تهذيب اللغة - ج ١٤

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ١٤

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٧

هو الجوادُ الّذي يُعطيك نائِلَهُ

عَفْوا ويُظْلم أحيانا فَيَظَّلِمُ

كان في الأصل : فيظتلم فقُلِبت التاءُ ظاءً وأُدْغمتْ في الظاء فَشُدِّدتْ.

أبو عبيد عن أبي عبيدة : تَظنَّيْتُ من ظَنَنْتُ ، وأصله تَظنَّنتُ فكثُرتْ النوناتُ فَقُلبتْ إحداهما ياءً ، كما قال : قصَّيتُ أظفاري والأصل قصَّصْتُ.

قال أبو العباس المبرد : الظنين المتهم وأصله المظنون وهو من ظننت الّذي يتعدى إلى مفعول واحد تقول : ظننت بزيد وظننت زيدا ، أي اتهمت ، وأنشد لعبد الرحمن بن حسان :

فلا وَيَمينِ اللهِ ما عَنْ جنايةٍ

هجرْتُ ولكنَ الظنَّين ظنينُ

ومنه قول الله تعالى : (وما هو على الغيب بظنين) أي متهم.

ومن حديث عليّ أَنه قال : في الدَّيْن الظُّنُونِ ، قال : يُزَكِّيه لما مضى ، إذا قَبَضَه.

قال أَبو عبيد : الظَّنُون الّذي لا يَدْرِي صاحبُه أَيقضيه الّذي عليه الدَّيْن أَم لا ، كأَنَّه الّذي لا يَرْجوه ، قال : وكذلك كل أَمر تُطالبُه ولا تدْري على أَي شيء أَنت منه فهو ظُنون.

وقال الأعشى في الظَّنون وهي البئر التي لا يُدْرَى أفيها ماء أم لا؟ :

ما جُعِلَ الجُدُّ الظَّنُونُ الَّذِي

جُنِّبَ صَوْبَ اللَّجِبِ الماطِرِ

أبو الحسن اللِّحياني : فلان مَظِنَّةٌ من كذا ومَئِنَّة أي مَعْلَمٌ.

وأنشد أبو عبيد :

يَسِطُ البُيوتَ لِكَيْ يكون مَظِنَّةً

مِن حيثُ تُوضَعُ جَفْنَةُ المسْتَرْفِدِ

وقال ابن السكيت : قال الفراء : الظَّنَونُ مِن النساء التي لها شرف تُتَزَوَّجُ ، وإنما سمِّيت ظنونا لأن الوَلَد يُرْتَجَى منها انتهى والله تعالى أعلم.

باب الظاء والفاء

[ظ ف]

ظف ، فظ : [مستعملة].

ظف : أبو عبيد عن الكسائي : ظَفَفْتُ قوائمَ البعيرِ وغيرِه أَظُفَّها ظَفّا إذا شَدَدْتَها كلَّها وجمعتَها.

فظ : أخبرني المنذري عن إبراهيم الحربي أنه قال : الفَظُّ الخَشِنُ الكلام. قال وقال لنا أبو نصر : الفَظُّ الغَلِيظُ ، وأنشدنا :

لمَّا رأينا مِنْهُمُ مُغْتاظَا

تَعْرَفُ منه اللُّؤْمَ والفِظَاظَا

وقال الليث : رجل فَظٌّ ذو فَظَاظَةٍ ، وهو الّذي فيه غِلَظٌ في مَنْطِقِه ، والفَظَظُ خُشونةٌ في الكلام.

وقال غير واحد : الفَظُّ ماءُ الكِرْش يُعْتَصَر

٢٦١

فَيُشْرَبُ عند عَوزِ الماء في الفَلوات وبه شُبِّهَ الرجلُ الفَظَّ لِغِلَظِهِ.

وقال الشافعي : إنْ افْتَظَّ رجلٌ كَرِشَ بَعِيرٍ غَرَّهُ فاعْتَصَرَ ماءَه وصَفَّاه لم يُجزْ له أن يَتَطَهَّرَ به.

وروى سلمة عن الفراء : الفَظِيظُ ماءُ الفَحْل في رَحِمِ الناقةِ ، وأنشد :

حَمَلْنَ لَهَا مياها في الأدَاوَى

كما قد يَحْمِلُ البَيْظُ الفَظِيظَا

انتهى والله أعلم.

باب الظاء والباء

[ظ ب]

ظب ، بظ : [مستعملة].

[ظَبَ] أمّا ظَبَ فإنه لم يُستعمل إلا مُكَرَّرا.

وروى أبو العباس عن ابن الأعرابيّ : الظَّبْظَابُ البَثْرَةُ التي تخرج في وُجوه الملاح ، والظَّبْظَابُ أيضا كلامُ المُوعِدِ بِشَرٍّ ، وأنشد :

* مُواغِدٌ جَاء لَهُ ظَبْظَابُ *

قال والمواغِد بالغَيْن المبادِرُ المتَهَدِّدُ.

عمرو عن أبيه ، قال : ظَبْظَبَ إذا حُمَّ ، وَظَبظَبَ إذا صاحَ ، وله ظَبْظَابٌ ، أي جَلَبةٌ ، وأنشد :

جاءتْ مع الصُّبْح لها ظَبَاظِبُ

فَغَشِيَ الدَّارَةَ منها جالِبُ

أبو عبيد عن أبي عمرو وأبي زيد يقال : ما به ظَبْظَابٌ ، أي ما به شيءٌ من الوَجَع.

وقال رؤبة :

* كأَنَّ بِي سُلَّا وما بي ظَبْظَابْ *

قال : والظَّبظابُ داءٌ يُصيب الإبل وقيل : هو بَثْرٌ يخرج بالعين.

بظ : ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال : البَظِيظ السَّمِينُ الناعِم.

عمرو عن أبيه : أَبَظَّ الرجلُ إذا سَمِنَ وقال اللحياني : أنهُ لَفَظٌّ بَظٌّ بمعنى واحد.

وقال غيره : فَظِيظٌ بَظِيظٌ.

وقال الليث : بَظَّ يَبُظُّ بَظًّا وهو تحريك الضَّارب أوتارَه ليُهيِّئها ويُسَوِّيها ، والضَّادُ جائز فيه.

وفي بعض النسخ : فظَّ على كذا أي ألَحَّ عليه ، وهو تصحيف ، والصواب : أَلَظَّ عليه إذا ألحّ.

باب الظاء والميم

[ظ م]

مظ : في حديث أبي بكر : أنه مرّ بابنِه عبدِ الرحمن وهو يُمَاظُّ جَارا له ، فقال له أبو بكر : لا تُمَاظِّ جارَك فإنه يَبْقَى ، ويَذهبُ الناسُ.

قال أبو عبيد : المُماظَّة المُشَارَّة والمُشاقَّةُ ، وشِدَّةُ المُنَازَعةِ مع طُول اللزوم.

٢٦٢

يقال : ماظَظْتُه أُمَاظُّهُ مِظاظا ومُماظَّةً.

أبو عبيد عن الأصمعيّ : المَظُّ رُمَّانُ البَرِّ ، وأنشد أبو الهيثم لبعض طَيّىء :

ولا تَقْنَطْ إذا حَلّتْ عِظامٌ

عليكَ من الحوادث أَنْ تُشَظَّا

وسَلِّ الْهَمَّ عنكَ بِذاتِ لَوْثٍ

تَبُوص الحادِيَيْنِ إذا أَلظَا

كأَنَّ بِنَحْرِهَا وبِمِشْفَرَيْها

ومَخْلجِ أَنْفِهَا راءً وَمَظَّا

جَرَى نَسْءٌ على عَسَنٍ عليها

فَمار خَصِيلُها حَتَّى تَشَظَّى

قال : أَلظَّ ، أي ألَحَّ عليها الحادي ، قال : والرَّاءُ زَبَدُ البحر ، والمَظُّ دَمُ الأخوين ، وهو دَمُ الغَزَال ، وعُصارةُ عُروق الأرْطَى وهي حُمْرٌ ، والأرْطأةُ خَضْراء فإذا أكلتها الإبل احْمَرَّتْ مَشافِرُها.

وقال الهذلي يذكر الحُمول :

يَمَانِيَةٌ أَحْيَالها مَظَّ مَأْبِدٍ وآلِ

قَراسٍ صَوْبُ أَسْقِيَةٍ كُحْلٍ

عمرو عن أبيه : أَمَظَّ إذا شَتَم وَأَبَظَّ إذا سَمِن.

* * *

٢٦٣

باب الثلاثي الصحيح من حرف الظاء

أهملت الظاء مع الذال والثاء إلى آخر الحروف.

أبواب الظاء والراء

ظ ر ل : مهمل.

ظ ر ن

استعمل من وجوهه : [نظر].

