تهذيب اللغة - ج ١٤

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ١٤

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٧

والنسرانِ وما أشبهها.

وقيل في قول الفرزدق :

أَتانِي بهَا واللَّيْلُ نِصْفَين قدْ مَضى

أُقَامِرُ في نِصْفٍ قَدْ تَوَلَّتْ تَوَائِمهُ

قيل : أراد بالتوائم النجوم كلها ، سميت بذلك لِتشابهها ، أي كواكب النِّصْف الماضي من الليل ، ويقال للمفازة إذا كانت بعيدة : مِتْآم.

قال ابن الأعرابيّ : معناها أنها تهلك سالكها جماعة جماعة.

وهي مِتْآمٌ ، لأنها تُرِي الشخصَ شخصين.

توم : أبو عبيد : التُّومُ : اللؤلؤ ، والواحدة تُومَةٌ.

وقال أبو عمرو : هي الدُّرة والتُّومةُ والتّؤَامِيَّةُ واللَّطِيمَةُ.

قلت : والعرب تُسَمِّي بَيْضَ النعام التُّوم تشبيها بتُوم اللؤلؤ ومنه قوله :

* به التُّوم في أُفحوصة يتَصَيَّحُ*

وقال ذو الرّمَّة يصف نباتا وقع عليه الطَّلُّ متعلَّق من أغصانه كأنه الدُّرُّ فقال :

وحْفٌ كأن الندى والشمسُ ماتعةٌ

إذا توقَّدَ في أفنانِه التُّومُ

أفنانه : أغصانه الواحد فنن تَوقد أنار لطلوع الشمس عليه ، والتُّوم الواحدة تومة وهي مثل الدُّرَّة تعمل من الفضة ، هكذا فُسِّر في شعر ذي الرمة.

وقال الليث : التُّومة : القُرْطُ.

وقال ابن السكِّيت : قال أيّوب ومِسْحَلُ ابْنا رَبداء ابنة جرير : كان جرير يُسَمِّي قصيدتيه اللتين مدح فيهما عبد العزيز بن مَرْوان وهجا الشعراء ، إحداهما :

ظَعَن الخَليطُ لغُرْبةٍ وتَنآئي

ولَقَد نَسِيتُ برامَتيْن عَزائي

والأخرى :

* يا صَاحِبيَّ دَنَا الرَّواحُ فسِيرَا*

كان يسميهما التُّومَتيْن.

وفي حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال للنساء : «تعجِز إحداكن أَنْ تتخِذ حَلْقَتين أو توأمَتين مِن فضة ثم تلَطِّخِهما بِعَنبر».

قلت : من قال لِلدُّرة : تومةً شبَّهها بما يُسَوّى من الفضة كاللؤلؤة المستديرة تجعلُها الجاريةُ في أذُنيها ، ومن قال : تُؤَامية نسبها إلى تُؤَام وهي قَصَبةُ عُمَان ، ومن قال : تَوْأَمِيَّةٌ ، فهما دُرَّتان للأذنين إحداهما تَوْأَمةٌ الأخرى.

يتم : قال الليث : اليَتيمُ الّذي مات أبوه فهو يتيمٌ حتى يَبْلُغَ ، فإذا بَلَغَ زال عنه اسم اليَتيم ، واليَتيمُ من قبل الأب في بني آدم ، وقد يَتِم يَيْتَمُ يُتْما وقد أَيْتَمه الله.

قال الفراء : يقال : يَتِم يَيْتَم يُتما وقد أَيْتمه الله ، وحُكيت لي : ما كان يتيما ، ولقد

٢٤١

يَتُم يَيْتَمُ وجمع اليَتيم يتَامَى وأيتامٌ.

وقوله تعالى : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) [النساء : ٢] سماهم يتامى بعد بلوغهم وإيناسِ رُشدِهم للزوم اليُتْمِ إيَّاهم.

كما قالوا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بَعْدَ كِبَره : يتيمُ أبي طالب لأنه ربَّاه.

وقال الأصمعيّ : اليَتيمةُ : الرَّمْلة المنفردة قال : وكل مُنفرد ومُنفردة عند العرب يَتيمٌ ويَتيمة.

وقال المفضّل : أصل اليتْمِ : الغفلة قال : وبه يُسمى اليتيم يتيما ، لأنَّه يُتغَافلُ عن برّه.

وقال أبو عمرو : اليُتْمُ الإبطاء ، ومنه أُخذ اليَتيمُ لأن البرّ يبْطِىء عنه.

وقال الأصمعيّ : اليُتْم في البهائم من قِبَل الأمّ ، وفي الناس من قِبلِ الأبِ.

وقال شمر : أنشدني ابن الأعرابيّ :

أَفَاطمَ إنِّي هالكٌ فتَثَيَّني

ولا تَجزَعِي كلُّ النِّساء يَتيمُ

قال ابن الأعرابيّ : أرادَ كلَّ مُنْفَرِدٍ يَتيمٌ ، قال ويقولُ الناس : إني صَحَّفْتُ وإنما يُصَحَّفُ من الصَّعْب إلى الهَيِّن لا من الهيّن إلى الصعب.

وقال أبو عبيدة : المرأة تُدْعَى يتيما ما لم تتزوج ، فإذا تزوجتْ زال عنها اسم اليُتْم ، وكان المفضل ينشد : كل النساء يتيم ـ لهذا المعنى.

وقال أبو سعيد : يقال للمرأة يتيمة لا يزول عنها اسمُ اليُتْم أبدا ، وأنشد :

* وَيَنْكِحُ الأراملَ اليتامى *

وقال ابن شميل : هو من مَيْتَمةٍ أي في يَتامَى ، وهذا جمع على مَفْعَلة كما يقال : مَشْيخَة للشيوخ ، ومَسْيَفة للسيوف.

أتم : الحراني عن ابن السكيت قال : الأَتْمُ من الخُرَز أن يَنْفَتِق خُرْزَتانِ فتَصيرا واحدة ، ويقال : امرأةٌ أَتومٌ إذا التقى مسلكاها ، قال ويقال : ما في سَيْرِه أَتَمٌ ولا يَتَمٌ أي إبطاء.

وقال خالد بنُ يزيد : الأَتُومُ من النساء المُفْضَاةُ ، قال : وأصله من أَتَمَ يَأْتِم إذا جمع بين شيئين ، قال : ومنه سمي المأتم لاجتماع الناس فيه. يقال : أَتَمَ يَأْتِم وَأَتِمَ يَأْتَمُ.

قال : ومَأْتَمٌ مِنْ أَتِمَ يأتَم ، قال : والمَأتَمُ : النساءُ يَجْتَمِعْنَ في فرح أو حزن ، وأنشد :

* في مَأتَمٍ مُهَجَّرِ الرَّواح*

وقال ابنُ مُقْبل في الفَرج :

ومَأتَمٍ كالدُّمَى حُورٍ مَدامِعُها

لم تَيْأَس العَيْشَ أبكارا ولا عُونا

أراد نساء كالدُّمى ، قال أبو بكر : العامة تغلط فتظنّ أَنَ المآتم : النَّوْحَ والنِّياحةَ.

والمآتم : النِّسَاء المجتمعاتُ في فرح أو حُزن.

٢٤٢

وأنشد أبو عطاء السندي وكان فصيحا :

عَشِيةَ قام النَّائحاتُ وشُقِّقَتْ

جُيُوبٌ بِأَيْدِي مأتَمٍ وَخدودُ

فجعل المأتم النساءَ ولم يَجْعَلْهُ النِّياحةَ ، ثم ذَكَر بيت ابن مقبل.

وقال ابن أحمر :

وكَوْمَاءَ تَحْبُو ما يُشَيِّعُ ساقُها

لَدَى مِزْهر ضَارٍ أَجَشَّ وَمَأْتَمِ

ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال : اليتيم المفرد من كل شيء ، قال : والوَتْمَةُ السَّيرُ الشَّديدُ.

أمت : قال الله جلّ وعزّ : (لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً (١٠٧)) [طه : ١٠٧].

قال الفرّاء : الأَمْتُ ـ النَّبَكُ ـ من الأَرض ما ارتفع منها ، ويقال : مَسَايِل الأوْدِيَةِ ما تسفل.

وقد سمعتُ العرب تقول : قد مَلأَ القِرْبَة مَلأً لا أَمْتَ فيه ، أي ليس فيه استِرْخاءٌ مِنْ شِدَّةِ امْتلائِها ، ويقال : سِرْنا سَيْرا لا أَمْتَ فيه ، أي لا ضَعْفَ فيه ولا وَهْن.

