تهذيب اللغة - ج ١١

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ١١

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٧

في قُرْبِ الله وجواره ، قال والجَنْبُ : معظمُ الشيء وأكثرُه ، ومنه قولهم : هذا قليل في جَنْبِ مودَّتك.

وقال ابن الأعرابيّ في قوله : (فِي جَنْبِ اللهِ) : في قُرْب الله ، من الْجَنَبَةِ.

وقال الزّجاج : معناه عَلَى ما فَرَّطَتْ في الطريق الذي هو طريقُ الله الذي دَعاني إليه ، وهو توحيدُ الله ، والإقرار بنبوَّةِ رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقال سعيد بن جُبَير في قوله : (وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) هو الرَّفيق في السَّفر ، (وَابْنِ السَّبِيلِ) [النساء : ٣٦] : الضَّيْف ، وهو قولُ عِكْرِمة ومُجاهد وقتادة.

ويقال : اتَّقِ الله في جَنْب أَخيكَ ، ولا تَقْدَح في شأنه ، وأنشد الليث :

* خلِيلَيَّ كُفَّا واذكرا الله في جنْبِيْ *

أي في الوَقِيعَةِ فيَّ.

وقال أبو إسحاق في قوله جلّ وعزّ : (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) [المائدة : ٦].

يقال للواحد : رجُلٌ جُنُبٌ ، وامرأةٌ جُنُب ، ورجلان جُنُبٌ ، وقَوْمٌ جُنُبٌ ، كما يقال : رجلٌ رِضاً ، وقومٌ رِضاً ، وإنما هو على تأويل ذوِي جُنب ، فالمصْدَرُ يقومُ مقام ما أُضيف إليه. ومن العرب من يُثَنِّي ويجمع ويجعل المصدر بمنزله اسمِ الفاعل ، وإذا جُمعَ جُنُب قيل في الرّجال : جُنُبُون ، وفي النساء : جُنُبَات ، وللاثنين : جُنُبَان.

سلمة عن الفرّاء : يقال من الجنَابة أَجْنَبَ الرجل وجنِب ، وجنَّب ، وتَجَنَّب.

شمر : قال الفراء : أجنبت المرأةُ الرّجلَ إذا ألْزَمهَا الجنابة ، وكذلك كلُّ شيء يُجْنِب شيئاً.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : أَجْنَبَ : تَبَاعَدَ.

وروي عن ابن عباس ، أنه قال : الإنسان لا يُجْنب ، والثَّوْبُ لا يُجنب ، والماء لا يُجنب ، والأرض لا تُجنب ، وتفسيره : أنَ الجُنُب إذا مَسَّ رَجُلاً لا يُجْنِب ، أي لم يَنجُسَ بمُماسة الجُنب إياه ، وكذلك الثَّوْبُ إذا لَبِسَه الْجُنب لم يَنجس ، والأرض إذا أَفضى إليها الجُنُب لم تَنجس ، والماء إذا غَمَس الجُنُب فيه يده لم يَنجس.

وقيل للجُنُب : جُنُب ، لأنه نُهِيَ أن يَقْرَبَ مواضعَ الصلاة ما لم يتطَهَّر فتجنَّبها وَأَجنب عنها ، أي بَعُدَ.

وفي الحديث : «لا جَنَبَ ، ولا جلب».

وهذا في سِباق الخيل والجَنبُ : أن يَجْنبُ فَرساً عُرْياً إلى فَرسه الذي يُسابق عليه ؛ فإذا فَتَرَ المركوبُ تَحوَّل على المجْنوبُ.

وقد مرَّ تفسير قوله : «لا جَلَب» في الباب قبله.

وأخبرني المنذريّ عن الشّيخيّ عن الرياشيّ في تفسير قوله «لا جَنب». قال : الجَنبُ أن يكون الفرسُ قد أعْيا فيؤتى

٨١

بفرسٍ مُرَيَّح فيجري إلى جنبه ليجري الآخر بجريه كأنه يُنشِّطه.

ويقال : جَنَبتُ الْفَرس أَجْنُبُه جَنباً إذا قُدْتَه.

وفي حديث أبي هريرة أنَّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بعث خالدَ بن الوليد يوم الفَتح على المُجنِّبة اليمنى ؛ والزُّبير على المُجَنِّبة اليسرى ، وجعَلَ أبا عُبيدة الحُسَّر وهم البياذقة.

قال شَمِر : قال ابنُ الأعرابيّ ، يقال : أَرْسَلوها مُجَنَّبين ، أي كتيبتين أَخذتا ناحِيَتي الطَّريق.

وقال غيره : المُجَنِّبة اليمنى هي : مَيْمَنَة العَسْكَر ؛ والمُجنِّبة اليسرى. هي الميْسرة ، والحسَّرُ : الرَّجَّالة.

وقال الأصمعيّ : يقال : نَزَل فلانٌ جَنْبةً يا هذا ، أي ناحية.

وقال عمر في أَمْر النساء : «عليكم بالجَنْبة ، فإنها عفاف».

وقال الراعي :

* هَمّان باتا جَنْبةً ودَخِيلاً*

وقال اللّيث : رجلٌ ذو جَنْبَة أي ذُو عُزْلَة من النّاس.

وقال شَمِر : جَنَبَتَا الوادِي ناحِيتاه ، وكذلك جِنَاباه وَضِيفاه. ويقال : أصابنا مَطرٌ نَبَتت عنه الجَبَبَة.

