تهذيب اللغة - ج ١٤

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ١٤

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٧

(أبواب) التَّاء واللام

[ت ل ن]

تلن ، نتل ، تنبل ، تنتل : [مستعملة].

[تنبل] (١) : روي عن الأصمعيّ أنه قال : رجل تِنْبَلٌ وتنْتَل ، وتِنْبَالة وتِنْتَالة ، وهو القصيرُ ، رَوَى هذا أبو تراب في باب الباء والتاء من الاعتقاب.

تلن : أبو عبيد : لنا فيه تَلُونَةٌ ، أي حاجةٌ.

شمر قال الفرّاء : لهم فيه تُلُنَّةٌ وتَلُنَّةٌ وتَلُونَةٌ على فَعُولَة ، أي مُكْثٌ.

وأنشد ابن الأعرابيّ :

فإنكم لَسْتُم بِدَار تُلُنَّة

وَلَكِنَّما أنتم بِهِنْد الأحَامِسِ

ابن بُزُرْجَ : قال أبو حيان : التَّلانَةُ : الحاجةُ وهي التَّلُونةُ والتَّلُون ، وأنشد :

فَقُلتُ لها لا تَجْزَعِي إنَّ حاجتي

بِجِزْغ الغَضَى قد كان يُقْضَى تَلُونُها

قال : وقال أبو الرغيبة : هي التُّلُنَّةُ.

أبو عبيد عن الأحمر : تَلانَ في معنى الآنَ وأنشد :

* وصليه كما زَعَمْتِ تَلانَا*

ونحوه قال الأموي.

نتل ـ [تنتل](٢) : أبو عبيد عن أبي عمرو : تَنَاتَل النَّبْتُ إذا صار بعضه أطولَ من بعض.

شمر : اسْتَنْتَلَ القومُ على الماء إذا تَقَدَّموا ، قال : والنَّتْلُ هو التَّهَيُّؤُ في القدوم.

وروي عن أبي بكر الصديق : أنه سُقِيَ لبنا ارتاب به أنه لم يَحِلَّ له شُرْبُه فاستَنْتَل يَتَقَيَّأُ أي تَقَدَّم.

أبو عبيد عن أبي زيد : استَنْتلت للأمر استنتالا وابْرنْتَيْتُ ابرِنْتاء وابرنذعت ابرنذاعا كل هذا إذا استعددت له.

عمرو عن أبيه : النَّتْلة البَيْضَة وهي الدَّوْمَصَةُ ، وأمّ العباس بن عبد المطلب هي نُتَيْلةُ ابنةُ خَبَّاب بنِ كلَيب بن مالك ابن عمرو بن عامر بن زيد مناة بن عامر ، وهو الضَّحْيانُ بن النَّمِر بن قاسِطِ بن رَبيعة.

وقال الليث في قول الأعشى :

لا يَتَمَنَّى لها في القَيْظ يَهْبِطُها

إلا الذين لهم فيما أَتَوْا نَتَلُ

__________________

(١) قال ابن منظور في «اللسان» (تنبل ـ ٢ / ٥٦): «تنبل : رباعي على مذهب سيبويه لأن التاء لا تزاد أوَّلا إلا بثبت ، وكذلك النون لا تزاد ثانية إلَّا بذلك ، وعند ثعلب ثلاثي ، وذهب إلى زيادة التاء ، ويشتقه من النبل الّذي هو الصغر». وذكره الليث في (باب الرباعي من التاء) انظر «العين» (٨ / ١٤٧) ، وسيأتي ذكره أيضا في (باب الرباعي) ص.

(٢) سيأتي ذكره في باب الرباعي.

٢٠١

قال : زعموا أن العرب كانوا يملأون بَيْضَ النَّعام ماءً في الشتاء ، ويَدْفِنونها في الفَلَوات البعيدة من الماء ، فإذا سلكوها في القيظ اسْتَثارُوا البيضَ ، وشربوا ما فيها من الماء فذلك النَّتَلُ.

قلت : أصل النَّتْلِ التَّقَدُّم والتَّهيؤ للقدوم ، فلما تَقَدَّموا في أمر الماء بأن جعلوه في البَيْضِ ودَفَنوه سمّوْا البيضَ نَتَلا.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : النَّتْلُ التَّقدم في الخير والشر وانْتَتَل إذا سَبق.

وفي الحديث : أنه رأى الحسين يلعب ومعه صبية في السكة ، فاستنتل صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمام القوم ، أي تقدم ، قال أبو بكر : وبه سُمِّي الرجلُ ناتلا.

ت ل ف

تلف ، تفل ، لفت ، فلت ، فتل : مستعملة.

تلف : قال الليث : التَّلَفُ عَطَبٌ وهَلاك في كل شيء والفِعل تَلِفَ يَتْلَفُ تَلَفا.

والعرب تقول : إن من القَرَفِ التَّلَفُ والقَرَفُ مدَاناةُ الوَباء ، المَتْلَفَةُ مَهْوَاةٌ مُشْرِفة على تَلَفٍ ، والمتَالِفُ المَهالِك ، وأتلَفَ فلان مالَه إتْلافا إذا أَفْنَاه إسرافا.

وقال الفرزدق :

وقومٍ كرامٍ قد نقلنا إليهمُ

قِراهم فأَتْلَفْنا المنايا وأَتْلَفُوا

أتلفنا المنايا وَجَدْناها ذاتَ تَلَفٍ أي ذات إتلاف ووجدوها كذلك.

وقال ابن السكيت في قوله : أتلفنا المنايا وأتلفوا أي صَيَّرنا المنايا تلفا لهم وصيروها لنا تلفا قال : ويقال : معناه صادفناها تُتْلِفُنا وصادفوها تُتْلِفُهُم.

تفل : رُوِي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «لِتَخْرُجِ النساءُ إلى المساجدِ تَفِلَاتٍ».

وقال أبو عبيد : التَّفِلَةُ التي ليست بِمُتَطَيِّبَةٍ ، وهي المُنْتِنَةُ الرِّيح.

يقال لها : تَفِلَةٌ ومِتفالٌ ، وقال امرؤ القيس :

إذا ما الضَّجِيعُ ابْتَزَّها مِن ثِيَابها

تميل عليه هَوْنةً غَيرَ مِتْفَالِ

قال : والتَّفْل بالفَمِ لا يكون إلا ومعه شيء مِن الرِّيق ، فإذا كان نفخا بلا ريق فهو النَّفْثُ.

قال أبو عبيد وقال اليزيدي يقال للثعلب : تَتْفُلُ وتُتفِلِ وتِتْفِلُ ، قلت : وَسمعتُ غيرَ واحد من الأعراب يقولون : تُفَّل على فُعَّل للثعلب ، وَأَنشدوني بيت امرىء القيس :

* وَإِرْخاءُ سِرْحَانٍ وَتَقْرِيبُ تُفَّلٍ *

وقَال ابن شميل يقال : ما أصاب فلان من فلان إلا تِفْلا طفيفا أي قليلا.

وفي بعض الحديث : قم من الشمس فإنها تُتْفِلُ الريحَ أي تُنْتِنُها.

٢٠٢

وقال أبو النجر :

* حتى إذا ما ابيض جرو التُّتْفُلِ *

قيل : التُّنْفُل شجيرة يسميها أهل الحجاز شط الذئب لها جِراء مثل جراء القِتَّاء وَهي آخر ما يَيْبَس من الْعُشب ، فإذا جاءَ الصيفُ ابيضَّ.

لفت : قال الفراء في قول الله جلّ وعزّ : (أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) [يونس : ٧٨] ، قال : اللَّفْتُ الصَّرفُ.

يقال : ما لَفَتَكَ عن فلان أي ما صَرَفَك عنه.

وقال الليث : اللَّفْتُ لَيُّ الشيءِ عن جهته كما تَقْبِض على عُنق إنسان فَتَلْفِتَه ، وأنشد :

* ولَفْتنَ لَفْتاتٍ لَهُن خَضَادُ*

ولَفَتُ فلانا عن رأيه أي صَرَفْته عنه ، ومنه الالتفات ويقال : لِفْتُ فلانٍ مع فلان ، كقولك صَغْوِهُ مَعه ، ولِفْتاهُ شِقَّاه ، وفي حديث حُذَيفَةَ : مِن أَقرأ الناس للقرآن منافق لا يَدَعُ منه واوا ولا ألفا ، يَلْفتُه بِلِسانه كما تَلْفِتُ البَقَرةُ الخَلَا بلسانها ، اللَّفْت اللَّيُّ ، يقال : لَفَتَ الشيءَ وفَتَله إذا لَواه وهذا مَقْلُوب ، والسَّلْجَم يقال له اللِّفْتُ ، ولا أدري أَعَرَبِيٌ هو أم لا.

