مطارحات في الفكر والعقيدة

مطارحات في الفكر والعقيدة

المؤلف:


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الرسالة
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-046-3
الصفحات: ١٦٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة

جميع الإمامية » (١).

ولا حاجة لنقل أقوال علماء الشيعة في هذا ، ولا بأس بالإشارة إلى بعض المصادر والمراجع المهمة التي أشارت إلى فرية العامّة وردتها بأنصع الأقوال ، مصرحة بأنّ علم الله تعالى أحاط بالأشياء قبل خلقها إحاطة تامّة بل وفوق مستوى الإحاطة إنْ صحَّ التعبير.

راجع : الذريعة للسيد المرتضى ( ت ٤٣٦ ه‍ ) ١ : ١٢٨ ، وتقريب المعارف للحلبي ( ت ٤٤٧ ه‍ ) : ٤١ ، والرسائل العشر للشيخ الطوسي ( ت٤٦٠ ه‍ ) : ٩٤ ، والاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد له أيضاً : ٣٩ ، ومتشابه القرآن لابن شهر آشوب ( ت ٥٨٨ ه‍ ) ١ : ٥٠ ، وتجريد الاعتقاد لنصير الدين الطوسي ( ت ٦٧٢ ه‍ ) : ١٩٢ ، وكشف المراد للعلامة الحلي ( ت ٧٢٦ ه‍ ) : ٣١٠ ، والباب الحادي عشر له أيضاً : ١٣ ، والنافع في يوم الحشر للمقداد السيوري ( ت ٨٢٦ ه‍ ) : ١٣ ، وإرشاد الطّالبين له أيضاً : ١٩٧ ، والقبسات للسيد الداماد ( ت ١٠٤١ ه‍ ) : ١٣٥ و ٣٢٥ و ٤١٨ ، والحكمة المتعالية في الاَسفار العقلية الأربعة لصدر المتألهين ( ت ١٠٥٠ه‍ ) ٦ : ١٧٥ ، وحق اليقين للسيد عبد الله شبر ( ت ١٢٤٢ ه‍ ) ١ : ٦٣ ، والاء الرحمن للشيخ البلاغي ( ت ١٣٥٢ ه‍ ) ١ : ٢٢٧ ، ومسألة في البداء له أيضاً : ١٨ ، ونقض الوشيعة للسيد الأمين ( ت ١٣٧٣ ه‍ ) : ٥١٥ ، ومعالم الفلسفة الإسلامية لمحمّد جواد مغنية ( ت ١٤٠١ ه‍ ) : ١١٢ و ١١٤ ، وبداية الحكمة للسيد الطباطبائي ( ت ١٤٠٢ ه‍ ) : ١٦٤ ، والميزان له أيضاً ١٥ : ١٨٩ ، والبداء عند الشيعة للعلاّمة السيّد عليّ الفاني

__________________

(١) أوائل المقالات ، للشيخ المفيد : ٦٠.

١٤١

الاصفهاني ( ت ١٤٠٩ ه‍ ) : ٦٣ ، ومبحث البداء في التكوين في كتاب البيان في تفسير القرآن للسيد الخوئي ( ت ١٤١٣ ه‍ ) : ٣٩٠ ، والبداء عند الشيعة للسيد محمّد كلانتر : ٥٦ ، والبداء في ضوء الكتاب والسُنّة للشيخ السبحاني : ١٢١ ، ودفاع عن الكافي للسيد ثامر العميدي ٢ : ٧ ـ ٢١٣ وغيرها ، وإذا ما قورِنَت أقوالهم بعقيدتهم في الصفات على ما هو معلوم من جعلهم صفة العلم صفة ذاتية .. بالإجماع ، تأكّد لك أنّه يستحيل في عقيدة الشيعة تغيير علم الله عز وجل بالبداء الذي يقولون به.

توضيح في اطلاق البداء على الله تعالى :

إنّ إطلاق البَدَاء على الله تعالى لا يلزم منه أدنى محذور بعد شرح هذه اللفظة بما يناسب أقوال أهل البيت عليهم‌السلام التي مرّت آنفاً ، فهم قد نفوا ما زعمه خصوم الشيعة نفياً قاطعاً ، وكفّروا من خالفه ، وعلى هذا أفتى الفقهاء من الشيعة بأنّ القائل بجواز الجهل على الله تعالى من حيث إطلاق البداء عليه بمعنى الظهور بعد الجهل فهو كافر ، وفي الكتب التي أشرنا إليها سابقاً تصريحات ضافية بهذه الحقيقة مع بيان فتاوى فقهاء الشيعة بهذا فلا حاجة إلى إعادة ما فيها ، غير أنّا نريد أن نبين بأنّ المعنى المقصود من لفظة ( البَدَاء ) في كلمات أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، وكما أعلنته المصادر الشيعية المتقدمة هو معنىً آخر غير المعنى المحال على الله سبحانه ، نظير ما ورد في القرآن الكريم من ألفاظ ( المخادعة ) و ( المكر ) و ( النسيان ) و ( الكيد ) ونحوها من الأوصاف التي يتنزه عنها تعالى بالاتفاق (١).

