دروس في البلاغة - ج ١

الشيخ محمّدي البامياني

دروس في البلاغة - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّدي البامياني


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة البلاغ
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٤

[أومعنويّة (١) كاستحالة قيام المسند بالمذكور (٢)] أي بالمسند إليه المذكور مع المسند (٣) [عقلا] أي من جهة العقل (٤) يعني (٥) أن يكون بحيث لا يدّعي أحد من

______________________________________________________

مقترنا كلامه بلفظ يدلّ على ذلك ، فإذا يصحّ جعلهما مقابلين ، فإنّ الطّبيعة بشرط لا ، تناقض الطّبيعة بشرط شيء.

(١) أو كانت القرينة معنويّة ، وقد تجتمع القرينتان.

(٢) أي المذكور في عبارة المتكلّم ، وليس المراد المذكور في كلام المصنّف سابقا ، أي المذكور في كلام المتكلّم لفظا أو تقديرا. ثمّ المراد بالاستحالة هي الاستحالة عند كلّ عاقل مبطلا كان أو محقّا ، والمراد بالقيام أعمّ من الصّدور والاتّصاف ، فيشمل قيام المبني للمفعول بنائب الفاعل لوجود الاتّصاف فيه ، فإنّ معنى (ضرب زيد) اتّصف زيد بالمضروبيّة ، فلا وجه لما قيل : من أنّ الأولى أن يقول : كاستحالة نسبة المسند إلى المسند إليه المذكور ليتناول نسبة الفعل المجهول.

(٣) التّفسير المذكور إشارة إلى دفع توهّم أنّ المراد بالمذكور هو المذكور في عبارة المصنّف ، فيكون احترازا عن قيامه بالغير المذكور معه ، وهو المسند إليه الحقيقيّ.

(٤) التّفسير إشارة إلى أنّ قوله : «عقلا» تمييز عن النّسبة الإضافيّة في قوله : «كاستحالة قيام المسند» لأنّ نسبة الاستحالة إلى القيام مردّد بين العقل والعادة ، فيحتمل كلّ منهما ما لم يذكر أحدهما على التّعيين ، ويكفي في التّمييز وجود الإبهام من أيّ جهة كان ، ولم يدلّ دليل على اشتراط التّمييز عن النّسبة أن يكون الإبهام فيها من جهة النّسبة بين النّسبتين أو أزيد. نعم ، يمكن أن يكون قوله : «عقلا» منصوبا بنزع الخافض ، أي في عقل ، وهنا كلام طويل تركناه رعاية للاختصار.

(٥) جواب عن سؤال مقدّر تقديره : إنّ استحالة العقل لو كانت قرينة صارفة عن إرادة الظّاهر فلم لم يحمل قول الدّهري لمن يعرف حاله أنبت الرّبيع البقل على كونه مجازا ، لأنّ العقل يستحيل قيام الإنبات بالرّبيع.

والجواب : إنّ المراد بالاستحالة الضّرورية ، وهي الّتي لو خلّي العقل مع نفسه من غير اعتبار أمر آخر معه من نظر أو عادة أو إحساس يحكم بها ، واستحالة قيام الإنبات بالرّبيع ليس كذلك ، بل يحتاج العقل في الحكم بها إلى نظر واستدلال.

٢٦١

المحقّين والمبطلين أنّه يجوز قيامه به لأنّ العقل إذا خلّي ونفسه يعدّه محالا (١) [كقولك : محبّتك جاءت بيّ إليك (٢)] لظهور استحالة قيام المجيء بالمحبّة [أو عادة] أي من جهة العادة (٣) [نحو : هزم الأمير الجند (٤)] لاستحالة قيام انهزام الجند بالأمير وحده عادة وإن كان ممكنا عقلا ، وإنّما قال (٥) : قيامه به ، ليعمّ الصّدور عنه مثل

______________________________________________________

(١) قوله : «لأنّ العقل» تعليل لما يستفاد من قوله : «يعني أن يكون ...» ، وحاصل التّعليل أنّه إذا كان بهذه الحيثيّة يقال له : إنّه مستحيل استحالة عقليّة ، لأنّ العقل يعدّ القيام محالا ، ثمّ المراد من المبطلين الدّهريين ، هذا على تقدير أن تكون النّسخة «لأنّ العقل».

وأمّا على تقدير أن تكون (لا أنّ العقل) فحاصل الجواب حينئذ إنّ المراد بالاستحالة الاستحالة الضّروريّة ، وهي الّتي يحكم العقل به على كلّ حال ، وإن كان مكتنفا بمنازعة الأوهام لا الاستحالة النّظريّة الّتي يحكم بها العقل لو خلّي وطبعه بأن لا ينازعه الأوهام ، ومعها يسكت عن الحكم والاستحالة في قول الدّهري من القسم الثّاني.

(٢) كان أصله نفسي جاءت بيّ إليك لأجل محبّتك ، إلّا أنّ المحبّة لمّا كانت مشابهة للنّفس من حيث تعلّق المجيء بكلّ منهما أسند إليهما ، والقرينة استحالة قيام المجيء بالمحبّة بحيث لا يمكن لأحد أن يدّعي قيامه بها.

ثمّ إنّ ثبوت الاستحالة في المثال مبنيّ على مذهب المبرّد ، بأنّ باء التّعدّية تقتضي مصاحبة الفاعل للمفعول به حصول الفعل ، فمعنى (ذهبت بزيد) صاحبت زيدا في الذّهاب ، وأمّا على ما ذهب إليه سيبويه من أنّ باء التّعدّية بمعنى همزة النّقل ، وأنّ معنى (ذهبت بزيد) أذهبت زيدا ، فلا استحالة في المثال ، لأنّ المحبّة تورث المجيء ، وتوجبه ولا شكّ في صحّة أن يقال بلا تأويل : محبّتك أبعثني على المجيء إليك.

(٣) التّفسير المذكور إشارة إلى كون قوله : «عادة» تمييزا كقوله : «عقلا».

(٤) فإنّ قيام هزم الجند بالأمير وحده مستحيل عادة وإن أمكن عقلا.

(٥) أي المصنّف ، هذا حكاية لكلام المصنّف بالمعنى ، لأنّ المصنّف لم يقل ذلك ، بل قال : قيام المسند بالمذكور ، أي إنّما قال كاستحالة قيام المسند بالمذكور ، ولم يقل : كاستحالة صدور المسند عن المذكور ليعمّ الصّدور عن المسند إليه.

٢٦٢

ضرب وهزم وغيره (١) مثل قرب وبعد [وصدوره] عطف على استحالة أي كصدور الكلام (٢) [عن الموحّد في مثل أشاب الصّغير] وأفنى الكبير البيت (٣) ، فإنّه (٤) يكون قرينة معنويّة على أنّ إسناد أشاب وأفنى إلى كرّ الغداة ومرّ العشيّ مجاز (٥).

لا يقال : هذا (٦) داخل في الاستحالة.

______________________________________________________

(١) أي غير الصّدور من الاتّصاف والحلول مثل قرب وبعد ومرض ومات ، لأنّ القرب والبعد من الأمور النّسبيّة ، فلا يجوز أن يصدر عن ظرف فحسب ، بل عنه وعن غيره ، مثلا إذا قلت : قربت الدّار أو بعدت عنها ، كان القرب والبعد قائمان بالدّار على نحو الاتّصاف ، وكذا المرض والموت قائمان بزيد على نحو الاتّصاف.

