مطارحات في الفكر والعقيدة

مطارحات في الفكر والعقيدة

المؤلف:


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الرسالة
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-046-3
الصفحات: ١٦٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

أُسنِدت إلى الوجوه ، لا إلى العيون ولا إلى الأبصار المنفيّة بآية صريحة اُخرى ، كما أنَّ الآية الكريمة وما بعدها تتحدثان عن صنفين من الناس يوم القيامة :

صنف فرح مسرور ينتظر رحمة الله تعالى ، وهم المؤمنون ، وصنف آخر ينتظر العذاب المهين ، وهم ممن استحق العذاب. ألا ترى قوله تعالى بعد ذلك ( وَوُجُوهٌ يَومَئذ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أنْ يُفعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ) (١) عبوسة تعلم أنّه سيفعل بها ما يقصم الظهر.

فالمزاوجة بين حال هذه الوجوه وتلك يعلم منها أنَّ المقام مقام انتظار لا نظر.

انتظار من رضي الله تعالى عنه لرحمة ربه.

وانتظار من سخط الله تعالى عليه لنقمته.

ومن ظريف ما وقع في عهد أمير المؤمنين عليه‌السلام ، أنَّ زنديقاً سأل الإمام ( صلوات الله تعالى وسلامه عليه ) قائلاً : أجد الله يقول : ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرةٌ * إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) وأجده يقول : ( لا تُدْرِكُهُ الأبصار وَهُوَ يُدْرِكُ الأبصار ) فقال عليه‌السلام : « إنَّ المؤمنين يؤمرون بدخول الجنّة ، فمن هذا المقام ينظرون إلى ربهم كيف يثيبهم ، أي : النظر إلى ما وعدهم ـ عزّ وجلّ ـ فذلك قوله تعالى : ( إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ). والناظرة : المنتظرة.

ثم قال عليه‌السلام : ألَمْ تسمع قوله تعالى : ( فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ المُرْسَلُونَ ) (٢)

__________________

(١) القيامة ٧٥ : ٢٤ ـ ٢٥.

(٢) النمل ٢٧ : ٣٥.

٢١

أي : منتظرة » (١). وهذا من روائع الاستدلال.

وكم يعجبني قول ابن رشد في فصل المقال ، قال : « إنّ ما من منطوق في الشرع مخالف في ظاهره لما أدّى إليه البرهان ، إلاّ إذا اعتُبر وتصفحت سائر أجزائه ، وُجد في ألفاظ الشّرع ما يشهد بظاهره لذلك التأويل أو يقارب أن يشهد » (٢).

وتتأكد صحة قول ابن رشد من خلال تتبع الآيات المتشابهة في تفسير أهل البيت عليهم‌السلام التي تدل بظاهرها على التشبيه أو التجسيم ونحوهما. فإنَّ الأصل في تفسيرها ردّها إلى المحكم كقوله تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ ) (٣).

وفي ذلك يقول ابن خلدون : « إنّ الآي القليلة التي توهم التشبيه اتّبعها مبتدعة العصر ، وتوغلوا في التشبيه فوقعوا في التجسيم الصريح ومخالفة آي التنزيه المطلق التي هي أكثر مواردَ وأوضح دلالةً » (٤).

وعلى الرغم من ذلك تجد من يتعصب لتلك الآراء الفاسدة والمعتقدات الباطلة التي ليس لها نصيب من واقع الدين ، ويدافع عنها الأتباع في كل عصر وجيل ؛ لأنهم كما وصفهم أمير المؤمنين عليه‌السلام : « همجٌ رعاع ، أتباع كلّ ناعق ، يميلون مع كلِّ ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم

__________________

(١) بحار الانوار ٩٠ : ٩٨.

(٢) فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال ، لابن رشد : ٣٣.

(٣) الشورى ٤٢ : ١١.

(٤) مقدمة ابن خلدون : ٤٦٣.

٢٢

يلجؤوا إلى ركن وثيق » (١).

وكيف لا ؟ وهم لم يفرقوا بين قول الأولياء وقول الأشقياء ؛ لابتعادهم عن أهل بيت الوحي ومعدن الرسالة ، ومهبط التنزيل ، ولهذا قال أمير المؤمنين ـ كما مرَّ في خُطْبَتِهِ عليه‌السلام ـ : « فهنالك استحوذ الشيطان على أوليائه ».