__________________

(١) راجع على سبيل المثال سورة النساء ٤ : ١٤٢. والتوبة ٩ : ٦٧. والاعراف ٧ : ٥١. والسجدة ٣٢ : ١٤. والنمل ٢٧ : ٥٠. والطارق ٨٦ : ١٥ ـ ١٧ وغيرها.

١٤٢

ولهذا جاء في الصحيح عن الإمام الباقر عليه‌السلام بعد أنْ سأله زرارة عن قوله تعالى : ( وَما ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُوا أنفُسهم يَظلِمُون ) (١) ، قال عليه‌السلام : « إنّ الله تعالى أعظم وأعزّ وأجلّ وأمنع من أن يُظلَم ، ولكنّه خَلَطَنَا بنفسه فَجَعَلَ ظلمنا ظلمه ، وولايتنا ولايته حيث يقول : ( إنّما وَلِيُكُم اللهُ ورَسُولُهُ والَّذينَ آمَنُوا ) يعني : الأئمة منا » (٢).

وقد روي نظير هذا عن الإمام الصادق ، والإمام الكاظم عليهما‌السلام (٣).

وقد اعتمد هذا البيان بعض مفسري العامّة في تفاسيرهم ، فالنحّاس مثلاً يرى أنّ معنى قوله تعالى : ( إن تَنصُروا اللهَ يَنصركُم ) (٤) هو : « إن تنصروا دين الله وأولياءه ، فجعل ذلك نصرة له مجازاً » (٥).

هذا وقد صرّح علماء الشيعة بأنّ البَدَاء بمعناه اللغوي الذي يعني ظهور شيءٍ بعد عدم العلم به ، يختلف عن البَدَاء بمعنى النسخ ، والأول يتنزه عنه تعالى : بخلاف الثاني الذي لا يستلزم منه محذوراً.

من ذلك قول شيخ الطائفة الطوسي رضي‌الله‌عنه :

« فأمّا إذا أضيفت هذه اللفظة ـ أي : البداء ـ إلى الله تعالى ، فمنه ما يجوز إطلاقه عليه ، ومنه ما لا يجوز.

__________________

(١) البقرة ٢ : ٥٧.

(٢) اُصول الكافي ١ : ١١٣ / ١١ باب النوادر.

(٣) اُصول الكافي ١ : ١١٢ / ٦ باب النوادر و ١ : ٣٦٠ / ٩١ باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية.

(٤) محمّد ٤٧ : ٧.

(٥) إعراب القرآن ، للنحّاس ٤ : ١٨٠.

١٤٣

فأما ما يجوز من ذلك فهو ما أفاد النسخ بعينه ، ويكون إطلاق ذلك عليه على ضرب من التوسع ، وعلى هذا الوجه يحمل جميع ما ورد عن الصادقين عليهما‌السلام من الأخبار المتضمنة لإضافة البداء لله تعالى دون ما لا يجوز عليه من حصول العلم بعد أن لم يكن. ويكون وجه إطلاق ذلك فيه تعالى. والتشبيه ، هو أنّه إذا كان ما يدل على النسخ يظهر به للمكلفين ما لم يكن ظاهراً لهم ، ويحصل لهم العلم به بعد أن لم يكن حاصلاً لهم أطلق على ذلك لفظ البداء » (١).

وقد قال استاذه الشيخ المفيد رضي‌الله‌عنه ما نصه :

« أقول في معنى البَدَاء ما يقوله المسلمون بأجمعهم في النسخ وأمثاله : من الافتقار بعد الإغناء ، والإمراض بعد الإعفاء ، والإماتة بعد الإحياء ، وما يذهب إليه أهل العدل خاصة من الزيادة في الآجال والأرزاق والنقصان منها بالأعمال ، فأما إطلاق لفظ البداء فإنّما صرت إليه بالسمع الوارد عن الوسائط بين العباد وبين الله عز وجل ، ولو لم يرد به سمع أعلم بصحته ما استجزت إطلاقه ، كما أنّه لو لم يرد عليَّ سمع بأنّ الله تعالى : يغضب ، ويرضى ، ويحب ، ويعجب لما أطلقت ذلك عليه سبحانه ، ولكنه لما جاء السمع به صرت إليه على المعاني التي لا تأباها العقول.