وأخبرني المنذريّ عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال : الأمْتُ وَهْدَةٌ بين نُشُوزٍ ، وقال : يقال : كَمْ أَمْتُ ما بينك وبين الكوفة؟ أي قَدْرُ.

وقال أبو زيد : أَمَتُ القوم آمِتهُم أَمْتا إذا حَرَزْتَهُمْ ، وأَمَتَ الماءَ أَمْتا إذا قدَّرتَ ما بينك وبينه ، قال رؤبة :

* أَيْهَاتَ منها ماؤُها المأْمُوتُ *

وهو المحزور ، ويقال : إيمتْ هذا لي كم هو ، أي احْزِرْهُ كم هو؟ وقد أَمَتُّهُ آمتُهُ أمْتَا.

وقال ابن الأعرابيّ : الأمْتُ الطريقةُ الحسنَة ، والأمْتُ تَخَلْخُل القِرْبَةِ إذا لم يُحْكَمْ إفْراطُها.

وروى شمر بإسناد له حديثا عن أبي سعيد الخُدْرِيّ : أنَّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنَّ اللهَ حَرَّمَ الخمرَ فلا أَمْتَ فيها ، وأنا أَنْهَى عن السُّكْر والْمُسْكِر».

وقال شمر : أنشدني ابنُ جابر :

ولا أَمْتَ في جُمْلٍ لياليَ ساعَفَتْ

بها الدَّارُ إلا أَنَّ جُمْلا إلى بُخْلِ

قال : لا أَمْتَ فيها أي لا عَيْبَ فيها.

قلت : معنى قول أبي سعيد عن النبي : أن الله حرم الخمر فلا أَمْتَ فيه معناه غيرُ معنى ما في البيت ، أراد أنَّه حرَّمها تحريما لا هوادة فيه ولا لين ، لكنه شدَّدَ في تحريمها ، وهو من قولك : سِرتُ سيْرا لا أَمْتَ فيه أي لا وَهْن فيه ولا ضعف ، وجائز أن يكون المعنى أنهُ حرَّمها تحريما لا شكّ فيه. وأصله من الأَمْتِ بِمَعْنَى الحَزْرِ والتقدير لأن الشك يدخلها.

قال العجاج :

* ما في انطلاقِ رَكْبِه من أمْتِ *

٢٤٣

أي من فتور واسترخاء.

موت : قال الليث : الموْتُ خَلْقٌ من خَلْقِ الله ، يقال : مات فلانٌ وهو يموت مَوْتا.

وقال أهل التصريف : مَيِّت كان تصحيحه مَيْوِتٌ على فَيْعِلٍ ، ثم أدغموا الواو في الياء ، قال فَرُدَّ عليهم ، وقيل : إن كان كما قُلتم فينبغي أَنْ يكون مَيَّت على فَيْعَل ، فقالوا : قد علمنا أن قياسه هذا ، ولكن تَركْنا فيه القياسَ مَخافَةَ الاشتباه ، فرَدَدْناه إلى لفظ فَعِّل من ذلك اللفظ ، لأن مَيِّت على لفظ فَعِّل من ذلك اللفظ.

وقال آخرون : إنما كان مَيِّت في الأصل مَوْيِتٌ مثل سَيِّد سَيْوِد ، فأدغمنا الياءَ في الواو وثَقَّلناه فقلنا مَيَّت ثم خُفِّف فقيل مَيْت.

وقال بعضهم : قيل : مَيْت ، ولم يقولوا : مَيَّت لأن أبنية ذوات العِلة تخالف أبنية السالم.

وقال الزجاج : الميْت أصله الميِّت بالتشديد إلا أنه يُخفَّف فيقال : مَيْت ومَيِّت ، والمعنى واحد.

قال : وقال بعضهم : يقال لما لم يمت : مَيِّت ؛ والميْت ما قد مات ، وهذا خطأ إنما مَيِّتٌ يصلح لما قد مات ولما سيموت.

قال الله جلّ وعزّ : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠)) [الزمر : ٣٠].

وقال الشاعر في تصديق أن الميْت والميِّت واحد :

لَيْسَ مَن ماتَ فاستراحَ بمَيِّتٍ

إنما الميْتُ مَيْتُ الأحياء

فجعل الْميت كالميِّت.

أبو عبيد عن الفراء : وقع في المال مُوتَانٌ ومُوَاتٌ وهو الموْت.

قال : ويقال : رجل مَوْتانُ الفؤادِ ، إذا كان غير ذكيٍّ ، ولا فَهِمٍ ، ورجل يبيع المَوتَان ، وهو أن يبيع المتاعَ ، وكل شيء غير ذي رُوحٍ ، ومن كان ذا روح فهو الحيوان.

وفي الحديث : «مَوَتانُ الأرض لِلَّهِ ورسوله فمن أحيا مِنْه منهم شيئا فهو له».

وقال غيره : الموَاتُ من الأرضين مثل المَوتَان ، والمِيتَةُ الحال من أحوال الموت ، وجمعها مِيَتٌ.

وفي الحديث : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يتعوَّذ بالله من الشيطان : من هَمْزه ونَفْثه ونَفْخِه ، فقيل له : ما همْزُه؟ قال : المُوتَةَ.

قال أبو عبيد : المُوتَةُ الجنونُ ، سُمِّي هَمْزا ، لأنه جَعَله من النَّخْس والهَمْز والغَمْز وكل شيء دفَعْتَه فقد هَمَزْتَه.

وقال ابن شميل : المُوتَةُ الّذي يُصْرعُ من الجُنون أو غيره ثم يُفيقُ.

وقال اللحياني : المُوتَةُ شِبْهَ الغَشْيَةِ. قال : وقُتل جَعْفر بن أبي طالب بموضع يقال

٢٤٤

له : مُؤْتَةُ ، والموْتُ السكون ، يقال : ماتت الريحُ إذا سكنتْ.

وقال ابن الأعرابيّ : ماتَ الرجلُ إذا خضع للحق ، واستمات الرجل إذا طابَ نَفْسا بالموت ، والمستميت الّذي يقاتل على الموت ، والمستميت الّذي يتجان وليس بمجنون ، قال : هو الّذي يتخاشَعُ ويَتَوَاضَع لهذا حتى يُطْعِمُه ، ولهذا حتى يَكْسوه ، فإذا شبع كفر النعمة.

وقال أحمد بن يحيى في كتاب الفصيح : مُوتة بمعنى الجنون غير مهموز ، وأما البلد الّذي قتل به جعفر فهو مُؤْتَة بهمز الواو ، ويقال : ضربته فتماوت إذا أَرَى أنه مَيِّت وهو حيٌّ.

وقال عثمان : سمعت نعيم بن حماد يقول : سمعت ابن المبارك يقول : المتماوتون : المراءون.

ويقال : استميتوا صَيْدَكُمُ ، أي انظروا مات أم لا؟ وذلك إذا أُصيبَ فَشُكَّ في موته.

وقال ابن المبارك : المستَمِيتُ الّذي يُرِي مِن نفسه الكونَ والخيرَ وليس كذلك ، ويقال : مات الثَّوبُ ونَامَ إذا بَلِيَ.

عمرو عن أبيه : مات الرجل وهَمدَ وهَوَّم إذا نَام.

متى : ثعلب عن ابن الأعرابيّ : أَمْتى الرجلُ إذا امْتَدّ رِزْقه وكَثُر ، قال : وَأَمْتَى إذا طال عمره ، وأَمْتَى إذا مَشَى مَشيةً قبيحةً ، ويقال : مَتَوْتُ الشيءَ إذا مَدَدتَه ، ومتَى من حروف المعاني ولها وجوه شتى أحدها أنه سؤال عن وَقْتِ فِعْلٍ ، فُعِلَ أو يُفْعل كقولك متى فعلتَ؟ ومتى تفعل؟ أي في أي وقت؟ والعرب تُجازِي بها كما تجازي بأَيٍّ فتجزم الفعلين ، تقول : متى تأتني آتك ، وكذلك إذا أدخلت عليها ما ، كقولك : متى ما يأتني أخوك أرضِه ، وتجيء مَتَى بمعنى الاستنكار ، تقول للرجل إذا حكَى عنك فعلا تُنْكِره : متى كان هذا؟ على معنى الإنكار والنفي أي ما كان هذا ، قال جرير :

* مَتَى كان حُكْمُ اللهِ في كَرَبِ النَّخْلِ*

أبو عبيد عن الكسائي : وتجيء متى في موضع وسط ومنه قوله :

شَرِبْنَ بماء البحر ثم ترفَّعتْ

متى لُجَجٍ خُضْرٍ لَهنَّ نَئِيجُ

قال وقال معاذ الهراء : سمعتُ ابن جَوْنَةَ يقول : وضعته مَتى كمِّي يريد وَسَط كُمِّي ، أبو عبيد عن الفراء : مَتأتُه بالعصا وخطأتُه : وبَدَحتُه.