وأما العارفون بالله ( عزّ وجلّ ) بعين الحقيقة ، والسالكون إليه بنور البصيرة من أهل الإسلام ، فهم العلماء الربّانيون الذين عرفوا الحقَّ فاتّبعوه ، ولم ينازعوا فيه أهله ، والراجعون إليهم بعدما اختلط الحابل بالنابل ، والآخذون عنهم بعدما امتزج الحق بالباطل.

اُولئك هم المؤمنون حقاً الذين سبقت لهم العناية بالحُسنى ؛ لاقتدائهم بمن خلف فيهم النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رايةَ الحقِّ ، من تقدّمهاها مَرَقَ ، ومن تخلَّف عنها زَهَقَ ، ومن لَزِمَها لَحِقَ.

وكيف لا ؟ وقد هَجَمَ بِهِمُ العْلِمُ على حقيقةِ البصيرةِ ، وباشروا روحَ اليقينِ ، واستلانوا ما اسْتَوْعَرَهُ المترفون ، وأنِسُوا بما استَوْحَش منه الجَاهِلُونَ ، وَصَحِبُوا الدُّنْيا ـ بعد طلاقها ثلاثاً ـ بأبدانٍ أرواحُها معلَّقةٌ بالمحلِّ الأعلى.

__________________

(١) نهج البلاغة ، قصار الحكم : ١٤٧.

٢٣
٢٤

٢٥

٢٦

المبحث الأول

قضيّة النصّ والمنهج النبوي في ترسيخه

مقدمة

إنَّ تثبيت أحقية الإمام عليّ عليه‌السلام والنصّ عليه التي قام بها النبي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإعدادهِ الاَُمّة وتثقيفها وتوعيتها بذلك ، قد تمّت وفق منهج دقيق ومحكم ، تضافرت الروايات والوقائع التاريخية المؤكدّة على نقله.

ولقد كانت عملية تثبيت النصّ وترسيخه في أحقية الإمام عليّ عليه‌السلام بالخلافة تسير في خطين متوازيين ومتكاملين ، وهما إعداد الإمام عليّ عليه‌السلام للخلافة ، وإعداد الاَُمّة لتقبلها في آن واحدٍ. فبينما نجدُ الرسول القائد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتعهد الإمام عليّاً عليه‌السلام ـ برعايةٍ خاصة ـ وفق برنامج دقيق ويومي متواصل ، نجده صلوات الله عليه يتولّى تهيئة ذهنية الاَُمّة المسلمة ، وتربيتها فكرياً وعقائدياً لترسيخ النصّ على خلافة الإمام عليّ عليه‌السلام ، وتأكيد أهليته لقيادة المسيرة الإسلامية بعده مباشرةً. وقد كان تدخّل الوحي المباشر في كثير من الموارد والمناسبات ـ كما سيأتي ـ يجري في هذا الاتجاه.

لقد كانت آيات من القرآن تنزل دائماً تحمل الإشادة بفضل الإمام عليّ عليه‌السلام تارةً ، وتشير إلى خصائصه تارةً ، وتشخّصه دون غيره إلى أن

٢٧

يصل الأمر إلى تعليق إكمال تبليغ الرسالة على الاعلان عن ولايته ، والتصريح بها للاَُمة ـ كما سيأتي البيان ـ.

وهذا ما سنحاول استيضاحه وتوثيقه ، ولذا سنوزّع المبحث على مطلبين نتناول في المطلب الأول المنهج النبوي في إعداد الإمام عليّ عليه‌السلام للخلافة ، ونعرض في المطلب الثاني مسألة إعداد الاُمّة وتهيئتها لخلافة الإمام عليّ عليه‌السلام.