قلت : والجَنْبَةُ اسمٌ واحد لنُبُوتٍ كثيرة ، هي كلُّها عُرْوَة ، سُمِّيت جَنْبة لأنّها صَغُرت عن الشجر الكبار ، وارتفعت عن التي لا أَرومه لها في الأرض ، فمن الجَنْبة : النَّصِيّ ، والصِّلِّيان ، والعَرْفج ، والشّيح والمَكْر والجدَر وما أشبهها مما له أَرُومة تبقى في المحل ، وتَعْصِمُ المال.

وقال الأصمعيّ : يقال : أَعْطني جَنْبة ، فيعطيه جِلْداً فيتّخِذُه عُلْبَه.

والجَنْوب من الرِّياح : حارَّة ، وهي تَهْبّ في كلِّ وقت ، ومَهَبُّها ما بين مَهَبّي الصَّبا والدَّبُّور ، على صوب مَطْلعَ سُهَيل ، وجمع الجَنُوب : أَجْنُب ، وقد جَنَبَت الريحُ تَجْنُبُ جُنُوباً.

قال ابن بُزرْج : ويقال : أَجْنبْت أيضاً.

وقال الأصمعيّ : سَحابةٌ مَجْنوبَةُ : هبتَّ بها الجَنوب ؛ وأَجْنَبْنَا منذُ أَيام ، أي دَخَلنا في الجنوب ، وجُنِبْنا ، أي أَصابَتنا الجَنوب.

وقال ابن السِّكِّيت : قال الأصمعيّ مَجيءُ الجَنوبُ ما بين مَطلَعَ سُهَيلٍ إلى مطلع الشمس في الشّتاء.

قال وقال عُمارة : مَهَبّ الجنوب ما بين مَطْلَع سُهَيل إلى مَغْرِبِه.

ويقال : جُنِبَ فلان ؛ وذلك إذا ما جُنبَ إلى دَابَّة والجَنببةُ : الدَّابةُ تُقاد ، وقد جَنِبَت الدابةُ جَنَباً ، وفَرَسٌ طَوْعُ الجَنب والجِناب ، وهو الذي إذا جُنب كان سَهْلاً مُنقاداً وجَنب فلان في بني فلان ، إذا نَزل

٨٢

فيهم غَرِيباً يَجنِب ويَجنُب.

ومن ثَمَّ قيل : رجل جانِبٌ ؛ أي غريب ، والجميع جُنّابٌ ، ورجل جُنُب غريب ، والجميع أَجْناب.

ويقال : نِعْمَ الْقَوْمُ هُمْ لِجارِ الجنَابَة ، أي لجارِ الغُرْبة.

وجَنِب البعيرُ جَنَباً إذا طَلَعَ من جنْبه.

أبو عبيد عن الأصمعيّ : الجَنب أن يَعطَشَ البعيرُ عَطَشاً شديداً حتى تلتصق رِئته بجَنبه ؛ وقد جَنَب جنباً.

قال ذو الرمة :

* كأَنهُ مُسْتَبان الشَّكِّ أو جَنب *

وجَنَّب بنو فلان ؛ فهم مُجَنِّبون ، إذا لم يكن في إِبلهم لَبن.

وقال الْجُمَيح :

لما رأت إِبِلى قَلّتْ حَلوبتُها

وكلُّ عامٍ عليها عامُ تجَنيب

يقول : كلُّ عام يمرُّ بها ، فهو عام قِلّةٍ من اللبن.

سَلمة ؛ عن الفرَّاء ؛ قال : الجَنابُ الجانِب ، وجمعه أجْنبه.

ابن السِّكّيت : الجَنيبة صُوف الثَّنِيِّ والعقِيقةُ : صُوفُ الجذَع.

قال : والجنيبة من الصُّوف أفضلُ من العَقيقة وأكثر.

قال : والجَبَنية النَّاقَةُ يُعطيها الرَّجلُ القومَ يمتارون عليها له ، وهي العَلِيقَة.

أبو عبيد عن أبي عمرو : المَجنَبُ الخيْرُ الكثير.

يقال : خَيْرٌ مَجْنَبٌ.

وقال كثَيِّر :

وإذْ لا ترى في الناس شَيْئاً يَفُوقُها

وفيهنّ حُسْنٌ لو تَأَمَّلتَ مَجْنَبُ

قال شمر : والمَجْنَبُ ، يقال في الشَّر إذا كَثُر ، وأنشد :

* وكُفْراً ما يُقوَّجُ مَجْنَبَا*

والمِجْنَبُ : التُّرْس ، قال ساعدة :

صَب اللهِيفُ السُّبُوبَ بطَغْيةٍ

تُنْبِي العُقاب كما يُلَطُّ المِجْنَبُ

عَنَى باللهيف الْمُشْتار ، وسُبُوبُه : حِبالُه التي يُدَلَّى بها إلى العَسَل ، والطَّغْيَةُ : والصَّفَاةُ الْمَلْساء.

أبو عبيد ، عن أبي عمرو : المُجَنَّبُ من الخيل : البعيد ما بين الرجلين من غير فَجج ، وهو مَدْح.

وقال أبو عُبيدة : التَّحْنِيبُ : أن يُنَحِّي يديه في الرّفع والوَضْع. وقال الأصمعيّ : التَّجْنِيب بالجيم في الرِّجْلين ، والتَّجْنِيب بالحاء في الصُّلْتِ واليدين.

والجِنابُ : أَرْض معروفَةٌ بنَجْد.

ويقال : لَجَّ فلان في جِنابٍ قَبيح ، أي في مُجانَبَةِ أَهْلِه ، وضَرَبه فَجَنَبَه ، إذا أصابَ جَنْبَه.