أبو عبيد عن الأصمعيّ : الألْفَتُ في كلام قيس الأحمق ، والألْفَتُ في كلام تميم الأعْسَرُ.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : هو الألْفَتُ والألْفَكُ للأعسر ، سُمِّي أَلْفَتَ لأنه يَعْمَل بجانبه الأمْيَل.

وفي صفته صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا التفت التفت جميعا ، يقول كان لا يَلْوي عُنقه يمنةً ولا يسرةً ناظرا إلى الشيء وإنما يفعل ذلك الخفيفُ الطائش ، ولكن كان يُقْبِل جميعا ويُدبِرُ جميعا.

الليث : الألْفَتُ من التُّيُوس الّذي اعوجَّ قرناه والْتَويا ، قال : واللَّفوت العَسِر الخلق.

أبو عبيد عن الكسائي : اللَّفُوتُ من النساء التي لها زوج ولها ولد مِن غيره ، فهي تَلَفَّتُ إلى ولدها.

وفي حديث عمرَ حينَ وَصَفَ نفْسَه بالسياسة فقال : إني لأُرتعُ وأُشبع وأَنْهَزُ اللَّفُوت وأَضُمُّ العَنودَ وألحِقَ العَطوفَ وأَرْجُزُ العَروضَ.

قال شمر : قال أبو جميل الكلابي : اللّفُوتُ الناقةُ الضَّجور عند الحَلْب تَلْتَفت إلى الحالب فَتَعَضُّه فَيَنْهزُهَا بيده فَتَدُرّ ، تفْتَدِي باللبن من النَّهزِ.

وأخبرني المنذريُّ عن ثعلبٍ عن ابن الأعرابيّ قال : قال رجل لابنه : إياك الرَّقوبَ الغَضُوبَ اللَّفتوتَ.

قال : واللَّفوتُ التي عَيْنُها لا تَثبتُ في موضعٍ واحد ، وإنما هَمُّها أن تَغْفُلَ عنها

٢٠٣

فتغْمِزَ غيرَك ، والرَّقُوبُ التي تراقبه أن يموت فَترثَه.

ابن السكِّيت : اللَّفِيتةُ : العَصِيدةُ المُغَلَّظَة.

وفي حديث عمر : أنه ذكرَ أمَّه في الجاهلية واتخاذَها له ولأُختٍ له لَفِيتَةً من الهَبيد.

قال أبو عبيدة : اللَّفيتَةُ : ضَربٌ من الطبيخ لا أَقِفُ على حَدِّه وقال : أراه الحَسَاءَ ونحوه.

وقال ابن السكيت : اللَّفيتةُ هي العَصيدةُ المغلَّظة.

قال ويقال : لا تَلْتَفِتْ لِفتْ فلان.

فلت : قلت : رُوي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن رجلا أتاه فقال : يا رسول الله إن أمي افْتُلِتَتْ نَفْسُها فماتتْ ولم تُوصِ أَفَأَتصدَّقُ عنها؟

فقال : نعم.

قال أبو عبيد قوله : افتُلِتَتْ نَفْسُها يَعْني ماتَتْ فَجْأَة لم تمْرضْ فتُوصِيَ ، ولكنها أُخِذَتْ فَلْتَةً ، وكل أَمْرٍ فُعل على غير تَمَكُّثٍ وتَلَبُّثٍ فقد افْتُلِتَ ، والاسم الفلْتةُ.

ومنه قول عمر في بَيْعَة أبي بكر أنها كانت فلتَةً ، فَوَقَى الله شَرَّها ، إنما معناه البَغْتةُ ، وإنما عُوجِل بها مُبادَرةً لانتشار الأمر حتى لا يَطْمَع فيها من ليس لها بموضع.

وقال حُصَيب الهذلي :

كانوا خبيئة نَفْسي فافتُلِتَّهم

وكلُّ زادٍ خَبيءٍ قَصْرُه النّفَدُ

قال : افتلتهم : أَخذوا منِّي فلتَة ، زادٌ خَبيءٌ يُضَنُّ به.

وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم. قال : كان لِلعَرب في الجاهلية ساعةٌ يقال لها : الفَلْتةُ يُغيرون فيها ، وهِي آخرُ ساعةٍ من آخر يوم من أيام جُمادى الآخرة ، فإذا رأى الشُّجعانُ والفُرسانُ هلالَ رجبٍ قد طلعَ فجأة في آخر ساعة من أيام جمادى الآخرة ، أغاروا تلك الساعة ، وإن كان هلالُ رجب قد طَلَعَ تلك الساعة ، وإن كان هلالُ رجل قد طلع تلك الساعة لأن تلك الساعة من آخر نهار جمادى الآخرة ما لم تغب الشمس وأنشد :

والخَيلُ ساهِمةُ الوجوه

كأنَّما يَقْضِمنَ مِلحا

صَادَفْنَ مُنْصُلَ ألّةٍ

في فَلتةٍ فَحَوَيْن سَرْحَا

حدثنا عبد الله بن عروة قال : حدثنا يحيى بن حكيم عن سعيد القداح عن إسرائيل بن يونس عن إبراهيم عن إسحاق عن أبي هريرة قال : مر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم تحت جِدارٍ مائلٍ فأسرع المشي. فقيل لرسول الله : أسرعتَ المشي فقال : «إني أكره موت الفَوات» يعني موت الفُجاءة.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : يقال للموتِ الفُجَاءةِ : الموتُ الأبيض والجارف واللَّافِت والفَاتِل ، يقال : لَفَته الموتُ وفَتَلَهُ وافْتلته وهو الموت الفَواتُ والفُواتُ

٢٠٤

هو أَخْذَة الأسَفِ ، وهي الوَحِيُ ، والموت الأحمر : القَتْلُ بالسيف ، والموتُ الأسود ، هو الغَرَقُ والشَّرَقُ.

أبو عبيد عن الفراء : افْتَلْتَ فلانٌ الكلامَ واقتَرَحَه إذا ارتجله قال : والفَلَتَان والصَّلَتَان من التفلُّتِ والانْصِلات ، يقال ذلك للرجل الشَّديد الصلبِ.

وقال الليث : رجل فلتَانُ نشيطٌ حديدُ الفؤاد ، ويقال : أفلتَ فلانٌ بِجُرَيعَةِ الذَّقَن ، يُضْربُ مثلا للرجل يُشْرِفُ على هَلَكة ثم يُفْلِتُ كَأَنَّه جَرَعَ الموتَ جَرْعا ثم أَفلتَ منه ، والإفلاتُ يكون بمعنى الانفِلات لازِما وقد يكون واقعا ، يقال : أفلته مِن الهَلَكَةِ أي خَلَّصتُه.

وأنشد ابن السكيت فقال :

وأَفْلَتَني منها حِماري وجُبّتي

جَزَى اللهُ خيرا جُبتي وحِماريا

حدثنا السعدي ، قال : حدثنا الرمادي ، قال : حدثنا أبو معاوية ، قال : حدثنا يزيد عن أبي بردة عن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله يُملي للظالم فإِذا أخذه لم يفلته ، ثم قرأ : (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ) [هود : ١٠٢].

قوله : لم يفلته أي لم ينفلت منه ، ويكون بمعنى لم يفلته أحد أي لم يخلصه شيء.

وروى أبو عبيدة عن أبي زيد من أمثالهم في إفْلات الجبان : أفلتني جُرَيعة الذّقن ، إذا كان قريبا كقرب الجرعة من الذّقن ثم أفلته ، قلت : معنى أفلتني انفلت مني.

وفي حديث ابن عمر : أنه شهد فتح مكة ومعه جمل جَزُور وبُرْدة فلوت.

قال أبو عبيد قوله : بُردةٌ فَلوتٌ أراد أنها صَغيرةٌ لا يَنْضم طرفاها فهي تُفْلِتُ من يده إذا اشتمل بها.

شمر عن ابن الأعرابيّ : الفَلُوتُ الثوب الّذي لا يثبت على صاحبه لِلينه أو خُشونته.

قال وقال ابنُ شميل : يقال لَيس ذلك من هذا الأمر فلتٌ أي لا تَنْفَلِتُ منه ، وقد أَفلَتَ فلانٌ وانْفَلَتَ ، ومرّ بنا بَعيرٌ مُنْفَلِتٌ ولا يقال : مُفْلِتٌ ، ورجل فَلَتانٌ أي جريءٌ وامرأة فَلَتانة.