وليس بيني وبين كافة المسلمين في هذا الباب خلاف ، وإنّما خالف من خالفهم في اللفظ دون ما سواه .. وهذا مذهب الإمامية بأسرها ، وكل من فارقها في المذهب ينكره على ما وصفت من الاسم دون المعنى ولا

__________________

(١) عدّة الاُصول ، للشيخ الطوسي ٢ : ٢٩ الطبعة الحجرية.

١٤٤

يرضاه (١).

أقول : ما يقول هؤلاء المفترون على الشيعة عن تفسير الزجّاج لقوله تعالى : ( وَلنبلُونَّكُم حتَّى نَعلَمَ المُجاهِدينَ مِنكُم والصّابِرِينَ ) (٢) قال : « وهو عزَّ وجل قد علم قبل خلقهم المجاهدين منهم والصابرين ، ولكنه أراد العلم الذي يقع به الجزاء ، لأنه إنّما يجازيهم على أعمالهم.

فتأويله : حتى يعلم المجاهدين علم شهادة ، وقد علم عزَّ وجل الغيب ، ولكن الجزاء بالثواب والعقاب يقع على علم الشهادة » (٣).

ولا يخفى على من له أدنى فَهمٍ بأنَّ الزجّاج أراد بهذا : أنَّ لله عزَّ وجل علمين :

علم غيب : وهو العلم الذي أحاط بكل شيءٍ في هذا الكون من الذَّرَّة إلى المجرّة وإلى آخر الأبد ، وهو ما تقوله الشيعة برمتهم.

وعلم شهادة : وهو بمعنى علم حضور ، وهذا العلم يكون بمرحلة لاحقة على الأول ، فهو يريد في تأويله : حتى نعلم جهادكم موجوداً فعلاً فنجازيكم عليه ، مع علمنا به قبل أن نخلقكم ؛ لأنّ الجهاد كان موجوداً في علم الغيب ، وأما بعلم الشهادة فلا ، لانتفاء موضوعه أصلاً ؛ لتعلقه بمعدوم ، وإنّما يكون العلم به حضوريا بعد حصوله ، فلا جرم أنْ يقال إذن لهذا النوع من العلم أنّه يظهر لله عزَّ وجل لا عن جهل بل عن علم تام.

__________________

(١) أوائل المقالات ، للشيخ المفيد : ٩٢ ـ ٩٣.

(٢) محمّد ٤٧ : ٣١.

(٣) معاني القرآن واعرابه ، للزجاج ٥ : ١٦.

١٤٥

وإذا اتضح هذا فاعلم أنّه إذا كان إسناد البَدَاء إلى الله عزَّ وجل إسناداً مجازياً ، فهو إنّما يكون كذلك في صورة التسليم بأنّ إسناده بنحو الحقيقة يستلزم الجهل.

وأمّا إذا لم يسلَم ذلك ، على أساس القول بأنّ البَدَاء أعم من كونه ظهور رأي بعد الجهل ، فالأمر أوضح ، ولا يكون حينئذ في إسناده حقيقةً أدنى محذور لما علمت على طبق رأي الزجاج من أنَّ ظهور قعقعة السلاح في ساحة الجهاد والقتل في سبيل الله لا يكون ظهوراً لله عزَّ وجل بعد الجهل به ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، وإنّما يكون ظهوراً لله عزَّ وجل بعد مرحلة لاحقة من العلم التفصيلي به ، ذلك هو علم الغيب الذي أحاط بالأشياء قبل إيجادها والذي لا حدّ له ولا أمد ، فأين التغيير في علم الله ( عزَّ وجل ) يا ترى ؟!

ومن روائع الكافي ما أخرجه عن الكاهلي ، قال : « كتبت إلى أبي الحسن ( الإمام الكاظم ) عليه‌السلام في دعاء : الحمد لله منتهى علمه !!

قال : فكتب إليَّ عليه‌السلام : « لا تقولن منتهى علمه ، فليس لعلمه ( عزَّ وجل ) منتهى. ولكن قل : منتهى رضاه » » (١).

إعتقاد العامّة بتغيير وتبديل ما قُضي وقُدّر :

ثم أين هؤلاء من أحاديث البخاري وأقوال علمائهم ؟ :

كحديث المعراج الصريح بتغيير ما فرض وقدر أربع مرات متوالية في

__________________

(١) اُصول الكافي ٢ : ٤٠٩ / ١٩ باب الدعاء للكرب.

١٤٦

آن واحد (١) ، مع ما فيه من علّة قادحة إذ تضمن الطعن الصريح على الأنبياء بالإقدام على المراجعة تلو المراجعة في الأوامر المطلقة كما لا يخفى.

ومثله حديث الاستسقاء (٢) الذي دلَّ على أن تغيير الطقس المفاجئ قد اختص بما كان مشترطاً في التقدير.