(٢) قوله : «كصدور الكلام» إشارة إلى أنّ الضّمير في قوله : «وصدوره» عائد إلى الكلام المعلوم بقرينة المقام كما يدلّ عليه ما ذكره في الإيضاح حيث قال : وكصدور الكلام عن الموحّد في مثل قوله : «أشاب الصّغير» ، والأولى إرجاع الضّمير إلى المجاز لئلّا يقطع سلك الضّمائر عن الانتظام.

لا يقال : إنّ هذا لا يصحّ ، إذ يصبح المعنى حينئذ من قرائن المجاز صدور المجاز عن الموحّد ، فيلزم أن يعرف المجاز من المجاز وهو باطل.

فإنّه يقال : إنّ المراد بالمجاز المضاف إليه في قوله : «وصدوره» ليس ما هو المجاز بالفعل ، بل المراد ما يؤول كونه مجازا فيكون المعنى من قرائن المجاز صدور ما يؤول إلى كونه مجازا من الموحّد فإذا يصحّ إرجاعه إلى المجاز.

(٣) أي اقرأ تمام البيت ، أي أشاب الصّغير وأفنى الكبير كرّ الغداة ومرّ العشيّ ، ثمّ التّمثيل به مبنيّ على فرض العلم بحال قائله بأنّه مؤمن وما سبق من عدم حمله على المجاز العقليّ مبنيّ على عدم العلم أو الظّنّ بحاله ، فلا منافاة بين التّمثيلين.

(٤) أي الصّدور عن الموحّد قرينة معنويّة على أنّ الإسناد المذكور مجاز عقليّ.

(٥) خبر أنّ في قوله : «على أنّ إسناد ...».

(٦) أي الصّدور عن الموحّد في مثل «أشاب الصّغير» داخل في الاستحالة العقليّة ، لأنّ الموحّد يحيل قيام الإشابة والإفناء بالمسند إليه المذكور ، فلا يصحّ أن يجعل مقابلا للاستحالة.

٢٦٣

لأنّا نقول : لا نسلّم ذلك (١) ، كيف! وقد ذهب إليه كثير من ذوي العقول ، واحتجنا في إبطاله (٢) إلى دليل [ومعرفة حقيقته (٣)] يعني أنّ الفعل (٤) في المجاز العقليّ

______________________________________________________

(١) أي دخوله في الاستحالة العادية أو العقليّة ، لأنّ المراد بالاستحالة العقليّة هي كون الشّيء محالا بالضّرورة بحيث يحكم بها كلّ عاقل من دون حاجة إلى أيّ دليل ، والاستحالة في المثال المذكور ليست كذلك ، بل تحتاج إلى دليل ، كما أشار إليه بقوله : «كيف! وقد ذهب إليه ...» أي كيف يكون مستحيلا والحال أنّه قد ذهب إليه كثير من ذوي العقول فهو ليس من المحال العقليّ الضّروريّ.

(٢) أي ما ذهب إليه الكثير «إلى دليل».

(٣) أي حقيقة المجاز العقليّ ، أو حقيقة متعلّقه الّذي هو المسند إليه الّذي يكون الإسناد إليه حقيقة ، كما يدلّ عليه قول الشّارح : «فمعرفة فاعله ...».

(٤) حاصل الكلام في هذا المقام على ما في المفصّل إنّ الشّارح أتى بهذا الكلام دفعا للإشكالين الواردين على ظاهر كلام المصنّف :

تقرير الأوّل : إنّ قوله : «ومعرفة حقيقته ...» ناطق بظهوره على أنّ لكلّ مجاز عقليّ لا بدّ أن تكون حقيقة ، وليس الأمر كذلك فإنّهم قد صرّحوا بأنّ المجاز سواء كان عقليّا أو لغويّا لا يحتاج إلى الحقيقة ، بل لا بدّ له من الوضع إن كان لغويّا ، وممّا هو له إن كان عقليّا.

وتقرير الثّاني : إنّ الحقيقة في هذا الباب عبارة عن إسناد الفعل أو معناه إلى ما هو له ، ولا ريب إنّ الحقيقة بهذا المعنى من الأمور الظّاهرة بمعنى أنّ كلّ ما سمعناه كلاما مشتملا على إسناد الفعل أو معناه إلى غير ما هو له ندري أنّ حقيقته إسناده إلى ما هو له ، فإذا لا مجال لقوله : «ومعرفة حقيقته» إمّا ظاهرة وإمّا خفيّة لعدم وجود القسم الثّاني.

وحاصل الجواب : إنّ المراد بمعرفة حقيقته ليس معرفة نفس الحقيقة ومفهومها أعني الإسناد إلى ما هو له حتّى يرد أنّه أمر ظاهر لا يكون قابلا للاتّصاف بالخفاء ، وبالحقيقة ليس ما أصبح حقيقة بالفعل حتّى يرد أنّ المجاز مطلقا لغويّا كان أو عقليّا لا يحتاج إلى الحقيقة ، بل المراد بالحقيقة هو الفاعل أو المفعول اللّذان إذا أسند الفعل أو معناه إلى أحدهما يكون الإسناد حقيقة ، والمراد بالمعرفة العلم بهذا السّنخ من الفاعل والمفعول ، ولا ريب أنّ معرفته تارة تكون ظاهرة ، وأخرى خفيّة ، كما أنّه لا ريب في أنّ كلّ مجاز

٢٦٤

يجب أن يكون له فاعل أو مفعول به إذا أسند إليه يكون الإسناد حقيقة (١) ، فمعرفة فاعله أو مفعوله (٢) الّذي إذا أسند إليه يكون الإسناد حقيقة [إمّا ظاهرة ، كما في قوله تعالى : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ)(١) (٣)

______________________________________________________

مستلزم للحقيقة بهذا المعنى ، فإنّها عندئذ عبارة عن نفس ما هو له أعني الفاعل والمفعول ، ولا يعقل أن يكون مجاز ولم يكن له ما هو له ، ألا ترى أنّه عرف بإسناد الفعل أو معناه إلى غير ما هو له ، فلا بدّ له ممّا هو له حتّى يتصوّر له مغاير فإذا لا يرد على المصنّف شيء من الإشكالين.

بقي في المقام شيء ، وهو أنّ المعرفة لا تتصف بالخفاء ، فإنّها نفس الظّهور وآبية بماهيّته عن طروّ الخفاء ، فكان على المصنّف أن يقول : حقيقته إمّا ظاهرة وإمّا خفيّة بحذف المعرفة ، لكن يمكن أن يقال : إنّه وصفها بالظّهور والخفاء باعتبار متعلّقه أعني الحقيقة ، فيكون من قبيل وصف الشّيء بحال متعلّقه.

(١) اقتصر المصنّف على الفعل حيث قال : «يعني أنّ الفعل في المجاز العقليّ» ولم يقل : إنّ الفعل أو معناه ، لأنّ الفعل هو الأصل ، وإلّا فما بمعناه مثله.