٢٨

المطلب الأول

الإعداد الفكري والتربوي

للإمام عليّ عليه‌السلام وتثبيت أحقيّته بالخلافة

نستطيع القول بكلِّ تأكيد : إنَّ الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قد قامَ بعملية الإعداد الرسالي « التربوي والفكري » للإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام والنصّ عليه منذ صدع بالوحي ، وكان صلوات الله عليه يضع الخطوات العملية من أجل بلوغ الغاية المتوخاة من ذلك ، وهي تولي الإمام عليّ عليه‌السلام للمهمة القيادية « الاجتماعية والسياسية » بعده مباشرةً. ويظهر لنا من سير الأحداث ، وما تناقلته كتبُ السيرة والتواريخ ، وما نقله الرواة الثقاة ، أنَّ ذلك تمَّ بمرحلتين ، وهما :

المرحلة الأولى : ابتدأ تاريخ هذه المرحلة ـ باتفاق كتب السيرة والتاريخ ـ قبل بزوغ شمس الإسلام ثم اتصلت بفجره المبارك إلى أن اتصلت بالمرحلة الثانية والتحمت معها.

فقد تعهد الرسول القائد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه بكفالة الإمام عليّ عليه‌السلام منذ صغره ، وتولي تربيته ورعايته ، والحرص البالغ على أن لا يفارقه إلاّ لضرورة.

وهذا من أوضح ما تزخر به سيرته الشريفة (١) ويكفي أن نوردَ ما بيّنه

__________________

(١) السيرة النبويّة ، لابن هشام ١ : ٢٤٦.

٢٩

الإمام عليّ عليه‌السلام نفسه في خطبته الشهيرة بالقاصعة إذ يقول : « وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقرابة القريبة ، والمنزلة الخصيصة ، وضعني في حِجره وأنا وَلدٌ ، يضمّني إلى صدره ، ويكنفني في فراشه ، ويُمسُني جسده ، ويُشِمني عَرْفَه. وكان يمضغ الشيء ثم يُلقمنيه ، وما وَجَدَ لي كذبةً في قولٍ ، ولا خطلةً في فعل ... ولقد كنتُ أتّبعهُ اتّباعَ الفصيل اثرَ اُمِه ، يرفع لي في كلِّ يومٍ من أخلاقه عَلَماً ، ويأمرني بالاقتداء به ، ولقد كان يجاورُ في كلِّ سنةٍ بحراء فأراه ولا يراه غيري. ولم يجمع بيتٌ واحد يومئذ في الإسلام غيرَ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخديجةَ وأنا ثالثُهما ، أرى نور الوحي والرسالة وأشمُ ريح النبوة ... » (١).

إنَّ هذه الصورة التي ينقلها لنا الإمام عليّ عليه‌السلام نفسه عن كيفية وطريقة التعامل التي كان يتبعها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معه ، تكشف لنا عن حقيقة وأبعاد الهدف الأعظم من ذلك.

الرعاية النبوية الخاصة للإمام عليّ عليه‌السلام :

إنَّ هذه التربية المخصوصة للإمام عليّ عليه‌السلام ، والرعاية الفائقة ، والحرص على أن يكون الإمام عليّ عليه‌السلام قريباً جداً من أنوار الوحي ، وأن يكون متعرضاً لنفحات النبوة ، وأن يكون ثالث ثلاثة في بيت الرسول القائد حيثُ مهبط الوحي ، إنّما لكي يتلقّى الإمام عليّ عليه‌السلام في هذا المكان المشرّف الدروس الأولى ، والتوجيهات النبوية المباشرة ، فينعكس ذلك على تكوينه الفكري والعقيدي «فلا يسجد لصنم قط» (٢) ولا يخالط عقله

__________________

(١) نهج البلاغة ، ضبط الدكتور صبحي الصالح : ٣٠٠ ـ ٣٠١ خطبة ١٩٢.

(٢) مناقب أمير المؤمنين ٢ : ٥٤٠ / ١٠٤٥ عن أبي سعيد الخدري. والروض الآنف ، للسهيلي ٣

٣٠

لحظة شرك ، وينعكس على سلوكه « فلا كذبة في قول ، ولا خطلة في فعل .. ». وهذا يكشفُ عن إعدادٍ تربوي خاص بلا أدنى شك مع اننا نعتقد اعتقاداً جازماً بكون الإمام عليّ وذريته الطاهرة عليهم‌السلام معصومين بمقتضى آية التطهير وحديث الثقلين.