قال الفراء : متى تقع على الوقت إذا قلت : متى دخلتِ الدار فأَنتِ طالِقٌ ، معناه أيّ وقت دخلتِ الدار ، وكلَّما تَقَعُ على الفِعْل ، إذا قلت : كلما دَخَلْتِ ، فمعناه كلُّ دَخْلَةٍ دَخَلْتِها ، هذا في كتاب

٢٤٥

الجزاء لِلفَرَّاء ، وهو صحيح ، ومَتَى تَقَعُ للوقت المبهم.

قال ابن الأنباري : متى حرف استفهام تكتب بالياء.

وقال الفراء : ويجوز أن تُكتَبَ بالألف لأنها لا تُعرَف فيها فعلا. قال : ومَتَى بمعنى مِن ، وأنشد :

إذا أَقُول صحا قَلْبي أُتِيحَ له

سُكْرٌ مَتَى قَهْوَةٍ سارَتْ إلى الرَّاسِ

أي من قَهْوَةٍ ، وقول امرىء القيس :

فَتَمَتَّى النَّزْعَ مِن يَسَرِهْ

فَكَأَنَّه في الأصل فَتَمَتَّتَ

فَقُلِبَتْ إحدى التاءات ياء ، والأصل فيه مَتَ بمعنى مدَّ.

وقول امرىء القيس أيضا :

مَتَى عَهْدُنا بِطِعَانِ الكُمَا

ةِ والمجْدِ والحَمْدِ والسُّوْدَدِ

يقول : متى لم يَكُنْ كذا ، يقول : تَرَوْنَ أَنَّنا لا نُحْسِنُ طَعْنَ الكُمَاةِ وعهدُنا به قريبٌ.

ثم قال :

* وملء الجِفان والنَّارِ والحَطَبِ المُوقِدِ*

* * *

٢٤٦

باب اللفيف من حرف التَّاء

تاء ، توو ، تأتأ ، أتى ، وتّ ، (وتى) ، توى ، تيتا ، تأى.

التاء : قال الليث : تا حرف من حروف المعجم لا يُعْرَبُ.

وقال غيره : إذا جعلتَه اسما أعربتَ.

وقال اللحياني : تيَّتُ تَاءً حسنةً. وهذه قصيدة تائية ، ويقال : تَاوِيَّةٌ. وكان أبو جعفر الرُّؤَاسيّ يقول : يَتَوِيّة وتَيَوِيّة.

وقال الليث : تَا وذِي ، لُغَتَان في مَوضع ذه ، تقول : هاتا فلانةُ في موضع هذه ، وفي لغة ، تا فلانةُ في موضع هذه ، قال النابغة :

ها إنَّ عِذْرَةٌ إلَّا تكنْ نَفَعتْ

فإنَّ صاحبَها قد تاهَ في البَلَدِ

وعلى هاتين اللغتين قالوا : تِيكَ وتِلْكَ وتَالِكَ ، وهي أقبح اللغات ، فإذا ثَنَّيْتَ لم تَقُلْ إلَّا تانِ ، وتَانِك ، وتَيْنِ ، وتَيْنِك ، في الجرّ والنصب في اللغات كلها ، وإذا صَغَّرْتَ لم تَقُلْ إلَّا تَيَّا.

ومن ذلك اشتقّ اسمُ تَيَّا ، قال : والَّتي هي معروفةُ تَا ، لا يقولونها في المعرّفة إلّا على هذه اللغة ، وجعلوا إحدى اللّامَيْنِ تَقْوِيةً للأخرى استقباحا أن يقولوا أَلْتِي وإنما أرادوا بها الألف واللام المُعَرِّفَة ، والجميع اللّاتي وجميع الجميع اللَّوَاتِي ، وقد تَخْرُجُ الياء من الجميع فيقال : اللَّاليء ممدودة ، وقد تخرج الياء فيقال اللاءِ بكسرةٍ تدلّ على الياء ، وبهذه اللغة كان أبو عمرو بن العلاء يقرأ.

وأنشد غيره :

من اللاء لم يَحْجُجْنَ يَبْغينَ حِسْبةً

ولكن لِيقْتُلْن البَريءَ المُغَفَّلا

وإذا صَغَّرتَ التي قلتَ اللَّتَيَّا ، وإذا أردتَ أن تجمعَ اللَّتَيَّا قلت اللَّتَيات.

قال الليث : وإنما صار تَصْغِيرُ ، تِهِ وذِهِ ، وما فيهما من اللغات تَيَّا ، لأن التَّاء والذَّال من ذِهِ ، وتِهِ ، كلُّ واحدةٍ هي نَفْسٌ وما لحقها من بعدها فإنَّهُ عِمَادٌ للتاءِ لِكَي يَنْطلِق به اللسانُ فلمَّا صُغِّرتْ لم تَجِدْ ياءُ التصغير حرفين من أَصلِ البناء تَجيءُ بعدها كما جاءت في سُعَيْدٍ وعُمَيْرٍ ، ولكنها وَقعتْ بعد فَتْحةٍ ، والحرفُ الّذي قبْلَ ياء التصغير بِجَنْبِها لا يَكون إلا مَفْتوحا ، وَوقَعَتْ التاءُ إلى جنبها فانْتَصَبتْ ، وصار ما بعدها قُوةً لها ، ولم يَنْضَمَّ قَبْلها شيءٌ لأنه ليس قبلها حَرْفان ،

٢٤٧

وجميعُ التصغير صَدرُه مضْمومٌ ، والحرفُ الثاني مَنْصوبٌ ، ثم بعدهما ياء التصغير ، ومَنَعهم أن يَرْفعوا الياء التي في التصغير ، لأن هذه الأحرف دخلت عِمادا للَّسان في آخر الكلمة ، فصارت الياءُ التي قبلها في غيْر موضعها ، لأنها بُنِيَتْ للسان عمادا ، فإذا وقعت في الحَشْوِ لم تكن عِمادا ، وهي في بناء الألف التي كانت في ذا ، وقال المبرد : الأَسماء المبْهَمةُ مخالفةٌ لغيرها في معناها ، وكثيرٍ من لفظها فمن مخالفتها في المعنى ، وُقوعُها في كل ما أومأت إليه ، وأما مخالفتها في اللفظ فإنها يكون منها الاسم على حَرْفين : أحدهما حرف لِينٍ نحو ذا ، وتاء ، فلمَّا صُغِّرت هذه الأسماء ، خُولِفَ بها جِهةَ التصغير ، فَتُرِكَت أوائلها على حالها ، وأُلحِقَتْ ألفٌ في أواخرها تَدلُّ على ما كانت تَدلُّ عليه الضمَّة ، في غير المبهمة ، ألا ترى أن كل اسم تُصَغِّره من غير المبهمة يُضم أوَّله نحو فُلَيْس ودُرَيْهِم ، وتقول في تصغير : ذا : ذَيّا ، وفي تا : تَيَّا ، فإن قال قائل : ما بال ياء التصغيرِ لَحِقت ثانيةً وإنما حَقُّها أن تَلْحق ثالثةً ، قيل له : إنها لَحِقَتْ ثالثةً ، ولكنك حذفتَ ياءً لاجْتماع الياءات فصارت ياءُ التَّصغير ثانيةً ، وكان الأصل : ذَيَيَّا لأَنك إذا قلتَ ذَا فالألف بَدلٌ من ياءٍ ، ولا يكون اسم على حرفين في الأصل ، فقد ذهبتْ ياء أخرى ، فإن صَغَّرت ذِه أو ذِي قلتَ تَيَّا ، وإنما مَنَعك أن تقول ذَيَّا كراهيةَ الالتباس بالمذكر ، فقلت : تَيَّا ، قال وتقول في تصغير الّذي : اللَّذَيَّا وفي تصغير التي : اللَّتَيَّا كما قال :

بعد اللَّتَيَّا واللَّتَيَّا والَّتِي

إذا عَلَتْها أَنْفُسٌ تَردَّتِ

قال : ولو حَقَّرتَ اللَّاتي لَقُلْتَ في قول سيبويه : اللَّتَيَّاتِ كتصغير التي ، وكان الأخفش يقول وَحْدَهُ : اللّوتَيَّا ، لأنه ليس جمع التي على لفظها ، فإنما هو اسم الجمع ، قال المبرد : وهذا هو القياس.

توو : قال الليث : التَّوُّ الحبلُ يُفْتل طاقا واحدا لا يُجْعَل له قُوًى مُبْرَمة والجميع الأتواه.