(٢) لم يقل : فمعرفة إسناده الّذي إذا استعمل يكون حقيقة ، كما يقتضيه السّوق ، لأنّ الإسناد لا يتّصف بالظّهور والخفاء إلّا باعتبار ظهور فاعله أو مفعوله أو خفائهما ، فقوله : «فمعرفة فاعله ...» شروع في دفع الإشكال الثّاني ، أي إذا عرفت أنّ المراد من العبارة المذكورة أنّه يجب أن يكون للفعل في المجاز العقليّ فاعل أو مفعول به إذا أسند إليه يكون الإسناد حقيقة. فنقول : معرفة هذا الفاعل أو المفعول به «إمّا ظاهرة ...» فليس المراد بمعرفة الحقيقة معرفة مفهوم الإسناد إلى ما هو له حتّى يقال : إنّه ظاهر دائما لا خفاء فيه أصلا ، بل المراد به معرفة الفاعل الحقيقيّ أو المفعول به الحقيقيّ ، ولا ريب أنّ معرفتهما تارة تكون واضحة وأخرى تكون خفيّة.

(٣) قد أسند الرّبح إلى التّجارة مع أنّه من الأوصاف القائمة بالمشترين بلا خفاء ، لكونها سببا ومشابها لهم بتعلّق الرّبح بكلّ منهما ، ووجه الظّهور وعدم خفاء كونه من أوصافهم التّبادر العرفيّ ، فإنّهم يفهمون من هذا الكلام أنّ الفاعل الحقيقيّ هو التّجار وأصحاب الأموال ، وإنّما أسند إلى التّجارة مجازا.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٥.

٢٦٥

أي فما ربحوا (١) في تجارتهم وإمّا خفيّة (٢)] لا تظهر إلّا بعد نظر وتأمّل [كما في قولك : سرّتني رؤيتك (٣) ، أي سرّني الله عند رؤيتك (٤) ، وقوله :]

يزيدك وجهه حسنا (٥)

إذا ما زدته نظرا

______________________________________________________

(١) أي ما ربحوا ، و «ما» نافية ، أي ما ربح أصحاب الأموال في تجارتهم ، غاية الأمر المراد من المشترين هم المنافقون الّذين اشتروا الضّلالة بالهدى فما ربحوا في تجارتهم هذه.

(٢) وجه الخفاء : هو كثرة الإسناد إلى الفاعل المجازيّ وترك الإسناد إلى الفاعل الحقيقيّ.

(٣) فإنّ إسناد المسرّة إلى الرّؤية مجاز وإلى الله حقيقة ، لأنّ الرّؤية لا تكون متّصفة في الحقيقة بالسّرور ، وإنّما المتّصف به هو القادر المختار وفي معرفة الحقيقة خفاء ، لأنّ الفاعل بحسب الظّاهر هو الرّؤية لا شيء آخر فيحتاج إلى تأمّل. فأسند السّرور إلى الرّؤية مجازا لكونها مشابهة للقادر المختار في تعلّقه بكلّ منهما.

ثمّ إنّ وجه كون معرفة الحقيقة في هذا المثال والأمثلة الآتية خفيّة هو ترك العرف الإسناد إلى الله تعالى ، كما تركوا استعمال الرّحمن فيما وضع له.

(٤) هذا التّفسير إشارة إلى أنّ الفاعل الحقيقيّ في هذا المثال هو الله تعالى ، ثمّ إنّ القول بإسناد السّرور إلى الرّؤية مجازا ، مبنيّ على ما إذا أريد منه حصول السّرور عند الرّؤية ، وأمّا إذا أريد منه أنّ الرّؤية موجبة للسّرور فهو حقيقة عند بعض.

(٥) (يزيد) مضارع زاد ضدّ نقص فعل ، وجهه فاعله ، وحسنا مفعوله الثّاني.

لا يقال : المفعول الثّاني ل (زاد يزيد) شرطه أن تصحّ إضافته إلى المفعول الأوّل ، كما في قوله تعالى : (فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً) فإنّه يصحّ أن يقال : زاد الله مرضهم ، وفي المقام ليس الأمر كذلك. فإنّه لا يقال : يزيد وجهه حسنك ، لأنّ الحسن ليس وصفا للمخاطب ، بل وصف لوجه الممدوح.

لأنّا نقول : الكلام بتقدير المفعول والجار ، أي يزيدك وجهه علما بحسن فيه إذا ما زدته نظرا ، ولا ريب في صحّة الإضافة عندئذ بأن يقال : يزيد وجهه علمك بحسن فيه. وبهذا

٢٦٦

[أي يزيد الله حسنا في وجهه (١)] لما أودعه (٢) من دقائق الحسن (٣) والجمال تظهر بعد التّأمّل والإمعان (٤) ، وفي هذا (٥) تعريض بالشّيخ عبد القاهر ، وردّ عليه حيث زعم (٦) أنّه لا يجب في المجاز العقليّ أن يكون للفعل فاعل يكون الإسناد إليه حقيقة ، لأنّه (٧) ليس لسرّتني في سرّتني رؤيتك ولا ليزيدك في يزيدك وجهه حسنا فاعل يكون

______________________________________________________

يندفع ما قيل من أنّ الحسن موجود في الوجه على وتيرة واحدة ولا يزداد بتكرّر النّظر.

وجه الاندفاع : إنّ المراد زيادة العلم بالحسن بتكرّر النّظر لا نفس الحسن.

(١) التّفسير المذكور إشارة إلى أنّ وجهه مفعول ثالث ل (يزيد) بواسطة ، فالإسناد في الكلام المذكور وقع إلى المفعول بواسطة.

(٢) علّة الزّيادة والجملة إشارة إلى دفع ما استشكل في المقام ممّا أشرنا إليه في الدّليل ، وهو أنّ الحسن موجود في وجهه على نحو واحد ، ولا يمكن أن يزداد بتكرّر النّظر.

وحاصل الدّفع : إنّ المراد أنّ وجهه قد أودعت فيه دقائق من الحسن تظهر واحدة بعد أخرى بتكرّر النّظر فالمراد زيادة الظّهور والعلم بالحسن لا زيادة نفسه كما في المفصّل للمرحوم الشّيخ موسى البامياني.

(٣) بيان ل «ما» في قوله : «لما أودعه».

(٤) أي يظهر ذلك الحسن بعد دقّة النّظر.

(٥) أي في قوله : «ومعرفة حقيقته ...» حيث اشترط في المجاز العقليّ أن يكون له فاعل حقيقيّ إمّا ظاهر أو خفيّ ، تعريض بالشّيخ عبد القاهر وردّ عليه.

(٦) قوله «حيث زعم» علّة التّعريض ، أي حيث قال الشّيخ : إنّه لا يجب في المجاز العقليّ أن يكون للفعل فاعل محقّق في الخارج يكون الإسناد إليه حقيقة ، بل يكفي أن يكون الفاعل أمرا اعتباريّا بأن يفرض ويتوهّم للفعل فاعل ينتقل الإسناد منه للفاعل المجازيّ.

(٧) علّة لقوله : «لا يجب في المجاز العقليّ ...» والوجه لعدم لزوم الفاعل الحقيقيّ للفعلين في المثالين هو عدم وجود تلك الأفعال المتعدّية حقيقة في الاستعمال ، بل وجود تلك الأفعال اعتباري.

