تهذيب اللغة - ج ١٤

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ١٤

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٧

الحَضْرمي : (أُسارى تُفادُوهُمْ) بأَلِفٍ فيهما ، وقَرَأَ حمزة (أَسْرَى تَفْدوهم) بغير أَلِفٍ ، وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم عن نصير بالرازي.

يقال : فَادَيْتُ الأسيرَ وفادَيْت الأُسارى هكذا تقول العرب.

ويقولون : فَدَيْتُه بأبي وأمي وفَدَيْتُه بمالي كأنّه اشتريتَه بِه وخلصته بِه إذا لم يكن أسيرا ؛ وإذا كان أسيرا مملوكا قلتَ : فاديتُه وكان أخي أسيرا ففادَيْتُه ، كذا تقوله العربُ.

وقال نُصَيْبٌ :

وَلكِنَّني فَادَيْتُ أُمِّي بَعْد ما

عَلَا الرأسَ مِنْها كَبْرةٌ ومَشِيبُ

قال وإذا قلت : فدَيْتُ الأسيرَ فهو أيضا جائز بمعنى فَدَيْتُه مما كان فيه أي خلَّصتُه منه ، وفَاديْتُ أحسنُ في هذا المعنى.

وقال الله جلّ وعزّ : (وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (١٠٧)) [الصافات : ١٠٧] أي جعلنا الذبح فِداء له خلَّصْناهُ به من الذَّبْح.

وقال أبو مُعَاذ : مَن قرأ تفدوهم فمعناه تشتروهم من العدوّ وتنقذوهم ، وأمّا تُفادُوهُمْ فيكون معناه تماكسون مَن هم في أيديهم في الثمن ويماكِسُونكم.

وقال الفراء : العربُ تَقْصر الفِداء وتمدُّه يقال : هذا فِداؤك وفِداك ، وربما فتحوا الفاء ، إذا قَصَرُوا فقالوا : فَداك وقال في موضع آخر : من العرب من يقول : فَدًى لك : فيفتح الفاء ، وأكثر الكلام كَسْرُ أَوَّلها وقصرها.

وقال النابغة :

* فِدًى لك مِن ربٍّ طَرِيفي وتالِدي*

أبو عبيد عن أبي عمرو : والفَداء ممدود جماعة الطعام من الشعير والتمر ونحوه وأنشد :

كَأَنَ فَداءَها إذْ حرَّدوه

وطافوا حَوْلَه سُلَكٌ يَتِيمُ

وقال شمر : الفَداءُ والجُوخان واحدٌ ، وهو مَوْضِعُ التَّمرِ الذي يُبَسَّرُ فيه قال وقال بعض بني مُجاشِع : الفَداء التَّمْر ما لم يُكْنَزْ. وأنشد :

مَنَحْتَنِي مِن أَخْبَث الفَداءِ

عُجْرَ النَّوى قَليلةَ اللِّحاءِ

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : أَفْدَى الرجلُ إذا باع التَّمر وأَفْدَى إذا عَظُم بَدنُه.

باب الدّال والباء

[د ب (وا يء)]

دبا ، داب ، وبد ، أدب ، أبد ، بدا ، بيد.

دبا : قال الليث : الدُّبَّاءُ القَرْعُ الواحدة دُبّاءَةٌ.

وفي الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه نهى عن الدُّبَّاء والحنْتَم والنّقِير

وهي أوعية كانوا ينتبذون فيها وضرِيَتْ فكان النبيذُ يغلى فيها سريعا ويُسْكِر فنهاهم عن الانتِبَاذِ

١٤١

فيها ، ثم رَخَّصَ عليه الصلاة والسلام في الانتبَاذ فيها بشرط أن يشربوا ما فيها وهو غيرُ مسكر. وقال :

إذا أقْبَلتْ قُلْتَ دُباءَةٌ

من الخُضْر مَغمُوسَةٌ في الغُدَرْ

أبو زيد قال : دبَّأت الشيءَ ودبّأْتُ عليه أُدَبِّي تدبيئا إذا غَطّيتَ عليه وواريته.

أبو عبيد عن أبي عبيدة : الجراد أوَّلُ ما يكون سَرْوا وهو أبيض فإذا تَحَرَّكَ واسْوَد فهو دَبًى ، قبلَ أن تنبت أجنحته.

عمرو عن أبيه : جاءنا فلان بدَبى دبى إذا جاء بالمال كالدّبى.

ثعلب عن ابن الأعرابي : إنما يقال في هذا : جاءنا دبيّ ودبى دُبَيَّيْن فالدبَى معروف ودُبَيٌ موضع واسع فكأنه قال : جاءنا بمال كدَبى ذلك الموضع الواسع.

قال أبو العباس : وهذا هو القول ، وقال في موضع آخر : الدَّبَى المالُ الكثير.

أبو عبيد عن أبي زيد : أرض مُدْبِيَةٌ ومُدبِّيَة كلتاهما من الدبَى ، قال وقال الكسائي : أرض مُدبِّيَةٌ بتشديد الباء.

دأب : قال الليث : الدُّؤوبُ المبالَغةُ في السير ، وأَدْأَبَ الرجل الدابة إدآبا إذا أتعبها ، والفعل اللازم دأَبَتِ الناقةُ تدأَبُ دؤُوبا.

وقال الزجاج في قول الله جلّ وعزّ : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) [آل عمران : ١١] أي كشأن آل فرعون ، وكأمر آل فرعون ، كذا قال أهل اللغة.

قال : والقول عندي فيه والله أعلم إنَ دَأْبَ ههنا اجتهادهم في كفرهم وتظاهُرهم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كتظاهر آل فرعون على موسى عليه‌السلام فقال : دأبتُ أدأبُ دأْبا ودأَبا ودؤوبا : إذا اجتهدتَ في الشيء.

أبو عبيد يقال : ما زال دِينك ودأبَك ودَيْدَنَكَ وديْدَيُونَك كله في العادة.

بدا : قال الليث : بدا الشيءُ يَبدو بدُوّا إذا ظهر وبدا له في هذا الأمر بَدَاءٌ.

قلت : ومن هذا أخذ ما يكتبه الكتاب في أعقاب الكتب : وَبَدَاءات عَوارضتك على فَعَالات واحدتها بداءة بِوَزْن فَعالة تأنيث بَدَاءٍ أي ما يبدو بُدُوّا من عوارضك وهذا مِثل السماء : لما سَما وعَلاك من سَقْفٍ أو غيره.

وبعضهم يقول : سَماوَةٌ ، ولو قيل : بَدوَات في بَدَاءاتِ الحوائج كان جائزا ، وقال الليث : الباديةُ اسمٌ للأرض التي لا حَضَر فيها وإذا خرج الناس من الحضر إلى المراعي في الصحارى قيل : قد بَدَوْا ، والاسم : البَدْوُ.

قلت : الباديةُ خِلاف الحاضرة والحاضرةُ القومُ الذين يحضرون المياه وينزلون عليها في حَمْراء القَيظ فإذا بَرَد الزمانُ ظَعَنُوا

١٤٢

عن أَعْدَادِ المياه ، وبَدَوْا طَلبا لِلْقُرْبِ من الكَلإِ فالقوم حينئذٍ باديةٌ ، بعد ما كانوا حاضِرةً وبادُون بعد ما كانوا حاضرين : وهي مَباديهم جمع مَبْدًى ، وهي المناجِعُ ضِد المحاضر ، ويقال لهذه المواضع التي يَتَبَدَّى إليها ، البَادون : باديةٌ أيضا وهي البوادِي والقوم أيضا بَوَادٍ ، جمع باديةٍ ، ويقال للرجل إذا تَغَوَّطَ وأحدثَ : قد أبدى فهو مُبْدٍ ، وقيل له : مبدٍ لأنه إذا أحدث بَرَزَ من البيوت وهو مُتَبَرِّزٌ أيضا.

ابن السكيت عن الأصمعيّ : هي البِداوة والحَضارة بكسر الباء وفتح الحاء.

وأنشد :

فَمَنْ تكُنْ الحضَارَةُ أَعْجَبتْه

فأَيَّ رجالِ باديةٍ تَرانا

قال وقال أبو زيد : البَداوة والحِضارة بفتح الباء وكسر الحاء.

وقال الله جلّ وعزّ : (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ) [هود : ٢٧] قرأ أبو عمرو وحده : (بادىءَ الرأي) بالهمز وسائر القراء قرءُوا (بادِيَ) بغير همز.

وقال الفراء : لا يهمز (بادِيَ الرَّأْيِ) لأن المعنى : فيما يظهر لنا ويبدو ، وقال : ولو أراد ابْتَداء الرأي فَهَمَز كان صوابا.

