تهذيب اللغة - ج ١٣

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ١٣

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٦٢

والتَّورِيس فعلُه. والورْسُ : أصفر كأنّه لطْخ يَخرج على الرِّمث بين آخر القَيْظ وأوّلِ الشتاء إذا أصاب الثوب لوَّنَه. وقد أورس الرِّمثُ فهو مُورِسٌ.

وقال شمر : يقال أَحنَطَ الرِّمْثُ فهو حانِط ومحنِط : إذا ابيضّ وأَدْرَك ، فإذا جاوَزَ ذلك قيل أَوْرَس فهو وارس ، ولا يقال مورس ، وإنه لَحسَن الحانِط والوارس.

وقال الليث : الورْسيُ من القداح النُّضار من أجودها.

يسر : قال الليث : يقال إنه ليَسْرٌ خفيفٌ ويَسَرٌ : إذا كان ليّنَ الانقياد ، يوصَف به الإنسان والفَرَس ، وأنشد :

إنِّي على تَحَفُّظي ونَزْرِي

أعسَرُ إن مارَسْتَني بعُسْرِ

ويَسْرٌ لمن أَراد يُسْرِي

ويقال : إن قوائمَ هذا الفرس ليَسَراتٌ خفافٌ : إذا كُنّ طوعَه ، والواحدة يَسرة وعسرة.

وروى عن عمر : أنه كان أَعسرَ أَيسر.

قال أبو عبيد : هكذا روِي في الحديث ، وأما كلام العرب فإنه : أعسرُ يسرٌ ، وهو الذي يعمل بيديْه جميعا ، وهو الأضبط.

ويقال : فلان يَسرةً من هذا.

وقال شمر : قال الأصمعيّ : اليَسر الذي يساره في القوّةِ مثلُ يمينه قال فإذا كان أعسر وليس بيَسرٍ كانت يمينه أضعفَ من يساره.

وقال أبو زيد : رجلٌ أعسرُ يَسرٌ ، وأعسرُ أَيسر. قال : وأحسَبه مأخوذا من اليَسرة في اليد ، وليس لهذا أصل ، واليسرة تكون في اليُمنى واليُسرى ، وهو خَطّ يكون في الراحة يُقطِّع الخطوطَ التي تكون في الراحة كأنّها الصَّليب.

قال شمر : ويقال في فلان يَسر ، وأنشد :

* فتَمنَّى النَّزْعَ من يَسَرِهْ *

هكذا رُوِي عن الأصمعيّ قال : وفسّره حِيالَ وجهه.

أبو عبيد عن الأصمعي قال : الشَّزْرُ : ما طعَنْتَ عن يمينك وشِمالك ، واليَسرُ : ما كان حذاءَ وجهِك.

وقال غيرُه : الشزْرُ : الفَتْل إلى فوق ، واليَسرُ إلى أَسفَل ، ورواه ابن الأعرابيّ : فتَمنى النَّزْع من يُسرِه.

جمعُ يُسرى. ورواه أبو عبيدة في يُسره.

يريد : جمع يسار.

قال الليث : أعسرُ يَسرُ ، وامرأةٌ عَسراء يَسرةٌ : تعمل بيديها جميعا.

وقال ابن السكّيت : يقال فلان أعسَرُ يَسرةٌ : تعمل بيديها جميعا.

يسرٌ : إذا كان يعمل بكلْتَا يديْه. وكان عمرُ أعسرَ يَسرا ، ولا تقُل أعْسر أيْسَر.

وقال الليث : اليسرة مُزْجةُ ما بين الأسرّة من أسرارِ الراحة يُتَيَمّن بها ، وهي من علامات السخاء. واليسار : اليَدُ اليسرى.

والياسر كاليامِن ، والمَيْسرَة كالمَيْمَنة.

واليَسر واليسار : اليَدُ اليُسرى.

٤١

والياسر من الغِنى والسّعة ولا يقال يَسار.

وقال أبو الدُّقيش : يسر فلان فرَسَه فهو مَيْسور مصنوعٌ سمين ، وإنه لحَسن التّيْسُور إذا كان حسنَ السِّمَن.

قال المرّار يصفُ فرسا :

قد بلَوْناه على عِلّاته

وعلى التَّيْسُورِ منه والضُّمُرْ

ويقال : خُذْ ما تَيَسَّر وما اسْتَيْسَرَ ؛ وهو ضِدّ ما تَعسّر والْتَوَى.

وقال أبو زيد : تَيسَّر النهارُ تَيسُّرا : إذا بَرَدَ. ويقال : أَيْسِرْ أخاك ، أي : نَفِّس عليه في الطَّلب ولا تُعْسِره ، أي : لا تُشَدِّد عليه ولا تضيِّق.

سلمة عن الفراء في قول الله عزوجل : (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (٧)) [الليل : ٧] ، قال : سنهيّئُه للعوْدة إلى العمل الصالح.

والعرب تقول : قد يسّرت الغنم : إذا ولدت وتهيأت للولادة. قال : وقال : (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (١٠)) [الليل : ١٠] يقول القائل : كيف كان تيسّره للعسرى؟ وهل في العسرى تيسير؟ قال الفراء : وهذا كقول الله عزوجل : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [التوبة : ٣] ، فالبشارة في الأصل المفرِح. فإذا جمعت في كلامين أحدهما خير ، والآخر شر ، جاز التبشير فيهما جميعا.

أبو عدنان عن الأصمعي قال : اليَسَرُ : الذي يساره في القوة مثل يمينه.

قال : ومثله الأضبط. قال : وإذا كان أعسر ، وليس بيَسر ، كانت يمينه أضعف من يساره.

وقال الله جلّ وعزّ : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) [البقرة : ٢١٩] ، قال مجاهد : كلُّ شيء فيه قِمار فهو من المَيْسِر حتى لِعبُ الصّبيان بالجَوْز.

ورُوِيَ عن عليّ أنه قال : الشِّطْرَنْج مَيسِرُ العَجَم ؛ ونحو ذلك قال عطاء في المَيسر أنه القِمار بالقِداح في كلّ شيء.

شمر عن ابن الأعرابيّ : الياسِر : الّذي له قِدْح وهو اليَسَر واليَسُور ؛ وأَنشَد :

بما قَطَّعْن من قُرْبى قَريبٍ

ومَا أَتْلَفْنَ من يَسَرٍ يَسُورِ

قال : وقد يَسَر يَيْسِر : إذا جاء بقِدْحه لِلقِمار.

وقال ابن شُميل : الياسِر : الجَزّار. وقد يَسَروا : أي : نَحَروا. ويَسَرْتُ الناقةَ : جَزّأْتَ لَحمَها.

وقال أبو عُبيد : الأيْسار واحدهم يَسرٌ : وهم الذين يُقامِرون ، قال : والياسِرُون : الذين يَلُون قِسمةَ الجَزُور.

وقال في قول الأعشى :

* والجاعِلُو القُوتِ على الياسرِ*

يعني الجَزّار.

قال : وقال أبو عُبيدة في قول الشاعر :

٤٢

أقولُ لأهْل الشّعب إذ يَيْسرُونني

ألم تَيْأَسُوا أَنّي ابنُ فارسِ زَهْدَمِ

إنه من المَيْسر أي تجتزرونني وتقتَسِمُونني وجَعل لَبيدٌ الجزورَ مَيْسِرا فقال :

واعفُفْ عن الجاراتِ وام

نَحْهُنَ مَيْسِرَك السَّمِينَا

وقال القُتَيْبيّ : المَيسر : الجَزُور نفسُه ؛ سمِّي مَيْسِرا لأنه يجزَّأُ أَجْزاء ؛ فكأنه موضعُ التّجزئة ، وكلّ شيء جزّأتَه فقد يَسرْته ، والياسِر : الجازِر. لأنه يُجَزِّىء لحمَ الجزور.

وهذا الأصل في الياسر.

ثم يقال للضاربين بالقداح والمغامرين على الجزور : ياسرون لأنهم جازرون : إذ كانوا سببا لذلك.

أبو عُبيد عن أَبي عمرو : اليَسَرة : وَسْمٌ في الفَخِذَين. وجمعُها أَيْسَار.

ومنه قول ابن مقبل :

على ذات أيسار كأن ضلوعها

وأحناءها العليا السّقيف المشبّح

يعني الوسم في الفخذين. ويقال : أراد قوائم ابنه.

وقال غيره : يَسَراتُ البعيرِ قوائمُه ، وقال ابن فَسْوَة :

لها يَسَراتٌ للنَّجَاءِ كأَنَّها

مَواقِعُ قَيْنٍ ذي عَلاةٍ ومِبْرَدِ

قال : شبَّه قوائِمَها بمطَارقِ الحَدّاد.

أبو عُبيد : يَسَّرَت الغَنَمُ : إذا كَثُرت وكَثُرَ ألبانُها ونَسْلُها ، وأَنشَد :

هُما سَيِّدَانا يَزْعُمانِ وإنّما

يَسُودانِنا أنْ يَسَّرَتْ غَنَماهُمَا

حُكي ذلك عن الكسائي. ويقال : مَيْسَرة ومَيْسُرة : لليسار الغني.