وحديث أنّ الله يُحدث من أمره ما يشاء (٣). وأحاديث تأثير صلة الرحم والصدقة عن أبي هريرة وغيره (٤).

وحديث غفران الذنوب في ليلة القدر عن أبي هريرة أيضاً (٥).

وحديث ( اعملوا فكلٌّ ميسر ) (٦).

وحديث الصخرة التي أطبقت على ثلاثة رجال حتى استيقنوا الموت ثم رفعت بدعائهم (٧).

وحديث البداء الصريح عن أبي هريرة في البخاري والمسند إلى

__________________

(١) صحيح البخاري ١ : ٩٨ كتاب الصلاة. وأخرجه في كتاب التوحيد ٩ : ١٨٢ باب قوله تعالى : ( وكلّم الله موسى تكليما ).

(٢) صحيح البخاري ٢ : ٣٤ باب الاستسقاء في المسجد الجامع. وأخرجه من طرق أُخر صحيحة وبألفاظ مختلفة في ٢ : ٣٥ و ٣٦ و ٣٧ و ٣٨.

(٣) صحيح البخاري ٩ : ١٨٧ باب قوله تعالى ( كل يوم هو في شأن ).

(٤) صحيح البخاري ٨ : ٦ باب من بُسط له الرزق بصلة الرحم.

(٥) صحيح البخاري ٣ : ٥٩ باب فضل ليلة القدر.

(٦) صحيح البخاري ٨ : ١٥٢ باب قوله تعالى : ( وكان أمر الله مفعولاً ).

(٧) صحيح البخاري ٨ : ٣ باب اجابة دعاء من برّ والديه. وصحيح مسلم بشرح النووي ١٧ : ٥٥ باب أصحاب الغار الثلاثة والتوسل بصالح الاعمال.

١٤٧

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفيه : « إنّ ثلاثة في بني إسرائيل : أبرص ، وأقرع ، وأعمى بَدا لله أنْ يبتليهم .. » (١).

وهل من الإنصاف أن لا يُرى ( بداء البخاري ) ويرى ( بداء الكليني ) ؟ قاتل الله الاهواء وأهلها.

ولعمري ، ليتهم رجعوا إلى الذي ذكره الآلوسي في تفسير قوله تعالى : ( يَمحُو اللهُ ما يَشاءُ ويُثبِتُ وعِندُه أُمُّ الكِتَابِ ) (٢).

فقد أورد في تفسيره نصّ رسالة كتبت في بغداد لأحد أفاضل علماء بغداد من العامّة بخصوص تغيير القضاء الأزلي ، قال : « وفيها : أنه ما من شيء إلاّ ويمكن تغييره وتبديله حتى القضاء الأزلي !! واستدلّ لذلك بأمور » .. (٣).

ثم ذكر استدلالات مطولة لا حاجة لنا بها.

ومن الجدير ذكره ، أن أبا الحسن الأشعري إمام الأشاعرة قد صَرَّح بأنّ حديث ( العشرة المبشرة ) مشروط بأن لا يتغيّروا عما كانوا عليه في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأن يموتوا على الإيمان (٤). ومن هنا كان عمر يقول : « لو نادى مناد : كل الناس في الجنة الا واحداً لظننت أني ذلك الواحد » (٥) !!.

__________________

(١) صحيح البخاري ٤ : ٢٠٨ ـ ٢٠٩ كتاب الانبياء باب ما ذكر عن بني اسرائيل.

(٢) الرعد ١٣ : ٣٩.

(٣) تفسير الآلوسي المسمى ب‍ ( روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ) ١٣ : ١٧٠ ـ ١٧١ في تفسير الآية (٣٩) من سورة الرعد.

(٤) مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين ، لابي الحسن الاشعري : ٤٧١.

(٥) روح المعاني ١٣ : ١٧٠ ـ ١٧١.

١٤٨

ونظير هذا ما نقله القرطبي عن مالك بن دينار أنه دعا لامرأة حاملٍ فقال : « اللّهم إنْ كان في بطنها جارية فأبدلها غلاماً فإنّك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أُمّ الكتاب » (١).

كان على هؤلاء المشنّعين أن يَعُوا ما في عقيدتهم جيداً ويعرفوا رأي علمائهم في علم الله عزَّ وجل ، ولو وقفوا عليه لاستحيوا من هذه المقالة الباطلة ؛ فإنّ في عقيدة الأشعرية أنّ التغيير في القضاء لا يوجب جهلاً ولا تغيراً في الذات الالهية ، لأنّ التغيير عندهم إنّما هو في الإضافات ، وهم يرون أنّ صفة العلم إضافة مخصوصة وتعلّقٌ بين العالم والمعلوم ، أو أنّها صفة حقيقية ذات إضافة.