وأنشد فقال :

* أَضْحَى لِخَالِي شَبَهي بَادي بَدِي *

أراد بهِ ظاهرِي في الشَّبَهِ لخَالي.

وقال الزجاج : نصب بادِيَ ، على (اتَّبَعَكَ) في ظاهرِ الرأي وباطنهم على خلاف ذلك ، ويجوز أن يكون اتبعوك في ظاهر الرأي ولم يتدبّروا ما قلتَ ، ولم يفكروا فيه ، وقيل للبَرِّية : باديَةٌ لأنها ظاهرةٌ بارزةٌ ، وقد بَدَوْتُ أنا ، وأبْدَيْتُ غيري ، وكلُّ شيء أظهرتَه فقد أبْدَيتَه ، وأما قِراءةُ أبي عمرو : بادىء الرأي فمعناه أوّلَ الرأي ، أي اتَّبعوك ابتداءَ الرأي حينَ ابتدأوا ينظرون ، وإذا فَكَّروا لم يتَّبعوك.

وقال ابن الأنباري : بادىءَ من بَدَأَ إذا ابتدأ.

قال : وانتصابُ مَن هَمز ومن لم يهمز بالاتباع على مذهب المصدر ، أي اتبعوك اتباعا ظاهرا واتباعا مُبتدَأ.

قال : ويجوز أن يكون المعنى ، ما نراك اتَّبَعَك إلا الذين هم أراذِلنا في ظَاهِر ما ترى منهم ، وطَوِيّاتُهم على خِلافِك وعلى مُوافَقَتِنَا وهو مِن بَدا يَبْدُو إذا ظهر.

وقال في تفسير قوله :

أَضْحَى لخَالي شَبَهِي بادي بَدي

وصَارَ الفحلُ لِساني وَيَدِي

قال : معناه : خرجتُ عن شَرْخ الشباب إلى حَدِّ الكهولة التي معها الرأيُ والحِجَى ، فصِرتُ كالفحُولة التي بها يقع الأخيَارُ ولها بالفضل تكْثُر الأوصاف.

١٤٣

وقال أبو عبيد : يقال : أفعل ذلك بادىءَ بَدْءٍ مثل فاعلَ فَعْلٍ وبَادىءَ بَدِىءٍ على فعيل وبادي بَدِيٍ غير مهموز.

وقال الفراء : يقال : أفْعَل هذا باديَ بَدْءٍ كقولك : أولُ شيء وكذلك بَدْأة ذِي بَدْءٍ كقولك أول شيء.

قال : ومن كلام العرب ، بادي بَدِيٍ بهذا المعنى إلا أنه لا يهمز.

أبو عبيد عن أبي عمرو : البَدْءُ السَّيِّدُ.

وأنشد :

ترى ثنْيانا إذ ما جاء بَدْؤُهم

وبَدأَهُمْ إن أَتَانَا كان ثِنْيَانَا

وبَدَأَ اللهُ الخلق وأَبدأَهم.

قال الله جلّ وعزّ : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) [الروم : ٢٧].

وقال : (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣)) [البروج : ١٣] فالأول مِن الْمَبَادِئ والثاني من المُبْدِئ وكلاهما صفةٌ لله عزوجل جليلة.

أبو عبيد عن الأموي : جاء بأمر بديءٍ على فَعيل أي عَجيب ، قال : وبديءٍ من بدأنَهُ.

قال وقال أبو عمرو : الأَبْداءُ المفاصل واحدها بَدًى مقصور وهو أيضا بدءٌ مهموز تقديره بدْعٌ وجمعه بدوء على وزن بُدُوعٍ.

وقال غيره : البدءُ : البئْرُ البديء التي ابتُدئ حَفْرُها فحفِرتْ حديثةً وليست بِعاديَّةٍ وتُرك فيها الهمز في أكثر كلامهم.

ويقال : فعلتُ ذلك عَوْدا وبدءَا.

وفي الحديث : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نَفَّلَ في البدأَة الرُّبْعَ ، وفي الرَّجعة الثُّلُثَ ، أراد بالبدأة ابتداء سفر الغَزْو ، إذا نَهضتْ سَرِيَّةٌ من جُملة العسكر فَأَوْقَعتْ بطائفة من العدوّ فما غنموا كان لهم الرّبع ، ويَشْرَكُهم سائرُ العسكر في ثلاثة أرباع ما غَنِموا ، فإن قَفَلوا من الغَزاةِ ، ثم نهضتْ سَرِيَّة كان لهم من جميع ما غنموا الثُّلُثُ ، لأن نهوضَهم سَرِيةً بعد القَفْل أشقُّ والخطرُ فيه أعظم.

الأصمعي : بُدِئَ الرجلُ فهو مَبدوءٌ إذا جُدرَ فهو مَجْدور ، والبدءُ خير نصيب في الجزور وجمعه أَبداءٍ ، ومنه قول طرفة :

وهُمْ أَيْسارُ لُقمانَ إذا

أَغْلَتِ الشَّتْوَةُ أَبداء الجُزُرْ

ويقال : أَهْدَاهُ بدأَةَ الجزُورِ أي خَيْرَ الأنْصِبَاءِ.

وأنشد ابن السكيت :

* على أَيِّ بَدْءٍ مَقْسمُ اللَّحْمِ يُجْعَلُ*

وقال أبو زيد : أبدأتُ من أرضٍ إلى أرضٍ أخرى ، إذا خرجتَ منها إلى غيرها إِبداء ، وبدئ فلانٌ فهو مَبدوء إذا أخذه الجُدَرِيُّ أو الحَصْبةُ ، وبدأتُ بالأمر بَدْءا.

وفي الحديث : «حَرِيمُ البئر البديءِ خَمْسٌ

١٤٤

وعِشرون ذراعا».

قال أبو عبيدة : يقال للرَّكِيَّةِ : بَدِيءٌ وبَديعٌ إذا حَفَرْتَها أَنْتَ ، فإن أَصَبْتَها قد حُفِرت قَبْلك فهي خَفِيَّةٌ ، قال : وَزَمْزَم خَفِيَّةٌ لأنها كانت لإسمَاعيلَ فانْدَفَنَتْ وأنشد :

فَصَبَّحَتْ قبلَ أَذَانِ الفُرْقَانْ

تَعْصِبُ أَعْقارَ حياضِ البُودانْ

قال : البُودانُ القُلْبانُ ، وهي الرّكايا واحدها بَدِيءٌ قلت : هذا مَقْلوبٌ ، والأصل البُدْيَانُ فَقَدَّمَ الياء وجعلها وَاوا ، والفُرْقَانُ الصُّبْحُ.

بيد : قال الليث : يقال : بَادَ يَبِيدُ بَيْدا ، وأباده الله ، والبَيْدَاءُ مفازةٌ لا شيءَ فيها ، وبين المسجدين أَرضٌ مَلْساءُ اسمُها البَيْداء.

وفي الحديث : «أنَّ قوما يَغْزونَ البيتَ فإذا نزلوا بالبيداء بعثَ اللهُ جِبريلَ فيقول : يَا بَيْدَاءُ أَبِيدِيهم فَتُخسف بهم» ، وأتانٌ بَيْدَانَةُ تَسْكُنُ البَيْداء.

وقال شمر : البَيْدانَة الأتَانُ الوَحْشِيَّة أُضِيفَتْ إلى البَيْداء ، والجميع البَيْدانَات.

ورُوِيَ عن النَّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «أنا أَفْصحُ العرب بَيْدَ أَنِّي من قُرَيش ، ونشأت في بني سَعْد بن بكر».

وفي الحديث الآخر : «نحن الآخِرون السابِقون يوم القيامة بَيْد أنهم أُوتوا الكتاب من قَبْلِنا وأُوِتيناهُ من بَعْدهم».

قال أبو عبيد : قال الكسائي : قوله بَيْدَ معناه غَيْرَ.

وقال الأُمَوِيّ : بَيْدَ معناها عَلَى ، وأنشدنا لِرجل يُخاطِبُ امرأة فقال :

عَمْدا فَعَلْتُ ذاكِ بَيْد أَنِّي

إخالُ إنْ هَلكتُ لم تُرِنِّي

يقول : على أني أخاكُ ذاكِ.

قال أبو عبيد : وفيه لغة أخرى مَيْد بالميم كما قالوا أغْمَطَتْ عليه الحُمَّى واغْبَطت وسَبَّد رأْسَه وسَمَّده.

وقال ابن السكيت : بَيْد بمعنى غير يقال : رجل كثير المال بَيْد أَنَّه بخيلٌ معناه غيرَ أنَّهُ بخيل قال : والبِيدُ جمع للبيداء وهي الفلاة.