وفي حديث مجلس النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ولا تُنْثَى فَلَتَاتُه» أي زَلَّاته ، والمعنى أنه لم يكن في مَجْلسه فَلتات تُفْشَى أي تُذكر ، لأنَّ مَجْلسه كان مَصونا عن السقطات واللَّغو ، إنما كان مَجلسَ ذِكرٍ حَسَن وحِكَم بالغةٍ لا فضولَ فيه.

فتل : قال الليث : الفتْلُ لَيُّ الشيء كليِّك الحَبْل وَكفتل الفَتيلة قال : وناقة فتلاء ، إذا كان في ذِراعها فَتَل. وبُيُون عن الجنب ، وأنشد غيره بيت لَبيد :

* خرج من مِرفقيْها كالفَتَل *

٢٠٥

ويقال : انفتل فلان عن صلاته أي انصرف ، ولفت فلانا عن رأيه وفتله إذا صَرَفه ولَواهُ ، وقول الله جلّ وعزّ : (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) [النساء : ٤٩]. أخبرني المنذري عن الحراني عن ابن السكيت : أنه قال : «القِطْمِيرُ القِشْرَة الرّقيقة على النواة ، والفتيلُ ما كان في شَقِّ النّواة» وبه سُمِّيت فَتيلةُ السراج والنقير النُّكْتَةُ في ظَهْرِ النواة.

ويروى عن ابن عباس أنه قال : الفتيل ما يخرج من بين الإصبعين إذا فتلهما.

قلت : وهذه الأشياء تضرب كلها أمثالا للشيء التافه الحقيرِ القليلِ ، أي لا يُظلمون قَدرَها.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : قال : الفتَّالُ البُلبل ويقال لصياحه الفَتْل ، وأما الفَتَلُ فهو مصدر فَتِلَتِ الناقة فتْلا إِذا أملس جِلد إِبِطِها فلم يكن فيه عَرَك ولا حازٌ ولا خالعٌ ، وهذا إذا استَرْخَى جِلْد إبطها وتَبَخْبخ.

ت ل ب

تلب ، تبل ، بتل ، بلت ، لبت : مستعملة.

تلب : أبو عبيد عن الأصمعيّ : من أشجارِ الجِبال الشَّوْحَطُ والتَّألَبُ بالتاء والهمزة ، وأنشد شمر لامرىء القيس :

وَنَحَتْ له عَنْ أَرْزِ تَأْلبةٍ

فِلْقٍ فِراغَ مَعَابِلٍ طُحْلِ

قال شمر : قال بعضهم : الأَرْزُ ههنا القَوْسُ بعينها ، والتألبةُ شجرة يُتَّخَذ منها القِسيّ ، والفِراغُ النِّصالُ العِراضُ الواحد فَرْغٌ ، وقوله نَحَتْ له يعني ، امرأةً تَحَرَّفَتْ له بِعَيْنها فأصابت فؤادَه.

قال العجاج يصف عَيْرا وَأُتُنَه :

بأَدَماتٍ قَطَوانا تَأْلبَا

إذا عَلَا رأس يفَاعٍ قرّبَا

أدَمَاتٌ أرضٌ بعَيْنها ، والقَطَوانُ الّذي يقاربُ خُطاه ، والتَّأْلبُ الغليظُ المجتمِعُ الخَلْقِ ، شُبِّه بالتَّأْلب وهو شَجَرٌ تُسَوَّى منه القِسِيُّ العربية.

والتَّوْلَبُ وَلَدُ الحمار إذا استكْمَلَ سَنَةً.

وقال الليث يقال : تَبّا لِفُلانٍ تَلْبا يُتبعونَهُ التَّبُ.

أبو عبيد عن الأصمعيّ : المتْلَئِبُ المستقيم قال : والمُسْلَحِبُ مثله ، قال وقال الفراء : التُّلأْبِيَةُ من اتلأبّ إذا امتد ، أبو العباس عن ابن الأعرابيّ : المتَالِبُ المقَاتِلُ ، والتِّلِبُ اسم رجل من بني تميم وقد رَوَى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم شيئا.

تبل : أبو عبيد : التَّبْلُ أن يُسقِم الهوى الإنسانَ ، رجلٌ مَتبولٌ.

وقال الأعشى :

* ودهر مُتبِلٌ خَبِلٌ*

أي مُسْقِمٌ ، وأصل التَّبْلِ التِّرة يقالُ تَبْلي

٢٠٦

عند فلان.

وقال الليث : التبْلُ عَدَاوةٌ يُطلَبُ بها يقال : قد تَبَلَني فلانٌ ولي عنده تَبْل والجميع التُّبول ، وتَبَلهم الدهرُ إذا رماهم بصروفه ، وتَبالةُ اسم بلد بعينه ، ومنه المثل السائر : ما حَلَلتَ تَبالَة لَتْحرِمَ الأضيافَ ، وهو بلدٌ مُخْصِبٌ مُربعٌ ، ومنه قول لبيد :

هبطا تبالةُ مخْصِبا أَهْضامُها

وتَوَابِلُ القِدْر أفْحاؤها

قال ابن الأعرابيّ : واحدها تَوْبل ، وقال أبو عبيد : الواحد تَابَل ، قال : وتوبلت القِدْر وقَزَّحتها وفَحَّيتُها بمعنى واحد ، قال الليث : يجوز تَبَّلْتُ القِدْر.

بتل : قال الليث : البَتْل تمييزُ الشيء من الشيء ، والبَتُول كل امرأة تَنْقَبض عن الرجال لا شهوةَ لها ولا حاجة فيهم ، ومنه التَّبَتل وهو تَرْكُ النِّكاح والزهدُ فيه ، قال ربيعةُ بنُ مَقْرُوم الضبي :

لو أَنَّها عَرَضتْ لأشمطَ راهبٍ

عبد الاله صرورةٍ مُتبتِّلِ

وقال الزهري : أخبرنا سعيد بن المسيب : أنه سمع سعد بن أبي وقَّاص يقول : لقد رَدَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على عثمانَ بن مظعون التّبتُّل ، ولو أَحَلَّه له ، أذن له لاخْتَصَينا ، وفسَّر أبو عبيد التبتل بنحو ممّا ذكرناه ، وأصل البتْل القَطْع.

أبو عبيدة عن الأصمعيّ : المبتل النخلة تكون لها فسيلة قد انفردت واستغنت عن أمها فيقال لتلك الفسيلة البتول وأنشد :

ذلك ما دينك إذْ جُنِّبتْ

أجمالها كالبُكر المبتلِ

وسئل أحمد بن يحيى عن فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لم قيل لها البتول؟ فقال : لانقطاعها عن نساء أهل زمانها ونساء الأمة عفافا وفضْلا ودينا وحُسْنا.

قال أبو عبيدة : سميت مريم البتول لتركها التزوُّج.

وقال ابن السكيت : قال الهذلي : البَتِيلةُ من النخل الوَدِيَّة ، قال وقال الأصمعيّ : هي الفسيلة التي بانَتْ عن أمّها ، ويقال : للأم : مُبْتِلٌ ، وقال الفراء في قول الله جلّ وعزّ : (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) [المزمل : ٨] يقول : أَخْلِصْ له إخلاصا ، يقال للعابد إذا تَرك كلَّ شيء وأقبل على العبادة : قد تَبَتَّل أي قَطَع كلَّ شيء إلَّا أمرَ الله وطاعتَه ، وقال أبو إسحاق في قوله : (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ) أي : انْقَطِعْ إليه في العبادة ، وكذلك صَدَقَةٌ بَتْلَةٌ أي مُنْقَطِعَةٌ مِن مال المتَصَدِّقِ بها خارجةٌ إلى سبيل الله ، والأصل في تَبَتَّلَ أن تَقُولَ : تَبَتَّلْتُ تَبَتُّلا ، وبَتَّلْتُ تَبْتِيلا ، فَتَبْتِيلا محمول على معنى بَتَّلَ إليه تَبْتِيلا. أبو عبيد عن الأصمعيّ قال : المُبَتَّلَةُ من النساء التي لم يَرْكَبْ

٢٠٧

لحمُها بعضُه بَعْضا. وقال أبو سعيد : امرأة مُبَتَّلةُ الخَلْقِ عَنِ النساء لها عليهن فضل ، ذلك قول الأعشى :

مُبَتَّلَةُ الخَلْق مثلُ المها

ة لم تَرَ شَمْسا ولا زَمْهَرِيرا

وقال غيره : المُبَتَّلَةُ التّامةُ الخَلْق وأنشد لأبي النجم :

* طَالَتْ إلى تَبْتِيلِها في مَكَرْ*

أي طالت في تَمَامِ خَلْقها ، وقال بعضهم : تبْتِيلُ خلْقها انفرادُ كل شيء منها بحسنه لا يَتّكِلُ بعضه على بعض. وقال شمر : قال ابن الأعرابيّ : المبَتَّلة من النساء الحسنة الخلق لا يقصر شيء عن شيء.

