تهذيب اللغة - ج ١٣

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ١٣

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٢

أُنيسِيانا.

وإذا قالوا : أَناسِينُ فهو جمعٌ بيّنٌ ، مِثْل بُسْتان وبَساتِين.

وإذا قالوا : (أَناسِيَ كثيرا) فخفّفوا الياء وأَسقَطوا الياء الّتي تكون ما بينَ عَيْنِ الفِعل ولامِه ؛ مثل قرَاقِير وقَراقِر ، ويُبيِّن جَوازَ أَناسِي بالتخفيف قولُ العَرَب : أناسِيَةٌ كثيرة ، والواحد إِنْسِي وإنسان إِن شئتَ.

وأخبرَني المنذريُّ عن أبي الهيثم أنّه سألَه عن النّاس ما أصلُه؟ فقال : أصلُه الأُناس ، لأن أصلَه أُناسٌ ، فالألف فيه أصليّة ، ثم زيدتْ عليه اللّامُ الّتي تُزاد مع الألف للتعريف ، وأصلُ تلك اللامِ سكون أبدا إلّا في أحرفٍ قليلةٍ ، مِثل الاسم والابن وما أشبهَهَا من الألِفَات الوَصْليَّة ، فلما زادُوهُما على أُناس صار الاسم الأُنَاسُ ، ثم كثرتْ في الكلام فكانت الهمزةُ واسطةً ، فاستثْقلُوها فتركُوها ، وصارَ باقِى الاسم أَلُنَاس بتحريك اللّام في الضمّة ، فلمّا تحرّكت اللّام والنّون أَدغَموا اللّام في النّون فقالوا : النّاس ، فلمّا طَرَحوا الألفَ واللّام ابتدأوا الاسمَ فقالوا : قال ناسٌ من النّاس.

قلتُ : وهذا الذي قاله أبو الهَيْثم تعليلُ النحويِّين ، وإنسانٌ في الأصل : إنْسِيَان وهو فِعْليانٌ من الإنس ، والأَلِفُ فيه فاءُ الفِعل ، وعلى مِثالِه : حِرْصِيان : وهو الجِلْد الّذي يلي الجِلْدَ الأعلى من الحيوان ، سُمِّي حِرْصِيانا لأنّه يُحرَص ، أي : يُقشَر ، ومنه أُخِذت الحارِصَةُ من الشِّجاج ، ويقال : رجلٌ حِذْرِيان إذا كان حَذِرا.

وإنّما قيلَ في الإنسان : أصلُه إنْسِيَان لأنّ العَرَب قاطبةً قالوا في تَصغِيره أنيْسِيَان ، فدَلّت الياءُ الأخيرةُ على الياء في تكبيره ، إلّا أنّهم حذفوها لمّا كثُر الإنسان في كلامِهم.

وقال أبو الهَيْثم : الإنْسانُ أيضا : إنسانُ العَيْن ، وجمعُه أَناسِيُ.

وقال ذو الرُّمّة :

إذا استجْرَسَتْ آذانُها استأنَستْ لها

أَناسِيُ مَلْحودٌ لها في الحَواحِبِ

قال : والإنْسان : الأَنمُلةُ.

وأَنشَد :

تَمْرِي بأَسنانِها إنسَانَ مُقْلتِها

إنسانَةٌ في سَوادِ اللّيل عُطْبُول

وقال آخَر :

أشارتْ لإنسانٍ بإنسانِ كَفِّها

لتَقْتُلَ إنسانا بإنسانِ عَيْنِها

قلت : وأصلُ الإنس والأَنَس والإنسان : من الإيناس وهو الإبصار ، يقال : أَنَسْتُهُ وأَنِسْتُه : أي : أَبْصَرْته.

وقال الأعشى :

لا يَسمَع المرءُ فيها ما يُؤَنِّسُه

باللَّيْل إلا نَئِيمَ البُوم والضُّوَعا

٦١

وقيل معنى قوله : ما يؤنِّسه ، أي : يجعَلَه ذا أُنس.

وقيل للإِنْس إنْسٌ لأنّهم يُؤْنَسون : أي : يُبْصَرون ، كما قيل للجِنّ جِنّ لأنهم لا يُؤنسُون : أي : لا يُرَوْن.

وقال محمد بن عَرَفة الملقب بنفطويه وكان عالما سمِّيَ الإنْسِيُّون إنْسيِّين لأنّهم يُؤْنسون ، أي : يُرَوْن ، وسمِّيَ الجِنُّ جِنّا لأنهم مُجْتَنُّونَ عن رؤية الناس ، أي : مُتَوارُون.

والإنْسِيّ من الدَّوابّ كلها : هُوَ الجانبُ الأيسَر الذي منه يرْكَبُ ويُحتَلَب ، وهو من الإنسانِ : الجانب الّذي يلي الرِّجْلَ الأخرى. والوَحْشِيّ من الإنسان : الجانبُ الذي يلي الأرضَ ، وقد مرَّ تفسيرُهما في كتاب الحاء.

وقال اللّيث : جاريةٌ آنِسَة : إذا كانت طَيّبة النَّفْس ، تُحِبُّ قُرْبك وحديثَك ، وجمعُها الآنَسَات والأوانِسُ.

أبو العبّاس عن ابن الأعرابيّ : الأنيسة والمأنوسة : النار ؛ ويقال لها : السَّكَن ، لأن الإنسان إذا آنسها لَيْلا أنِسَ بها وسكَن إليها ، وزالت عنه الوحْشة ، وإن كان بالبلد القَفْر.

عَمْرو عن أبيه : يقال للديك : الشُّقَرُ والأنيس والبَرْنيّ.

سلمة عن الفرّاء : يقال للسلاح كلِّه من الدِّرع والمِغْفَر والتِّجفَاف والتَّسْبِغَةِ والتُّرْس وغيرها المؤْنِسَات.

وقال اللّحياني : لغةُ طيّء ما رأيتُ ثَمَ إيسانا.

قال : ويَجمعونه أياسِين.

قال : وفي كتاب الله : (يا سين وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) بلُغة طيء.

قلتُ : وقولُ أكثرِ أهلِ العلم بالقرآن إن (يسن) من الحروف المقطَّعة.

وقال الفرّاء : العرب جميعا يقولون : الإنسان ، إلا طيّئا فإنهم يجعلون مكانَ النون ياءً فيقولون : إيسَان ، ويجمعونه أياسين.

قلت : وقد حدّث إسحاق عن رَوْح عن شِبْل عن قَيس بن سعد أنَّ ابن عباس قرأ : (يا سين وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) يريد يا إنسان.

نوس : يقال : ناسَ الشيءُ يَنوس نَوْسا ونَوْسانا : إذا تحرك متدلِّيا.

وقيل لبعض ملوك حِمْيَر : ذو نُوَاس ، لضفيرتين كانتا تَنُوسان على عاتِقَيْهِ.

وفي حديث أمِّ زرْع ووصفها زوجَها : أَناسَ من حُلِيِّ أُذنَيَّ ، أرادت : أنه حَلّى أُذُنيها قِرطةً تَنُوس فيهما.

ويقال للغصن الدقيق : تهبّ به الرِّيح فتهزُّه : هو ينوس وينود وينُوع نَوَسانا ، وقد تَنَوَّسَ وتنَوّعَ بمعنى واحد.

وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه

٦٢

قال : الموسونة : المرأة الكسلانة.

باب السين والفاء

س ف (وا يء)

سوف ـ سفا ـ وسف ـ أسف ـ فأس ـ سأف ـ سيف ـ فسا : [مستعملة].

سوف : أبو العباس عن ابن الأعرابيّ : سافَ يَسُوف سَوْفا : إذا شَمَّ.

قال : وأنشدنا المفضَّل الضبي :

* قالت وقد سافَتْ مِجَذِّ المِرْوَدِ*

قال : المِرْوَد : الميل ، ومِجذُّه : طرفه ، ومعناه : أن الحَسناء إذا كحلَتْ عينيْهَا مَسَحت طرفَ المِيل بشفتيها ليَزْدَاد حُمّة ، أي : سوادا.

قال : والسَّوْفُ : الصّبْر ، وأنه لمسوِّفٌ ، أي : صبورٌ ، وأنشد المفضل :

هذا ورُبَ مسوِّفين صَبَحْتُهُمْ

من خَمْرِ بابل لَذَّة للشارِبِ

أبو عبيد عن أبي زيد : سَوَّفْتُ الرجلَ أمري تَسْوِيفا ، أي : ملكته أَمري ، وكذلك سَوَّمْتُهُ.

وقال أبو زيد : يقال : سافٌ من البناءِ وسافاتٌ وثلاثة آسُف ، وهي السُّوف.

وقال الليث : السافُ : ما بين سافات البِناء ، ألِفُه واو في الأصل.

وقال غيره : كلُّ سطْر من اللبِن أو الطِّين في الجدارِ : سافٌ ومِدْمَاكٌ.

وقال الليث : التسويف : التأخير ، من قولك : سَوْفَ أفعل.

