الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف - ج ٢

الشيخ جعفر السبحاني

الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-062-2
الصفحات: ٦٢٨

٨. وقال الزبيدي : الغنيمة والغنم بالضم ، وفي الحديث : «الرهن لمن رهنه ، له غُنْمه وعليه غرمه» غنمه أي زيادته ونماؤه وفاضل قيمته ، والغنم الفوز بالشيء بلا مشقة. (١)

٩. وقال في الرائد : غنم : يغنم : أصاب غنيمة في الحرب أو غيرها. (٢)

١٠. انّ الغُنم يستعمل مقابل الغرم وهو الضرر ، فيكون معناه بمقتضى المقابلة هو النفع ، ومن القواعد الفقهية قاعدة «الغُنْم بالغرم» ومعناه انّ من ينال نفع شيء يتحمّل ضرره.

ودليل هذه القاعدة هو قول النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : «لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه ، له غنمه وعليه غرمه» ، قال الشافعي : غنمه زيادته ، وغرمه هلاكه ونقصه. (٣)

وهذه النصوص تعرب عن أنّ المادّة لم توضع لما يفوز به الإنسان في الحروب ، بل معناها أوسع من ذلك وإن كان يغلب استعمالها في العصور المتأخّرة عن نزول القرآن في ما يظفر به في ساحة الحرب.

ولأجل ذلك نجد أنّ المادة استعملت في مطلق ما يفوز به الإنسان في الذكر الحكيم والسنّة النبويّة.

لقد استعمل القرآن لفظة «المغنم» فيما يفوز به الإنسان وإن لم يكن عن طريق القتال ، بل كان عن طريق العمل العادي الدنيوي أو الأُخروي ، إذ يقول سبحانه :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى

__________________

(١) تاج العروس : ج ٩ : مادة «غنم».

(٢) الرائد : ٢ : مادة «غنم».

(٣) الموسوعة الفقهية : ٣١ / ٣٠١ ، مادة غنم.

٢١

إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ). (١)

والمراد بالمغانم الكثيرة : هو أجر الآخرة ، بدليل مقابلته لعرض الحياة الدنيا ، فيدل على أنّ لفظ المَغْنم لا يختصّ بالأُمور والأشياء التي يحصل عليها الإنسان في هذه الدنيا أو في ساحات الحرب فقط ، بل هو عام لكلّ مكسب وفائدة وإن كان أُخرويّاً.

كما وردت هذه اللفظة في الأحاديث وأُريد منها مطلق الفائدة الحاصلة للمرء.

روى ابن ماجة في سننه : أنّه جاء عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : «اللهمّ اجعلها مغنماً ولا تجعلها مغرما». (٢)

وفي مسند أحمد عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : «غنيمة مجالس الذكر الجنّة». (٣)

وفي وصف شهر رمضان عنه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : «غنم للمؤمن». (٤)

وفي نهاية ابن الأثير : الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة ، سمّاه غنيمة لما فيه من الأجر والثواب. (٥)

فقد بان ممّا نقلناه من كلمات أئمّة اللغة وموارد استعمال تلك المادة في الكتاب والسنّة ، أنّ العرب تستعملها في كل مورد يفوز به الإنسان ، من جهة العدى وغيرهم ، وإنّما صار حقيقة متشرعة في الأعصار المتأخّرة في خصوص ما

__________________

(١) النساء : ٩٤.

(٢) سنن ابن ماجة : كتاب الزكاة ، باب ما يقال عند إخراج الزكاة ، الحديث ١٧٩٧.

(٣) مسند أحمد : ٢ / ٣٣٠ و ٣٧٤ و ٥٢٤.

(٤) المصدر نفسه : ص ١٧٧.

(٥) النهاية : مادة «غنم».

٢٢

يفوز به الإنسان في ساحة الحرب ، ونزلت الآية في أوّل حرب خاضها المسلمون تحت لواء رسول الله ، ولم يكن الاستعمال إلاّ تطبيقاً للمعنى الكلّي على مورد خاص.