أسر : في «كتاب العين» : شمر : الأُسرة : الدِّرع الحصينة ؛ وأنشد :

والأسْرَة الحصداءُ والبَيْضُ

المكلَّلُ والرِّماح

وقال الفرّاء : أسَرَه الله أحْسن الأسْرِ ، وأَطَرَه الله أحْسن الأطْر ، ورجُلٌ مأسورٌ ومَأْطور : شديدٌ.

وقال الأصمعيّ : يقال : ما أَحْسن ما أسر قَتَبَهُ : أي : ما أحْسن ما شَدَّه بالقِدّ ، والقِدُّ : الذي يُؤْسَرُ به القَتَب يسمى الإسار ، وجمعُه أُسُرٌ. وقَتَبٌ مَأْسور ، وأَقْتَاب مآسيرٌ.

وقيل للأسير من العَدُو : أَسير ، لأن آخِذه يستوثق منه بالإسار. وهو القِد لئلا يُفلت.

وقال أبو إسحاق : يجمع الأسير أسرى.

قال : وفَعْلَى جمعٌ لكل ما أصيبوا به في أبدانهم أو عقولهم ، مثل : مريض ومرضى. وأحمق وحمقى ، وسكران وسكرى.

قال : ومن قرأ : أسرى و (أُسارى) [البقرة : ٨٥] فهو جمعُ الجمع.

٤٣

وقال الله جلّ وعزّ : (وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ) [الإنسان : ٢٨] ، أي : شددنا خَلْقَهم ، وجاء في التفسير : مفاصِلَهم.

وقال ابن الأعرابي : (وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ) ، يعني مَصْرفي البَوْل. والغائِط إذا خرج الأذى تَقبضتَا.

ويقال : فلانٌ شديد أسْرِ الخلْق : إذا كان معصوب الخلْقِ غير مُستَرْخِ.

وقال العجاج يذكر رجلين كانا مأسورين فأطلقا :

فأصبحا بنجوة بعد ضرَرْ

مسلَّمَيْنِ في إسار وأسَر

يعني : شُرِّفا بعد ضيق كانا فيه.

وقوله : «في إسار وأسَرٍ» أراد : وأَسْرٍ ، فحرّك لاحتياجه إليه ، وهو مصدر.

أبو عبيد عن الأحمر : إذا احتَبَسَ على الرجل بَوْلُه قيل : أَخَدَه الأُسر ، وكذلك قال الأصمعي واليزيدي : وإذا احتَبَسَ الغائطُ فهي الحُصر.

شمر عن ابن الأعرابيّ : هذا عُودُ أُسْر ويُسْر : وهو الذي يعالَج به الإنسانُ إذا احتَبَس بولُه ، قال : والأُسْر : تقطير البَوْل وحَزٌّ في المَثانة ، وإضَاضٌ مثل إضاضِ الماء خِضٍّ ، يقال : أنالَه اللهُ أسرا.

وقال الفرّاء : قيل : هو عُودُ الأسْر ، ولا تقل عُود اليُسْر.

وقال اللّيث : يقال : أُسِر فلانٌ إسارا ، وأُسِر بالإسار ، قال : والإسار : الرِّباط ، والإسار : المَصدَر كالأَسْرِ.

وجاء القوم بأسرهم. قال أبو بكر : معناه : جاءوا بجميعهم وخلقهم. والأمر في كلام العرب : الخلق.

قال الفراء : أُسِر فلان أحسن الأسر ، أي : أحسن الخلق.

قال : وتأسيرُ السَّرْج : السُيُورُ الّتي يُؤْسَر بها.

وقال أبو عُبيد : أُسْرَة الرجلِ : عَشيرتُه الأَدْنَون.

أبو زيد : تأسَّر فلانٌ عليَ تأسُّرا : إذا اعتَلَّ وأَبطأَ.

قلت : هكذا رواه ابن هانىء عنه. وأمّا أبو عُبيد فإنّه رواه بالنون : تأسَّنَ وهو عندي وهَم ، والصواب بالرَّاء.

أبو نصر عن الأصمعيّ : الإسَار : القَيْد ، ويكون كَبْلَ الكِتاف.

سرأ : أبو عبيد عن القَنانيّ : إذا أَلقَى الجرَادُ بَيْضَه قيل : قد سَرَأَ بَيْضَه يسْرَأ به.

قال : وقال الأحمر : سَرَأتِ الجَرادةُ : إذا ألقَتْ بَيضَها. وأَسْرَأَتْ : حان ذلك منها.

أبو زيد : سَرَأَت الجرادةُ : إذا أَلقَتْ بَيضَها ورَزّتْه رَزّا ، والرَّزّ : أن تُدخِل ذَنبَها في الأرض فتُلقِي سَرْأَها ، وسَرْؤُها : بَيْضُها.

وقال الليثُ : وكذلك سَرْءُ السَّمَكة وما أشبَهَه من البَيْض فهو سَرْءٌ. قال : وربما قيل سَرَأَت المرأةُ : إذا كثُر ولَدُها.

٤٤

أبو زيد : يُقَالُ : ضَبّةٌ سُرُوءٌ على فعول ، وضِباب سُرُؤٌ على فُعُل ، وهي الّتي بَيضُها في جَوْفها لم تُلْقِه.

وقال غيرُه : لا يسمَّى البيضُ سَرْأَ حتّى تُلقِيَه. وسَرَأَتِ الصَّنّبة : إذا باضَتْ.

وقال الأصمعيّ : الجرادُ يكون سَرْأ وهو بَيْض ؛ فإذا خرجَتْ سُودا فهي دَبا. قال : والسَّراءُ : ضَرْبٌ من شجر القِسِيّ ، والواحدة سَراءَة.

روس ـ ريس ـ [رأس] : ثعلب عن ابن الأعرابيّ : راسَ يَرُوس رَوْسا : إذا أَكَل وجَوَّد. وراسَ يَريس رَيْسا : إذا تَبَخْتَر في مِشيَته.

قال : والرَّوْسُ : الأكْلُ الكثير ، وأمّا الرّأْس بالهمز فإنّ ابن الأعرابي قال : رأَسَ الرجلُ يَرْأَسُ رَأسَةً : إذا زاحَمَ عليها وأرادها.

قال : وكان يقال : إن الرِّياسةَ تَنزِل من السماء فيُعصَّب بها رأسُ من لا يطلبها.

أبو عبيد عن الأصمعيّ : يقال للقوم إذا كَثُروا وعَزُّوا : هم رأس.

قال عمرو بن كلثوم :

برأْس من بَنِي جُشَم بنِ بَكْرٍ

نَدُقُّ به السُّهولَةَ والحُزُونَا

وقال اللّيث : رأسُ كلِّ شيء : أعلاه ، وثلاثةُ أَرؤُس ، والجميعُ الرؤوس. وفَحْل أَرْأَس : وهو الضَّخْم الرّأس ، وقد رَئِس رَأْسا.

قال : ورأَسْتُ القومَ أرأَسهُم ، وفلانٌ رأسُ القومِ ورئيس القوم وقد تَرأسَ عليهم ، ورَوّسَوه على أنفُسِهم.

قلت : هكذا رأيتُه في كتاب اللّيث ، والقياس : رَأسُوه لا رَوَّسُوه. والرُّؤَاسيُ : العظيمُ الرأس. ورجلٌ أريسٌ ومَرْءُوس : وهو الّذي رَأَسه السِّرْسام فأصابَ رأسَه.

وكَلْبة رَءُوس : وهي الّتي تُساوِر رأسَ الصَّيْد.

وقال : وسحابةٌ رأسةٌ : وهي الّتي تَقدَّمُ السَّحابَ وهي الرَّوائس.

قال ذو الرمة :

* نفَتْ عَنْها الغُثاءَ الرَّوائسُ *

قال : وبعضُ العرب يقول : أن السّيل يَرْأَس الغُثاء ، وهو جمعُه إياه ثم يحتمله.

وقال الطّرماح :

كغريٍّ أجسدتْ رأسه

فُرُع بين رياس وحام

الغري : النصُب الذي دُمِّي من النسك.

والحامي : الذي حمي ظهره. والرِّياس : تُشق أنوفها عند الفَري فيكون لبنها للرجال دون النساء.

ويقال : أعطِني رأسا من ثُوم والضَّبُّ ربّما رَأَس الأَفعى وربّما ذَنَبها ، وذلك أن الأفعَى تأتي جُحَر الضّب فتَحرِشه فيَخرج أحيانا برأسه فيستقبِلها.

فيقال : خَرَج مُرَئِّسا ، وربما احترَشَه الرجلُ فيجعَل عُودا في فَمِ جُحْره فيحسبَه

٤٥

أَفعَى فيخرج مُرْئسا أو مُذَنَّبا ، ورأَسْتُ فلانا : إذا ضربتَ رأسَه.

وقال لبيد :

كأنّ سحيلَه شكوَى رئيسٍ

يُحاذِر من سرايَا واغتيالِ

يقال : الرئيس ههنا الذي شُج رأسه.

الحراني عن ابن السكيت : يقال : قد ترأَسْت على القوم ، وقد رأسْتُك عليهم ، وهو رئيسُهم ، وهم الرُّؤساء ، والعامة تقول : رُيَساء.

ويقال : شاةٌ رَئيس : إذا أُصيبَ رأسُها في غَنَمٍ رَآسي ، بوزن دَعاسي.