نظر قال الليث : تقول العرب : نَظَرَ يَنظُرُ نَظَرا ، قال : ويجوز تخفيف المصدر ، تَحْمِلُه على لفظِ العَامَّةِ من المصادر ، قال وتقول : نَظَرتُ إلى كذا وكذا من نَظَرِ العين ، ونَظَرِ القلب.

ويقول القائل للمُؤَمَّل يرجوه : إنما أَنْظُر إلى الله ثم إليك ، أي إنما أتوقع فَضْلَ الله ثم فضلك.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : النَّظْرَةُ الرحمةُ والنظرةُ اللَّمْحَةُ بالعَجَلة.

ومنه الحديث أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لعليّ : «لا تُتْبِعُ النظرةَ النظرةَ ، فإن لك الأولى ولَيْسَتْ لك الآخرة» ، قال : والنَّظْرَةُ الهَيْبَةُ.

قال بعض الحكماء : من لم يَعْمَل نَظَرهُ لم يَعْمَل لِسانُه ، ومعناه : أنَ النَّظْرةَ إذا خَرجتْ بإنكار القلبِ عمِلتْ في القلب وإن خرجتْ بإنكار العَيْن دونَ القلب ، لم تَعْمل ، ويجوز أن يكون معناه : إن لم يعمل فيه نظرك إليه بالكَراهة عند ذنب أذنبه لم يفعل قولك أيضا.

أبو عبيد عن الفراء : رجل فيه نَظْرَةٌ أي شُحُوبٌ.

وأنشد شمر :

* وفي الهام مِنْها نَظْرَةٌ وشُنُوعٌ*

وقال أبو عمرو : النَّظْرَة : الشُّنْعَةُ والقبحُ ، يقال : إن في هذه الجارية لَنَظْرةً إذا كانت قبيحةً.

أبو العباس عن ابن الأعرابيّ يقال : فيه نَظْرةٌ ورَدَّةٌ وجَبْلةٌ ، إذا كان فيه عَيْبٌ.

وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم : أنَّ أبا ليلى الأعرابيّ قال : فيه رَدَّة أي يَرْتَدُّ البَصَرُ عنه مِن قُبْحه ، وفيه نَظْرةٌ أي قُبْحٌ ، وأنشد الرياشي :

لَقَدْ رَابَني أَنَّ ابنَ جَعْدَةَ بادِنٌ

وفي جِسْمِ لَيْلَى نَظْرَةٌ وشُحُوبُ

وفي الحديث : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم رأى جارية فقال : «إن بها نَظْرَة فاسْتَرْقُوا لها».

قيل : معناه أن بها إصابةَ عينٍ من نظر

٢٦٤

الجِنِّ إليها وكذلك بها سَفْعَة ، وقول الله جلّ وعزّ : (ناظِرِينَ إِناهُ) [الأحزاب : ٥٣].

قال أهل اللغة : معناه غير مُنْتَظِرين بلوغَه وإدراكَه ، يقال : نظرت فلانا وانتظرته بمعنى واحد.

قال الليث : فإذا قلت : انتظرت فلم يُجَاوِزك فِعْلك فمعناه : وقفتَ وتمهلتَ.

وقوله تعالى : (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) [الحديد : ١٣] قرىء (انْظُرُونا) و (أنظرونا) بقطع الألف ، فمن قرأ انْظُرُونا بضم الألف فمعناه انْتظِرونا ، ومن قرأ أَنظِرونا فمعناه أَخِّرُونا.

وقال الزجاج : قيل : إن معنى أَنْظرونا انْتظرونا أيضا.

ومنه قول عمرو بن كلثوم :

أَبَا هِنْدٍ فَلا تَعْجَلْ علينا

وأَنْظِرْنا نُخَبِّرْكَ اليَقِينَا

وقال الفراء : تقول العرب : أَنْظِرْني : أي انْتَظِرْني قليلا.

ويقول المتكلم لمن يُعْجِلُه : أَنْظِرْني أبْتَلعْ ريقي أي أَمْهِلْني ، ويقال : بِعْتُ فُلانا شيئا فأَنْظَرْتُه ، أي أَمْهلتُه ، والاسم منه النَّظِرةُ.

وقال الليث يقال : اشتريْتُه منه بِنَظِرة وبإِنْظار.

وقال الله جلّ وعزّ : (فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) [البقرة : ٢٨٠] أي إنظار ، واستنظر فُلانٌ فُلانا من النَّظِرَة ، والتَّنَظُّر تَوقُّعُ الشيء ، والمناظرة أن تُناظِر أخاك في أمر إذا نظرتما فيه معا كيف تأتيانه؟ والمَنْظَرَة مَنْظَرُ الرجل إذا نظرت إليه فأعجبك أو ساءك وتقول : إنه لذو مَنْظَرةٍ بلا مَخْبَرة.

قال والمنْظَرة مَوْضعٌ في رأس جَبل فيه رَقيبٌ يَنْظُر العَدوَّ ويحرُسُه ، والمنْظَر مصدرُ نَظَر ، والمنْظرُ الشيءُ الّذي يُعجِبُ الناظر إذا نظر إليه فَسَرَّهُ.

وتقول : إن فلانا لفي مَنْظَرٍ ومُسْتَمعٍ وفي رِيٍّ وَمَشْبَعٍ أي فيما أحَبّ النظر إليه والاستماع.

ويقال : لقد كنتُ عن هذا المقام بِمَنْظرٍ أي بمَعْزِلٍ فيما أحببت.

وقال أبو زُبيْد يخاطب غلاما له قد أَبَق فَقُتِلَ :

لقد كنتَ في مَنْظَرٍ ومُسْتَمَعٍ

عن نَصْرِ بَهْراءَ غيرَ ذي فَرَس

وتقول العرب : إنَّ فلانا لشديد الناظر إذا كان بريئا من التهمة ، ينظر بملء عينيه ، وشديد الكاهل أي منيع الجانب.

قال : ونَظارِ كقوْلِكَ انْتَظِرْ ، اسم وُضع مَوضع الأمْرِ ، ونَاظِرُ العين النُّقطةُ السوداء الصَّافية التي في وسط سواد العين ، وبها يَرَى الناظر ما يَرَى.

وقال غيره : الناظِرُ في العين كالمِرْآة إذا استَقْبلتَها أبصرتَ فيها شَخْصَك.

٢٦٥

الحراني عن ابن السكيت قال : النَّاظِران عِرقان مُكْتَنِفا الأنْفِ وأنشد :

وأَشْفِي مِن تَخَلُّجِ كلِّ جِنٍ

وأَكْوِي النَّاظِرَيْن مِن الخُنَانِ

وقال الآخر :

ولقد قَطَعْتُ نَواظِرا وحَسَمْتُها

مِمّن تَعَرَّض لِي من الشُّعَراءِ

وقال أبو زيد : هما عِرقان في مَجْرى الدَّمع على الأَنف من جَانِبَيْهِ.

وقال الليث : فلان نظيرُك أي مِثْلُك لأنه إذا نَظَرَ إليهما الناظرُ رآهما سواءً ، قال : والتَّأْنِيثُ النَّظِيرةُ ، والجميع النَّظَائِر في الكلام والأشياء كلها.

قال : ومَنْظُورٌ اسم رجل ، والمنظور الّذي يُرْجَى خيره.

ويقال : ما كان هذا نظيرا لهذا ، ولقد أَنْظَرَ به وما كان خَطِيرا ، ولقد أَخْطَرَ به ، والمنْظورُ أيضا الّذي أَصَابَتْه نَظْرةٌ ، ونظيرُك أيضا الّذي يُناظِرك وتُناظِرهُ.

وفي حديث ابن مسعود : لقد عرفتُ النظائر التي كان رسول الله يقوم بها ، عشرين سورةً من المفصَّل يعني سُوَر المفصَّل ، سميت نظائر لاشتِباه بعضِها ببعض في الطول ، وقول عَدِي : لم تُخطِىء نِظارتي ، أي فِراستي.

وقول الله جلّ وعزّ : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٢٣)) [القيامة : ٢٢ ، ٢٣] ، الأولى بالضاد والأخيرة بالظاء.

وقال أبو إسحاق : نَضِرتْ بنعيم الجنة والنَّظر إلى ربّها.

قال الله جلّ وعزّ : (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (٢٤)) [المطففين : ٢٤].

قلت : ومن قال : إنَّ مَعْنى قوله : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) بمعنى مُنْتظِرة ، فقد أخطأ لأن العربَ لا تقول : نظرتُ إلى الشيء بمعنى انْتظرتُه ، إنما تقول : نظرتُ فلانا أي انتظرته ومنه قول الحطيئة :

وقد نَظَرتكُمُ أَبْنَاءَ صَادِرَةٍ

لِلْوِرْدِ طال بها حَوْزِي وتَنْساسِي

فإذا قلت : نظرتُ إليه لم يكن إلا بالعين ، وإذا قلت : نظرتُ في الأمر احتمل أن يكون تفكُّرا ، وتَدَبُّرا بالقلب.