الثاني : المورد غير مخصّص

إذا كان مفهوم اللفظ عامّاً يشمل كافّة ما يفوز به الإنسان ، فلا يكون وروده في مورد خاص ، مخصّصاً لمفهومه ومضيّقاً لعمومه ، فإذا وقفنا على أنّ التشريع الإسلامي فرض الخمس في الركاز والكنز والسيوب أوّلاً ، وأرباح المكاسب ثانياً ، فيكون ذلك التشريع مؤكّداً لإطلاق الآية ، ولا يكون وروده في الغنائم الحربية رافعاً له. وإليك ما ورد في السنّة من الروايات في الموردين :

١. وجوب الخمس في الركاز من باب الغنيمة

اتّفقت السنّة على أنّ في الركاز الخمس وإنّما اختلفوا في المعادن ، فالواجب هو الخمس لدى الحنفية والمالكية ، وربع العشر عند الشافعية والحنابلة.

وقد استدلّت الحنفية على وجوب الخمس في المعادن بالكتاب والسنّة والقياس فقالوا :

أمّا الكتاب : فقوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) ويعدّ المعدن غنيمة ، لأنّه كان في محلّه من الأرض في أيدي الكفرة ، وقد استولى عليه المسلمون عنوة.

وأمّا السنّة : فقوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : «العجماء جُبار ـ أي هدر لا شيء فيه ـ والبئر جبار والمعدن جبار ، وفي الركاز الخمس» والركاز يشمل المعدن والكنز ، لأنّه من الركز

٢٣

أي المركوز ، سواء من الخالق أو المخلوق.

وأمّا القياس : فهو قياس المعدن على الكنز الجاهلي ، بجامع ثبوت معنى الغنيمة في كلّ منهما ، فيجب الخمس فيهما. (١)

ترى أنّ الحنفية تستدلّ على وجوب الخمس في المعادن بآية الغنيمة ولا تصلح للاستدلال إلاّ أن يراد بها المعنى اللغوي لا المعنى الاصطلاحي.

وما جاء في ثنايا الاستدلال بأنّ المعدن غنيمة ، لأنّه كان في محلّه من الأرض في أيدي الكفرة وقد استولى عليه المسلمون عنوة ، غير تام ، بل الظاهر انّ المعدن ـ بما هو هو ـ مع قطع النظر عن تلك الحيثية «غنيمة» ، وإلاّ يتوجّه عليه إشكالان :

١. عدم وجوب الخمس في المعادن التي لم تكن عليها يد الكفر ، كما في الصحارى الخالية عن أيّة سلطة عبر التاريخ.

٢. انّ أمر «الغنيمة» دائر بين كونها حقيقة في خصوص ما يفوز به الإنسان في ساحة الحرب أو مطلق ما يفوز به الإنسان ، وأمّا الفوز بالشيء بعد مرور قرن أو قرون على الحرب فهو ممّا لم يقل به أحد ، ومن الواضح انّ أكثر المعادن التي عليها يد الدولة الإسلامية أو آحاد الناس من هذا القبيل.

هذا وقد تضافرت الروايات عن طريق أهل السنّة على وجوب الخمس في الأُمور الأربعة :

أ. الركاز.

ب. الكنز.

ج. المعدن.

د. السيوب.

__________________

(١) الفقه الإسلامي وأدلّته : ٢ / ٧٧٦.

٢٤

روى لفيف من الصحابة كابن عباس وأبي هريرة وجابر وعبادة بن الصامت وأنس بن مالك ، وجوب الخمس في الركاز والكنز والسيوب ، وإليك قسماً ممّا روي في هذا المجال :

١. في مسند أحمد وسنن ابن ماجة واللفظ للأوّل : عن ابن عباس قال :

قضى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ في الركاز ، الخمس (١).

٢. وفي صحيحي مسلم والبخاري واللفظ للأوّل : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : «العجماء جرحها جبار ، والمعدن جبار ، وفي الركاز الخمس». (٢)

قال أبو يوسف في كتاب «الخراج» : كان أهل الجاهلية إذا عطبَ الرجل في قُلَيب جعلوا القليب عَقَله ، وإذا قتلته دابة جعلوها عقله ، وإذا قتله معدن جعلوه عقله. فسأل سائل رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ عن ذلك؟ فقال : «العجماء جبار ، والمعدن جبار ، والبئر جبار ، وفي الركاز الخمس» فقيل له : ما الركاز يا رسول الله؟ فقال : «الذهب والفضة الذي خلقه الله في الأرض يوم خلقت». (٣)

٣. وفي مسند أحمد : عن الشعبي عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : «السائمة جبار ، والجُبّ جبار ، والمعدن جبار ، وفي الركاز الخمس» قال الشعبي : الركاز : الكنز العادي. (٤)

٤. وفيه أيضاً : عن عبادة بن الصامت قال : من قضاء رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ أنّ

__________________

(١) مسند أحمد : ١ / ٣١٤ ؛ سنن ابن ماجة : ٢ / ٨٣٩ ، ط ١٣٧٣ ه‍.