وعلى الأول كما صرّح به الآلوسي يتغير نفس العلم وعلى الثاني تتغير إضافته فقط. قال : وعلى التقديرين لا يلزم تغير في صفة موجودة بل في مفهوم اعتباري (٢). ولهذا نجد في الرسالة التي نقل نصّها الآلوسي كما أشرنا إليها سابقاً الاعتقاد المطلق بجواز تغيير وتبديل كل شي في هذا الكون حتى ما كان منه مقدّراً مكتوبا في الأزل !

وقد وقفت على تصريح للاستاذ الكبير حامد حفني داود المصري المعروف بما نصه : « والشيعة الإمامية براء مما فهمه الناس عن البداء إذ المتفق عليه عندهم ، وعند علماء العامّة أنّ علم الله قديم منزه عن التغيير والتبديل والتفكير الذي هو من صفات المخلوقات ، أمّا الذي يطرأ عليه التغيير والمحو بعد الاِثبات فهو ما في اللوح المحفوظ بدليل قوله تعالى

__________________

(١) الجامع لاحكام القرآن ، للقرطبي ٩ : ٣٢٩ ـ ٣٣٠. وكنز العمال ١٢ : ٦٢٠.

(٢) روح المعاني ، للآلوسي ١٣ : ١٧١.

١٤٩

( يَمحُو اللهُ مَا يشاءُ ويُثبِتُ ) » (١).

ونظير هذا تماماً ما قاله محمّد عبد الكريم عتوم ، حتى لكأنكَ تشعر بنقله عن الدكتور حامد حفني داود مع تغيير طفيف (٢).

أقول : هذا باطل ، لم يقل به أحد من الشيعة الإمامية قط ، نعم قالوا عن البَدَاء ما قالوا كما عرفت ولكنهم لم يقولوا أنّ التغيير والتبديل يكون في علم الله المحفوظ ، فذلك العلم عندهم لا يجوز عليه التبديل ولا التغيير مطلقاً ، وهم متفقون على ذلك خلفاً عن سلف اقتداءاً بأئمتهم عليهم‌السلام.

بل ذهبوا إلى أنّ ما يحصل فيه التغيير إنّما هو لوح المحو والإثبات الذي يمثل مظهراً من مظاهر علمه تعالى ، وقد أطلق عليه بعضهم اسم العلم الفعلي ، قال الشيخ السبحاني : « وأمّا علمه الفعلي ، فهو عبارة عن لوح المحو والإثبات ، فهو مظهر لعلم الله تعالى في مقام الفعل ، فإذا قيل : بَدا لله في علمه : فمرادهم البَداء في هذا المظهر » (٣).

وقد ناقشهم السبحاني مناقشات مطولة في ثلاثة من كتبه (٤). وقد توسع فيها لاسيّما في كتابه ( البَدَاء في ضوء الكتاب والسُنّة ) لإثبات أن التغيير والتبديل في بعض مراتب القضاء لا يستلزم منه تغيير العلم ، وقد سبقه إلى ذلك أكثر من أشرنا إلى مصادرهم ومراجعهم من علماء الشيعة.

__________________

(١) نظرات في الكتب الخالدة : ١٩. والآية من سورة الرعد ١٣ : ٣٩.

(٢) النظرية السياسية المعاصرة للشيعة الإمامية الاثني عشرية ، لمحمّد عبدالكريم عتوم : ٤٠ ـ ٤١.

(٣) الالهيات ، للسبحاني : ٥٨٢.

(٤) الالهيات : ٥٦٦. ومفاهيم القرآن ٦ : ٢٩٥ و ٣٣٠ و ٣٣٢. والبداء في ضوء الكتاب والسُنّة.

١٥٠

١٥١
١٥٢

نصيب السُنّة النبوية الشريفة عند العامّة

أعني بعض هؤلاء الذين انتحلوا لقب ( أهل السُنّة ) ولم يشهد التاريخ أعداءً للسنّة مثلهم !! وتراهم يرفعون أصواتهم بالدعايات والضجيج والشتائم والتهريج حتّى يخيّل لك أنّهم أهل السُنّة بحق ، فمثلهم كما قال القائل :

« رَمَتْنِي بِدَائِهَا وَانْسَلَّتِ » !!

وإليك بضعة أرقام وشواهد على عدائهم الصريح للسنّة النبوية الشريفة ، وما تعرّضت له على أيديهم :

حسبنا كتاب الله :

إنّ أوّل بدعة منكرة فرّقت بين الكتاب والسُنّة ، ورمت صاحب السُنّة صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالهجر !! كانت من نصيبهم وعلى يد عمر بن الخطاب حين كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول قُبيل وفاته : « ائتوني اكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعدي » فيمنع من ذلك عمر ويقول : « ما لَهَ ؟ أهجَرَ ؟! حسبنا كتاب الله » فجاء أصحابه فلطّفوا من قولته هذه ، فقالوا : إنّه قال : « لقد غلب عليه الوجع » ، ونقلوا بصحاحهم ـ بعد رواية هذه المصيبة ـ عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه انه كان يقول : « الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين أن يكتب

١٥٣

لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم » (١).