والحاصل إنّ الشّيخ ذكر أنّ هذين المثالين ونحوهما من المجاز في الإسناد الّذي لا

٢٦٧

الإسناد إليه حقيقة ، وكذا أقدمني بلدك حقّ لي على فلان (١) ، بل الموجود ههنا هو السّرور والزّيادة والقدوم (٢) واعترض عليه (٣) الإمام فخر الدّين الرّازي بأنّ الفعل لا بدّ

______________________________________________________

حقيقة له ، فبيّن المصنّف أنّ له حقيقة خفيت على الشّيخ ، لأنّ حقّ الإسناد فيه لله تعالى ، وبالجملة إنّ الشّيخ لا يوجب في المجاز العقليّ أن يكون للفعل فاعل محقّق في الخارج أسند إليه الفعل حقيقة إسنادا يعتدّ به بأن يقصد في العرف والاستعمال إسناد الفعل إلى ذلك الفاعل ، وأمّا موجدها هو الله تعالى فلا نزاع فيه.

(١) أي إسناد الإقدام إلى الحقّ مجاز عقليّ ، وليس للإقدام فاعل حقيقيّ ، وحاصل توجيه المجاز العقليّ فيه على مذهب الشّيخ أن يقال : إنّه بولغ في كون الحقّ له دخل في تحقّق القدوم ، ففرض إقدام صادر من فاعل متوهّم ، ثمّ نقل عنه ، وأسند إلى الحقّ مبالغة في ملابسته للقدوم ، كما ينتقل إسناد الفعل من الفاعل الحقيقيّ في المثال المذكور ليس موجودا محقّقا في الخارج ، بل الإسناد إلى الفاعل الحقيقيّ متوهّم مفروض ، ولا يعتدّ بإسناد الفعل للفاعل المتوهّم المفروض ، وعلى هذا يحمل قول الشّيخ ليس لهذه الأفعال فاعل أي فاعل محقّق في الخارج يعتدّ بإسنادها إليه. ويحتمل أنّه مجاز مرسل إن أريد بالإقدام الحمل على القدوم أو استعارة بالكناية إن شبّه الحقّ بمقدّم تشبيها مضمرا في النّفس ، وطوى ذكر المشبه به وهو المقدّم ورمز له بذكر لازمه وهو الإقدام تخييلا.

(٢) وهو ليس من محلّ الكلام ، لأنّ الكلام إنّما هو في فاعل الفعل المتعدّي لا في فاعل الفعل اللّازم ، فانتفاء الفاعل الحقيقيّ أعني فاعل المتعدّي لعدم وجود الفعل المتعدّي.

فإن قيل : كيف يصحّ القول بانتفاء المتعدّي مع تحقّقه قطعا.

فالجواب : إنّ المراد أنّ المتكلّم بهذه الأفعال لم يقصد معنى المتعدّي والإخبار عنه وإن كان متحقّقا في الواقع إلّا على سبيل التّخييل ، فالحكم بانتفاء المتعدّي بالنّظر للمقصود من الكلام لا بالنّظر إلى الواقع.

(٣) أي على الشّيخ عبد القاهر ، وحاصل اعتراض الإمام الرّازي على ما ذكره الشّيخ عبد القاهر هو أنّ كل فعل لا بدّ له من فاعل وذلك لاستحالة صدوره بلا فاعل ، فإن كان ذلك الفاعل هو ما أسند إليه الفعل فلا مجاز وإلّا فيمكن تقديره ، فاعتقد المصنّف صحّة هذا الكلام فقدّر الفاعل في المثالين الله تعالى ، لأنّه الفاعل الحقيقيّ.

٢٦٨

أن يكون له فاعل حقيقة لامتناع صدور الفعل لا عن فاعل ، فهو إن كان ما أسند إليه الفعل فلا مجاز ، وإلّا فيمكن تقديره فزعم صاحب المفتاح أنّ اعتراض الإمام حقّ وأنّ فاعل هذه الأفعال (١) هو الله تعالى وإنّ الشيخ لم يعرف حقيقتها لخفائها ، فتبعه (٢) المصنّف ، وفي ظنّي إنّ هذا (٣) تكلّف والحقّ ما ذكره الشّيخ (٤) [وأنكره (٥)] أي المجاز

______________________________________________________

وهذا الرّدّ يتّجه إن كان مراد الشّيخ أنّ الأفعال المذكورة في الأمثلة المتقدّمة لا يتّصف بها شيء على وجه الحقيقة ، ولا يمكن فرض موصوف لها أصلا ، وليس مراده ذلك ، بل المراد أنّ نحو : سرّتني رؤيتك ، وأقدمني بلدك حقّ لي على فلان ، ويزيدك وجهه حسنا لا يقصد في الاستعمال العرفيّ فيها فاعل الإقدام ولا فاعل السّرور المتعدّي ولا فاعل الزّيادة المتعدّية ، ولذلك لم يوجد في ذلك الاستعمال إسنادها لما يحقّ أن يتّصف بها ، لأنّها لكونها اعتباريّة ألغي عرفا استعمالها لموصوفها الواقعي ، فصار هذا التّركيب في إسناده كالمجاز الّذي لم يستعمل له حقيقة ، وليس المراد أنّ هذه الأفعال الاعتباريّة لا موصوف لها في نفس الأمر يكون الإسناد إليه حقيقة كي يقال : إنّ كون الوصف بلا موصوف غير معقول.

(١) أي سرّتني رؤيتك ، ويزيدك وجهه حسنا ، وأقدمني بلدك حقّ لي على فلان.

(٢) أي صاحب المفتاح المصنّف.

(٣) أي تقدير الفاعل لهذه الأفعال تكلّف ، ووجه التّكلّف إنّ تقدير الفاعل الموجد هو الله تعالى في مثل هذه الأفعال ، تقدير لما لم يقصد في الاستعمال ، ولا يتعلّق به الغرض في التّراكيب.

(٤) وذلك لأنّه ليس مراده نفي الفاعل رأسا ، بل مراده نفي وجوب فاعل أسند إليه المسند قبل إسناده إلى المجاز ، يعني أنّه لا يشترط في المجاز أن يكون المسند قد أسند قبل إلى الفاعل الحقيقيّ ، بل يجوز أن يكون من أوّل الأمر.

(٥) أي أنكر المجاز العقليّ السّكّاكي ، وقال : ليس في كلام العرب مجاز عقليّ ، وملخّص الوجه لإنكاره : أنّ المجاز خلاف الأصل ، قد ثبت في الطّرف قطعا ، وإثباته في الإسناد وإن كان لا فساد فيه لكن يمكن ردّه إلى المجاز في الطّرف الواقع قطعا ، والأصل ردّ ما تردّد فيه إلى المتيقّن ، ولا يخفى أنّ ذلك ليس إلّا لتقليل الانتشار ، وتقريب الضّبط

٢٦٩

العقليّ [السّكّاكي] وقال (١) الّذي عندي نظّمه في سلك الاستعارة بالكناية (٢) بجعل (٣) الرّبيع استعارة بالكناية (٤) عن الفاعل الحقيقيّ بواسطة المبالغة في التّشبيه (٥) وجعل نسبة الإنبات إليه (٦) قرينة للاستعارة (٧)

______________________________________________________

لاعتبارات البلغاء بإدراج المجاز العقليّ في الاستعارة بالكناية.

(١) أي السّكّاكي «الّذي عندي نظمه» ، والضّمير في «نظّمه» راجع إلى أمثلة المجاز العقليّ وأفرده باعتبار التّأويل بما ذكر في كلماتهم.