(٢) صحيح مسلم : ٥ / ١٢٧ ، باب جرح العجماء والمعدن والبئر جبار ، من كتاب الحدود ؛ صحيح البخاري : ١ / ١٨٢ ، باب في الركاز الخمس.

(٣) الخراج : ٢٢.

(٤) مسند أحمد : ٣ / ٣٣٥.

٢٥

المعدن جبار ، والبئر جبار ، والعجماء جرحها جبار. والعجماء : البهيمة من الأنعام وغيرها ، والجبار هو الهدر الذي لا يُغرم ، وقضى في الركاز الخمس. (١)

٥. وفيه : عن أنس بن مالك قال : خرجنا مع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ إلى خيبر فدخل صاحب لنا إلى خربة يقضي حاجته فتناول لبنة ليستطيب بها فانهارت عليه تبرا ، فأخذها فأتى بها النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فأخبره بذلك ، قال : «زنها» فوزنها فإذا مائتا درهم فقال النبي : «هذا ركاز وفيه الخمس». (٢)

٦. وفيه : أنّ رجلاً من مزينة سأل رسول الله مسائل جاء فيها : فالكنز نجده في الخرب وفي الآرام؟ فقال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : «فيه وفي الركاز الخمس». (٣)

٧. وفي نهاية اللغة ولسان العرب وتاج العروس في مادة «سيب» واللفظ للأوّل : وفي كتابه ـ أي كتاب رسول الله ـ لوائل بن حجر : «وفي السيوب الخمس» السيوب : الركاز.

قالوا :

«السيوب : عروق من الذهب والفضة تَسيب في المعدن ، أي تتكوّن فيه وتظهر» والسيوب : جمع سيب ، يريد به ـ أي يريد النبي بالسيب ـ المال المدفون في الجاهلية ، أو المعدن لأنّه من فضل الله تعالى وعطائه لمن أصابه». (٤)

تفسير ألفاظ الأحاديث

العجماء : الدابة المنفلتة من صاحبها ، فما أصابت في انفلاتها فلا غرم على

__________________

(١) مسند أحمد : ٥ / ٣٢٦.

(٢) المصدر نفسه : ٣ / ١٢٨.

(٣) المصدر نفسه : ٢ / ١٨٦.

(٤) النهاية : مادة «سيب».

٢٦

صاحبها ، والمعدن جبار يعني : إذا احتفر الرجل معدناً فوقع فيه انسان فلا غرم عليه ، وكذلك البئر إذا احتفرها الرجل للسبيل فوقع فيها إنسان فلا غرم على صاحبها ، وفي الركاز الخمس ، والركاز : ما وجد من دفن أهل الجاهلية ، فمن وجد ركازاً أدّى منه الخمس إلى السلطان وما بقي له. (١)

والآرام : الأعلام وهي حجارة تجمع وتنصب في المفازة يُهتدى بها ، واحدها إرَم كعنب. وكان من عادة الجاهلية أنّهم إذا وجدوا شيئاً في طريقهم لا يمكنهم استصحابه ، تركوا عليه حجارة يعرفونه بها حتى إذا عادوا أخذوه. (٢)

وفي «لسان العرب» وغيره من معاجم اللغة ، : ركَزَه يركُزُه رَكزاً : إذا دفنه. والركاز : قطع ذهب وفضة تخرج من الأرض ، أو المعدن. واحده الركزة ، كأنّه ركز في الأرض.

وفي نهاية اللغة : والركزة : القطعة من جواهر الأرض المركوزة فيها ، وجمع الركزة : الركاز.

إنّ هذه الروايات تعرب عن وجود ضريبة غير الزكاة ، هي الخمس ، وعليه كلام أبي يوسف في كتابه «الخراج» وإليك نصّه :

كلام أبي يوسف في المعدن والركاز

قال أبو يوسف : في كل ما أُصيب من المعادن من قليل أو كثير ، الخمس ، ولو أنّ رجلاً أصاب في معدن أقل من وزن مائتي درهم فضّة أو أقل من وزن عشرين مثقالاً ذهباً فإنّ فيه الخمس ، وليس هذا على موضع الزكاة إنّما هو على

__________________

(١) سنن الترمذي : ٦ / ١٤٥ ، باب ما جاء في العجماء.

(٢) النهاية : مادة «ارم».