ويقال : هو رائسُ الكِلابِ مثل راعِي ، أي : هو في الكلاب بمنزلة الرئيس في القوم ، ورَجلٌ رؤَاسيٌ وأَرْأَس : للعظيم الرأس ، وشاةٌ أَرأَس : ولا تقل رُؤاسِيّ.

ويقال : رجُلٌ رءَّاس ـ بوَزْن رَعَّاس للّذِي يَبيع الرُّؤوس.

وبنو رؤاس : حيٌّ من بني عامر بن صعصعة ، منهم أبو جعفر الرُّؤاسيّ وفي الحديث أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يصبب من الرأس وهو صائم.

هذا كناية عن القبلة.

أبو عُبيد عن أبي زيد : إذا اسوَدّ رَأسُ الشَّاة فهي رأساء ، فإِن ابيضَّ رأسُها من بين جَسدها فهي رخماء وَمُخَمَّرة.

قال : ورائس النهر والوادي أعلاه ؛ مثل رائس الكلاب.

وقال أبو عبيد : رئاس السيف قوائمه.

وقال ابن مقبل :

ثم اضطغنت سلاحي عند مَغْرِضها

ومرفقٍ كرئاس السيف إن شَسفا

قال شمر : لم أسمع رئاسا إلا ههنا.

وقال ابن شُميل : روائسُ الوادي : أعاليه.

أبو عبيد عن الفرّاءِ قال : المُرائس والرَّءُوس من الإبل الذي لَم يَبْقَ له طِرْق إلّا في رأسه.

وفي «نوادر الأعراب» : يقال : ارْتأَسني فلانٌ واكْتأَسنى : شَغلَني ، وأصله أخذٌ بالرّقبة وخفضها إلى الأرض ، ومثلُه ارتكَسني واعتَكَسني.

أرس : وفي الحديث : أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كتب إلى هرقل عظيم الرُّوم يدْعُوه إلى الإسلام ، وقال في آخره : «وإن أبَيْتَ فإن عليك مِثل إثم الإرِّيسين».

ثعلب عن ابن الأعرابي : أَرس يأرِس أَرْسا : إذا صار أَرِيسا ، والأريس : الأكّار. قال : وأرَّسَ يؤرِّس تأريسا : إذا صار أَكّارا ، وجمعُ الأَرِيس أَرِيْسُون ، وجمع الإرِّيس إِرِّيسُون وأرارِسة ، وأَرارِس قال : وأَرارِسة ينصرف ، وأَرارِسُ لا ينَصرف. قال : والأرْسُ : الأكْل الطّيب.

والإرسُ : الأصلُ الطيّب.

قلتُ : أحسِبُ الأَرِيسَ والأَرِّيسَ بمعنى الأكّار من كلام أهلِ الشام ، وكان أهلُ السّواد وما صاقَبَها أهلَ فلاحة وإثارَة للأرَضين ، وهم رَعِيَّةُ كِسرَى ، وكان أهلُ

٤٦

الرُّوم أهلَ أَثاث وصَنْعَة ، ويقولون للمجوسيّ : أَرِيسيٌ ، يُنسَب إلى الأرِيس وهو الأكّار ، وكانت العرب تسمِّيهم الفلّاحين ، فأَعلَمَهم النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّهم وإن كانوا أهلَ كتاب فإنّ عليهم من الإثم إن لم يؤمنوا بما أُنْزِل عليه مثل إثم المَجوس والفلّاحين الّذين لا كِتَاب لهم. والله أعلم. ومن المجوس قوم لا يعبدون النار ويزعمون أنهم على دين إبراهيم ، وأنهم يعبدون الله تعالى ، ويحرّمون الزنى.

وصناعهم الحراثة ، ويُخرجون العُشر مما يزرعون. غير أنهم يأكلون الموقوذة.

وأحسِبهم يسجدون للشمس ، وكانوا يُدعَون الأرِيسيين.

باب السين واللام

س ل (وا يء)

سيل ـ سول ـ سلأ ـ وسل ـ ولس ـ ألس ـ لوس ـ سلا ـ لسا ـ ليس ـ [أسل].

سول : أبو العبّاس عن ابن الأعرابي : رجل أسْوَل ، وامرأةٌ سَوْلاء : إذا كان فيهما استرخاء. قال : واللَّخَا مِثْلُه ، وقد يَسْوَلُ سَوَلا ، وقال المتنخِّل :

كالسُّحُلِ البِيضِ جَلَا لَوْنَها

هَطْلُ نِجَاءِ الحَمَلِ الأَسْوَلِ

أراد بالحَمل : السَّحابَ الأسوَد ، والأسْوَل من السحاب : الّذي في أسفله استرخاء ولهَدبه إِسْبال ، وقد سَوِلَ يَسْوَلُ سَوَلا ، وقولُ الله جلّ وعزّ : (قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) [يوسف : ١٨] ، هذا قولُ يعقوبَ عليه‌السلام لولدِه حين أخبَروه بأَكلِ الذِّئب يوسف ، فقال لهم :

ما أَكلَه الذئب ، (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) في شأنه ، أي : زَيَّنتْ لكم أنفسُكم أمرا غيرَ ما تَصِفون ، وكأنّ التَّسْوِيلَ تفعيلٌ من سُوِلَ الإنسان وهو أمنِيَّتُه التي يتمنّاها فتُزيِّن لطالبها الباطلَ والغُرور. وأصلُ السُّؤَال مهموزٌ غير أنَّ العرب استثقلوا ضَغْطَةَ الهمزة فيه فخفَّفوا الهمزَة قال الراعي في تخفيف همزِه :

اخْتَرْتُكَ الناسَ إِذْ رَثَّت خَلائقُهمْ

واعتَلَّ من كان يُرجَى عنده السُّولُ

والدّليل من كان يُرجَى عنده السُّولُ والدّليل على أنّ الأصلَ فيه الهمز قراءة القرّاء : (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) [طه : ٣٦] ، أي : أُعطيتَ أمنيتَكَ التي سأَلتَها.

وقال الزّجّاج : يقال : سَأَلْتُ أسأَل وَسلْتُ أَسَلُ ، والرَّجُلانِ يَتَساءَلان ويَتَسايَلان.

وقال اللّيث : يقال : سَأَل يَسْأَلُ سُؤَالا ومَسْألَةً. قال : والعربُ قاطبةً تحذِف همزَ سَلْ فإذا وَصلتْ بالفاء والواو همزتْ كقولك : فاسأل ، واسأل : وجمعُ المَسْأَلَة مَسَائِل ، فإذا حذَفوا الهمزة قالوا : مَسَلَة ، والفقيرُ يسمَّى سَائِلا.

وقرأ نافع وابنُ عامر (سَالَ) غير مهموز «سائِلٌ» وقيل معناه : بغير همز : سال وادٍ (بِعَذابٍ واقِعٍ). وقرأ سائر القرّاء : ابن كثير وأبو عمرو والكوفيون (سَأَلَ سائِلٌ) [المعارج : ١] مهموز بالهمز على معنى دَعا

٤٧

داعٍ. وجمع السَّائِل الفقيرِ : سُؤَّال.

وجمع مَسِيل الماء : مَسَايِل بغير همز.

وجمع المَسْأَلة : مَسَائِل بالهمز.

وسل : قال الليث : وَسَّلَ فلانٌ إلى رَبِّه وَسِيلةً : إذا عَمِل عَمَلا تَقَرَّب به إليه ، وقال لَبيد :

* بلَى كلُّ ذي رَأْيٍ إلى الله وَاسِلُ *

والوَسِيلة : الوُصْلةُ والقُرْبَى ، وجمعُها الوَسَائل ، قال الله : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) [الإسراء : ٥٧] ، ويقال : تَوَسَّلَ فلانٌ إلى فلان بوَسيلة ، أي : تَسَبَّبَ إليه بسَبَب ، وتقرّبَ إليه بحُرمةِ آصِرةٍ تَعطِفه عليه.

سلا : الأصمعيّ : سَلَوْتُ فأنا أَسْلو سُلُوّا ، وسَلِيتُ عنه أسْلَى سُلِّيا بمعنى سَلَوْت.

وقال أبو زيد : معنى سلوت : إذا نسي ذكره وذهب عنه.

وقال ابن شميل : سليت فلانا ، أي : أبغضته وتركته. وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم : يقال : سلوتُ عنه أَسلو سُلُوّا وسُلُوَانا ، وسَلِيتُ أَسلَى سُلِيّا ، وقال رُؤبة :

لَوْ أَشْرَبُ السُّلْوانَ ما سَلِيتُ

ما بِي غنًى عنك وإنْ غَنِيت

قال : وسمعتُ محمدَ بنَ حيّان وإنْ غَنِيت حضَر الأصمعيَّ ونُصيْرَ بنَ أبي نُصَير يَعرِض عليه بالرّيّ ، فأجرَى هذا البيتَ فيما عَرَض عليه ، فقال لنُصَير : ما السُّلوان؟ فقال : يقال : إنّها خَرَزَة تُسحَق ويُشرَب ماؤها فتورِث شارِبَه سلْوَةً ، فقال : اسكتْ ، لا يَسخَرْ منك هؤلاء ، إنّما السُّلْوان مصدرُ قولِك : سَلَوْتُ أَسلُو ـ سُلوانا ؛ فقال : لو أشرَب السُّلوان ، أي : السُّلوَّ شُرْبا ما سَلوْتُ.

