التطبيق النحوى

الدكتور عبده الراجحي

التطبيق النحوى

المؤلف:

الدكتور عبده الراجحي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار المعرفة الجامعية
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٥٠

الفصل الثالث

الجمل الأسلوبية

تقديم :

اخترنا تعبير «الجمل الأسلوبية» لما درجت عليه الكتب التعليمية من قرن هذه الجمل بكلمة «أسلوب» ، حيث يشيع مثل : أسلوب التعجب ، أسلوب المدح والذم ، أسلوب النداء ... وهكذا. ولا نرى بأسا من ذلك لأسباب ؛ منها أن أغلب هذه الجمل لا ينتمي إلى الجملة الاسمية أو الفعلية انتماء لازما ، بل يندرج تحتهما معا ، ومنها أن هذه الجمل لا تجري على «نمط» واحد في الدلالة على وظائفها ، بل تسلك وسائل مختلفة على ما نرى في الاستفهام والنداء والاستثناء وغيرها.

ولعلك تعلم أن كلمة «أسلوب» elyts صارت في علم اللغة الحديث مصطلحا اخر ، له علم خاص يطلق عليه «علم الأسلوب scitsilyts» ؛ وتلك مسألة أخرى لا شأن لنا بها هنا ، لكنا أردنا أن نلفتك إلى الاختلاف في استعمال كلمة «أسلوب» في كلتا الجهتين.

* * *

٢٦١

ـ ١ ـ

جملة الاستثناء

تفيد جملة الاستثناء «إخراج» اسم من حكم اسم آخر ، والاسم المخرج هو المستثنى ، أما الآخر فهو المستثنى منه.

ويعدّ النحاة المستثنى نوعا من المفعول به ؛ لأنهم يرون أنه ـ في حالة النصب ـ منصوب بفعل تدل عليه كلمة الاستثناء ، وتقدير هذا الفعل عندهم : أستثني. فكأن قولك : جاء القوم إلا زيدا. معناه : جاء القوم وأستثني زيدا. والحق أن العامل في المستثنى هو كلمة الاستثناء.

ومن المفيد أن تلتفت إلى بعض المصطلحات لخاصة بجملة الاستثناء :

١ ـ جملة تامة : إذا كان المستثنى منه مذكورا ، مثل :

حضر الطلاب إلا زيدا.

٢ ـ جملة موجبة : إذا كانت جملة الاستثناء خالية من النفي أو النهي أو الاستفهام ، كالمثال السابق.

٣ ـ جملة تامة غير موجبة : إذا كان المستثنى منه موجودا ، وكانت الجملة مسبوقة بنفي أو نهي أو استفهام ، مثل :

ما حضر الطلاب إلا زيدا.

لا تذهبوا إلا زيدا.

هل نجح الطلاب إلا المهمل.

٤ ـ جملة غير تامة غير موجبة : إذا كان المستثنى منه غير مذكور ، وكانت الجملة مسبوقة بنفى أو نهي أو استفهام :

ما حضر إلا زيد.

هل نجح إلا المجدّ.

٢٦٢

٥ ـ استثناء متصل : إذا كان المستثنى من جنس المستثنى منه :

حضر الطلاب إلا زيدا.

٦ ـ استثناء منقطع : إذا كان المستثنى من غير جنس المستثنى منه :

وصل المسافرون إلا أمتعتهم.

* * *

وكلمات الاستثناء التي تهمنا في التطبيق النحوي ثلاثة أقسام :

١ ـ حروف.

٢ ـ أسماء.

٣ ـ أفعال أو حروف.

١ ـ حرف الاستثناء (إلا)

ويستعمل على النحو الآتي :

أ ـ إن كانت الجملة تامة موجبة وجب نصب المستثنى سواء كان الاستثناء متصلا أم منقطعا ، مثل :

جاء الطلاب إلا زيدا.

جاء : فعل ماض مبني على الفتح.

الطلاب : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة.

إلا : حرف استثناء مبني على السكون لا محل له من الإعراب.

زيدا : مستثنى منصوب بالفتحة الظاهرة.

رأيت الطلاب إلا زيدا.

رأيت : فعل وفاعل ..

الطلاب : مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة.

إلا : حرف استثناء مبني على السكون لا محل له من الإعراب.

٢٦٣

زيدا : مستثنى منصوب بالفتحة الظاهرة.