سلمة عن الفراء يقال : فلانٌ نَظُورَةُ قومه ونَظِيرةُ قومه ، وهو الّذي يَنْظُر إليه قومه يتَمثَّلون ما امتثله ، وكذلك هو طرِيقتُهم بهذا المعنى.

ويقال : نَظِيرةُ القومِ وشَيِّفتُهم : أي طَلِيعَتُهم ، وفَرسٌ نظارٌ إذا كان شَهْما طامحَ الطَّرْف حَديدَ القلب.

وقال الراجز :

* نأْيُ المعدَّين وأَيّ نَظَار*

قال أبو نخيلة :

* يتبعن نَظَّارَّيةً لم تُهْجَمِ*

نظَّاريَّةٌ : ناقةٌ نجيبةٌ من نِتاج النظَّار وهو

٢٦٦

فحل مُنْجبٌ من فحول العرب.

وقال جرير :

* والأرحَبِيُّ وجَدُّها النَّظَّارُ*

لم تُهجَمْ : لَم تُحلَبْ.

وقال الزهري : لا تُناظِرْ بكتاب الله ولا بكلام رسولِ الله.

قال أبو عبيد : أراد لا تجعل شيئا نَظيرا لِكتاب الله ولا لكلام رسول الله ، يقول : لا تتبِّع قولَ قائلٍ مَنْ كان وتدعهما له.

قال أبو عبيد : ويجوز أيضا مِن وجهٍ آخر ، أن تجعلهما مَثلا لِلشيء يُعرضُ مثل قول إبراهيم النخعي : كانوا يكرهون أن يذكروا الآية عند الشيء يَعْرِض من أمر الدنيا.

كقول القائل للرجل إذا جاء في الوقت الّذي يريد صاحبه : جئتَ على قَدَرٍ يا موسى ، هذا وما أشبهه من الكلام.

وحكى ابنُ السكيت عن امرأة من العرب أنها قالت لزوجها : مُرَّ بي على بَنِي نَظَرِي ولا تَمُرَّ بي على بنَاتٍ نَقَرِي ، أيّ مُرَّ بي على الرجال الذين نظروا إليَّ لم يَعيبُوني من وَرائي ، ولا تَمرَّ بي على النساء اللواتي يُنقِّرْن عن عُيوب مَن مَرَّ بهنَّ.

والعرب تقول : داري تَنْظُر إلى دار فلان ، ودُورُنا تَناظَرُ ، إذا كانت مُتحاذِيةً ، ويقال للسلطان إذا بَعَثَ أَمينا يَسْتَبْرِىء أمْرَ جماعةِ قريةٍ : بعث ناظرا.

وقال الأَصمعيّ : عددتُ إبل فلان نَظَائِر أي مَثْنى مَثْنى ، وعددتُها جَمارا إذا عَدَدْتَها وأنتَ تنظرُ إلى جماعتها.

وقلت : قوله تعالى : (فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) [الأعراف : ١٢٩] أي يرى ما يكون منكم فيجازيكم على ما يشاء ، هذه مما قد علم غيبه قبل وقوعه ، فقد رأيتموه وأنتم تنظرون وأنتم بُصَرَاء ولا عِلّةَ بكم ؛ وقوله : (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ) [فاطر : ٤٣] ، أي هل ينتظرون إلا نزول العذاب بهم ؛ وقَوله : (انْظُرْنا) [البقرة : ١٠٤] أي ارْقُبنا وانتظِرْ ما يكون منا.

ظ ر ف

استعمل من وجوهه : ظفر ، ظرف.

[ظرف] : أخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال : يقال إنك لغضيض الطَّرفِ نقي الظَّرف ، قال : الظرف دعاؤه يقول : لست بخائن.

قال الليث : الظرْفُ مَصْدر الظريف وقد ظَرُفَ يَظْرُف وهم الظرفاء وتقول : فِتْيَةٌ ظروف أي ظرفاء ، وهذا في الشعر يحسُن ، ونِسْوة ظِراف وظَرائف. وهُوَ البراعةُ وذكاءُ القلب ، ولا يوصف به السيد ولا الشيخ إنما يوصف به الفِتْيانُ الأَزْوَالُ والفَتَيَات الزَّوْلاتُ ويجوز في الشعر في مصدره الظَّرافَة.

أبو بكر : قال الأصمعيّ وابن الأعرابيّ :

٢٦٧

الظريف البليغ الجيد الكلام ، وقالا : الظرف في اللسان واحتجا بقول عمر : إذا كان اللص ظريفا لم يُقْطَعْ معناه ، إذا كان بليغا جيد الكلام احتجَّ عن نفسه بما يُسقط عنه الحد ، وقال غيرهما : الظريف الحسن الوجه والهيئة.

وقال الكسائي : الظرف يكون في الوجه واللسان يقال : لسان ظريف ووجه ظريف ، وأجاز ما أظْرف لِسانُه ، أظرفُ أم وجْهُهُ؟ في الاستفهام.

قال الليث : والظرف وِعاءُ كل شيء حتى إن الأبريق ظرف لما فيه ، والصفاتُ في الكلام التي تكون مواضع لغيرها تسمى ظروفا من نحو أمامَ وقُدَّامُ ، وأشباه ذلك تقول : خَلْفك زيدٌ ، إنما انْتَصَبَ لأنه ظَرْف لما فيه ، وهو موضع لغيره وقال غَيْرُه من النحويين : الخليل يُسمِّيها ظُروفا ، والكسائي يُسمِّيها المَحَالَّ ، والفراءُ يسميها الصِّفات والمعنى واحد ، وَروى أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال : الظّرْفُ في اللِّسان والحَلاوة في العَيْنَين والمَلَاحَةُ في الفَم ، والجمالُ في الأَنْف ، وقال مُحمد بن يزيد : الظريفُ مُشْتَقٌ من الظّرْف وهو الوِعاء كأنه جَعَل الظريفَ وعاء للأدب ومَكارِم الأخلاق ويقال : فلان يَتَظَرَّف وليس بِظَرِيفٍ.

ظفر : قال الليث : الظُّفْر ظُفْر الإصبع وظُفْر الطائِر والجميع الأظْفار وجمع الأظفار أظافير لأن أظفار بوزن إِعصار ، تقول : أظافيرُ وأعاصيرُ قال : وإن جاءَ ذلك في الشعر جاز كقوله :

* حَتَّى تَغَامَزَ رَبَّاتُ الأَخادِيرِ*

أراد جماعة الأخدار ، والأخدار جماعة الخِدْر ، ولا يُتكلّم به بالقياس في كلِّ ذلك سواء ، غير أن السمع آنس فإذا ورد على الإنسان شيءٌ لم يَسمعه مُستعملا في الكلام استوْحَشَ منه فنفَرَ ، وهو في الأشعار جَيِّد جائِزٌ ، ويقال للرجل : إنه لمَقْلُوم الظُّفْر عن أذى الناس ، إذا كان قَليلَ الأَذِيَّة لهم ، ويقال للمَهِينِ الضّعيفِ : إنه لَكَلِيلُ الظُّفرُ لا يَنْكِي عَدُوّا ، وقال طَرَفة :

* لسْتُ بالفَانِي ولا كَلِ الظُّفُر*

ويقال : ظَفَرَ فلانٌ في وجه فلان إذا غَرَزَ ظُفْره في لَحْمه فَعَقَره ، وكذلك التَّطْفِيرُ في القِثَّاء والبِطِّيخ والأشياءِ كلها ، والأَظفارُ شيء من العِطْر أسودُ شبيه بظُفْرٍ مُقتَلَفٍ من أصله يُجْعل في الدُّخْنَة ولا يُفْرَدُ منه الواحدُ ، وربما قال بعضهم : أَظْفَارةٌ واحدةٌ ، وليس بجائزٍ في القياس ويجمعونها على أَظَافِير ، وهذا في الطِّيبِ وإذا أُفْرِدَ شيءٌ من نحوها ينبغي أن يكُون ظُفْرا وفُوها وهم يقولون : أَظفارٌ وأظافيرٌ وأفواهٌ وأَفاويهُ لهذين العِطرين ، والظَّفَرةُ جُلَيْدة تُغشِّي العينَ تنبُتُ من تِلقاء المأْقِ ،

٢٦٨

وربما قُطِعَتْ ، وإنْ تُركتْ غَشِيَتْ بصرَ العين حتى يَكِلَّ ويقال : ظُفِرَ فلانٌ فهو مَظْفور ، وعين ظَفِرةٌ وقد ظفِرتْ عينُه.

أبو عبيد عن الكسائي : ظَفِرت العينُ إذا كان بها ظَفَرَة ، وهي التي يقال لها : ظَفَرَةٌ وظُفْرٌ.