(٢) قال العلّامة المرحوم الشّيخ موسى البامياني : (في كلامه هذا استعارة بالكناية حيث شبّه إفراد الاستعارة بالكناية بالدّرر في الظّرافة ، والتّرتيب ميل الطّبع إليها ، ثمّ ترك أركان التّشبيه سوى لفظ الموضوع للمشبّه ، واستعمل فيما ادّعي أنّه المشبّه به ، وليس إلّا هو ، فلفظ «استعارة بالكناية» في كلامه استعارة بالكناية ، وإثبات السّلك المتوهّم تخييل ، وذكر النّظم ترشيح). وتقدّم الكلام حول الاستعارة بالكناية على مذهبه في أوّل الكتاب عند شرح قوله : «وبه يكشف عن وجوه الإعجاز أستارها» فراجع.

(٣) الباء للسّببيّة.

(٤) مثلا إذا قلنا : أنبت الرّبيع البقل ، على مذهب السّكّاكي فقد شبّهنا الرّبيع بالفاعل المختار من حيث ملابسة الفعل لكلّ منهما ، أمّا في الفاعل الحقيقيّ فلقيامه به وأمّا في الرّبيع فلكونه زمانه واقعا فيه ، ثمّ أطلقنا المشبّه الّذي هو الرّبيع وأردنا المشبّه به الّذي هو الفاعل الحقيقيّ بقرينة إسناد الإنبات إليه ، وهذا معنى الاستعارة بالكناية ، فيكون على هذا المجاز في الفاعل فقط ، والإسناد حقيقة.

(٥) الظّاهر إنّ مراده بالمبالغة في التّشبيه هو إدخال المشبّه في جنس المشبّه به وجعله فردا من أفراده ادّعاء ، وقوله : «بواسطة المبالغة» متعلّق بالجعل ، فمعنى العبارة : إنّ جعل الرّبيع استعارة حاصل بواسطة المبالغة في التّشبيه وإدخال المشبّه في المشبّه به وجعله فردا من أفراده ادّعاء.

(٦) أي الرّبيع ، قوله : «وجعل» عطف على قوله : «بواسطة».

(٧) لا يقال : إنّ قرينة الاستعارة بالكناية عنده إثبات الصّورة الوهميّة المسمّاة بالاستعارة التّخييليّة للمشبّه لا إثبات المعنى الحقيقيّ الّذي يكون للازم المشبّه به

٢٧٠

وهذا (١) معنى قوله : [ذاهبا (٢) إلى ما مرّ] من الأمثلة (٣) [ونحوه (٤) استعارة بالكناية] وهي (٥) عند السّكّاكي أن تذكر المشبّه (٦) وتريد المشبّه به بواسطة (٧) قرينة وهي (٨) أن تنسب إليه شيئا

______________________________________________________

الحقيقيّ ، فكان على الشّارح أن يقول : وجعل نسبة تشبيه الإنبات إليه قرينة للاستعارة.

فإنّه يقال : إنّ ما اشتهر منه محمول على الاستعارة بالكناية الكائنة في غير الموارد الّتي نلتزم بكونها مجازا عقليّا ، وأمّا الاستعارة بالكناية الكائنة فيها ، فالقرينة فيها قد تكون أمرا محقّقا ، ويدلّ على ذلك أنّه نفسه صرّح في بحث المجاز العقليّ بأنّ القرينة قد تكون أمرا محقّقا كما في أنبت الرّبيع البقل.

(١) أي جعل نحو الرّبيع استعارة بالكناية معنى قول المصنّف «ذاهبا ..».

(٢) حال من فاعل «أنكر» وهو السّكّاكي.

(٣) الّتي ذكرها المصنّف.

(٤) أي ممّا لم يذكر في الكتاب كقولهم : أيبس الخريف البقل ، ونحوه لا يحصى.

قيل : إنّ قول المصنّف «ذاهبا إلى أنّ ما مرّ ونحوه ...» اعتراض على السّكّاكي بأنّ التّشبيه لأجل المبالغة في المدخليّة إنّما يقصد في بعض المواضع ، كما في الإسناد إلى السّبب ، بخلاف نحو الإسناد إلى المصدر ، فلا قصد للتّشبيه معه ، فما ذهب إليه إنّما يتّجه في البعض دون البعض.

(٥) أي الاستعارة عند السّكّاكي بحسب اعتقاد المصنّف بدليل الجواب الآتي ، وإلّا فإنّه في الحقيقة ملتزم بأنّ الاستعارة بالكناية عبارة عن أن يذكر لفظ المشبّه به ، ويراد به المشبّه الادّعائي بجعل إثبات لازم من لوازم المشبّه به الحقيقيّ قرينة عليه.

(٦) أي ذكر المشبّه بمعنى المشبّه المذكور ، فلا يرد أنّ الاستعارة بالكناية هو اللّفظ لا الذّكر ، لأنّ إضافة الذّكر إلى المشبّه من قبيل إضافة الصّفة إلى الموصوف ، فمعنى ذكر المشبّه هو المشبّه المذكور.

(٧) قوله : «بواسطة» متعلّق بقوله : «تريد».

(٨) أي القرينة «أن تنسب إليه» أي إلى المشبّه الّذي أريد به المشبّه به.

٢٧١

من اللّوازم المساوية للمشبّه به (١) مثل أن تشبّه المنيّة بالسّبع (٢) ثمّ تفرّدها (٣) بالذّكر وتضيف إليها (٤) شيئا من لوازم السّبع (٥) ، فتقول : مخالب (٦) المنيّة نشبت بفلان (٧) [بناء (٨) على أنّ المراد بالرّبيع الفاعل الحقيقيّ] للإنبات ، يعني القادر المختار (٩)

______________________________________________________

(١) أي الخاصّة بالمشبّه به ، وليس المراد بالمساواة عدم الانفكاك بأن توجد تلك اللّوازم حيث يوجد المشبّه به ، وتنتفي حيث ينتفي ، بل المراد بها كونها خاصّة به وإن كان المشبّه به قد يتحقّق بدونها ، فالتّعبير بالمساواة لمجرّد الاحتراز عن اللّازم الأعم حيث إنّه لا يدلّ على الملزوم.

(٢) لا يقال : إنّ المشبّه به لا بدّ أن يكون أقوى من المشبّه ، والسّبع ليس كذلك لأنّه قد يجيء من يفترسه السّبع بخلاف ما افترسه الموت.

لأنّه يقال : إنّ السّبع أقوى ظاهرا من حيث إنّه يكسّر الأعضاء الظّاهرة مع إزالة الرّوح ، وله هيئة خاصّة مدهشة عند الافتراس.

(٣) أي المنيّة «بالذّكر» أي تفرّدها عن أداة التّشبيه والمشبّه به ووجه الشّبه مرادا بها المشبّه به لقوله : «وتريد المشبّه به». وملخّص معنى العبارة : أنّ تشبّه المنيّة بالسّبع في اغتيال النّفوس.

(٤) أي المنيّة.

(٥) أي شيئا من خواصّه.

(٦) جمع مخلب ، وهو للطّائر والسّبع بمنزلة الظّفر للإنسان.

(٧) أي علقت بفلان.

لا يقال : إنّ المخلب ليس من خواصّ السّبع لوجوده في بعض الطّيور.

لأنّا نقول : المراد بالسّبع كلّ ما تسبع طائرا كان أو غير طائر ، أو نقول : إنّ المراد بالمخالب المخالب التّامّة الّتي بها يحصل اغتيال النّفوس وإتلافها بقرينة المقام فتكون حينئذ مختصّة بالسّبع.

(٨) علّة لقوله : «ذاهبا».