ومما يلاحظ في هذا الصدد أنّ تعهد الرسول القائد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للإمام عليّ عليه‌السلام بالرعاية والعناية الخاصتين لم يقتصر على فترة الطفولة والصبا ، ولم يتوقف عند مرحلةٍ معينة ، لأننا نجدُ أنّ الرسول القائد كان حريصاً على أن يكون الإمام عليّ عليه‌السلام إلى جانبه دائماً لا يفارقه ليلاً ولا نهاراً ، كما ورد عن الإمام عليّ عليه‌السلام قال : « كان لي مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مدخلان ، مدخل بالليل ، ومدخل بالنهار .. » (١) بل نجد الرسول القائد لا يفارق الإمام عليّ عليه‌السلام ولايتركه إلاّ لضرورةٍ تتصل بحفظ حياة الرسول نفسه ، أو بحفظ الدعوة الإسلامية وحمايتها من أخطار محتملة.

ونذكر على كلِّ موردٍ مثالاً واحداً ، لتأكيد المطلب.

أ ـ المورد الأول : وهو ما يتصل بحفظ حياة الرسول القائد نفسه ، وذلك عندما تركَ رسولُ الله الإمام عليّ عليه‌السلام ليبيت في فراشه ليلة هجرته (٢) المباركة إلى المدينة ، إيهاماً لقريش المترصدين ، وإنجاءً لنفسه صلوات الله عليه وآله وسلّم من مؤامرتهم لقتله (٣). وقد نزل في ذلك قوله تعالى :

__________________

: ١٦ وفيه : أول من صلّى عليّ ، وقال في هامشه : وإليه ذهب سلمان وخباب وجابر وأبو سعيد كذا في الطبراني.

(١) السنن الكبرى ، للنسائي ٥ : ١٤١ / ٨٥٠٢ ، كتاب الخصائص.

(٢) سيرة ابن هشام ٢ : ٩٥.

(٣) المصدر السابق.

٣١

( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْري نَفْسَهُ ابتِغآءَ مَرْضَاتِ اللهِ .. ) (١) كما صرّح الفخر الرازي(٢).

ب ـ المورد الثاني : وهو ما يتصل بحفظ الرسالة وحمايتها ؛ وذلك عندما أراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يخرج إلى بعض مغازيه ـ قيل تبوك ـ ترك الإمام عليّ عليه‌السلام في المدينة خليفةً (٣) عنه ، لأنّ ابن أُبيّ بن سلول رأس المنافقين كان قد تخلّف في المدينة ، فاقتضى الموقف أن يُترك الإمام عليّ عليه‌السلام لمواجهة أي تطور غير محسوب قد يهدد دولة الرسول القائد في المدينة ، قال الطبري : « إنّه لما سارَ رسول الله ـ إلى تبوك ـ تخلّف عنه ابن أُبيّ فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب ـ وكان عبدالله بن أُبيّ أخا بني عوف ابن الخزرج ـ وعبدالله بن نَبْتَل أخا بني عمرو بن عوف ، ورفاعة بن زيد بن التابوت أخا بني قينقاع ، وكانوا ـ أي المذكورون ـ من عظماء المنافقين ، وكانوا ممن يكيد الإسلامَ وأهله.

ـ قال الطبري ـ وفيهم ـ فيما حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة عن ابن اسحاق ، عن عمرو بن عبيد عن الحسن البصري ـ أنزل الله تعالى : ( لَقَدِ ابتَغَواْ الفِتْنَةَ مِن قَبلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الاَُمورَ .. ) (٤) ... وهنا أدرك المنافقون أنَّ بقاء عليّ في المدينة سيفوّت الفرصة عليهم ـ قال الطبري في تتمة الخبر ـ فأرجف المنافقون بعليٍّ بن أبي طالب ، وقالوا : ما خلّفه إلاّ استثقالاً له وتخففاً منه. فلما قال ذلك المنافقون ، أخذ عليٌّ سلاحه ثم

__________________

(١) البقرة ٢ : ٢٠٧.

(٢) التفسير الكبير ٥ : ٢٠٤.

(٣) سنن الترمذي ٥ : ٥٩٦.

(٤) التوبة ٩ : ٤٨.

٣٢

خرج حتى أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو بالجُرف ـ موضع على مسافة من المدينة ـ فقال : « يا نبي الله ؛ زعم المنافقون أنّك إنما خلفتني أنّك استثقلتني وتخففت مني » ! فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « كذبوا ، ولكني إنما خلفتك لما ورائي ... أفلا ترضى أن تكون مني ـ يا عليّ ـ بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبيَّ بعدي » ! فرجع عليٌّ إلى المدينة ومضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على سفره » (١).

