التطبيق النحوى

الدكتور عبده الراجحي

التطبيق النحوى

المؤلف:

الدكتور عبده الراجحي


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار المعرفة الجامعية
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٥٠

(٥) لا النافية للجنس

وهي حرف يدخل علي الجملة الأسمية فيعمل فيها عمل (إنّ) من نصب المبتدأ ورفع الخبر ، وتفيد نفي الحكم علي جنس أسمها ، ويسميها النحاه لا النافية على سبيل التنصيص أو على سبيل النص لأنها تنفي الحكم عن جنس اسمها بغير احتمال لأكثر من معني واحد ، ويسمونها أيضا لا النافية للجنس على سبيل الاستغراق لأن نفيها يستغرق جنس سمها كله ، فأنت حين تقول :

لا إنسان مخلّد.

فقد نفيت الحكم بالخلود عن جنس الإنسان ، أي أن النفي استغرق الجنس كله.

وترد في الكتب القديمة تسميتها (لا التي للتبرئة) أي التي تبرئ اسمها من معني خبرها.

وهي حرف ناسخ ـ كما قلنا ـ ولكنها لا تعمل إلا بشروط :

١ ـ أن يكون أسمها وخبرها نكرتين ، وذلك أمر طبيعي لأن أسمها لو كان معرفة لكان محددا وخرج بذلك عن دلالته على استغراق الجنس ، أما النكرة فهي التي تفيد الشيوع والعموم وبخاصة في سياق النفي.

فإن كان اسمها معرفة خرجت عن كونها لنفي الجنس وصارت لنفي الواحد ووجب إهمالها وتكرارها :

لا زيد قائم ولا عليّ.

لا : حرف نفي مهمل مبني على السكون لا محل له من الإعراب.

زيد : مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة.

قائم : خبر مرفوع بالضمة الظاهرة.

١٦١

٢ ـ ألا يكون هناك فاصل بينها وبين اسمها ، ويترتب على ذلك أيضا التزام الترتيب بين اسمها وخبرها : فإن تقدم الخبر على الاسم وجب إهمالها وتكرارها :

لا في البيت رجل ولا امرأة.

لا : حرف نفي مهمل مبني على السكون لا محل له من الإعراب.

في البيت : جار ومجرور ، وشبه جملة متعلق بمحذوف خبر مقدم في محل رفع.

رجل : مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة.

فإن تحققت شروط إعمالها عملت عمل (إنّ) ، وكان لها في اسمها حكمان :

١ ـ البناء في محل نصب

٢ ـ النصب.

١ ـ فإن كان اسمها مفردا ، أي ليس مضافا ولا شبيها بالمضاف فإنه يبني على ما ينصب به ، فتقول :

لا رجل في البيت.

اسم لا النافية للجنس مبني علي الفتح في محل نصب ، وشبه الجملة متعلق بمحذوف خبر لا في محل رفع.

لا رجلين في البيت.

اسم لا النافية للجنس مبني على الياء في محل نصب ، وشبه الجملة متعلق بمحذوف خبر لا في محل رفع.

لا مجدين فاشلون.

اسم لا النافية للجنس مبني علي الياء في محل نصب ، وفاشلون خبر لا مرفوع بالواو.

لا مجدات فاشلات.

اسم لا النافية مبني على الكسر في محل نصب ، [ويجوز بناء جمع المؤنث السالم على الفتح هنا]. وفاشلات خبر لا مرفوع بالضمة الظاهرة.

١٦٢

٢ ـ وإن كان مضافا أو شبيها بالمضاف وجب نصبه ، فتقول :

لا بائع صحف موجود.

لا : نافية للجنس ، حرف مبني على السكون لا محل له من الإعراب.

بائع : اسم لا منصوب بالفتحة الظاهرة لأنه مضاف.

صحف : مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة.

موجود : خبر لا مرفوع بالضمة الظاهرة.

لا بائعي صحف موجودون.

اسم لا النافية للجنس منصوب بالياء.

لا بائعات صحف موجودات.

اسم لا النافية للجنس منصوب بالكسرة الظاهرة نيابة عن الفتحة.

لا ذا إيمان ضعيف.

اسم لا النافية للجنس منصوب بالألف.

