخاطبا معيّنا ، بأنّ يكون المراد هو الرّسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقط.

(٢) تمهيد لبيان العموم ، أي بلغت النّهاية في الانكشاف.

(٣) أي بتلك الحالة.

(٤) أي إذا كان حالهم.

(٥) أي لا يختصّ به رؤية راء.

(٦) أي فلا يكون هذا الخطاب مختصّا بالنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معنى ، وإن اختصّ بالنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفظا.

(٧) أي كلّ من يمكن منه الرّؤية فله حظّ في هذا الخطاب.

(٨) حاصل الكلام : إنّ في بعض النّسخ ، أي نسخ التّلخيص (فلا يختصّ بها) بتأنيث الضّمير ، فعندئذ نحتاج إلى تقدير مضاف إمّا قبل الضّمير كما أشار إليه بقوله : «أي برؤية حالهم مخاطب» وإمّا قبل قوله : «مخاطب» ليكون المعنى فلا يختصّ بحالهم رؤية مخاطب كما أشار إليه بقوله : «أو بحالهم رؤية مخاطب» وعلى التّقديرين الضّمير المؤنّث يرجع إلى حال المجرمين.

(٩) التّفسير المذكور إشارة إلى أنّ العلميّة مصدر للفعل المتعدّي ، بمعنى جعله

__________________

(١) سورة السّجدة : ١٢.

٢٩٧

وهو (١) ما وضع لشيء مع جميع مشخّصاته. [لإحضاره] أي المسند إليه (٢) [بعينه] أي بشخصه (٣) بحيث يكون متميّزا عن جميع ما عداه (٤)

______________________________________________________

علما ، أي علّم بالتّشديد لا الفعل اللّازم وهو علم بضم اللّام بمعنى صار علما ، فإيراد المسند إليه علما من أحوال المتكلّم لا من أحوال الواضع ، فيكون موافقا لما سيأتي من قوله : «لإحضاره بعينه» فإنّ الإحضار مصدر المتعدّي ، ومن أحوال المتكلّم.

(١) أي العلم «ما وضع لشيء مع جميع مشخّصاته» بمعنى أنّ المشخّصات جزء لما وضع له العلم ، لا أنّها خارجة عنه ، ثمّ المراد من المشخّصات هي الأمور الكائنة للذّات في جميع أحواله كاللّون المخصوص وكونه متولّدا عن شخص خاصّ في زمان خاصّ ومكان معيّن ، لا الأمور المتغيّرة كالطّفولية والشّيخوخة ، كي يقال : إنّ إطلاق لفظ زيد على الشّخص حال كونه شابّا أو شيخا مجاز ، ولم يقل به أحد.

والتّحقيق أن يقال : إنّ العلم موضوع لوجود خاصّ ، وليست المشخّصات من الكمّ والكيف والوضع ومتى والأين والإضافة داخلة في الموضوع له وإنّما هي أمارات يعرف بها الوجود الخاصّ ، ثمّ قدّم المصنّف العلميّة على بقية المعارف ، لأنّها أعرف منها.

(٢) أي تعريفه بالعلميّة لإحضاره ، فالضّميران يرجعان إلى المسند إليه ، لكنّ الأوّل أعني «تعريفه» بالنّظر إلى اللّفظ ، والثّاني أعني «لإحضاره» بالنّظر للمعنى ، لأنّ العلم هو اللّفظ ، والمحضر في ذهن السّامع هو المعنى لأنّه هو المحكوم عليه ، ففي الكلام استخدام لذكر المسند إليه سابقا بمعنى اللّفظ ، وإعادة الضّمير إليه بمعنى المدلول ، ويمكن أن يكون في الكلام حذف ، أي لإحضار مدلوله.

(٣) التّفسير إشارة إلى أنّ المراد به هنا غير المعنى الّذي هو المراد به في قولهم : (المعرفة ما وضع لشيء بعينه) ، فإنّه فيه ليس بمعنى بشخصه ، بل بمعنى المعيّن مطلقا جنسيّا كان أو شخصيّا ، ثمّ الظّرف في قوله : «بعينه» في موضع حال من مفعول المصدر ، أي الضّمير في إحضاره ، فيكون المعنى : أمّا تعريفه بالعلميّة ، فلإحضاره في ذهن السّامع حال كونه متلبّسا بشخصه.

(٤) هذا جواب عن سؤال مقدّر ، وتقريب السّؤال : إنّ ما ذكره المصنّف من أنّ تعريفه بالعلميّة لإحضاره في ذهن السّامع بعينه وبشخصه لا يأتي فيما إذا كان المخاطب لا

٢٩٨

واحترز بهذا (١) عن إحضاره (٢) باسم جنسه (٣) نحو رجل عالم جاءني [في ذهن السّامع ابتداء] أي أوّل مرّة (٤) واحترز به (٥) عن نحو : جاءني زيد وهو راكب [باسم مختصّ به] أي بالمسند إليه (٦)

______________________________________________________

يحيط بالمسمّى ، كما إذا كان المسند إليه في الكلام لفظ الجلالة ، وكان المخاطب عبدا ، فإنّ العبد لا يكون عالما بكنه ذاته تعالى ومحيطا بجميع صفاته ، فكيف يمكن للمتكلّم أن يحضر مسمّى لفظ الجلالة بعينه في ذهن المخاطب إذا كان عبدا؟

والجواب : إنّه لا ريب أنّ العبد وإن لم يكن عالما بكنهه سبحانه ومحيطا بجميع صفاته إلّا أنّه مميّز له سبحانه عن جميع ما عداه ، ولو بخاصّة مساوية له تعالى بحيث يمتنع اشتراكها بين الكثيرين كعنوان واجب الوجود والمعبود بالحقّ ونحوهما.