٨٣

وأخْصَبَ جَنابُ القوم بفتح الجيم ، وهو ما حَوْلهم.

ويقال : مَرُّوا يسيرون جِنابَيْه ، وجِنَابَتيْه ، وَجَنَبَتَيْه أي ناحِيَتَيْه ، وقَعَدَ فلان إلى جَنْبِ فلان ؛ وإلى جانب فلان.

ابن الأعرابي : جَنِبْتُ إلى لقائك ، وغَرِضْتُ إلى لِقائك جَنَباً ، وغَرَضاً ، أي قَلِقْتُ من شدَّة الشَّوْق إلَيْك.

وذَاتُ الْجَنب : عِلَّةٌ صَعْبَةٌ ، تأخُذُ في الجَنب.

وقال ابن شُميل : ذاتُ الجَنْب هي الدُّبَيْلة ، وهي قَرْحَةٌ قبيحة تثقبُ البطن ، وربما كَنَوْا عنها فقالوا : ذاتُ الجَنْب ، قال : وجَنِبَت الدَّلْوُ تَجْنِبُ جَنَباً ، إذا انقطعت منها وَذَمَةٌ ، أَوْ وَذَمتان فمالَت.

سلمة ، عن الفراء : الجَناب الجانب ، وجمعه أَجْنِبَة.

وقال الليث : رجل ليّن الجانب والجَنْب ، أي سهل القُرْب ، وأنشد :

* الناسُ جَنْبٌ والأمير جَنب *

كأنه عدلَه بجميع الناس. وقوله عزّ وجَلَّ مُخْبِراً عن دعاء إبراهيم إياه : (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) [إبراهيم : ٣٥] أي نَجِّني.

يقال : جَنَبتُه الشَّرَّ وأجْنَبتُه ، وجَنَّبتُه بمعنى واحد ، قاله الفراء والزجاج وغيرهما.

وقال الليث : الجَأْنب بالْهمز ، الرَّجل الْقَصِيرُ الجافي الخِلقة ، ورجل جأنب إذا كان كزّاً قَبيحاً.

وقال امرؤ القيس :

* ولا ذاتُ خَلْقٍ إنْ تأَمَّلتَ جَأَنب *

قال : والجُنابيَ ، لُعْبةٌ لهم ، يتَجانَب الغُلامان فَيعتَصِمُ كل واحد من الآخر.

ورَجلٌ أَجْنب : وهو الْبَعيد منك في القَرابة ، وأَجْنبيُ مثله ، والجارُ الجُنب ، هو الذي جاوَرَك ونَسَبُه في قومٍ آخرين.

وقال علقمة :

فلا تَحْرِمَنِّي نائِلاً عن جَنَابَةٍ

فإني امرؤٌ وَسْط القِبابِ غَريبُ

وقال أبو عمرو في قوله : «عن جَنَابَةٍ» أي بعد غُرْبَةٍ.

ويقال : نِعْمَ القوم هم لِجَارِ الجَنَابَة ، أي لِجار الغُرْبَة ، والجنَابة : ضِدُّ القَرابة.

وفي الحديث : «المَجْنُوبُ في سَبِيلِ اللهِ شَهيد».

قيل : المجنُوبُ ، الذي به ذَات الجَنْب ، يقال : جُنِبَ فهو مَجْنُوب ، وصُدِرَ فهو مَصْدُور ، ويقال : جَنِبَ جَنَباً ، إذا اشتكى جَنْبَه ، فهو جَنِب.

كما يقال : رجل فَقِرٌ وظَهِرٌ ، إذا اشتكى ظَهْره وفَقارَه.

جبن : في الحديث : أنَّ النَّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم احتضَنَ أَحَدَ ابْنَيْ بِنْتَه ، وهو يقول : «إنكم

٨٤

لَتُجِّبنُون ، وتُبَخِّلون ، وتُجَهِّلُون ، وإنكم لمن رَيْحان الله».

يقال : جَبَّبْتُ الرّجل ، وبَخَّلْتُه ، وجَهَّلْتُه ، إذا نَسَبْته إلى الجُبن ، والبُخل ، والجهل.

وأَجْبَنْتُه ، وأَبُخَلْتُه ، وأَجْهَلْتُه ، إذا وَجدْتَه جَباناً بَخيلاً جاهلاً ، يريد : أن الولد لما صار سبباً لجُبن الأب عن الجهاد ، وإنْفاق المال ، والافْتِتان به ، كان كأَنَّه نَسَبَه إلى هذه الخلال ، ورماه بها ، وكانت العرب تقول : «الولد مجْنَبَةٌ مَبْخَلَة».

ثعلب عن ابن الأعرابيّ ، عن المُفَضَّل : العرب تقول : فلانٌ جَبَان الكلب ، إذا كان نهايةً في السَّخاء ، وأنشد :

وأجْبَنُ مِنْ صَافِرٍ كَلْبُهُمْ

وإنْ قَذَفَتْهُ حَصَاةٌ أَضافا

قذفته : أصابته. أضاف : أي فرّ وأَشْفَق.

أبو زيد : امرأةٌ جَبان وجَبانَة.

وقال اللّيث : رجلٌ جَبان ، وامرأَة جَبانة ، ورجال جُبناء ، ونساء جَبانات.

قال : وأَجْبَنْتُه ، حَسِبْتُه جَباناً.

والجبين : حرف الجَبْهة ما بين الصُّدْغَيْن ، عِدَاءَ النّاصية ، كل ذلك جبين واحد.