والشبيه بالمضاف ـ سواء هنا أو في النداء كما سيأتي ـ هو الاسم الذي تأتي بعده كلمة تتمم معناه وتعطيه معني الإضافة ، وذلك بأن يكون ما بعده مرفوعا به ، مثل :

لا كريما خلقه مكروه.

لا : نافية للجنس مبني على السكون لا محل له من الإعراب.

كريما : اسم لا منصوب بالفتحة الظاهرة.

خلقه : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة [وهي فاعل لصيغة المبالغة التي تعمل عمل اسم الفاعل] والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر مضاف إليه.

مكروه : خبر لا مرفوع بالضمة الظاهرة.

(فاسم لا هنا رفع اسما بعده ، ومعني الإضافة فيهما : لا كريم الخلق مكروه).

١٦٣

أو بأن يكون ما بعده منصوبا به ، مثل :

لا بائعا صحفا موجود.

بائعا : اسم لا النافية للجنس منصوب بالفتحة الظاهرة.

صحفا : مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة.

(المفعول به هنا معمول لاسم الفاعل الواقع اسما للا النافية للجنس ، والإضافة بينهما تقديرها : لا بائع صحف موجود). أو بأن يكون بعده جار ومجرور متعلق به ، مثل :

لا مجدّا في عمله فاشل.

مجدا : اسم لا النافية للجنس منصوب بالفتحة الظاهرة.

في عمله : جار ومجرور متعلق ب «مجد».

تنبيه :

تلاحظ أن اسم «لا» النافية للجنس ـ كما في الأمثلة السابقة ـ يمكن أن يكون مفردا أو مثنى أو جمعا :

لا رجل / لا رجلين / لا مجدين / لا مجدات ..

لا بائع صحف / لا بائعي صحف / لا بائعي صحف / لا بائعات صحف ..

هذا ما تورده كتب النحو وبخاصة في عصوره المتأخرة ، وكذلك كتب النحو المدرسية والجامعية ، ونرى أن هذا التقعيد لاسم «لا» يجب أن يراجع على مستوى الاستعمال اللغوي ؛ وذلك أن فكرة نفي «الجنس» تتعارض مع استعمال «المثنى والجمع» لأنهما يفيدان الحصر في اثنين أو فيما يزيد على الاثنين ، و «الجنس» عام «يستغرق» كل أفراده ، وعلى ذلك نرى أن استعمال «لا» النافية للجنس مقصور على كون اسمها مفردا نكرة :

لا أنسان مخلدّ.

أما ما ورد من شواهد في كتب النحو على استعمال اسم «لا» مثنى أو جمعا فإما أنه يرجع إلى طبيعة لغة الشعر ، وإما أنه يدل على فكرة الجنس أيضا ، وذلك كقول الشاعر :

١٦٤

تعزّ ؛ فلا إلفين بالعيش متّعا

ولكن لو رّاد المنون تتابع

فإن كلمة «إلفين» لا تدل على مثنى مثل «طالبين أو رجلين» وإنما تدل على هذا «الجنس» من البشر ؛ إذ لا يتصور «إلف» وحده دون «إلفه» ، فهو إذن استخدم صيغة «المثنى» في الدلالة على «الواحد».

وعلى ذلك نستطيع أن نقرر أن اسم «لا» النافية للجنس مفرد نكرة دائما مبني على الفتح ، أو منصوب بالفتحة حين يكون مضافا أو شبيها بالمضاف ، وهذا يعضده الاستعمال اللغوي في القديم وفي الحديث.

* * *

* إن تكررت لا وكانت صالحة للعمل كان لك في اسم لا المكررة وجوه من الإعراب ، مثل :

لا رجل موجود ولا امرأة.

لك في هذا المثال ثلاثة وجوه :

أ ـ لا رجل موجود ولا امرأة.

ولا : الواو حرف عطف ، لا نافية للجنس.

امرأة : اسم لا النافية للجنس مبني على الفتح في محل نصب ، وخبر لا محذوف تقديره (موجودة).

هذا الوجه على إعمال لا المكررة وبناء الاسم الذي بعدها. ومعنى ذلك أن العطف هنا عطف جملة على جملة ؛ فقد عطفت جملة لا المكررة مع اسمها وخبرها على جملة لا الأولى.