٢٧

موضع الغنائم (١) ، وليس في تراب ذلك شيء إنّما الخمس في الذهب الخالص والفضة الخالصة والحديد والنحاس والرصاص ، ولا يحسب لمن استخرج ذلك من نفقته عليه شيء ، وقد تكون النفقة تستغرق ذلك كلّه فلا يجب إذن فيه خمس عليه ، وفيه الخمس حين يفرغ من تصفيته قليلاً كان أو كثيراً ، ولا يحسب له من نفقته شيء من ذلك ، وما استخرج من المعادن سوى ذلك من الحجارة ـ مثل الياقوت والفيروزج والكحل والزئبق والكبريت والمغرّة ـ فلا خمس في شيء (٢) من ذلك ، إنّما ذلك كلّه بمنزلة الطين والتراب.

قال : ولو أنّ الذي أصاب شيئاً من الذهب أو الفضة أو الحديد أو الرصاص أو النحاس ، كان عليه دين فادح لم يُبطل ذلك الخمس عنه ، ألا ترى لو أنّ جنداً من الأجناد أصابوا غنيمة من أهل الحرب خُمِّسَت ولم ينظر أعليهم دين أم لا ، ولو كان عليهم دين لم يمنع ذلك من الخمس.

قال : وأمّا الركاز فهو الذهب والفضة الذي خلقه الله عزّ وجلّ في الأرض يوم خلقت ، فيه أيضاً الخمس ، فمن أصاب كنزاً عاديّاً في غير ملك أحد ـ فيه ذهب أو فضة أو جوهر أو ثياب ـ فإنّ في ذلك الخمس وأربعة أخماسه للذي أصابه وهو بمنزلة الغنيمة يغنمها القوم فتخمَّس وما بقي فلهم.

قال : ولو أنّ حربياً وجد في دار الإسلام ركازاً وكان قد دخل بأمان ، نزع ذلك كلّه منه ولا يكون له منه شيء ، وإن كان ذمّياً أُخذ منه الخمس كما يؤخذ من

__________________

(١) ترى أنّ أبا يوسف يعد الخمس الوارد في هذا الموضع من مصاديق الغنيمة الواردة في آية الخمس وهو شاهد على كونها عامة مفهوماً.

(٢) هذا رأي أبي يوسف ، واطلاق الآية يخالفه مضافاً إلى مخالفته مع روايات أئمّة أهل البيت فإنّها تفرض الخمس في الجميع.

٢٨

المسلم ، وسلِّم له أربعة أخماسه. وكذلك المكاتب يجد ركازاً في دار الإسلام فهو له بعد الخمس .... (١)

إنّ الناظر في فتاوى العلماء وروايات الواردة في وجوب الخمس في الركاز الذي هو الكنز عند الحجازيين والمعدن عند أهل العراق يقف على أنّ إيجابه من باب انّه فوز بالشيء بلا بذل جهد ، كالغنائم المأخوذة في الغزوات ، وهذا يعرب عن أنّ مدلول الآية أوسع ممّا يتصوّر في بدء الأمر.

يقول ابن الأثير ناقلاً عن مالك : الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا والذي سمعت أهل العلم يقولون : إنّ الركاز إنّما هو دفن يوجد من دفن الجاهلية ، ما لم يطلب بمال ولم يتكلّف فيه نفقة ، ولا كبير عمل ولا مئونة ، فأمّا ما طلب بمال ، وتكلّف فيه كبير عمل فأصيب مرة وأخطئ مرة ، فليس بركاز.

والركاز عند أهل الحجاز كنز الجاهلية ودفنها ، لأنّ صاحبه ركزه في الأرض ، أي أثبته وهو عند أهل العراق ، المعدن ، لأنّ الله تعالى ركزه في الأرض ركزاً ، والحديث إنّما جاء في التفسير الأوّل منهما ، وهو الكنز الجاهلي على ما فسّره الحسن وإنّما كان فيه الخمس لكثرة نفعه وسهولة أخذه ، والأصل فيه أنّ ما خفت كلفته كثر الواجب فيه ، وما ثقلت كلفته قلّ الواجب فيه.

ويؤيد (٢) ذلك ما رواه الإمام الصادق ـ عليه‌السلام ـ عن آبائه ـ عليهم‌السلام ـ في وصية النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ لعلي ـ عليه‌السلام ـ قال : «يا علي إنّ عبد المطلب سنّ في الجاهلية خمس سنن أجراها الله له في الإسلام ... ووجد كنزاً فأخرج منه الخمس وتصدّق به فأنزل الله : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ)». إلى غير ذلك من الأخبار. (٣)

__________________

(١) الخراج : ٢٢.