ابن شميل : البيداءُ المكانُ المُسْتَوِي المُشْرِفُ ، قليلة الشجر جَرْدَاءٌ تَقودُ اليومَ ونِصْفَ يوم فأقلَّ ، وأشرافها شيء قليل لا تراها إلا غَلِيظةً صُلْبةً لا تكون إلا في أرض طين ، وبَاد يَبِيد بَيْدا إذا هلك. وقد أبادهم الله.

وبد : قال الليث : الوَبَد سُوء الحالِ ، يقال : وَبِدَتْ حالُه تَوْبَد وَبَدا وأنشد :

* وَلَوْ عالَجْنَ مِن وَبَدٍ كِبالا*

وقال اللحياني : الوَبِدُ الشديدُ العَيْنِ وإنه لَيَتَوَبَّد أموالَ الناس أي يُصِيبُها بِعَيْنِه فيُسقطها.

١٤٥

وأخبرني ابن هاجَك عن ابن جَبَلة أنه قال : الوَبَد الفَقْرُ والبُؤْسُ ، ورجل وَبِدٌ وقوم أوْباد ، قال : وأنشدني أبو عبيد لعمرو بن العَدَّاء الكلبي :

لأصْبَحَ الحيُ أَوْبادا ولم يَجِدُوا

عند التَّفرُّق في الهيجا جِمَالَيْن

أبد : أبو عبيد عن أبي زيد : أَبْدَتُ بالمكان آبُدُ بِهِ أَبُودا ، إذا أقمتَ به ولم تبرَحْهُ.

وفي حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه سُئِلَ عن بَعِيرٍ شَرَدَ فَرماه رجلٌ بسهم فأصابه فقال : «إن لهذه البهائم أَوَابد كأَوَابِد الوَحْش ، فما غَلَبَكم منها فاصْنَعُوا به هكذا».

قال أبو عبيد : قال الأصمعيّ وأبو عمرو : الأوابِد التي قد تَوَحَّشتْ ونَفَرت من الإنْس يقال : قد أَبَدَت تَأْبُد وتَأْبِد أُبُودا وتَأَبَّدَتْ تَأَبُّدا.

ومنه قيل لِلدَّار إِذا خَلا منها أهلُها خَلَفَتْهم الوَحْشُ بها : قد تَأَبَّدَت. وقال لَبيد :

* بِمِنًى تَأَبَّد غَوْلُها فَرِجامُها*

ويقال للكلمة الوحشية : آبِدةٌ ، وجمعه الأوَابِدُ ، ويقال للطير المقيمة بأرضٍ شتاءَها وصَيْفَها : أَوَابِد.

أبو عبيد عن الفرَّاء يقال : عَبِد عليه وأَبِدَ وأَمِدَ وَوَبِد وَوَمِد إذا غَضِبَ عليه أَبِدا ووَبدا ووَمَدَا وعَبَدا.

وقال الليث : أتانٌ إبِدٌ في كل عام تلد.

قال : وليس في كلام العرب فِعِلٌ إلا إِبِدٌ وإِبِلٌ ونِكِحٌ وخِطِبٌ إلا أن يَتَكَلَّف مُتَكَلِّفٌ فَيَبْنِيَ على هذه الأحرف ما لم يُسْمع عن العرب.

وقال ابن شميل : الأبِدُ الأتَانُ تَلِدُ كلَّ عامٍ ، قلت : أما إبلٌ وإبِدٌ فمسموعان وأما نِكِحٌ وخِطِبٌ فما حفظتها عن ثقة ولكن يقال نِكْحٌ وخِطْبٌ.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : يقال : لا أفعله أبداً الأيبد وأَبَداً الآباد ولا آتيه أَبَدَ الدهر ، ويَدَ المُسْنَدِ أي لا آتيه طولَ الدهر.

وقال اللحياني : لا أَفْعَلُ ذلك أَبَدَ الآبديْن وأبد الأبَدِيَّةِ أي أَبَدَ الدهر ، ويقال : وقف فلان أرضَه وقفا مُؤبَّدا إذا جَعَلها حَبِيسا لا تُباع ولا تُورَثُ. وقد أبّد وقْفَها تأبيدا.

أدب : أبو عبيد عن الأصمعيّ : جاء فلانٌ بأمرٍ أَدْبٍ مجزوم الدّال أي بأمر عَجِيبٍ وأنشد :

سمِعْتِ من صَلاصلِ الأشْكالِ

أَدْبا على لَبَّاتها الحَوالِي

وفي حديث ابن مسعود : إن هذا القرآن مأدُبة الله فتعلموا من مأدُبته.

قال أبو عبيد : يقال : مأدُبته ومأدَبته ، فمن قال : مأْدُبته أراد به الصنيعَ يَصنعُه الرجلُ فيدعو إليه الناسَ ، يقال منه : أَدَبْتُ على القوم آدِبُ أَدْبا ورجل آدِبٌ ، وقال

١٤٦

طرفة :

نحنُ في المَشْتَاةِ نَدْعُو الجَفَلَى

لا تَرَى الآدِبَ فينا يَنْتَقِرْ

وقال عديّ بنُ زيد :

زَجِل وبلُه يُجاوِبه دفأٌ

لخون مأدوبَة وزمير

فالمأْدُوبَة التي قد صُنِع لها الصَّنِيع.

قال أبو عبيد : وتأويل الحديث أَنه شبَّه القرآن بِصَنِيعٍ صَنَعه اللهُ للناس لهم فيه خيرٌ ومنافعُ ثم دعاهم إليه ، قال : ومن قال : مأْدَبَةً جَعَله مَفْعَلَةً من الأدَب وكان الأحمر يجعلها لُغَتَيْن : مأدُبة ومأدَبة بمعنى واحد.

قال أبو عبيد : ولم أسمع أحدا يقول هذا غيره ، والتفسيرُ الأوّل أعجبُ إليّ.

قال : وقال أبو زيد : يقال : آدَبْتُ أُودبُ إيدابا ، وأَدَبْتُ آدبُ أَدْبا.

قلت : والأدَبُ الّذي يَتَأَدَّبُ به الأديبُ من الناس ، سمي أَدَبا لأنه يأْدِب الناسَ الذين يتعلمونه إلى المحامِد وينهاهم عن المقابح يَأْدبهم أي يدعوهم ، وأصل الأدْب الدّعاء ، وقيل للصَّنيع يُدْعَى إليه الناس : مَدعاةٌ ومأْدَبة ، يقال للبعير إذا رِيض وذُلِّلَ : أديبٌ مُؤَدب. وقال مزاحم العقيلي :

وهُنَّ يُصَرِّفْن النَّوَى بين عالِجٍ

ونَجْرَانَ تَصْرِيفَ الأدِيبِ المُذَلَّلِ

وقال أبو عمرو يقال : جَاشَ أَدَبُ البحر ، وهو كثرة مائه وأنشد :

* عن ثَبَجِ البحر يَجِيشُ أَدَبُه *

وقال أبو زيد : أَدُبَ الرجل يَأْدُبُ أَدَبا فهو أَديب وأَدِبٌ ، وأَرُبَ يَأْرُبُ إِرْبةً وأَرَبا في العَقْلِ فهو أَرِيبٌ.

انتهى والله تعالى أعلم.

باب الدّال والميم

د م (وا يء)

أدم ، دوم ، ديم ، دمى ، أمد ، ومد ، مأد ، دأم.

دوم ـ ديم : قال الليث : دَامَ الشيءُ يَدُوم دَوْما ، والدِّيمةُ مَطَرٌ يَدُوم يوما وليلةً أو أكثر.

وفي حديث عائشة : أنها سُئِلتْ هل كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يُفَضِّلُ بعض الأيام على بعض فقالت : كان عَمَلهُ دِيمَةً.

قال أبو عبيد : قال الأصمعيّ وغيره : أصل الدِّيمَةِ المطرُ الدَّائمُ مع سكون.

قال أبو عبيدُ : فَشَبَّهَتْ عائشةُ عملَه في دوامِه مع الاقتصاد بِدِيمةِ المطر.

قال : ويُرْوَى عن حُذيفة أنه ذكر الفِتَن فقال : إنها لَتَأْتِيَنَّكُم دَيما ديما

يعْنِي أنها تَملأ الأرض مع دوَام وأنشد :

ديمةٌ هَطْلَاءُ فيها وَطَف

طَبَّق الأرضَ تَحَرَّى وتَدُر

وجمع الدِّيمة دِيَم.

١٤٧

وقال شمر يقال : ديمةٌ وديْمٌ.

وقال الأغلب :

فَوَارِسٌ وَحَرْشَفٌ كالدِّيْمِ

لا تَتَأَنَّى حَذرَ الكُلُومِ

وروي عن أَبي العَمَيْثَل أنه قال : ديْمَةٌ وجمعها ديُومٌ بمعنى الدِّيمة.