وقال اللّحياني في «نوادره» : السَّلوانة والسَّلوان والسَّلْوَان : شيء يسْقى العاشقُ ليسْلو عن المرأة.

قال : وقال بعضهم : السُّلوانة : حَصاةٌ يسقَى عليها العاشقُ فيسْلُو ؛ وأنشَد :

شَرِبْتُ على سُلوانةٍ ماءَ مُزْنةٍ

فلا وجَديد العَيْشِ يا مَيُّ ما أسْلو

وقال أبو الهَيْثم : قال أبو عمرو السّعدي : السُّلوانة : خَرزَةٌ تُسحَق ويُشرَب ماؤها فيَسْلو شاربُ ذلك الماء عن حُبِّ من ابتلي بحبّه. قال : وقال بعضهم : بل يؤخَذ تُرابُ قبرِ مَيّتٍ فيُجعَل في ماءٍ فَيموتَ حُبُّه ؛ وأنشدَ :

يا لَيتَ أَنّ لقلْبي منْ يُعللهُ

أو ساقيا فسَقاني عنكِ سُلوانَا

أبو العبّاس عن ابن الأعرابيّ قال : السُّلوانة : خَرزَةٌ للبُغض بعد المَحبّة.

قال : والسَّلوَى : طائر ؛ وهو في غير القرآن العَسَل ، وجاءَ في التفسير في قولِه : (وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى) [البقرة : ٥٧] ، أنّه طائر كالسُّمانيَ.

وقال اللّيث : الواحدة سَلواة ، وأَنشَد :

٤٨

* كما انتفَضَ السَّلواةُ مِن بللِ القَطْرِ*

أبو عبيد : السَّلوَى : العَسَل ؛ وقال خالدُ الهُذَليّ :

وقَاسمَها بالله جَهْدا لأنتُم

ألَذُّ مِنَ السَّلوَى إذا ما نشُورُهَا

أي : تأخُذُها من خَلِيّتها ؛ يَعني العَسَل ، وقال أبو بكر : قال المفسرون : المَنُ : التَّرَنجبين ، والسَّلوَى : السُّمَانيَ.

قال : والسّلوى عند العرب العَسَل ، وأنشد :

لو أطْعموا المنَّ والسّلوى مكانهُم

ما أبصر الناس طُعما فيهُم نَجعَا

ويقال : هو في سَلْوة من العَيْش ، أي : في رَخاءٍ وغَفْلة ، قال الراعي :

* أخو سَلْوةٍ مَسَّى به اللَّيلُ أَمْلَحُ*

ابن السكيت : السلوة : السُّلُو. والسَّلوة : رخاء العيش.

ويقال : أَسْلاني عنك كذا وسَلّاني. وبنو مُسْليَةَ حيٌ من بني الحَارثِ بنِ كعب.

وقال أبو زيد : يقال : ما سَلِيتُ أن أقولَ ذاك ، أي : لم أَنْسَ أن أقول ذاك ولكن تركتُه عَمْدا ، ولا يقال : سَلِيتُ أن أقولَه إلّا في معنَى ما سَلِيتُ أن أقولَه.

أبو عُبيد عن أبي زيد : السَّلَي : لُفافةُ الوَلَد من الدّواب والإبلِ ، وهو مِن الناس مَشِيمة.

وسَلِيت الناقة ، أي : أخذتُ سلاها.

الحرّاني عن ابن السكيت : السَّلَى سَلَى الشاة ، يكتب بالياء ؛ وإذا وصفْتَ قلت : شاةٌ سلياء. وسَلِيت الشاةُ : تدلّى ذلك منها. ويقال للأمر إذا فات : قد انقطع السّلَى ، يُضرب مثلا للأمر يفوت وينقطع.

وسلَيْتَ الناقةَ : أخذت سلاها وأخرجته.

وقال ابن السكّيت : السَّلْوة : السُّلُوّ ، والسَّلْوة : رَخاءُ العَيش.

سلأ : الأصْمعي : سَلأْتُ السَّمْنَ وأنا أسْلأُه سَلأً. قال : والسَّلاء : الاسم ، وهو السَّمْن. ويقال : سَلأَه مائةَ سَوْط ، أي : ضَرَبه. وسَلأَه مائةَ دِرْهم ، أي : نقَدَه.

وقال غيرُه : السُّلّاء : شَوْكَة النّخل ، والسُّلّاء : الجميع.

وقال علقمةُ بن عَبْدة يصف فَرَسا :

سُلّاءةٌ كعَصَا النَّهدِيّ غُلَّ لها

ذُو فَيْئَةٍ من نَوَى قُرَّان مَعجومُ

ألس : رُوِيَ في حديثِ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه دعا فقال : «اللهم إني أعوذُ بك من الأَلْسِ والكِبر».

قال أبو عبيد : الأَلْسُ : اختلاط العَقْل ، يقال منه : أُلِسَ الرجلُ فهو مَأْلوس. قال : وقال الأُمويّ : يقال : ضَرَبه فما تَأَلَّسَ ، أي : ما تَوَجَّع.

وقال غيره : فما تحَلَّس بمعناه.

وقال ابن الأعرابي : الأَلْسُ : الخيانة.

والأَلْسُ : الأَصْلُ السُّوْء.

٤٩

وقال الهَوازِنيّ : الأَلْسُ : الرِّيبة ، وتَغيُّر الخُلُق من رِيبة. أو تغيُّر الخُلُق من مَرَض ، يقال : ما أَلَسَك.

وأَنشَد :

* إنّ بنا أو بكُمَا لأَلْسَا*

وقال أبو عمرو : يقال للغَريم : إنّه ليَتَألَّسُ فما يُعطِي وما يَمنعُ ، والتألُّس : أن يكون يريد أن يُعطِيَ وهو يمنع ، يقال : إنّه لَمأْلُوسُ العطِيّة ، وقد أُلِسَتْ عطيّتُه : إذا مُنِعتْ من غير إِياس منها.

وأَنشَد :

* وصَرَمَتْ حَبْلَك بالتَأَلُّسِ *

قال القتيبي : الألس : الخيانة والغش ، ومنه قولهم : فلان لا يدالس ولا يؤالس.

فالمدالسة من الدَّلْس وهو الظلمة ، يراد : أنه لا يعمي عليك الشيء فيخفيه ويستر ما فيه من عيب. والمؤالسة : الخيانة.

وأنشد :

هم السمن بالسنوت لا ألس فيهمُ

وهم يمنعون جارهم أن يُقرَّدا

ولس : قال اللّيث : الوَلُوس : الناقَةُ الّتي تَلِسُ في سَيْرها ولَسَانا ؛ والإبِلُ يُوالسُ بعضُها بعضا وهو ضَربٌ من العَنَق.

والمُوَالَسة : شِبْه المُداهَنة في الأمر.

ويقال : فلانٌ ما يُدالِسُ ولا يُوالِس. وما لي في هذا الأمرِ وَلْسٌ ولا دَلْس ، أي : ما لي فيه خِيانةٌ ولا ذَنْب.

وقال ابن شُميل : المُوالَسة : الخِداع ، يقال : قد تَوالَسوا عليه وترافدوا عليه ، أي : تَناصَروا عليه في خِبّ وخديعة.

والوَلُوس : السَّريعة من الإبل.

[لوس] : قال الليث : اللَّوْس : أن يَتتبّع الإنسانُ الحَلاواتِ وغيرها فيأكل.

يقال : لاسَ يَلُوس لَوْسا وهو لائسٌ ولَؤُوس.

ثعلب عن ابن الأعرابي : اللَّوس : الأكلُ القليل. واللُّوس : الأشِدّاء ، واحدهمْ أَلْيَس.

سيل : قال الليث : السَّيْل معروف ، وجمعُه سُيول. ومَسِيل الماء وجمعُه أَمْسِلةٌ ، وهي ميَاهُ الأمطار إذا سالَت.

قلت : القياسُ في مَسيل الماءِ مَسايِل غيرُ مهموز ، ومَن جمَعَه أَمسِلَةً ومُسُلا ومُسْلانا فهو على توهُّم أنَّ الميم في المَسيل أصليّة ، وأنّه على وزن فَعِيل ولم يُرَدْ به مَفعِلا ، كما جَمعوا مكانا أمكِنة ، ولهما نظائر. والمَسِيل : مَفْعِلْ من سالَ يَسيلُ مَسِيلا ومَسالا وسَيْلا وسَيَلانا. ويكون المَسِيل أيضا : المكانُ الّذي يَسِيل فيه ماءُ السَّيْل.

وقال الليث : السَّيَال : شجَرٌ سَبْط الأَغْصان عليه شَوْك أبيضُ. أصولُه أمثال ثَنَايا العَذارَى.

قال الأعشى :

باكَرَتْها الأغْراب في سِنَة النَّومِ

فتَجرِي خِلال شَوْكِ السَّيَالِ

٥٠

يصف الخمر. والسِّيلَانُ : سِنْخُ قائِم السَّيفِ والسِّكِّين ، ونحو ذلك.

ليس : قال الليث : ليسَ : كلمةُ جُحود ، قال : وقال الخليل : معناه : لا أَيْس ، فطُرِحَت الهمزة وأُلزِقتْ اللّام بالياء ، ومنه قولُهم : ائتِنِي من حيثُ أَيْسَ ولَيْس ، ومعناه : من حيثُ هُوَ ولا هُوَ.