وفي الحديث : «الاستجْمارِ بِتوٍّ» أي بفَرْد ووِتْرٍ من الحجارة والماء لا بشفع.

ويقال : جاء فلان تَوا أي وَحْدَه ، وقال أبو زيد نحوه ، قال : ويقال : وَجَّه فلانٌ مِن خَيله بألفٍ تَوٍّ ، والتُّوُّ ألْفٌ من الخيل.

وفي الحديث : «الاستجمار تَوّ ، والطواف تَوٌّ» أي وتر ، لأنه سبعة أشواطٍ.

وإِذَا عَقَدْتَ عَقْدا بإدَارةِ الرِّباط مَرَّة واحدة تقول : عَقَدْتُه بِتَوٍّ واحدٍ وأنشد :

جاريةٌ ليستْ مِن الوَخْشَنْ

لا تَعْقِدُ المِنْطَقَ بالمتْنَنْ

إلا بتَوٍّ واحدٍ أَو تَنْ

.

٢٤٨

أيْ نِصْفَ تَوًّ ، والنون في تَنْ زائدةٌ ، والأصلُ فيها تا خَفَّفَها من تَوٍّ فإن قلت على أصلها تَوْ خفيفة مثل لَوْ جاز ، غير أن الاسم إذا جاءتْ في آخره واو بعد فتحة حُمِلت على الألف ، وإنما تَحسُنُ في لَوْ ، لأنها حرف أداةٍ ، وليست باسمٍ ، فلو حَذفتَ من يوم الميم وحدها ، وتَركْتَ الواو والياء وأَنْتَ تُريدُ إسكانَ الواو ، ثم تَجعل ذلك اسما تُجريه بالتنوين ، وغير التنوين في لغة من يقول : هذا حَاحا مرفوعا لَقُلْتَ في محذوف يوم يَوْ ، وكذلك لَوْم ولوْح وحقُّهم أن يقولوا في لَوْ لا ، لَوْ أُسِّسَتْ هكذا ، ولم تُجعل اسما كاللوح ، وإذا أردتَ به نِداءً قُلْتَ : يا لَوْ أقْبلْ فيمن يَقُولُ : يا حارُ لأنَّ نَعتَهُ باللِّو بالتشديد تقويةً لِلَوْ ، ولو كان اسمه حَوَّا ثم أردتَ حذفَ إحدى الواوين منه قلت : يا حَا أَقْبِلْ ، بَقِيَتْ الواو ألفا بعد الفَتْحة ، وليس في جميع الأسماء واوٌ معلقةٌ بعد فَتحةٍ إلا أن يُجْعَل اسما.

أبو عبيد عن أبي زيد : جاء فلانٌ تَوّا إذا جاء قاصدا لا يُعرِّجه شَيْءٌ ، فإن أقام ببعض الطريق فليس بتوٍّ ، عمرو عن أبيه : التَّوُّ الفارغُ من شُغْلِ الدنيا وشُغْل الآخرة ، والتَّوَّةُ الساعة من الزمان.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : ما مَضَى إلا تَوَّةٌ حتى كان كذا وكذا أي ساعة ، والتَّوُّ البِنَاء المَنصُوب ، وقال الأخطل يصف تَسَنُّمَ القبر ولَحْدَه :

وقد كنتُ فيما قدْ بنى ليَ حَافِري

أعاليَهُ توّا وأَسْفَله لَحْدا

هو في أصل الشعر دَحْلا ، وهو بمعنى لحدا ، فرواه ابن الأعرابيّ بالمعنى.

توى : قال الليث : التَّوَى ذهابُ مالٍ لا يُرْجَى ، والفِعلُ منه تَوِيَ يَتْوَى تَوًى ، أي ذهب ، وأَتْوى فلانٌ مالَه فَتَوَى ، أي ذَهَبَ به.

وقال النضر : التِّواء سِمَةٌ في الفَخِذِ والعُنُقِ ، فأَمَّا في العنق فإنَّه يُبْدأ به من اللِّهْزمَةِ ويُحْدَر عَدَا العُنُق ، خَطّا من هذا الجانب ، وخَطّا من هذا الجانب ، ثم يُجمعُ بيْن طَرفيهما من أَسْفَل لا مِن فَوْق ، وإن كان في الفَخذِ فهو خَطٌّ في عَرْضها.

يقال مِنه : بعير مَتْوِيٌ وقد تَوَيْتُه تَيّا وإبلٌ مَتَوَّاةٌ ، وبعيرٌ به تِواء ، وتِوَاءان ، وثلاثةُ أَتْوِية.

قال ابن الأعرابيّ : التِّواء يكون في موضع اللِّحاظ إلا أنه منخفض يُعْطف إلى ناحية الخدِّ قليلا ، ويكون في باطِنِ الخد كالتُّؤثور ، قال : والأثرَة والتُّؤثور في باطن الخدِّ ، المنذري عن ثعلب.

تأتأ ـ ثأثأ : قال الليث : ثأثأ الثأثأة حكاية من الصوت ، تقول : ثأثأتُ بالتيسِ عند السِّفاد أُثَأْثِئُ ثَأْثأةً ، عمرو عن أبيه قال : الثَّأْثَأَةُ مَشْيُ الصَّبي الصغيرِ ، والثَّأْثَاءُ التبخترُ

٢٤٩

في الحرب شجاعة ، والثَّأْثَأَةُ دعاء الحِطَّان إلى العَسْبِ والحِطَّانُ التَّيْسُ ، وهو الثَّأثَاءُ أيضا بالثَّاء مثل التَّأْتَاء.

وقال أبو عمرو : التَّيتَاءُ الرجلُ الّذي إذا أَتَى المرأة أَحْدَثَ وهو العِذْيَوْطُ.

وقال ابن الأعرابيّ : الثِّيتاءُ الرجل الّذي يُنزِل قبل أن يُولج ونحوَ ذلك قال الفرَّاء.

تأى : ثعلب عن ابن الأعرابيّ : تَأَى بوزن تَعَى إذا سَبَق ، يَتْأى.

قلت : هو بمنزلة شَأَى يَشْأَى إذا سبق.

أتى : قال الليث : يقال : أتاني فلانٌ أَتْيا ، وأتْيَةً واحدةً ، وإتْيَانا ولا تقول : إتْيانَةً واحدة إلَّا في اضطرار شِعْرٍ قبيحٍ ؛ لأن المصادر كلَّها إذا جُعِلَتْ واحدة رُدَّت إلى بناء فَعْلَة ؛ وذلك إذا كان الفِعل منها على فَعَلَ أو فَعِلَ ، فإذا أدْخلت في الفِعل زياداتٍ فوقَ ذلك أَدخلتَ فيها زياداتِها في الواحدة ، كقولك : إقبالةً واحدة ، ومثل تَفَعَّل تَفَعُّلةً واحدة وأشباه ذلك ، وذلك في الشيء الّذي يَحْسُن أن تقول فَعْلةً واحدة وإلَّا فلا وقال :

إنِّي وأَتْيَ ابنَ غَلَّاقٍ لِيَقْرِيَنِي

كَغَابِطِ الكلبِ يَبْغِي الطِّرْقَ في الذَّنَبِ

وقوله تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) [النحل : ١].

قال ابن عرفَة : العرب تقول : أَتاكَ الأمرُ ، وهو مُتَوقَّع بعيد ، أي (أَتى أَمْرُ اللهِ) وَعْدا (فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) وُقوعا.

وقوله تعالى : (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ) [النحل : ٢٦].

قال ابن الأنباري : المَعْنَى أتى الله مكرهم من أَصْلِه ، أيْ عَادَ ضَررُ المكْرِ عليهم ، وذكَر الأساسَ مَثَلا ؛ وكذلك السقف ، ولا أساسَ ثَمَّ لا سقفَ ، وقيلَ : أراد بالبُنْيانِ صرحَ ثَمودٍ.

ويقال : أُتِي فلانٌ من مَأْمَنِه أي أتاه الهلاكُ من جهة مَأْمَنِه.

وطريقٌ مِيتَاءٌ مَسْلُوكٌ ، مِفْعَالٌ من الإتْيان ، ومِيتاءُ الطريق ، ومِيدَاؤه مَحَجَّتُه (آتت أُكُلَها ضِعْفَيْنِ) أي أعطت ، والمعنى أَثْمَرتْ مِثْلَيْ ما يُثْمِرُ غيرُها من الجِنان.