وقال خالد بن جَنْبَة : الدِّيمةُ من المطر الّذي لا رَعْد فيه ولا بَرْقَ وتَدوم يومَها.

وقال أبو عُبيد : من أسماء الخمر المُدام والمُدَامَةُ.

قال الليث : سميت مُدامة لأنه ليس شيء من الشراب يُستطاع إدامَةُ شُرْبِه غيرَها.

وقال غيره : سمّيَتْ مُدامة لأنها أُديمَتْ في الدِّنِّ زمانا حتى سَكَنَتْ بعد ما فارَتْ ، وكل شيء يسكن فقد دام ، ومنه قيل للماء الّذي سَكَنَ فلا يجري : دائمٌ.

ونهى النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أَنْ يُبَالَ في الماء الدَّائم ثم يُتوضأ منه ، وهو الماء الراكد الساكن ، وكل شيءٍ سَكَّنْتَه فقد أَدمْتَه ، وقال الشاعر :

تَجِيشُ عَلَيْنا قِدْرُهُم فَنُدِيمُها

ونَفْثَؤُهَا عنَّا إذا حَمْيُها غَلَا

قوله : نُديمها نُسَكِّنُها ، ونَفْثَؤها نَكْسِرُها بالماءِ.

ويقال للطائر إذا صَفَّ جناحيه في الهواء وسكنَّهما ولم يحركهما كما تفعل الحِدأ والرَّخم : قد دَوَّمَ الطائر تَدْويما لِسكونه وتركِهِ الخَفَقَانَ بجناحين.

وقال الليث : التَّدْوِيمُ تحلِيقُ الطائرِ في الهواء ودَوَرَانُه ، والشمس لها تدويمٌ كأنها تَدُور بدورانها وقال ذو الرُّمَّة :

* والشَّمْسُ حَيْرَى لها في الجوِّ تَدْويمُ *

وقال أبو الهيثم في قوله : والشمس حَيْرَى : تَقِفُ الشمسُ بالهاجِرَةِ عن المسير مِقْدَارَ ما تسير ستين فرسخا تدور على مكانها ، ويقال : تَحَيَّرَ الماءُ في الروضة إذا لم تكن له جهة يَمْضِي فيها فيقول : كأنها مُتَحَيِّرَةٌ لدورانها قال : والتَّدويم الدَّوَرَان يقال : دوَّمَتْ الشمسُ إذا دارتْ.

أبو عبيد عن الأصمعيّ : أخذه دُوَامٌ في رأسه مثل الدُّوَار ، ودُوَّامةُ الغُلام بِرفع الدال وتشديد الواو ، ودَوَّمْتُ القِدْرَ وأَدَمْتُهَا إذا كَسَرْتَ غَلَيانها قال : ودوَّم الطائرُ في السماء إذا جَعل يَدُور ، ودوَّى في الأرض وهو مِثْل التَّدويم في السماء ، قال وقول ذي الرمة :

حتى إذا دوّمَتْ في الأرض راجعهُ

كِبْرٌ ولو شاء نَجَّى نفسَه الهرب

استكراه.

وقال أبو الهيثم : ذكر الأصمعيّ أَن التَّدويمَ لا يكون إلا من الطائر في السماء ، وعاب على ذي الرُّمَّة قولَه ، وقد

١٤٨

قال رؤبة :

تَيْماء لا يَنْجُو بها مَنْ دوَّما

إذا علاها ذو انْقِبَاضٍ أجْذَمَا

أي أسرع.

وقال شمر : دوَّامَةُ الصبي بالفارسية دوَابَهْ وهي التي يَلْعَبُ بها الصبيان ، تُلَفُ بِسَيْرٍ أو خَيْط ثم تُرْمَى على الأرض فتدور.

وقال أبو الهيثم : دوَّمْتُ الشيءَ بَلَلْتَه ، قال ابن أحمر :

* وقد يُدَوِّمُ ريقَ الطامِعِ الأملُ*

أي يَبُلُّه.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : دامَ الشيءُ إذا دارَ ، وَدَامَ إذا وقف ، ودامَ إذا تَعِبَ.

وقال الليث : تَدْوِيمُ الزعفران : دوْفُه وإدارَتُه في دوْفِه وأنشد :

* وهُنَّ يَدُفْنَ الزَّعفَرَانَ المُدَوَّفَا*

والدَّوْمُ شَجَر الْمُقْل الواحدة دوْمَةٌ ، وقرأت بخط شَمِر.

وقال أبو سعيد : الضرير : دوْمَةُ الجندل في غائط من الأرض ، خمسة فراسخ.

قال : ومن قِبَلِ مَغْرِبِهِ عَيْنٌ تَثُجُّ فتَسْقِي ما بِه من النَّخِيل والزرع قال : ودوْمَةُ ضاحيةٌ بين غَائطها ، هذا واسمُ حصنها مارِدٌ ، وسميت دوْمَةَ الجندل.

في حديث رواه أبو عبيد لأنَّ حِصْنَها مبنيٌّ بالجندل.

قال : والضَّاحِيَةُ من الضَّحْل ما كان بارزا من هذا الغَوْط ، والعين التي فيه ، وهذه العين لا تسقي الضاحية.

قال وغيره يقول : دُومَة بضم الدال ، وسمعت دَومَة الجندل في حديث رواه أبو عبيد قلت : ورأيت أعرابيا بالكوفة سئل عن بَلَدِه فقال : دوْمَة الجندل.

وقال شمر : سمِّيت الخمرُ مُدامة إذ كانت لا تَنْزَفُ مِنْ كثرتها فهي مُدامة ومُدام.

وقال أبو عبيدة : يقال لها : مدامة لِعِتْقِهَا.

أبو عبيد عن الفراء : استدَامَ الرجل غَرِيمَه واسْتَدماه إذا رَفِقَ به.

وقال الليث : استدامةُ الأمر الأناةُ فيه ، وأنشد :

فلا تَعْجَلْ بأَمْركَ واسْتَدمْه

فما صَلَّى عَصاك كَمُسْتَديمِ

وَتَصْلِيةُ العَصا إدارتُها على النار لتستقيم ، واستدامتُها التأنِي فيها ، أي ما أحْكَمَ أَمْرَها كالتَّأَنِّي.

وقال شَمِر : المستديمُ المُبَالِغُ في الأمر واسْتَدِمْ ما عند فلان : أي انْتِظرْهُ وارْقُبْه.

قال : ومعنى البيت : ما قام بحاجتك مثلُ مَن يُعْنَى بها ويُحبُّ قَضاءَها.

وقال شَمِر : فيما قرأت بخطه : الدَّيمُومَة الأرضُ المُسْتَوِيَةُ التي لا أَعلامَ بها ولا طريقَ ولا ماءَ ولا أنيسَ ، وإن كانتْ

١٤٩

مُكْلِئَةً. وهُنَ الدَّيامِيمُ. يقال : عَلَوْنا دَيمُومةً بعيدة الغَوْر ، وعلونا أرضا دَيمُومةً مُنكرةً.

وقال أبو عمرو : الدَّيامِيمُ : الصحارى.

وقال المؤرج : هي الصحارى المُلْسُ المتباعدةُ الأطراف.

قال شَمِر وقال الأصمعيّ : الإيدَامةُ أرض مستوية صلبة ليستْ بالغليظة وجمعها الأَيادِيمُ ، قال ويقال : أُخِذتْ الإيدَامةُ من الأَديم ، قال ذو الرمة :

كأنهن ذُرَى هَدْي محوَّبة عنها

الجِلال إذا ابْيَضَ الأيادِيم

وابيضاض الأياديم لِلسَّرابِ.

وقال أبو عبيد : قال الأصمعيّ : الإيدامَةُ الصُّلبة من غَيْرِ حِجارة ويقال : دِيمَ وأُديم إذا أَخَذه دُوَار ، والإدامَةُ تَنْقِيرُ السَّهْم على الإبهام. وأنشد أبو الهيثم :

فاسْتَلَّ أَهْزَعَ حنَّانا يُعَلِّلُهُ

عند الإدامةِ حتى يَرْنُوَ الطَّرِبُ

ودوَّمَتْ عيناه تدويما إذا دارَت حَدَقَتُها.

وقال ابن شميل : الإيدَامةُ من الأرض السَّنَد الّذي ليس بشَديد الإشرافِ ، ولا يكون إلا في سُهولِ الأرض ، وهي تَنْبُتُ ولكن في نبتها زَمَرٌ لِغِلَظِ مَكانها وقِلَّة استقرارِ الماء فيها.