ب ـ لا رجل موجود ولا امرأة.

الواو : حرف عطف.

لا : حرف زائد لتوكيد النفي.

امرأة : معطوف على رجل على المحل ، والمعطوف على المنصوب منصوب. وهذا الوجه على جعل لا زائدة لا عمل لها ، مع عطف الاسم الذي بعدها على محل اسم لا الأولى ، ولما كان محله النصب نصبت هذا المعطوف أيضا ، ومعني ذلك أن العطف هنا عطف مفرد على مفرد.

١٦٥

ج ـ لا رجل موجود ولا امرأة.

الواو : حرف عطف.

لا : حرف زائد لتوكيد النفي.

امرأة : مبتدأ مرفوع بالضمة الظاهرة ، وخبره محذوف تقديره (موجودة).

وهذا الوجه أيضا على جعل لا زائدة لا محل لها ، ورفع الاسم الذي بعدهم على الابتداء والخبر محذوف ، ومعنى ذلك أن العطف هنا عطف جملة على جملة.

ويجوز ذلك في حالة الرفع هذه أن تعرب (امرأة) معطوفا على محل لا واسمها لأن محلهما هو المبتدأ المستحق للرفع.

إذا كان اسم لا مبنيا وكان منعوتا كان لك في نعته المفرد وجوه ، مثل :

لا طالب مجدّ فاشل.

فلك في كلمة مجد ثلاثة وجوه.

أ ـ لا طالب مجدّ فاشل.

أي بالبناء على الفتح ، وهم يعللون ذلك بأن النعت قد تركب مع منعوته تركيب الأعداد المزجية التي تحدثنا عنها في البناء ثم دخلت عليها لا. وتعربه على النحو التالي :

لا : نافية للجنس حرف مبني على السكون لا محل له من الإعراب.

طالب : اسم لا مبني على الفتح في محل نصب.

مجدّ : نعت مبني على الفتح لتركيبه مع منعوته تركيب خمسة عشر.

فاشل : خبر لا مرفوع بالضمة الظاهرة.

ب ـ لا طالب مجدّا فاشل.

أي بنصب النعت على اعتبار أنه يتبع منعوته على المحل ، ومحل المنعوت هو النصب.

١٦٦

ج ـ لا طالب مجد فاشل.

أي برفع النعت على اعتبار أنه يتبع محل لا مع اسمها ومحلهما المبتدأ كما هو معروف.

فإن كان المنعوت معربا ـ أي مضافا أو شبيها بالمضاف ، امتنع بناء النعت على الفتح ، وجاز الوجهان الآخران ؛ أي النصب والرفع ، مثل :

لا طالب علم مجدّا فاشل.

فاسم لا هنا مضاف أي أنه منصوب ، ونعته (مجد) منصوب أيضا لأن نعت المنصوب منصوب.

لا طالب علم مجد فاشل.

والرفع في النعت هنا على اعتبار محل لا مع اسمها ومحلهما المبتدأ كما سبق.

وكذلك إن كان النعت نفسه غير مفرد امتنع بناؤه وجاز نصبه ورفعه ، مثل :

لا طالب كريم الخلق فاشل.

بنصب النعت على الأصل ، ورفعه على اعتبار محل لا مع اسمها.

والذي أوجب امتناع البناء في النعت في المثالين السابقين أنهم قالوا إن البناء في اسم (لا) يرجع إلى أن (لا) تركب مع اسمها تركيب خمسة عشر وفى حالة بناء النعت المفرد مع اسم (لا) المفرد تصوروا أن النعت والمنعوت ركبا تركيب خمسة عشر ثم دخلت عليهما لا ، أما في حالة وجود اسم (لا) غير مفرد ، أو نعت غير مفرد فإن معنى ذلك وجود أكثر من كلمتين فلا يصح تركيبها تركيب خمسة عشر ومن ثم يمتنع بناء النعت.

* يكثر حذف خبر لا النافية للجنس إن كان معلوما ، كأن تقول :

هو ناجح لا شكّ.

لا : نافية للجنس ، حرف مبني على السكون لا محل له من الإعراب.

١٦٧

شكّ : اسم لا مبني على الفتح في محل نصب.