وفي الحديث : أنَّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعن المسَوِّفة من النساء : وهي التي تدافع زوجها إذا دعاها إلى فراشه ، ولا تقضي حاجتَه.

وقال الليث : السواف فثا يقع في الإبل ، يقال : إساف الرجال : إذا هلك ماله.

قال : والأسواف : موضعٌ بالمدينة معروف.

الحرّاني عن ابن السكّيت : أَسافَ الرجل فهو مُسيف : إذا هلَك مالُه ، وقد سافَ المالُ نفسهُ يَسوفُ : إذا هلَك.

ويقال : رماهُ اللهُ بالسَّواف ، هكذا أرواه عن أبي عمرو بفَتْح السين.

قال : وسمعتُ هشاما يقول لأبي عمرو : إن الأصمعيّ يقول : السُّواف ، بالضم ، والأدْواء كلُّها جاءت بالضّمّ. فقال أبو عمرو : لا ، هُو السَّوَاف.

قال : وساف الشيءَ يَسُوفُه سَوْفا : إذا شَمَّه.

وقال اللّيث : المسافةُ : بُعد المفازَة والطريق.

وقال غيرُه : سُمّيَ مسافةً لأنّ الدّليلَ يستدلّ على الطريق في الفَلاة البعيدة الطَّرَفين بِسَوْفِه تُربتَها ، ومنه قول رؤبة :

* إن الدَّليلَ استافَ أَخلاق الطُّرُقْ*

وقال امرؤ القيس فيه أيضا :

على لاحبٍ لا يُهْتَدَى بمَنارِه

إذا سَافَهُ العَوْدُ الذِّيافِيُّ جَرْجَرا

٦٣

قوله : «لا يُهتَدَى بمَناره» يقول : ليس له مَنارٌ يُهتَدَى بها ، وإذا ساف الجمل تُربته جَرْجَر جَزَعا مِن بُعدِهِ وقلّة مائه.

أبو عُبيد : أَسافَ الخارِزُ يُسيف إسافةً ، أي : أَثْأى فانخَرَمَت خُرْزَتان ، ومنه قولُ الرّاعي :

مَزائدُ خَرْقاءِ اليَدَيْنِ مُسيفَةٍ

أخَبَّ بهنَّ المُخْلفانِ وأحفَدَا

وسف : قال الليث : الوَسفُ : تَشَقُّقٌ في اليد ، وفي فخذِ البَعير وعَجُزه أوّلَ ما يبدأ عند السِّمَن والاكتناز ، ثم يَعُمّ جسدَه فيتَوسف جِلْدُه ، أي : يتقشر وربما توسف الجلد من داءٍ أو قُوباء.

أبو عبيد عن أبي عمرو : إذا سقَطَ الوَبر أو الشَّعَر من الجلد وتغيَّر قيل : تَوَسف.

وقال اللّحياني : تَحسفَتْ أوبارُ الإبل وتوسَّفَتْ ، أي : طارَتْ عنها.

سلمة عن الفرّاء : وسَّفته ولَتّحْتُه : إذا قَشَرْتَه ، وتمرةٌ مُوسفَةٌ مقشورة.

سفا : قال الليث : الرِّيح تَسفِي التّراب سفْيَا وتسفِي الورق اليبيس سفيا.

قال : والسافِياءُ : هي الرِّيح التي تَحمِل تُرابا كثيرا على وَجه الأرض تَهْجُمُه على النَّاس.

قال أبو دُواد :

ونُؤْى أَضَرَّ به السافياء

كدَرْسٍ من النُّونِ حينَ امَّحَى

قال : والسَّفا هو اسمُ كلِّ ما سَفَتِ الرِّيحُ من كلِّ ما ذكرْت.

وقال أبو عمرو : السَّفَا : اسمُ التُّرابِ وإن لَم يَسْفِهِ الرِّيح ، قال الهذلي :

وقد أرْسَلوا فُرّاطهم فتأثَّلُوا

قَليبا سَفاها كالإماءِ القواعد

يصف القبر وحُفاره.

وقال ابن السكّيت : السَّفا جمعُ سَفَاةٍ ، وهي تُراب القَبر ، والبِئْر ، وأنشد :

ولا تَلمِس الأُفعى يداكَ تُريدها

ودَعْها إذَا ما غيَّبتها سفَاتُها

قال : والسّفَا : شَوك البَهمَى : الواحدةُ سَفَاةٌ ، والسَّفا : ما سفت الريح عَلَيكَ من التُّرَابِ ، وفعل الرِّيح السّفيُ ، والسّفا : خِفَّة الناصِية.

يقال : نَاصيةٌ فيها سَفا ، وفَرَسٌ أَسَفَى : خفيف النّاصِية ، وأنشد أبو عبيد :

ليس بأسْفى ولا أَقْنَى ولا تَغَلٍ

يُسقى دواء قفِيّ السُّكن مَربُوب

قال : والسّفْوَاء من البِغال السريعةُ ، ومِنَ الخَيْل القليلة الناصية ، حكاه أبو عُبَيد عن الأصمعيّ ، وأنشد في صفة بغلة :

جاءَتْ به مُعْتَجِرا ببُرْدِهِ

سَفْواءُ تَخْدِي بنَسِيج وَحْدِهِ

وقال أبو عَمْرو : السافِيات : تُرابٌ يَذهَب مع الرّيح ، والسَّوافي من الرِّياح : اللَّواتي يَسفِين التُّراب.

٦٤

قال : والسفا : تراب البئر.

أبو العباس عن ابن الأعرابي قال : أَسْفَى الرَّجلُ : إذا أَخَذَ السَّفَى ، وهو شَوْكُ البُهْمَى ، وأَسْفَى : إذا نَقَل السَّفَا ، وهو التُّراب. وأَسْفَى : إذا صار سَفِيّا ، أي : سَفِيها.

وقال اللحياني : يقال للسَّفِيه سَفِيٌ بَيّن السَّفاءَ ممدود. والسفا : الخِفَّة في كلّ شيء ، وهو الجَهْل ، وأَنشد :

* قَلائصُ في ألْبانِهِنْ سَفَاءُ*

أي : في عُقولهِن خِفّة.

وسَفَوانُ : ماءٌ على قَدْر مَرحلةٍ من باب المِرْبَد بالبَصْرة ، وبه ماءٌ كثيرُ السَّافي وهو التراب وأَنشَدَنِي أعرابيّ :

جارِيَة بسَفوانَ دارُها

تمْشي الهُوَيْنَى مائِلا خِمارُها

فسا : قال الليث : الفَسْوُ : معروف ، الواحدة فَسْوَة ، والجميع الفُسَاء ، والفِعْل فَسَا يَفْسُو فسوا.

قال : وعبدُ القيس يقال لهم : الفُساةُ والفَسْو ، يُعرَفون بهذا ، ويقال للخُنْفساء : الفَسَّاءة لنَتْنِها. وفسا فَسْوَةً واحدةً ، والعَرَب تقول : أَفْسَى مِن الظَّرِبان ، وهي دابة تجيء إلى جُحر الضّبّ فتَضَع قَبَّ اسْتِها عند فَم الجُحْر ، فلا تزال تَفْسو حتى تستخرِجَه ، وتصغِير الفَسْوَة فُسَيَّة.

وقال أبو عُبَيد في قول الراجز :

* بِكْرا عَوَاساءَ تَفاسَى مُقْرِبَا*

قال : تَفاسَى : تُخرِج استَها ، وتَبازَى : تَرفَع أَلْيَتَها.

وحكى غيرُه عن الأصمعيّ أنه قال : تفَاسأَ الرجُل تَفاسُؤاً ـ بالهمز ـ : إذا أَخرَج ظَهْرَه ، وأنشد هذا الرَّجزَ غيرَ مهموز.

أبو العبَّاس عن ابن الأعرابيِّ : الفَسأُ : دُخولُ الصُّلْب. والفَقَأُ : خُرُوجُ الصَّدْر ، وفي وَرِكَيْه فَسَأٌ ، وأنشد :

* بناتىء الْجَبْهَة مَفْسُوء القَطَنْ*

أبو عُبيد عن أبي عمرو : إذا تَقطَّع الثوبُ وبَلِيَ قيل : قد تَفسَّأَ. وقال الكسائيّ مثله.

قال : ويقال مالك : تَفْسأ ثَوْبَك.

وقال أبو زيد : فسأْتُه بالعَصا ووطأْته : إذا ضربتَ بها ظَهْرَه.

سأف ـ (سيف): أبو عُبَيد عن الكسائي : سَئِفَتْ يدُه وسَعِفَتْ : وهو التَّشَعُّثُ حَولَ الأظفار والشُّقاق.

وروى أبو العبَّاس عن ابن الأعرابيّ : سَئِفَتْ أصابعُه وشئفت بمعنًى واحدٍ.

أبو عُبيدة : السأَفُ على تقدير السّعَف شَعرُ الذّنَب والهُلْب ، والسائِفةُ : ما استرَقَّ من أَسافلِ الرَّمل ، وجمعُها السَّوائف.

