الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف - ج ٢

الشيخ جعفر السبحاني

الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف - ج ٢

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-062-2
الصفحات: ٦٢٨

٢١

المسلم يرث الكافر دون العكس

١٨١
١٨٢

المسلم يرث الكافر دون العكس

إنّ للإرث في الفقه الإسلامي موجبات وموانع

أمّا الموجبات له فسببان : النسب والسبب. وقد قيل :

الإرث في الشرع بأمرين وجب

بالنسب الثابت شرعاً وسبب

وأمّا الموانع فهي : الكفر ، والقتل ، والرقّ ، فنُهمِلُ الكلامَ في المانعين الأخيرين ، ونركّز على المانع الأوّل ضمن مسألتين :

الأُولى : توريث الكافر من المسلم

لا يرث الكافر المسلم مطلقاً ، إجماعاً محقّقاً بين المسلمين ، مع تضافر الروايات عليه.

قال المفيد في «المقنعة» : ولا يرث كافر مسلماً على حال. (١)

وقال الطوسي في «المبسوط» : والكافر لا يرث المسلم بلا خلاف. (٢)

وقال ابن قدامة : أجمع أهل العلم على أنّ الكافر لا يرث المسلم. (٣)

وبما انّ هذه المسألة ممّا لم يختلف فيها اثنان ، وهي مورد اتفاق بين الفريقين نكتفي بهذا المقدار ونركّز البحث على المسألة الثانية.

__________________

(١) المقنعة : ٧٠٠.

(٢) المبسوط : ٤ / ٧٩.

(٣) المغني : ٦ / ٣٤٠.

١٨٣

الثانية : توريث المسلم من الكافر

هذه المسألة اختلفت فيها كلمات الفقهاء ، فالإمامية ولفيف من غيرهم على أنّه يرث الكافر ، ولكن الأكثرية من غيرهم على المنع.

وتحقيق الكلام في هذه المسألة التي أصبحت مثار بحث وجدل واسع بين المذهبين ، يتم ببيان أُمور :

١٨٤

١

استعراض كلمات الفقهاء

١. قال الشيخ الطوسي : ذهبت الإمامية قاطبة تبعاً لأئمّة أهل البيت ـ عليهم‌السلام ـ ، ومعاذ بن جبل ومعاوية بن أبي سفيان من الصحابة ، ومسروق وسعيد وعبد الله بن معقل ومحمد بن الحنفية وإسحاق بن راهويه من التابعين إلى أنّ المسلم يرث الكافر.

وقال جمهور الصحابة والفقهاء على أنّه لا يرث المسلم الكافر. (١)

٢. وقال ابن قدامة : قال جمهور الصحابة والفقهاء : لا يرث المسلم الكافر. يروى هذا عن أبي بكر وعثمان وعلي وأُسامة بن زيد وجابر بن عبد الله ، وبه قال عمرو بن عثمان وعروة والزهري وعطاء وطاوس والحسن وعمر بن عبد العزيز وعمرو بن دينار والثوري وأبو حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي وعامّة الفقهاء ، وعليه العمل.

وروي عن عمر ومعاذ ومعاوية ، أنّهم ورَّثوا المسلم من الكافر ولم يورِّثوا الكافر من المسلم. وحكي ذلك عن محمد بن الحنفية ، وعلي بن الحسين ، وسعيد بن المسيب ، ومسروق ، وعبد الله بن معقل ، والشعبي ، والنخعي ، ويحيى بن يعمر ،

__________________

(١) الخلاف : ٤ / ٢٣ ، كتاب الفرائض ، المسألة ١٦.

١٨٥

وإسحاق ؛ وليس بموثوق به عنهم ، فإنّ أحمد قال : ليس بين الناس اختلاف في أنّ المسلم لا يرث الكافر. (١)

وجدير بالذكر انّهم ينسبون عدم الإرث إلى عليّ ـ عليه‌السلام ـ وعلي بن الحسين المعروف بزين العابدين ـ عليه‌السلام ـ مع أنّ روايات أئمة أهل البيت متضافرة على خلافه كما سيوافيك.

__________________

(١) المغني : ٦ / ٣٤٠.