مررت بالطلاب إلا زيدا

مررت : فعل وفاعل ..

بالطلاب : الباء حرف جر ، والطلاب مجرور بالباء وعلامة جره الكسرة الظاهرة.

إلا : حرف استثناء ..

زيدا : مستثنى منصوب بالفتحة.

دخل الضيوف القاعة إلا كلابهم.

دخل : فعل ماض مبني على الفتح.

الضيوف : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة.

القاعة : مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة.

إلا : حرف استثناء.

كلابهم : مستثنى منصوب بالفتحة الظاهرة ، وهم ضمير متصل مبني على السكون في محل جر مضاف إليه.

(وهذا مثال على الاستثناء المنقطع لأن المستثنى ليس من جنس المستثنى منه).

ب ـ إن كانت الجملة تامة غير موجبة جاز لك فيما بعد إلا إعرابان :

١ ـ النصب على الاستثناء :

ما حضر الطلاب إلا زيدا.

ما : حرف نفي مبني على السكون لا محل له من الإعراب.

حضر : فعل ماض مبني على الفتح.

الطلاب : فاعل مرفوع بالضمة الظاهر.

إلا : حرف استثناء.

زيدا : مستثنى منصوب بالفتحة الظاهرة.

٢٦٤

٢ ـ إتباعه للمستثنى منه ، وإعرابه بدل بعض من كل ، وتكون (إلا) حرفا مهملا في هذه الحالة :

ما حضر الطلاب إلا زيد

الطلاب : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة.

إلا : حرف استثناء ملغى.

زيد : بدل بعض من كل مرفوع بالضمة الظاهرة.

ما رأيت الطلاب إلا زيدا.

الطلاب : مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة.

إلا : حرف استثناء (عامل أو مهمل).

زيدا : مستثنى منصوب بالفتحة الظاهرة ، أو بدل بعض من كل منصوب بالفتحة الظاهرة.

ما مررت بالطلاب إلا زيدا (أو إلا زيد).

بالطلاب : جار ومجرور.

إلا : حرف استثناء.

زيدا : مستثنى منصوب بالفتحة الظاهرة.

زيد : بدل بعض من كل مجرور بالكسرة الظاهرة.

وإن كان الاستثناء منقطعا فالأفصح في هذه الحالة نصب المستثنى ، ويجوز ـ في لهجة ـ إعرابه بدلا :

ليست له معرفة إلا الظنّ.

ليست : فعل ماض ناقص مبني على الفتح ، والتاء للتأنيث حرف مبني على السكون لا محل له من الإعراب.

له : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر ليس في محل نصب.

معرفة : اسم ليس مرفوع بالضمة الظاهرة.

٢٦٥

إلا : حرف استثناء.

الظن : مستثنى منصوب بالفتحة الظاهرة.

(هذا الاستثناء منقطع لأن الظن ليس من جنس المعرفة).

وإن كان المستثنى متقدما على المستثنى منه وجب نصبه ، مثل :

ما لي إلا زيدا صديق.

ما : حرف نفي.

لي : جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم في محل رفع.

إلا : حرف استثناء.

زيدا : مستثنى منصوب بالفتحة الظاهرة.

صديق : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة الظاهرة.

ج ـ إن كانت جملة الاستثناء غير تامة وغير موجبة ألغيت (إلا) وأعرب ما بعدها حسب موقعه من الجملة ، وسمى الاستثناء مفرغا أي أن ما قبل الحرف تفرغ للعمل فيما بعده ، مثل :

ما حضر إلا زيد.

ما : حرف نفي.

حضر : فعل ماض مبني على الفتح.

إلا : حرف استثناء ملغى.

زيد : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة.

ما رأيت إلا زيدا.

ما : حرف نفي.

رأيت : فعل وفاعل ...

إلا : حرف استثناء ملغى.

زيدا : مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة.

٢٦٦

ما مررت إلا بزيد.

ما حرف نفي.

مررت : فعل وفاعل.

إلا : حرف استثناء ملغى.

بزيد : الباء حرف جر ، وزيد مجرور بالباء وعلامة جره الكسرة الظاهرة.

* في الاستثناء المفرغ يجوز أن يكون ما بعد إلا جملة على الرأي الأغلب بشروط اشترطها النحاة ، مثل :

ما المخلص إلا يعمل لوطنه.

ما : حرف نفي.