أَلَّا تكون حسنة العين سمجة الأنف ، ولا حسنة الأنف سمجة الفم ولكن تكون تامة.

وقال غيره : هي التي تفرَّد كل شيء منها بالحسن على حِدته ، ورجل أَبْتَلُ إذا كان بَعيدَ ما بين المَنكِبَيْن وقد بَتِلَ يَبْتِل بَتْلا.

وقال الليث : البَتِيلَةُ كل عضو بلحمه مُكْتَنِزٌ من أعضاء اللحم على حِياله وأنشد :

* إذا المتون مَدَّتْ البَتائِلا*

وفي الحديث قَبِلَ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، العُمْرى ، أي الأحب ، والعُمْرى نبات ، قال شمر : البتل القطع ، ومنه صَدَقة بَتْلة ، أي قطعها من ماله ، ويقال للمرأة إذا تزينت وتحسنت : إنَّها تتبتل ، وإذا تركت النكاح فقد تبتلت ، وهذا ضد الأول ، والأول مأخوذ من المُبَتَّلةِ التي تمَّ حُسنُ كل عضو منها.

بلت : أبو عبيد عن الأصمعيّ : بَلَتَ يَبْلِتُ إذا انْقَطَع من الكلام وقال أبو عمرو : بَلِتَ يَبْلَتُ إذا لم يَتَحَرَّكْ وسَكَتَ وأنشد غيره :

كأَنَّ لها في الأرضِ نِسْيا تَقُصُّه

على أُمِّها وإن تُخاطِبْك تَبْلِتِ

وقال بعضهم : معنى تَبْلِتُ ههنا تَفْصِلُ الكلام ، وقال الليث : المُبَلَّتُ بلغة حمير مَضْمون المهر وأنشد :

* وما زُوِّجَتْ إلا بمهرٍ مُبَلِّتِ *

أي مضمون.

أبو عبيد عن الأصمعيّ : بَتَلْتُ الشيءَ وبَلَتُّه إذا قطعتَه وأنشد :

* وإن تخاطبك تَبْلِتِ *

أي ينقطع كلامها من خَفَرِها ، قاله المبرّد.

وقال أبو عمرو : البِلِّيتُ الرجلُ الزِّمِّيت ، وقال أيضا : هو الرجل اللَّبِيبُ الأريب وأنشد :

أَلَا أَرَى ذَا الضَّعْفَةِ الهَبِيتَا

المستطارَ قَلْبُه المَسْحُوتَا

يُشاهِلُ العَمَيْثَلَ البِلِّيتَا

الصَّحَكيك الهَشِمِ الزِّمِّيتَا

قال : الهَبِيتُ الأَحمق ، والعَمَيْثَلُ السَّيدُ

٢٠٨

الكريم ، والمسْحوتُ الّذي لا يَشْبَعُ والهَشِمُ السَّخِيُّ ، والزِّمِّيتُ الحليم ، والصَّحَكُوكُ [الصَّمَكُوكُ] والصَّحَكِيكُ [الصَّمَكِيكُ] ، الصَّمَيَانُ من الرجال وهو الأهْوَج الشَّدِيدُ.

ويقال : ولَئن فَعَلْتَ كذا وكذا ليكونَنَ بَلْتَةَ ما بيني وبَيْنَكَ إذا أَوْعده بالهجران.

وكذلك بَلْتَةَ ما بيني وبينك بمعناه ، أبو عمرو يقال : أبْلَتُّه يمينا أي أحْلَفتُه والفِعل : بلَتَ بلَتا وأصبرته ، أي أحلفته وقد صَبَر يمينا ، قال : وأبلَتُّه أنا يمينا أي حلفتُ له.

قال الشنفري :

* وإن تُحَدِّثْك تَبْلِتِ *

أي تُوجِز.

لبت : سَلَمة عن الفراء في قول الله جلّ وعزّ : (مِنْ طِينٍ لازِبٍ) [الصافات : ١١] وقال : اللازب واللَّاتِبُ واللَّاصِقُ واحد ، قال وقيس يَقُولُ : طِينٌ لَاتِبٌ وأنشد فقال :

صُداعٌ وتَوْصيمٌ وفَتْرَةٌ

وغَشْيٌ مع الإشراق في الجوْف لاتبٌ

أبو زيد يقال : لَتَبَ عليه ثِيابه ورَتّبَها إذا شَدَّها عليه ، ولَبَّبَ على الفرس جُلَّه إذا شَدَّه عليه ، وقال مالكُ بن نُوَيْرة :

فَلَه ضَرِيبُ الشَّوْل إلَّا سُؤْرَه

والجُلُّ فهو مُلَبَّبٌ لا يُخْلَعُ

يعني فرسه ، وقال الليث : اللَّبتُ اللُّبْسُ يقال : لَبت عليه ثَوْبَه ، والْتَتَبَ ، وَهُوَ لُبْسٌ كأَنَّه لا يريد أن يَخْلَعُه ، وقال غيره : أَلْتَبَ فلانٌ عليه الأمر إِلْتابا أي أَوْجَبَه فهو مُلْتِبٌ. ثعلب عن ابن الأعرابيّ : قال : المْلتَبُ الطريق الممتدّ ، والمِلْتَبُ اللازم لبيته فرارا من الفتن ، والمَلَاتِبُ الجِبابُ الخُلْقَانُ.

ت ل م

تلم ، تمل ، لتم ، ملت ، متل : [مستعملة].

[ملت ـ متل] : أما مَلَتَ ومتَلَ فإني لا أحفظ لأحدٍ من الأئمة فيهما شيئا.

وقد قال ابن دريد في كتابه : مَلَتَ الشيءَ مَلْتا ومَتَلْتُه مَتْلا ، إذا زَعْزَعْتَه وحرَّكْتَه ولا أدري ما صِحَّته.

تلم : أبو العباس عن ابن الأعرابيّ : التَّلَمُ بابٌ من المنارات ، وقال الليث : التَّلَمُ مَشَقُّ الكِرابِ في الأرض بلغة أهل اليمن ، وأهل الغَوْرِ ، والجميع الأتْلامُ.

وقال غيره : التِّلام أَثَرُ اللؤَمَةِ في الأرض وجمعها التُّلُم ، واللُّؤَمةُ التي يُحْرَثُ بها.

وقال الليث : التِّلامُ هم الصَّاغَةُ والواحد تِلْمٌ ، قال وقال بعضهم : التَّلامِيذُ الحمَاليج التي يُنفخ فيها وأنشد :

* كالتَّلامِيذِ بأَيْدِي التِّلامِ *

قال : يريد بالتّلْمُوذِ الحُمْلُوجَ : قلت أمَّا

٢٠٩

الرُّواة فقد رَوَوْا هذا البيت للطِّرمَّاح يصف بقرة :

تَتَّقِي الشَّمْسَ بِمَدْرِيَّةٍ

كالحَمَاليج بِأَيْدِي التَّلَامِي

ورواه بعضهم : ... بأيدي التِّلامِ ، فمن رواه التَّلَامي بفتح التآء وإثبات الياء أراد التلاميذَ ، يعني تَلاميذَ الصَّاغةَ ، هكذا رواه أبو عمرو ، وقد حَذَفَ الذال من آخرها كقول الأخير :

لها أَشَاريرُ من لَحمٍ تُتَمِّرُهُ

من الثَّعالِي وَوَخْزٌ من أَرانِيهَا

أرادَ مِنَ الثَّعالِبِ ، ومن أَرَانِيهَا ، ومن رواه بأيدي التِّلَام بكسر التاء فإن أبا سعيد قال : التِّلْمُ الغُلامُ. قال : وكل غلامٍ تِلْمٌ تلميذا كان أو غيرَ تِلمِيذٍ ، والجميع التِّلامُ ، وروى أبو العباس عن ابن الأعرابيّ أنه قال : التِّلامُ الصَّاغةُ والتِّلامُ الأكَرَةُ قلت : وأما قول الليث : إن بعضَهم قال التَّلامِيذُ الحماليجُ التي يُنْفَخُ فيها ، فهو باطل ما قاله أحد ، والحَمالِيجُ قال شَمر : هي مَنَافِخُ الصَّاغةِ الحدِيدِيَّة الطِّوال واحدها حُمْلوج شَبَّه قرن البقرة الوحْشِيَّة بها.