١٨٦

٢

الكتاب حجّة قطعية

لا يعدل عنه إلاّ بدليل قطعي

إنّ الكتاب حجّة قطعية سنداً ودلالة في غير المجملات والمبهمات والمتشابهات ولا ترفع اليد عن مثله إلاّ بدليل قطعي آخر ، فإنّ كون الكتاب حجّة ليس ككون خبر الواحد حجّة ، بل هو من الحجج القطعية الذي لا يعادله شيء إلاّ نفس كلام المعصوم ، لا الحاكي عنه الذي يحتمل أن يكون كلام المعصوم أو موضوعاً على لسانه ، وقد سمّاه النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ في حديث الثقلين بالثقل الأكبر ، ومعه كيف يمكن رفع اليد عن ظواهر القرآن بخبر الواحد وإن كان ثقة؟!

ولذلك قلنا في الأُصول : إنّ رفع اليد عن إطلاق الكتاب وعمومه بمجرّد ورود خبر ثقة مشكل جدّاً ، إلاّ إذا احتفّ الخبر بقرينة توجب اطمئنان الإنسان بصدوره من المعصوم يجعله بمثابة تسكن النفس إليه ، ولأجل ذلك لم تجوّز طائفة من الأُصوليّين تخصيص القرآن بخبر الواحد.

قال الشيخ الطوسي ـ بعد نقل الآراء في تخصيص الكتاب وتقييده بخبر الواحد ـ :

والذي أذهب إليه انّه لا يجوز تخصيص الكتاب بها [بأخبار الآحاد] على

١٨٧

كلّ حال ، سواء خُصّ أم لم يخصّ ، بدليل متّصل أو منفصل ، والذي يدلّ على ذلك انّ عموم القرآن يوجب العلم ، وخبر الواحد يوجب غلبة الظن ، ولا يجوز أن يترك العلم بالظن على حال ، فوجب بذلك أن لا يخصّ العموم به. (١)

وأيّده المحقّق الحلّيّ فقال : لا نسلّم انّ خبر الواحد دليل على الإطلاق ، لأنّ الدلالة على العمل به ، هي الإجماع على استعماله فيما لا يوجد عليه دلالة فإذا وجدت الدلالة القطعية سقط وجوب العمل. (٢)

وحاصل كلامهما وجود الشكّ في سعة دليل حجّية خبر الواحد ، وانّه هل يعمّ ما إذا كان في المورد دليل قطعي مثل الكتاب؟!

إنّ كثيراً من الأُصوليّين وإن كانوا يتعاملون مع الكتاب العزيز معاملة سائر الحجج ، أعني : السنّة الحاكية ، لكنّ الكتاب أعظم شأناً من أن يكون عِدْلاً لأمثالها بل هو حجة قطعية ، فعموم القرآن وإطلاقاته حجّة على المجتهد إلاّ إذا وقف على حجّة أُخرى تسكن النفس إليها ويطمئن بها المجتهد ، فعند ذلك يقيّد عموم القرآن وإطلاقاته به.

إذا عرفت ذلك فلندخل في صلب الموضوع ونقدّم أدلّة القائلين بالإرث على أدلّة نفاته.

__________________

(١) عدّة الأُصول : ١ / ١٣٥.

(٢) المعارج : ٤٦.

١٨٨

٣

أدلّة القائلين

بإرث المسلم من الكافر

استدلّ القائلون بأنّ المسلم يرث الكافر مطلقاً ، كتابياً كان أو وثنياً بوجوه :

١. إطلاقات الكتاب العزيز

إنّ مقتضى إطلاقات الكتاب وعموماته ، هو التوارث في الحالتين ، من دون فرق بين إرث الكافر ، المسلم وبالعكس ، قال سبحانه :

(يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ). (١)

وقال سبحانه : (وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ ...). (٢)

__________________

(١) النساء : ١١.

(٢) النساء : ١٢

١٨٩

وقال سبحانه : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ ...). (١)

غير أنّ الدليل القطعي وهو اتّفاق المسلمين قام على إخراج إرث الكافر من المسلم من تحت هذه الإطلاقات والعمومات.

وأمّا إرث المسلم من الكافر فخروجه رهن دليل قطعي تسكن إليه النفس حتّى يعد عديلاً للقرآن في الحجّية ويخصّ الكتاب أو يقيّد بهذا الدليل ، فلا بدّ من دراسة الروايات التي استدلّ بها على عدم توريث المسلم من الكافر ، وانّه هل هي بهذه المثابة أو لا؟ وستتم دراسته في الفصل القادم.