ابن بُزُرْجَ : ظَفِرَتْ عينُه وظَفَرتْ سواء وهي الظَّفَارَةُ ، وأنشد أبو الهيثم :

ما القولُ في عُجَيِّزٍ كالحُمرَة

بِعَيْنِها من البُكاء ظَفَرَة

* حَلَّ أبْنُها في السِّجْنِ وَسْط الكَفَرَة*

شمر عن الفراء : الظَّفَرَةُ لَحْمَةٌ تَنْبُتُ في الحَدَقة.

وقال غيره : الظّفرة لحم ينبت في بياض العين ، وربما جلّل الحدقة.

وقال الليث : الظَّفَرُ الفوْزُ بما طلبتَ والفَلَجُ على من خاصمتَ ، وتقول : ظَفَّرَ اللهُ فُلانا على فلانٍ ، وكذلك أَظْفَرَه اللهُ وظَفِرْتُ به فأنا ظافِرٌ به وهو مَظْفور به.

وتقول : أظْفَرني الله به ، وفلان مُظَفَّر لا يَؤُوب إلا بالظَّفَر فَثُقِّلَ نَعْتُه لَلكثرة والمبالِغة وإن قيل : ظَفَّرَ اللهُ فلانا أي جَعَله مُظَفَّرا جاز وحسن أيضا ، وتقول : ظَفَّرَهُ عليه أي غَلَّبَه عليه وذلك إذا سُئِل أيُّهما أَظْفَرُ فأَخْبَرَ عن واحدٍ غَلَبَ الآخرَ فقد ظَفَّرهُ.

أبو زيد : يقال : ما ظَفَرَتْك عَيْنِي منذُ حين أي ما رأَتْكَ منذ حين ، وكذلك ما أَخَذَتْك عيني مُنْذُ حين.

أبو عبيد عن الكسائيّ : إذا طلع النَّبتُ قِيل : قد ظَفَّر تَظْفيرا ، قلت : وهو مأخوذ من الأظفار.

ابن السكيت يقال : جَزْعٌ ظَفَارِيٌ منسوب إلى ظَفَار ، اسم مدينة باليمن ، ومنه قولهم : من دَخَل ظَفَارِ حَمَّرَ أي تَعَلَّم الحِمْيَرِيَّة.

أبو عبيد عن الأصمعيّ : في السِّيَةِ الظُّفْرُ وهو ما وَرَاءَ مَعْقِدِ الوَتَر إلى طَرَف القَوْس.

وقال غيره يقال للظُّفْرِ : أُظْفُورٌ وجمعه أَظافيرُ وأنشد فقال :

مَا بَيْن لُقْمتها الأُولى إذا ازْدَرَدَتْ

وبَيْنَ أخْرَى تَليها قِيسَ أُظْفُورِ

وقال ابن بُزُرْجَ : تظافر القومُ عليه ، وتظافروا وتظاهروا بمعنى واحد ، وقول الله جلّ وعزّ : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) [الأنعام : ١٤٦] دخل في ذي الظُّفْر ذواتُ المناسِم من الإبل والنَّعَم لأنها كلها كالأظفار لها.

ظ ر ب

ظرب ، بظر : [مستعملة].

[ظرب] : في حديث الاستسقاء : «اللهم على

٢٦٩

الآكام والظِّرَابِ وبطون الأودية والتِّلال».

أبو عبيد قال : الظِّرابُ الروابي الصِّغار ، واحدها ظَرِب.

وقال الليث : الظَّرِب من الحجارة ما كان أصله نَاتِئا في جبل أو أرض حَزْنة ، وكان طَرَفُه النَّاتِىءُ محدَّدا ، وإذا كان خِلْقَةُ الجَبل كذلك سمي ظَرِبا وقال رؤبة :

* شَدّا يُشَظِّي الجَنْدَلَ المُظَرَّبَا*

وقال الآخر :

إنَّ جَنْبِي عن الفِراش لنابٍ

كتجافِي الأسَرِّ فَوقَ الظِّرابِ

وكان عامر بن الظَّرِب مِن فُرسان بني حِمَّان بن عبد العزَّى.

وقال المفضل : المُظَرَّب الّذي قد لَوَّحته الظِّراب.

وقال غيره : ظُرِّبَتْ حوافرُ الدابة تَظْرِيبا فهي مُظَرَّبة إذا صَلُبَتْ واشتدتْ.

وقال أبو مالك في قول لبيد يصف فرسا :

وَمُقَطِّعٍ حَلَقَ الرِّحَالةِ سابِحٍ

بادٍ نَواجِذُه عن الأظْرَابِ

قال : يُقطِّع حَلَقَ الرِّحالة بوثُوبِه وتبدو نَوَاجذه إذا وَطِىءَ على الظراب أي كَلَح ، يقول : هو هَكَذا وهذه قوّتُه.

شمر عن ابن شُمَيل : الظَّرِبُ أصغر الأكام وأحَدُّه حَجَرا ، لا يكون حَجَرُه إلا ظُرَرا أبيضُه وأسودُه ، وكلُّ لون ، وجمعه أَظْرابٌ.

أبو عبيد عن أبي زيد : الظَّرِبَاءُ ممدود على فَعِلاء دابة شِبْهُ القِرْد.

قال : وقال أبو عمرو : هو الظَّرِبَانُ بالنون ، وهو على قَدْرِ الهِرِّ ونحوه.

وقال أبو الهيثم : هي الظَّرِبَى مقصور والظَّرِباء ممدود لَحْن ، وأنشد قول الفرزدق :

فَكَيْفَ تُكَلِّمُ الظَّرِبَى عَلَيْها

فِراءُ اللُّؤْمِ أَرْبابا غِضَابَا

قال : الظَّرِبَى جمعٌ في غير معنى التَّوْحيد.

قلت : وقال الليث : هي الظِّرِبَى مقصورٌ كما قال أبو الهيثم ، وهي الصوابُ.

ورَوَى شمر عن أبي زيد : هو الظَّرِبانُ وهي الظَّرابِيُ بغير نون وهي الظِّرْبَى ، الظاءُ مكسورةٌ والرَّاءُ جَزْمٌ والبَاءُ مَفْتُوحةٌ وكلاهما جِمَاعٌ وهي دابَّةٌ شَبِيهَةٌ بالقِرْد ، وأنشد :

لو كنت في نارِ جَحِيمٍ لأَصْبَحَتْ

ظَرابِيُ من حِمَّان شَتَّى تُثِيرُها

قال أبو زيد : والأُنْثى ظَرِبَانَةٌ.

وقال البعيث :

سَوَاسِيَةٌ سُودُ الوُجوهِ كَأَنَّهم

ظَرَابِيُ غِرْبَانٍ بمجْرُودَةٍ مَحْلِ

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : من أمثالهم : هما يَتَمَاشَنَانِ جِلْد الظَّرِبان ، أي

٢٧٠

يتشاتمان ، والمَشْنُ مَسْحُ الْيَدَيْن بالشيء الخَشِن.

وقال المنذري : سمعت أبا الهيثم يقول : يقال : هو أَفْسَى من الظَّرِبانِ ، وذلك أنها تَفْسُو على باب جُحْر الضَّبِ حتى يخرجَ فيصادَ.

وفي الحديث : إذا غَسَقَ الليلُ على الظِّراب ، واحدها ظَرِب ، وهو من صِغار الجبال ، وإنما خصّ الظراب لِقِصَرها ، فأراد أَنَّ ظُلمته تقرب من الأرض.

بظر : ثعلب عن ابن الأعرابيّ : البُظْرَةُ نُتُوءٌ في الشَّفَةِ ، وتصغيرها بُظَيْرةٌ ، قال : والبَظْرة ـ بسكون الظاء ـ حَلْقَةُ الخاتَم بلا كُرْسِيٍّ ، وتصْغيرُها بظَيْرةٌ أيضا. قال : والبُظَيْرة تصغير البَظْرَةِ وهي الفليلةُ من الشَّعَر في الإبْط يَتَوانى الرجل عن نَتْفها ، فيقال : تحت إبطه بُظَيْرةٌ قال : والبَضْرُ ـ بالضاد ـ نَوْفُ الجارية قبل أن تُخْفَض.

وقال المفضل : مِن العربِ مَن يُبدِلُ الظاء ضادا فيقول قد اشتكى ضَهْري بمعنى ظَهْري ، ومنهم مَن يُبدل الضادَ ظاءً فيقول : قد عَظَّت الحربُ بني تميم.

الليث عن أبي الدقيش : امرأةٌ بِظْرِيرٌ وهي الصَّخَّابة الطويلةُ اللسان ، وروى بعضهم : بطرير لأنها قد بَطِرَتْ وأشِرَت.

قال : وقال أبو خيرة : امرأة بِظْرِيرٌ : شُبِّه لسانُها بالبَظْرِ.

وقال الليث : قول أبي الدقيش :

* أَحَبُّ إلينا وبَظْرُها معروف*

وقال : يقال : فلان يُمِصُّ فلانا ويُبظِّرُه وامرأة بَظْراء والجميع بُظْرٌ والبَظَر المصدر من غير أن يقال : بَظِرَتْ تَبْظَرُ ، لأنه ليس بحادث ولكنه لازم ، ورجل أَبْظَرُ في شَفَته العُليا طولٌ مع نُتُوء وسطها.