تمل : الليث : التُّمَيْلَةُ دَابَّةُ تكون بالحجاز مثل الهِرَّة وجمعها التُّمَيْلاتُ. ورَوَى أبو العباس عن ابن الأعرابيّ قال : هي التُّفَّةُ والتُّميْلَةُ لعنَاقِ الأرض ، ويقال : لِذَكَرِها الفُنْجُلُ ، وقال الليث : التُّمْلُولُ هو الْبَرْغَشْتُ بَقْلَةٌ وهو الغُمْلُولُ ، وقال ابن الأعرابيّ : التُّمْلُولُ القُنَّابَرَى بتشديد النون هكذا قاله.

لتم : سمعت غير واحد من الأعراب يقول : لَتَم فلانٌ بشَفْرَتِه في لَبّةِ بَعِيرِه إذا طَعَن فيها بها.

وقال أبو تُرابٍ : قال ابن شُمَيل : خُذِ الشَّفْرَة فالْتُبْ بها في لَبَّة الجَزُور ، والْتُمْ بها بِمعنى واحد ، وقد لَتَمَ في لَبّتَها ولَتَبَ بالشَّفْرة إذا طَعَن فيها بها انتهى والله أعلم.

(أبواب) التَّاء والنون

من الثلاثي الصحيح

ت ن ف

تنف ، نفت ، فتن ، نتف ، تفن : [مستعملة].

[تفن] : روى أبو العباس عن ابن الأعرابيّ أنه قال : التَّفْنُ الوَسَخُ ، والفَتْنُ الإحراق بالنار ، وما أشبهها.

نتف : الليث : النتف نزع الشعر والريش وما أشبهها ، والنُّتَافة ما انْتَتَفَ من ذلك.

أبو عبيد عن أبي عبيدة : أنه كان إذا ذُكر الأصمعيّ : قال ذاكَ رَجُلُ نُتَفٍ قلت : أراد أنه لم يَسْتَقْصِ كلامَ العرب ، إنما حَفِظَ الوَخْزَ والخَطِيئة منه ، وسمعت

٢١٠

العربَ تقول : هذا جملٌ مِنتافٌ إذا كان غَير وَسَاع يُقارِبُ خَطوه إذا مَشَى ، والبعير إذا كان كذلك كان غيرَ وطيء.

فتن : جِمَاعُ مَعْنى الفِتْنَةِ في كلام العرب الابْتَلاءُ والامْتِحَانُ وأصلها مأخوذٌ من قولك : فَتَنْتُ الفِضّةَ والذَّهَبَ إذا أذبتهما بالنار ليتميز الرديء من الجَيِّد ، ومن هذا قول الله جلّ وعزّ : (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣٣)) [الذاريات : ١٣]. أي يُحَرقون بالنار ، ومن هذا قيل للحجارة السُّودِ التي كأنها أَحرِقتْ بالنار : الفَتينُ.

ابن الأنباري : قولهم : فَتَنَتْ فلانةُ فلانا ، قال بعضهم : أمالته عن القصد ، والفتينة معناها في كلامهم المميلة عن الحق والقضاءِ.

قال تعالى : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ) [الإسراء : ٧٣] أي يميلونك : قال : والفَتْنُ الإحراق وفتنة الرفيق في النار قال : والفتنة الإحراق ، وفتنْتُ الرغيف في النار إذا أحرقتَه ، قال : والفتنة الاختبار ، وقال النضر : فتنةُ الصدر الوساوِس ، وفتنة المحيا أن يعدل عن الطريق ، وفتنةُ الممات أن يسأل في القبر.

وقوله جلّ وعزّ : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا) [البروج : ١٠] أي أحرقوهم بالنار الموقدة في الأخدود يُلْقون المؤمنين فيها لِيصدُّوهم عن الإيمان ، وقد جعل الله جلّ وعزّ امتحان عبيده المؤمنين لِيبْلُوَ صبرهَم فيُثيبَهم ، أو جزعَهم على ما ابتلاهم فيجزيَهم جزائهم فتنةً قال جلّ وعزّ : (الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (٢)) [العنكبوت : ١ ـ ٢].

جاء في التفسير : وهم لا يبتلون في أموالهم وأنفُسهم فيُعلم بالصبر على البلاء الصادقُ الإيمان من غيرهم وقيل : (وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ). وهم لا يُمْتَحنُون بما يبين به حقيقةُ إيمانهم وكذلك قوله : (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) [العنكبوت : ٣] ، أي اخْتَبرنا وابْتَلَيْنا ، وأمَّا قوله جلّ وعزّ : (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) [البقرة : ١٩١] فمعنى الفتنة ههنا الكفر كذلك قال أهل التفسير.

وقوله : (أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ) [التوبة : ١٢٦] ، أي يُخْتَبرُون بالدُّعاء إلى الجهادِ ، والفِتْنَة الإثم في قوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) [التوبة : ٤٩] أي (ائْذَنْ لِي) في التَّخَلُّفِ (وَلا تَفْتِنِّي) بِبَنَاتِ الأصْفَر ، يعني الرُّوميّاتِ ، قال ذلك على سبيل الهُزْء.

(وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ) [الإسراء : ٧٣] أي ليزيلونك.

فَتَنْتُ الرجلَ عن رأيه أيْ أزلتُه عما كان

٢١١

عليه (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا) [الأنعام : ٢٣] أي لم يظهر الاختبار منهم إلَّا هذا القول.

وقوله جلّ وعَزّ مُخبرا عن الملكين هاروت وماروت (إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) [البقرة : ١٠٢] معناها إنما نحن ابتلاء واختبار لكم ، وقوله : (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [يونس : ٨٥] يقول : لا تظهرْهم علينا فيُعْجَبوا ويظنوا أنهم خيرٌ منا ، فالفتنةُ ههنا إعجابُ الكفار بكفرهم ، والفتنةُ القَتلُ ومنه قول الله جلَّ وعزّ : (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) [النساء : ١٠١] ، وكذلك قوله في سورة يونس : (عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ) [يونس : ٨٣]. يفتنهم أي يقتلهم ، وأما قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إني أرى الفِتن خِلالَ بيوتكم» فإنه يكون القتلَ والحروبَ والاختلافَ الّذي يكون بين فرق المسلمين إذا تَحَزَّبَوا ويكون ما يُبْلَوْنَ به من زينة الدنيا وشهواتها فيُفْتنونَ بذلك عن الآخرة ، والعمل لها.

وقوله عليه الصلاة والسلام : «ما تركتُ فِتنةً أضرَّ على الرجال من النساء».

يقول : أخاف أن يُعْجَبُوا بهن فيشتغلوا عن الآخرة والعملِ لها.

وأخبرني المنذريّ عن إبراهيم الحَرْبي أنه قال : يقال : فُتِنَ الرجلُ بالمرأة وافْتَتَنَ.

قال : وأهل الحجاز يقُولون : فَتَنَتْه المرأةُ وأهل نجد يقولون : أفْتَنَتْهُ.

وقال الشاعر فجاء باللُّغَتَين :

لَئِنْ فَتَنَتْنِي لَهْيَ بالأمْس أَفْتَنَتْ

سَعيدا فأَمْسى قَدْ قَلا كل مُسْلِمِ

وكان الأصمعيّ يُنكر أَفْتَنَتْ ، وذُكِر له هذا البيت فلم يَعْبأْ به ؛ وأكثرُ أهلِ اللغةِ أجازوا اللُّغَتَيْن.

ورَوَى الزجاج عن المفسرين في قول الله جلّ وعزّ : (فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ) [الحديد : ١٤]. أي استعملتموها في الفتنة ، وقيل : أنَمْتموها ، قال : والفِتْنَةُ الإضلالُ في قوله : (ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ (١٦٢) إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ (١٦٣)) [الصافات : ١٦٢ ، ١٦٣] يقول : ما أنتم بمِضلِّين إلا من أضَلَّه الله أي لَسْتُم تُضِلُّون إلا من أضله الله أي لستم تضلون إلا أهل النار الذين سبق علمه بهم في ضلالتهم ، والفِتنَةُ الجنونُ ، وكذلك الفُتون ، ومنه قول الله جلّ وعزّ : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤) فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥)) [القلم : ٤ ، ٥].

قال أبو إسحاق : مَعْنى المفتون الّذي فُتِن بالجنون.