قال : وبعضٌ يقول هما جَبينان.

قلت : وعلى هذا كلام العرب ، والجبهة بين الجبينين.

وقال الليث : جَبّانَةٌ واحدةٌ ، وجَبَابِينُ كَثِيرة.

وقال شِمر : قال أبو خَيْرَة : الجَبَّان ما اسْتَوى من الأرض في ارتفاع ، ويكونُ كريمَ المَنْبِت.

وقال ابنُ شُميل : الجَبَّانَة ما استوى من الأرض ومَلُسَ ولا شَجَر فيه ، وفيه آكامٌ وجِلاهٌ ، وقد تكون مستويةٌ لا آكامَ فيها ولا جِلاه ، ولا تكونُ الجَبَّانَةُ في الرَّمْل ولا في الجبل ، وقد تكون في القِفاف والشَّقائق ، وكل صحراءَ جَبَّانة.

وقال الليث : الجُبُنُ مُثَقَّل الذي يؤكل ، الواحدة جُبُنَّة ، وقد تَجَبَّنَ اللّبن ، إذا صارَ كالجُبُنِ.

ورُوي عن محمد بن الحنفية ، أنه قال : كُلِ الْجُبُنَ عُرْضاً ، رواه أبو عُبيد بتشديد النون ، ويقال : اجْتَبَنَ فلانٌ اللّبَن ، إذا اتخذه جُبُنّاً.

نجب : قال الليث : النَّجَبُ قُشُورُ الشَّجر ، ولا يُقال لما لَانَ من قِشْرِ الأغْصَان نَجَب ، ولا يُقال قِشْرُ العُروق ، ولكن يقال : نَجَبُ العُروق ، والقِطعة منه نَجَبَةٌ ، وقد نَجَّبْتُه تَنجيباً ، وذهب فلانٌ يَنْتَجِبُ أي يَجْمَعُ النَّجَب.

قلت : النَّجب قشورُ السِّدْرِ يُصْبَغُ به.

وقال ابن السكيت : سِقَاءُ مَنْجُوب ، أي دُبغَ بالنَّجَب ، وهو قُشورُ ، سُوقِ الطَّلْح ، وسِقاء نجَبِيّ.

٨٥

أو عُبيد ، عن الأحمر : المَنْجُوبُ الْجِلْدُ المدبوغُ بالنَّجَب وهو لحاءُ الشَّجر.

ثعلب ، عن ابن الأعرابيّ : أَنْجَب الرجلُ جاء بولد نجيب ، وأَنجب ، إذا جاء بولد نجيب ، قال : ومن جَعَله ذَمّاً أخذَه من النَّجب ، وهو قِشْرُ الشَّجر.

أبو عُبيد ، عن أبي عمرو : المِنْجابُ الرَّجل الضَّعيف وجمعه مَناجِيب ، وأنشد لعُرْوَة :

بَعَثْتُهُ في سَوادِ اللَّيْلِ يَرْقُبُنِي

إذ آثَرَ النَّومَ والدِّفْءَ المناجِيبُ

وقال الأصمعيّ : المِنْجابُ من السِّهام ما بُرِيَ وأُصْلِح ، ولم يُرَشْ ولم يُنَصَّل.

وأنجَبَت المرأة ، إذا وَلَدتْ ولداً نجيباً ، وامرأَةٌ مِنْجاب : ذات أولاد نُجَباء ، ونساءٌ مَناجِيب.

وقال الليث : النَّجابَةُ مَصْدرِ النَّجِيب من الرجال ، وهو الكريمُ ذو الحسَب إذا خَرج خُروج أبيه في الكرم ، والفعل نَجُب يَنْجُب نجابَةً ، وكذلك النَّجابَة في نجائب الإبل ، وهي عِتاقها التي يُسابَقُ عليها ، وقد انْتَجب فلانٌ فلاناً ، إذا استخلَصَه واصطفاه على غيره.

نبج : أبو عُبيد ، عن الأصمعيّ : رَجُلٌ نَبَّاجُ ، ونَبَّاحُ : شديد الصوت.

وقال اللَّحيانيّ : هو نَبيجُ الكلب ، ونَبُجُه ، ونَبيحُه ، ونَبْحُه.

وقال الليث : النَّبْجُ ضَرب من الضُّرَاط قال : وَنَبَجَتِ القَبَجةُ ، إذا خَرجت من جُحْرِها.

وقال ابن الأعرابيّ : أَنْبجَ الرَّجُل ، إذا خَلَّطَ في كلامه.

وقال الليث : الأنْبجُ حَمْلُ شَجَرَةٍ هِنْدِية ، تُرَبَّب بالعَسَل على خِلْقة الخَوْخ ، مُجَرَّفُ الرَّأْس ، يُجْلب إلى العِراق وفي جَوْفِه نَواةٌ كنواة الخَوْخ ، ومنه اشتُقَّتْ الأَنْبجات التي تُرَبَّب بالعسل من الأَتْرُجِّ ، والأَهْلِيلَجة ونحوها.

اللّحيانيّ : يُقال للضَّخْم الصَّوْتِ من الكلاب : إنه لَنَبّاجٌ ، ونُبَاجِيّ ، وإنه لَشَدِيدُ النُّباج والنِّباج.

وقال ابن الفرج : وسألت مُبْتكراً عن النُّباج فقال : لا أَعْرفُ النُّباجَ إلا الضُّراط.