وقال الليث : يقال : سَئِفُ اللِّيفِ ، وهو ما كان ملتزِقا بأصول السَّعَف من خِلالِ اللَّيف ، وهو أَردؤُه وأخشَنُه ، لأنه يُسأَفُ من جوانب السَّعَف فيصير كأَنّه لِيف وليس به ، ولُيِّنَتْ همزتُه ، وقد سَئِفَتِ النخلةُ.

وقال الراجز يصف أذنابَ اللِّقاح :

٦٥

كأنما اجْتُثَّ على حِلَابِها

نخلُ جُؤاثى نِيلَ من أَرْطابِها

* والسِّيفُ واللِّيف على هُدَّابها*

قال : والسِّيف : ساحلُ البحر.

قال ابن الأعرابيّ : السِّيف : الموضع النّقِيُّ من الماء ، ومنه قيل : درهمٌ مُسَيَّف : إذا كان له جوانبُ نقيّةٌ من النّقْش.

وقال الليث : السَّيْف معروف وجمعُه سُيوف وأَسْياف.

وقال شَمِر : يقال لجماعة السُّيوف : مَسْيَفَة ، ومِثْلُه مَشيخَة للشيوخ ، ويقال : تَسايَفَ القومُ واستَافُوا : إذا تَضارَبوا بالسُّيوف.

أبو عُبيد عن الكسائيّ : المُسِيف : المتقلِّد بالسَّيْف ، فإذا ضَرَب به فهو سائف. وقد سِفْتُ الرجلَ أُسِيفُه.

وقال الفرَّاء : سِفْتُه ورَمَحْتُه.

وقال الليث : جارية سَيْفانةٌ ، وهي الشطبَة ، كأنها نَصْلُ سَيْف ، ولا يُوصَف به الرجُل.

سَلَمة عن الفرَّاء قال الكسائي : رجل سَيْفَانُ وامرأة سَيْفَانةٌ : وهو الطويل المَمْشوق.

أسف : قال الله تعالى : (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ) [الزخرف : ٥٥] ، معنى : آسَفُونا : أغضَبونا ، وكذلك قولُه تعالى : (إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً) [الأعراف : ١٥٠] ، والأسيفُ والأسِفُ : الغَضْبان.

وقال الأعشى :

أرى رَجُلا منهمْ أسِيفا كأَنما

يَضُمُّ إلى كشَحْيَهْ كَفّا مُخَضّبا

يقول : كأَن يدَه قُطِعت فاختَضَبتْ بدَمِها فيَغضَب لذلك ، ويُقَال لمَوْتِ الفَجْأَة : أَخْذَةُ أَسَف.

وفي حديثِ عائشةَ أنها قالت للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين أَمر أبا بكرٍ بالصلاة في مَرضهِ : إن أبا بكرٍ رجلٌ أَسِيف ، فمَتى ما يَقُمْ مَقامَك يَغْلِبْهُ بُكاؤه.

قال أبو عُبيد : الأَسيف : السَّريع الحُزن والكآبة في حديث عائشة. قال : وهو الأَسُوف والأسِيف.

قال : وأَما الأَسِف : فهو الغَضْبان المتلهِّف على الشيء ، ومنه قول الله جلّ وعزّ : (غَضْبانَ أَسِفاً).

قال : ويقال من هذا كله : أسفْتُ آسفُ أَسفا.

وقال أبو عبيد : والأسِيف : العَبْد ، ونحو ذلك.

قال ابن السكّيت : وقالا معا : العَسِيف : الأَجِير.

وقال الليث : الأَسَف في حال الحُزْن وفي حال الغَضَب : إذا جاءك أمرٌ ممّن هو دُونَك فأنتَ أَسِف ، أي : غَضْبان ، وقد آسَفَك ، وإذا جاءك أمرٌ فحَزِنْتَ له ولم تُطِقْه فأنتَ أَسِف ، أي : حزين ومتأسِّف أيضا.

٦٦

قال : وإِسافٌ : اسمُ صَنَم كان لقُرَيش ، ويقال : إن إسافا ونائلة كانَا رجلا وامرأة دَخَلا الكعبة فَوجدا خَلْوة فأَحدَثَا ، فمسخَهما الله حَجَرين.

وقال الفرّاء : الأسافَة : رقّة الأرضِ ، وأَنشَد :

* تحَفُّها أَسافَةٌ وجَمْعَرُ*

ويقال للأرض الرّقيقة : أَسِيفة.

ورَوَى أبو العبّاس عن ابن الأعرابي : سَفَا : إذا ضَعُف عَقْلُه ، وسفا : إذا خَفَّ روحُهُ ، وسَفَا : إذا تعَبَّد وتواضَع لله ، وسَفَا : إذا رَقَّ شَعرهُ ، وجَلِحَ لغةُ طيّء.

فأس : قال الليث : الفَأس : الّذي يفلق به الحَطَب ، يقال : فأَسَه يَفْأَسُه ، أي : يَفْلِقُه.

قال : وفأْسُ القَفَا : هو مؤخَّر القَمحْدُوَة.

وفَأَسُ اللّجام : الّذي في وَسَط الشَّكِيمة بين المسْحَلَين.

وقال ابن شُميل : الفَأْسُ : الحَديدةُ القائمة في الشَّكِيمة ، ويُجمَع الفأس فُؤوسا.

باب السين والباء

س ب (وا ىء)

سيب ـ سبي ـ وسب ـ يبس ـ بسأ ـ بيس ـ أسب ـ أبس ـ سأب ـ بأس ـ سبأ : [مستعملة].

سيب : الحراني عن ابن السكّيت : السَّيْب : العَطاء ، والسِّيبُ : مَجرَى الماء ، وجمعُهُ سُيُوب. وقد سابَ الماءُ يَسِيب : إذا جَرَى.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : سابَ الأَفعَى وانسابَ : إذا خَرَج من مَكمَنِه.

وقال الليث : الحيّة تَسِيب وتَنْساب إذا مَرّت مستمرّة.

قال : وسَيّبْتُ الدابّة أو الشيءَ : إذا تركْتَهُ يَسيب حيث شاء.

وفي حديث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وفي السُّيُوب الخُمس».

قال أبو عُبيد : السُّيوب : الرِّكاز ، ولا أُراه أُخِذ إلّا من السَّيْب وهو العَطِيّة. يقال : هو من سَيْب الله وعَطائه.

وأَنشَد :

فما أنا من رَيْبِ المَنون بجبَّاءِ

وما أنا مِنْ سَيْبِ الإله بآيِسِ

وقال أبو سَعيد : السُّيُوب : عُروقٌ من الذَّهب والفضّة تَسِيب في المَعدِن ، أي : تَجرِي فيه ؛ سُمّيتْ سُيوبا لانسيابها في الأرض.

وقال الله جلّ وعزّ : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ) [المائدة : ١٠٣] الآية.

قال أبو إسحاق : كان الرجلُ إذا نَذَرَ لقُدومٍ من سَفَرٍ أو لبُرْءٍ من مَرَض أو ما أَشْبَه ذلك قال : ناقتي سائبة ، فكانت لا يُنتَفع بظهرها ، ولا تخلَّى عن ماء ولا تُمنَع من مَرْعى.

وكان الرجلُ إذا أعتَقَ عَبْدا قال : هو سائبة ، فلا عَقْلَ بينهما ولا ميراث.

وقال غيره : كان أبو العالية سائبةً ، فلمّا

٦٧

هلك أُتِيَ مولاه بميراثه فقال هو : سائبةٌ ، وأبَى أن يأخُذَه.

وقال الشافعيّ رضي‌الله‌عنه : إذا أعتَق عبدَه سائبةً فماتَ العبدُ وخَلَّفَ مالا ، ولم يَدَعْ وارِثا غيرَ مولاه الّذي أَعتَقَه فميراثُه لمُعتِقه ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جَعَل الوَلَاء لُحْمةً كلُحْمة النسب، فكما أن لُحْمة النَّسب لا تَنقَطع ، كذلك الوَلاء.

وقد قال عليه‌السلام : «الوَلاء لمن أَعتَق».

ورُوِي عن عُمَر أنّه قال : السائبة والصَّدَقة ليَوْمِهما ؛ يريد : يومَ القيامة ، واليومِ الّذي أعتَقَ سائِبَتَه وتصَدَّق بصدقته فيه. يقول : فلا يَرجعُ إلى الإشفاعِ بشيء منها بعد ذلك في الدنيا.

قال : وذلك كالرَّجُل يُعتِق عبدَه سائبةً فيموتُ العبد ويَترك مالا ولا وارثَ له ، فلا يَنبغِي لمعتِقه أن يَرْزأ مِن مِيراثِه شيئا ، إلّا أن يَجعَلَه في مِثْلِه.

ويقال : سابَ الرجلُ في مَنطقِه : إذا ذَهَب فيه كلَّ مَذْهب.