وقال الأصمعيّ : كلُّ جَدْول ماءٍ أَتِيٌ وقال الراجز :

لَيُمْخَضَنْ جَوْفُك بالدُّلِيّ

حتى تَعودي أَقْطَع الأتيِ

وكانَ ينبغي أن يكون قَطْعا قَطْعاءَ الأتِي ، لأنَّه يخاطب الرَّكِيَّة أو البِئر ، ولكنه أرادَ حتى تَعودي ماءً أقْطَع الأتيِ ، وكان يَسْتَقِي ويَرْتَجِزُ بهذا الرجز على رأس البئر.

ويقال : أَتِ لهذا الماء فَيُهيىء له طريقَه.

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه سَأَل عَاصم بن عَدِيّ الأنصاريّ عن ثابت بن الدَّحْدَاح ، وتُوفِّي ، فقال : «هل تعلمون له نسبا

٢٥٠

فيكم؟ فقال : لا ، إنما هو أَتيٌ فينا قال : فَقَضَى رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بميراثه لابن أُخْته».

قال أبو عبيد : قال الأصمعيّ في قوله : إنما هو أَتِيٌ فينا ، فإنَ الأتِيَ الرجلُ يكون في القوم ليس منهم ، ولهذا قيل : المسيل الّذي يأتي من بَلَدٍ قَدْ مُطِرَ فيه إلى بلد لم يُمْطَر فيه : أَتِيٌ.

وقال العجاج : سَيْلٌ أَتِيٌ مَدُّه أَتِيُ.

ويقال : أَتَّيْتُ السَّيْلَ فأَنا أُوَتِّيه إذا سهَّلْتَ سَبيلَه من موضع إلى موضع ليخرجَ إليه ، وأصل هذا من الغُرْبَة ، ولهذا قيل : رجل أَتَاوِيٌ إذا كان غريبا في غير بلاده.

ومنه حديث عثمان حين أرسلَ سَليطَ بن سليطٍ وعبدَ الرحمن بن عَتّاب إلى عبد الله بن سلام فقال : ائْتِيَاهُ فَتَنَكَّرَا له وقولا : إنا رجلان أَتَاوِيَّان ، وقَد صنع الله ما ترى فما تَأْمُر؟ فقالا له ذلك ، فقال : لَسْتُما بأَتاوِيَّيْن ، ولكنكما فلان وفلان وأرسلكما أميرُ المؤمنين.

قال أبو عبيد : قال الكسائي : الأتاوِيُ بالفتح الغريبُ الّذي هو في غير وطنه.

وأنشدنا هُو وأبو الجراح ، لحميد الأرقط :

يُصْبِحْنَ بالقَفْر أَتَاوِيّاتِ

مُعْتَرِضَاتٍ غَيْرِ عُرْضِيَّاتِ

وقال الأصمعيّ : يقال تَأَتّي فلان لحاجَتِه إذا تَرَفَّقَ لها وأتاها مِن وجهها.

أبو عبيد : تأتّى للقيام ، والتأتِّي التهيُّؤ للقيام.

وقال الأعشى :

إذا هيَ تَأَتَّى تريد القيام

تَهَادَى كما قد رأيتَ البهيرا

ويقال : ما أحسنَ أَتْوَ يَدَيها وأَتْيَ يديها ، يعني رَجْعَ يديها ، ويقال : أَتَيْتُهُ أَتْيَةً وأَتَوْتُهُ أَتْوَةً واحدةً.

وقال الهذلي :

* كنتُ إذا أَتَوْتُه من غيب*

وقال الليث : الإتِيَاء الإعطاء ، آتى يُؤاتي إيتاء ، قال وتقول : هات معناه : آتِ على فاعِلْ ، فدخلت الهاء على الألف ، والمُؤَاتَاةُ حُسن المطاوَعَة ، تَأَتَّى لِفلان أمرُه ، وقد أَتَّاه الله تَأتِيَةً ، وأنشد :

* تَأتَّى له الدَّهْرُ حَتَّى انْجَبَرْ*

والإتاوة الخَراجُ وجمعها الأتاوَى ، والإتاوات.

وأنشد الأصمعيّ فقال :

أَفي كل أسواقِ العراق إتاوةٌ

وَفي كل ما باعَ امْرُؤٌ مَكْسُ دِرْهَمِ

أبو عبيدة ، عن أبي زيد : أتوته ، أَتْوَةً إذا رشوتَه ، إتاوَة ؛ وهي الرشوة.

وأنشد البيت :

* أفي كل أسواق العراق إتاوة*

ويقال : آتَيْتُ فلانا على أمرٍ مُؤَاتاةً ولا

٢٥١

تقول : واتَيْتُهُ إلا في لغة لأهل اليمن.

ومثله : آسَيْتُ ، وَآكَلْتُ وَآمَرْتُ ، وإنما جعلوها واوا ، على تخفيف الهمز في يُوَاكِل ويوامر ، ونحو ذلك.

عمرو عن أبيه : رجل أُتَاوِيِ ، وأَتاوِيّ وإتاوِيّ ، وأَتِيّ ، أي غريب. قلت : واللغة الجيّدة : رجل أَتِيٌ وأَتاوِيّ ، وإتاءُ النَّخْلة رَيْعُها وزكاؤها وكثرة ثمارها ، وكَذلك إتاءُ الزرع رَيْعه ، وقد أَتَتْ النخلةُ وآتت إيتاءً وإتاءةً.

وقال عبد الله بن رَوَاحَة :

هُنَالِكَ لا أُبَالِي نَخْلَ بَعْلٍ

ولا سَقْيٍ وإن عَظُمَ الإتاءُ

قال الأصمعيّ : الإتاءُ ما خرج من الأرض والتَّمر وغيره.

ابن شميل : أَتَى على فلان أَتْوٌ أَي مَوْتٌ أو بَلاءٌ أصابه ، يقال : إن أَتى عليَ أَتْوٌ فغلامي حُرٌّ أي إن مِتُّ ، والأتْوُ المرض الشديد أو كَسْرُ يَدٍ أو رجلٍ أَوْ موت ؛ ويقال : أُتِيَ على يَدِ فلان إذا هَلك له مال.

وقال الحُطَيْئة :

أخُو المرءِ يُؤْتَى دُونه ثُمَّ يُتَّقَى

بِزُبِّ اللِّحَى جُرْدِ الخُصَى كالجمامِح

قوله : أخو المرء أي أخو المقتول الّذي يَرْضَى من دِيَةِ أَخيه بِتُبُوسٍ ، أي لا خير فيما يُؤْتى دُونه أي يُقْتَلَ ، ثم يُتَّقَى بتُيُوس زُبِّ اللِّحَى أي طويلة اللِّحى. ويقال : يُؤْتَى دونه أي يُذْهَبَ به ويُغْلَبُ عليه.

وقَال :

أتى دونَ حُلْوِ الْعَيْشِ حتى أَمَرَّه

نُكُوبٌ عَلَى آثارِهِنَّ نُكوبُ

أي ذهب بِحُلْوِ العيْشِ ، ويقال أُتِيَ فلان إذا أَطَلَّ عليه العَدوُّ ، وقد أُتِيتَ يا فُلَان إذا أُنْذِر عَدُوّا أَشرف عليه.

وقال الله تعالى : (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ) [النحل : ٢٦].

وتت : عمرو عن أبيه : الوَتُ والوُتَّةُ صِياح الوَرَشَانِ ، وأَوْتَى إذا صاحَ صِياحَ الوَرَشَانِ ، قاله ابنُ الأعرابيّ.

وفي حديث أبي ثعلبة الخُشَيْنِيِ ، أنه اسْتُفْتِيَ رسولُ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في اللُّقَطَة ؛ فقال : «ما وَجَدتَ في طريقٍ ميتاءٍ فَعَرِّفه سنة».

وقال شمر : مِيتَاءُ الطريق ومِيداؤه ومَحَجَّته وتَلَمُه واحدٌ ، وهو ظاهرُهُ المسلوك.

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لابنه إبراهيم وهو يَسوق نَفْسَه : لولا أنَّه طريقٌ مِيتاءٌ لحَزِنّا عليك أكثر مِمَّا حَزِنا ، أراد أنه طريق مَسْلُوكٌ ، وهو مِفْعالٌ من الإتيان ، وإن قلتَ طريقٌ مَأْتِيٌ فهو مفعول ، من أَتَيْتُه.

قال الله جلّ وعزّ : (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) [مريم : ٦١] كأنه قال : آتيا ، لأَن ما أتيتَه فقد أتاك وقوله : (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) [النحل : ١] أي قَرُب ودَنا

٢٥٢

إتيانه. ومن أمثالهم : مَأْتِيٌّ أنتَ أيها السَّواد أو السُّوَيْد ، أي لا بد لك من هذا الأمر.