المخلص : مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة.

إلا : حرف استثناء ملغى.

يعمل : فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو ، والجملة من الفعل والفاعل في محل رفع خبر.

* ويجوز وقوع الجملة بعد (إلا) في الاستثناء المنقطع.

ما عوقب مجدّ إلا الذي أهمل فعقابه رادع.

ما : حرف نفي.

عوقب : فعل ماض مبني على الفتح.

مجد : نائب فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة.

إلا : حرف استثناء.

الذي : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.

أهمل : فعل ماض ، والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هو ، والجملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.

٢٦٧

فعقابه : الفاء واقعة في الخبر حرف زائد مبني على الفتح لا محل له من الإعراب.

عقابه : مبتدأ ثان مرفوع بالضمة الظاهرة ، والهاء مضاف إليه.

رادع : خبر المبتدأ الثاني مرفوع بالضمة الظاهرة. والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل رفع خبر المبتدأ الأول والجملة من المبتدأ وخبره في محل نصيب مستثنى.

* من الأساليب المستعملة في الاستثناء المفرغ أن تكون لدينا جملة قسم موجبة ومعناها منفي ، وجواب القسم جملة فعلية فعلها ماض يدل على معنى مستقبل ، وفي هذه الحالة نؤول الفعل «وفاعله» بمصدر ، مثل :

سألتك بالله إلا ساعدتني.

سألتك : فعل وفاعل ومفعول به.

بالله : جار ومجرور متعلق بسأل.

إلا : حرف استثناء ملغى.

ساعدتني : فعل ، وفاعل ، ونون الوقاية ، ومفعول به.

والفعل والفاعل في تأويل مصدر في محل نصب (١) مفعول به ثان.

ومعنى الجملة : ما سألتك إلا مساعدتك.

تنبيه :

يشيع في الكتب المعاصرة استعمال «إلا» في غير الاستثناء ، وبخاصة في ربط جملتي الشرط ، مثل :

* إذا كانت القضية شائكة إلا أننا نستطيع معالجتها.

__________________

(١) حول هذا الإعراب خلافات كثيرة إذ كيف يكون المصدر منسبكا من غير سابك أي دون أن يسبق الفعل حرف مصدرى. إلا أن هذا هو ما جرى عليه الاستعمال ولا بأس من أن نذكر أن المصدر منسبك بغير سابك.

٢٦٨

وكذلك في ربط الجملة المصدرة ب «مع أن ـ بالرغم من ... الخ». مثل :

* مع أن الموقف صعب إلا أننا نستطيع مواجهته.

* بالرغم من أنه ترك المنصب إلا أن تأثيره لا يزال بارزا.

وكل أولئك لا تعرفه العربية ، والصواب في ذلك كله ربط هذه الجمل بالفاء :

إذا كانت القضية شائكة فإننا نستطيع معالجتها.

مع أن الموقف صعب فإننا نستطيع مواجهته.

بالرغم من أنه ترك المنصب فإن تأثيره لا يزال بارزا.

* * *

٢٦٩

أسماء الاستثناء

وأما أسماء الاستثناء فهي «غير» و «سوى» ويعرب ما بعدها مضافا إليه ، أما هما فيعربان إعراب ما بعد (إلا) تبعا لأنواع جملة الاستثناء في التفصيل السابق ، فنقول :

حضر الطلاب غير زيد. (أو سوى زيد)

حضر : فعل ماض مبني على الفتح.

الطلاب : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة.

غير : مستثنى منصوب بالفتحة الظاهرة.

سوى : مستثنى منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها التعذر.

زيد : مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة.

ما حضر الطلاب غير زيد.

ما : حرف نفي.

حضر الطلاب : فعل وفاعل.

غير : مستثنى منصوب بالفتحة الظاهرة ، أو بدل بعض من كل مرفوع بالضمة الظاهرة.

ما رأيت الطلاب غير زيد.

الطلاب : مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة.

غير : مستثنى منصوب بالفتحة الظاهرة ، أو بدل بعض من كل منصوب بالفتحة الظاهرة.

ما حضر غير زيد.

ما : حرف نفي.

حضر : فعل ماض مبني على الفتح.

٢٧٠

غير : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة.

زيد : مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة.

ما رأيت غير زيد.

غير : مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة.

ما مررت بغير زيد.