وقال أبو عمرو : النّابِجَةُ والنَّبيجُ كان من أَطعمة العَرب في المجاعة ، يُخاضُ اللبن في الْوَبرَ ويُجْدَح.

وقال الجعديّ يذكر نساء :

تَركْنَ بَطالَةً وأَخَذن جِذّاً

وأَلْقَيْنَ المكاحِلَ للنَّبِيج

قال ابن الأعرابيّ : الجِذُّ والمِجَذُّ : طَرَفُ المِرْوَد.

ومنه قول الراجز :

٨٦

* قالَتْ وقد سَافَ فَجَذُّ المِرْوَدِ*

ثعلب ، عن ابن الأعرابيّ : أَنْبَجَ الرَّجُلُ : جَلَس على النِّباج ، وهي الآكام العالية.

قال ، وقال المفَضّل : العرب تقول للمِخْوَض : المِجْدَحَ ، والمِزْهَف ، والنَّبَّاج.

وقال أبو عمرو : نَبَجَ ، إذا قَعَدَ على النَّبَجة ، وهي الأكمة. ونَبَجَ إذا خاض سَويقاً أو غيره. والنُّبُجُ : الغرائر السُّود ، وفي بلادِ العرب نِباجان ، أحدهما على طريق البصرة ، يقال له : نِبَاجُ بني عامر ، وهو بحذاء فَيْد ، والنِّباج الآخر نِباجُ بني سَعْد بالقَرْيتين.

بنج : ثعلب عن ابن الأعرابيّ : يقال : أَبنَجَ الرجل إذا ادَّعى إلى أصل كريم ، قال : والبُنْجُ الأُصول.

وقال ابن السِّكيت عن الأصمعيّ : رَجَع فلان إلى جِنْجِه ، وبِنْجِه ، أي إلى أَصْلِه وعِرْقِه.

ج ن م

جنم ، جمن ، نجم ، مجن ، منج : مستعملة.

أهمل الليث : جنم.

جنم : روى أبو العباس ، عن ابن الأعرابيّ قال : الْجَنْمَةُ جماعَةُ الشيء.

قلت : أَصْلُه الجَلْمَه ، فَصُيِّرت اللام نوناً ، وقد أَخَذ الشيء بجَلْمَته وجَنْمته ، إذا أَخَذَه كلَّه.

جمن : قال الليث : الجُمانُ من الفِضّة ، يُتَّخَذُ أَمْثال اللؤلؤ.

وقال غيره : توهَّمه لبيدُ لُؤْلُؤَ الصَّدف البَحريَّ فقال فيه :

* كَجُمانَةِ البَحْرِيّ سُلَّ نِظامُها*

نجم : قال الله جلَّ وعزَّ : (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (١)) [النجم : ١].

قال أبو إسحاق : أَقسم الله جلَّ وعزَّ بالنَّجم ، وجاء في التفسير ، أنه الثريا ، وكذلك سَمَّتها العرب.

ومنه قول ساجعهم : طَلَعَ النجْمُ غُدَيَّهْ ، ابتَغَى الرَّاعِي شُكَيَّهْ.

وقال الشاعر :

فباتَتْ تَعُدُّ النجْمَ في مُسْتَحِيرَةٍ

سَريعٍ بأَيدي الآكلين جُمودُها

أراد الثُّريا.

قال : وجاء في التفسير أيضاً ، أن النَّجم نزولُ القرآنِ نَجْماً بعد نجْم ، وكان ينزل منه الآية والآيتان ، وكان بين أوَّل ما نَزل منه وآخره عِشرون سنة.

قال ، وقال أهل اللغة : النَّجْم بمعنى النجوم ، وأما قوله جل وعز : (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (٦)) [الرحمن : ٦]. فإن

٨٧

أهل اللغة وأكثر أهل التفسير قالوا : النَّجم : كل ما نَبَتَ على وجه الأرض مما ليس له ساق ، ومعنى سجودهما : دَوَران الظِّلِّ معهما.

وقال أبو إسحاق : قد قيل إن النَّجم يراد به النجوم ، وجائز أن يكونَ النجم ها هنا ، ما نَبت على وجه الأرض ، وما طلع من نجوم السماء ، ويقال لكلِّ ما طلع : قد نجمَ.

وقال الله جلَّ وعزّ في قصة إبراهيم عليه‌السلام : (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (٨٩)) [الصافات : ٨٨ ، ٨٩].

وأُثْبِتَ لنا عن أحمد بن يحيى ، أنه قال في قوله : «فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ» ، قال : جمْعُ نجم ، وهو ما نَجم من كلامهم لمّا سأَلوه أن يخرج معهم إلى عِيدهم ، قال : ونَظَرَ هنا ، تَفَكَّرَ لِيُدَبِّر حُجَّة ، فقال : (إِنِّي سَقِيمٌ) أي سقيم من كفْرِكُم.

وقال أبو إسحاق : «فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ». قال لقومه وقد رأى نَجْماً : «إِنِّي سَقِيمٌ» أَوْهمَهم أنَّ به طاعوناً (فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (٩٠)) [الصافات : ٩٠] فراراً من عَدْوى الطاعون.

وقال الليث : يقال للإنسان إذا تَفَكَّرَ في أمر لينظر كيف يُدَبِّرُه : نظر في النجوم.

وقال : وهكذا جاء عن الحسن في تفسير قوله : (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨)) أي تفكر ما الذي يصرفُهم عنه إذا كلَّفُوه الخروج معهم.

قال : والنجومُ تجمعُ الكواكب كلَّها ، قال : والنجوم وظائف الأشياء وكلُّ وظيفَة نجْم.