وقال الكسائيُّ : ليس يكون جَحدا ، ويكون استثناءً ، يُنصَب به ، كقولِك : ذهب القومُ لَيسَ زيدا بمعنى ما عَدَا زَيْدا ولا يكون أبدا ، ويكون بمعنَى إلّا زَيْدا. قال : وربّما جاءت ليسَ بمعنى لَا الّتي يُنسقُ بها. قال لبيد :

* إنما يَجْزِي الفَتَى ليس الجَمَلْ*

إذا أُعرِب قيل : ليس الجملُ ، لأنّ ليس ههنا بمعنى لا النَّسَقِيَّة ، وقال سيبويه : أراد ليس يَجْزِي الجَمَل ولَيْس الجَملُ يجزي ، وربّما جاءت ليس بمعنى لا التّبرئة.

قال ابن كيسان : «ليس» من الجَحْد ، وتقع في ثلاثة مواضع : تكون بمنزلة كان ، ترفع الاسم وتنصب الخبر ، تقول : ليس زيد قائما ، وليس قائما زيد ، ولا يجوز أن تقدم خبرها عليها لأنها لا تنصرف.

وتكون ليس استثناء فتنصب الاسم بعدها كما تنصبه بعد إلا ، تقول : جاءني القوم ليس زيدا ، وفيها مضمر لا يظهر. وتكون نسقا بمنزلة «لا» تقول : جاءني عمرو ليس زيد.

وقال لبيد :

* إنما يَجزي الفتى ليس الجمل*

قال أبو منصور : وقد صرّفوا.

وقد صَرفوا ليس تصريفَ الفعل الماضي فثنوْا وجَمَعوا وأَنّثوا ، فقالوا : لَيْس ولَيْسَا ولَيْسُوا ، ولَيْسَت المرأةُ ولَسْنَ ، ولم يصرِّفوها في المستقبل ، وقالوا : لَسْتُ أفعَل ، ولَسْنا نفعل.

وقال أبو حاتم : من أسمج الخطأ : أنا ليس مِثلك ، قال : والصّواب لستُ مِثْلَك ، لأنّ ليس فعل واجبٌ فإنما يُجاء به للغائب المتراخِي ، تقول : عبدُ الله ليس مِثلك.

قال : ويقال جاءني القوم لَيْسَ أباكَ ولَيْسَكَ ، أي : غيرَ أبيك وغيرك. وجاءكَ القومُ ليس إياك ولَيْسَني بالنّون بمعنًى واحد. وبعضهم يقول : لَيْسَني بمعنى وغيري.

وقال اللّيث : مصدَرُ الأَلْيَس ، وهو الشجاع الذي لا يَرُوعه الحَرْب.

وأنشَد :

* ألْيَسُ عن حَوْبائهِ سَخِيُّ*

يقوله العجاج وجمعه ليسٌ.

وقال آخر :

تَخالُ نَدِيَّهم مَرْضَى حَياءً

وتَلقاهُمْ غَداةَ الرَّوْعِ ليْسَا

أبو عُبيد عن الأصمعيّ : الأَلْيَس : الذي لا يَبْرَح بَيْتَه.

٥١

وقال غيره : إِبِلٌ لِيسٌ على الحَوض : إذا أقامتْ عليه فلمْ تبرحْه ، ويقال للرجل الشُّجاع : أَهْيَس أَلْيَس ، وكان في الأصل أَهْوَس أَلْيس ، فلمّا ازْدَوَج الكلامُ قَلَبوا الواوَ ياءً فقالوا : أَهْيَس. والأهْوَس : الذي يَدُقُّ كلَّ شيء ويَأْكُلُه. والألْيَس : الذي لا يُبارح قِرْنَه ، وربّما ذَمُّوا بقولهم : أهيَس ألْيس ، فإذا أرادوا الذّمّ عَنَوْا بالأهْيَس : الأهْوَس ، وهو الكثير الأكل ، وبالألْيس الذي لا يَبْرَح بَيْتَه ، وهذا ذَمّ.

وقال بعضُ الأعراب : الألْيَس : الدَّيُّوثي الذي لا يَغار ويُتَهزَّأُ به ؛ فيقال : هو أَلْيَسُ بُورِكَ فيه. فاللّيَس يَدخُل في المعنيين : في المدحِ والذَّمّ. وكلٌّ لا يَخفَى على المُتَفَوِّهِ به.

ويقال : تَلايَسَ الرجلُ : إذا كان حَمُولا حَسَن الخُلُق ، وتلايَسْتُ عن كذا وكذا : أي : غَمّضْتُ عنه ، وفلانٌ أَلْيَسُ دَهْثَم : أي : حَسَن الخُلق.

وفي الحديث : «كُلُّ ما أنهرَ الدّم فكُلْ ليس السِّنّ والظُّفْرَ»، والعرب تستثني بليس فتقول : قام القوم ليس أخاك ، وليس أخويك ، وقام النسوة ليس هندا. وقام القوم ليسي وليْسَني وليس إيّاي. وأنشد :

* قد ذهب القوم الكرام ليسي *

وقال الآخر :

وأصبح ما في الأرض مني تقيّةً

لناظره ليس العظامَ العواليا

لسا : ثعلب عن ابن الأعرابيّ : اللَّسَا : الكثير الأكل من الحيوان.

وقال : لَسَا : إذا أَكَلَ أَكْلا يَسيرا ، وكأنّ أصلَه من اللَّسِّ وهو الأكْل.

أسل : قال الليث : الأسَلُ : نباتٌ له أغصانٌ كثيرةٌ دِقاق ، لا وَرَق له ، ومَنبِتُه الماءُ الراكد ؛ يُتَّخَذ منه الغرابيلُ بالعِراق ، الواحدة أَسَلة ؛ وإنما سمِّي القَنَا أَسَلا تشبيها بطوله واستوائه ، وقال الشاعر :

تَعْدُو المنايا على أُسامةَ في الخِي

سِ عليه الطَّرْفاءُ والأسَلُ

وأَسَلَةُ اللِّسانِ : طَرَفُ شَباتِه إِلى مُستدَقِّه.

ومنه قيل للصاد والزاي والسين : أسلِيّة ، لأن مبدأها من أسلة اللسان ، وهو مستدق طرفه.

وأَسَلَةُ الذِّراع : مستدَقُّ الساعِد مما يلي الكفّ.

وكفٌ أَسيلةُ الأصابع : وهي اللطيفة ، السَّبْطةُ الأصابع.

وخَدٌّ أَسيل : وهو السَّهْل اللَّيّن ، وقد أَسُل أَسالةً.

أبو زيد : من الخُدود الأسيل ، وهو السهل اللين الدّقيق المستوي ، والمَسْنُونُ اللَّطيفُ ، الدّقيق الأنف.

ورُوِي عن عليّ رضي‌الله‌عنه أنه قال : لا قَوَد إلّا بالأَسَل ، فالأَسَل عند علي عليه‌السلام كلّ ما أرِقَّ من الحديد وحُدِّد من سيفٍ أو سكين أو سِنان ، وأَسَّلْتُ

٥٢

الحَديدَ : إذا رَقَّفْتَه ، وقال مُزاحِم العُقَيْلِيّ :

يُبَارِي سَدِيساها إذا ما تَلمَّجَتْ

شَبا مِثْلَ إبْزِيمِ السِّلاحِ المُؤَسَّلِ

وقال عمر رضي‌الله‌عنه : إياكم وحَذْفَ الأَرْنب بالعَصَا ، ولْيُذَكِّ لكم الأَسَل : الرِّماح والنَّبْل.

قال أبو عُبيدة : لم يُرد بالأَسَل الرّماحَ دُون غيرها من سائر السلاح الّذي رُقِّقَ وحُدِّد.

قال : وقوله : الرّماح والنبل يرد قولَ من قال : الأَسَل : الرِّماحُ خاصّة ، لأنه قد جعل النَّبْل مع الرماح أسلا. وجمع الفرزدق الأَسَل الرماحَ أسلاتٍ فقال :

قد ماتَ في أسلاتِنا أو عَضَّنه

عَضْبٌ برَوْنَقِه المُلوكُ تُقتَّلُ

أي : في رِماحِنا. ومأْسَل : اسم جَبَلٍ بعَيْنه.

شمر عن ابن الأعرابيّ قال : الأسَلَةُ :

طَرف اللِّسان ، وقيل للقَنَا أَسَل لما رُكِّب فيها من أطراف الأسِنَّة.

باب السين والنون

س ن (وا ىء)

سنا ـ وسن ـ نوس ـ نسي ـ أسن ـ أنس ـ نسأ ـ سان : [مستعملة].

سنا : قال الليث : السّانِيَة جمعُها السَّوانِي : ما يُسقَى عليه الزُّروع والحيوانُ من كبيرٍ وغَيره.

وقد سَنَتِ السّانية تَسْنُو سُنُوّا : إذا استَقَت وسِنايَةً وسِنَاوَة.

قال : والسَّحاب يَسْنُو المطر والقومُ يَسْتنون : إذا اسنَتوا لأنفسهم ، قال رؤبة :

* بأيِّ غَرْبٍ إذ عرفنا نَسْتَنِي *

ابن هانىء عن أبي زيد : سَنَت السماءُ تَسْنُوا سُنُوّا : إذا مَطَرَتْ ، وسَنَوْتُ الدَّلْوَ سِناوة : إذا جررْتها من البئر.