ومع هذا فقد زينت لهم أنفسهم صنيع عمر ، فدافعوا عنه وتابعوه على كلمته ، رغم كلّ ما فيها ، ثمّ قالوا إنّهم هم أهل السُنّة !!

إنّ كلمة عمر هذه هي اللبنة الاُولى ، بل الأساس الذي قامت عليه مذاهبهم .. فإذا كانوا من هنا قد ابتدأوا فإلى أين سينتهون ؟

حديث الأريكة :

تسنّم أبو بكر الخلافة ، فابتدأ بالمنع من التحدّث بأحاديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن الرجوع إلى السُنّة النبوية في أية قضية من القضايا ، فقال ما نصّه : « إنكم تحدّثون عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحاديث تختلفون فيها ، والناس بعدكم أشدّ اختلافاً ، فلا تحدّثوا عن رسول الله شيئاً ، فمن سألكم فقولوا : بيننا وبينكم كتاب الله ، فاستحلّوا حلاله وحرّموا حرامه » (٢).

فجعل اختلاف بعضهم ذريعةً إلى المنع من الحديث خشية الرجوع إلى السُنّة ، وعاد إلى مقولة عمر الاُولى « حسبنا كتاب الله » !

وهذا بعينه ما تنبّأ به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحذّر منه ، إذ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « يوشك الرَّجل متّكئاً على أريكته يُحَدَّث بحديث من حديثي ، فيقول : بيننا وبينكم كتاب الله عز وجلّ ، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من

__________________

(١) صحيح البخاري ٥ : ١٣٧ و ٧ : ٩. وصحيح مسلم ٥ : ٧٦. ومسند أحمد ١ : ٣٢٣ و ٣٢٤ و ٣٣٦.

(٢) تذكرة الحفاظ ، للذهبي ١ : ٢ ـ ٣ في ترجمة أبي بكر.

١٥٤

حرام حرّمناه !! ألا وإنّ ما حرّم رسول الله مثل ما حرَّمَ الله » (١).

أرأيت هذه النبوءة الصادقة كيف تحقّقت مبكّراً ؟

إتلاف الأحاديث :

ثمّ حاول أبو بكر أن يكتب الحديث فكتب عنده خمسمائة حديث ، لكنّه لم يصبح حتّى أحرقها جميعاً (٢) !!.

ولنا ان نناقش أبا بكر على حرقه أحاديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما دمنا في عصر لم تكمّ فيه الأفواه ، فنقول : إنّ تصرفه بجمع خمسمائة حديث يكذّب أقوالهم بأن المنع عن تدوين الاحاديث كان قد صدر من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مع التذكير بان ( الجمع ) لا يعني سوى التدوين بقرينة ( فأحرقها ) ، وهذه شهادة منه بعدم وجود النهي السابق عن التدوين ، وشهادة أُخرى منه ايضاً بأنه أحرقها لا بذريعة النهي السابق عن تدوينها ، بل بذريعة الخوف من عدم مطابقة تلك الاحاديث للواقع وخوفه من المشاركة في حمل أوزارها لئلا تكون مكذوبة بزعمه على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم !.

وهذا من العجائب والغرائب :

أما أولاً : فإنّ من كان مثله لا يحتاج إلى مثل هذه الطريقة في جمع

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ٦ / ١٢. وسنن الترمذي ٥ : ٣٧ / ٢٦٦٣ وقال : هذا حديث حسن صحيح ورواه من طريق آخر. وسنن أبي داود ٤ : ٢٠٠ / ٤٦٠٤ و ٤٦٠٥ باب لزوم السُنّة. ومسند أحمد ٦ : ٨. ومستدرك الحاكم ١ : ١٠٨ قال : وهو صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، ورواه من طريق آخر وقال : وجدنا للحديث شاهدين بإسنادين صحيحين. ومسند الشافعي : ٣٩٠ و ٤٣٠. وكنز العمال ١ : ١٧٣ / ٨٧٧.

(٢) تذكرة الحفاظ ١ : ٥. وكنز العمال ١٠ : ٢٨٥.

١٥٥

الأحاديث قطعاً ، إذ بإمكانه ـ وهو الرأس الحاكم ـ ان يوعز إلى كبار الصحابة وحفّاظ السُنّة منهم أن يجمعوا ما لديهم من الحديث سواء الذي كتبوه أو حفظوه سماعاً عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم يوكِل لهم فحص المجموع وتحري صدقه والتأكد من سلامته لو كان هناك حرص عليه ، لا أن يجمع الاحاديث عن فرد واحد لم يسمّه !