وروي عن عليّ أنه أُتِيَ في فريضة وعنده شُرَيْحٌ فقال له عَلِيٌّ : ما تقول فيها أيُّها العبد الأبْظَرُ؟

ويقال لِلَّتي تخفض الجواري : مُبَظِّرةٌ.

وقال اللحياني : يُقالُ لِلْبَظْرِ : البُظَارَةُ والبَيْظَرُ والبُنْظُرُ والكَيْنُ والرَّفْرَفُ والنَّوْفُ.

قال : ويقال للناتىء في أسفل حَيَاءِ الناقة البُظارة أيضا.

ظ ر م : مهمل.

أبواب الظَّاء واللام

ظ ل ن : مهمل.

ظ ل ف

ظلف ، لفظ : [مستعملة].

[ظلف] : قال الليث : الظِّلْفُ : ظِلْفُ البقرة وما أشبهها ممَّا يَجْتَرُّ وهو ظُفْرها.

وقال ابن السكيت : يقال : رِجْلُ الإنسان وقَدمُه وحافرُ الفرس وخُفُّ البَعير والنَّعامةِ وظِلْفُ البقرةِ والشاةِ.

٢٧١

وقال الليث : يُستعارُ الظِّلْفُ للخيل وأنشد قول عمرو بن معديكرب :

* وخَيْلٍ تَطأْكم بأَظْلافِها*

وأخبرني المنذري عن أبي طالب عن الفراء : قال تقول العرب : وَجَدَتْ الدابةُ ظِلْفَها ، يُضرب مَثَلا للذي يَجدُ ما يُوافِقه وتكونُ فيه إرادتُه ، من الناس والدوابّ.

قال الفراء : الظَّلَفُ من الأرض تَسْتَحِبُّ الخيلُ العَدْوَ عليها ، وأرض ظَلِفَةٌ لا يَسْتَبِينُ المشيُ عليها من لِينِها.

وأخبرني المنذريُّ عن الطُّوسِي عن الخراز عن ابن الأعرابيّ : قال : الظَّلَفُ ما غَلُظَ من الأرض وأنشد لابن الأحْوَص :

أَلَمْ أَظْلِفْ عَن الشُّعراء عِرْضِي

كما ظُلِفَ الوَسِيقَةُ بالكُراعِ

قال : هذا رجلٌ سَلَّ إبلا فأخذ بها في كُرَاعِ من الأرض لئلا تَسْتَبِينَ آثارُها فَتُتَّبَع ، قلت : جَعَل الفرَّاءُ الظَّلَفَ ما لان من الأرض ، وجَعَلها ابن الأعرابيّ ما غَلُظَ من الأرض ، والقول قول ابن الأعرابيّ ، الظَّلَفُ من الأرض ما صَلُب فلم يُؤَدِّ أثرا ، ولا وُعوثَةَ فيها فيشتدُّ على الماشي المشيُ فيها ، ولا رَمْلَ فَتَرْمَضُ فيها النَّعَم ، ولا حجارةَ فتحْفَى فيها ، ولكنها صُلْبَةُ التُّربة لا تُؤَدِّي أثرا.

وروي عن شمر لابن شميل فيما قرأت بخطه : الظَّلِفَةُ الأرض التي لا تَتَبَيَّنُ فيها أثرا ، هي قُفٌّ غليظُ ، وهي الظَّلَفُ.

وقال يزيد بن الحكم يصف جارية :

تشكو إذا ما مَشَتْ بالدِّعْصِ أَخْمَصَها

كأَنَّ ظَهْرَ النَّقا قُفٌّ لَهُ ظَلَفُ

قال : وقال ابن الأعرابيّ : أَظْلَفَ الرجلُ إذا وَقع في موضعٍ صُلْبٍ ، وأنشد بيتَ عوف بن الأحوص :

* أَلم أَظْلِفْ عَنْ الشُّعراء عِرْضِي*

قال : وسارقُ الإبل يحْمِلُها على أرض صُلْبة لئلا يُرى أَثَرُها ، والكُرَاعُ من الحرَّة ما استطال.

قال : وقال الفراء : أرض ظَلِفٌ وظَلِفَةٌ إذا كانت لا تُؤَدِّي أثرا ، كأنها تمنع من ذلك.

ومنه يقال : ظَلَفَ الرجلُ نفسَه عما يَشِينُها إذا مَنَعها.

وقال غيره : الأُظْلُوفَة من الأرض القِطْعَةُ الحزْنَةُ الخَشِنَةُ ، وهي الأَظاليفُ ، ومكان ظَلِيفٌ حَزْنٌ خَشِنٌ ، قال : والظَّلْفَاءُ صَفَاةٌ قد استوت من الأرضِ مَمْدودةً ، قال : ويقال : أقامه الله على الظَّلَفَاتِ ، أي على الشِّدَّةِ والضِّيق.

وقال طُفَيْل الغَنَويّ :

هُنالِك يَرْويها ضَعِيفي ولم أُقِمْ

على الظَّلَفَاتِ مُقْفَعِلَّ الأنَامِل

ورُوي عن عمر بن الخطاب أنه قال

٢٧٢

لراعي غنمه : عليكَ الظَّلَفَ من الأرض لا تُرَمِّضْها ، قلت : أَمَره بأن يَرْعاها في صَلاباتِ الأرض لئلا تَرْمَضَ فَتَتْلَفُ أظْلافُها ، لأن الشَّاءَ إذا رُعيتْ في الدِّهاسِ وحَمِيتْ الشمسُ عليها أَرْمَضَتْها ، والصَّيَّادُ في الباديةَ يلْبس مِسْمَاتَيْهِ وهما جَوْرَباه في الهاجِرة الحارَّة فَيثيرُ الوحشَ عن كُنُسِها ، فإذا مَشَتْ في الرَّمْضاءِ تساقَطَتْ أظلافُها ، وأخذها المُسْتَمِي ويقال لهم : السُّمَاةُ واحدُهم سَامٍ.

وقال الليث : الظَّلِفَةُ طَرَفُ حِنْو القَتَبِ وحِنوِ الإكافِ ، وأشباه ذلك مما يلي الأرض من جوانبها ، قال : والظَّلِيفُ الذَّليلُ السَّيِّيءُ الحال في معيشته ، وقال : ذهب به مَجَّانا وظَليفا إذا أَخَذَه بِغَيْر ثمنٍ ، وأنشد :

أَيَأْكُلُها ابنُ وَعْلَةَ في ظَلِيفٍ

ويَأْمَنُ هَيْثَمٌ وابْنَا سِنانِ

عمرو عن أبيه ، قال : الظِّلْفُ الحاجة ، والظِّلْفُ المتابَعَةُ في المَشي. وغيره ، ويقال : جاءَتْ الإبل على ظِلْفٍ واحد ، قال : والظِّلْفُ الباطلُ ، والظِّلْفُ المُبَاحُ.

أبو عبيد عن أبي عمرو : ذهب دَمُه ظَلْفا وظَلَفا بالظَّاء والطَّاء معناه هَدْرا.

قال : وقال أبو زيد : أخذتُ الشيءَ بظَلِيفتِه إذا لم يَدَعْ منه شيئا.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : غَنَمُ فلانٍ على ظِلْفٍ واحد ، وقال مرة : على ظَلَفٍ إذا ولدتْ كُلَّها.

أبو عبيد عن أبي زيد قال : وفي الرَّحْل الظّلِفَاتُ ، وهي الخَشَبَاتُ الأربع اللواتي يَكُنَّ على جَنْبَيْ البَعير.

وقال الأصمعيّ : مِثْلُه.

قال أبو زيد : ويقال لأعلى الظَّلِفَتَيْن مما يَلي العَرَاقِيَ العَضُدَان وأسفلهما الظَّلِفَتَان ، وهما ما سَفَل من الحِنْوَيْنِ الواسط والمُؤْخِرة.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : ذَرَّفْتُ على الستين وظَلَّفْتُ ورَمَّدْتُ وطَلَّفْتُ ورَمَّثْتُ ، كل هذا إذا زِدْتَ عليها.

وفي «النوادر» : أَظْلَفْتُ فلانا عن كذا وكذا وظَلَّفْتُه وشَذَّيْتُهُ وأَشْذَيْتُهُ إذا أَبْعَدْتَه عنه.

لفظ : قال الليث : اللفظ أَنْ تَرمِيَ بشيءٍ كان في فيك ، والفعل لَفَظَ يَلْفِظ لَفْظا ، والأرض تَلْفِظُ الميتَ إذا لم تَقْبَلْه ، ورَمَتْ به ، والبحرُ يَلْفِظُ الشيء ، يرمي به إلى الساحل ، والدنيا لافِظَةٌ ترمي بمنْ فيها إلى الآخرة ، وكل طائر يَزُنُّ أنثاه ، فهو لافِظَة ، ومن أمثالهم : أسْخَى من لافِظَةٍ يعنون الدِّيكَ.