٢. إجماع الإمامية على الإرث

اتّفقت الإمامية على أنّ المسلم يرث الكافر مطلقاً ، ولم يختلف فيه اثنان منهم ، وقد مرّت الإشارة إلى إجماع الطائفة في كلام الشيخ الطوسي ، ولنذكر غيرها ، حتّى يتّضح اتّفاقهم في المسألة.

١. قال المفيد (٣٣٦ ـ ٤١٣ ه‍) : ويرث أهل الإسلام بالنسب والسبب أهلَ الكفر والإسلام ، ولا يرث كافر مسلماً على كلّ حال. فإن ترك اليهودي ، أو النصراني ، أو المجوسي ، ابناً مسلماً وابناً على ملّته ، فميراثه عند آل محمد لابنه المسلم دون الكافر ؛ ولو ترك أخاً مسلماً وابناً كافراً ، حجب الاخُ المسلم الابنَ في الميراث وكان أحقّ به من الابن الكافر ، وجرى الابن الكافر مجرى الميت في حياة أبيه ، أو القاتل الممنوع بجنايته من الميراث. (٢)

٢. وقال السيد المرتضى (٣٥٥ ـ ٤٣٦ ه‍) في «الانتصار» : وممّا انفردت به

__________________

(١) النساء : ١٧٦.

(٢) المقنعة : ٧٠٠.

١٩٠

الإمامية عن أقوال باقي الفقهاء في هذه الأزمان القريبة وإن كان لها موافق في متقدّم الزمان : القول بأنّ المسلم يرث الكافر وإن لم يرث الكافر ، المسلم.

وقد روى الفقهاء في كتبهم موافقة الإمامية على هذا المذهب عن سيدنا علي بن الحسين ـ عليه‌السلام ـ ومحمد بن الحنفية وعن مسروق وعبد الله بن معقل المزني وسعيد بن المسيب ويحيى بن يعمر ومعاذ بن جبل ، ومعاوية بن أبي سفيان. (١)

٣. وقال الطوسي (٣٨٥ ـ ٤٦٠ ه‍) : والكافر لا يرث المسلم بلا خلاف ، والمسلم يرث الكافر عندنا ، حربياً كان أو ذمّيّاً ، أو كافر أصل ، أو مرتداً عن الإسلام. (٢)

٤. وقال ابن زهرة (٥٨٥٥١١ ه‍) : إنّ الكافر لا يرث المسلم ، فأمّا المسلم فانّه يرث الكافر عندنا وإن بعد نسبه. ويدلّ على ذلك الإجماع الماضي ذكره ، وظاهر آيات الميراث ، لأنّه إنّما يخرج من ظاهرها ما أخرجه دليل قاطع. (٣)

٥. وقال ابن إدريس (٥٣٩ ـ ٥٩٨ ه‍) : قد بيّنا فيما مضى انّ الكافر لا يرث المسلم ، فأمّا المسلم فانّه يرث الكافر عندنا وإن بعد نسبه ويحجب من قرب عن الميراث بلا خلاف بيننا. (٤)

٦. وقال الكيدري (... ـ ٦٠٠ ه‍) : المسلم يرث الكافر ، وإن بعد نسبه ، أمّا بالعكس فلا ، كما مضى.

٧. و (٥) قال المحقّق الحلي : (٦٠٢ ـ ٦٧٦ ه‍) : ويرث المسلم الكافر ، أصلياً

__________________

(١) الانتصار : ٥٨٧ ، المسألة ٣٢٣.

(٢) المبسوط : ٤ / ٧٩.

(٣) غنية النزوع : ٣٢٨ ، تحقيق مؤسسة الإمام الصادق ـ عليه‌السلام ـ.

(٤) السرائر : ٣ / ٢٦٦.

(٥) إصباح الشيعة بمصباح الشريعة : ٣٧٠.

١٩١

ومرتداً ، ولو مات كافر وله ورثة كفّار ، ووارث مسلم ، كان ميراثه للم (١) سلم.