أبو عبيد عن الأصمعيّ قال : إذا تَعقَّد الطَّلْع حتى يَصيرَ بَلَحا فهو السَّيَاب ـ مخفّف ـ واحدتهُ سَيَابة. قال : وبهذا سُمِّيَ الرجلُ سَيابة.

قال شمر : هو السَّدَى والسَّدَاءُ ـ ممدودٌ بلُغةِ أهل المدينة ، وهي السَّيَابةُ بلُغة وادي القُرَى.

وأَنشَد قولَ لبيد :

* سَيَابةٌ ما بها عَيْبٌ ولا أَثَرُ*

قلتُ : ومن العَرَب مَن يقول سُيَّاب وسُيَّابةٌ.

وقال الأَعشَى :

* تخالُ نكْهَتَها باللَّيلِ سُيَّابَا*

عمرو عن أبيه : السَّيْبُ : مُردِيُّ السفينة.

سبي : ثعلب عن ابن الأعرابيّ : سَبَاه يسْبِيه : إذا لَعَنه ، ونحو ذلك.

قال أبو عُبيد ، وأَنشَد :

* فقالت سَباكَ اللهُ*

ابن السكيت : يقال : ما له سباه الله ، أي : غربه. ويقال : جاء السيل بعودٍ سبي : إذا احتمله من بلد إلى بلد. وأنشد :

* فقالت سباك الله*

أبو العبّاس عن ابن الأعرابيّ : السَّباءُ : العودُ الّذي يَحمله السَّيْلُ من بَلَد إلى بَلَد ، قال : ومنه أُخِذَ السِّباء ، يُمَدّ ويُقصَر.

قال : والسَّبْيُ : يَقَع على النِّساء خاصّة ، يقال : سَبْيٌ طيّبة : إذا طابَ مِلْكُه وحَلَّ.

وكل شيء حمل من بلد إلى بلد فهو سبي ، وكذلك الخمر ، قال الأعشى :

فما إن رَحيق سَبَتْها التِّجا

رُ منْ أذرعات فوادي جَدَر

وقال لَبيد :

عتيق سلافات سبتها سفينة

تكرّ عليها بالمزاج النَّياطلُ

٦٨

أي : حملتها. وسبأت الخمر بمعنى شربت. وقال الشاعر في السيل :

تقضُّ النبع والشريان قضا

وعُود السِّدر مقتضبا سبيّا

والعَرَب تقول : إنَّ الليلَ لطويلٌ ولا أُسْبَ له. قال ابن الأعرابيّ : معناه ليس لي هَمٌّ فأكون كالسَّبْيِ له ، وجُزِم على مَذهَب الدُّعاء.

وقال اللحياني : ولا أُسْبَ له ، أي : لا أكون سَبْيا لبَلائه.

أبو عبيد : سباك الله يَسبيك ، بمعنى لعنك الله.

قال شمر : معناه : سلّط الله عليك من يسبيك ، ويكون أخذك الله.

وفي «نوادر الأعراب» : تَسبَّى فلانٌ لفلان : ففَعَل به كذا ، يعني التحبُّبَ والاستمالة.

وقال الليث : السَّبْي معروف ، والسَّبى الاسم. وتسابَى القومُ : إذا سَبَى بعضُهم بعضا ، يقال : هو لا سَبْيٌ كثير ، وقد سَبَيْتهُم سَبْيا وسباء. والجارية تَسبي قلبَ الفَتَى وتَسْتَبيه ، ورُوِي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «تِسعةُ أعشراءِ الرِّزْق في التِّجارة ، والجزء الباقي في السّابِياء».

قال أبو عبيد : قال الأصمعي : السابِياء : هو الماء الّذي يَخرُج على رأس الوَلَد إذا وُلِد ، ونحو ذلك قال الأحمر.

قال أبو عبيد : وقال هُشَيم : معنى السّابِياء في الحديث : النِّتاج.

قال أبو عبيد : الأصل في السّابِياء ما قال الأصمعي ، والمعنى يَرجِع إلى ما قال هُشَيم.

قلت : أراد أنّه قيل للنِّتاج السّابِياء للماء الذي يَخرُج على رأس المولود إذا وُلد.

وقال الليث : إذا كثُر نَسلُ الغَنَم سمّيَت السّابياءَ ، فيقع اسمُ السّابياء على المال الكثِير ، والعدَدِ الكثير ، وأنشدَ في ذلك قوله :

أَلمْ تَرَ أنّ بَنِي السّابِياءِ

إذا قارَعُوا نَهْنَهوا الجُهَّلَا

وقال أبو زيد : إنه لَذُو سَابِياء : وهي الإبلُ وكثرةُ المال والرجال.

وقال في تفسير هذا البيت : إنّه وصَفَهم بكثرة العَدَد.

ابن بزرج : إبل سابياء : إذا كانت للنِّتاج لا للعمل.

وقال المبرّد : القاصعاء من جِحرة اليربوع يقال له السّابِياء.

وقال : سمّي سابياء لأنه لا يُنفذه فيُتبقى بينه وبين إنفاذه هَنةً من الأرض رقيقة.

قال : وأخذ من سابياء الولد ، وهي الجلدة التي تخرج مع الولد من بطن أمه ، وهذا غلط ، لأن السابياء هو ماء السلَى ؛ ولكنه مأخوذ من سَبِيّ الحبة ، وهو جلدهُ الَّذي يَسلخه.

أبو عبيد : الأسابيّ : الطَّرائِقُ من الدَّمِ ،

٦٩

قال سَلامة بنُ جَنْدَل :

والعادياتِ أَسابيُ الدِّماءِ بها

كأنّ أعناقَها أنْصابُ تَرجيبِ

وقال غيره : واحدُها أُسْبيَّة.

قلتُ : والسَّبِيَّة : اسم رَمْلة بالدَّهناء.

والسَّبِيّةُ : دُرَّةٌ يخرجها الغَوَّاص من البحر ، وقال مُزَاحم :

بلَدَتْ حُسَّرا لم تَحْتَجِبْ أو سَبيَّةً

من البحر بَزَّ القُفْلُ عنها مُفِيدها

وسَبِيُ الحية : جلْدُه الذي يسلُخُه.

وقال الراعي :

يُجَرِّرُ سِربا لا عليه كأنه

سَبيُ هلالٍ لم تُقَطَّعْ شرانِقُهُ

أراد بالشَّرَانق ما انسلخَ من خِرْشائه ، ويقال لواحد أسابيّ الدم إِسْبَاءَةٌ والإسباءةُ أيضا خيط من الشَّعر ممتدّ ، وأسابيُ الطريق شَركه وطرائقه الملحوبة.

أبو عُبيد : سبَاك اللهُ يَسْبيك بمعنى : لَعَنك الله.

وقال شمر : معناه : سَلّط اللهُ عليك من يَسْبِيك ويكون أَخذك الله.

يبس : قال الليث : اليُبْس : نقيضُ الرُّطوبة ، ويقال لكلّ شيء كانت النُّدُوَّةُ ، والرّطوبة فيه خلقةً فهو يَبِيسُ فيه يُبْسا ، وما كان ذلك فيه عرَضا.

قلت : جَفَّ يُجِف وطريقٌ يَبْسٌ : لا نُدُوَّة فيه ولا بلل. واليبيس من الكلأ : الكثيرُ اليابسُ. وقد أيْبَسَت الأرضُ ، وأَيْبَسَت الخُضر ، وأرضٌ موبسة. والشَّعَر اليابسُ أردؤه ولا يُرى فيه سَحْج ولا دُهْن.

ووجْهٌ يابس : قليلُ الخير.

ويقال للرجل : ايبسْ يا رجل ، أي : اسْكُتْ ، والأيابس : ما كان مِثل عُرْقُوبٍ وساقٍ. والأيْبَسَان : عظما الوظيفين من اليدِ والرِّجل.

وقال أبو عُبَيدة في ساقَيِ الفرس أَيْبَسان ، وهُما ما يَبس عليه اللحمُ من الساقين ، وقال الراعي :

فقلتُ له : ألْصِق بأيْبس ساقِها

فإن تَجْبُر العرقوب لا تَجبُر النَّسا

قال أبو الهيثم : الأيْبسُ : هو العظم الذي يقال له الظنبوب ، الذي إذا غمزته من وسط ساقك آلمك ، وإذا كُسر فقد ذهب الساق ، وهو اسم ليس بنعت.

أبو عبَيد عن الأصمعي : يبيس الماء : العَرق.

وقال بشر يصف الخيل :

تراها من يبِيسِ الماء شُهبا

مُخَالِطَ دِرَّةٍ منها غِرارُ

أبو عُبَيدة عن الأصمعيّ : يقال لما يبس من أحْراز البقول وذكورها : اليَبيس ، والجفيف ، والقَفُّ. وأما يبيسُ البَهْمى فهو العرب والصُّفار.