أبو عبيد : السّاني : المستقي ، وقد سنَا يَسْنُو ، وجمع الساني سُناة ، قال لبيد :

كأَنّ دموعه غَرْبا سُنَاةٍ

يُحِيلون السِّجال على السجال

جعل السُّناة الرِّجال الذين يَلُون السَّواني من الإبل ، ويُقبلون بالغُرُوبِ فيُحيلونها ، أي : يَدْفُقون ماءها في الحوض.

ويقال : رَكيّة مَسْنَوية : إذا كانت بعيدة الرِّشاء لا يُستقى منها إلا بالسّانية من الإبل ، والسانِية تقع على الجمل والناقة ، بالهاء. والساني : يقع على الجمل وعلى الرّجُل والبقر ، وربّما جعلوا السَّانية مصدرا على فاعله بمعنى الاستقاء ، ومنه قول الراجز ، وأنشد الفرّاء :

يا مرحباهُ بحمارٍ ناهِيَهْ

إذا دنَا قَرَّبْتُه للسانيهْ

أراد : قربْتُه للسانية. وهذا كله مسموع من العرب.

ويقال : سَنَيْتُ الباب وسَنَوْتَهُ : إذا فتحتَه.

وقال ابن السكيت : قال الفراء : يقال :

٥٣

سناها العيثُ يَسْنُوها فهي مَسْنُوَّة ومَسْنِيَّة ، يعني سقاها.

أبو عُبيد عن أبي عمرو : سانيْتُ الرجل : راضيتُه وأحسنتُ معاشَرَتَه ، ومنه قول لبيد :

وسانيتُ مِن ذِي بَهْجَةٍ ورَقيتُه

عليه السُّموط عابسٍ متغَضِّبِ

الليث قال : والمُساناة : المُلاينة في المطالبة. والمُساناة : المُسَانَهَة ، وهي الأجل إلى سنة.

وقال : المُساناة : المصانَعة ، وهي المُداراة ، وكذلك المُصاداة والمُداجاة.

قال : ويقال : إن فلانا لسَنِيُ الحسب ، وقد سَنُوَ يَسْنُو سُنُوّا وسنَاء مَمدُود.

قال : والسَّنا ـ مقصور ـ : حدُّ منتهى ضوءِ البدر والبرق ، وقد أَسنى البرقُ : إذا دخل سناهُ عليك بَيْتك ، ووقع على الأرض أو طار في السحاب.

وقال أبو زيد : سنَا البرق : ضَوْءُه من غير أن تَرَى البرق أو ترى مَخرجه في موضعه ، وإنما يكون السَّنا بالليل دون النهار ، وربما كان في غير سحاب.

وقال ابن السكيت : السناءُ من الشَّرَف والمجد مَمْدود. والسَّنَا : سَنَا البَرْق وهو ضوؤه ، يكتب بالألِف ويثنَّى سَنَوان ، ولم يعرف له الأصمعي فعلا.

وقال الليث : السَّنَا : نباتٌ له حَمْل ، إذا يبس فحرّكته الرِّيح سمعتَ له زجلا ، والواحدة سناة.

وقال حُمَيْد :

صَوْتُ السَّنا هَبَّتْ له عُلْوِيّةٌ

هَزَّتْ أعاليه بسَهْبٍ مُقْفِرِ

وقال ابن السكيت : السّنا : نبتٌ ، وفي الحديث : «عليكم بالسَّنَا والسَّنُّوتِ» وهو مقصور.

وقال غيره : تُجْمع السنة سنوات وسِنِين.

قال : والمُسَناة : ضفيرةٌ تُبنى للسيل لترُدّ الماء ، سُمّيت مُسَنّاةً لأن فيها مفاتيحَ للماء بقدر ما يحتاج إليه مما لا يغلب ، مأخوذٌ من قولك : سنَّيت الأمر : إذا فتحتَ وجهه ، ومنه قوله :

* إذا الله سنّى عِنْد أَمرٍ تَيَسَّرَا*

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : وتَسَنى الرجل : إذا تَسَهَّلَ في أموره ، وأنشد :

* وقد تَسَنّيْتُ له كلَ التَّسَني *

ويقال : تَسَنَّيْتُ فلانا : إذا ترضّيته. وتسنَّى البعير الناقةَ : إذا تسدّاها وقعَا عليها ليضربها.

وسن : قال اللَّيث : الوسَن : ثقل النّوْم.

ووَسِنَ فلانٌ : إذا أخذته سنةُ النُّعاس.

ورجُل وَسِن ووَسْنان ، وامرأة وسْنى : إذا كانت فاتِرَة الطَّرْف.

وقال الله عزوجل : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) [البقرة : ٢٥٥] ، أي : لا يأخذه نعاسٌ ولا نوم ، وتأويله : أنه لا يَغْفُل عن تدبير أمر الخلق ، قال ابن الرِّقاع :

٥٤

وَسْنانُ أَقصده النُّعاسُ فَرَنَّقَتْ

في عينه سِنَةٌ وليس بنائم

ففرّق بين السِّنَةِ والنوم كما ترى.

قلت : إذا قالت العرب امرأةٌ وَسْنى : فالمعنى أنها كَسلى من النَّعمة.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : مَيسَانُ : كوكبٌ ، يكون بين المعَرّة والمجرّة.

وروي عن عمرو عن أبيه قال : الميَاسين : النجوم الزاهرة.

قال : والمَيسُونُ من الغِلمان : الحسنُ القَدّ الطّرِيرُ الوجه.

قلتُ : أما مَيسانُ اسمُ الكوكب فهو فَعلانُ من ماس يميس : إذا تبختر ، وأما مَيسون فهو فَيْعُول من مَسَنَ أو فَعْلُونَ من ماسَ.

وقال ابن الأعرابيّ : امرأة مَوْسُونةٌ : وهي الكسلَى.

سان : وقال الليث : طُورُ سِينا : جَبَل. قال : وسِينين : اسم جَبَل بالشام.

وقال الزّجّاج : قيل : إنّ سِيناء حجارةٌ ، وهو والله أعلم اسمُ المكان فمن قرأ سَيْناء على وَزْن صَحْراء ، فإنّها لا تنصرف ، ومن قرأ سِيناءَ ، فهي هاهنا اسمٌ للبُقْعة ، فلا ينصرف ، وليس في كلام العرب فِعْلاء بالكسر ممدودة.

قال الليث : السِّين حرفُ هِجاءٍ يذكَّر ويؤنَّث ، هذه سينٌ ، وهذا سِينٌ ، فمن أنَّث فعلى توهُّم الكلمة ، ومن ذَكَّر فعلى توهُّم الحرف.

وقال ابن الأعرابيّ : التَّسَوُّن : استرخاءُ البَطْن.

قلتُ : كأنّه ذهب به إلى التَّسَوُّل ، من سَوِل يَسْوَل : إِذا استرخى ، فأبدَلَ من اللام نُونا.

نسي : قال الليث : نسيَ فلانٌ شيئا كان يذكُرُه وإنه لَنسِيٌ ، أي : كثيرُ النسيان.

والنِّسْيُ : الشيءُ المَنْسيُّ الذي لا يُذكَر.

وقال الله جلّ وعزّ : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها) [البقرة : ١٠٦].

قال الفرّاء : عامّة القُرّاء يجعلونها من النِّسْيان.

قال : والنِّسْيان ها هنا على وجهين : أحدُهما : على التَّرْك ، نتْرُكُها فلا نَنْسَخُها ، كما قال الله جلّ وعزّ : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) [التوبة : ٦٧] ، يريد : تركوه فترَكهم.

والوجهُ الآخر من النّسْيان الذي يُنْسَى ، كما قال جل شأنه : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ) [الكهف : ٢٤].

وقال الزَّجّاج : قُرىء : (أَوْ نُنْسِها) [البقرة : ١٠٦] وقرىء : (نَنْسَهَا) ، وقرىء : (نَنْسأْها). قال : وقال أهلُ اللغة في قوله : (أَوْ نُنْسِها).

قال بعضهم : (أَوْ نُنْسِها) من النِّسْيان وقال : دليلُنا على ذلك قولُ الله تعالى : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (٦) إِلَّا ما شاءَ اللهُ) [الأعلى : ٦ ، ٧] ، أنّه يشاءُ أن يَنسى.

٥٥

قال أبو إسحاق : وهذا القولُ عندي ليس بجائز ؛ لأنّ الله قد أنبأ النبيَّ عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) [الإسراء : ٨٦] ، أنه لا يشاء أن يَذهَب بما أوحَى به إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال : وفي قوله تعالى : (فَلا تَنْسى إِلَّا ما شاءَ اللهُ) [الأعلى : ٦ ، ٧] قولان يُبْطِلان هذا القولَ الذي حَكَيْناه عن بعض أهل اللغة :

أحدُهما : (فَلا تَنْسى) أي : فلستَ تَتْرك إلا ما شاء الله أن تَتْرُك.

قال : ويجوز أن يكون : (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) ممّا يلحق بالبَشَريّة ، ثم تذَكَّرُ بعدُ ليسَ أنه على طريق السَّلْب للنبيّ عليه‌السلام شيئا أوتيَه من الحكمة.