وخبر لا محذوف ، ونقدير الجملة (لا شك في ذلك).

ومن ذلك أن تقول للمريض : لا بأس.

أي لا بأس عليك.

ومن حذف الخبر قولنا :

لا إله إلا الله.

ولك في الاسم الذي بعد إلا هنا وجوه على النحو التالي :

لا : نافية للجنس حرف مبني على السكون لا محل له من الإعراب.

إله : اسم لا مبني على الفتح في محل نصب.

وخبر لا محذوف تقديره (موجود).

إلا : حرف استثناء مبني على السكون لا محل له من الإعراب.

الله : لفظ الجلالة.

١ ـ مرفوع بالضمة الظاهرة لأنه بدل من محل لا مع اسمها.

٢ ـ مرفوع بالضمة الظاهرة لأنه بدل من الضمير المستتر في الخبر المحذوف (وتقدير الكلام : لا إله موجود (هو) إلا الله).

٣ ـ مستثنى منصوب بالفتحة الظاهرة.

* يكثر في العربية استعمال تعبير (لا سيما) وهو مكون من ثلاثة كلمات :

لا+ سيّ+ ما

وهذا التعبير يستعمل إذا كان هناك شيئان مشتركان في شيء واحد ، وما بعدها أكثر قدرا مما قبلها ، فأنت تقول :

أحب الكتب ولا سيما كتب الأدب.

أنت تعني بهذه الجملة أنك تحب الكتب على وجه العموم ، ولكن حبك لكتب الأدب أقوى.

١٦٨

والذي يهمنا الآن هو موقع الاسم الذي بعدها.

لك في هذا الاسم ثلاثة أوجه : الرفع والنصب والجر ، فتقول :

أ ـ أحب الكتب ولا سيما كتب الأدب.

أحب : فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة. والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا.

الكتب : مفعول به منصوب بالفتحة الظاهرة.

الواو : للاستئناف ، حرف مبني على الفتح لا محل له من الإعراب.

لا : النافية للجنس ، حرف مبني على السكون لا محل له من الإعراب.

سي : اسم منصوب بالفتحة الظاهرة لأنه مضاف وخبر لا محذوف تقديره موجود.

ما : اسم موصول مبني على السكون في محل جر مضاف إليه.

كتب : خبر لمبتدأ محذوف وجوبا تقديره هو. والجملة من المبتدأ وخبره لا محل لها من الإعراب صلة الموصول.

الأدب : مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة.

(ويمكنك أن تعرب (ما) هنا نكرة بمعني شئ فتكون الجملة الأسمية بعدها في محل جر صفة لما) فأنت تعرب الاسم الذي بعدها هنا مرفوعا لأن (ما) اسم موصول يحتاج لصلة ، وهي هنا جملة أسمية ، أو لأن (ما) نكرة والجملة بعدها صفة ، سيّ معناها (مثل) والشائع في العربية استخدامها على صيغة المثنى : سيّ+ سي ـ سيّان ؛ فكأن تقدير الجملة : أحب الكتب لا مثل الذي هو كتب الأدب.

د ـ أحب الكتب ولا سيما كتب الأدب.

لا : نافية للجنس ، حرف مبني على السكون لا محل له من الإعراب.

سي : اسم لا مبني على الفتح في محل نصب ، لأنه غير مضاف ولا شبيه بالمضاف ، وخبر لا محذوف تقديره موجود.

١٦٩

ما : حرف زائد مبني على السكون لا محل له من الإعراب.

كتب : مفعول به لفعل محذوف تقديره أعني أو أخص.

الأدب : مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة.

وهذا الإعراب على أن (سي) مفردة أي غير مضافة ولا شبيهة بالمضاف ، وتقدير الكلام : أحب الكتب ولا مثلما أخصّ كتب الأدب. هذا إن كان ما بعد (لا سيما) معرفة ، أما إن كان بعدها نكرة فإعرابه على التمييز.

ويري ابن هشام أن حالة نصب الاسم الذي بعد (لا سيما) إنما ترجع إلى أنه مستثنى لأن «لا سيما» بمعنى إلا ، مثل أحب الناس ولا سيما صديقا.

ج ـ أحب الكتب ولا سيما كتب الأدب.