قال وقال أبو عبيدة : معنى البَاء الطرح كأنه قال أيُّكم المفتون.

قال أبو إسحاق : ولا يجوز أن تكون الباءُ لَغْوا ولا ذلك جائز في العربية ، وفيه

٢١٢

قولان للنحويين : أحدهما أن المَفْتُون مَصْدر على المفعول كما قالوا : ما لهُ مَعْقُولٌ وما له مَعْقُودُ رأْيٍ وليس له مَجْلودٌ أي جَلَد ومثله المَيْسورُ ، كأَنّه قال : بأيكم الفُتُون ، وهو الجُنون ، والقول الثاني : (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ) في أي الفريقين المجنون : أَيْ في فرقةِ الإسلام أو في فرقةِ الكُفر؟ أقام الباء مقام في والفِتْنَةُ العذابُ نحو تَعْذيب الكفار ضَعْفَي المؤمنين في أوَّل الإسلام لِيَصدُّوهم عن الإيمان كما مُطِيَ بلال على الرمضاء يُعذَّب حتى افْتَكَّه الصِّديق أبو بكر فأعتقه ، وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابيّ أنه قال : الفِتنةُ الاختبارُ ، والفتنةُ المِحْنَةُ ، والفتنة المالُ ، والفِتنة الأولادُ ، والفِتنة الكفرُ ، والفِتنة اختلاف الناس بالآراء ، والفِتنةُ الإحراق بالنار ، وقيل : الفتنة الغُلو في التأويل المظلم ، يقال : فلان مفتون يطلب الدنيا أي قد غلا في طلبها ، وجماعُ الفتنة في كلام العرب : الابتلاء والامتحان.

وقوله : (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) [طه : ٤٠] أي أخلصناك إخلاصا.

ويقال : فَتَنْتُ الرجلَ إذا أَزَلْتَه عمَّا كان عليه. ومنه قول الله جلّ وعزّ : (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) [الإسراء : ٧٣] أي ليزيلونك.

وقال الليث يقال : فَتَنَه يَفْتِنُه فُتُونا فهو فَاتِنٌ وقد فُتِنَ وافْتَتَن وافْتُتِنَ جعله لازما ومتعديا ، أبو زيد : فَتِنَ الرجل يَفْتَن فُتُونا إذا وقع في الفِتْنَة ، أو تحوَّل من حال حسنة إلى حال سيئة ، وفَتَن إلى النساء فُتُونا إذا أراد الفجور ، وقد فَتَنْتُه فِتْنَةً وفُتُونا.

وقال أبو السَّفْر : أَفْتَنْتُه إفْتَانا فهو مُفْتَنْ.

وقال ابن شميل يقال : افْتَتَنَ الرجلُ وافْتُتِنَ لُغتان ، وهذا صحيح ، وأما فَتَنْتهُ فَفَتَن ، فهي لغة ضعيفة وجاء في الحديث : «المسلم أخو المسلم يتعاونان على الفتَّان».

قال أبو إسحاق الحَرْبي فيما أخبرني عنه المنذري : الفَتَّان الشيطان الّذي يَفْتِن الناسَ بخُدعِه وغُروره وتزيينه المعاصي ، فإذا نَهى الرجلُ أخاه عن ذلك فقد أَعانه على الشيطان.

قال : والفَتَّانُ أيضا اللِّص الّذي يَعْرِض للرُّفْقةِ في طريقهم ، فينبغي لهم أن يتعاونوا على اللصّ ، وجمعُ الفَتَّان فُتَّان.

وروى أبو عمرو الشيباني قول عمرو ابن أحمر الباهلي :

إمَّا عَلَى نَفْسِي وإمَّا لَهَا

والعيش فِتْنانِ حُلْوٌ ومُرُّ

وقال أبو عمرو : الفِتْنُ الناحية ورواه غيره : فَتْنَان ـ بفتح الفاء ـ أي حَالان

٢١٣

وفَتَّانِ.

قال ذلك أبو سعيد ، ورواه بعضهم : فَنَّانِ أي ضَرْبان.

أبو عبيد عن الأصمعيّ : الفِتَّانُ غِشَاءٌ يكون للرَّحْل من أَدَمٍ.

وروى بُنْدار عن عبد الرحمن عن قرة عن الحسن : (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣)) [الذاريات : ١٣] قال : يُقَرَّرُون بذنوبهم.

وقال شمر : الفَتِينُ مِثل الحَرَّة وجمعه فُتُنٌ ، وقال كل ما غيَّرته النارُ عن حاله فهو مَفْتُونٌ ، ويقال للأَمَة السوداء : مَفْتونة لأنها كالحَرَّةِ في السواد كأنها مُحْتَرِقة.

وقال أبو قَيْسٍ بن الأسْلَت :

غِراسٌ كالفَتَائِن مُعْرضاتٌ

عَلَى آبارِها أبدا عُطُونُ

وكأنَّ واحدة الفَتائِن فَتِينَةٌ.

وقال بعضهم : الواحدة فَتِينَة وجمعها فَتِينٌ.

وقال الكُمِيت :

ظَعائِنُ مِن بني الحُلَّافِ تَأْوِي

إلى خُرْسٍ نَوَاطِقَ كالْفَتِينا

أراد الفَتِينَةَ فحذفَ الهاء ، وترك النون منصوبة ، رواه بعضهم كالفَتِينا ويقال : واحدة الفتِين فِتَةٌ نحو : عِزَةٍ وعزِين.

نفت : يقال : نَفَتَتِ القِدْرُ تَنْفِتُ نَفيتا إذا غَلَتْ.

وقال الليث : نَفَتت القِدْرُ نُفاتا إذا غلا المرق فيها فلزِق بجوانب القدر منه ما يبس عليه فذلك النَّفْت وانضمامه النفتان ؛ حتى تَهُمَّ القِدر بالغَليان.

وقال الأصمعيّ : إنه لَيَنْفِتُ عليه غَضَبا كقولك : يَغْلِي عليه غَضَبا.

وقال أبو الهيثم : النَّفِيتَةُ حَسَاءٌ بين الغَلِيظَةِ والرّقِيقَةِ.

وقال ابن السكيت : النَّفِيتةُ والحريقةُ أن يُذَرَّ الدَّقِيقُ على ماءٍ أو لَبنٍ حَلِيبٍ ، حتى يَنْفِتَ ويُتَحَسَّى من نَفْتِها ، وهي أَغْلَظُ من السَّخِينَةِ ، يَتَوَسَّعُ بها صاحبُ العِيال لعِيالِهِ إذا غَلَبهُ الدَّهْرُ ، وإنما يأكلون النَّفِيتة والسَّخيةَ في شِدّة الدّهر وغلاءِ السعر وعَجَفِ المال.

تنف : التّنُوفَةُ أصل بنائها التَّنَفُ وجمعها التنَائفُ وهي المفَازَةُ.

شمر : قال المؤرِّج بن عمرو : التَّنُوفةُ الأرض المتباعدة ما بين الأطراف.

وقال ابن شميل : التنوفَة التي لا ماءَ بها من الفَلَواتِ ، ولا أَنيسَ وإنْ كانت مُعْشِبَةً ونحو ذلك.

قال أبو خَيْرَة قال : التنوفةُ البَعِيدةُ وفيها مُجْتَمَعُ كَلأٍ ولكن لا يُقْدَرُ على رَعْيِها لِبُعْدِها ، وجمعها التّنائِف والله تعالى أعلم.

٢١٤

باب التاء والنّون مع الباء

[ت ن ب]

تبن ، نبت ، بنت : [مستعملة].

تبن : قال أبو عبيدة :

رُوِيَ في حديث مرفوع إن الرجلَ ليتكلمُ بالكلمة يُتَبِّن فيها ، يَهْوِي بها في النار.

قال أبو عبيد : هو عندي إغماضُ الكلام والجَدلُ والخُصومات في الدِّين ، ومنه حديث مُعاذ : «إياكَ ومُغَمّضَاتِ الأمور».

قال أبو عبيد : ورُوي عن سالم بنِ عبد الله أنه قال : كنا نقول في الحامِلِ المتوفَّى عنها زوجُها : إنه ينفق عليها من جميع المال حتى تَبَّنْتُم ما تَبَّنتُم.

قال أبو عبيد قال أبو عبيدة وأبو عمر : هذا من التَّبانَةِ والطَّبانة ، معناهما شِدَّةُ الفِطْنة ودِقَّةُ النظر يقال : رجل تَبِنٌ طبِنٌ إذا كان فطِنا دَقيقَ النظر في الأمور ، ومعنى قول سالم بن عبد الله : تَبَّنْتُم أي أَوْقَعْتُم النظر فقُلتم إنه يُنْفق عليها من نَصيبها.