قال : والنجوم ما نجم من العروق أيام الربيع ، ترى رؤوسَها أمثال المسالِّ تَشُقُّ الأرض شَقّا.

ونجَم النَّبَات ، إذا طلع.

وقال غيره : يُقال جَعَلتُ مالي على فلان نجوماً مُنَجَّمَة ، يُؤدَّى كلُ نجم منها في شهر كذا ، وأصل ذلك أن العرب كانت تجعل مطالع منازل القمر ومساقطها ، مواقيتَ لحلول ديونها ، فتقول : إذا طلع النجم ، وهو الثُّريا ، حلَّ لي عليك مالي ، وكذلك سائرُها.

قال زهيرٌ يذكر دِياتٍ جُعلت نجوماً على العاقلة :

يُنَجّمها قومٌ لقومِ غرامة

ولم يُهَرِيقُوا بينهم ملْءُ مِحْجم

فلما جاء الإسلام جعل الله جلَّ وعزَّ الأهِلَّةَ مواقيت لما يحتاجون إليه من معرفة أوقاتِ الحج والصَّوم ، ومَحِلِّ الديون ، وسموها نجوماً في الديون المنَجَّمة والكتابة اعتباراً بالرسم القديم الذي عرفوه ، واحتذاءً حَذْوَ ما أَلِفوه ، وكَتبوا في ذكر حقوقهم المؤجَّلة نجوماً ،

٨٨

وقد جعل فلانٌ ماله على فلان نجوماً يُؤدِّي عند انقضاء كلِّ شهر منها نجماً ، فهي مُنَجَّمةٌ عليه.

ثعلب ، عن ابن الأعرابيّ : النَّجْمَةُ شجرة ، والنجمة الكلمة ، والنجمةَ نَبْتَةٌ صغيرة ، وجمعها نَجْم.

قال : فما كان له ساق فهو شَجر ، وما لم يكن له ساق فهو نَجْم.

وقال أبو عُبيد : السَّرَاديخُ أماكن تنبت النجمَةَ والنَّصِيّ.

قال : والنجمَة تَنْبُتُ مُمْتَدَّة على وجه الأرض.

وقال شمِر : النَّجَمَةُ ها هنا بالفتح ، وقد رأيتها بالبادية ، وفَسَّرَها غيرُ واحدٍ منهم ، وهي الثَّيِّلَةُ ، وهي شُجَيُرَةٌ خضراء ، كأنها أوّل بَذْر الحَبِّ حين يخرج صِغاراً ، قال : وأما النجمة ، فهو شيء ينبت في أصول النّخْلة وأنشد :

أَخُصْيَيْ حِمارٍ ظلَّ يَكْدِمُ نَجْمةً

أَتُؤْكَلُ جاراتي وجارك سالِمُ

وإنما قال ذلك ، لأن الحمار إذا أرادَ أن يَقْلَع النجمة ، وكَدَمها ارْتَدّتْ خُصْياه إلى مُؤَخَّره.

قلت : النجمة لها قَضْبَة تفترش الأرض افتراشاً.

أبو عُبيد ، عن الأصمعيّ : أَنجَمَ المطرُ ، إذا أَقْلع ، وكذلك أَقْصَم وأَقصى.

ويقال : ما نَجَم لهم مَنْجَمٌ مما يطلبون ، أي مَخرَج ، ليس لهذا الأَمر نَجْمٌ ، أي أصل.

والمنجَم : الطَّريق الواضِح.

وقال البَعيثُ :

* لَها في أَقَاصِي الأَرْض شَأْوٌ ومَنْجم *

ومِنْجَما الرِّجل : كَعْباها.

وقال شمر في قول ابن لجأ ، قال : وأنشده أبو حبيب الأعرابيّ :

فَصَجَّتْ والشمس لم تُنعم

أن تَبلُغَ الجُدَّةَ فوق المَنْجَمِ

قال : معناه لم تُردْ أن تبلغ الجُدَّة ، وهي جُدَّة الصُّبح ؛ طريقته الحمراء ، والمَنْجَمُ : مَنْجَمُ النهار حين يَنْجُم.

منج : قال الليث : المَنْجُ إِعراب المَنْك ، دَخيل في العربية.

قال : وهو حَبٌّ إِذَا أُكِل أَسْكَر آكِلَه ، وغَيَّر عَقْلَه.

مجن : قال الليث : الماجِنُ والماجِنَةُ معروفان ، والمجَانة ألا يُبالي ما صَنَع وما قِيل له ، والفِعْل : مَجَن مُجُوناً.

قلت : وسمعت أَعرابياً يقول لخادم له كان يَعْذِلُه وهو لا يَريعُ إلى قوله : أَراكَ قد مَجَنتَ عليّ الكلام. أراد أنه مرَن عليه ، لا يَعْبأ به ، ومثله : مَرد على الكلام. قال

٨٩

الله تعالى : (مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ) [التوبة : ١٠١].

والماجِنُ عند العرب : الذي يرْتكب المقابحَ المُرْدِية ، والفضائحَ المُخزية ، ولا يمضُّه عَذْلُ العاذل ، وتأنيبُ المُوبِّخ.

وقال أبو عمرو : المجْنُ خَلْطُ الجِدِّ بالهزل ، يقال : قد مَجَنْتَ فاسْكُتْ ، وكذلك المسْنُ ، وقد مسَنَ ومجَن بمعنى واحد.

وقال الليث : المَجَّانُ عطيةُ الشيء بلا مِنَّةٍ ولا تَمَنّ.