ويقال للرجل إذا دنا من عدوه : أُتيتَ أيها الرجُل.

وقال الله جلّ وعزّ : (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ) [النحل : ٢٦] أي قَلَعه من قَوَاعده وأَساسه فهدَمه عليهم حتى أَهْلكهم ، ويقال : فَرَسٌ أَتِيٌ ، ومُسْتَأْتٍ ، وَمُسْتَوْتٍ بغير هاء إذا أَرْدَفَتْ ، وقد اسْتَأْتَتْ النَّاقة اسْتِئْتاءً.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : التُّوى الجَواري والوُتَى الجِيَّاتُ ، قال : وَأَتوَى الرجلُ إذا جاء تَوّا وَحْدَه ، وأَزْوَى ، إذا جاءَ معه آخر.

والعرب تقول لِكل مفرد : تَوٌّ ولكل زوج زوٌّ.

ابن السكيت : هو التَّوْتُ للفرصاد ولا تقل : التُّوتَ.

وأخبرني المنذري عن المبرد عن المازني قال : سمعت أبا زيد يقول : أهل الشام يقولون التُّوتَ لهذا الثمرة ، والعرب تقول : التَّوثَ على كلام العامة.

* * *

٢٥٣

باب الرباعي

[تنبل] : (١) أبو عبيد عن الأصمعيّ : التَّنْبالُ : الرجل القصير ، وجمعه التَّنَابِيلُ ، وأنشد شَمِر لِكَعْبِ بن زهير :

يَمْشون مَشْيَ الجِمَالِ الزُّهْرِ

يَعْصِمهُم ضَرْبٌ إذا عَرَّدَ السُّودُ التَّنابِيلُ

[تنتل] (٢) : عمرو عن أبيه : إذا مَذَرَت البَيْضةُ فهي التَّنَتَلةُ.

وقال ابن الأعرابيّ : ثَنْتَلَ الرَّجل : إذا تَقَذَّر بَعد تَنْظيفٍ ، وتَنْتَلَ إذا تَحامَق بعد تعاقل ، وتَرْفَلَ إذا تَبخْتَر كِبْرا وزَهْوا.

[ترنم] : وقال أبو عمرو : التَّرْنَموت القَوْسُ ، وهي أُنثى لا تذَكَّر.

[ترتب] : أبو عبيد : التُّرتُبُ الأمر الثابت.

قال ابن الأعرابيّ : التُّرتُبُ العَبْد السوء.

[ترنت] : اللحياني : اتْرَنْتَى [ابْرَنْتَى] علينا فلان يَتْرنِتي [يَبْرَنْتِي] أي انْدرَأَ علينا.

وقال أبو زيد : اتْرَنْتَيْتُ [ابْرَنْتَيْتُ] له اتْرِنتاءً [ابْرِنْتَاء] إذا استعدَدتَ له.

[فرتن] : أبو سعيد : الفرتَنَةُ عند العرب تشقيق الكلام ، والاهتماش فيه ، يقال : فلان يُفَرْتِن فرتَنةً.

وقال ابن الأعرابيّ : يقال للأمة : فرتْنَى وابنُ فَرتَنَى هو ابن الأمة البغيِّ ؛ أبو زيد : ومن العِضِ اليَنبوتُ ويَنْبُوتَةٌ ، وهي شجرةٌ شاكةٌ ذاتُ غِصَنة وَوَرق ، وثمرتها جَرْوٌ والجرْو وِعاءُ بَذْر الكعابير التي تكون في رُؤوس العِيدان ، ولا يكون في غير الرؤوس إلَّا في مُحَقَّرات الشجر ، وإنما سمى جَرْوا لأنه مُدَحرج ، وهو من الشِّرْس والعُضِّ وليس من العِضاهِ.

[ثرتم] : أبو عبيد عن أبي زيد قال : ما فضلَ في الإناء من طعام أو أَدَم يقال له : الثُّرْتُمُ وأنشد :

لا تَحْسَبَنَّ طِعان قَيْسٍ بالقَنَا

وضِرابهم بالبِيض حَسْوَ الثُّرْتُمِ

[تنتل ـ تنبل] : وقال أبو تراب : قال الأصمعيّ : رجل تِنْبَلٌ وتِنْتَلٌ إذا كان قصيرا.

والحمد لله ذي الحول والقوة و (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).

__________________

(١) مرّ ذكره في (باب التاء واللام مع النون) من الثلاثي الصحيح (ص : ٢٠١).

(١) مرّ ذكره في (باب التاء واللام مع النون) من الثلاثي الصحيح (ص : ٢٠١).

٢٥٤

كتاب الظاء من تهذيب اللغة

المضاعف منه

ظ ذ ـ ظ ث : مهملات.

[باب الظاء والراء]

ظ ر

استعمل منه : [ظرّ].

ظر : وفي حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أن عَديّ بن حاتم سأله فقال : «إنا نَصِيدُ الصيدَ ولا نجدُ ما نُذَكِّي به إلّا الظِّرارَ وشِقّة العَصا ، فقال : أَمْرِ الدَّمَ بما شِئتَ».

قال أبو عبيد ، قال الأصمعيّ : الظِّرارُ واحدها ظُرَرٌ ، وهو حَجر مُحدَّدٌ صُلبٌ وجمعه ظِرارٌ وظِرّانٌ.

وقال لبيد :

بجَسْرَةٍ تَنْجُلُ الظِّرانَ نَاجيةً

إذا تَوَقَّدَ في الدَّيمومة الظُّرَرُ

وقال شمر : المظَرَّة فِلقةٌ من الظِّرانِ يُقطعُ بها ، ويُقال : ظَرِيرٌ وأَظِرَّة ، ويقال : ظرَرة واحدةٌ.

قال وقال ابن شميل : الظِّرُّ حجر أملس عريض يَكسِره الرجل فيجزر به الجَزُور ، وعلى كل حال يكون الظُّرَرُ وهو قبل أن يُكسر ظُرَرٌ أيضا ، وهي في الأرض سَلِيلٌ وصفائحُ مثلُ السيوف ، والسليلُ : الحجرُ العريض وأنشد :

تَقيهِ مَظاريرُ الصُّوَى مِن فِعاله

بَسُور تلَحِّيه الحصَى كَنَوَى القسْبِ

وأرض مَظرَّةٌ ذاتُ ظِرَّان.

وقال الليث : يقال ظَرَرْتُ مَظَرَّة وذلك أن الناقة إذا أبْلَمَتْ وهو داءٌ يأخذُها في حَلقة الرَّحِم فيَضِيقُ ، فيأخذ الراعي مَظَرّةً ويُدخل يده في بطنها من ظَبْيَتها ثم يَقطَعُ من ذلك الموضع كالثُّؤْلُول.

قال : والأَظِرَّة من الأعلام التي يُهتَدَى بها مثل الأمِرَّة ومنها ما يكون مَمْطولا صُلبا يتخذ منه الرَّحَى. انتهى ، والله تعالى أعلم.

باب الظاء واللام

[ظ ل]

ظلّ ، لظ : [مستعملة].

[ظل] : قال الليث : ظَلَ فلانٌ نهارَه صائما ولا تقول العربُ : ظلّ يَظَلُ إلا لكل عملٍ بالنهار ، كما لا يقولون : باتَ يَبِيت إلّا

٢٥٥

بالليل ؛ ومن العرب من يحذف لام ظَلِلْتُ ونحوها حيث يظهران ؛ فأَما أهل الحجاز فيكسِرون الظاء على كَسرة اللام التي أُلْقِيَتْ ، فيقولون : ظِلْنا وظِلتُم والمصدر الظلول ، والأمر منه ظَلَ واظْلَلْ ، وقال الله جلّ وعزّ : (ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً) [طه : ٩٧] وقرىء : (ظِلْتَ) عليه ، فمن فتح فالأصل فيه ظَلِلْتَ عليه ، ولكن اللام حُذفت لِثِقَل التَّضْعيف والكَسْر ، وبَقِيتِ الظَّاءُ على فتحها ومن قرأ (ظِلْتَ) بالكسر حَوَّلَ كَسْرة اللام على الظاء ، وقد يجوز في غير المكسور نحو هَمْتُ بذاك أي هَمَمْتُ ، وأَحَسْتُ تريد أَحْسَسْتُ وحَلْتُ في بني فلان ، بمعنى حَلَلْتُ وليس بقياس إنما هي أحرف قليلة معدودة.