أدم : في حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال للمغيرة بن شعبة ، وخَطبَ امرأة : «لو نظرتَ إليها فإنه أَجْدَى أن يُؤْدَم بينكما».

قال أبو عبيد : قال الكسائي : قوله : يُؤْدم يعني أن تكون بينهما المحبة والإتفاق يقال منه : أَدمَ الله بينهما يَأْدِم أَدْما.

وقال أبو الجراح مثله. قال أبو عبيد : ولا أدري الأصل فيه إلا من أَدْمِ الطَّعامِ لأن صلاحَه وطيبه إنما يكون بالإدام ، ولذلك يقال : طعام مَأدُومٌ ، وقَالتْ امرأة دُرَيد بن الصمة لَه وأَراد أَنْ يُطَلّقها : أبا فلان أَتُطَلِّقُني فو الله لقد أَطْعَمتُكَ مَأْدُومي وأبثَثْتُكَ مَكْتُومي وأتيتك باهِلا غيرَ ذات صِرار.

قال أبو عبيد : ويقال : آدم الله بينهما يُؤْدِمُ إيداما أيضا ، وأنشد فقال :

* والبِيضُ لا يُؤْدِمن إلا مُؤْدَما*

أي لا يحببن إلا مُحَبَّبا مَوْضِعا لذلك.

أبو عُبَيد عن الفراء أنه قال : الأُدْمَةُ : الوَسِيلةُ إلى الشيء ، يُقال : فُلانٌ أُدْمَتِي إليك أي وَسِيلَتِي.

وقال الليث : يقال : بينهما أُدْمَةٌ ومُلْحة أي خُلْطةٌ ، قالوا : الأُدْمَةُ في الناس شربةٌ من سواد ، وفي الإبل والظباء ، بياض ، يقال : ظبيةٌ أَدمَاءُ ، ولم أسمع أحدا يقول للذكر من الظباء : آدم وإن كان قياسا.

أبو عبيد عن الأصمعيّ : الآدمُ من الإبل الأبيض فإن خَالَتْه حُمرةٌ فهو أصْهَبُ فإن

١٥٠

خالَطْت الحمرةُ صَغاهُ فهو مُدمَّى ، قال : والأُدمُ من الظباء بيضٌ تعلوهن جُدَدٌ فيهن غُبرةٌ ، فإن كانت خالصةَ البياض فهيَ الآرَامُ.

وأخبرني المنذري عن القاسم بن محمد الأنباري عن أحمد بن عبيد بن ناصح قال : كنا نَأْلَفُ مَجْلسَ أبي أيوب ابن أخت أبي الوزير ، فقال لنا يوما ، وكان ابن السِّكِّيتِ حاضرا : ما تقولُ في الأُدمِ من الظبا؟ فقال : هي البيضُ البُطونِ السُّمْر الظُّهُور يَفْصِلُ بين لَوْن ظهورها وبُطونها جُدَّتان مِسْكيَّتان ، قال : فالتَفَتَ إليّ فقال : ما تقول يا أبا جعفر؟ فقلت : الأُدْمُ على ضَرْبين ، أما التي مَساكِنُها الجبالُ في بلاد قيسٍ فهي على ما وَصَف ، وأَمَّا التي مَساكنُها الرَّملُ في بلاد تَميم فهي الخوالِص البَيَاضِ ، فأنكر يعقوبُ ، واستأذن ابنُ الأعرابيّ على تَفيئَة ذلك ، فقال أبو أيوب : قد جاءكم من يَفصِلُ بينكم ، فدخل فقال له أبو أيوب : يا أبا عبد الله ما تقول في الأُدم من الظِّباء؟ فتكلم كأنما يَنْطِق عن لسان ابن السِّكِّيت ؛ فقلت : يا أبا عبد الله ما تقول في ذي الرُّمة؟ قال : شاعر ، قلتُ : ما تقول في قَصيدته صَيْدَح؟ قال : هو بها أعرف مِنها فأنشدته :

مِن المُؤْلِفاتِ الرملَ أدماءُ حُرَّةٌ

شُعَاعُ الضُّحَى في مَتْنِها يَتَوَضَّحُ

فَسَكَتَ ابن الأعرابيّ ، وقال : هي العرب تقول ما شَاءَتْ.

وقال الزجاج : يقول أهل اللغة : آدَم : اشتقاقه من أَدِيم الأرض لأنه خُلِق من تُراب ، وكذلك الأُدْمَةُ إنما هي مُشَبَّهة بلون التُّراب ، ونحو ذلك قال الليث ، قال : والأَدَمُ جمع الأَدِيم ، قال : وأَدِيمُ كلِّ شيءٍ ظاهرُ جِلْدِه وأَدَمَةُ الأرضِ وجهُها والإدام والأَدْم ما يُؤْتَدم به مع الخبز.

وفي الحديث : «نعم الإدامُ الخَلُّ وطَعَامٌ مأْدُومٌ».

أبو حاتم عن الأصمعيّ : يقال للجلد إهاب والجمع أُهُب وأَهَبٌ مؤنثة. قال : فأما الأَديمُ والأفقُ فمذكر ، إلا أن يقصد قصد الجلود ، والأدمة. فتقول : هي الأدم والأفق ، يقال : أديم وآدمة في الجمع الأقل على أفعله يقال : ثلاثة آدمةٌ وأربعةُ آدمةٍ.

أبو عبيد عن الأصمعيّ : رجلٌ مُؤْدَمٌ مُبْشَرٌ وهو الّذي قد جَمَع لينا وشِدَّة مع المعرفة بالأمور. قال : وأصلهُ من أَدمةِ الجلد وبَشَرَتِه فالبَشَرة ظاهِرهُ وهي مَنْبِت الشَّعْر والأَدمةُ باطِنُهُ وهو الّذي يَلِي اللحم ، قال : فالذي يُراد منه أنه قد جمع لِينَ الأدَمَةِ وخُشونَة البَشَرة وجَرَّبَ الأمور ونحو ذلك. قال أبو زيد.

١٥١

وقد يقال : إنما يُعَاتَبُ الأَديمُ ذو البَشَرة أي يُعاد في الدِّباغ ، ومعناه إنما يُعاتَبُ مَن يُرجى ، ومن به مُسْكَةٌ وقوةٌ.

وأخبرني المنذري عن إبراهيم الحربي : أن أبا عدنان أخبره عن الأصمعيّ قال : يقال : فلانٌ مَأْدُومٌ مُؤْدَمٌ مُبْشَرٌ أي هو جامعٌ يصلح للشدة والرَّخاء. وفلانٌ أَدَمَةُ بني فلان ، وقد أَدَمَهُم يَأْدُمُهم ، وهو الّذي عَرَّفهم الناس.

قال : وقال ابن الأعرابيّ : فلان مُؤْدَمٌ مُبْشَرٌ كريمُ الجلد غليظه جَيِّده ، ومن أمثالهم : سَمْنُكم هُريق في أَدِيمكم أي في مأدومكم. ويقال : في سِقائكم ، وأَتَيْتُه أَدِيمَ الضُّحَى أي عند ارتفاع الضحى.

سلمة عن الفراء : يقال : بَشَرْتُه وأَدَمْتُه ومَشَنْتُه أي قَشَرتُه ويجمع آدَمُ أَوَادِم ، والإيدَامَةُ الأرض الصُّلْبةُ مأخوذ من أَدِيمِ الأرض وهو وَجْهُها.

دمى : قال الليث : الدَّمُ معروفٌ والقطعة منها دَمَةٌ واحدةٌ ، وكأَنَّ أصله دَمَيٌ لأنك تقول دَمِيَتْ يدُه.

وقال غيره : الأصل : دما.

وأخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم أنه قال : الدَّمُ اسم على حَرْفين فقال بعضهم في تثنيته الدَمَيَان وفي جمعه الدِّماء.

وقال بعضهم : الدَّمان. وأنشد :

فَلَوْ أَنَّا على حَجَرٍ ذُبِحْنا

جَرَى الدَّمَيَانِ بالخَبر اليَقِينِ

فَثَنَّاه بالياء ، ويقال في تصريفه : دَمِيَتْ يَدِي تَدْمى دَما فَيُظْهِرُون في دَمِيَتْ وتَدْمى الياء ، والألف اللتين لم يجدوهما في دَمٍ.

قال : ومِثله يَدٌ أصلُها يَدْيٌ.

وقال أبو عُبيد : الدَّامِيَةُ من الشِّجَاجِ هي التي تَدْمَى مِن غير أن يسيلَ منها دَمٌ ومنها دَمٌ ، ومنها الدَّامِعةُ وهي التي يسيلُ منها الدم.

وقال الليث : الدُّمْيَةُ الصَنَم والصورة المنَقَّشة.