وقال الليثُ : طَبِنَ له بالطاء في الشر وتَبِنَ له في الخير فَجعلَ الطَّبانَة في الخديعة والاغتِيال ، والتَّبانَة في الخير.

قلت : هما عند الأئمة واحد ، والعرب تُبْدِل التاءَ طاءً لقرب مَخرجيهما قالوا : مَطَّ ومَتّ إذا مَدّ ، وطرّ وتَرَّ إذا سَقَط ، ومثلُه كثير في الكلام.

وقال الليث : التِّبْن معروف والواحدة تِبْنةٌ والتَّبن لغة في التِّبن.

وقال ابن شميل : التَّبَنُ إنما هو في اللُّؤْم والدِّقة ، والطّبَن العِلمُ بالأمور والدهاءُ والفِقْه.

قلت : وهذا ضِدُّ ما قال الليث.

وروى شمر عن الهوازني قال : اللهم اشْغل عنا إتْبانَ الشعراء ، قال : وهو فِطْنَتُهم لِما لا يُفطَن له.

وقال الليث : التُّبّان شِبْهُ السّراويل الصغير ، تُذَكِّره العرب وجمعهُ التّبابِينُ.

أبو عبيد عن أبي زيد : التِّبْن القَدَح الكبير ، ونحو ذلك.

قال ابن الأعرابيّ : التِّبْن أكبرُ الأقداح.

وقال الليث : التِّبْن يُرْوِي العشرين ، وهو أَعْظمُ الأقداحِ ، ثم الصَّحْنُ مُقاربٌ له ، ثم العُسُ يُرْوِي الثلاثةَ والأربعةَ.

نبت : قال الليث : كلُّ ما أَنْبَتَت الأرضُ فهو نَبْتٌ والنَّباتُ فِعْله ويجري مَجرى اسمه تقول : أنبتَ اللهُ النَّباتَ إنباتا ونباتا ، ونحو ذلك.

قال الفراء : إن النباتَ اسم يقوم مَقام المصدر.

قال الله جلّ وعزّ : (وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً) [آل عمران : ٣٧] ونَبتَ النَّبتُ يَنْبُتُ نُبتا ونباتا ، وأجاز بعضهم أنبتَ لِمعنى نَبت ، وأنكره الأصمعيّ ، وأجازه أبو زيد واحتجَ

٢١٥

بقول زهير :

* حتى إذا أنبتَ البَقْلُ*

أي : نبتَ.

وقال الله جلّ وعزّ : (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) [المؤمنون : ٢٠] قرأ ابن كثير وأبو عمرو والحضرمي : (تُنبِتُ) بضم التاء وكسْرِ الباء ، وقرأ نافع ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي ، وابن عامر : (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) بفتح التاء.

وقال الفراء : هما لُغتان نَبتَ وأَنبتَ.

وأنشد لزهير فقال :

رَأَيْتُ ذَوِي الحاجاتِ حَوْلَ بُيُوتِهِم

قَطِينا لهم حتى إذا أَنْبَتَ البقلُ

ونَبَتَ أيضا ، وهو كقولك : مَطَرَت السماءُ ، وأَمْطَرَت ، وكلهم يقول : أَنبَتَ اللهُ البقْلَ ، والصَّبيَ إنْبَاتا.

قال الله جلّ وعزّ : (وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً) [آل عمران : ٣٧].

وقال ابن عرفة : (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) [المؤمنون : ٢٠] ، أي تنبت ما يكون فيه الدهن ويصطبغ به.

وقال الزجاج : معنى (أَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً) أي جعل نَشْوَهَا نَشْوا حَسَنا.

وقال الليث يقال : نَبَّتَ فلانٌ الحبّ والشجرَ تنبيتا إذا غَرَسَه وزَرَعه ، والرجل يُنَبِّتُ الجارية يَغْذُوها ويُحسنُ القيامَ عليها رَجَاةَ فَضْلِ رِبحِهَا. قال : والتَّنْبِيتُ والتِّنْبِيتُ اسمٌ لما ينْبُتُ من دِقّ الشجر وكِبارِه ، وأنشد :

* صَحْرَاءُ لم يَنْبُتْ بها تَنْبِيتُ *

قال : واليَنْبُوتُ شجَرُ الخَشْخَاشِ الواحدة يَنْبُوتةٌ وخَرُّوبةٌ وخَشْخَاشَة.

قال الدينوري : اليَنْبُوتُ ضَرَبان : أحدهما هذا الشوكُ القِصَارُ الّذي يُسَمَّى الخَرُّوبَ النبطيّ ، له ثمرة كأنها نُفَّاخَة فيها حَبٌّ أحمرُ ، هو عَقُولٌ لِلْبَطْن ، يُتَدَاوَى به.

والضرب الآخر شجَرٌ عِظامٌ ولها ثمَرٌ مِثْلُ الزُّعْرُورِ أَسْوَدُ شديد الحلاوة مثل شجر التُّفَّاحِ في عِظَمِه.

والنِّبْتَةُ ضَرْبٌ من فِعْلِ النَّبَات لكل شيء تقول إنه لحسن النَّبْتَة ، والمَنْبِتُ الأصل والموضع الّذي يَنبُتُ فيه الشيء.

وقال اللحياني يقال : رجلٌ خبِيتٌ نَبِيتٌ إذا كان خَسِيسا حقيرا ، وكذلك شيءٌ خَبيثٌ نَبيثٌ ويقال : إنَّه لَحسنُ النِّبْتَةِ أي الحالة التي يَنبُتُ عليها. وإنه لفي مَنْبِتِ صِدْق ، أي في أصل صِدْق ، جاء عن العرب بكسر الباء ، والقياس مَنْبَتٌ ، لأنه مِن نَبَتَ يَنْبُتُ. ومِثْلُه أحرف معدودة جاءت بالكسر منها المسجِدُ والمطلِعُ والمشرِقُ والمغرِبُ والمسكِنُ والمنسِكُ ؛ ونُباتةُ : اسم رجلٍ ، ونَبْتٌ من الأسماء ، ويُجْمَع النَّبْتُ نُبُوتا.

٢١٦

وقال الأحنف لمعاوية : لولا عَزْمةُ أمير المؤمنين لأخبرتُه أنَّ دافَّةً دفَّتْ ، وإنباتةً لحقت ، يعني بالنابتة ، ناسا ولدوا فلحقوا ، وصاروا زيادة في الحساب.

بنت : عمرو عن أبيه : بَنَّتَ فلانٌ عن فلان تَبْنِيتا إذا اسْتَخْبَرَ عنه فهو مُنَبِّتٌ إذا أكْثَرَ السؤالَ عنه وأنشد :

أصبحتَ ذا بَغْيٍ وذا تَغَبُّشِ

مُبَنِّتا عن نَسَباتِ الحِرْبِشِ

وعن مقال الكاذبِ الْمُرَقَّشِ

ت ن م

متن ، تنم ، نتم : [مستعملة].

[نتم] : أهمل الليث : نتم.

وروي عن ابن السكيت في كتاب «الألفاظ» : قال أبو عمرو : انْتَتَمَ فلانٌ على فلانٍ بِقَوْلِ سَوْءٍ أي انْفَجَرَ بالقولِ القَبِيح. كَأَنَّه افْتَعَل من نَتَمَ كما يقال : من نَتَلَ انْتَتَل ، ومَن نَتَقَ انْتَتَقَ.

وأنشد أبو عمرو :

قد انْتَتَمَتْ عَلَيَّ بِقَوْلِ سُوءٍ

بُهَيْصِلَة لها وَجْهٌ دَمِيمُ

قلت : لا أدري : انتثمت بالثاء ، أو انتتمت بتاءَين ، والأقرب أنه من نَثَمَ يَنْثِمُ لأنه أشبه بالصواب ولا أعرف واحدا منهما.

وبعد هذا البيت :

حَليلةُ فاحشٍ وأْنٍ بَئِيل

مُزَوْزِكَةٌ لها حَسَبٌ لَئِيم

متن : قال الليث : المَتْنُ والْمَتْنَةُ لُغتان قال والمتنُ يُذَكَّر ويُؤَنّث ، وهما مَتنان لَحْمتان مَعْصُوبتان بينهما صُلْبُ الظَّهر ، مَعْلُوَّتانِ بِعقَبٍ والجميعُ المتون.