بغير : الباء حرف جر ، وغير مجرور بالباء وعلامة جره الكسرة الظاهرة.

* وتستعمل (بيد) استعمال (غير) بشرط أن يكون الاستثناء منقطعا ، وبشرط أن تكون مضافة إلى مصدر مؤول من أنّ ومعموليها ، مثل :

زيد ذكي بيد أنه مهمل.

زيد : مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة.

ذكي : خبر مرفوع بالضمة الظاهرة.

بيد : مستثنى منصوب بالفتحة الظاهرة.

أن : حرف توكيد ونصب.

الهاء : ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم أن.

مهمل : خبر أن مرفوع بالضمة الظاهرة.

والمصدر المؤول من أنّ ومعموليها في محل جر مضاف إليه.

* * *

٢٧١

أفعال الاستثناء

يذكر النحاة من أفعال الاستثناء فعلي (ليس) و (لا يكون) ، ولكنا لا نعرضهما هنا إذ لا تأثير لهما ـ في التطبيق النحوي ـ من حيث الاستثناء ؛ ففعلهما يدخل في باب الأفعال الناسخة الداخلة على الجملة الاسمية.

أما الأفعال الأخرى فهي : عدا ـ خلا ـ حاشا. وهي تستعمل أفعالا إن سبقتها (ما) المصدرية ، وينصب المستثنى بعدها باعتباره مفعولا به لها ، مثل :

حضر الطلاب ما عدا زيدا.

حضر الطلاب ما خلا زيدا.

حضر الطلاب ما حاشا زيدا.

حضر : فعل ماض مبني على الفتح.

الطلاب : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة.

ما : حرف مصدرى مبني على السكون لا محل له من الإعراب.

عدا : فعل ماض مبني على الفتح المقدر منع من ظهوره التعذر.

وفاعله ضمير مستتر وجوبا تقديره هو.

والمصدر المؤول من ما والفعل في محل نصب حال. وتقدير الكلام :

(حضر الطلاب مجاوزين زيدا).

زيدا : مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة.

وإن كانت هذه الأفعال خالية من (ما) المصدرية ، جاز لك إعرابها أفعالا ، أو إعرابها حروف جر :

حضر الطلاب عدا زيدا.

٢٧٢

حضر الطلاب : فعل وفاعل.

عدا : فعل ماض مبني على الفتح المقدر ، وفاعله ضمير مستتر وجوبا تقديره هو ، والجملة في محل نصب حال.

زيدا : مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة.

حضر الطلاب عدا زيد.

عدا : حرف جر مبني على السكون لا محل له من الإعراب.

زيد : مجرور بعدا وعلامة جره الكسرة الظاهرة ، والجار والمجرور متعلق بالفعل حضر.

* * *

تدريب :

أعرب ما يأتي :

١ ـ (فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ.)

٢ ـ (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ.)

٣ ـ (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ.)

٤ ـ (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً.)

٥ ـ (قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ ، فَأَسْرِ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ.)

٦ ـ (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ).

٢٧٣

٧ ـ (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ. لَسْتَ عَلَيْهِمْ) بمسيطر (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ.)

٨ ـ (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً.)

٩ ـ (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ، وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ ، لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ، وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.)

١٠ ـ (وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ، وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ ، إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.)

* * *

٢٧٤

ـ ٢ ـ

جملة النداء

النداء علامة من علامات «الاتصال» بين الناس ، وهو دليل قوي على «اجتماعية» اللغة ، ومن ثم فهو كثير الاستعمال ، ولا يكاد يخلو كلام إنسان كل يوم من النداء ، فأنت فى حاجة كل وقت أن تنادي «شخصا ما» أو «شيئا ما» ، لذلك كان للنداء «أسلوب» خاص ، بل جملة خاصة اختلف في شأنها اللغويون ؛ فهي جملة لأنها تفيد معنى كاملا حين نقف عليها ، وهي تتكون من حرف للنداء ومنادى ، والجمل المعروفة لا تتكون من حرف واسم فقط ، ولابد أن يكون فيها إسناد بين اسم واسم أو بين فعل واسم. لهذا كله يرى بعض اللغويين المحدثين قبول هذا التركيب على أنه «جملة» لكنهم يطلقون عليها «جملة غير إسنادية».