وقال ابن الأعرابيّ : يقال للمرأة الدُّمْيةُ يكْنى عن المرأة بها.

وقال الليث : وبَقْلَةٌ لها زهرة يقال لها : دُمْية الغِزلان.

أبو عُبيد عن أبي عمرو : المُدَمَّى من الثياب : الأَحْمَرُ.

وقال الليث : المدَمَّى من الخيل : الأَشْقَرُ الشديدُ الحُمرة. شِبه لون الدَّم ، وكل شيء في لونه سواد وحمرة فهو مُدمًى.

وقال أبو عُبيد : كُمَيْتٌ مُدمًى إذا كانت سراتُه شديدة الحُمْرة إلى مَرَاقِّه ، والأَشقر المدَمَّى الّذي لون أعلى شَعْرَتِه تعلوها صُفرة كلون الكُمَيت الأصفر.

وقال طُفَيْلٌ :

١٥٢

وكُمْتا مُدَمَّاةً كأَنَّ مُتُونَها

جَرَى فَوْقَها واسْتَشْعَرتْ لَوْنَ مَذْهَب

يقول : تَضْربُ حمْرتها إلى الكُلفَةِ ليست بشديدة الحُمرة.

وفي حديث سَعْدٍ أنه رَمَى بسهمٍ مُدَمًى ثلاث مرات فَقَتَلَ به رجلا من الكفّار.

وقال شمر : المُدَمَّى الّذي يَرْمِيه الرجلُ العدوَ ثم يَرْمِيه العَدُوُّ بذلك السهم بِعَيْنهِ كأنه دمِّيَ بالدم حتى وَقَع بالمرْمِيِّ.

ويقال : سُمِّي مُدَمًّى لأنه أحْمَر من الدَّم ، وسَهْمٌ مُدمَّى قد دمِّيَ به مرة ، وقد جاءَ في بعض الأحاديث ، وجمع الدُّمْية دُمًى.

ومد : أبو عُبيد عن الكسائيّ : إذا سَكَنَتْ الريحُ مع شِدّة الحر فذلك الوَمَدُ. يقال : ليلة وَمِدَةٌ وقد وَمِدَتْ تَوْمَد وَمدا.

وقال الليث : الوَمَدَة تجيء في صميم الحرّ من قِبل البحر ، حتى تَقَع على الناس ليلا.

قلت : وقد يَقع الوَمَد أيام الخريف أيضا ويقال : ليلة وَمِدٌ بغير هاء ومنه قول الراعي يصف امرأة :

كأَنَّ بَيضَ نعامٍ في مَلاحِفِها

إذا اجْتلاهن قَيْظا ليلةٌ وَمِدٌ

قلت : والوَمَد لَثَقٌ ونَدًى يجيء من جهة البحر إذا ثار بخارُه ، وهَبَّتْ به الرِّيحُ الصَّبا ، فيقع على البلاد المتاخمة له مثل نَدَى السَّماءِ وهو مؤذٍ للناس جِدا لِنَتْن رائحتِه ، وكُنا بناحية البحرين إذا حَلَلنا بالأسياف ، وهَبَّت الصَّبا بَحْرِيةً لم نَنْفَك مِن أَذَى الوَمَد ، فإذا أَصْعَدْنا في بِلاد الدَّهناء لم يُصِبنَا الوَمَدُ.

[مأد] : أبو عبيد عن الكسائيّ : مَأْد الشَّباب نَعْمتُه.

أبو عبيد عن الأصمعيّ عن الكسائي : ومَدَ عليه ووبَدَ ومْدا ، إذا غضب عليه.

وقال ابن شميل : مَأَد العود يَمْأَدُ مَأْدا إذا امْتَلأ من الرِّيِّ في أول ما يجري الماء في العُود فلا يزال مائدا ما كانَ رَطْبا.

وقال الليث : المأدُ من النبات ما قد ارتوى ، يقال : نباتٌ مَأْدٌ وقد مَأَدَ يَمأَدُ فهو مَأْد ، وأَمْأَدَ الرِّيُّ والربيعُ ونحوه وذلك ، إذا خرج فيه الماء أيام الربيع ، ويقال للجارية التارَّة : إنها لَمأدَةُ الشَّبابِ وهي تَمْؤودَةٌ ويَمْؤُودةٌ.

قال : والمأد في لغة أهل الشام : النَّزُّ الّذي يظهر بالأرض قبل أن ينبع.

وأنشد أبو عبيد :

* مَادُ الشبابِ عَيْشَها المُخرْفَجَا*

ماء غَيْر مهموزٍ.

قال أبو عبيدة في قوله تعالى : (أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ) [المائدة : ١١٤] المائدة في المعنى مفعوله ولفظها فاعله ، قال :

وهي مثل (عِيشَةٍ راضِيَةٍ) ، وقال : إن المائدة من العطاء والممتاد المطلوب منه العطاء

١٥٣

مفتعل وأنشد :

* إلى أمير المؤمنين الممتاد*

قال : وماد زيد إذا أعطاه.

وقال أبو إسحاق : الأصل عندي في مائدة ، أنها فاعلة من ماد يميد إذا تحرك وكأنها تميد بما عليها.

وأخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى قال : مادهم يميدهم إذا زادهم وأنشد :

* إلى أمير المؤمنين الممتاد*

قال : وإنما سميت المائدة مائدة لأنه يزاد عليها.

قال أبو بكر : قال أبو عبيدة : سميت المائدة مائدة لأنها ميد بها صاحبها أي أعطيها وتفضل عليه بها.

والعرب تقول : مادني فلان يميدني إذا أحسن إلي. قال : وقوله إلى أمير المؤمنين الممتاد.

أي المتفضل على الناس.

وقال الجرمي : يقال : مائدة ومَيْدَة ، وأنشد :

ومَيْدَة كثيرة الألوان

تصنع للاخوان والجيران

قال : وقال أبو الهيثم : المائد الذي يركب البحر فتغثى نفسه من نتن ماء البحر حتى يدار به ، ويكاد يغشى عليه فيقال : ماد به البحر يميد به ميدا ، ورجل مائد ، وقوم ميدى.

قال : وسمعت أبا العباس وسئل عن قول الله جل وعز : (أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) [النحل : ١٥] فقال : تَحَرَّكَ بكم وتَزَلْزَلَ ، ومَاد يَمِيدُ إذا تَثَنَّى وتَبَخْتَر.

وقال الفراء : سمعت العرب تقول : الميْدَى الذين أَصابَهم المَيْدُ من الدُّوَار ، قال ويقال : مَاد أهلَه إذا غَارَهم ومادهم.

قال ويقال : ابن الأعرابيّ : مَاد إذا تَجِرَ وماد إِذا أَفْضَلَ.

دام : قال الليث : الدَّأْمُ إذا رفعتَ حائِطا فَدَأَمْتَه بمَرَّةٍ واحدة على شيء في وَهْدَةٍ تقول : دَأَمته عليه ، قال : وتَدَأَّمَتْ عليه الأمواج والأهوالُ والهموم وأنشد :

* تَحتَ ظِلال الموْج إذ تَدَأَّمَا*

أبو عُبَيد قال الأصمعيّ : تَدَاءَمه الأمرُ مثل تَدَاعَمَه إذا تراكَمَ عليه وَتكَسَّر بعضُه فوق بعض.

وقال أبو زيد : تَدَأَّمْتُ الرجلَ تَدَوُّما إذا وَثَبْتَ عليه فركبتَه.

قال أبو عبيد : والدَّأْماءُ البحرُ.

وقال الأفوه الأوْديّ :

والليلُ كالدَّأْماءِ مُسْتَشْعِرٌ

من دونِه لَوْنا كَلَونِ السَّدُوس

مدى : أبو العباس عن ابن الأعرابيّ : أَمْدَى الرجلُ إذا أَسَنَّ.

١٥٤

قلت : هو من مَدَى الغاية ، ومدَى الأجَل منتهاه.

وقال ابن الأعرابيّ : أمدى الرجل إذا سُقِي لَبَنا فأَكْثر.

وقال رؤبة :

مُشَبّههٌ مُتيّةٌ تَيهاؤُه

إذا المَدَى لم يُدْرَ ما مَيدَاؤُه

قال : المِيداءُ مِفْعالٌ من المَدَى ، وهو الغاية والقَدْر يقال : ما أدري ما مِيداءُ هذا الأمر؟ يَعْنِي قَدْرَهُ وغايَتَه ، وهو بمِيداءِ أرض كذا إذا كان بِحِذَائِها يقول : إذا سار لم يَدْرِ أَمَا مَضَى أكثَرُ أمْ ما بَقِيَ؟ قلت : قوله : المِيدَاءُ مِفعال في المَدَى غَلَط لأن المِيمَ أصليةٌ وهو فِيْعالٌ من المَدَى كأَنه مصدر مادى مِيدَاءً على لغة من يقول : فاعلتُ فِيْعالا.