أبو عبيد عن أبي زيد يقال : فلانٌ أَسْخَى من لافظَةٍ ، ويقال : أنها الرَّحَى سُمِّيت بذلك لأنها تَلْفِظُ ما تَطْحَنُه ، ويقال : أنها

٢٧٣

العَنْزُ ، وَجُودُها أنها تُدْعى للحَلَب وهي تَعْتَلِف فَتُلقِي ما في فِيها وتُقْبل إلى الحالب لتُحْلَبَ وهذا التفسير ليس عن أبي زيد.

قلت : واللَّفْظُ لفظ الكلام. قال الله جلَّ وعزَّ : (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨)) [ق : ١٨] ويقال : لَفَظَ فلانٌ عَصْبَه إذا ماتَ ، وعَصْبُه ريقُه الّذي عَصَبَ بفيه أي غَرِيَ به فَيَبِسَ.

وقال أبو العباس أحمد بن يحيى : اختلفوا في قولهم : أَسْمَحُ من لافِظةٍ.

فقال المفضل : هو الدِّيك.

وقال غيره : العَنْزُ.

وقال آخرون : هي الرحَى ، ويقال : هو البحر لأنه يقذف كل ما فيه.

ظ ل ب : أهْمِلتْ وجوهها.

ظ ل م

ظلم ، لمظ : [مستعملة].

[ظلم] : سلمة عن الفراء في قول الله جلَّ وعزَّ : (وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا) [البقرة : ٢٠] فيه لغتان : أَظْلَمَ. وظَلِم. بغير ألف.

وقال أبو عبيد : في ليالي الشهر بعد الثلاثِ البيضِ ثَلاثٌ دُرَعٌ وثَلاثُ ظُلَمٌ ، قال : والواحدةُ من الدُّرَع ، والظُّلَمِ دَرْعاء وظَلْماء.

وأخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم وعن أبي العباس المبرّد أنهما قالا : واحدةُ الدُّرَعِ والظُّلمِ دُرْعَةٌ وَظُلْمة ، قلت : وهذا الّذي قالاه هو القِياسُ الصحيحُ ، ويجمع الظُّلَمةُ ظُلَمٌ وظُلْمات وظُلُمات.

وقال الليث : الظُّلْمةُ ذَهابُ النور ، وجمعه الظلَم ، قال : والظُّلامُ اسم لذلك ، ولا يُجمع ، يَجْرِي مَجرى المصدر كما لا يجمع نظائرهُ نحو السواد والبياض. قال : وليلة ظَلماءُ ، ويوم مُظلم شديدُ الشر ، وأَظلم فلان علينا البيتَ : إذا أسمعك ما تكره ، قلت : أَظلم يكون لازِما وواقعا ، وكذلك أيضا يكون بالمعنيين أَضاء السراجُ بنفسه بمعنى ضاء ، وأَضاء السراجُ الناسَ ، وأَضأْتُ السراجَ فأَضاء وضاء ، ويقال : ظلمه يظلمه ظَلما وظُلما فالظَّلْم مصدرٌ حقيقي ، والظُّلمُ الاسم يَقوم مقام المصدر ، ومن أمثال العرب في الشَّبهِ : من أَشْبَهَ أباه فما ظَلَم.

قال الأصمعيّ : ما ظَلَم أي ما وَضَع الشَّبَه في غير موضعه ، قال : وأصل الظُّلم وَضعُ الشيء في غير موضعه.

وقال الفراء في قول الله جلّ وعزّ : (وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [النحل : ١١٨] قال ما نَقَصُونا شيئا بما فعلوا ولكن نَقَصُوا أنفسهم ، قال : والعرب تقول ظَلَمَ فلانٌ سِقَاءه إذا سقاه قبل أن يُخْرَجَ زُبْدُهُ.

٢٧٤

وقال أبو عبيد : إذا شُرِبَ لَبَنُ السِّقاء قبل أن يَبْلُغ الرُّؤوبَ فهو المظلومُ والظَّليمةُ ، يقال : ظَلَمْتُ القومَ إذا سَقَاهم اللَّبن قبل إدْراكِه.

قلت : هكذا رُوِيَ لنا هذا الحرف عن أبي عبيد : ظَلَمْتُ القومَ ، وهو وَهْمٌ.

أخبرني المنذريّ عن أبي العباس أحمد بن يحيى وعن أبي الهيثم أنهما قالا : يقال : ظَلَمْتُ السِّقاءَ وظَلمت اللبنَ إذا شَرِبته أو سَقيتَه قبل إدراكِهِ وإخراج زُبدته.

وقال ابن السكيت : ظَلمْت وَطْبِي القومَ أي سقَيْته قبل رُؤوبه وأنشد شمر :

وقائلةٍ ظَلمتُ لكم سِقائي

وهل يَخْفَى على العَكدِ الظليمُ

وقال الفراء يقال : ظلَم الوادي إذا بَلغ الماءُ منه مَوْضعا لم يكن ناله فيما خَلا ولَا بَلَغه قبلَ ذلك ، وأنشدني بعضهم يصف سَيْلا :

يَكادُ يَطْلعُ ظُلْما ثم يَمنعُه

عن الشَّواهِق فالوادي به شَرِقُ

قال ويقال : لَهو أظلم من حَيَّةٍ ، لأنها تَأتِي الجُحْرَ لم تَحْفرْه فتسكنه ، قال ويقولون : ما ظَلمك أَنْ تفعل ، قال : والأرضُ المظلومةُ التي لم ينلْها المطرُ ، قال : وقال رجل لأبي الجرَّاح : أَكلْتُ طعاما فاتَّخَمْتُه فقال أبو الجراح : ما ظلمك أن تَقِيءَ قال : وأنشدني بعضهم :

قالتْ له مَيٌّ بأَعلى ذي سَلَمْ

ألا تَزُورُنا إن الشَّعْبُ أَلَمّ

* قال بَلى يَامَيُّ واليومُ ظَلَمْ *

قال الفراء : هم يقولون : معناه حَقّا وهو مَثَلٌ.

قال : ورأيتُ أنهُ لا يَمنعني يَوْمٌ فيه عِلَّةٌ تمنعُ.

أبو عبيد عن أبي زيد يقول : لَقِيتُه أَدْنَى ظَلَمٍ أي لَقيته أَوَّلَ شيء ، قال : وإنه لأَوَّلُ ظَلَم لقيته إذا كان أَوَّلَ شيء سَدَّ بصَرَك بِليل أو نهار ، ومثله لقيته أوَّلَ وَهْلَةٍ ، وأَوَّلَ صَوْكٍ ، وبَوْكٍ.

قالَ : وَقالَ الأمَوي : أدْنى ظَلَمٍ أي القريب.

قلت : وكان ابن الأعرابيّ يقول : في قوله : قال : بَلَى يا مَيُّ واليوم ظَلَم ، أي حقا يقينا ، وأُراه قولَ المفَضَّل وهو شبيهٌ بقول من قال في : لا جَرَم ، أيْ حقّا ، يُقيمه مُقامَ اليمين ، وللعرب ألفاظٌ في الأيمان لا تُشْبهها كقولهم عَوْضُ لا أفعلُ ذلك ، وجَيْرِ لا أفعلُ ذلك.

وقال ابن السكيت في قول النابغة :

إلَّا أَوارِيَّ لأيا ما أُبَيِّنها

والنُّؤْيُ كالحوض بالمظلومَة الجلَدِ

قال النُّؤْيُ الحاجزُ حول البيت من تراب فَشَبَّه داخل الحاجز بالحوض ، بالمظلومة يَعني أَرْضا مَرُّوا بها في بَرِّيّة فتحوَّضوا

٢٧٥

حوضا سَقْوا فيه المِهارَ ، وليستْ بموضع تحويض يقال : ظلمت الحوضَ إذا عمِلتَه في موضعِ لا تُعمل فيه الحياضُ ، قال : وأصل الظُّلمِ وَضع الشيء في غير مَوضعه ، ومنه قوله : واليومَ ظُلْم أي واليومَ وضع الشأن في غير موضعه ، ومنه قول ابن مُقبل :

* هُرْتُ الشَّقاشِق ظَلَّامون للجُزَر*

أي وضعوا النَّحر في غير مَوضعه ، وظَلم السَّيلُ الأرض إذا خَدَّد فيها من غير مُوْضعِ تَخديد وأنشد للحُوَيدِرَة :

ظَلَم البطاحَ بها انْهِلالُ حرِيصةٍ

فَصَفا النطافُ بها بُعَيْدَ المُقْلَعَ

قال : وظَلمتُ سِقائي أي سقيتهم إياه قبل أن يروب وأنشد :

وصاحبِ صِدْق لم تَنلني أذاتُه

وفي ظلْمي له عامدا أجْرُ

قال : هكذا سمعت العرب تنشده : وفي ظَلْمي بنصب الظاء.