على أن النحو العربي يرى أن جملة النداء جملة تامة شأنها شأن الجمل الأخرى يتوافر فيها إسناد غير ظاهر ؛ لأن المنادى عندهم نوع من «المفعول به» وهو منصوب بفعل محذوف تقديره : أنادى ، أو أدعو ، وهذا الفعل لا يظهر مطلقا ، وحرف النداء ينوب عنه ويعمل عمله. وهناك اعتراض قديم على تقدير هذا الفعل ؛ لأن جملة النداء جملة طلبية ، وهذا التقدير يحولها إلى جملة خبرية ، وهو اعتراض لا موضع له في التحليل النهائي لهذه الجملة.

وحروف النداء متعددة ؛ منها ما هو للقريب ، ومنها ما هو للمتوسط ، ومنها ما هو للبعيد. ومقياس القرب والبعد قد يكون مقياسا ماديا في المكان والزمان ، وقد يكون مقياسا معنويا كالابن والصديق والعدو.

وأشهر حروف النداء وأكثرها استعمالا هو : يا ، ويجوز حذف حرف النداء في الاستعمال الكثير ويبقى أثره ، مثل :

أستاذنا الجليل ...

أخي العزيز ...

٢٧٥

مستمعيّ الأعزاء ..

ويهمنا في التطبيق النحوي الاستعمالات المختلفة في النداء وطريقة إعرابها.

١ ـ ينقسم المنادى إلى نوعين : أحدهما مبني والآخر معرب.

أما المنادى المبني فهو يبنى على ما يرفع به في محل نصب ، وهو نوعان :

أ ـ العلم المفرد ؛ أي الذي ليس مضافا ولا شبيها بالمضاف مثل :

يا عليّ أقبل.

يا فاطمة أقبلي.

يا : حرف نداء مبني على السكون لا محل له من الإعراب.

علي : منادى مبني على الضم في محل نصب.

فاطمة : منادى مبني على الضم في محل نصب.

يا عليان أقبلا.

يا فاطمتان أقبلا.

عليان : منادى مبني على الألف في محل نصب.

يا عليون أقبلوا.

عليون : منادى مبني على الواو في محل نصب.

* فإن كان المنادى العلم مبنيا في الأصل بقي على بنائه ولكنه يعرب كما يلي :

جزاك الله خيرا يا سيبويه.

سيبويه : منادى مبني على ضم مقدر منع من ظهوره حركة البناء الأخير في محل نصب (١).

* وإن كان العلم المفرد موصوفا بكلمة ابن أو بنت بشرط أن يكونا مضافين إلى علم فلك فيه وجهان ؛ البناء على الضم ، أو البناء على الفتح.

__________________

(١) نقول أنه مبني على ضم مقدر ، ولا نقول أنه مبني على الكسر في محل نصب ، وذلك لأن حركة الضم المقدرة هذه تؤثر على تابع المنادى إن كان له تابع.

٢٧٦

يا سعيد بن زيد أقبل.

سعيد : منادى مبني على الضم في محل نصب.

بن : صفة منصوبة بالفتحة الظاهرة.

وهذا الإعراب على القاعدة الأصلية للعلم المفرد.

يا سعيد بن زيد أقبل.

سعيد : منادى مبني على الضم المقدر منع من ظهوره حركة الإتباع (١).

* إن كان العلم المفرد المنادى اسما منقوصا مثل شخص اسمه راضي أو هادي ، فلك في يائه وجهان :

أ ـ إبقاء الياء مثل :

يا راضى أقبل.

راضي : منادى مبني على ضم مقدر منع من ظهوره الثقل في محل نصب.

ب ـ حذف الياء شأن حذفها في حالتي الرفع والجر ، مثل :

يا راض أقبل.

راض : منادى مبنى على ضم مقدر على الياء المحذوفة منع من ظهوره الثقل في محل نصب.

(والأفضل إبقاء الياء).

* وإن كان العلم مقصورا فلك في ألفه مثل ما لك في ياء المنقوص ، والأفضل إبقاؤها ، مثل :

يا مصطفى أقبل.

مصطفى : منادى مبني على ضم مقدر منع من ظهوره التعذر في محل نصب.

__________________

(١) يقول النحاة إن الفتحة علي آخر العلم في هذا الاستعمال تابعة للفتحة الموجودة علي آخر الصفة التي هي ابن ، أو أن المنادي قد ركب مع صفته تركيب خمسة عشر فيبني على فتح الجزئين. ونذكر البناء علي الضم المقدر لأثره في التوابع أيضا.