وفي الحديث : أن النَّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كَتَب ليهود تَيْمَاء أنَّ لهم الذِّمةَ وعليهم الجِزْيَة بلا عَدَاءٍ ، النهارُ مَدَى والليلُ سُدًى.

وكتب خالد بن سعيد : المَدَى الغايةُ أي ذلك لهم أبدا ، ما كان النهارُ ، والليلُ سُدًى أي مُخَلَّى ، أراد ما تُرك اللَّيلُ والنهارُ على حالهما ، وذلك أَبَدا إلى يوم القيامة.

أبو عبيد عن أبي عمرو : والمَدِيُ الحَوْضُ الَّذِي لَيْسَتْ له نَصَائِبُ ، وأنشد غيره قول الراعي يذْكر ماءً وَرَدهُ :

أَثَرْتُ مَدِيَّهُ وأَثَرْتُ عنه

سَوَاكِنَ قَدْ تَبَوَّأْنَ الحُصونَا

والْمُدْيُ مِكْيالٌ يأْخُذ جَرِييا.

وفي الحديث : أن عليا أجرى للناس المُدْيَيْنِ والقِسْطَيْن ، فالمُدْيانِ الجريبان ، والقسطان قِسطانِ من زَيْتٍ كان يَرْزُقُها الناسَ.

ويقال : تَمادَى فلان في غَيِّه إذا أَلَحَّ فيه وأَطال مَدَى غَيِّه أي غايته.

أنشد ابن الأعرابيّ :

أَرْمي وإِحدى سِيَتَها مَدْيَهْ

إن لم تصب قلبا أصابت كُلية

قال : سمعت أبا عرعرة الكلبي يقول : هي المدية وهي كَبِدُ القوس وأنشد هذا البيت.

أمد : قال الله جلَّ وعزَّ : (وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ) [الحديد : ١٦] قال شَمِر : الأمَدُ منتهى الأجل ، قال : وللإنسان أمَدَان أحدهما ابتداءُ خَلْقِه الّذي يظهر عِنْدَ مولده وإياه عَنَى الحجاجُ حين سَأَل الحسنَ فقال له : ما أَمَدكَ؟ فقال : سنتان من خلافة عَمر ، أراد أنه وُلِد لسنتين بَقِيَتَا من خِلافة عمر ، والأمَدُ الثاني الموتَ ، قال : وأَمَدُ الخيلِ في الرِّهان مَدَافِعُها في السباق ، ومنتهى غايتها التي تستبق إليه ، ومنه قول النابغة :

١٥٥

* سَبْقَ الجوادِ إذا استولى على الأمَدِ*

أي غَلَبَ على مُنتهاه حين سَبَق رَسيله إليه.

عمرو عن أبيه : يقال للسفينة إذا كانت مشحونة : عامدٌ وآمِدٌ وعامِدةٌ وآمِدَةٌ وقال : السَّامِدُ العاقِلُ ، والآمِدُ المملوء من خيرٍ أو شرٍّ ، وآمِدُ بلد معروف.

أبو عبيد عن الفراء : أمدَ عليه وأَبِدَ إذا غَضَبَ.

والله أعلم انتهى.

* * *

١٥٦

باب اللفيف من حرف الدال

دد ، دود ، دو ، دوى ، دا ، داى ، آد ، أدا ، واد ، ودا ، أيد ، أيادى ، أديى ، أداه ، ودى ، دوى ، تودية ، وادي ، ود ، دودي ، أد ، يدي ، در.

ددّ : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «مَا أَنَا مِن دَدٍ ولا الدَّدُّ منّي» ، وقد مرَّ تفسيره ، وقال أبو عبيد : الدَّد اللهو واللَّعب : قال وقال الأحمر : في الدَّد ثلاثُ لُغاتٍ ، يقال : هذا دَدٌ على مثالي يَدٍ ودمٍ ، وهذا ددا على مثال قفا وعَصا ، وهذا دَدَنٌ على مِثال حزنٍ. ثعلب عن ابن الأعرابيّ : يقال :

دَدٌ ، ودَدا ، وديدٌ وديدانٌ وَدَدَنٌ ودَيْدَبون : اللهو ، الحراني عن ابن السكيت : ما أنا من ددي ولا ددي مِنِّيَهْ ، يريد ما أنا من الباطل ولا الباطلُ مني ، قال : ومن العرب من يَحذِفُ الياء فيقول : ما أنا من دَدٍ ولا دَدٌ مني ، وقال الليث : دَدٌ حكاية الاستنان للطَّرب ، وضَرْبِ الأصابع في ذلك ، وإن لم تضرب بعد الجري في بِطالةٍ فهو دَدٌ : وقال الطِّرِمَّاح :

واسْتَطْرَبت ظُعْنُهمْ لمَّا احْزَأَل بهم

آل الضُّحى ناشِطا من داعِبات دَدِ

أراد بالنَّاشط : شَوْقا نازِعا.

قال الليث : وأنشده بعضهم : من دَاعبٍ دَدِدِ.

قال : لمَّا جعله نَعْتا للدَّاعبِ كَسَعةُ بدال ثالثة لأن النَّعتَ لا يتمكَّن حتى يتم ثلاثة أحرف فما فوق ذلك فصار دَدِدٍ نَعْتا للداعب.

قال : فإذا أرادوا اشتقاق الفعل منه لم ينقَدْ لكثرةِ الدَّالاتِ ، فيفصلون بين حرفي الصَّدرِ بهمزة فيقولون : دَأَد يُدَأْدِدُ دَأْدَدةً ، وإنما اختاروا الهمزة لأنها أقوى الحروف ونحو ذلك كذلك.

دود ـ ديد : أبو عبيد عن الكسائيّ : دَادَ الطعامَ يَدَادُ وأَدَادَ يُدِيدُ.

وقال غيره : دَوَّد يُدَوِّد مثله إذا صار فيه الدُّود وأنشد :

قَدْ أَطْعَمَتْنِي دَقَلا حَوْليا

مُسَوَّسا مُدَوَّدا حَجَريا

وروى أبو زيد : ديد فهو مَدُود بهذا المعنى.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : الدُّوَّادِي مأخوذ من الدُّوَّاد وهو الخَضْفُ يخرج من الإنسان.

١٥٧

وقال غيره : دودةٌ واحدةٌ ودود كثيرٌ ثم ديدان جمع الجمع ، ودودانُ قبيلةٌ من بني أَسَدٍ.

دوا : قال شمر فيما قرأت بخطه : قال الأصمعيّ : الدَّوُّ المستوية من الأرض المنسوبة إلى الدَّوّ.

وقال ذو الرمَّة :

ودوّ ككف المشترِي غيرَ أنه

بِساطٌ لأخماسِ المراسيلِ واسعُ

أي هي مُستوية ككف الّذي يصافِق عند صَفْقَةِ البيع.

وقال غيره : دَوِّيّة وداوِيَّة إذا كانت بعيدة الأطراف مُستوية واسعة.

وقال العَجَّاج :

دَوِّيَّةٌ لِهَوْلِها دَوِيٌ

للريح في أَقْرابها هَوِيُ

ويقال : إنما سُمِّيت دَوِيَّةً لِدَوِيّ الصّوتِ الّذي يُسمع فيها ، وقيل : سمِّيت دَوِيَّة لأنها تُدَوِّي بِمَن صار فيها ، أي تذهب بهم ، ويقال : قد دَوَّى في الأرض وهو ذهابُه ، وقال رؤبة :

دَوّى بها لا يَعْذر العَلائلا

وهو يُصادي شزَّنا مَثَائِلا

دَوَّى بها مَرَّ بها يعني العَيْر وأنثه ، قال : وقال بعض العلماء : الدَّو أرضٌ مَسيرةُ أربعِ ليالٍ شِبْه تُرْسٍ خَاوِيَةٌ يُسار فيها بالنجوم ، ويُخاف فيها الضَّلالُ ، وهي على طريق البَصرة مُتَياسِرةً إذا أَصْعدت إلى مكة ، وإنما سمِّيت الدَّوَّ ، لأنَّ الفُرس كانت لَطَائمهم تجوز فيها فكانوا إذا سلكوها تَحَاضُّوا فيها بالجِدّ فقالوا بالفارسية : دَوْدَوْ ، قلت : وقد قطعتُ الدَّوَّ مع القِرامِطة أبادهم الله وكانت مَطْرَقَهم قافلين مِن الهبير فَسَقَوْا ظهرهم ، واستقوا بحَفَر أبي موسى الّذي على طريق البصرة وفَوَّزُوا في الدَّوِّ وَوَرَدُوا صبيحة خامسةٍ ماءً يقالُ له ثبرة ، وعَطَبت فيها بُخْتٌ كثيرة من إبِل الحاجّ لبلوغ العطش منها والكلال وأنشد شمر :

* بالدَّوِّ أَوْ صَحْرائِه القَمُوصِ*

قال : ويقال : داويَّة وداوَيةٌ بالتخفيف وأنشد لكثير :

أَجْواز داويَةٍ خِلال دِماثِها

جُدَدٌ صحاصحُ بينهن هُزُومُ

أبو عبيد عن الأصمعيّ : دوّى الفَحْل إذا سمعتَ لهديره دَويّا ، ودَوَّى اللبنُ والمَرَقُ إذا صارت عليه دوَاية.