(٢) جامع الأُصول : ٤ / ٦٢١٦٢٠.

(٣) الوسائل : ٦ ، الباب ٥ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ٣.

٢٩

ترى أنّ النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ جعل الكنز من مصاديق الغنيمة الواردة في الآية المباركة ، وهذا يعرب عن سعة مفهوم الآية.

غير أنّ الشيعة الإمامية عمّمتها إلى أرباح المكاسب ولكن السنّة خصصتها بالركاز والكنز والمعدن ، وسيوافيك ما يدلّ على وجوب الخمس في أرباح المكاسب في روايات أهل السنّة.

٢. الخمس في أرباح المكاسب

هذا هو بيت القصيد في المقام ، والهدف من عنوان المسألة هو إثبات ذلك ، حيث يظهر من غير واحد من الروايات أنّ النبيّ الأكرم أمر بإخراج الخمس من مطلق ما يغنمه الإنسان من أرباح المكاسب وغيرها ، وإليك بعض ما ورد في المقام :

١. قدم وفد عبد القيس على رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فقالوا : إنّ بيننا وبينك المشركين وإنّا لا نصل إليك إلاّ في شهر الحرام ، فَمُرْنا بأمر فصل ، إنْ عملنا به دخلنا الجنة وندعو إليه مَن وراءنا» فقال ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : «آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع ؛ آمركم : بالإيمان بالله ، وهل تدرون ما الإيمان؟ شهادة أن لا إله إلاّ الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وتعطوا الخمس من المغنم». (١)

ومن المعلوم أنّ النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ لم يطلب من بني عبد القيس أن يدفعوا غنائم الحرب كيف وهم لا يستطيعون الخروج من حيّهم في غير الأشهر الحرم ، خوفاً من

__________________

(١) صحيح البخاري : ٤ / ٢٥٠ ، باب «والله خلقكم وما تعملون» من كتاب التوحيد ، وج ١ / ١٣ و ١٩ ، وج ٣ / ٥٣ ؛ صحيح مسلم : ١ / ٣٥ ـ ٣٦ باب الأمر بالإيمان ؛ سنن النسائي : ١ / ٣٣٣ ؛ مسند أحمد : ١ / ٣١٨ ؛ الأموال : ١٢ وغيرها.

٣٠

المشركين. فيكون قد قصد المغنم بمعناه الحقيقي في لغة العرب وهو ما يفوزون به فعليهم أن يعطوا خمس ما يربحون.

وهناك كتب ومواثيق ، كتبها النبيّ وفرض فيها الخمس على أصحابها وستتبيّن بعد الفراغ من نقلها ، دلالتها على الخمس في الأرباح وإن لم تكن غنيمة حربية ، فانتظر.

٢. كتب لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن :

«بسم الله الرحمن الرحيم ... هذا ... عهد من النبي رسول الله لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن ، أمره بتقوى الله في أمره كلّه ، وأن يأخذ من المغانم خمس الله ، وما كتب على المؤمنين من الصدقة من العقار عُشر ما سقى البعل وسقت السماء ، ونصف العُشر ممّا سقى الغرب». (١)

والبعل ما سُقِيَ بعروقه ، والغَرَبَ : الدلو العظيمة.

٣. كتب إلى شرحبيل بن عبد كلال ، وحارث بن عبد كلال ، ونعيم بن عبد كلال قيل ذي رعين ، ومعافر وهمدان :

«أمّا بعد ، فقد رجع رسولكم وأعطيتم من المغانم خمس الله». (٢)

٤. كتب إلى سعد هُذيم من قضاعة ، وإلى جذام كتاباً واحداً يعلّمهم فرائض الصدقة ، ويأمرهم أن يدفعوا الصدقة والخمس إلى رسوليه أُبيّ وعنبسة أو من أرسلاه». (٣)

__________________

(١) فتوح البلدان : ١ / ٨١ باب اليمن ؛ سيرة ابن هشام : ٤ / ٢٦٥ ؛ تنوير الحوالك في شرح موطأ مالك : ١ / ١٥٧.

(٢) الوثائق السياسية : ٢٢٧ برقم ١١٠. (ط ٤ بيروت).

(٣) الطبقات الكبرى : ١ / ٢٧٠.