٢٧٧

* يلتحق بقاعدة نداء العلم المفرد نداء ضمير المخاطب ، مثل :

يا زيد يا أنت ..

أنت : منادى مبني على ضم مقدر منع من ظهوره حركة البناء الأصلية ، في محل نصب.

* ونداء الإشارة :

يا هؤلاء اقبلوا.

هؤلاء : منادى مبني على ضم مقدر منع من ظهوره حركة البناء الأصلية ، في محل نصب.

* ونداء الموصول :

يا من فعل الخير أبشر.

من : منادى مبني على ضم مقدر منع من ظهوره حركة البناء الأصلية ، في محل نصب.

ب ـ النكرة المقصودة :

وهي النكرة التي تقصد قصدا في النداء ، ولذلك تكتسب التعريف منه لأنه يحددها من بين النكرات ، وهي تبنى على ما ترفع به في محل نصب :

يا رجل أقبل. يا فتاة أقبلي.

رجل : منادى مبني على الضم في محل نصب.

فتاة : مبني على الضم في محل نصب.

يا رجلان أقبلا.

رجلان : منادى مبني على الألف في محل نصب.

يا مجدّون أبشروا.

مجدون : منادى مبني على الواو في محل نصب.

* إن كانت النكرة موصوفة فالأغلب نصبها.

٢٧٨

نصرك الله يا قائدا عظيما.

قائدا : منادى منصوب بالفتحة الظاهرة.

* إن كانت النكرة اسما مقصورا أو منقوصا فلك في ألفه أو يائه ما ذكرنا في العلم المفرد :

يا فتى أقبل.

فتى : منادى مبني على ضم مقدر منع من ظهوره التعذر ، في محل نصب.

يا لاهي تنبه.

لاهي : منادى مبني على ضم مقدر منع من ظهوره الثقل ، في محل نصب.

* وأما المنادى المعرب المنصوب فهو ثلاثة أنواع :

أ ـ النكرة غير المقصودة ، وهي التي لا تفيد من النداء تعريفا ، وأشهر أمثلتهم قول الأعمى :

يا رجلا خذ بيدي.

رجلا : منادى منصوب بالفتحة الظاهرة.

ويكثر استعمال هذا المنادي الآن ، مثل :

يا غافلا أفق.

يا تائبا طوبى لك.

ب ـ المضاف :

يا فاعل الخير أقبل.

فاعل : منادى منصوب بالفتحة الظاهرة.

الخير : مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة.

ج ـ الشبيه بالمضاف : وقد قدمنا أمثلة له في لا النافية للجنس :

يا كريما خلقه أبشر.

كريما : منادى منصوب بالفتحة الظاهرة.

٢٧٩

خلقه : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة ، والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر مضاف إليه.

* * *

٢ ـ إن كان المنادى صحيح الآخر مضافا إلى ياء المتكلم ، وكانت الإضافة محضة ؛ أي معنوية يفيد منها المضاف تعريفا أو تخصيصا فإنه يعرب بعلامة مقدرة ، مثل :

يا صديقي أقبل.

صديقي : منادى منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة. والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل جر مضاف إليه.

ولك في هذه الياء الواقعة مضافا إليه وجوه تؤثر على المنادى ، أشهرها :

أ ـ إبقاؤها مبنية على السكون كما في المثال السابق.

ب ـ إبقاؤها مع بنائها على الفتح :

يا صديقي أقبل.

صديقي : منادى منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة ، الياء ضمير متصل مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه.

ج ـ إبقاؤها وبناؤها على الفتح ثم فتح ما قبلها وقبلها ألفا :

يا فرحا ..

فرحا : منادى منصوب بالفتحة الظاهرة (١) ، والياء المنقلبة ألفا ضمير متصل مبني على السكون في محل جر مضاف إليه ، والأصل : يا فرحي. ويجوز في هذا الاستعمال أن تأتي عند الوقف بهاء السكت :

__________________

(١) الواقع أن هذه الفتحة ليست علامة الإعراب ، لكنها فتحة عارضة جئنا بها لنتمكن من قلب ياء المتكلم ألفا. ولذلك كان ينبغي أن نقول إنه منادي منصوب بفتحة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة. لكننا نفضل الإعراب الذي قدمناه لما فيه من تيسير.

٢٨٠