وقد نقل البخاري (٢) ومسلم (٣) المنزلة هذا ، وفي الرواية عن سعد بن أبي وقاص : قال : « خلّف رسولُ الله عليّاً ـ في بعض مغازيه ـ في المدينة ، فقال عليٌّ : « يا رسول الله قد خلفتني مع النساء والصبيان » ؛ فسمعت رسول الله يقول : « أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبوةَ بعدي » (٤).

ومن الاَُمور الملفتة للنظر أن الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعبّرُ عن تلهفه وهواجسه عندما يغيب الإمام عليّ عليه‌السلام عنه ، ويتطلع إلى رؤيته والاطمئنان عليه ، فعن أمّ عطية على ما أخرجه ابن كثير (٥) وحسنه ، قالت : بعثَ النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جيشاً ، وفيهم عليٌّ. قالت : فسمعتُ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « اللّهم لا تمتني حتى تريني عليّاً » (٦).

__________________

(١) تاريخ الطبري ٢ : ١٨٢ ـ ١٨٣. والبداية والنهاية ، لابن كثير ٧ : ٣٤٠ وما بعدها.

(٢) التاج الجامع للأصول ، للشيخ منصور عليّ ناصف ٣ : ٣٣٢. قال : رواه الشيخان والترمذي.

(٣) صحيح مسلم ٤ : ١٨٧٣.

(٤) سنن الترمذي ٥ : ٥٩٦.

(٥) البداية والنهاية ، لابن كثير ٧ : ٣٥٧.

(٦) التاج الجامع للاُصول في أحاديث الرسول ، للشيخ منصور عليّ ناصف ٣ : ٣٣٤.

٣٣

ويصلُ الأمر أحياناً إلى أنَّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما يُخصُّ بأكلةٍ لا يطيق أن يأكلها لوحده ، ثم هو لا يكتفي بأن يدعو الله إلى أن يشاركه الإمام عليّ عليه‌السلام بتلك الأكلة ، بل يجعلها مناسبةً لبيان مقام الإمام عليّ عليه‌السلام ومنزلته ، فعن أنس بن مالك قال : « كان عند النبي طيرٌ ـ وفي بعض الروايات طائر مشوي (١) ـ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اللّهم ائتني بأحبّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير » ، فجاء عليٌّ فأكل معه .. » (٢). ومن. الملفت للنظر أن بعض الروايات تنقل أن محاولةً جرت لصرف عليّ عند مجيئه إلى بيت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد دعوته تلك ، ولكنها فشلت بتدخل الرسول نفسه على ما نقله ابن كثير(٣).

ويستفاد من هذه الرواية ـ كما هو ظاهر ـ أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد أن يُرسّخ ويؤكد أنَّ الإمام عليّاً عليه‌السلام هو أحب الخلق إلى الله تعالى أيضاً (٤).

كل ذلك يدلُ بما لا يدعُ مجالاً للشك على أنَّ التربية التي خصَّ بها نبينا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الإمام عليّ عليه‌السلام ، كانت تهدف إلى إعداده وتهيئته لمسؤولية قيادة الاُمّة ، وليس لمجرد أن يكون أحد أركانها ورجالها البارزين. إذ وجدنا الرسول القائد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتعهد جمعاً من صحابته بالتربية والتثقيف والرعاية ، ولكن ليس بمستوى العناية والرعاية التي اتّبعت مع الإمام عليٍّ عليه‌السلام ، مما يكشف أن المسؤولية المنوطة بالإمام عليٍّ عليه‌السلام هي

__________________

(١) البداية والنهاية ٧ : ٣٥١.

(٢) التاج الجامع للاُصول ٣ : ٣٣٦.

(٣) البداية والنهاية ٧ : ٣٥١ ـ ٣٥٢.

(٤) غاية المأمول شرح التاج الجامع للاُصول ٣ : ٣٣٦ ، الهامش (٦). قال عن الحديث « وفيه أنَّ علياً رضي‌الله‌عنه أحب الخلق إلى الله تعالى ».

٣٤

أكبر بكثير من مسؤولية الآخرين.