٨. قال الشهيد الثاني ـ معلّقاً على كلام المحقّق «ويرث المسلم الكافر» : هذا موضع وفاق بين الأصحاب. (٢)

إلى غير ذلك من الكلمات الّتي يجدها الباحث في مظانّها ، ولا حاجة إلى نقلها تفصيلاً.

وهذا النوع من الإجماع الموسوم بالإجماع المحصّل حجّة بنفسه حسب أُصول المخالفين ، وكاشف عن رأي المعصوم على أُصولنا ، وهو حجّة قطعية لا يعدل عنها إلى غيرها.

٣. الروايات المتضافرة عن أئمّة أهل البيت ـ عليهم‌السلام ـ

قد تضافرت الروايات على أنّ المسلم يرث الكافر ولا عكس ، وقد جمعها الشيخ الحرّ العاملي في كتاب الفرائض الباب الأوّل من أبواب موانع الإرث ، وهي تناهز عشر روايات ، وإليك استعراضها :

١. أخرج الصدوق بسند صحيح عن أبي ولاّد ، قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ يقول : «المسلم يرث امرأته الذمّيّة ، وهي لا ترثه». (٣)

ومورد الرواية هو إرث المسلم زوجته ، ولكن المورد غير مخصّص خصوصاً بقرينة ما يأتي من المطلقات والعمومات.

٢. أخرج الصدوق عن الحسن بن صالح ، عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال : «المسلم يحجب الكافر ويرثه ، والكافر لا يحجب المسلم ولا يرثه». (٤)

__________________

(١) الشرائع : ٢ / ٨١٤.

(٢) مسالك الأفهام : ١٣ / ٣١.

(٣) الوسائل : ١٧ ، الباب ١ من أبواب موانع الإرث ، الحديث ١ و ٢.

(٤) الوسائل : ١٧ ، الباب ١ من أبواب موانع الإرث ، الحديث ١ و ٢.

١٩٢

وعلى ذلك فلو كان للكافر ابن كافر ، وأخ مسلم يحجب الأخ إرث الابن الكافر ؛ والكلام في المقام في إرث المسلم ، الكافر ، وكونه ـ وراء ذلك ـ حاجباً عن إرث الكافر مسألة ثانية ، ولا ملازمة عقلاً بين المسألتين ، إذ يمكن الفصل بين المسألتين عقلاً ، بأن يكون وارثاً ، لا حاجباً.

نعم دلّت الروايات على كونه حاجباً أيضاً ، فيحجب إرث الكافر من الكافر ، سواء كان الحاجب متّحداً مع الممنوع في الطبقة أو متأخّراً عنه ، فالولد المسلم يحجب الولد الكافر ، كما أنّ الأخ المسلم يحجب إرث الولد الكافر.

٣. أخرج الشيخ بسند معتبر عن أبي خديجة ، عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال : «لا يرث الكافر المسلم ، وللمسلم أن يرث الكافر ، إلاّ أن يكون المسلم قد أوصى للكافر بشيء». (١)

٤. أخرج الشيخ عن عبد الرحمن بن أعين ، عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ في النصراني يموت وله ابن مسلم ، أيرثه؟ قال : «نعم ، إنّ الله عزّ وجلّ لم يزدنا بالإسلام إلاّ عزّاً ، فنحن نرثهم وهم لا يرثوننا». (٢)

٥. ما أخرجه الصدوق بسند موثّق عن سماعة ، عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال : سألته عن المسلم هل يرث المشرك؟ قال ـ عليه‌السلام ـ : «نعم ، فأمّا المشرك فلا يرث المسلم». (٣)

٦. أخرج الفقيه بسند معتبر عن محمد بن قيس ، عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ ، قال : سمعته ، يقول : «لا يرث اليهودي والنصراني المسلمين ، ويرث المسلمون اليهود والنصارى». (٤)

__________________

(١) الوسائل : ١٧ ، الباب ١ من أبواب موانع الإرث ، الحديث ٣ ، ٤ ، ٥ ، ٧.

(٢) الوسائل : ١٧ ، الباب ١ من أبواب موانع الإرث ، الحديث ٣ ، ٤ ، ٥ ، ٧.

(٣) الوسائل : ١٧ ، الباب ١ من أبواب موانع الإرث ، الحديث ٣ ، ٤ ، ٥ ، ٧.