٣١

٥. كتب للفُجَيع ومن تبعه :

«من محمد النبيّ للفجيع ، ومن تبعه وأسلمَ وأقام الصلاةَ وآتى الزكاة وأطاع الله ورسوله وأعطى من المغانم خمس الله ...». (١)

٦. كتب لجنادة الأزدي وقومه ومن تبعه :

«ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطاعوا الله ورسوله وأعطوا من المغانم خمس الله وسهم النبي وفارقوا المشركين ، فإنّ لهم ذمّة الله وذمّة محمد بن عبد الله». (٢)

٧. كتب لجهينة بن زيد فيما كتب :

«إنّ لكم بطون الأرض وسهولها وتلاع الأودية وظهورها ، على أن ترعوا نباتها وتشربوا ماءها ، على أن تؤدّوا الخمس». (٣)

٨. كتب لملوك حمير فيما كتب :

«وآتيتم الزكاة ، وأعطيتم من المغانم : خمس الله ، وسهم النبي وصفيّه وما كتب الله على المؤمنين من الصدقة». (٤)

٩. كتب لبني ثعلبة بن عامر :

«من أسلم منهم وأقام الصلاة وآتى الزكاة وأعطى خمس المغنم وسهم النبي والصفي». (٥)

١٠. كتب إلى بعض أفخاذ جهينة :

__________________

(١) المصدر نفسه : ٣٠٤ ـ ٣٠٥.

(٢) المصدر نفسه : ٢٧٠.

(٣) الوثائق السياسية : ٢٦٥ برقم ١٥٧.

(٤) فتوح البلدان : ١ / ٨٢ ؛ سيرة ابن هشام : ٤ / ٢٥٨.

(٥) الإصابة : ٢ / ١٨٩ ؛ أُسد الغابة : ٣ / ٣٤.

٣٢

«من أسلم منهم وأقام الصلاة وآتى الزكاة وأطاع الله ورسوله وأعطى من الغنائم الخمس». (١)

إيضاح الاستدلال بهذه المكاتيب

يتبيّن ـ بجلاء ـ من هذه الرسائل أنّ النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ لم يكن يطلب منهم أن يدفعوا خمس غنائم الحرب التي اشتركوا فيها ، بل كان يطلب ما استحقّ في أموالهم من خمس وصدقة.

ثم إنّه كان يطلب منهم الخمس دون أن يشترط ـ في ذلك ـ خوض الحرب واكتساب الغنائم.

هذا مضافاً إلى أنّ الحاكم الإسلامي أو نائبه هما اللّذان يليان بعد الفتح قبض جميع غنائم الحرب وتقسيمها بعد استخراج الخمس منها ، ولا يَملِك أحد من الغزاة عدا سلب القتيل شيئاً ممّا سلب وإلاّ كان سارقاً مغلاّ.

فإذا كان إعلان الحرب وإخراج خمس الغنائم على عهد النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ من شئون النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فما ذا يعني طلبه الخمس من الناس وتأكيده في كتاب بعد كتاب ، وفي عهد بعد عهد؟

فيتبيّن أنّ ما كان يطلبه لم يكن مرتبطاً بغنائم الحرب. هذا مضافاً إلى أنّه لا يمكن أن يقال : إنّ المراد بالغنيمة في هذه الرسائل هو ما كان يحصل الناس عليه في الجاهلية عن طريق النهب ، كيف وقد نهى النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ عن النهب والنهبى بشدّة ، ففي كتاب الفتن باب النهي عن النُّهبة عنه ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ :

__________________

(١) الطبقات الكبرى : ١ / ٢٧١.

٣٣

«من انتهب نهبة فليس منّا» (١) ، وقال : «إنّ النهبة لا تَحِلّ». (٢)

وفي صحيح البخاري ومسند أحمد عن عبادة بن الصامت : بايعنا النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ أن لا ننهب. (٣)

وفي سنن أبي داود ، باب النهي عن النهبى ، عن رجل من الأنصار قال : خرجنا مع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فأصاب الناس حاجة شديدة وجهدٌ ، وأصابوا غنماً فانتهبوها ، فإنّ قدورنا لتغلي ، إذ جاء رسول الله يمشي [متّكئاً] على قوسه فأكفأ قدورنا بقوسه ، ثمّ جعل يُرمِّل اللحم بالتراب ، ثمّ قال : «إنّ النُّهبة ليست بأحلَّ من الميتة». (٤)

وعن عبد الله بن زيد : نهى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ عن النهبى والمثلة. (٥)

إلى غير ذلك من الأحاديث التي وردت في كتاب الجهاد.