المرحلة الثانية : وتبدأ هذه المرحلة بتسليط الاضواء النبوية الشريفة الكاشفة عن شخص الإمام عليّ عليه‌السلام ومقامه الشريف ومنزلته الرفيعة من الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فقد أفرد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الإمام عليّاً عليه‌السلام من بين أهله وسائر أصحابه ، وخصه بعلوم الشريعة كلّها زيادة على المواقف الحاسمة في تاريخ الرسول والرسالة التي تشهد بتقديمه ، ومن يراجع كتب الحديث والسيرة والتواريخ (١) يظفر بالكثير جداً.

ونذكر أمثلةً منها تثبيتاً للمطلب :

لقد تولّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفسه ، وبأمرٍ إلهي مهمة الإعداد الفكري والعلمي للإمام عليّ عليه‌السلام ، وتزويده دون سواه بالمعرفة القرآنية الشاملة ، وباُصول العلوم وينابيعها ، وبالحكمة وآدابها ، وأحكام الشريعة الإسلامية جميعاً.

وقد جاء عن الإمام عليٍّ عليه‌السلام ما يؤيد هذا ، فقال صلوات الله عليه : « علّمني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألف باب من العلم ، يفتح لي من كلِّ باب ألف باب ... » (٢). وكان الإمام عليّ عليه‌السلام تارةً يبادر هو بالحصول على المعارف والعلوم والأحكام من الرسول الأعظم ، وتارةً يبادر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه بذلك ؛ قال الإمام عليّ عليه‌السلام : « كنت إذا سألتُ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعطاني ، وإذا

__________________

(١) مختصر تاريخ ابن عساكر ، لابن منظور ١٧ : ٣٥٦ وما بعدها و ١٨ : ٥١.

(٢) الارشاد ، للشيخ المفيد ، أخرجه عن عبدالله بن مسعود : ٢٢. وفتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي ، للحافظ أحمد بن محمد بن الصديق الغماري الحسني المغربي.

٣٥

سكتُّ ابتدأني .. » (١). ثم قال عليه‌السلام مرةً : إنَّ الله وهبَ لي لساناً سؤولاً ، وقلباً عقولاً .. (٢) وفي حديث طويل تحدّث الإمام عليّ عليه‌السلام في هذا الصدد قائلاً : « ما نَزلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آية من القرآن إلاّ أقرأنيها وأملاها عليَّ فكتبتها بخطي ، وعلمني تأويلها وتفسيرها ، وناسخها ومنسوخها ، ومحكمها ومتشابهها ، وخاصّها وعامّها ، ودعا الله لي أن يعطيني فهمها وحفظها فما نسيتُ آية من كتاب الله تعالى ولا علماً أملاه عليَّ وكتبته منذ دعا الله لي بما دعا ، وما ترك رسول الله علماً علّمه الله من حلال ولا حرام ، ولا أمرٍ ولا نهي كان أو يكون .. إلاّ علّمنيه وحفظته ، ولم أنسَ حرفاً واحداً منه .. » (٣).

وقد صرّح السيوطي أن معمراً روى عن وهب بن عبدالله عن أبي الطفيل قال : «شهدتُ عليّاً يخطب وهو يقول : « سلوني فوالله لا تسألوني عن شيء إلاّ أخبرتكم به ، وسلوني عن كتاب الله ، فوالله ما من آية إلاّ وأنا أعلمُ أبليلٍ نزلت أم في نهار أم في سهل أم في جبلٍ ... » (٤).

قال السيوطي : «إنَّ أحداً من الصحابة لم يجرؤ على أن يقول سلوني غير عليّ ... » (٥).

وكل ما تحدّث به الإمام عليّ عليه‌السلام ، ونقله لنا التاريخ نقلاً أميناً ، شهد به

__________________

(١) التاج الجامع للاصول ٣ : ٣٣٥. وتاريخ الخلفاء ، للسيوطي : ١٧٠. والصواعق المحرقة ، لابن حجر : ١٢٦ ـ ١٢٧.

(٢) الاتقان ، للسيوطي ٤ : ٢٣٤.

(٣) كمال الدين ١ : ٢٨٤ / ٣٧ باب ٢٤. وبحار الانوار ، للمجلسي ٩٢ : ٩٩.