وهذا قول حُذَّاق النحويين ، وقوله عزوجل : (يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ) [النحل : ٤٨] ، أخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه قال : محل ما لم تطلع عليه الشمس ، فهو ظِلٌ ، قال : والليل كله ظِلّ ، وإذا أسْفَر الفجر فمن لَدُن الإسفار إلى طُلوع الشمس كُلُّه ظِلٌ ، قال : والفَيْءُ لا يسمى فَيْئا إلا بعد الزوال إذا فاءت الشمس ، أي إذا رجعت إلى الجانب الغربي ، فما فاءَتْ منه الشمس وبقي ظِلا فهو فَيْءٌ ، والفَيّءُ شَرْقي والظِّلّ غَرْبي ، وإنما يُدْعَى الظِّلَ ظلّا من أول النهار إلى الزوال ، ثم يُدْعَى فيئا بعد الزوال إلى الليل وأنشد :

فلا الظِّلَ من بَرْدِ الضُّحَى تَسْتَطيعُه

ولا الفَيْءَ من بَرْدِ العَشِيِّ تذُوقُ

قال : وسواد الليل كله ظِلٌ ، وقال غيره يقال : أَظَلَ يَوْمُنا هذا إذا كان ذا سحاب أو غيره ، فهو مُظِلّ ، والعرب تقول : ليس شيء أظل من حَجَر ، ولا أَدفأَ من شجر ، ولا أشدَّ سوادا من ظل ، وكلما كان أرفَعَ سمكا كان مسقط الشمس أبعد ، وكلما كان أكثر عرضا وأشد اكتنازا كان أشد لسواد ظله ، ويزعم المنجمون أن الليل ظِلٌ ، وإنما اسود جدا ، لأنه ظِل كرةِ الأرض ، وبقدر ما زاد بدَنُها في العِظَم ازداد سواد ظلها ، ويقال للميت : قد ضحا ظله.

ومن أمثال العرب : ترَك الظبيُ ظِلَّه ، وذلك إذا نَفَرَ ، والأصل في ذلك أن الظَّبْيَ يَكنِسُ في شِدّة الحرّ فيأتيه السَّامي فيُثيره فلا يعُودُ إلى كِناسِه فيقال : ترك ظِلّه ، ثم صار مثلا لكل نافرٍ من شيء لا يعود إليه ، ويقالُ : انتَعَلتْ المطايا ظِلالَهَا إذا انتصفَ النهار في القيظ ، فلم يَكن لها ظِلّ ، وقال الراجز :

قد وَرَدَتْ تَمْشِي على ظِلَالِها

وذَابَتْ الشمسُ على قِلَالِها

وقال آخر في مثله :

* وانْتَعَلَ الظِّلَ فكان جَوْرَبَا*

وفي حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه ذكر فِتَنا كأنها

٢٥٦

الظُّلَل واحده ظُلَّة ، وهي الجبال ، وهي السحاب أيضا.

وقال الكميت :

وكيف تقول العنكبوت وبيتها

إذا ما عنتْ موجا من البحر كالظُّلل

قال أبو عمرو : الظُّلل : السحاب.

وقال الفراء : أظل يومُنا إذا كان ذا سحاب والشمس مُستظِلَّة ، أي هي في السحاب ؛ وكل شيء أظلك فهو ظُلَّة ؛ ويقال : ظِلٌ وظِلال وظُلّة وظُلَلٌ ، مثل قُلة وقُلَل.

ومن أمثال العرب : أتيته حين شدَّ الظَّبي ظِله وذلك إذا كنس نصف النهار ، فلا يبرحُ مكنسه ويقال : أتيته حين ينْشُد الظَّبي ظِلَّه ، أي حين يشتد الحر فيطلب كِنَاسا ، يكْتَن فيه من شدة الحر.

وقال أبو زيد : يقال : كان ذلك في ظِل الشتاءِ ، أي في أوَّل ما جاء الشِّتاء ، وفعلتُ ذلك في ظِل القَيْظ ، أي في شدَّة الحر وأنشد الأصمعيّ :

غَلَسْتُه قَبْلَ القَطَا وفُرَّطِه

في ظِلِ أَجَّاج المَقِيظ مُغْبِطِه

واسْتَظَلَ الرجلُ إذا اكْتَنَ بالظِّل ، ويقال : فلان في ظِلّ فلان أي في ذَرَاه وفي كَنَفِه ، وسمعتُ أعرابيا من طَيّىء يقول : لِلَحْمٍ رقيق لاصقٍ بباطن المنسم من البعير : هي المُسْتَظِلَّاتُ ، وليس في لَحْمِ البعير مُضْغَةٌ أرقُ ولا أَنْعَمُ منها ، غير أنهُ لا دَسَمَ فيها ، ويُقال لِلدَّم الّذي في الجوف مُسْتَظِلٌ أيضا ومنه قوله : مِن عَلَقِ الجوفِ الّذي كان اسْتَظَلَ.

ويقال : اسْتَظَلَّتْ العينُ إذا غَارتْ وقال ذو الرمة :

على مُسْتَظَلَّاتِ العُيُونِ سَوَاهِمٍ

شُوَيْكِيَةٍ يَكْسُو بُراها لُغَامُها

وقول الراجز :

* كأَنَّما وَجْهُك ظِلٌ من حَجَر*

قال بعضهم : أرادَ الوَقَاحة ، وقال : أراد أنه أَسْودُ الوَجْه ، وقال أبو زيد يقال : كان ذلك في ظِلِ الشتاء ، أي في أول ما جاء ، وقال الفراء : الظَّلَّة ما ستَرك مِن فوق ، والظُّلَّةُ الصَّيْحةُ ، والظُّلَّةُ الظِّلالُ ، والظِّلالُ ظِلالُ الجنَّة ، قال عباس بن عبد المطلب :

من قَبْلِها طِبْتَ فِي الظِّلال وفي

مُسْتَودَعٍ حَيْثُ يُخْصَفُ الوَرقُ

أراد ظِلال الجِنان التي لا شَمْسَ فيها.

أراد أنه كان طيبا في صلب آدم في الجنة وظِلالُ البحْر أَمْواجُه لأنها ترتفع فتُظِلُ السفينة ومن فيها.

وقال الليث : مكانٌ ظليلٌ دائم الظِّل قد دَامتْ ظِلالُهُ ، والظُّلَّة كَهيئة الصُّفّة ، قال : و (عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) يقال والله أعلم : عذاب يوم الصُّفَة ، وقال غيره : قيل (عَذابُ يَوْمِ)

٢٥٧

الظُّلَّةِ.

لأن الله جلّ وعزّ بعثَ غَمامةً حارَّةً فأَطْبَقَتْ عليهم وهَلَكوا تحتها ، وكلُّ ما أطبق عليك فهو ظُلّة ، وكذلك كلُّ ما أَظَلَّكَ ، وقول الله جلّ وعزّ في صفة أهل النار : (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ) [الزمر : ١٦].

روى أبو العباس عن ابن الأَعرابيّ : هي ظُلَلٌ لمن تَحْتَهم وهي أَرْضٌ لهم ، وذلك أن جهنم أَدْرَاكٌ وأطْباقٌ فبِساطُ هذه ظُلَّةٌ لمن تحتهم ثم هَلُمَّ جرَّا حتى ينتهوا إلى القَعْر.

وقال أبو عمرو : الظَّلِيلَةُ الروضةُ الكثيرة الحَرجاتِ.

وقال الليث : والمِظَلَّةُ البُرْطُلَّةُ قال : والظُّلَّة والمِظَلَّةُ سواء وهما ما يُسْتَظَل به من الشمس ويقال : مَظَلَّة.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال : الخَيْمة تكون من أَعْوَادٍ تُسَقَّفُ بالثُّمامِ ولا تكون الخَيْمةُ من نباتٍ ، وأما المَظَلَّة فمن ثيابٍ ، رواه بِفتْح الميم.

وقال الليث : الإظلالُ : الدُّنُوُّ يقال : أَظَلَّكَ فلانٌ ، أي كأنه ألقى عليك ظِلَّهُ من قُرْبِه ، وأَظَلَ شهرُ رمضانَ أي دنا منك ، ويقال : لا يجاوزُ ظِلِّي ظلَّك ، قال : ومُلاعِبُ ظِلِّه طائرٌ يسمى بذلك ، وهما مُلاعِبا ظلِّهما وملاعباتُ ظِلِّهن هذا في لغة ، فإذا جعلتَه نَكرة أخرجتَ الظل على العِدَّة فقلت : هُنَّ ملاعباتُ أظلالهن.

قال ذو الرمة :

* دَامِي الأظَلِ بعيدِ الشَّأْوِ مَهْيُومِ*

والظِّل شِبْه الخيال من الجنّ.