قلت : ولا تقول العرب لما يَبس من الحَلِيّ والصِّلِّيان والحلمة يَبيس ، إنما

٧٠

اليبيس ما يبس من العُشب والبقول التي تتناثر إذا يَبستْ ، وهو اليُبْس واليَبِيسُ أيضا ، ومنه قوله :

* من الرُّطْب إلا يُبْسُها وهَجِيرُها*

ويقال للحطب : يَبِس ، وللأرض إذا يَبِسَت : يبسٌ.

وقال ابن الأعرابي : يباسِ : هو السَّوْءةُ.

سأب : أبو زيد : سَأَبْتُ الرجل أَسْأَبُه سَأْبا : إذا خَنَقْتَه.

قال : وسَأَبتُ من الشراب أسأَب سَأْبا : إذا شربتَ منه.

ويقال للزِّقِّ العظيم : السّأْب. وجمعُه السؤُوب ، وأنشد :

إذا ذُقْتَ فاها قلتَ عِلقٌ مُدَمَّسٌ

أريد به : قَيْلٌ فغودر في سأْبِ

ويقال للزِّقّ : مِسْأب أيضا.

وقال شمر : المِسأب أيضا : وعاءٌ يُجعل فيه العَسل.

[بيس] : سلمة عن الفراء : باسَ : إذا تَبَخْتَرَ.

قلت : ماس يميس بهذا المعنى أكثر ، والباءُ والميمُ يتعاقبان.

[بَيْسانُ : موضع فيه كروم من بلاد الشام](١).

وقوله :

* شُرْبا بِبَيْسَان من الأُردنِّ*

هو موضع.

أسب : قال الليث : الإسْبُ : شعرُ الفَرْج.

وقال أبو خَيْرة : الأصلُ فيه وِسْبٌ ، فقُلِبَتْ الواو همزة ، كما قالوا : إرْث ، وأصلُه وِرْثٌ.

قال : وأصلُ الوِسْب مأخوذٌ من وسِب العُشبُ والنباتُ وَسبا ، وقد أوسَبت الأرض : إذا أعشَبتْ فهي مُؤسِبة.

وقال أبو الهيثم : العانة منبت الشعر من قُبُل المرأة والرجل ، والشَّعر النابت عليه يقال له : الشِّعْرَة والإسْب ، وأنشد :

لَعَمْرو الذي جاءت بكم من شَفَلَّح

لَدَى نسييْها ساقِطِ الإسْبِ أهْلَبا

سبأ : أبو زيد : سَبأْت الخمر أسبأُها سبأً وسِباءٍ : إذا اشتَرَيتها. واستَبَأْتها استباءً مثله.

وقال مالك بن أبي كعب :

بعثتُ إلى حانوتها فاستبأتها

بغير مكاسٍ في السِّوَام ولا غَصبِ

قال : ويقال : سبأتُه بالنار سبْأً : إذا أحْرَقْتَهُ بها.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : إنك تريد سُبأَةً ، أي : تريد سفرا بعيدا ، سُمِّيت سُبأَة لأن الإنسان إذا طال سفرهُ سبأَتْه الشمسُ ولوّحته ، وإذا كان السفر قريبا قيل : تُريد

__________________

(١) زيادة من «اللسان» (بيس) ، نقلا عن «التهذيب» كما صرح ابن منظور.

٧١

سَرْبةً.

وقال الفرّاء في قول الله جلّ وعزّ : (وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ) [النمل : ٢٢] ، القُرّاء على إجراءِ سبأٍ ، وإذا لم تُجر كان صوابا.

قال : ولم يُجْرِه أبو عمرو بن العلاء.

وقال أبو إسحاق : سبأَ هي مدينةٌ تُعرف بمأرِبَ من صنعاء على مسيرة ثلاثِ ليال ، فمن لم يصرف فلأنه اسم مدينة ، ومن صَرف فلأنه اسمٌ للبلد فيكون مذكّرا سُمِّي به مذكَّر.

وقولهم : ذهب القومُ أيْدِي سبَا ، وأيادِي سبا ، أي : متفرِّقين ، شُبهوا بأَهل سبأ لما مزّقهم الله في الأرض كلَّ ممزق ، فأخذ كلُّ طائفةٍ منهم طريقا على حدة. واليَدُ : الطَّرِيق.

ويقال : أخذ القوم يد بحْر ، فقيل للقوم إذا تفرقوا في جهات مختلفة : ذهبوا أيدي سبا ، أي : فرقتهم طرقهم التي سلكوها ، كما تفرق أهل سبأ في مواطن في جهات مختلفة أخذوها. والعرب لا تهمز سبأ في هذا الموضع ، لأنه كثُر في كلامهم فاستثقلوا ضغطة الهمز وإن كانت سَبأ في الأصل مهموزة.

وقيل : سبأ : اسمُ رجلٍ وَلد عشرة بنين فسُميت القرية باسم أبيهم ، والله أعلم.

وقال ابن الأنباري : حكى الكسائي : السبَأ : الخمر. واللَّظَأ : الشيء الثقيل.

وحكاهما مهموزين مقصورين ، ولم يحكهما غيره. والمعروف في الخمر السِّباء بكسر السين والمد.

ويقال : انسبأ جلده إذا تقشر.

وقال : «وقد نَصل الأظفارُ وانْسبأ الجلدُ».

ويقال : سبأ الشوك جلده : إذا قشره.

وقال أبو زيد : سبأتُ الرجلَ سَبْأ : إذا جَلَدْتَهُ.

ويقال : سبأَ فلانٌ على يمين كاذبةٍ يسْبأُ : إذا حلف يمينا كاذبةً.

قال : ويقال : أسبأتُ لأمرِ الله إسباءً : وذلك إذا أخبت له قلبك.

ثعلب عن ابن الأعرابي : سبا ـ غيرُ مهموز ـ : إذا ملك. وسبا : إذا تمتع بجارِيته شبابها كلِّه. وسبَا : إذا استخفى.

بسأ : أبو زيد : بَسَأْتُ بالرّجل ، وبَسِئْتُ أَبْسَأُ به بَسْأً وبُسُوءا : وهو استئناسك به ، وكذلك بَهَأْتُ ؛ وقال زهير :

بَسَأْتَ بَنِيِّها وجَوَيْتَ عنها

وعندي لو أردتَ لها دَواءُ

وقال الليث : بَسَأ فلانٌ بهذا الأمر : إذا مَرَن عليه فلَم يكترث لقُبْحه وما يقال فيه.

ثعلب عن ابن الأعرابي : البَسيّةُ : المرأةُ الآنسة بزَوْجها ، الحَسنة التبعُّل معه.

أبس : أبو عبيد عن الأصمعيّ : أَبَسْتُ به تَأْبِيسا ، وأَبَسْتُ به أبسا : إذا صغّرْتَه وحَقَّرْتَه.

٧٢

ثعلب عن ابن الأعرابي : الأَبْسُ : ذَكَرُ السَّلاحِف ، قال : وهو الرَّقّ والغَيْلَم.

وقال ابن السكيت : الأَبْسُ : المكان الغليظ الخشن ؛ وأَنشَد :

يَتْرُكْن في كلّ مكانٍ أَبْس

كلَّ جَنِينٍ مُشْعَرٍ في الغِرْسِ

والأبْس : تتبّع الرَّجُل بما يَسوؤُه ؛ يقال : أَبسْتُه آبِسُه أَبْسا ؛ وقال العجّاج :

* ولَيْث غابٍ لَم يُرَمْ بأَبْسِ *

أي : بزَجْر وإذْلال.

قال يعقوب : وامرأةٌ أُباسٌ : إذا كانت سيّئةَ الخُلُق ، وأَنشد :

* لَيْستْ بسَوْداءَ أُباسٍ شَهْبَرَة*

ثعلب عن ابن الأعرابي : الإِبْس : الأَصْل السُّوءِ ، بِكسر الهمزة تَأْبِيسا. وأبَّسْتُه تَأْبِيسا : إذا قابلته بالمكروه.

بأس : أبو زيد : بَؤُس الرجُل يَبْؤُس بَأْسا : إذا كان شديدَ البَأْس شُجاعا. ويقال : من البُؤْس وهو الفَقْر بَئِسَ الرجُل يَبْأسُ بُؤْسا وبَأْسا وبَئيسا : إذا افْتَقَرَ ، فهو بائس ، أي : فقير. والشجاع يقال منه : بَئِسَ ، ونحو ذلك قال الزجاج.

وقال غيره : البَأْساءُ من البُؤْس ، والبُؤْسُ من البُؤْس ، قال ذلك ابن دُرَيد. وقال غيره : هي البُؤْس والبَأساء ، ضد النُّعمى والنُّعْماء ، وأمّا في الشّجاعة والشِّدة فيقال : البَأس.

وقال اللّيث : البأساءُ : اسمٌ للحَرْب والمَشقّة والضَّرْب. والبائِسُ : الرجُل النازِلُ به بَلِيّة أو عُدْمٌ يُرحَم لِمَا به.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال : بُؤْسا له وتُوسا وجُوسا بمعنى واحد. وقال الزجاج في قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ) [الأنعام : ٤٢] ، قيل : البأساءُ : الجوعُ والضَّراءُ : النقص في الأموال والأنفس.