قال : والظُّلْمُ الاسم والظَّلم بالفتحِ العملُ ، وقال الأصمعيّ في قول زهير :

* ويُظلم أَحْيانا فَيَظَّلم *

أي يُطلبُ منه في غير موضع الطلب.

وقال الليث : الظَّلْم يقال هو الثَّلْجُ ويقال هو الماء الّذي يَجرِي على الأسنان من اللون لا من الريق ، قال كعب بن زهير :

تَجْلو عَوارِضَ ذي ظَلْم إذا ابتَسَمَتْ

كأَنهُ مَنْهَلٌ بالرّاح مَعْلولُ

وقال الآخر :

إلى شَنْبَاءَ مُشْرَبَةِ الثَّنايا

بماءِ الظَّلْم طيِّبةِ الرُّضابِ

قال : يحتمل أن يكون المعنى بماءِ الثَّلج.

قال شمر : الظَّلْم بياض الأسنان كأنه يعلوه سواد ، والغُروب ماء الأسنان ، وقال الكميت : ثم أنشد البيت.

وقول الله جلّ ثناؤه : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) [الأنعام : ٨٢].

قال ابنُ عبَّاس وجماعةُ أهل التفسير : لم يُغَطُّوا إيمانهم بشرك ، رَوى ذلك حُذيفة وابن مسعود وسلمان ، وتأَوَّلوا فيه قول الله جلّ وعزّ حكاية عن لُقمان : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان : ١٣] والظُّلْمُ الميْل عن القَصد ، وسمعتُ العرب تقول : الْزَمْ هذا الصوبَ ولا تَظْلِم منه شيئا ، أي لا تَجُرْ عنه.

وقال الباهلي في كتابه : أرض مظلومة إذا لم تُمْطَرْ ، ويُسَمَّى ترابُ لَحْدِ القبرِ ظَلِيما لهذا المعنى وأنشد :

فأَصْبحَ في غَبْرَاءَ بَعْدَ إشاحةٍ

على العَيْش مَرْدودٍ عليها ظَلِيمُها

يَعْني حُفْرَة القَبْر ، يُرَدُّ تُرابُها عليه بعد دَفْنِ الميتِ فيها ، والظَّلِيمُ الذَّكر من النَّعام وجمعه الظُّلْمَانُ والعَددُ ثلاثةُ أَظْلِمَةٍ.

٢٧٦

قال الليث : الظُّلامَة اسم مَظْلِمَتك التي تَطلبها عِند الظالم ، يقال : أخذها منه ظُلامَة ، ظَلَّمْتُه تَظْليما إذا نَبَّأْتَه أنه ظالمٌ ، ويقال : ظُلِمَ فلان فاظَّلَمَ ، معناه أنه احْتمل الظُّلْمَ بِطيبِ نَفْسٍ ، وهو قادر على الامتناع منه ، وهو افتعال ، وأصله اظْتَلَمَ فَقُلِبَتِ التاء ظاء ثم أُدغِمَتْ الظاء فيها ، والسَّخِيُّ إذا كُلِّفَ ما لا يَجِدُه مَظْلُومٌ أو سُئِل ما لا يُسْأَل مِثله فاحْتمله فهو مُظَّلمٌ ، وهو قوله : قد يُظلم أحيانا فَيَظَّلِمُ. وقال غيره : ظَلَمَ الحِمارُ الأتانَ إذا كَامَها ، وقد حَمَلَتْ ، وهو يَظْلِمها ظَلْما ، وأنشد أبو عمرو الشاعر يصف أُتُنا :

ابَنَّ عَقَاقا ثمَ يَرْمَحْنَ ظَلْمَةً

إباءً وفيه صَوْلَةٌ وذَمِيلُ

وقال ابن الأعرابيّ : وَجَدْنا أرضا تَظَالمُ مِعْزاها ، أي تَتَنَاطَحُ من النَّشاطِ والشِّبع.

ويقال : أَظْلَمَ الثَّغْرُ إذا تلألأ عليه كالماء الرقيق من شدة رَفيفه ومنه قول الشاعر :

إذا ما اجْتَلى الرانِي إليْها بِطَرْفِه

غُرُوبَ ثَناياها أَضَاءَ وأَظْلَما

أضاءَ أي أَصاب ضَوْءا ، وأَظْلَمَ أصاب ظَلْما ، والمتَظَلِّم الّذي يشكو رَجُلا ظَلَمه ، والمتَظلِّم أيضا الظالم ومنه قول الشاعر :

* نَقِرُّ ونأبَى نَخْوَةَ المتظَلِّمِ *

أي نَأْبَى كِبْر الظالم ، ويقال : تظَلَّم فُلان إلى الحاكم مِن فلان فَظَلّمَهُ تَظليما أي أنْصَفَه من ظَالِمِه وأعانَهُ عليه.

وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ :

إذا نفحات الجود أفْنينَ مالَه

تَظَلُّم حتى يُخْذَل المتظلِّمُ

قال : أي أغار على الناس حتى يَكثُرَ مالُه. قلت : جعل التظلم ظُلما ، لأنه إذا أغار على الناس فقد ظَلمهم ، قال : وأنشد لجابر الثعلبي :

وعمرُو بنُ همامٍ صفعنا جبينَه

بشنعاء تَنْهَى نخْوةَ المتظلِّم

قلت : يريد به نخوة الظالم.

أبو العباس عن ابن الأعرابيّ : ومِن غَريب الشَّجَر الظِّلَمُ واحدها ظَلْمَةٌ وهو الظِّلَّامُ والظَلَام والظَّالمُ.

وقال الأصمعيّ : هو شَجَرٌ له عَساليجُ طوال وتَنْبَسِط حتى تَجوزَ حَدَّ أصلِ شَجَرها فمنها سمَّيت ظِلَاما.

وقال ابن الأعرابيّ : الظَّلَمةُ المانعون أهلَ الحقوق حقوقَهم.

يقال : ما ظَلَمك عن كذا أي ما مَنَعَك.

وقال غيره : الظُّلْمُ الظَّلَمةُ في المعاملة.

وفي الحديث : «إذا أتيتم على مَظْلُومٍ فأغِذُّوا السير» قلت : المظْلُوم البَلَدُ الّذي لم يُصِبْه غَيْثٌ ولا رِعْيَ فيه للرِّكَابِ.

وقال ابن شميل عن المؤرج : سمعت أعرابيا يقول لصاحبه : أَظْلَمِي وأَظْلَمَك ،

٢٧٧

فَعَلَ الله به ، أيّ الأظَلَمُ مِنِّي ومِنْك.

وقوله تعالى : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا) [البقرة : ١٥٠] إلا أن يقولوا ظُلما وباطلا ، كقول الرجل : ما لي عِنْدَك حقٌ إلا أن تقول الباطل.

وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) [النساء : ٩٧] أي تتوفاهم في خلال ظُلْمهم.

وقوله : (فَظَلَمُوا بِها) [الأعراف : ١٠٣] ، أي بالآيات التي جاءتهم ؛ لأنهم لمَّا كفروا بها فقد ظلموا ، ويقع الظلم على الشرك.

قال الله : (وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) [الأنعام : ٨٢] أي بشركٍ.

ومنه قول لقمان : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان : ١٣](فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا) [النمل : ٥٢] أي بكفرهم وعصيانهم ، ومن جَعَل مع الله شريكا فقد عَدَل عن الحق إلى الباطل ، فالكافر ظالم لهذا الشأن.

ومنه حديث ابن زِمْل : لزِمُوا الطريقَ فَلم يَظْلِمُوه أي لم يَعْدِلوا عنه.

وحديثَ أم سلمة : أن أبا بكر وعمر ثَكَما الأمرَ فلم يظلما عنه ، أي لم يعدلا عنه.

يقال : أخذ في طريقٍ فما ظَلَمَ يمينا ولا شِمالا ، أي ما عدل ، والمسْلِمُ ظالمٌ لنفسه لِتَعَدِّيه الأمور المفترضة عليه.

ومنه قوله : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) [الأعراف : ٢٣] ويكون الظلم بمعنى النقصان ، وهو راجع إلى المعنى الأول.

قال الله تعالى : (وَما ظَلَمُونا) [البقرة : ٥٧] أي ما نَقَصُونا بفعلهم من مِلْكنا شيئا ولكن نَقَصُوا أنفسهم وبَخَسُوها حقَّها قال : وفي الحديث : إنَّه دُعِيَ إلى طَعَام وإذا البيتُ مُظلَّم فانصرفَ ولم يَدْخل ـ المَظَّلمُ المزوَّقُ مأخوذ من الظَّلْمِ وهو الماء الّذي يجري على الثَّغْر.