(٤) الوسائل : ١٧ ، الباب ١ من أبواب موانع الإرث ، الحديث ٣ ، ٤ ، ٥ ، ٧.

١٩٣

٧. أخرج الشيخ في «التهذيب» عن أبي العباس (البقباق) قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ يقول : «لا يتوارث أهل ملّتين (يرث هذا هذا ، ويرث هذا هذا) إلاّ أنّ المسلم يرث الكافر والكافر لا يرث المسلم». (١)

٨. أخرج الكليني بسند صحيح عن جميل وهشام ، عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ انّه قال : فيما روى الناس عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ أنّه قال : «لا يتوارث أهل ملّتين ، قال : نرثهم ولا يرثونا ، انّ الإسلام لم يزده في حقّه إلاّ شدّة».

وفي رواية الشيخ الطوسي : «انّ الإسلام لم يزده إلاّ عزّاً في حقّه». (٢)

ثمّ إنّ الرواية السابعة والثامنة تفسران ما رواه الجمهور عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ من أنّه لا يتوارث أهل ملّتين كما سيوافيك بيانه ، وحاصل التفسير : انّ نفي التوارث كما يحصل بعدم إرث كلّ الآخر ، يتحقّق أيضاً بعدم إرث الكافر المسلم دون المسلم ، الكافر.

وبذلك أيضاً يفسر بعض الروايات الواردة عن أئمّة أهل البيت بنفس اللفظ النبوي أو قريب منه ، نظير الروايات التالية :

٩. أخرج الشيخ بسند معتبر عن حنان بن سدير ، عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال : سألته يتوارث أهل ملّتين؟ قال : «لا». (٣)

١٠. ونظيره ما رواه علي بن جعفر ـ عليه‌السلام ـ ، عن أخيه موسى بن جعفر ـ عليه‌السلام ـ ، قال : سألته عن نصراني يموت ابنه وهو مسلم ، فهل يرث ، فقال : «لا يرث أهل ملّة».

وفي المصدر : لا يرث أهل ملّة ملّةً. (٤)

__________________

(١) الوسائل ، الباب ١ من أبواب موانع الإرث ، الحديث ١٥ ، ١٤ ، ٢٠.

(٢) الوسائل ، الباب ١ من أبواب موانع الإرث ، الحديث ١٥ ، ١٤ ، ٢٠.

(٣) الوسائل ، الباب ١ من أبواب موانع الإرث ، الحديث ١٥ ، ١٤ ، ٢٠.

(٤) لاحظ الوسائل : ١٧ ، الباب ١ من أبواب موانع الإرث ، الحديث ٢٤.

١٩٤

وهو محمول على عدم التوارث من الطرفين فلا ينافي إرث المسلم الكافر.

إلى هنا تمّت دراسة ما دلّ على إرث المسلم الكافر ، وهي متضافرة تفيد الاطمئنان بالصدور.

الروايات المعارضة

ثمّ إنّ هناك روايات ربّما يتراءى التعارض بينها وبين ما سبق ، لا تعارضاً مطلقاً ، بل تعارضاً نسبياً ، وهي القول بإرث المسلم الكافر إلاّ في مورد الزوج والزوجة أو خصوص الزوجة.

ومقتضى صناعة الفقه تخصيص المطلقات السابقة بهذه الروايات المتعارضة ، إلاّ أنّها فاقدة للحجّية فيطرح تخصيصها بها ، وإليك ما يعارضها بظاهره :

١. ما رواه الصدوق مرسلاً ، قال : قال أبو عبد الله ـ عليه‌السلام ـ في الرجل النصراني تكون عنده المرأة النصرانية فتسلم أو يسلم ثمّ يموت أحدهما؟ قال : «ليس بينهما ميراث». (١)

٢. رواية عبد الملك بن عمير القبطي ، عن أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ أنّه قال للنصراني الذي أسلمت زوجته : «بضعها في يدك ، ولا ميراث بينكما». (٢)

٣. رواية عبد الرحمن البصري ، قال : قال أبو عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : «قضى أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ في نصراني ، اختارت زوجته الإسلام ودار الهجرة : أنّها في دار الإسلام لا تخرج منها ، وأنّ بضعها في يد زوجها النصراني ، وأنّها لا ترثه ولا

__________________

(١) الوسائل : ١٧ ، الباب ١ من أبواب موانع الإرث ، الحديث ١٢ و ٢٢.