وأما ثانياً : إنّه بالقياس إلى فترة إسلامه المبكر لا يحتاج إلى الواسطة في الرواية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جمع خمسمائة حديث ، إذ من غير المعقول أن لا تكون له مسموعات عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا واسطة ، ولو في ضمن المقدار الذي جمعه ، وهذا يعني أنّه أقدم على حرق بعض مسموعاته عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولو تنزّلنا عن ذلك وقلنا إنّ ما أحرقه لم يسمعه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ! فالسؤال هنا لماذا لم يجمع ما سمعه بإذنه عن صاحب الوحي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهل كان شارد الذهن في العهد النبوي فلم يعِ ما يسمع ! أم انه خشي من تدوين السُنّة اطلاع الاجيال على ما منعه عمر ؟!

وأما ثالثاً : فإنّ أبا بكر صرّح بلسانه بوثاقة من سمع تلك الاحاديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكيف شك به بعد أن ائتمنه ؟ ولِمَ لمْ يقم بواجبه فيعرضها على الصحابة للتأكد من صدق من ائتمنه فيمضها ، أو يعرف كذبه فيؤدبه ؟ ألا يدلّ هذا الاغماض عن تهاون في الشرع ، ويكشف عن أسباب غير معلنة وراء حرق الاحاديث ؟

على أنَّ هذا الموقف العجيب بالنسبة إلى السُنّة المطهّرة قد نبّه من لا ينطق عن الهوى ، على كونه وشيك الوقوع بعده كما تقدم في حديث الأريكة.

١٥٦

وأعجب من هذا أنهم رووا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطرق عدّة تحذيره من الاكتفاء بالقرآن عن السُنّة ، وتنديده باليهود والنصارى لأنّهم يقرؤون التوراة والانجيل فلا ينتفعون مما فيهما بشيء ؛ لأنّهم لم يتعلقوا بحرفٍ مما جاءتهم به أنبياؤهم (١).

موقف عمر من السُنّة المطهّرة :

وجاء عمر ، فأكّد المنع من الحديث وشدّد على الصحابة الذين يخرجون من المدينة إلى الأمصار ، يقول لهم : « إنكم تأتون أهل قرية لهم دويّ بالقرآن كدويّ النحل ، فلا تصدّوهم بالأحاديث فتشغلوهم ، جرّدوا القرآن وأقلّوا الرواية عن رسول الله وأنا شريككم » (٢).

حتى أن كعب بن قرضة كان يسأله أهل الكوفة عن أحاديث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا يجيبهم ويقول لهم : نهانا عمر بن الخطاب (٣).

ثم استشار الصحابة في كتابة حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجمعه ، فأجمعوا على ذلك ، لكنّه جاء بعد ذلك فأمر كلّ من كتب شيئاً أن يمحه (٤) !

__________________

(١) تمام الحديث في سنن الترمذي ٤ : ١٠٤. ومسند أحمد ٤ : ١٦٠ و ٢١٨ ، ٥ : ٢٦٦ ، ٦ : ٢٦ والخبر مشهور رواه من الصحابة : أبو الدرداء ، وزياد بن لبيد الأنصاري ، وعوف بن مالك ، وأبو أمامة الباهلي.

(٢) تذكرة الحفّاظ ١ : ٧. ولاحظ طرق الحديث وألفاظه في سنن ابن ماجة ١ : ١٢. وسنن الدارمي ١ : ٨٥. ومستدرك الحاكم ١ : ١٠٢.

(٣) مستدرك الحاكم ١ : ١٠٢. وكنز العمال ٩ : ٤٤٧.

(٤) تقييد العلم ، للخطيب البغدادي : ٥٣.

١٥٧

ثم دعا بعد ذلك كل من عنده كتاب أو لوح كتب فيه حديثاً أن يأتيه به ، فظنّوا أنه يريد أن يوحّدها ، فلمّا اجتمعت عنده أحرقها بالنار (١) !!

ثمّ حَبَسَ جماعة من كبار الصحابة في المدينة حتى مات ؛ لأنهم لم يلتزموا أمره في كتم الأحاديث كابن مسعود ، وأبي الدرداء (٢) ، وعبدالله ابن حذافة ، وعقبة بن عامر ، وأبي هريرة (٣).

ولم يكتف عمر بكلِّ هذا بل حاول الدفاع عن فعله باتهام جميع الصحابة بالكذب في رواية الأحاديث حتى قام خطيباً فيهم يسمعهم أقذع الكلام فقال مخاطباً لهم : « إنّ حديثكم هو شرّ الحديث ، وإنّ كلامكم هو شرّ الكلام ، من قام منكم فليقم بكتاب الله ، وإلاّ فليجلس » (٤).