وقد كانت النُّهبة والنهبى عند العرب تساوق الغنيمة والمغنم ـ في مصطلح يومنا هذا ـ الذي يستعمل في أخذ مال العدو.

فإذا لم يكن النهب مسموحاً به في الدين ، وإذا لم تكن الحروب التي تُخاض بغير إذن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ جائزة ، لم تكن الغنيمة في هذه الوثائق غير ما يفوز به الناس من غير طريق القتال بل من طريق الكسب وما شابهه ، ولا محيص حينئذ من أن يقال : إنّ المراد بالخمس الذي كان يطلبه النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ هو خمس أرباح الكسب والفوائد الحاصلة للإنسان من غير طريق القتال أو النهب الممنوع في الدين.

وفي الجملة : إنّ الغنائم المطلوب في هذه الرسائل النبويّة أداء خمسها إمّا أن

__________________

(١) سنن ابن ماجة : ٢ / ١٢٩٨ برقم ٣٩٣٧ و ٣٩٣٨ ، كتاب الفتن.

(٢) سنن ابن ماجة : ٢ / ١٢٩٨ برقم ٣٩٣٧ و ٣٩٣٨ ، كتاب الفتن.

(٣) صحيح البخاري : ٢ / ٤٨ باب النهب بغير إذن صاحبه.

(٤) سنن أبي داود : ٣ / ٦٦ برقم ٢٧٠٥.

(٥) رواه البخاري في الصيد ، راجع التاج : ٤ / ٣٣٤.

٣٤

يراد بها ما يُستولى عليه من طريق النهب والإغارة ، أو ما يستولى عليه من طريق محاربة بصورة الجهاد ، أو ما يستولى عليه من طريق الكسب والكد.

والأوّل ممنوع ، بنصّ الأحاديث السابقة فلا معنى أن يطلب النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ خمس النهبة.

والثاني يكون أمر الغنائم بيد النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ مباشرة ، فهو الذي يأخذ كل الغنائم ويضرب لكلّ من الفارس والراجل ما له من الأسهم بعد أن يستخرج الخمس بنفسه من تلك الغنائم ، فلا معنى لأن يطلبه النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ من الغزاة ، فيكون الثالث هو المتعيّن.

وورد عن أئمّة أهل البيت ـ عليهم‌السلام ـ ما يدلّ على ذلك ، فقد كتب أحد الشيعة إلى الإمام الجواد ـ عليه‌السلام ـ قائلاً : أخبرني عن الخمس أعَلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصنّاع وكيف ذلك؟ فكتب ـ عليه‌السلام ـ بخطّه : «الخمس بعد المئونة».

(١) وفي هذه الإجابة القصيرة يظهر تأييد الإمام ـ عليه‌السلام ـ لما ذهب إليه السائل ، ويتضمّن ذكر الكيفية التي يجب أن تراعى في أداء الخمس.

وعن سماعة قال : سألت أبا الحسن (الكاظم) ـ عليه‌السلام ـ عن الخمس؟ فقال : «في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير». (٢)

وعن أبي علي ابن راشد (وهو من وكلاء الإمام الجواد والإمام الهادي ـ عليهما‌السلام ـ) قال : قلت له (أي الإمام الهادي ـ عليه‌السلام ـ) : أمرتني بالقيام بأمرك ، وأخذ حقّك ، فأعلمت مواليك بذلك فقال لي بعضهم : وأي شيء حقّه؟ فلم أدر ما أُجيبه؟

__________________

(١) الوسائل : ج ٦ الباب ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ١.

(٢) المصدر نفسه ، الحديث ٦.

٣٥

فقال : «يجب عليهم الخمس» ، فقلت : وفي أي شيء؟ فقال : «في أمتعتهم وصنائعهم» ، قلت : والتاجر عليه ، والصانع بيده؟ فقال : «إذا أمكنهم بعد مئونتهم». (١)

إلى غير ذلك من الأحاديث والأخبار المرويّة عن النبيّ الأكرم ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وأهل بيته الطاهرين ـ عليهم‌السلام ـ التي تدلّ على شمول الخمس لكلّ مكسب.