وقال تعالى : (فَلَوْ لا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا) [الأنعام : ٤٣] ، كما قال تعالى : (لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) [الأنعام : ٤٢].

وأما قولُ الله جلّ وعزّ : (بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) [الأعراف : ١٦٥] ، فإن أبا عمرو وعاصم والكسائيّ وحمزة قرؤوا (بِعَذابٍ بَئِيسٍ) ، على فَعِيل. وقرأ ابنُ كثيرِ : (بئيسٍ) على فعيل ، وكسر الفاء وكذلك قرأها شِبل وأهْل مَكّة. وقرأ ابن عامِر (بِئْسٍ) على فِعْلٍ بهمزة ، وقرأها نافع وأهل المدينة (بِيْسٍ) على فعل بغير همز.

وقال ابن الأعرابي : البَئِسُ والبَيِسُ ـ على فَعِل ـ : العذاب الشديد.

قال : وباس الرجل يبيس بَيْسا : إذا تكبَّر على الناس وآذاهم.

وقال أبو زيد : يقال : ابْتَأس الرجُل : إذا بلَغه شيءٌ يَكرَهه ، قال لَبيد :

في رَبْرَبٍ كنِعاج صا

رةَ يَبْتئسْنَ بما لَقِينا

٧٣

وقال الله جلّ وعزّ : (فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) [هود : ٣٦] ، قيل معناه : لا تَحزَن ولا تَسْكُن وقد ابتَأس فهو مُبْتَئِس.

وأَنشَد أبو عبيد :

ما يَقسِمُ اللهُ أَقبَلْ غيرَ مُبْتَئِسٍ

منه وأَقْعُدْ كَريما ناعمَ البالِ

أي : غيرَ حزينٍ ولا كارِه.

وخمر بيسانيةٌ : منسوبة. وبيسان : موضع فيه كروم من بلاد الشام.

وأمّا بِئْسَ ونِعْمَ : فإنّ أبا إسحاق قال : هما حرفان لا يَعمَلان في اسم عَلَم ، إنّما يَعمَلان في اسم مَنكُور دالٍّ على جنس ، وإنّما كانتا كذلك لأنّ نِعْمَ مستوفيةٌ لجميع المدح ، وبئس مستوفية لجميع الذمّ.

فإذا قلت : بئْسَ الرجلُ ، دلَلتَ على أنّه قد استوفى الذّم الذي يكون في سائر جنسِه ، فإذا كان معهما اسمُ جِنْس بغير ألف ولام فهو نَصْب أبدا ، وإذا كانت فيه الألف واللام فهو رَفْعٌ أبدا.

وذلك قولك : نِعمَ رجلا زيدٌ ، أو بئسَ رجلا زيدٌ ، وبئسَ الرجلُ زيدٌ. والقصدُ في نِعم وبئسَ أن يَليَهما اسمٌ مَنْكور أو اسمُ جِنْس ، وهذا قول الخليل.

ومن العرب من يَصِل بئس ب «ما».

قال الله جلّ وعزّ : (وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ) [البقرة : ١٠٢].

ورُوِي عن النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال : «بئسَما لأحدكم أن يقول نَسِيتُ آية كَيْتَ وكَيْتَ أمَا إنّه ما نَسِي ولكنّه أُنْسِي».

والعرب تَقول : بئسَما لك أن تفعلَ كذا وكذا إذا أدخلتَ «ما» في بئس أدخلتَ بعدها أَنْ مع الفعل ، بئسَما لك أن تَهجُر أخاك ، وبئسَما لكَ أن تَشتُم الناسَ.

ورَوَى جميعُ النحويِّين : بئسَما تزويج ولا مَهْر ؛ والمعنى فيه : بئسَ شيئا تزْويجٌ ولا مَهْر.

وقال الزّجّاج : بِئْسَ إذا وقعتْ على «ما» جعِلت «ما» معها بمنزلة اسم منكَّر ، لأنّ بِئْس ونِعْم لا يَعمَلان في اسمِ عَلَم ، إنما يَعمَلان في اسمٍ منكور دال على جنس.

قال شمر : إذا قال الرجل لعدوّه : لا بأسَ عليك ، فقد أمّنَه ، لأنه نفى البأس عنه ، وهو في لغة حِمير : لَبَاتِ ؛ أي : لا بأسَ وقال شاعرهم :

شَربنا النومَ إذ غَضت غَلاب

بتسهيد وعَقْد غير مَيْن

تنادَوْا عند غدرهم لَبَات

وقد بَرَدَت مَعاذِرُ ذي رُعَيْنِ

ولَبَاتِ بلغتهم : لا بأس ، كذا وجدته في كتاب شمر.

وسب : ثعلب عن ابن الأعرابيّ : الوَسَبُ : الوَسَخ ، وقد وَسِب وَسبا ، ووَكِبَ وَكَبا ، وحَشِنَ حَشَنَا ، بمعنى واحد.

وقال ابن الأعرابي : إنّك لتَرُدّ السُّؤال المُحِف بالإباءِ والأَبأْسِ.

٧٤

باب السين والميم

س م (وا يء)

سوم ـ سما ـ وسم ـ ومس ـ مسي ـ مأس ـ موس ـ أمس : [مستعملة].

سوم : السَّوْم : عَرْضُ السِّلْعة على البَيْع.

وقال أبو زيد فيما رَوَى أبو عبيد عنه : سُمْتُ بِالسِّلعة أسوم بها.

ويقال : فلان غالي السِّيمةِ : إذا كان يُغلِي السَّوْم.

قال : ويقال : سُمْتُ فلانا سِلْعَتي سَوْما : إذا قلتَ : أتأخُذها بكذا من الثّمن ، ومِثْل ذلك سُمْتُ بسِلْعَتي سوما أو يقال استمت عليه بسلعتي استِياما إذا كنت أنت تذكر ثمنها. ويقال : اسْتام مني بسَلعتي استياما إذا كان هو العارِض عليكَ الثمنَ ، وسامَني الرجلُ بسِلعتِه سَوْما. وذلك حينَ يذكر لك هو ثمَنها ، والاسم من جميع ذلك السُّومة والسِّيمة. والسَّوْمُ أيضا من قول الله جلّ وعزّ : (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ) [البقرة : ٤٩].

قال أهل اللغة : معناه : يُولُونَكم سُوءَ العذاب ، أي : شديدَ العذَاب.

وقال الليث : السُّوْم : أن تُجشِّمَ إنسانا مَشقّةً أو سوءا أو ظُلْما.

وقال شمر في قوله : سامُوهم سوءَ العذاب قال : أرادُوهم به.

وقيل : عَرضوا عليهم ، والعربُ تقول : عَرضَ عليّ فلانٌ سَوْمَ عَالةٍ.

قال أَبو عبيد : قال الكسائيّ : هو بمعنى قولِ العامة : عَرْضٌ سابرِيّ.

قال شمر : يُضرَب هذا مَثَلا لمن يَعرِض عليك ما أنت عنه غَنيّ ، كالرجل يَعلم أنّك نزلتَ دارَ رجل ضَيْفا فيَعرِض عليكَ القِرَى.

وقال الأصمعي : السَّوْم : سُرعةُ المَرِّ ، يقال : سامَت الناقةُ تَسُوم سَوْما ، وأَنشدَ بيتَ الراعي :

مَقّاءُ مُنْفَتَق الإبْطَيْنِ ماهرةٌ

بالسَّوْم ناطَ يَدَيْها حارِكٌ سَنَدُ

ومنه قولُ عبد الله ذي النِّجادَين يخاطب ناقَةَ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

تَعرَّضي مَدارِجا وَسُومِي

تَعرُّضَ الجَوْزاءِ للنُّجوم

وقال غيرُه : السَّوْم : سرعة المَرِّ مع قَصْد الصَّواب في السِّير.

ويقال : سامَت الراعِيةُ تَسُومُ سَوْما : إذا رَعَتْ حيثُ شاءت. والسَّوامُ : كل ما رَعَى مِنَ المال في الفَلَوات إذا خُلِّيَ وسَوْمه يَرعَى حيثُ شاء. والسائم : الذاهب على وجهِه حيث شاء.

يقال : سامَت السائمةُ وأنا أَسَمْتُها أُسِيمُها : إذا رَعَيْتَها ، ومنه قوله تعالى : (فِيهِ تُسِيمُونَ) [النحل : ١٠].

وأخبَرَني المنذريّ عن ثعلب أنّه قال : أسَمْتُ الإبلَ : إذا خَلّيْتَها تَرعَى.

٧٥

وقال الأصمعيّ : السَّوام والسائمة : كلُّ إبلٍ تُرسَل ترعَى ولا تُعلَف في الأصل.

وقال الله جلّ وعزّ : (وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ) [آل عمران : ١٤].

أبو زيد : الخيل المسومة : المُرسَلَة وعليها رُكْبَانُها ، وهو من قولك : سَوّمْتُ فلانا : إذا خَليْته وسَوْمَه ، أي : وما يريد.