لا : نافية للجنس ، حرف مبني على السكون لا محل له من الإعراب.

سي : اسم لا منصوب بالفتحة الظاهرة لأنه مضاف.

ما : حرف زائد مبني على السكون لا محل له من الإعراب.

كتب : مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة.

الأدب : مضاف إليه مجرور بالكسرة الظاهرة.

وهذا الوجه أيسرها وأقربها إلى معنى الجملة لأن تقدير الكلام هو : أحب الكتب ولا مثل كتب الأدب.

* * *

تدريب :

١ ـ (لا حول ولا قوة إلا بالله.)

٢ ـ (لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ.)

٣ ـ (لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ.)

١٧٠

٤ ـ (قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ.)

٥ ـ (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ.)

٦ ـ (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ.)

٧ ـ (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ.)

٨ ـ (وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ).

* * *

١٧١
١٧٢

الفصل الثاني

الجملة الفعلية

الجملة الفعلية هي النوع الثاني من الجمل في اللغة العربية ، وهي التي تبدأ ـ كما قلنا ـ بفعل غير ناقص. وحيث إن الفعل لا بد أن يكون تاما ، والفعل يدل على حدث ، فإنه لا بد له من محدث يحدثه ، أي لا بد له من فاعل. فالجملة الفعلية لها ركنان أساسيان هما الفعل والفاعل ، وفي التطبيق النحوي لا بد أن تبحث عن الفاعل إن وجدت فعلا.

١ ـ الفاعل

الفاعل هو الذي يفعل الفعل ، وحكمه في العربية الرفع ، وهو لا يكون جملة (١) ، بل لا بد أن يكون كلمة واحدة ، وهذه الكلمة إما أن تكون اسما صريحا أو مصدرا مؤولا ، فتقول : قام زيد.

قام : فعل ماض مبني على الفتح.

زيد : فاعل مرفوع بالضمة.

يسعدني أن تزورني.

يسعدني : فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة والنون للوقاية حرف مبني على الكسر لا محل له من الإعراب ، والياء ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به.

__________________

(١) هذا ما يقوله النحاه ، والواقع أن هناك تراكيب كثيرة يمكن أن تقع الجملة فيها فاعلا من مثل :

بلغني كيف استطاع أن ينجو من هذه الأزمة.

فجملة «كيف استطاع أن ينجو» في محل رفع فاعل للفعل «بلغني» وقد اضطر النحاة أن يؤولوا جملا قرآنية فيها الفاعل جملة تأويلا بعيدا عن روح اللغة. هذا «والجملة الفاعل ـ neS tcejbuS ecnet» من الظواهر المنتشرة في اللغات.

١٧٣

أن : حرف مصدري ونصب.

تزورني : فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة والفاعل مستتر وجوبا تقديره أنت والنون للوقاية ، والياء مفعول به.

والمصدر المؤول من أن والفعل في محل رفع فاعل.

وتقدير الجملة : تسعدني زيارتك.

أعجبني ما فعلت.

ما : حرف مصدري.

فعلت : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير رفع متحرك ، والتاء فاعل.

والمصدر المؤول من الفعل والفاعل في محل رفع فاعل.

وتقدير الجملة : أعجبني فعلك.

أسعدني أنك ناجح.

أنك : حرف توكيد ونصب ، والكاف ضمير متصل مبني على الفتح في محل نصب اسم أن.

ناجح : خبر أن مرفوع بالضمة الظاهرة.

والمصدر المؤول من أن ومعموليها في محل رفع فاعل.

وتقدير الجملة : أعجبني نجاحك.

ويكثر استعمال الفاعل مصدرا مؤولا بعد (يمكن) و (يجوز) و (يجب) و (ينبغي) ، فتقول :

يمكنك أن تذهب الآن.

فاعل

يجوز أن يحضر اليوم.

فاعل

١٧٤

يجب أن تذاكر لتنجح.

فاعل

ينبغي ألا تتدخل فيما لا يعنيك.

ينبغي : فعل مضارع مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها الثقل.

ألا : مكونة من أن+ لا ، أن حرف مصدري ونصب مبني على السكون لا محل له من الإعراب ، لا حرف نفي مبني على السكون لا محل له من الإعراب.

تتدخل : فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة ، وفاعله ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت.