(٩) أي يعنون هذا المفهوم لا من حيث خصوص ذاته تعالى حتّى يرد إنّ ادّعاء كونه ذات الله تعالى ركيك.

٢٧٢

[بقرينة نسبة الإنبات] الّذي هو من اللّوازم المساوية (١) للفاعل الحقيقيّ [إليه] أي الرّبيع [وعلى هذا القياس غيره] أي غير هذا المثال (٢) ، وحاصله (٣) أن يشبّه الفاعل المجازيّ (٤) بالفاعل الحقيقيّ (٥) في تعلّق وجود الفعل به (٦) ثمّ يفرد الفاعل المجازيّ بالذّكر (٧) ، وينسب إليه (٨) شيء من لوازم الفاعل الحقيقيّ [وفيه] أي فيما ذهب إليه السّكّاكي (٩) [نظر لأنّه (١٠) يستلزم أن يكون المراد بالعيشة في قوله تعالى :

______________________________________________________

(١) أي الّتي هي من خواصّ الفاعل الحقيقيّ ومختصّاته ، فمعنى التّساوي أنّه متى وجد الإنبات وجد الفاعل الحقيقيّ ، ومتى وجد الفاعل الحقيقيّ وجد الإنبات ، أي لا يوجد الإنبات إلّا منه ، وليس معنى المساواة عدم الانفكاك كي يرد الإشكال بالانفكاك.

وربّما يقال : إنّ السّكّاكي وإن اشتهر عنه أنّ قرينة الاستعارة بالكناية إثبات الصّورة الوهميّة المسمّاة بالاستعارة التّخييليّة ، إلّا أنّه ذكر في بحث جعل المجاز العقليّ استعارة بالكناية أنّ قرينتها قد تكون أمرا محقّقا ، كما في أنبت الرّبيع ، فهذا الكلام مستغن عن التّأويل.

(٢) أي يجري على قياس هذا المثال وتقرير الاستعارة بالكناية فيه غير هذا المثال من الأمثلة المذكورة في الكتاب وغيرها.

(٣) أي حاصل الاستعارة على مذهب السّكّاكي.

(٤) أي مثل المنيّة والرّبيع مثلا.

(٥) أي كالسّبع والقادر المختار.

(٦) أي بكلّ من الفاعلين فقوله : «في تعلّق وجود الفعل به» إشارة إلى وجه التّشبيه ، يعني من حيث إنّ وجود الفعل يتعلّق بالفاعل المجازيّ ، كما يتعلّق بالفاعل الحقيقيّ ، وإن كان تعلّقه بأحدهما على وجه الإيجاد وبالآخر على سبيل السّبب.

(٧) أي يراد به الفاعل الحقيقيّ ، كما زعمه المصنّف.

(٨) أي الفاعل المجازيّ ، أي ينسب شيء من لوازم الفاعل الحقيقيّ لأجل الدّلالة على أنّ المراد من الفاعل المجازيّ هو الفاعل الحقيقيّ.

(٩) حيث ردّ المجاز العقليّ إلى الاستعارة بالكناية.

(١٠) أي ما ذهب إليه السّكّاكي.

٢٧٣

(فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ)(١) صاحبها (١) لما سيأتي] في الكتاب (٢) من تفسير الاستعارة بالكناية على مذهب السّكّاكي وقد ذكرناه (٣) وهو (٤) يقتضي أن يكون المراد بالفاعل المجازيّ هو الفاعل الحقيقيّ (٥) فيلزم أن يكون المراد بعيشة صاحبها واللّازم (٦) باطل ، إذ لا معنى لقولنا : هو في صاحب عيشة راضية (٧) ،

______________________________________________________

(١) أي صاحب العيشة ، فيلزم ظرفيّة الشّيء لنفسه ، لأنّ المعنى حينئذ : فهو في عيشة راضية ، أي فصاحب العيشة في صاحب العيشة.

وفساده أظهر من الشّمس ، غاية الأمر هذا الاستلزام ليس مختصّا بعيشة ، بل جار وموجود في الجميع ، إذ يستلزم أن يكون المراد بضمير هامان العملة ، وبالرّبيع هو الله تعالى ، وحينئذ فالمقابل لعدم الإضافة وأخويه ليس استلزام كون المراد بالعيشة صاحبها ، بل المقابل لها عدم صحّة أن تكون العيشة ظرفا لصاحبها ، فكان الأولى للمصنّف أن يقول : يستلزم أن لا يصحّ جعل العيشة في قوله تعالى : (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) ظرفا لصاحبها ، وهذا مبنيّ على أنّ المراد ب (عِيشَةٍ) وضمير (راضِيَةٍ) واحد ، كما يأتي في كلام الشّارح ، وفي المقام كلام طويل تركناه رعاية للاختصار.

(٢) يراد به المتن.

(٣) أي تفسير الاستعارة بالكناية على مذهب السّكّاكي بقولنا : «وحاصله أن يشبّه الفاعل المجازيّ ...».

(٤) أي ما ذهب إليه السّكّاكي.

(٥) أي صاحب العيشة (فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ).

(٦) أي كون المراد بالعيشة صاحبها «باطل» والملزوم وهو كون المراد من الفاعل المجازيّ هو الفاعل الحقيقيّ باطل أيضا.

(٧) إنّ كلمة «هو» راجعة إلى (مَنْ) في قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ) الآية ، وهو نفس صاحب العيشة فلو كان المراد بعيشة أيضا صاحبها يلزم ظرفيّة الشّيء لنفسه وهو باطل قطعا.

__________________

(١) سورة الحاقّة : ٢١.

٢٧٤

وهذا (١) مبنيّ على أنّ المراد بعيشة وضمير راضية واحد (٢) (و) يستلزم (٣) [أن لا تصحّ الإضافة في] كلّ ما أضيف (٤) الفاعل المجازيّ إلى الفاعل الحقيقيّ [نحو : نهاره (٥) صائم ، لبطلان إضافة الشّيء إلى نفسه] اللّازمة (٦) من مذهبه (٧) ، لأنّ (٨) المراد بالنّهار حينئذ (٩) فلان نفسه (١٠) ، ولا شكّ (١١) في صحّة هذه الإضافة ووقوعها كقوله تعالى :

______________________________________________________

(١) أي الفساد اللّازم على مذهب السّكّاكي.

(٢) بأن يكون الضّمير في] راضية [للعيشة بمعنى الصّاحب فيلزم أن يكون الشّيء ظرفا لنفسه ، وأمّا إذا أريد بالعيشة معناه الحقيقيّ ، أي ما يتعيّش به الإنسان ، وبالضّمير في قولنا : راضية العيشة ، بمعنى صاحبها على سبيل الاستخدام ، فلا يلزم فساد واعتراض السّكّاكي ، إذ لا يلزم حينئذ كون الشّيء ظرفا لنفسه ، لأنّ معناه حينئذ ، فهو في عيشة راض صاحبها.

(٣) أي ويستلزم ما ذهب إليه السّكّاكي.

(٤) أي في كلّ تركيب أضيف إليه الفاعل المجازيّ إلى الفاعل الحقيقيّ.

(٥) أي فلان ، حيث تكون إضافة النّهار إلى الضّمير العائد إلى فلان من إضافة المشبّه إلى المشبّه به ، ويكون لفظ نهار كناية عن فلان فحينئذ يلزم إضافة الشّيء إلى نفسه.