وقيل : الخيلُ المسوَّمة : هي الّتي عليها السِّيما والسُّومة ، وهي العَلَامة.

وقال ابن الأعرابي : السِّيَمُ : العلامات على صُوف الغنم.

وقال الله جلّ وعزّ : (مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) [آل عمران : ١٢٥] ، قرىء بفتح الواو وكسرها ، فمن قرأ : (مسوَّمين) أراد مُعلَّمين. من السّومة ، أعلموا بالعمائم.

ومن قرأ : مُسَوِّمِينَ أراد معلِّمين.

وقال الليث : سَوَّم فلانٌ فَرسَه : إذا أعلَم عليه بحرَيرةٍ أو بشيء يُعرَف به.

قال : والسِّيما ياؤها في الأصل واو ، وهي العلامة التي يُعرف بها الخيرُ والشرّ.

قال الله جلّ وعزّ : (تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ) [البقرة : ٢٧٣] ، وفيه لغةٌ أخرى : السِّيماء بالمد ، ومنه قول الشاعر :

غُلامٌ رَماهُ الله بالحُسْنِ يَافِعا

لَه سِيميَاءُ لا تَشُقُّ على البَصَرْ

وأَنشَد شمر في تأنيث السِّيمى مقصورة :

ولهمْ سِيمَا إذا تُبْصِرُهُمْ

بَيَّنتْ رِيبةَ مَنْ كان سَأَلْ

وأما قولهم : ولا سِيَّما كذا ، فإن تفسيرَه في لفيف السّين ؛ لأنَّ «ما» فيها صلة.

قال أبو بكر : قولهم عليه سِيمَا حسَنة ؛ معناه علامة ، وهي مأخوذة من وَسِمت أَسِم. والأصلُ في سِيما وَسْمَى ، فحُوّلت الواو من موضع الفاء إلى موضع العين ؛ كما قالوا : ما أطْيَبه وأيطبه ـ فصار سوْمَى ، وجُعلت الواوُ ياء لسكونها وانكسار ما قبلها.

أبو عُبيد عن أبي زيد : سَوَّمْتُ الرجلَ تسْويما : إذا حَكّمْتَه في مالك. وسوَّمْتُ على القوم : إذا أغَرْتَ عليهم فَعِثْتَ فيهم.

وقال ابن الأعرابيّ : من أمثالهم عبدٌ وسُوِّم في يده ، أي : وخُلِّيَ وما يُريد.

قال : وسامَ : إذا رَعَى. وسامَ : إذا طلب.

وسام : إذا باعَ. وسامَ : إذا عَذَّب.

وقال النَّضر : سامَ يَسُوم : إذا مَرَّ. وسامَت الناقةُ : إذا مَضَت ، وخُلِّيَ لها سَوْمها أي وجهُها.

ثعلب عنه أيضا : السّامَةُ : السّاقة.

والسّامة : المَوْتَةُ ، والسامة : السَّبِيكة من الذهب. والسّامة : السَّبِيكة من الفِضَّة.

وقال أبو عُبيد : السّامُ : عُروقُ الذَّهب ، واحدتُه سامة ، قال قيس بن الحطيم :

لَو أنكَ تُلقِي حَنظَلا فَوقَ بَيْضِنا

تَدَحرَجَ عن ذِي سامِهِ المُتقارِبِ

أي : البيض الّذي له سامٌ.

وقال شمر : السّامُ : شجر ، وأَنشَد قولَ

٧٦

العجَّاج :

ودَقَلٌ أجرَدُ شَوْذَبِيُ

صَعْلٌ من السّامِ ورُبّانِيُ

يقول : الدَّقَل لا قِشْر عليه ، والصَّعْل : الدقيق الرأس ، يعني رأسَ الدَّقَل.

والسّامُ : شجر. يقول : الدَّقَل منه ورُبَّانيّ : رأس المَلَّاحين.

يَسُومُ : اسم جبل ، صخرة ملساء ، قال أبو وجزة :

وسرنا بمطلول من اللهو ليّن

يحط إلى السهل اليَسُومى أعصما

قال أبو سعيد : يقال للفضة بالفارسية سيم ، وبالعربية سام.

وقال أبو تراب : قال شُجاع : سارَ القومُ وساموا بمعنًى واحد.

ورُوِي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «في الحبَّة السَّوْداء شِفَاءٌ من كلِّ داءٍ إلّا السَّام».

قيل : وما السَّام؟ قال : «المَوْت».

وكان اليهودُ إذا سلَّموا على رسولِ الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالوا : السامُ عليكم ، فكان يَردُّ عليهم : «وعليكم»، أي : وعليكم مِثلُ ما دعَوْتُم.

ورُوِي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه نَهَى عن السَّوْم قبل طلوع الشمس.

قال أبو إسحاق : السَّوْم : أن يُساوِم بسِلْعَتِه ، ونُهِي عن ذلك في ذلك الوقت لأنّه وقتٌ يُذكر الله تعالى فيه فلا يُشغَل بغيرِه.

قال : ويجوز أن يكون السَّوْم من رَعْي الإبل ، لأنها إذا رَعَت الرِّعْيَ قبل شُروق الشمسِ عليه وهو نَدٍ أصابَها منه داءٌ ربّما قتلها ، وذلك معروفٌ عند أهلِ المالِ من العَرَب.

وسم : قال الليث : الوَسْم والوَسْمةُ : شجرةٌ ورَقُها خِضاب.

قلتُ : كلامُ العرب الوَسِمة بكسر السين قاله النَّحويون.

وقال اللَّيث : الوَسْم أيضا : أَثَر كَيَّةٍ ، تقول : بعيرٌ مَوْسوم : أي قد وُسِم بِسمَةٍ يُعرَف بها ، إما كيّةٌ أو قَطْعٌ في أذُنه ، أو قَرْمَةٌ تكونُ علامةً له. والميسَم : المِكواة أو الشيءُ الّذي يُوسَم به الدَّواب ، والجميع المَواسِم ، وقال الله تعالى : (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (١٦)) [القلم : ١٦] ، فإنّ فلانا لموسومٌ بالخير وبالشّرِّ : أي : عليه علامةُ الخير أو الشرّ ، وإنّ فلانة لَذات مِيسَم ، ومِيسَمُهَا : أَثَر الجمَال والعِتْق.

وإنها لوَسِيمة قَسِيمة.

وقال أبو عبيد : الوَسَامة والمِيسَم : الحُسْن.

وقال ابن كلثوم :

* خلطْنَ بمِيسَم حسبا ودِينا*

وقال الليث : إنما سُمِّي الوَسْمِيُ من المطر وَسْمِيّا لأنَّه يَسِم الأرض بالنبات ، فيُصَيِّر فيها أثرا في أوّل السنَة. وأرضٌ مَوْسومة : أصابَها الوَسْمِيّ ، وهو مطرٌ يكون بعد الخَرَفِيّ في البَرْد ، ثم يَتْبَعُه

٧٧

الوَلِيُّ في صميم الشِّتاء ، ثم يَتبَعه الرِّبْعي.

أبو عبيد عن الأصمعيّ : أوّل ما يَبدأ المطرُ في إقبالِ الشتاءِ فاسمُه الخَرِيف ، وهو الّذي يأتي عند صِرامِ النَّخل ، ثم الّذي يلِيه الوَسْمِيّ ، وهو أوّل الربيع ، وهذا عند دُخول الشِّتاء ، ثم يليه الرَّبيع في الصَّيف ، ثم الحَميم.

وأخبَرَني المنذريُّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه قال : نجُومُ الوَسْميِ أوّلها فُرُوعُ الدَّلْو المؤخَّر ثم الحُوت ، ثم الشَّرَطان ثم البُطَيْن ، ثم النَّجْم ؛ وهو آخر نجوم الوَسمِيّ ، ثم بعد ذلك نُجومُ الرَّبيع ، وهو مَطَر الشتاء أول أنجمه الهَقِعَة وآخِرُها الصَّرْفة تَسقُط في آخِر الشّتاء.

قال ابن الأعرابي : والوَسِيم : الثابتُ الحُسْن : كأنّه قد وُسِم.

قال شمر : دِرْعٌ مَوسُومَةٌ : وهي المُزيّنة بالشِّبْه في أسفلها.

وقال الليث : مَوْسِم الحَج سُمِّي مَوْسِما لأنّه مَعْلمٌ يُجتَمَع إليه ، وكذلك كانت مواسمُ أسواقِ العَرَب في الجاهليّة ، ويقال : تَوسّمتُ في فلان خيرا ، أي : رأيتُ فيه أَثَرا منه ، وتوسَّمْت فيه الخير ، أي : تفرَّسْتُ.

يعقوب : كل مجمع من الناس كثيرٌ فهو مَوْسِم ؛ ومنه موسم مِنًى. ويقال : وسَمْنا موسِمنا ؛ أي : شهدناه ، وكذلك عَرَفنا ، أي : شهدنا عرفة. وعيَّد القومُ : شهدوا عيدَهم.