(١) أي بعينه.

(٢) أي المسند إليه.

(٣) أي المسند إليه ، وكلمة «اسم» زائدة ، فالحقّ أن يقول : بجنسه ، نحو : رجل عالم جاءني ، لأنّ مقابل قوله : «بعينه» هو بجنسه لا «باسم جنسه» فإنّ لفظ رجل يحضر المسند إليه في ذهن السّامع حال كونه متلبّسا بجنسه لا حال كونه متلبّسا بشخصه.

(٤) هذا التّفسير إشارة إلى ظرفيّة «ابتداء».

(٥) أي بقيد «ابتداء» ، أي احترز بهذا القيد عن إحضار المسند إليه بشخصه ثانيا بالضّمير الغائب الرّاجع إلى مسمّى العلم نحو : جاءني زيد وهو راكب ، حيث إنّ الضّمير الغائب وإن كان يحضر المسند إليه في ذهن السّامع إلّا أنّ هذا الإحضار ليس ابتدائيّا ، بل يكون ثانويّا حيث إنّه يشترط في الضّمير الغائب سبق المرجع لفظا أو تقديرا.

فإن قلت : إنّ الضّمير الغائب لا يمكن أن يحضر المسند إليه في ذهن السّامع ثانيا أيضا لاستحالة تحصيل الحاصل ، فكلمة «هو» في المثال المذكور لا يمكن أن تكون محضرة لمسمّى زيد ثانيا ، إذ قد أحضر في ذهن السّامع بلفظ زيد ، والمحضر لا يقبل الإحضار.

قلت : إنّ إحضاره باعتبار كونه مدلول المرجع مغاير لإحضاره باعتبار كونه مدلول الضّمير ، فلا يلزم محذور تحصيل الحاصل ، هذا مع إمكان تحقّق الإحضار الثّاني حال غفلة السّامع عن الإحضار الأوّل.

(٦) بأن يكون ذلك الاسم مقصورا عليه ولا يتجاوز إلى غيره.

٢٩٩

بحيث لا يطلق باعتبار هذا الوضع على غيره (١) ، واحترز به (٢) عن إحضاره بضمير المتكلّم أو المخاطب واسم الإشارة والموصول والمعرّف بلام العهد والإضافة ، وهذه القيود (٣) لتحقيق مقام العلميّة. وإلّا (٤) فالقيد الأخير مغن عمّا سبق (٥) وقيل (٦) : احترز

______________________________________________________

(١) الإتيان بقيد الحيثيّة إشارة إلى الجواب عن سؤال مقدّر ، وتقريب السّؤال : إنّ ما ذكره المصنّف من تعريف المسند إليه بالعلميّة بعينه ابتداء في ذهن السّامع باسم مختصّ به منقوض بالأعلام المشتركة ، لأنّ الإحضار فيها ليس باسم مختصّ بالمسند إليه الخاصّ ، بل باسم مشترك بينه وبين غيره.

حاصل الجواب : إنّ الوضع في الأعلام المشتركة متعدّد بحسب تعدّد المسمّيات ، فاللّفظ باعتبار كلّ وضع مختصّ بكلّ مسمّى ولا يتجاوزه إلى مسمّى آخر بملاحظة وضعه له ، وإن كان يتجاوز إليه باعتبار وضع آخر فلا ينتقض ما ذكره المصنّف بالأعلام المشتركة إذ لا يطلق اللّفظ على المعنى باعتبار هذا الوضع على غيره.

(٢) أي باسم مختصّ به عن إحضار المسند إليه بضمير المتكلّم نحو : أنا سعيت في حاجتك ، والمخاطب نحو : أنت قتلت عمرا ، واسم الإشارة نحو : هذا أراد قتل السّلطان ، والموصول نحو : الّذي هو حاكم البلد جاءني ، والمعرّف بلام العهد نحو : اليوم يوم الجمعة ، وقولك : ركب الأمير ، والإضافة نحو : غلام زيد فعل كذا ، وقد احترز المصنّف بقوله : «باسم مختصّ به» عن إحضار المسند إليه بهذه الأمور.

(٣) أي الثّلاثة أعني قوله : (بعينه ، ابتداء ، باسم مختصّ به) ، وقوله : «وهذه القيود» دفع لما يقال : من أنّ القيد الأخير يغني عن القيدين قبله فلا حاجة إلى ذكرهما.

وحاصل الدّفع : إنّ هذه القيود الثّلاثة لتحقيق وإيضاح مقام العلميّة لا للاحتراز ، فالإتيان بها ليتّضح به مقام العلميّة لا للاحتياج إليها في الإخراج.

(٤) أي وإن لم نقل : إنّ هذه القيود لتحقيق ما ذكر ، بل إنّها محتاج إليها للإخراج والاحتراز ، فلا يصحّ ذكر القيدين الأوّلين ، لأنّ القيد الأخير يغني عنهما إذ ما خرج بهما يخرج به.

(٥) أي من القيدين أعني (بعينه ، وابتداء) لما ذكرناه من أنّه يخرج به ما يخرج بهما.

(٦) القائل هو الخلخالي ، وهذا القول مقابل قوله : «أوّل مرّة» في تفسير قول المصنّف ابتداء. وحاصل هذا القول : إنّ «ابتداء» إنّما هو للاحتراز عن الضّمير الغائب ،

٣٠٠