وأخبرني المنذريّ ، عن أبي العباس أنه قال : سمعت ابنَ الأعرابيّ يقول : المَجَّانُ عند العرب الباطل ، وقالوا : ماءٌ مَجَّان.

قلت : والعرب تضع المجّان موضع الشيء الكبير الكافي ، يقال تمْرٌ مجان وماءٌ مجان ، أي كثير واسع ، واستَطعَمني أعرابيٌّ تمراً فأطعمته كُتْلة ، واعتذرتُ إليه من قلَّته ، فقال : هذا والله مَجّان ، أي كثيرٌ كافٍ.

[أبواب الجيم والفاء

ج ف ب : مهمل (١)]

ج ف م

مفج : سلمة عن الفراء : رجل نَفَّاجَةَ مَفَّاجة ، إذا كان أحمق مائقاً ، وقد نَفَجَ ومَفَجَ.

[باب الجيم والباء مع الميم]

ج ب م

[بجم] : عمرو عن أبيه : رأيت نَجْماً من الناس ، وَبَجْذاً ، أي جماعة ، قال : والنَجْمُ الجماعة الكثيرة. وقد بَجَّمَ الرّجل ، إذا سكت.

__________________

(١) أهمله الليث.

٩٠

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

كتاب الثلاثي المعتل من حرف الجيم

[باب الجيم والشين]

ج ش

و (وا يء) جشو ، جشأ ، جاش ، شجا ، وشج ، أشج.

شجا : أبو عبيد ، عن أبي زيد : شجاني الحبُ يشجوني شَجْواً.

وأخبرني المنذريّ ، عن الحرانيّ ، عن ابن السكِّيت ، أنه قال الشجْوُ الحزْن ، يقال : شجاه شَجْواً ، قال : وأَشْجاه يُشجيه ، إذا أَغَصَّهُ ، وقد شَجِيَ يَشْجَى شَجًى.

ابن شُميل : شَجَاه يَشْجُوه حَزَنَه ، قال : وأَشْجَيْتُ فُلاناً عَنِّي ، إِمَّا غَرِيمٌ. وإمَّا رَجُلٌ سَأَلَكَ فأعْطَيتَه شَيْئاً أَرْضَيْتَه به ، فذهب ، فقد أَشْجَيْتَه.

ويقال للغريم : شَجًى عَنِّي يَشْجَى شَجًى ، أي ذهبَ.

أبو زيد : أَشْجَاني قِرْنِي إِشْجاءً ، إذا قهَرَك وغَلَبَكَ حتى شَجِيتَ به شَجَّى ، ومثله : أَشجاني العُودُ في الحَلْق حتى شَجِيتُ به شَجًى.

وقال أبو عبد الرحمن : أَشجاه العَظْمُ ، إذا اعترضَ في حَلْقه ، وأَشْجَيْتُ الرَّجل إذا أَوْقَعْتَه في حُزْن.

وقال غيرُه : شجَانِي تَذَكُّرُ إِلْفِي ، أي طَرَّبَنِي وهَيَّجَنِي ، وأَشْجَانِي : حَزَنَنِي وأَغْضَبَنِي.

الحرانيّ ، عن ابن السكّيت : العرب تقول : وَيْلٌ للشَّجِي من الخَلِيّ ، فالشّجي مَقْصور والخَلِيّ ممدود.

وقال غيره : الشَّجي الذي شَجِيَ بعظمٍ فغَصَّ به حَلْقُه ، يقال : شَجِيَ يَشْجَى شَجًى ، فهو شَجٍ كما ترى ، وكذلك الذي شَجِيَ بالهمِّ فلم يجد مَخْرجاً منه ، والذي شَجِيَ بِقِرْنِهِ فلم يُقاوِمْه ، وكلُّ ذلك مَقْصور.

قلت : وهذا هو الكلامُ الفصيح ، فإن تجامَلَ إنسان ومَدَّ الشَّجِيّ فله مَخَارجُ في

٩١

العربية ، تُسَوِّغُ له مذهَبه ، وهو أن تجعلَ الشَّجِيَ بمعنى المَشْجُوّ. «فعيلاً» من شَجَاه يَشْجُوه ، فهو مَشْجُوٌ وشَجِيّ.

والوجه الثاني : أنَّ العرب تَمُدُّ «فَعِلاً» بياء ، فتقول : فلان قَمِنٌ لذلك ، وقمين ، وسَمِج وسمِيج : وفلان كَرٍّ وكَرِيّ للنائم ، وأنشد ابنُ الأعرابيّ :

مَتَى تَبِتْ بِبَطْنِ وادٍ أو تَقِل

تَتْرُكْ بهِ مِثْلَ الكَرِيِّ المُنْجَدِلْ

أراد بالكَرِيّ الناعس الذي قد كَرِيَ. وقال المتنخل الهذليّ :

* وما إنْ صَوْتُ نَائِحَةٍ شَجِيُ *

فشدَّد الياء ، والكلام صوتٌ شَجٍ.

والوجه الثالث : أن العرب تُوازي اللَّفظ باللفظ إذا ازْدَوَجَا ؛ كقولهم : إنِّي لآتية بالغَدايا والعَشايا ، وإنما تُجْمَعُ الغدة غَدَوات ، فقالوا : غَدايا لازدواجه بالعشايا.

ويقال : ما ساءَه وناءَه ، والأصل : أَنَاءه وكذلك وازنوا الشَّجِيَ بالخَلِيّ.