قال : وقيل في (أَوْ نُنْسِها) قول آخر ؛ وهو خطأ أيضا.

قالوا : أو نَتركها ، وهذا إنما يقال فيه : نَسِيت إذا تركت ، لا يقال : أُنْسيتَ تركت ، وإنما مَعنى : (أَوْ نُنْسِها) [البقرة : ١٠٦] أو نتركها ، أي : نأمركم بتَرْكِها.

قلتُ : وممّا يقوِّي قولَه ، ما أخبرَني المنذريُّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه أنشده :

إنّ عليَّ عُقْبَةً أَقْضِيها

لستُ بناسِيها ولا مُنْسِيها

قال : بناسِيها : بتارِكها ، ولا مُنسِيها : ولا مؤخِّرها ، فوافَق قول ابن الأعرابيّ قَولَه في النَّاسي أنّه التارك لا المنسيّ ؛ واختلف قولهما في المُنْسِي ، وكان ابن الأعرابي ذهبَ في قوله : «ولا مُنْسِيها» إلى ترك الهمز ، مِن أَنسَأْت الدَّيْنَ ، أي : أخَّرْتَه على لغة مَن يخفِّف الهمزة.

وأمّا قولُ الله جلّ وعزّ حكايةً عن مريمَ : (وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا) [مريم : ٢٣] ، فإنّه قرىء (نَسْياً) و (نِسْيا) ، فمن قرأ بالكسر فمعناه حَيْضةً مُلْقاةً ، ومن قرأ (نَسْياً) فمعناه شيئا مَنْسِيا لا أُعرَف ، وقال الزّجّاج : النِّسْيُ في كلامِ العَرَب : الشيءُ المطروح لا يُؤْبَه له ، وقالَ الشَّنْفَري :

كأنّ لها في الأرض نِسْيا تَقُصُّه

على أُمِّها وإنّ تُحاطِبْك تَبْلَتِ

وقال الفرّاء : النِّسْيُ والنَّسْيُ لغتان فيما تُلْقِيه المرأةُ من خِرَق اعتلالِها. قال : ولو أَردتَ بالنِّسْيِ مصدَر النِّسْيان كان صوابا ، والعَرَب تقول : نَسِيتُه نِسْيانا ونِسْيا.

وأخبَرَني المُنذِريُّ عن ابن فَهْم ، عن محمّد بن سلّام ، عن يونسَ أنّه قال : العَرَبُ إذا ارتَحَلوا من الدّار قالوا : انْظُروا أَنساءَكم : أي : الشيءَ اليَسيرَ نحو العَصَا والقَدَح والشِّظاظ.

وقال الأخفش : النِّسْيُ : ما أغفِل من شيء حقيرٍ ونُسِيَ.

وأخبَرَني الإياديُّ عن شمر عن ابن الأعرابيّ أنّه أَنشَدَه :

سَقَوْني النَّسْيَ ثم تكنَّفُونِي

٥٦

عُدَاةَ اللهِ من كَذِبٍ وزُورِ

بغير همز ، وهو كلُّ ما نَسَّى العَقْلَ. قال : وهو اللَّبن الحليبُ يُصَب عليه ماءٌ.

قال شمر : وقال غيرُه : هو النَّسِيُ بنَصْب النُّون بغير همز ، وأَنشَد :

لا تَشْرَبَن يومَ وُرودٍ حازِرَا

ولا نسِيّا فتَجيءَ فاتِرَا

أبو عُبيد : يقال للّذي يشتكي نَساه : نَسٍ ، وقد نَسِيَ يَنْسَى ، إذا اشتَكَى نَسَاه.

وقال ابن شميل : رجلٌ أَنْسَى ، وامرأةٌ نَسْيا ، إذا اشتَكَيَا عِرْقَ النَّسا.

وقال ابن السكّيت : هو النَّسا لهذا العِرْق ، ولا تقل عِرْق النَّسا ، وأَنشَد غيرُه قولَ لبيد :

مِنْ نَسَا النّاشِطِ إذ ثَوَّرْتَهُ

أو رَئيسِ الأخْدَرِيّاتِ الأُوَلْ

يقال : نَسِيتُه أَنْسِيه نَسْيا : إذا أَصَبْتَ نساه.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال : النَّسْوَة : الجُرْعة من اللّبن. والنَّسوةُ : التَّرْك للعَمَل. والنِّسوةُ ـ بكسر النون ـ لجماعة المرأة من غير لفظِها ، والنساء : إذا كَثُرْن.

نسأ : أبو عبيد عن الأمَويّ : النَّسءُ بالهمز : اللَّبَن المَحْذُوق بالماء ، وأَنشَد بيت عروة بن الورد :

سَقَوْني النَّسءَ ثُمّ تكنَّفُونِي

عُدَاةَ اللهِ مِنْ كَذِبٍ وزُورِ

وقرىءَ : (نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها) [البقرة : ١٠٦] المعنى : ما نَنْسخ لك من اللّوح المحفوظ ، أو ننسأْها : نؤخِّرها ، فلا نُنْزِلها.

وقال أبو العبّاس : التأويل أنّه نَسخها بغيرها وأقرَّ خَطّها ، وهذا عندهم الأكثر والأجوَد.

وقولُ الله جلّ وعزّ : (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ) [التوبة : ٣٧] ، قال الفرّاء : النَّسِىءُ : المَصْدَر ، ويكون المَنْسُوء : مِثل قَتِيل ومَقْتول ، قال : وإذا أَخَّرْتَ الرجلَ بِدَيْنِه ، قلتَ أنسأْتُه ، فإذا زدتَ في الأجَل زيادةً يقع عليها تأخير قلت : قد نسأْتُ في أيّامك ، ونسأْتُ في أَجَلك : وكذلك تقول للرجل : نسأَ اللهُ في أَجلك ، لأن الأجَل مَزيدٌ فيه ، ولذلك قيل للَّبن : النَّسْيء ، لزيادة الماء فيه ، وكذلك قيل : نُسِئَت المرأةُ : إذا حملتْ ، جَعَل زيادةُ الولد فيها كزيادة الماءِ في اللَّبن ، يقال : والناقة : نسأْتها ، أي : زجرْتُها ليزداد سَيْرُها.

وقال الفراء : كانت العربُ إذا أرادت الصَّدَرَ عن مِنًى قام رَجُل من بني كنانَة ـ وسمّاه ـ فيقول : أنا الّذي لا أُعابُ ولا أُجاب ، ولا يُرَدّ لي قضاء ، فيقولون : صدقتَ : أَنْسئْنا شَهْرا ، يريدون : أَخِّرْ عنّا حُرْمَة المحرَّم واجعَلْها في صَفَر ، وأَحِلَّ المحرَّم ، فيَفعل ذلك ، لئلّا يتوالَى عليهم ثلاثةُ أشهُر حُرُم ، فذلك الإنساء.

قلتُ : والنسيءُ في قول الله معناه الإِنْساء ، اسمٌ وُضِع موضعَ المَصْدَر

٥٧

الحقيقيّ من أنسَأْتُ ، وقد قال بعضُهم : نَسَأْتُ في هذا الموضع بمعنى أَنْسَأْتُ ؛ قال عُمَير بنُ قيسِ بنِ جِذْل الطِّعان :

ألَسْنا النّاسِئين على مَعَدِّ

شُهُورَ الحِلِّ نَجْعَلُهَا حَرامَا

أبو عبيد عن الأصمعيّ : أَنسأَ اللهُ فلانا أَجَلَه ، ونَسَأَ في أَجَلِه.

قال : وقال الكسائيّ مثله.

قال : وأنسأْتُه الدَّينَ. قال : ويقال : ما لَه نَسَأه اللهُ ، أي : أخْزَاه الله. ويقال : أَخَرَه الله. وإذا أَخَّره فقد أَخْزاه. قال : وقد نُسِئَت المرأةُ : إذا بَدَا حَمْلُها فهي نَسُوءٌ.

وقد جَرَى النَّسْء في الدّوابِ : يعني السِّمَن. ونَسَأْتُ الإبلَ أنسَأُها : إذا سُقْتَها ؛ قال : وأنشدَنا أبو عمرو بنُ العلاء :

وما أمُّ خِشْفٍ بالعَلَايةِ شادِنٍ

تُنَسِّىءُ في بَرْدِ الظِّلالِ غَزَالها

قال : وانتسَأَ القومُ : إذا تباعَدَوا.

وفي الحديث : «إذا تنَاضَلْتم فانتسِئوا عن البيوت»، أي : تبَاعَدوا ؛ وقال مالك بن زُغْبة :

إذا انْتَسَئُوا فَوْتَ الرِّماح أتتْهُمُ

عَوَائِرُ نَبْلٍ كالجرادِ نُطيرُها

وقال أبو زيد : نَسأْتُ الإبِلِ عن الحوض : إذا أخَّرْتها. ونَسَأَتِ الماشيةُ تَنْسَأ : إذا سَمِنَتْ ؛ وكلُّ سَمين ناسىء. ونُسِئَت المرأةُ في أوّل حَمْلِها ، وأَنْسَأْتُه الدَّين : إذا أخَّرتَهُ ؛ واسم ذلك الدَّين النّسِيئة.

قال : ونسأتُ الإبلَ في ظِمْئِها فأنا أنسؤها نسْأً : إذا زدتها في ظمئها يوما أو يومين.