ثمّ إنّ هنا سؤالاً وهو إذا كان إخراج الخمس من أرباح المكاسب فريضة إلهية فلما ذا كان أمراً متروكاً قبل الصادقين ـ عليهما‌السلام ـ؟ فانّ الأخبار الدالة عليه مروية عنهما ـ عليهما‌السلام ـ وعمّن بعدهما من الأئمّة ، بل أكثرها مروية عن الإمامين الجواد والهادي ـ عليهما‌السلام ـ ، وهما من الأئمة المتأخّرين ، فهل كان هذا الحكم مهجوراً عند الفريقين بعد عصر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ إلى عصر الإمام الصادق ـ عليه‌السلام ـ؟

والجواب هو انّه قد عرفت تضافر الروايات النبوية على وجوب الخمس في كلّ ما يربح الرجل ويفوز ، وأمّا عدم قيام الخلفاء به فلأجل عدم وقوفهم على هذا التشريع ، كما أنّ عدم قيام النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ بهذه المهمة على رءوس الأشهاد لأجل تفشّي الفقر بين المسلمين يوم ذاك ، والناس كانوا حديثي عهد بالإسلام ، وكانت المصلحة تقتضي تأخير إجراء التشريع إلى الأعصار اللاحقة.

وأمّا عصر الصادقين ـ عليهما‌السلام ـ الذي ورد فيه بعض الروايات ثمّ وردت تترى إلى عصر الجوادين ـ عليهما‌السلام ـ ، فلأجل تكدّس الأموال بين المسلمين ، الأمر الذي اقتضى الإجهار بالحكم ودعوة الشيعة إلى العمل به ، وإلاّ فأصل تشريع الخمس كان في عصر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ كما عرفت.

__________________

(١) المصدر نفسه ، الحديث ٣.

٣٦

١٤

مواضع الخمس في القرآن الكريم

٣٧
٣٨

مواضع الخمس في القرآن الكريم

يُقسَّم الخمس حسب تنصيص الآية على ستة أسهم ، فيفرق على مواضعها الواردة في الآية ، قال سبحانه : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) (١) غير أنّه يطيب لي تعيين المراد من ذي القربى.

يقصد ب (لِذِي الْقُرْبى) صاحب القرابة والوشيجة النسبية ، ويتعيّن فرده ، بتعيين المنسوب إليه. وهو يختلف حسب اختلاف مورد الاستعمال ، ويستعان في تعيينه بالقرائن الموجودة في الكلام وهي : الأشخاص المذكورون في الآية ، أو ما دلّ عليها سياق الكلام.

١. قال سبحانه : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى) (٢) والمراد أقرباء المذكورين في الآية ، أي النبيّ والمؤمنين لتقدّم قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا).

٢. وقال سبحانه : (وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) (٣) ، والمراد أقرباء المخاطبين في الآية بقوله : (قُلْتُمْ) و (فَاعْدِلُوا).

__________________

(١) الأنفال : ٤١.

(٢) التوبة : ١١٣.

(٣) الأنعام : ١٥٢.

٣٩

٣. وقال سبحانه : (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى) (١) والمراد أقرباء من يقسم ماله أعني الميّت مطلقاً.

فقد أُريد من ذي القربى في هذه الآيات الثلاث ، مطلق القريب دون أقرباء النبي خاصة ، لما عرفت من القرائن بخلاف الآيتين التاليتين ، فإنّ المراد ، أقرباء النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ لنفس الدليل.

٤. قوله سبحانه : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى). (٢)

٥. وقوله سبحانه : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (٣). المراد في الآيتين قرابة الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ لتقدّم ذكره وعدم صلاحية السياق إلاّ لذلك.

وأمّا آية الخمس من سورة الأنفال المتقدّم ذكرها ، فقد اتّفق المفسّرون على أنّ المراد من ذي القربى قرابة الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ، فسدس الخمس لذي القربى وهو حكم خالد ثابت غير منسوخ إلى يوم القيامة.

وأمّا الأسداس الثلاثة الباقية فهي للأصناف الثلاثة المذكورة في الآية ـ أعني : اليتامى والمساكين وابن السبيل ـ وهل المراد مطلق اليتامى والمساكين وأبناء السبيل ، أو يتامى آل محمّد ومساكينهم وأبناء سبيلهم ، وبالجملة : الثلاثة من ذوي القربى على الخصوص؟ والسياق هنا وإن لم يقتض الالتزام بأحدهما ، إلاّ أنّ السنّة الشريفة الواردة عن الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وأهل بيته اقتضت الأخير كما يأتي في البحث التالي.

__________________

(١) النساء : ٨.

(٢) الحشر : ٧.

(٣) الشورى : ٢٣.

٤٠