(٦) صفة ل «إضافة» في قوله : «إضافة الشّيء ...».

(٧) أي السّكّاكي.

(٨) بيان لعلّة لزوم إضافة الشّيء إلى نفسه.

(٩) أي حين كون المراد بالفاعل المجازيّ الفاعل الحقيقيّ فلان نفسه ، فيلزم ما ذكرناه من إضافة الشّيء إلى نفسه وهي ممتنعة.

(١٠) أي الّذي هو صائم وأريد به من الضّمير هو كذلك ، فيلزم إضافة الشّيء إلى نفسه.

(١١) أي لا شكّ في صحّة هذه الإضافة ، أعني إضافة الفاعل المجازيّ إلى الفاعل الحقيقيّ ، فقوله : «ولا شكّ ...» بمنزلة أن يقول : واللّازم أعني لزوم إضافة الشّيء إلى نفسه باطل ، لأنّ إضافة الشّيء إلى نفسه مستحيلة وقد وقعت إضافة الفاعل المجازيّ إلى الفاعل الحقيقيّ في قوله تعالى : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) فوقوعها ردّ على مذهب السّكّاكي.

٢٧٥

(فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) (١) وهذا (٢) أولى بالتّمثيل (و) يستلزم (٣) [أن لا يكون الأمر بالبناء] في قوله تعالى : (يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً) [لهامان (٤)] لأنّ المراد به (٥) حينئذ هو العملة أنفسهم واللّازم باطل لأنّ (٦) النّداء له والخطاب معه

______________________________________________________

(١) فإنّ التّجارة الّتي هي الفاعل المجازيّ قد أضيفت إلى الضّمير الرّاجع إلى المنافقين ، فلو كان المراد بها أيضا المنافقين للزمت إضافة الشّيء إلى نفسه.

(٢) أي قوله تعالى : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) «أولى بالتّمثيل» ممّا في المتن أعني «نهاره صائم» لأنّه نصّ في الرّدّ على السّكّاكي ، فهو أدفع للجدال والشّغب بخلاف مثال المتن ، لأنّ قوله : «نهاره صائم» ممّا يناقش فيه باحتمال الاستخدام ، فإنّ للنّهار معنيين أحدهما الزّمان المخصوص وهو المعنى الحقيقيّ ، والآخر الصّاحب ، أعني الصّائم ، وهو المعنى المجازيّ ، وقد أريد باسمه الظّاهر المعنى الحقيقيّ ، وبضميره المعنى المجازيّ فحينئذ لا يلزم إضافة الشّيء إلى نفسه ، لأنّ الاستعارة إنّما هي في الضّمير المستتر في صائم لا في نهاره حتّى يلزم إضافة الشّيء إلى نفسه.

(٣) أي يستلزم ما ذهب إليه السّكّاكي.

(٤) خبر لقوله : «أن لا يكون» والظّرف متعلّق بالاستقرار المحذوف لا بالأمر المذكور.

(٥) أي بضمير (ابْنِ) «حينئذ» أي حين جعل الاستعارة بالكناية «هو العملة أنفسهم» ، وحاصل معنى العبارة : إنّ ما ذهب إليه السّكّاكي يستلزم أن لا يكون الأمر بالبناء ثابتا لهامان ، لأنّ المراد بالضّمير في (ابْنِ) هو العملة أنفسهم ، فقوله : «لأنّ المراد به» علّة الاستلزام ، وتقريب الاستعارة بالكناية : أنّه شبّه الفاعل المجازيّ وهو هامان بالفاعل الحقيقيّ أعني العملة ، ثمّ أفرد المشبّه بالذّكر مرادا به المشبّه به حقيقة ، فصار الكلام (يا هامانُ) بمعنى يا عملة ، فيكون النّداء لشخص والخطاب مع غيره ، وهذا فاسد ، إذ لا يجوز تعدّد الخطاب في كلام واحد من غير تثنية أو جمع أو عطف مع أنّ النّداء لهامان والخطاب معه في الواقع.

(٦) علّة لبطلان اللّازم وبطلان اللّازم يستلزم بطلان الملزوم ، أي ما ذهب إليه السّكّاكي

٢٧٦

[و] يستلزم (١) [أن يتوقّف نحو : أنبت الرّبيع البقل] وشفى الطّبيب المريض وسرّتني رؤيتك ممّا يكون الفاعل الحقيقيّ هو الله تعالى [على السّمع (٢)] من الشّارع لأنّ أسماء الله تعالى توقيفيّة (٣) واللّازم (٤) باطل ، لأنّ مثل هذا التّركيب صحيح شائع ذائع عند القائلين بأنّ أسماء الله تعالى توقيفيّة وغيرهم سمع من الشّارع أو لم يسمع (٥) [واللّوازم كلّها منتفية] كما ذكرنا (٦) فينتفي كونه (٧) من باب الاستعارة بالكناية (٨) ،

______________________________________________________

(١) أي يستلزم ما ذهب إليه السّكّاكي.

(٢) الظّرف متعلّق بقوله : «يتوقّف» وكان الأولى أن يقول : على الإذن ، لأنّ المتبادر من السّمع في هذا الفنّ هو السّماع من البلغاء لا من الشّارع.

(٣) أي لا يطلق عليه تعالى اسم لا حقيقة ولا مجازا ما لم يرد إذن من الشّارع ، ولم يرد إطلاق الرّبيع ، ولا الطّبيب ، والرّؤية المذكورة في الأمثلة السّابقة على الله تعالى.

(٤) أي توقّف هذا التّركيب على إذن الشّارع باطل ، فالملزوم أعني ما ذهب إليه السّكّاكي أيضا باطل.

(٥) حاصل الكلام إنّ مثل هذا التّركيب «صحيح شائع» أي مشهور «ذائع» أي متفرّق لكثرته عند الجميع ، ولا يتوقّف أحد عن استعماله ، بل يستعمل كلّ واحد منهم من دون الفحص عن أنّه سمع من الشّارع واقعا أم لم يسمع ، فلو كان المراد بالرّبيع هو الله تعالى لما كان الأمر كذلك ، بل كان اللّازم لمن يعتقد بكون أسماء الله تعالى توفيقيّة أن يفحص عن التّرخيص ، وعند عدم العثور عليه يجب عليه أن يتوقّف.

(٦) أي ذكرنا انتفاء اللّوازم واحدا واحدا ، وقد بيّن بعد كلّ ملازمة بطلان لازمها ، فراجع.

(٧) أي المجاز العقليّ.

(٨) وذلك لأنّ انتفاء اللّازم يوجب انتفاء الملزوم فبطل قول السّكّاكي ، وهو إدراجه المجاز العقليّ في سلك الاستعارة بالكناية.

٢٧٧

لأنّ انتفاء اللّازم يوجب انتفاء الملزوم. والجواب (١) : إنّ مبنى هذه الاعتراضات (٢) على أنّ مذهب السّكّاكي (٣) في الاستعارة بالكناية أن يذكر المشبّه ويراد المشبّه به حقيقة ، وليس كذلك ، بل مذهبه أن يراد المشبّه به ، ادّعاء أو مبالغة لظهور (٤) أن ليس المراد بالمنيّة في قولنا : مخالب المنيّة نشبت بفلان ، هو السّبع حقيقة (٥) والسّكّاكي مصرّح بذلك (٦)

______________________________________________________

(١) أي الجواب عن اعتراضات المصنّف «أنّ مبنى هذه الاعتراضات» الّتي أوردها المصنّف على مذهب السّكّاكي «على أنّ مذهب السّكّاكي في الاستعارة بالكناية أن يذكر المشبّه ويراد المشبّه به حقيقة» أي كما فهمه المصنّف «وليس كذلك» أي ليس مذهب السّكّاكي ذكر المشبّه وإرادة المشبّه به حقيقة ، بل المراد هو المشبّه نفسه لكن بادّعاء دخوله في جنس المشبّه به ، وأنّه فرد من أفراده أعني الفرد الغير المتعارف لا المتعارف وللمتعارف هو المشبّه به نفسه.