وقال الليث : دوَّى الصوتُ يُدَوِّي تَدوِيَةً.

الأصمعيّ : صَدْر فلان دوٍ على فلان مَقصور ، ومثله أَرض دوِيَةٌ أي ذات أدواء.

قال : ورجل دَوًى ودوٍ أي مريض. وجمع الداءِ أدواء ، وجمع الدواء أدوية ، وجمع

١٥٨

الدَّواة دُوِيٌ.

قال الأزهري : الدَّوَى جمع دَوَاةٍ مقصور يكتب بالياء ، والدّوَى الداء مصدر يكتب بالياء وأنشد :

* إلَّا المقيمَ على الدّوَى المتأفِّنِ*

والدّوَى الضَّنَى مَقصور يكتب بالياء وقال :

* يُغضِي كإغضَاءِ الدَّوَى الزَّمِينِ*

والدَّوى الرجل الأحمق تكتب بالياء.

والدَّواءُ الّذي يُتَداوى بِهِ مَمدُود ، وأنشد :

وأَهْلك مُهْرَ أَبيك الدواءُ

فليس له مِنْ طعامٍ نصيبْ

أي أهلكه ترك الدواء.

وأَمْرٌ مُدَوٍّ إذا كان مُغَطّى ، وأنشد ابن الأعرابيّ :

وَلَا أَرْكَبُ الأمْرَ المُدَوِّي سادرا

بِعَمْياء حتى أَسْتَبِينَ وأُبصرا

ابن شميل عن أبي خَيْرة قال : الدَّويّة الأرْضُ الوَافِرَةُ الكلأ التي لم يُؤْكل منها شيء.

وقال الأصمعيّ : ماءٌ مُدَوٍّ وداوٍ إذا عَلَتْه قُشَيرةٌ ، وكذلك دوَّى اللَّبن إذا عَلَتْه قُشَيْرة ، ويقال للذي يأخذ تلك القُشَيْرَة : مُدَّوٍ بتشديد الدال وهو مفتعل والأول مُفَعِّل.

أبو عبيد عن الكسائي : داء الرجلُ فهو يَدَاءُ على مِثال شاء يشاء إذا صار في جَوْفِه الداء وإذا أَدْوَى.

وقال شمر : رجلٌ داءٌ ورجلان داءان ورجال أدواء.

قال : ورجلٌ دوًى مقصور مثل ضَنًى قال : دَاءَ الرجل إذا أصابه الداء ، وأداء يُدِيءُ إداءةً إذا اتهمته ، وأَدْوَى بمعناه.

وقال أبو زيد : داء يَدَاء ، وأداءَ يُديء إذا صار ذا داء ويقال : فلان مَيِّتُ الدّاء : إذا كان لا يَحْقِد على من يسيء إليه ، والدَّوَي الرجل الأحمق مقصورٌ وأنشد شمر :

وقد أَقُود بالدّوَي المزَمَّلِ

أَخْرسَ في السَّفْرِ بَقَاق المنزلِ

وقال الأصمعيّ : خَلَا بَطني من الطعام حتى سمِعْت دوِيّا لمسامعي ، وسمعت دوِيَ المطر والرَّعْد إذا سمعتَ صوتهما من بعيد.

وقال الليث : الدَّوَى داءٌ باطنٌ في الصَّدر وإنه لَدَوِي الصدر وأنشد :

* وَعَيْنُك تُبْدِي أن صدرَك لِي دوِي *

قال : والدِّواءُ ممدود هو الشِّفَاء ، يقال : دَاوَيته مُداواةً ، ولو قلتَ : دِواء كان جائزا ، ويقال : دُووِيَ فلانٌ يُداوَى فَتُظهر الواوين ولا تدغم إحداهما في الأخرى ، لأن الأولى هي مَدَّة الألف التي في دَاوَاه فكرِهوا أن يُدْغموا المدَّةَ في الواو ، فيلتبس فُوَعَلِ يفُعِّل.

قال : والدَّاءُ اسم جامعٌ لكل مَرض وعَيبٍ

١٥٩

ظاهرٍ وباطن حتى يقال : داءُ الشُّحِ أشدّ الأدواء ومنه قول المرأَةِ : كلُ داءٍ له داءٌ ، أَرادتْ كلَّ عَيْبٍ في الرجال فهو فيه ، وَرجلٌ داءٌ وامرأة داءة ، وفي لغة أخرى : رجلٌ دَيِّيءٌ وامرأةٌ ديِّئة على فَيْعَلٍ وفَيْعِلَة ، وقد داءَ يَدَاءُ دوْءا كل ذلك يقال ، قال : ودَوْءا أصوب لأنه يُحْمَل على المصدر.

وقال أبو زيد : يقال للرجل إذا اتهمتَه : قد أَدْوأتَ إدْواءً وَأَدَأتَ إداءَةً ، سمعتُها من العرب.

ويقال : داوَى فلان فرسَه دِواء بكسر الدال إذا سمَّنه وعَلَفه عَلَفا ناجِعا فيه ، وقال الشاعر :

وَدَاوَيْتُها حتى شَتَتْ حَبَشِيَّةً

كأَن عليها سُنْدُسا وسُدُوسا

دأي : قال أبو زيد : دَأَيْتُ له دَأْيا إذا خَتَلْتَه ، والذِّئْبُ يَدْأى لِلغَزَال وَيَدأَلُ ، وهي مِشْيَةٌ شَبيهةٌ بالختْل.

وقال الليث : دأى يَدْأَى دَأْيا ودأوا إذا خَتَل.

دأو : أبو زيد وغيره : دَأَوت ، أدْؤُو ، إذا خَتَلتَه وأنشد :

* دَأَوتُ له لآخُذه فهيهات الفَتَى حَذِرَا*

وهو مثل دأى يَدْأَى سواء بمعناه ويقال : الذِّئب يدْأَى للغزال أي يختل.

أود ـ أيد : قال الله جلّ وعزّ : (وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما) [البقرة : ٢٥٥] قال أهل التفسير وأهل اللغة معا : معناه لا يَكْرِثُهُ ولا يُثْقِلُه ولا يَشُقُّ عليه ، من آدَهُ يَؤُودُهُ أَوْدا ، وأنشد :

* إذا ما تَنُوءُ به آدها*

وأخبرني المنذريّ عن الحرَّانيّ أن ابن السكيت أنشده :

إلى ماجِدَ لا يَنْبَحُ الكلبُ ضَيْفَهُ

ولا يَتَآداهُ احتمال المغارم

قال : لا يتآداه ، لا يُثقِلُه أراد ، يتآوَده فَقَلَبَه.

أبو عبيد : المُؤْيِد بوزن مُعْيِد الأمْرُ العظيم ، وقال طَرَفَة :

* أَلَسْتَ تَرَى أَنْ قَدْ أَتَيْتَ بمُؤْيِد*

وجَمَعه غيرُه على مآوِد جَعَله من آدهُ يَؤُوده أَوْدا إذا أَثْقَلَهُ ، وتَأَوَّدَ إذا تَثَنَّى ، وقال الشاعر :

* تَأَوَّد عُسْلُوجٍ على شَطِّ جَعْفَرٍ*

وقال أبو زيد : تأيَّدَ أَيْدا إذا اشتد وقَوِيَ ؛ وقال الأصمعيّ : آد العود يَؤُوده أَوْدا إذا حَناه ، وقد انآد العود يَنآد انئيادا فهو مُنْآد ، إذا تَثَنَّى واعْوَجَّ.

وقال العَجَّاج :لم يَكُ يَنْآد فأَمسى انآدا.

ويقال : آدَ النهارُ فهو يَؤُود أَودا إذا رَجَع في العَشِيِّ ، وأنشد ابنُ السكيت :

ثم يَنُوشُ إذا آدَ النهارُ لَهُ

على التَّرقُّبِ من هَمٍّ ومن كَتْمِ

١٦٠