(٢) الوسائل : ١٧ ، الباب ١ من أبواب موانع الإرث ، الحديث ١٢ و ٢٢.

١٩٥

يرثها». (١)

٤. رواية عبد الرحمن بن أعين قال : قال أبو جعفر ـ عليه‌السلام ـ : «لا نزداد بالاسلام إلاّ عزّاً ، فنحن نرثهم ولا يرثونا ، هذا ميراث أبي طالب في أيدينا ، فلا نراه إلاّ في الولد والوالد ، ولا نراه في الزوج والمرأة». (٢)

وهذه الروايات لا يعتمد عليها في مقابل ما تضافر.

أمّا الأُولى فهي مرسلة الصدوق في «المقنع» وليست مسندة إلى المعصوم.

وأمّا الثانية ـ فهي مضافاً إلى كونها مرسلة لما في سندها من قوله : عن أُمّي الصيرفي أو بينه وبينه رجل ، عن عبد الملك بن عمير القبطي ـ فإنّ عبد الملك لم يوثّق.

وأمّا الثالثة فسندها وإن كان موثّقاً ومقتضى الجمع الصناعي هو تخصيص ما دلّ على إرث المسلم الكافر بهذه الرواية وتكون النتيجة : إرث المسلم الكافر ، إلاّ الزوجة المسلمة فإنّها لا ترث الزوج الكافر.

ولكن العمل بهذه الرواية في مقابل ما تضافر وتواتر عنهم غير صحيح ، مضافاً إلى أنّ مقتضى التعليل الوارد في رواية عبد الرحمن بن أعين عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : «لا يتوارث أهل ملّتين ، نحن نرثهم ولا يرثونا ، إنّ الله عز وجلّ لم يزدنا بالإسلام إلاّ عزّاً». (٣) هو عدم الفرق بين الزوجة وغيرها ، لأنّ التعليل آب عن التخصيص.

وأمّا الرواية الرابعة فيرد عليها أمران :

__________________

(١) الوسائل : ١٧ ، الباب ١ من أبواب موانع الإرث ، الحديث ٢٣ و ١٩.

(٢) الوسائل : ١٧ ، الباب ١ من أبواب موانع الإرث ، الحديث ٢٣ و ١٩.

(٣) انظر الرواية الرابعة.

١٩٦

الأوّل : انّ ظاهر الرواية هو عدم إيمان أبي طالب ، وهذا ممّا اتّفق أئمّة أهل البيت على خلافه.

الثاني : انّ إخراج الزوجة والزوج خلاف مقتضى التعليل الوارد في نفس هذه الرواية.

أضف إلى ذلك إعراض المشهور عن هذه الروايات الأربع ومخالفتها لصحيح أبي ولاّد (الرواية الأُولى) على نحو التباين.

فخرجنا بالنتيجة التالية : انّ الرأي السائد عند أتباع أئمّة أهل البيت ـ عليهم‌السلام ـ هو إرث المسلم الكافر ، من دون فرق في المسلم بين كونه زوجاً أو زوجة.

وأمّا هذه الروايات الأربع ، فهي بين ضعيفة كمرسلة الصدوق ورواية عبد الملك بن عمير ، أو مخالفة للتعليل الآبي عن التخصيص ، كالرواية الثالثة ، أو مخدوش في المضمون لاشتماله على كفر أبي طالب ، مضافاً إلى أنّ إخراج الزوج والزوجة خلاف التعليل الوارد فيها وخلاف صحيحة أبي ولاّد.

إلى هنا تمّت دراسة الروايات المروية عن أئمّة أهل البيت ـ عليهم‌السلام ـ.