والمصدر المؤول من أن والفعل في محل رفع فاعل.

وتقدير الجملة : ينبغي عدم تدخلك فيما لا يعنيك.

* والفاعل حكمه الرفع كما قلنا ، وقد يسبقه حرف جر زائد فيكون مرفوعا بعلامة مقدرة ، والأكثر أن الحروف التي تزاد قبله هي (من) و (الباء) و (اللام) ، مثل :

لم يبق في المكان من أحد.

من : حرف جر زائد مبني على السكون لا محل له من الإعراب.

أحد : فاعل مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد.

كفي بالله شهيدا.

الباء : حرف جر زائد مبني على الكسر لا محل له من الإعراب.

الله : لفظ الجلالة فاعل مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد.

هيهات لنجاح المهمل.

اللام. حرف جر زائد مبني على الكسر لا محل له من الإعراب.

١٧٥

نجاح : فاعل مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد.

ويجب زيادة الباء مع الفاعل في صيغة التعجب التي على وزن (أفعل به) فتقول :

أكرم بالعربيّ.

أكرم : فعل ماض جاء على صيغة الأمر ، مبني على السكون.

بالعربي : الباء حرف جر زائد مبني على الكسر لا محل له من الإعراب والعربي فاعل مرفوع بضمة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد.

* من أحكام الفاعل أنه لا يحذف ، بل يستتر جوازا أو وجوبا على النحو الذي بيناه في الضمير المستتر والضمير البارز ، ومع ذلك فقد يحذف الفاعل وجوبا لعارض طرأ على الفعل ، وذلك في حالة واحدة ، هي أن يكون الفعل مضارعا مسندا إلى واو الجماعة أو ياء المخاطبة وقد لحقته نون التوكيد ، فتقول :

لتنجحنّ أيها المجدون.

فأصل الفعل : لتنجحون+ ن.

حذفت نون الفعل ، فالتقى ساكنان ، واو الجماعة ، والنون الأولى من حرف التوكيد ، فحذفت الواو التي هي الفاعل.

وكذلك : لتنجحن أيتها المجدة (١).

* وإذا كان الخبر يتعدد على ما بينا ، فإن الفاعل لا يتعدد ، فإن قلت قام زيد وعمرو وعلي ومحمد.

أعرب (زيد) فاعلا ، وأعربت الأسماء الأخري معطوفة عليه.

__________________

(١) نظر الفعل المضارع المبني ص ٣٧.

١٧٦

* الفعل هو العامل في الفاعل ، فعامله إذن عامل لفظي على عكس المبتدأ فعامله عامل معنوي أو غير لفظي ، هناك كلمات أخرى تعمل في الفاعل ، هي :

١ ـ اسم الفعل ، مثل

صه.

صه : اسم فعل أمر مبني على السكون لا محل له من الإعراب ، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنت.

هيهات النجاح مع الإهمال.

هيهات : اسم فعل ماض مبني على الفتح لا محل له من الإعراب.

النجاح : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة.

أوّه.

أوّه : اسم فعل مضارع مبني على السكون لا محل له من الإعراب ، والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا.

٢ ـ اسم الفاعل ، مثل :

هذا رجل مجدّ ابنه.

ابنه : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة. (والعامل فيه هو اسم الفاعل مجد).

٣ ـ صيغ المبالغة ، مثل :

هذا رجل كريم خلقه.

خلقه : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة (والعامل فيه صيغة المبالغة : كريم).

٤ ـ الصفة المشبهة ، مثل :

هذا طالب حسن عمله.

١٧٧

عمله : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة. (والعامل فيه الصفة المشبهة : حسن).

٥ ـ الأسماء الجامدة التي تؤول بمشتق مثل الأعداد في قوله :

هذا رجل عشرة أبناؤه.

أبناؤه : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة. (والعامل فيه كلمة عشرة ، وتقدير الجملة : هذا رجل بالغ أبناؤه عشرة).

* هناك أفعال يرى النحاة أنها لا تحتاج إلى فاعل ، وهي تلك الأفعال التي تلحقها (ما) الكافة ، مثل :

قلّما يصدق الكذوب.

قل : فعل ماض مبني على الفتح ،

ما : حرف كاف مبني على السكون لا محل له من الإعراب.