وقال بعضهم : الظَّلْم مُوهَةُ الذهب والفضة ، قلت : لا أعرفه.

لمظ : أبو عبيد : التَّمَطقُ والتَّلَمُّظُ والتَّذَوُّقُ ، وقد يقال في التَّلمظ : إنه تحريكُ اللسانِ في الفم بعد الأكل كأنه يَتَتَبَّعُ بقيةً من الطعام بين أسنانه ، والتَّمَطُّقُ بالشفَتين أي تضم إحداهما بالأخرى مع صوتٍ يكون منهما.

أبو زيد : ما عندنا لَماظٌ أي طعام يُتَلَمَّظُ.

ومنه ما يستعمله الكتبة في كتبهم وفي الديوان : قد لَمظْناهم أي أعطيناهم شيئا يتلمظونه قبل حلول الوقت ويُسمى ذلك اللُّماظة.

ويقال : لَمِّظْ فلانا لُماظَةً أي شيئا يَتَلَمَّظُهُ.

وفي حديث علي رضي‌الله‌عنه : الإيمان يبدو لُمْظَةً في القلب ، كلما ازداد الإيمان ازدادت اللُّمْظةُ.

قال أبو عبيد : وقال الأصمعيّ : قوله :

٢٧٨

لُمْظَة هي مثل النُّكْتة أو نحوها من البياض ، ومنه قِيلَ : فرسٌ أَلمَظُ إذا كان بجَحْفَلته شيءٌ من البياض.

وقال غيره : فإذا ارتفع البياض إلى الأنف فهي رُثْمَةٌ والفرس أَرْثَمُ انتهى.

أبواب الظاء والنون

ظ ن ف

استعمل منه : [نظف].

نظف : قال الليث : النَّظَافةُ مصدرُ النظيف والفعل اللازم منه : نَظُف ، والمجاوز نظَّف ينظِّف تنظيفا ، اسْتَنْظَف الوالي ما عليه من الخراج أي استوفى ، ولا يستعمل التَّنظيفُ في هذا المعنى.

قلت : التَّنَظُّف عند العرب شِبْهُ التَّنَطُّسِ والتَّقَزُّزِ ، وطلبِ النظافة من رائحة غَمَرٍ أو نَفْي زُهُومَةٍ ، وما أشبهها ، وكذلك غَسْلُ الوَسَخ والدَّرَنِ والدَّنَس ، ويقال لِلأُشْنانِ وما أشبهه : نظيفٌ لِتنظِيفِه اليَدَ والثوب من غَمَرِ اللَّحْمِ والمَرَقِ وَوَضَرِ الوَدَكِ وما أشبهها.

قال أبو بكر في قولهم : فلان نظيف السراويل ، معناه أنه عفيف الفرج كما يُقال هو عَفيفُ المِئْزَر ، والإزَارِ.

قال مُتَمِّمُ ابنُ نُوَيْرَة يَرْثِي أخاه :

* حُلْوٌ شَمائِلُهُ عَفِيفُ المِئْزَرِ*

أي عفيفُ الفرْج ، قال : وفلانٌ نَجِسُ السَّراويل إذا كان غَيرَ عفيفِ الفرْجِ ، قال : وهم يَكْنُون بالثِّياب عن النَّفْس والقَلْب ، وبالإزارِ عن العَفَافِ.

قال عنترة :

* فَشَكَكْتُ بالرُّمْح الأصَمِّ ثيابَه*

أي قلْبَه ، وقال في قوله :

* فَسُلِّي ثيابِي مِن ثيابك تَنْسُلِ*

في الثياب ثلاثة أقوال :

قال قوم : الثِّيابُ ههنا كناية عن الأمر المعْنَى ، اقْطَعِي أَمْري من أَمْرِك ، وقيلَ : الثِّيابُ كِنايةٌ عن القَلْب ، والمَعْنَى سُلِّي قَلبي من قلبك.

وقال قومٌ : هذا الكلام كِنايةٌ عن الصَّريمة ، يقولُ الرجلُ لامْرَأَته : ثيابي منْ ثِيابك حَرامٌ ، ومعنى البيت :

* إن كنتُ في خُلُقٍ لا ترضَيْنه فاصْرِمِيني*

وقوله : تَنْسُلِ : تَبِينُ وتَقْطَعُ ، نَسَلَتْ السِّنُّ إذا بانَتْ ، ونَسَلَ ريشُ الطائر إذا سَقَطَ.

ظ ن ب

[ظنب] : أبو العباس عن ابن الأعرابيّ : الظِّنْبُ أصلُ الشَّجَرَة.

وأنشد لجُبَيْهَاء الأسلميّ :

فَلوْ أَنَّها طافتْ بِظِنْبٍ مُعَجَّمِ

نَفَى الرِّق عَنه جَدْبُه فهو كالِحُ

لَجاءتْ كَأَنَّ الْقسوَرَ الجَوْنَ بَجَّهَا

عَساليجه والثّامِرُ المُتنَاوِحُ

٢٧٩

يصف مِعْزًى بِحُسْن القَبول وقلَّةِ الأَكل ، والمُعَجَّم الّذي قد أُكل حتى لم يبق منه إلا القليل ، والرِّق ، ورقُ الشَّجَر ، والكالحُ المقْشعِرُّ من الجَدْبِ ، والقَسْوَرُ ضَرْبٌ من الشَّجَر.

أبو عبيد عن الأصمعيّ : الظَّنْبُوبُ : عَظْم السَّاق ، وقال سَلَامَةُ بنُ جَنْدل :

إنّا إذا ما أَتانا صارخٌ فَزِع

كان الصُّراخُ له قَرْعَ الظَّنَابِيبِ

قال الليثُ : الظُّنْبُوبُ هَهنا مِسْمَارٌ يَكون في جُبَّة السِّنان حيث يُرَكَّبُ في عالِيَةِ الرُّمح.

وقال غيره : قَرْعُ الظُّنْبُوب : يَقْرَعُ الرجلُ ظُنْبُوبَ راحلتِه بعصاه ، إذا أَناخَها ليركبَها ركوبَ المسْرِع إلى الشيء ، وقيل : يَضْرِب ظُنْبُوبَ دابَّته بِسَوْطِه ليُنْزِفَه إذا أَرَاد رُكوبه.

ومن أمثالهم : قَرَعَ فلان لأَمْرِه ظُنْبُوبَه إذا جَدّ فيه.

وقال أبو زيد : لا يقال لِذَواتِ الأَوْظِفَة ظُنْبُوبٌ.

ظ ن م

استعمل من وجوهه : [نظم ، ظنم].

ظنم : أما ظَنَمَ فالناس أهملوه إلا ما روى ثعلب عن ابن الأعرابيّ : الظَّنَمَةُ الشَّرْبةُ من اللّبن الّذي لم تَخْرُج زُبْدَتُه قلت : أَصلها ظَلَمَة.

نظم : قال الليث : النَّظْمُ ، نَظْمُك الخَرَزَ بَعْضَه إلى بعضٍ في نظامٍ واحد ، كذلك هو في كل شيء حتى يقال : ليس لأمر نِظامٌ ، أي لا تَستقيمُ طَريقَتُه حتى يقال : طَعَنَه بالرمح فانْتَظَم ساقَيْه أو جَنْبَيْه.

وقال الحسن في بعض مواعظه : يا ابن آدم عليك بِنَصيبك في الآخرة فإنه يأتي على نَصِيبك من الدنيا فَيَنْتَظِمه لك انْتظاما ، ثم يزولُ معك حيثما زُلْتَ.

وكل خَيْطٍ يُنْظَم فيه لُؤْلؤ أو غيره فهو نِظامٌ وجمعه نُظُمٌ. وقال :

* مثل الفَريد الَّذي يَجْرِي عَلَى النُّظُم *

وفِعْلُك النَّظْمُ والتَّنظِيمُ ؛ والنِّظَامَانِ مِن الضَّبِ كُشْيَتَانِ مِن الجانبين مَنظومتان بَيْضا ، من أَصْلِ الذَّنب إلى دَبْر الأُذن ، وكذلك الإنظامَانِ.

يقال : في بطنها إنْظامان من بَيْضٍ ، وكذلك إنظاما السمكة ؛ وقد نَظَّمتْ السمكة فهي منظَّم ، ونَظَمتْ فهي ناظِمٌ ، ذلك حين يمتلىء من أصل أذنها إلى ذنبها بيضا.

وكذلك الدَّجاجة تَنْظِم ، ويقال : ما لهذا الأمر نِظام أي استقامة ، ويقال : نَظَّمت الضبَّةُ بيضَها تَنظيما في بَطْنها ونَظَمتها نَظْما ، والإنظامُ من الخَرَزِ خَيْطٌ قد نُظِمَ خَرَزا ، وكذلك أناظِيمُ مَكْنِ الضبَّةِ.

وقال الكسائي : يقال : جاءنا نِظَام من

٢٨٠