وقال امرؤ القيس في لغة من قال مَتْنَةٌ :

لها مَتْنَتان خَظَاتا كما

أَكَبَّ عَلَى سَاعِدَيْهِ النَّمِرُ

قال الليث : ويقال : مَتَنْتُ الرجلَ مَتْنا ، إذا ضَرَبتَ مَتْنَهُ بالسَّوط.

أبو عبيد عن الأصمعيّ : مَتَنَهُ مِائةَ سَوْطٍ مَتْنا ، إذا ضرَبه ، ومَتَنَهُ مَتْنا إذا مَدَّه ، ومَتَنَ به مَتْنا ، إذا مضَى به يَوْمَه أجْمَع ، وهو يَمتُنُ به.

أبو عبيد عن الأمويّ : مَثنْتُه بالأمر مَثْنا بالثاء أي غَتَتُّهُ غَتَّا.

وقال شمر : لم أسمع مَثَنْتُه بهذا المعنى لغير الأمويّ.

قلت : أحْسَبُه مَتَنْتُه مَتْنا بالتاء لا بالثاء مأخوذ من الشيء المتِين ، وهو القويّ الشديد ، والمُماتَنَةُ في السير. ويقال : ماتَنَ فلانٌ فلانا إذا عارضَه في جَدَل أو خُصُومة.

وقال الطِّرِمَّاح :

٢١٧

أَبَوْا لِشقائِهم إلَّا ابْتِعاثِي

ومِثْلِي ذو العُلالةِ والمِتانِ

وقال الليث : المُماتَنةُ المباعَدةُ في الغاية ، يقال : سار سيرا مُمَاتِنا أي بعيدا ، قال : والمتْنُ من الأرض ما ارتفع وصلُب ، والجميع : المِتان ، ومَتْنُ كل شيء ما ظَهَر منه ، ومَتْنُ السّيف عَيْرُه القائمُ في وسطه ، ومَتْنُ الْمَزادَة وَجْهُهَا البارزُ ، والمَتِينُ من كل شيء القويُّ ، وقد مَتُنَ مَتانةً.

أبو عبيد عن أبي زيد : إذا شَقَقتَ الصَّفْنَ وهو جِلدة الخُصْيَتَيْن وأخرجتَهما بعروقهما فذلك المتْنُ ، يقال : متَنْتُهُما أَمْتُنُهُمَا ، فهو مَمْتُونٌ.

رواه شمر : الصَّفْن رواه جَبَلة الصَّفَن.

وقال الله جلّ وعزّ : (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨)) [الذاريات : ٥٨] القراءة بالرفع ، الْمَتِينُ صفة لقوله (ذُو الْقُوَّةِ) ، وهو الله.

ومعنى (ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) : ذو الاقتدار الشديد ، والْمَتِينُ في صفة الله تعالى القَوِيُّ.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : التَّمْتِينُ تَضْرِيبُ المَظالِّ والفَساطِيطِ بالخُيوطِ. ويقال : مَتِّنْها تَمْتِينا.

ويقال : مَتِّن خِباءَك تَمْتِينا أي : أَجِدْ مَدَّ أَطْنابِهِ ، وهذا غيرُ المعنى الأول.

قال الحِرْمازِيُّ : التَّمْتِينُ أن تقُولَ لمن سابقَكَ : تَقَدَّمْنِي إلى موضع كذا وكذا ، ثم أَلْحَقُك ، فذلك التَّمتِين.

يقال : مَتِّنَ فلانٌ لِفلان كذا وكذا ذِراعا ثمَّ لَحِقَه.

عمرو عن أبيه : الْمَتْنُ أن يُرَضَّ خُصْيَا الكَبْش حتى تَسْتَرْخِيا.

شمر عن ابن الأعرابيّ عن أبي عمرو : المُتُونُ جَوانبُ الأرض في إِشْرَافٍ ، ويقال : مَتْنُ الأرض جلدُها.

وقال أبو زيد : طَرَّقُوا بيتهم تَطْرِيقا ، ومتَّنُوا بَيْتهم تمتينا ، والتَّمْتينُ أن يَجْعَلوا بَين الطرائق مُتُنا من شَعَر واحِدُها مِتانٌ.

تنم : في حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أَن الشمس كُسِفَتْ على عهده فاسودَّت ، وآضَتْ كَأَنَّها تَنُّومَةٌ.

قال أبو عبيد : التَّنُّومَةُ هي من نبات الأرض فيه سوادُّ ، وفيه ثَمَرٌ يأكلُه النّعامُ وجمعها تَنُّومُ.

وقال زهير :

أَصَكَّ مُصَلَّمُ الأُذْنَين أجْنَى

له بالسِّيء تَنُّومٌ وآءُ

قلت : التَّنُّومةُ شجرةٌ رأيتُها بالبادية يَضْرِبُ لونُ ورقِها إلى السواد ، ولها حَبٌّ كَحَبِّ الشاهدانج ، ورأيتُ نِساء البادية يَدْقُقْنَ حَبَّهُ ويَعْتَصِرن منه دُهنا أزرقَ فيه لُزوجةٌ ، ويَدَّهِنَّ به شُعورَهن إذا امْتَشَطْنَ.

٢١٨

شمر عن أبي عمرو : التَّنُّومُ حَبَّةٌ دَسِمَة غَبْراء.

وقال ابن شميل : التَّنُومة تَمَهةُ الطعم لا يَحْمِدُها المالُ.

ت ف ب ـ ت ف م : أهملت وجوهها.

[باب التاء والباء والميم معهما]

ت ب م

بتم : وقال الليث : البُتَّمُ والبتِّمُ جِيلٌ يكونون بناحية فَرْغَانَة.

انتهى آخر الثلاثي الصحيح.

* * *

٢١٩

أبواب الثلاثي المعتل من التاء

ت ظ (وا يء) ـ ت ذ (وا يء) : أهملت وجوهها.

ت ث (وا يء)

ثتى ، توت (توث) : [مستعملة].

[ثتى] : وقال أبو العباس عن ابن نَجْدة عن أبي زيد : الثَّتَى والحتَى سَوِيقُ المقْل ، الحَتَى ردِيء الثمر ونحوه.

وقال ابن الأنباري : الحَتَى قُشُورُ التمر ، جمع حَتاة ، وكذلك الثَّتَى وهو جمع ثَتاةٍ قشور التمر ورديئه.

قال شمر : قال الفراء : الثَّتَى دُقاق التِّبْن وحُسافة التمر قال : وكل شيء حَشَوْتَ به غِرارةً مِمَّا دَقَّ فهو الثَّتَى والحتى.

قال : وهما من ذوات الياء يكتبان بالياء.

[توث] ـ توت : والتُّوثُ (١) كَأَنَّهُ فارسِيٌّ والعرب تقول : التَّوتُ بتاءين.

وفي حديث ابن عباس : إن ابن الزبير آثرَ علَيَ التُّوَيْتَاتِ والحُمَيْدَاتِ والأُسَامَاتِ.

قال شمر : أَحْيَاءُ مِن بني أسد ، حُميدُ بن أُسامة بن زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العُزَّى بن قُصيِّ ، وتُوَيْتُ بن حبيب بن أَسَد بن عبد العزى بن قُصَيٍّ.

وأسامة بن زهير بن الحارث بن عبد العُزى بن قصي.

باب التاء والراء مع حروف العلة

ت ر (وا يء)

ترى ، تور ، تير ، رتا ، وتر ، تترى ، أرت ، (ترته).

ترى : أبو العباس عن ابن الأعرابيّ : تَرَى يَتْرِي إذا تَراخَى في العمل فَعمِل شيئا بعد شيء.

أبو عبيدة : التَّرِيّةُ في بَقِيَّةِ حَيْضِ المرأة أَقَلُّ من الصُّفْرة والكُدْرَةِ وأَخْفَى ، تراها المرأة عند طُهْرِها فَتَعْلَمُ أنها قد طَهُرَتْ مِن حَيْضها.

قال شمر : ولا تكون التَّرِيَّةُ إلّا بعد الاغتسال ، فأمّا ما كان في أَيّام الحيض فليس بِتَرِيَّةٍ.

__________________

(١) في المطبوعة : «والتوت» ، والمثبت من «اللسان» (توت ـ ٢ / ٦٢) ـ نقلا عن «التهذيب» ـ ، وجاء فيه : «قال ابن بري : وحكي عن الأصمعيّ أنه بالثاء في اللغة الفارسية ، وبالتاء في اللغة العربية». وقال ابن منظور في مادة (توث): «التوثُ : الفرصاد ، واحدته تُوثة».

٢٢٠