طالما ساعد أصدقاءه.

طال : فعل ماض مبني على الفتح.

ما : حرف كاف مبني على السكون لا محل له من الإعراب.

والوجه الأحسن الذي يساير القاعدة النحوية ، أن تعرب ما مصدرية ، فتقول :

قلّ : فعل ماض مبني على الفتح.

ما : حرف مصدري مبني على السكون لا محل له من الإعراب.

يصدق : فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة. والكذوب فاعله.

والمصدر المؤول من ما والفعل في محل رفع فاعل. والتقدير :

قلّ صدق الكذوب.

* من أحكام الفاعل مع فعله وجوب التزام الترتيب بينهما ، فلابد من تقدم الفعل على الفاعل ، لأنه إذا تقدم الفاعل على الفعل صار مبتدأ والجملة الفعلية خبره.

١٧٨

تنبيه :

هناك انتقادات حديثة كثيرة على هذه المسألة ؛ إذ يرى بعضهم أنه لا فرق بين :

كتب زيد.

وزيد كتب.

ويرون أن الفاعل «زيد» في الجملتين. لكن القدماء يرفضون ذلك لسببين :

١ ـ أنه إذا كان الفاعل غير مفرد ظهر في الفعل ، مثل :

الزيدان كتبا.

الزيدان كتبوا.

البنات كتبن.

أي أن الفعل المتأخر له فاعل هو الضمير «الألف والواو والنون هنا» والجملة خبر.

٢ ـ أن هناك فرق في المعني بين الجملتين : فجملة «كتب زيد» تخبرنا عن الحدث «كتب» وليس عن حدث آخر ، أي أن زيدا كتب ، وليس : قرأ أو أكل أو شرب. أما الجملة الثانية «زيد كتب» فتخبرنا عن الذي «كتب» ، وهو زيد ، فالكتابة قد حدثت فعلا ، وقد صدرت هنا عن زيد وليس عن عمرو لا عن علي مثلا.

* ومن أحكام الفعل أيضا أنه يكون مفردا بمعنى أنه لا تلحقه علامات التثنية أو الجمع ، فتقول :

جاء الطالب. جاء الطالبان.

جاء الطلاب. جاءت الطالبات.

إلا أن هناك لهجة عربية فصيحة تلحق الفعل علامات التثنية والجمع وهي اللهجة المعروفة بلغة : أكلوني البراغيث. وفي التطبيق النحوي لا نعربها ضمائر ، بل نعربها حروفا مثل :

١٧٩

جاءوا الأولاد.

جاءوا : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. والواو حرف دال على الجماعة مبني على السكون لا محل له من الإعراب.

الأولاد : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة.

جاءا الولدان.

جاءا : فعل ماض مبني على الفتح ، والألف حرف دال على الاثنين مبني على السكون لا محل له من الإعراب.

كتبن الطالبات.

كتبن : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنون النسوة ، والنون حرف دال على جمع الإناث مبني على الفتح لا محل له من الإعراب.

* قلنا أن الفاعل لا يحذف ، ولكن عامله قد يحذف ، جوازا ووجوبا.

أ ـ فيحذف جوازا إن دل عليه دليل مقالي ، كأن يكون في إجابة عن سؤال ، مثل :

من حضر اليوم؟ ـ عليّ

عليّ : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة ، وفعله محذوف جوازا تقديره حضر.

ب ـ ويحذف وجوبا إن دخلت على الاسم كلمة لا تدخل إلا على جملة فعلية وكان هناك فعل يفسر الفعل المحذوف ، مثل :

إن عليّ حضر فأكرمه.

إن : حرف شرط مبني على السكون لا محل له من الإعراب.

عليّ : فاعل مرفوع بالضمة الظاهرة ، والفعل محذوف وجوبا يفسره الفعل الموجود.

(والنحويون يرون أن الفعل محذوف هنا وجوبا لأن حرف «إن» لا يدخل إلا على جملة فعلية ، أي يشترط وجود فعل بعده ، ثم إن هناك فعلا مفسرا له هو (حضر) كأنه عوض عن الفعل المحذوف وهم لا يجمعون بين العوض والمعوض عنه.)

١٨٠