الرابع : الآثار المروية في السنن

ثمّ إنّ هناك آثاراً مروية عن الصحابة تؤيّد موقف الإمامية في المسألة ، وإليك بعض ما وقفنا عليه :

١. أخرج أبو داود عن عبد الله بن بريدة ، انّ أخوين اختصما إلى يحيى بن يعمر ، يهودي ومسلم فورّث المسلم منهما ، وقال : حدّثني أبو الأسود انّ رجلاً حدّثه ، انّ معاذاً حدّثه ، قال : سمعت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ يقول : الإسلام يزيد ولا

١٩٧

ينقص ، فورث المسلم. (١)

٢. أخرج أبو داود عن عبد الله بن بريدة ، عن يحيى بن يعمر ، عن أبي الأسود الدؤلي انّ معاذاً أتى بميراث يهودي وارثه مسلم ، بمعناه عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ. (٢)

٣. أخرج الدارمي عن مسروق قال : كان معاوية يورِّث المسلم من الكافر ولا يورث الكافر من المسلم ، قال : قال مسروق : وما حدث في الإسلام قضاء أحب إليّ منه ، قيل لأبي محمد تقول بهذا ، قال : لا. (٣)

قال السيد المرتضى بعد نقل قضاء معاذ : ونظائر هذا الخبر موجودة كثيرة في رواياتهم.

وعلى كلّ تقدير ففي الكتاب مع ما تضافر من الروايات عن أئمّة أهل البيت ـ عليهم‌السلام ـ وفي هذه الآثار كفاية لمن رام الحق ، ولكن لا يتم الإفتاء إلا بدراسة دليل المخالف فانتظر.

الخامس : حرمان المسلم خلاف الامتنان

إنّ من درس موارد الحرمان في الإرث يقف على أنّه إمّا للإرغام ، أو لضعة الوارث.

والأوّل كما في القاتل فلا يرث المقتول ، وذلك لأنّه حاول بقتله أن يرثه معجلاً ، فانعكس الأمر وصار محروماً بتاتاً.

والثاني كما في الرق حيث لا يرث الحر لضعة مرتبته ودرجته.

__________________

(١) سنن أبي داود : ٣ / ١٢٦ ، حديث رقم ٢٩١٢.

(٢) سنن أبي داود : ٣ / ١٢٦ ، برقم ٢٩١٣.

(٣) سنن الدارمي : ٣٧٠ ، باب في ميراث أهل الشرك وأهل الإسلام.

١٩٨

فعلى ضوء ما ذكرنا يجب أن يرث الكافر المسلم دون العكس ، وإلاّ يلزم أن يكون حرمان المسلم إرث الكافر إرغاماً له ، وهو كما ترى.

وإن شئت قلت : إنّ التشريع الإسلامي قائم على الترغيب والترهيب ، ففي الموضع الذي يكون المورِّث كافراً والوارث على وشك اعتناق الإسلام ، فلو قيل له أنت لو أسلمت يكون جزاء إسلامك هو حرمانك من عطايا والدك وأُمّك التي يتركها لك ، فهو يرجع إلى الوراء ويتعجب من هذا التشريع الذي يُرهب مكان الترغيب ، ويبعِّد بدل التقريب إلى الإسلام ويعده على طرف النقيض من الترغيب.

إلى هنا تمّ ما دلّ على إرث المسلم الكافر.

فحان حين البحث في أدلّة نفاة الإرث وهي على قسمين :

١. الأحاديث الواردة في الموضوع.

٢. الآثار المنقولة عن الصحابة.

فإليك دراسة كلّ واحد على حدة.

١٩٩

٤

أدلّة القائلين بعدم التوريث

استدلّ القائلون بعدم توريث المسلم من الكافر بأحاديث وآثار ، نشير إلى الجميع.

١. حديث عمرو بن شعيب

أخرج أبو داود بسنده عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جدّه عبد الله بن عمرو ، قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : «لا يتوارث أهل ملّتين شتى». (١)

وأخرج الدارقطني بسنده عن عمرو بن شعيب ، قال : أخبرني أبي ، عن جدّي عبد الله بن عمرو ، انّ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ قام يوم فتح مكة ، قال : «لا يتوارث أهل ملّتين». (٢)

وأخرجه البيهقي بنفس السند ، قال : لا يتوارث أهل ملّتين شتّى. وفي لفظ آخر : ولا يتوارثون أهل ملّتين. (٣)

__________________

(١) سنن أبي داود ٣ / ١٢٦ ، برقم ٢٩١١.

(٢) سنن الدارقطني : ٢ / ٧٢ ، برقم ١٦.

(٣) سنن البيهقي : ٦ / ٢١٨ ، باب لا يرث المسلم الكافر.

٢٠٠