(٤) الاتقان ٤ : ٢٣٣. والصواعق المحرقة ، لابن حجر : ١٢٧.

(٥) تاريخ الخلفاء : ١٦٦.

٣٦

أجلاء الصحابة وأقرَّ به علماؤهم وكبارهم ؛ فقد أخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن مسعود أنه قال : « إنَّ القرآن أُنزل على سبعة أحرف ، ما منها حرفٌ إلاّ وله ظهرٌ وبطن ، وإنَّ عليّ بن أبي طالب عنده من الظاهر والباطن .. » (١). وجاء عن ابن عباس أنه قال : « والله لقد أُعطي عليُّ بن أبي طالب تسعة أعشار العلم » (٢) وورد عنه أيضاً قوله : « كنا نتحدّث أنَّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عهد إلى عليٍّ سبعين عهداً ، لم يعهد إلى غيره » (٣).

وعملياً كان أمير المؤمنين عليه‌السلام مرجع الصحابة في كلِّ ما يعترضهم من المسائل العلمية والمشاكل الإدارية ، والمعضلات القضائية. فلقد ثبتَ عن عمر بن الخطاب أنه قال : « لولا عليٌّ لهلك عمر » (٤) ، وأنه كان يقول : « أعوذ بالله من معضلةٍ ، ولا أبو حسن لها .. » (٥) ، وثبتَ عنه أنه قال : « أقضانا عليٌّ .. » (٦). والقضاء يعني العلم بكلِّ أحكام الشرع. وكذلك غيره من كبار الصحابة ، فقد كثر رجوعهم إليه في مختلف القضايا المشكلة حتى قال الحافظ النووي : « سؤال كبار الصحابة له ورجوعهم إلى فتاويه وأقواله في المواطن الكثيرة والمسائل المعضلات مشهور » (٧).

__________________

(١) نقله في الاتقان السيوطي ٤ : ٢٣٣.

(٢) ينابيع المودة ، للقندوزي ١ : ٦٨ ـ ٦٩.

(٣) حلية الأولياء ١ : ٦٨.

(٤) البداية والنهاية ، لابن كثير ٧ : ٣٥٩. وتاريخ الخلفاء ، للسيوطي : ١٧١.

(٥) البداية والنهاية ، لابن كثير ٧ : ٣٧٣. والصواعق المحرقة ، لابن حجر : ١٢٧.

(٦) الطبقات الكبرى ، لابن سعد ٣ : ٣٣٩.

(٧) تهذيب الاَسماء واللغات ١ : ٣٤٤ ترجمة رقم ٤٢٩.

٣٧

المطلب الثاني

إعداد الاَُمّة وتهيئتها لتولي

الإمام عليّ عليه‌السلام الخلافة وترسيخ النصّ عليه

لقد بدأت عملية إعداد الاَُمة وتربيتها لقبول واستقبال خلافة الإمام عليّ عليه‌السلام ، وقيادته للمسيرة الإسلامية بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبالنصّ عليه منذ وقتٍ مبكّر ، وآية الانذار خير دليل على ذلك. إذ من الثابت عند جميع المفسرين ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أُمر في السنة الثالثة من البعثة المشرفة باظهار دعوته جهرة لقوله تعالى : ( فاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِض عَنِ المُشْرِكينَ ) (١) لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ـ كما يقول ابن قتيبة الدينوري ـ متستراً على دعوته متخفياً في أمره ، متوقياً بعض التوقي (٢). وقد بدأ بانذار عشيرته الأقربين لقوله تعالى : ( وَأنذِر عَشِيرَتَكَ الأقرَبِينَ ) (٣) وفي الخبر الصحيح عن عبدالله بن عباس عن الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، قال : « لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( وَأَنذِر عَشِيرَتَكَ الأقرَبِينَ ) دعاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال لي يا عليّ إنَّ الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين ، فضقتُ بذلك ذرعاً ، وعرفتُ أني متى أباديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره ، فصمتُّ عليه حتى جاءني جبريل ، فقال يا محمّد إلاّ تفعل ما

__________________

(١) الحجر ١٥ : ٩٤.

(٢) المسائل والاَجوبة في الحديث والتفسير ، لابن قتيبة : ٢٢٢.

(٣) الشعراء ٢٦ : ٢١٤.