(٢) أي الثّلاثة المذكورة في المتن.

(٣) أي السّكّاكي.

(٤) بيان لكون ما فهمه المصنّف خطأ ووهما.

(٥) أي ليس مرادنا من المنيّة «في قولنا : مخالب المنيّة ...» السّبع الحقيقيّ بحيث يكون اسمان لمسمّى واحد ، فليس مراد السّكّاكي أنّ لذلك الحيوان اسمين أحدهما لفظ السّبع والآخر لفظ المنيّة ، بل المراد بالمنيّة هو الموت بادّعاء السّبعيّة له ، وجعل لفظ المنيّة مرادفا للفظ السّبع ادّعاء في كون كلّ منهما مهلك ، فيكون الاسمان أعني لفظ المنيّة والسّبع لمسمّيين : الأوّل للموت مع ادّعاء أنّه سبع ، والثّاني للحيوان المفترس بتلك المخالب والهيئة المخصوصة ، فهناك سبعان ادّعائي وهو الموت ، وحقيقيّ وهو الحيوان المفترس ، وكذلك في قولنا : أنبت الرّبيع البقل قادران مختاران أحدهما ادّعائي ، وهو الرّبيع أي الزّمان المخصوص ، وثانيهما حقيقيّ وهو الله تعالى.

(٦) أي بإرادة المشبّه به ادّعاء لا حقيقة حيث قال في المفتاح : تدّعي اسم المنيّة اسما للسّبع مرادفا له بارتكاب تأويل ، وهو أنّ المنيّة تدخل في جنس السّباع لأجل المبالغة في التّشبيه ، وقال أيضا : المراد بالمنيّة السّبع بادّعاء السّبعيّة لها.

٢٧٨

في كتابه (١) والمصنّف لم يطّلع عليه (٢) [ولأنّه] أي ما ذهب إليه السّكّاكي [ينتقض بنحو نهاره صائم (٣)] وليله قائم ، وما أشبه ذلك ممّا يشتمل على ذكر الفاعل الحقيقيّ (٤) [لاشتماله (٥) على ذكر طرفيّ التّشبيه] وهو (٦) مانع من حمل الكلام على الاستعارة كما صرّح به (٧) السّكّاكي ، والجواب (٨) : أنّه إنّما يكون مانعا إذا كان ذكرهما على وجه ينبئ (٩) عن التّشبيه بدليل أنّه (١٠) جعل قوله :

______________________________________________________

(١) أي في المفتاح.

(٢) أي على ما قاله السّكّاكي في المفتاح. وقيل : إنّ عدم اطّلاع المصنّف على ما في المفتاح في غاية البعد ، بل اطّلع عليه ، ولم يرتضيه ، وأشار إلى ردّه بقوله : «ذاهبا» فتدبّر.

(٣) هذا اعتراض خامس من المصنّف على السّكّاكي ، وحاصل الاعتراض : إنّ ما ذهب إليه السّكّاكي من أنّ الاستعارة بالكناية ما يذكر فيها المشبّه ، وأريد المشبّه به «ينتقض بنحو : نهاره صائم» لأنّ المذكور فيه هو طرفيّ التّشبيه لا المشبّه فقط.

(٤) وهو الضّمير في نهاره وليله وشبههما كقولك : هذا الماء نهره جار مثلا.

(٥) علّة لقوله : «ينتقض» وقد ذكر في المثالين المذكورين طرفا التّشبيه أحدهما المشبّه وهو الفاعل المجازيّ الّذي هو مصداق الضّمير في صائم وقائم والآخر المشبّه به الّذي هو الفاعل الحقيقيّ ، وهو الضّمير في نهاره وليله ، لأنّ المراد به هو الشّخص.

(٦) أي ذكر الطّرفين.

(٧) أي يكون ذكر الطّرفين مانعا وقد جاء في المفتاح ما هذا لفظه : هي أي الاستعارة أن تذكر أحد طرفيّ التّشبيه وتريد به الطّرف الآخر مدّعيا دخول المشبّه في جنس المشبّه به.

(٨) أي الجواب عن هذا الاعتراض الأخير ، إنّ ذكر الطّرفين مانع من الحمل على الاستعارة إذا كان ذكرهما ينبئ عن التّشبيه لا مطلقا ، وإلّا فلا يمنع كما هنا.

(٩) أي يدلّ على التّشبيه.

(١٠) أي السّكّاكي.

٢٧٩

لا تعجبوا من بلى غلالته

وقد زرّ أزراره على القمر (١)

من باب الاستعارة مع ذكر الطّرفين وبعضهم (٢) لمّا لم يقف على مراد السّكّاكي بالاستعارة بالكناية ، أجاب عن هذه الاعتراضات بما هو (٣) بريء عنه (٤) ، ورأينا تركه (٥) أولى

______________________________________________________

(١) أوّله :

لا تعجبوا من بلى غلالته

وقد زرّ أزراره على القمر

(تعجبوا) من العجب ، كفرس بمعنى إنكار ما يرد عليك (بلى) بالكسر مقصورا ، وبالفتح ممدودا بمعنى اندراس الثّوب ، يقال : بلي الثّوب ، أي صار خلقا ومندرسا (غلالته) من الغلال بالغين المعجمة ككتاب بمعنى الثّوب الرّقيق يلبس تحت الثّياب وتحت الدّرع أيضا ، و (زرّ) بمعنى شدّ ، من زررت القميص إذا شدّدت أزراره عليه ، والأزرار جمع زرّ ، كأثواب جمع ثوب. فمعنى العبارة : لا تعجبوا من بلى غلالة هذا المحبوب ، فإنّه قمر وغلالته كتّان ، ومن خواصّ القمر أن يبلي الكتّان.

والشّاهد فيه : إنّ السّكّاكي قد صرّح بكونه من باب الاستعارة مع أنّ الطّرفين هما : القمر وضمير أزراره وغلالته مذكوران ، فمن ذلك نعرف أنّ مطلق ذكر الطّرفين لا يكون عنده مانعا عن الحمل على الاستعارة وإن كان عرّفها بأنّها أن يذكر أحد الطّرفين وأريد به الآخر.

(٢) أي الخلخالي ، لمّا لم يطّلع على مراد السّكّاكي ، بل زعم أنّ مراده بها أن يذكر المشبّه وأريد به المشبّه به الحقيقيّ كما اعتقده المصنّف.

(٣) أي السّكّاكي.

(٤) أي الجواب.

(٥) أي الجواب ، أي رأينا عدم ذكره في المختصر أولى من ذكره ، ونحن أيضا نترك ما أجاب به الخلخالي رعاية للاختصار ، ومن يريد الاطّلاع عليه ، فعليه الرّجوع إلى المطوّل.

هذا تمام الكلام في البحث عن الإسناد.

٢٨٠