ومن عجائب عمر إنّه لم يمنع من الحديث فحسب ، بل منع فقهاء الصحابة من الإفتاء وحاول أن يجعل الفتوى من حق السلطة فقط. فعن ابن سيرين أنّ عمر قال لأبي موسى : « أما إنّه بلغني أنّك تفتي الناس ولست بأمير ؟

قال : بلى.

قال : فولِّ حارها من تولى قارها » (٥).

وكلّ الذي تقدم متّفق عليه عند ( العامّة ) لكنهم دافعوا عنه بدعوى

__________________

(١) تقييد العلم ، للخطيب البغدادي : ٥٣.

(٢) مستدرك الحاكم ١ : ١١٠ وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

(٣) كنز العمال ١٠ : ٢٩١ / ٢٩٤٧٢ و ٢٩٤٧٩.

(٤) تاريخ المدينة ٣ : ١٦.

(٥) كنز العمال ١٠ : ٢٩٨ / ٢٩٥٠٥.

١٥٨

كاذبة نسبوها إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

إذ زعموا : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد نهى عن كتابة الحديث !!

فكيف قام أبو بكر بكتابة الحديث إذن حتى جمع خمسمائة حديث ، ثم أحرقها ؟!

وكيف استشار عمر الصحابة في الكتابة فأجمعوا عليها ، وكتبوا ، ثم حرّقها ؟!

وما معنى حديث الاريكة إذن ؟

ولماذا النهي من التشبّه بأهل التوراة والانجيل ؟

أسئلة شتى ، ولكن بلا جواب !!

وغير هذا كثير مما يكشف لك تهافت دعاواهم وكلّ ما أتوا به لترميم مذهبهم !

موقف عثمان ومعاوية من السُنّة الشريفة :

وجاء دور عثمان ، فقام خطيباً وقال : « لا يحلّ لأحد يروي حديثاً لم يُسمع به في عهد أبي بكر ولا في عهد عمر ... » (١).

أمّا معاوية فله مع السُنّة شأن آخر ، قد مهّد له وساعده عليه هذا المنع الطويل من رواية الحديث وتدوينه .. فقام بدورين :

في الأول : منع من كلّ حديث إلا حديثا ظهر في عهد أبي بكر وعمر

__________________

(١) مسند أحمد ١ : ٣٦٣. وكنز العمال ١٠ : ١٩٥ / ٢٩٤٩ عن ابن سعد وابن عساكر.

١٥٩

وعثمان (١) !!

أمّا الأحاديث التي ظهرت في عهد الإمام عليّ عليه‌السلام فهي ممنوعة ، لأنّ الإمام عليّاً وابن عباس وغيرهم قد حدّثوا بالأحاديث التي كانت ممنوعة قبلهم.

وفي الثاني : دعا الناس إلى وضع الأحاديث زوراً في فضائل أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم من الصحابة الذين لهم خصومة ما مع الإمام عليّ عليه‌السلام وأهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ! حتّى كثرت في ذلك الأحاديث ونقلها الخطباء على المنابر وعلّمها الآباء أبناءهم ، وحتّى ظنّ كثير من أهل الصدق والعبادة أنّها حقّ فحدّثوا بها ، ولو علموا أنّها باطلة لما حدّثوا بها.

وهو في أثناء ذلك وبعده كان قد وظّف جنده وشرطته بمطاردة كلّ من يروي حديثاً في فضل الإمام عليّ وأهل البيت عليهم‌السلام ، وأن لا يقبلوا لهم شهادة ، ويكذّبونهم ويرمونهم بالابتداع في الدين !

فصار عندهم كلّ من يروي أحاديث الإمام عليّ وأهل البيت أو أحاديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُعدُّ كذّاباً منكر الحديث ! لأن أحاديثه لا تنسجم مع الأحاديث التي أذاعها أنصار الخلافة الأموية حتّى صارت مشتهرة (٢) !

__________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٧١٨ كتاب الزكاة باب النهي عن المسألة. والكامل ، لابن عدي ١ : ٣٣. ومسند أحمد ٤ : ٩٩. وتذكرة الحفاظ ١ : ٧. وتاريخ دمشق ، لابن عساكر ٣ : ١٦٠. وتدوين السُنّة الشريفة ، للسيد الجلالي : ٤٧٤.

(٢) شرح نهج البلاغة ، لابن أبي الحديد ١١ : ٤٤ ـ ٤٦ و ٤ : ٦٣. والنصائح الكافية لمن يتولّى معاوية ، لمحمّد بن عقيل : ٩٧ ـ ٩٩.

١٦٠