وقوله جلّ وعزّ : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (٧٥)) [الحجر : ٧٥] ، أي : للمتفرِّسين.

سما : في حديثِ عائشة الّذي ذكرت فيه أَهْلَ الإفْك : وإنه لم يكن في نساء النبيّ امرأةٌ تُسامِيها غيرَ زينبَ ، فعَصَمها الله، ومعنى تُسامِيها : تُبارِيها وتُعَارِضُها.

وقال أبو عمرو : المُساماةُ : المفاخَرة.

وقال الليث : سما الشيءُ يَسْمو سُمُوّا : وهو ارتفاعُه ، ويقال للحَسِيب والشّريف ، قد سَمَا ، وإذا رفَعتَ بَصَرك إلى الشيء قلتَ سمَا إليه بَصَري ، وإذا رُفع لك شيءٌ من بَعيد فاستَبَنْتَه قلتَ : سمَا لِي شيء قال : وإذا خرج القومُ للصّيد في قِفار الأرض وصَحَارِيها قلت : سَمَوْا ، وهم السُّماة ، أي : الصَّيّادُون.

أبو عبيد : خرج فلان يَسْتَمِي الوحشَ أي : يطلبُها.

وقال ابن الأعرابيّ : المِسْماةُ : جَوْرَبُ الصّياد يَلبَسها لتَقِيه حَرَّ الرَّمْضاء إذا أراد أن يتربّصَ الظِّباءَ نصفَ النَّهار. قال : ويقال : ذهب صِيتُه في الناس وسُمَاه ، أي : صوتُه في الخَيْر لا في الشرّ.

الليث : سَمَا الفحلُ : إذا تَطاوَلَ على شَوْلِه ، وسُماوَتُه أي : شخصه ، وأنشَد :

كأن على أَثْباجها حينَ آنَسَتْ

سَماوَتُه قَيّا من الطَّيرِ وُقَّعا

وسَماوَةُ الهِلال : شخصُه إذا ارتَفَع عن

٧٨

الأُفق شيئا ، وأنشدَ :

طَيَّ اللَّيالِي زُلَفا فزُلفَا

سَماوَةَ الهِلالِ حتّى احقَوقَفَا

قال : والسَّماوة : ماءٌ بالبادية ، وكانت أمُّ النُّعمان سُميتْ بها ، فكان اسمُها ماءَ السَّماوَة فسمّتْها العربُ ماءَ السّماء.

وسَماوة كل شيء : شخص أغلاه. قال :

سماوتهُ أسمالُ بُرْد مُحَبَّر

وصَهْوتهُ من أَتْحَمِيٍّ مُعَصَّب

أبو عبيدة : سماءُ الفرس من لدن عَجْب الذَّنب إلى الصُّطرة.

قال : والسَّماءُ : سَقْفُ كلِّ شيء وكلّ بيت. والسَّماءُ : السحاب. والسَّماء : المَطَر. والسَّماء أيضا : اسم المَطْرة الجديدة.

يقال : أصابتْهم سَماءٌ ، وسُمِى كَثيرةٌ ، وثلاثُ سُمِيّ ، والجميع الأَسْمِيةُ والجمعُ الكثيرُ سُمِيّ.

قال : والسَّموات السَّبع : أطباق الأَرَضين ، وتُجمَع سَماء وسَموات.

قلتُ : السماء عند العرب مؤنَّثة ، لأنّها جمعُ سَماءَة ، وسبق الجَمعُ الوُحدانَ فيها. والسماءة أصلها سَمآوَة فاعلم. وإذا ذكّرت العرب السَّماء عَنَوْا بها السَّقْف.

ومنه قولُ الله : (السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ) [المزمل : ١٨] ، ولم يقل مُنفَطرة.

وقال الزجّاج : السماءُ في اللّغة : يقال لكلّ ما ارتفَعَ وعَلا قد سَمَا يَسمُو ، وكلُّ سَقْف فهو سَماء ، ومن هذا قيل للسحاب : السَّماءُ ، لأنها عاليَة. والاسم ألِفُه ألفُ وَصْل ، والدّليل على ذلك أنّك إذا صَغَّرتَ الاسمَ قلتَ : سُمَيّ ، والعرب تقول : هذا اسمٌ ، وهذا سُمٌ وأَنشَد :

* بِاسم الذِي في كلِّ سُورةٍ سُمُهْ *

وسُمَه رَوَى ذلك أبُو زَيْد وغيره من النحويِّين.

قال أبو إسحاق : ومعنى قولنا : اسمٌ هو مشتقٌّ من السُّمُو ، وهو الرِّفْعة ، والأصل فيه سِمْوٌ بالواو ، وجمعه أَسْماء ، مثل قِنْو وأَقْناء ، وإنما جُعِل الاسم تَنْويها على الدّلالة على المعنى ، لأنّ المعنى تحتَ الاسم.

قال : ومن قال : إنّ اسما مأخوذٌ من وَسَمْتُ ، فهو غلط ؛ لأنّه لو كان اسمٌ من سِمْتهُ لكان تصغيرُه وُسَيْما مثل تصغير عِدَة وصِلَة ، وما أشبههما.

وقال أبو العبّاس : الاسمُ رَسْمٌ وَسِمَةٌ يُوضَع على الشيءِ يُعرَف به.

وسُئل عن الاسم أهو المسمَّى أو غيرُ المسمَّى؟.

فقال : قال أبو عُبيدة : الاسم هو المسمَّى.

وقال سيبويه : الاسمُ غيرُ المسمَّى ، قيل له : فما قولُك؟ فقال : ليس لي فيه قول.

وقال ابنُ السكّيت : يقال هذا سامَةُ غادِيا ، وهو اسم للأب ، وهو مَعرِفة.

٧٩

قال زُهَير يَمدَح رجلا :

ولأنتَ أجرأُ من أُسامةَ إذْ

دُعِيَتْ نَزالِ ولُجَّ في الذُّعْرِ

أمس : قال الكسائيّ : العَرَب تقول : كلّمتُك أَمْسِ ، وأَعجَبَني أَمْس يا هذا. وتقول في النّكرة : أعجَبَني أَمْسٍ ، وأَمْسٌ آخَر ، فإذا أضفتَه أو نكّرته أو أدخلتَ عليه الألف واللّام للتعريف أجريتَه بالإعراب ، تقول : كان أَمْسُنا طَيّبا ، ورأيتُ أَمسَنا المُبارَك.

وتقول : مَضى الأمْسُ بما فيه.

قال الفرّاء : ومن العرب مَن يَخفِض الأَمْسِ وإن أدخل عليه الألفَ واللّام.

وأَنشَد :

* وإنِّي قَعَدْتُ اليومَ والأمْسِ قَبْلَه*

وقال أبو سَعيد : تقول : جاءني أَمْسِ ، فإذا نَسَبْتَ شيئا إليه كسرتَ الهمزة فقلت : أمْسِيٌ ؛ على غير قياس.

قال العجّاج :

* وجَفَّ عَنْهُ العَرَق الإمْسِيّ *

قال ابن كيسان في أمس : يقولون إذا نكروه : كلُّ يوم يصير أمساك ، وكل أمس مضى فلن يعود ، ومضَى أمسٌ من الأموس.

وقال البصريون : إنما لم يتمكّن أمس في الإعراب لأنه ضارع الفعل الماضي وليس بمعرَب.

وقال الفراء : إنما كسرت لأن السين طبعها الكسر.

وقال الكسائي : أصلُه الفعل ، أخذ من قولك : أمسِ بخير ، ثم سُمّي به.

وقال أبو الهيثم : السين لا يُلفظ بها إلا من كَسْر الفَم ما بين الثّنية إلى الضرس ، وكسرت إذ كان مخرجها مكسورا في قول الفراء ، وأنشد :

* وقافِية بين الثنية والضرس*

وقال ابن الأنباري : أدخل الألف واللام على أمس وترك على حاله في الكسر ، لأن أصل أمس عندنا من الإمساء ، فسمّى الوقت بالأمر ولم يغيَّر لفظه.

ومن ذلك قول الفرزدق :

ما أنت بالحكم التُرْضَى حكومته

ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل

فأدخل الألف واللام على ترضى وهو فعل مستقبل على جهة الاختصاص بالحكاية.

وأنشد :

أخَفْن أطناني إن شكيت وإنني

لفي شُغُل عن ذَحْلِي اليَتَتَبّع

فأدخل الألف واللام على «يتتبع» وهو فعل مستقبل كما وصفنا.

وقال ابن السكيت : تقول : ما رأيتُه مُذْ أَمسِ ، فإن لم تَرَه يوما قَبْلَ ذلك قلتَ : ما رأيتُه مُذْ أوَّلَ من أمسِ ، فإن لم تَرَه مذ يومين قبل ذلك قلتَ : ما رأيتُه مذْ أوّلَ مِن أوّلَ مِن أَمسِ.

وقال العجاج :

٨٠