وقال الليث : الظَّليلةُ مُسْتَنْقعُ ماءٍ قليلٍ من سيلٍ أو نحوه ، والجميعُ الظّلائِلُ وهي شبه حُفْرةٍ في بَطْن مَسيلِ ماءٍ ، فينقطع السيل ويبقى ذلك الماء فيها.

وقال رؤبة :

* غَادَرَهُنَّ السَّيْلُ في ظَلَائِلَا*

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : الظُّلْظُلُ : السُّفُن وهو المَظَلَّة.

وقال أبو زيد : من بيوت الأعراب : المِظَلَّةُ وهي أعظم ما يكون من بيوت الشَّعَر ثم الوَسُوطُ بَعْد المِظلة ثم الخِباء ، وهو أصغر بيوت الشَّعَر.

وقال أبو مالك : المِظَلَّةُ والخِباء يكون صَغيرا وكبيرا.

قال : ويقال للبيت العظيم : مِظلة مَطْحَوَّة ومَطْحِيَّة وطَاحِيَةٌ وهو الضّخْمُ ، ومِظَلَّةُ دَوْحَة.

ومن أمثال العرب : عِلةٌ ما عِلَّة ، أَوْتَارٌ وأَخِلَّه ، وعَمَدُ المِظَلَّةُ ، أَبْرِزُوا لِصِهْركم ظُلَّة ، قالَتْه جَارِيةٌ زُوِّجَتْ فأَبْطأَ بها أَهْلُها على زَوْجها ، وجعلوا يَعْتَلَّون له بِجَمْعِ أَدَوَاتِ البَيْت فقالت ذلك اسْتِحثاثا لهم.

٢٥٨

قال أبو عبيدة في بابُ سُوءِ المشارَكة في اهتمام الرجل بشأن صاحبه. قال أبو عبيد : إذا أراد المشكو إليه أنه في نحوٍ مما فيه صاحبه الشاكي قال له : إن يَدْمَ أَظلُّك فَقَدْ نَقِبَ خُفِّي ؛ يقول : إني في مثل حالك.

وقال لبيد :

* بِنَكِيبٍ مَعِرٍ دامِي الأَظَلِ *

والأظَلُ والمَنْسِمُ للبعير كالظُّفْر للإنسان.

من قرأ (في ظلل على الأرائك) [يس : ٥٦] فهو جمع ظُلّة ، ومن قرأ (فِي ظِلالٍ) فهو جمع الظلِ ، ومنه قوله : (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ) [الزمر : ١٦].

وقال تعالى : (ظِلًّا ظَلِيلاً) [النساء : ٥٧] أي يُظل من الريح والحرّ.

وقال ابن عرفة : (ظِلًّا ظَلِيلاً). أي دائما طَيِّبا ، يقال إنه لفي عَيْش ظَليلٍ ، أي طيِّب.

قال جرير :

ولقد تُسَاعِفُنا الدِّيارُ وعَيْشنا

لَو دَامَ ذاك كما تُحبُ ظلِيلُ

ومنه : (لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ (٣١)) [المرسلات : ٣١]. (وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) [الرعد : ١٥].

أي مُسْتَمِرٌ ظلُّهم ، يقال : هو جمع الظل ويقال : هو شُخُوصهم.

(وَظِلٍ مَمْدُودٍ (٣٠)) [الواقعة : ٣٠] يقال هو الدائم الّذي لا تنسخه الشمس ، والجنة كلها ظل.

لظ : رُوي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «ألِظُّوا في الدعاء بيا ذا الجلال والإكرام».

قال أبو عبيد : أَلِظُّوا يعني الْزَمُوا ، والإلْظَاظُ لُزومُ الشيءِ والمثابرة عليه.

يقال : أَلْظَظْتُ به أُلِظُّ إلْظاظا ، وفلان مُلِظٌّ بفلانٍ أي ملازمٌ له ولا يُفارقه.

وقال الليث : المُلَاظَّةُ في الحرب المواظبة ولزوم القتال ورجل مِلْظَاظٌ ومِلَظُّ شديدُ الإبْلَاغِ بالشيء يُلحُّ عليه ، وقال الراجز :

* عَجِبْتُ والدَّهْرُ لَه لَظِيظُ*

ويقال : رجل لَظٌّ كَظٌّ ، أي عَسِرٌ مُشَدَّدٌ عليه ، والتَّلَظْلُظُ واللَّظْلَظَةُ من قولك : حَيَّةٌ تَتَلَظْلَظُ ، وهو تحريكُها رأْسَها مِن شِدَّة اغْتِيَاظِها ؛ وحيةٌ تَتَلظى من شِدة توَقُّدِها وخُبْثها ، كان الأصلُ تَتَلَظَّظُ ، وأما قولهم في الحرّ : يَتَلَظَّى فكأنه يَتَلَهَّب كالنار من اللظى.

عمرو عن أبيه : أَلَظَّ إذا ألحّ ومنه قوله : «أَلِظُّوا بِيا ذَا الجلال والإكرام» ؛ وأنشد : لأبي وجزة :

فأبلغ بني سعد بن بكر مِلظَّة

رسولَ امرىءٍ بادي المودة ناصح

قيل : أراد بالمِلظة الرسالة ، وقوله : رسول امرىء أي رسالة امرىء.

٢٥٩

باب الظَّاء والنون

[ظ ن]

ظن : أبو عبيد عن أبي عُبيدة : قال : الظَّن يَقينٌ وشَكٌّ وأنشد :

ظَنِّي بهم كَعَسَى وهم بِتَنُوفَةٍ

يَتَنَازَعُون جَوَائِزَ الأَمْثَالِ

يقول : اليَقِينُ منهم كَعسى ، وعسى شَكٌّ.

وقال شمر : قال أبو عمرو : معناه ما يُظَنُ بهم مِن الخَيْرِ فهو واجبٌ ، وَعَسَى من الله واجبٌ.

وقال الله جلّ وعزّ حكاية عن الإنسان : (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ (٢٠)) [الحاقة : ٢٠] أي عَلِمْتُ ، وكذلك قوله : وظنّوا أنّهم قد كذّبوا [يوسف : ١١٠] أي عَلِموا يَعْنِي الرُّسلَ ، أن قومَهم قد كَذَّبوهم فلا يصدِّقونهم ، وهي قراءة ابن عامر وابن كثير ونافع وأبي عمرو ، بالتشديد وبه قَرأَتْ عائشة ، وفسَّرته على ما ذكرناه.

وقال الليث : الظَّنِينُ المعادِي ، والظَّنِينُ المتَّهم الّذي تُظَن به التهمة ومصدرُه الظِّنَّة بالتشديد ، والظَّنون الرجلُ السيِّىءُ الظَّنِ بكل أحد ، والظَّنون الرجلُ القليل الخيرِ.

وأخبرني المنذري عن أبي طالب قال : الظنون المتهم في عقله ، والظنون كل ما لا يُوثق به من ماء وغيره ويقال : عِلْمُه بالشيء ظَنُونٌ إذا لم يُوثق به. وأنشد أبو الهيثم :

كصخرة إذْ تُسَائِلُ في مَرَاحٍ

وفي حَزْمٍ وعلمَهما ظَنُونٌ

وقول الله جلّ وعزّ : وما هو على الغيب بظنين) معناه ما هو على ما يُنْبِىءُ عن الله من علم الغيب بمُتَّهمٍ ، وهذا يُروى عن عليٍ.

وقال الفراء ويقال : (ما هو على الغيب بظنين) ما هو بضعيف ، يقول : هو مُحتَمل له.

والعَربُ تقول للرجل الضعيف أو القليل الحيلة : هو ظَنُون.

قال : وسمعت بَعْض قُضاعة يقول : ربما دَلَّك على الرأْي الظَّنُون ، يريد الضعيفَ من الرجال ، فإِن يكن معنى ظَنِين ضعيف فهو كما قيل ماء شَرُبٌ وشَرِيبٌ ، وقَرونِي وقَريني وقَرُونَتِي وقَرِينَتي ، وهي النَّفْسُ والعَزيمةُ.

وقال ابن سيرين ما كان عَلِيٌ يُظَنُ في قَتْل عثمانَ ، وكان الّذي يُظَنُ في قَتْله غيره.

وقال أبو عبيد : قوله يُظَّنُ يَعْنِي يُتَّهم ، وأصله من الظَّن ، إنما هم يُفْتَعَل منه وكان في الأصل : يُظْتَنُّ فَثَقُلَتْ الظَّاءُ مع التاء فَقُلِبتْ ظاءً مُشدَّدةً حين أُدْغِمت ، وأنشد :

وما كُلُّ مَن تِظَنُّني أنا مُعْتِبٌ

ولا كُلَّ ما يُرْوَى عليَّ أَقُولُ

ومثله :

٢٦٠