٣٨

تؤمر به يعذّبك ربُّك ، فاصنع لنا صاعاً من طعام واجعل عليه رِجلَ شاة ، وأملاَ لنا عسّاً من لبنٍ ثم اجمع لي بني عبدالمطلب حتى اُكلّمهم واُبلغهم ما اُمرتُ به ، ففعلتُ ما أمرني به ثم دعوتهم له وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه ، فيهم أعمامه أبو طالب والحمزة والعباس وأبو لهب .. » ... فلما أكلوا وشربوا ، قال الطبري : « فتكلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : « يا بني عبدالمطلب إني والله ما أعلمُ شاباً في العرب جاء قومه بأفضل ما جئتكم به ، إني جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله تعالى أن ادعوكم إليه ، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم ». قال ـ أي الإمام علي عليه‌السلام ـ : « فأحجم القوم عنها جميعاً ، فقلتُ وإنّي لاَحدثهم سنّاً ، وأرمصهم عيناً .. أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه ، فأخذ برقبتي ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنَّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا ، قال ـ أي الإمام عليّ عليه‌السلام ـ فقام القوم يضحكون ، ويقولون لأبي طالب قد أمرك أن تسمعَ لابنك وتطيع .. » (١).

ومن هذه الرواية يتضح لنا أن أول عملية لإعداد الاَُمّة من أجل قبول الإمام عليّ عليه‌السلام ، وصيّاً وخليفةً ، قد تمت في الوسط الخاص ، ( عشيرة النبي المقربين ) وكان ذلك جنباً إلى جنب مع التبشير برسالته والإعلان عن نبوته وبعثته صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله.

ثم اتخذت عملية إعداد الاَُمة منحىً آخر يوم كان ابن عم الرسول صلوات الله عليهما متفانياً بكلِّ ما يملك من أجل الرسالة ، مستبسلاً في

__________________

(١) تاريخ الطبري ٣ : ٢١٨ ـ ٢١٩. راجع تفصيل الرواية وأسانيدها في : ما نزل من القرآن في عليّ ، لابي نعيم ـ جمع الشيخ المحمودي : ١٥٥. وتفسير الخازن ٣ : ٣٧١.

٣٩

الدفاع عنها ، ومجاهداً في سبيلها بقلبه ولسانه ويده ، وقد تجسّد ذلك في جملة وافرة من الآيات المشيرة إلى فضل الإمام علي عليه‌السلام ومشيدة بفضائله ؛ لأجل تحقيق الهدف القرآني نفسه الذي استُهلَّ بآية الانذار.

أخرج ابن عساكر على ما نقله السيوطي : « أنّه ما نزل في أحدٍ من كتاب الله كما نزل في عليٍّ .. » (١) ، وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس أيضاً « إنّه نزلت في عليٍّ ثلاثمائة آية » (٢).

ونورد هنا بعض الآيات التي ذكر غيرُ واحدٍ أنها نزلت في الإمام عليّ عليه‌السلام وهي تدخل في هذا الإطار ، أي تؤشر حقيقة إعداد الاَُمة وتربيتها في هذا الاتجاه بالنصّ عليه عليه‌السلام.

أ ـ جاء قوله تعالى : ( إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحات سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحمنُ وُدّاً ) (٣) أخرج غير واحد من الحفاظ بأسانيد مختلفة أنها نزلت في الإمام عليّ عليه‌السلام ، لأنّ ما من مسلم إلاّ ولعلي في قلبه محبة ... (٤).

فعن البراء بن عازب قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي بن أبي طالب « يا عليّ : قل اللّهم اجعل لي عندك عهداً ، واجعل لي في صدور المؤمنين مودّة ».

فأنزل الله : ( إنَّ الَّذِينَ امَنُوا .. ) قال : نزلت في عليٍّ » (٥).

__________________

(١) تاريخ الخلفاء : ١٧١. والصواعق المحرقة ، لابن حجر : ١٢٧.

(٢) المصدران السابقان.

(٣) مريم ١٩ : ٩٦.

(٤) ما نزل من القرآن في عليٍّ ، لابي نعيم الاصبهاني : ١٣٠ وما بعدها.

(٥) شواهد التنزيل ، للحسكاني ١ : ٣٦٠ ـ ٣٦١.

٤٠