وقال الفَرّاء في قول الله جلّ وعزّ : (تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) [سبأ : ١٤] ، هي : العَصَا الضّخمة الّتي تكون مع الراعي ، يُقال لها المنْسأة ، أُخِذَت من نَسأْتُ البعير ، أي : زَجَرْتُه ليزدادَ سيرُه.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : ناسَاه : إذا أبْعَدَه ، جاء به غيرَ مَهْموز ، وأصله الهمزُ.

أسن : قال الله جلّ وعزّ : (مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ) [محمد : ١٥].

قال الفَرَّاء : أي غيرُ متغيِّر ولا آجِن.

أبو عبيد عن أبي زيد : أسَنَ الماءُ يأسِنُ أَسْنا وأُسُونا : وهو الّذي لا يَشْرَبه أحدٌ من نَتْنه. قال : وأَجَنَ يأْجِنُ : إذا تغيّر ، غيرَ أنّه شَرُوب.

وفي حديث عمَر : أن قَبيصةَ بن جابر أتاه فقال : إنِّي رَمَيْتُ ظَبيا وأنا مُحرِم فأَصَبْتُ خُشَشَاءَه فأَسِنَ فماتَ.

قال أبو عُبيد : قوله : «أَسن» يعني أدِير به ، ولهذا قيل للرَّجل إذا دَخَل بئرا فاشتدَّت عليه ريحُها حتى يصيبَه دُوار منه فيسقُط : قد أَسِن يأسَن أَسنا ، قال زُهير :

يُغَادِرُ القِرْنَ مصفَرّا أنامِلُه

يَميدُ في الرُّمْح مَيْدَ المائح الأَسِنِ

قلتُ : هو الأَسِن واليَسن أُسمعتُه من غيرِ واحد بالياء ، كما قالوا رُمْحٌ بَزَنى وأَزَنيّ ،

٥٨

وما أَشْبَهَه.

أبو عُبيد عن الفَرّاء قال : إذا بَقِيَتْ من شَحم الناقة ولحمِها بقيّةٌ فاسمُها الأسُنُ والعُسُنُ ، وجمعُه آسان وأَعْسان. ويقال : تَأَسَّنَ فلان أبَاه : إذا تَقيّله. وهو على آسانٍ من أبيه وآسالٍ.

وقال اللّيث : تأَسّن عَهْدُ فلان ووُدُّه : إذا تغبّر ، وقال رُؤْبة :

* راجَعَهُ عَهْدا عن التّأسُّنِ *

قال : والأَسينَة : سَيْرٌ واحد من سُيورٍ تُضْفَر جميعا فتُجعَل نِسْعا أو عِنانا ، وكلُّ قُوَّة من قُوَى الوَتَر أَسينَة ، والجميع أَسائن ، والأسُون والآسَان أيضا.

وقال الشاعر :

لقد كنتُ أَهْوَى الناقميَّةَ حِقْبَةً

فقد جعلَتْ آسانُ بَيْن تَقَطَّعُ

قال ذلك الفَرّاء.

أبو عبيد عن أبي زيد : تَأَسَّنَ فلانٌ عليَ تأسُّنا : أي : اعتَلّ وأَبطأَ.

ورَواهُ ابن هانىء عنه : تأسَّر بالراء ، وهو الصواب.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : أَسِنَ الرجلُ يَأْسَنُ : إذا غُشِيَ عليه من رِيح البئر.

قال : وأسَنَ الرجلُ لأخيه يأْسِنُه ويأسُنه : إذا كَسَعَه برجله.

قال أبو العبّاس : وقال أبو عمرو : الأَسْنُ : لُعْبةٌ لهم يسمُّونها الضَّبْطة والمَسّة.

وقال غيرُه : آسانُ الرجل : مذاهِبُه وأخلاقه ، وقال ضابىء البُرْجُميّ :

وقائلةٍ لا يُبْعدُ اللهُ ضابئا

ولا تَبْعَدَنْ آسانُه وشمَائلُهْ

وسن : وقال أَبو زيد : رَكِيّةٌ مُوسِنَةٌ يَوْسَنُ فيها الإنسانُ وسَنا : وهو غَشْيٌ يأخذه ، وبعضهم يَهمِز فيقول : أَسِن.

قلت : وسمعت غير واحد من العرب يقول : ترجّل فلان في البئر فأصابه اليَسَنُ فطاح منها ، بمعنى الأسن. وقد يسن ييسن لغات معروفة عند العرب كلها.

ويقال : توسَّنْتُ فلانا تَوَسُّنا : إذا أتيتَه عند النَّوم ، قال الطّرِمّاح :

أذَاكَ أم ناشطٌ توسَّنَه

جارِيَ رذاذٍ يَسْتَنُّ مُنْجِرِدُهْ

وتَوَسَّنَ الفَحلُ الناقةَ : إذا أتاها باركةً فضَرَبها ، قال أبو دُاود :

وغَيثٍ توسّنَ منه الرِّيا

حُ جُونا عِشارا وعُونا ثقالا

جعل الرِّياح تُلقح السحابَ ، فضَرب الجونَ والعُون لها مَثَلا.

والجون : جمعُ الجونة ، والعُونُ : جمعُ العَوَان.

ورُوي عن ابن عمَر أنه كان في بيتِه المَيْسُوسن فقال : أخرِجوه فإنّه رِجْس ، قال شمر : قال البَكْراويّ : المَيْسوسن : شيءٌ تجعله النِّساء في الغِسلة لرؤوسهنّ.

٥٩

أنس : أبو زيد : تقول العَرب للرّجل : كيفَ ترى ابنَ إنسك : إذا خاطبتَ الرجل عن نفسه.

أبو عُبيد عن الأحمر : فلانٌ ابن أُنسِ فلانٍ ، أي : صفيُّه وأنيسه.

وأخبرَني المنذريُّ عن ثعلب عن سلمة عن الفرّاء : قلت للدُّبَيْري : إيش قولُهم : كيف ترى ابن إِنسك ـ بكسر الألف ـ؟ فقال : عزَاه إلى الإنس ، فأما الأُنس عندهم فهو الغَزَلُ.

وقال أبو حاتم : أَنسْتُ به إنسا بالكسر ولا يقال أُنسا ، إنما الأنس : حديثُ النِّساء ومؤانستهُنّ ، رواه أبو حاتم عن أبي زيد.

وقال ابن السكّيت : أَنستُ به آنَسُ ، وأَنَستُ به آنِسُ أُنسا ، بمعنى واحد.

وقال أبو زيد : إنسِيٌ وإنْس ، وجِنِّيٌّ وجِنّ ، وعَرَبيّ وعرَب.

وقال : آنِسٌ وآنَاسٌ كثير وإنسان وأنَاسيَةٌ وأنَاسيّ مثل إنسيّ وأَناسيّ.

وقال ابنُ الأعرابيّ : أَنسْتُ بفلان ، أي : فرِحْتُ به.

وقال اللّيث : الإنْس : جماعةُ الناس ، وهم الأنَس ، تقول : رأيتُ بمكانِ كذا وكذا أنسا كثيرا ، أي : ناسا ، وأنشَد :

* وقد نرَى بالدّار يوما أَنسَا*

قال : والأُنْسُ والاستِئناس هو التّأنُّس ، وقد أَنسْتُ بفلانٍ. وفي كلام العرب : إذا جاء الليلُ استأنَسَ كلُّ وحشيّ ، واستَوْحَش كلُ إنسيّ. قال : آنسْتُ فَزَعا وأَنستُه : إذا أَحسسْتَ ذلك أو وجدته في نفسك قال والبازي يتأنّس إذا ما جَلَّى ونظر رافعا رأسه وطَرْفَه. كلْبٌ أنوسُ : وهو نقيضُ العَقور ، وكلابٌ أُنُس. وقوله جلّ وعزّ : (آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً) [القصص : ٢٩] ، يعني : موسى أبصَر نارا ، وهو الإيناس.

وقال الفراء في قوله : (لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا) [النور : ٢٧] ، معناه : حتى تستأذِنوا.

وقال : هذا مقدَّم ومؤخَّر ، إنما هو : حتى تُسلِّموا وتستأنسوا : السلامُ عليكمْ أَأَدخل؟

قال : والاستئناسُ في كلام العرب : النظر ، يقال : اذهبْ فاستأنسْ هل تَرَى أحد ، فيكون معناه : انظُرْ مَن تَرَى في الدار ، وقال النابغة :

* بذي الجَليلِ على مستأنسٍ وَحِدِ*

أراد على ثَوْرٍ وَحْشيّ أحسَّ بما رابَه ، فهو يستأنس ، أي : يتلفَّت ويتَبصَّر ، هل يرى أحدا. أراد : أنّه مَذْعُور فهو أَجَدُّ لعدْوِه وفراره وسرعته.

وقال الفرّاء فيما روى عنه سلمة في قول الله جلّ وعزّ : (وَأَناسِيَ كَثِيراً) [الفرقان : ٤٩] ، الأَناسيُ : جِمَاعٌ ، الواحدُ إنْسِيّ ، وإن شئتَ جعلتَه إنسانا ثم جمَعْتَه أُناسِيّ ، فتكون الياءُ عِوَضا من النون.

قال : والإنسان أصلُه ؛ لأنّ العَرَب تصغّره

٦٠