ثعلب ، عن ابن الأعرابي : الشَّجْوُ الحاجة ، والشَّجْوُ الحُزْن ، قال : وشَجاه الغِنَاءُ ، إذا هَيَّجَ أَحْزَانَه وشَوَّقَه.

وقال الليث : شَجَاهُ الهَمُّ. وفي لغةٍ : أَشْجَاه ، وأنشد :

إنِّي أتاني خَبَرٌ فأَشجانْ

إنَّ الْغُواةَ قَتلُوا ابنَ عَفانْ

قال : والشَّجا مَقْصُورٌ ، ما نَشَبَ في الحَلْق من غُصَّةِ هَمِّ أَوْ عُودٍ ، والفِعْلُ : شَجِيَ يَشْجَى ، والشَّجَى : اسم ذلك الشَّيء وأنشد :

ويَرانِي كالشَّجَا في حَلْقِهِ

عَسِراً مَخْرَجُه ما يُنْتَزَعْ

قال : مَفَازَةٌ شَجْوَاء : صَعْبَةُ المَسْلَك مُهِمَّةٌ.

ويقال : بَكَى فلانٌ شَجَوَه ، ودَعَتِ الحمامةُ شَجوها.

أبو عُبيد ، عن الأصمعيّ : الشَّجَوْجَى الطَّويل ، وقيل هو الطويل الرِّجْلَين الْقَصيرُ الظَّهْر. ويقال للعَقْعَق شَجَوْجَى ، والأنثى شَجَوْجَاةٌ ، قاله الليث.

وقال الأصمعيّ : جَمَّشَ فَتًى مِنَ العرب حَضَرِيَّةً ، فتشاجَتْ عليه ، فقال لها : والله ما لكِ مُلَاءَةُ الحُسنِ ، ولا عَمُودُه ولا بُرْنُسُه ، فما هذا الامتناع؟

قال الأصمعيّ : قال أبو عمرو بن العلاء : مُلاءتُه بَياضه ، وعَمُودُه طُولُه ؛ وبُرْنُسه شَعْرُه ، ومعنى قوله : «فتشاجَتْ عليه» أي تَمَنَّعَتْ وتحازَنَتْ ، وقالت : وَا حَزَناً حين يَتَعرض جِلْفٌ لمثلي.

وشج : قال الليث : يقال : وَشَجَتْ العُرُوقُ والأَغْصَانُ وكلُّ شيءٍ يَشْتَبِك ؛ فهو واشِجٌ ، وقد وَشَجَ يَشِجُ وَشِيجاً ، والوَشيج من القَنَا والقَصَبِ ، ما ثَبَتَ منه مُعْتَرِضاً

٩٢

مُلْتفّاً ، دخل بعضُه في بعض ؛ وهو من القَنا أَصْلَبُه.

وأنشَدَ اللّيث :

والقراباتُ بَيْنَنا واشِجاتٌ

مُحْكَمَاتُ القُوى بِعَقْدٍ شَدِيدِ

قال : والوشِيجَةُ لِيفٌ يُفْتَل ، ثم يُشَدُّ بين خَشَبَتَيْن يُنْقَلُ به البُرُّ المحصودُ وما أشبهه من شُبَيْكةٍ بين خَشبتيْن ، فهي وَشِيجةٌ ، مثل : الكَسِيح ونحوه.

والمُوَشَّجُ : الأمْرُ الْمُداخَلُ بعضه في بعْض وأنشدَ :

* حالاً بحالٍ يَصْرِفُ الْمُوَشَّجا*

ولقد وَشَجَتْ في قلبه أمورٌ وَهُموم.

أبو عُبيد : الواشِجَة الرَّحِمُ الْمُشْتَبِكةُ الْمُتَّصِلة.

وقال الكسائيّ : هُم وَشِيجةٌ في قَولهم وَوَلِيجَة ، أي حَشْوٌ.

وقال النضر : وَشَجَ فلانٌ مَحْمِلَهُ وَشْجا إذا شَبَّكَه بِقِدٍّ أو شَرِيطٍ لئلا يسقُط منه شيء.

أشج : قال الليث : الأَشَجُ أكبر من الأَشقّ وهما معاً هذا الدَّوَاء.

جوش ـ جيش : قال اللَّيث : الجَيْشُ ، جُنْدٌ يسيرون لحرْب أو غيرها ، قال : والجَيْش جَيَشانُ القِدْر ، وكلُّ شَيء يَغْلِي ، فهو يَجِيش ، حَتَّى الهَمّ والغُصَّة في الصَّدر ، والبَحرُ يَجيشُ ، إِذَا هَاج.

أبو عُبيد عن الأصمعيّ : جاشَتْ نفسُه جَيْشاً ، إِذا دَارَت للغَثَيان ، وجَشَأَت ، إذا ارْتَفَعَتْ من حُزْنٍ أَو فَزع.

وقال الليث : جَأْشُ النَّفْس ، رُوَاعُ القَلْبِ ، إِذا اضطربَ عند الفَزَع ، يقال : إنَّه لَوَاهِي الجأْشِ ، وإذا ثَبَت قيل : إنَّه لَرابِطُ الجأْش.

أبو عُبيد ، عن الأصمعيّ : الرابِطُ الجَأْشِ الذي يَرْبِطُ نفسَه عن الفِرار ، يَكُفُّها لجُرْأَتِه وشَجاعَته.

وقال مجاهد في قول الله جلَّ وعزَّ : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي) [الفجر : ٢٧ ، ٢٨] ، هي التي أَيْقَنَتْ أَنَّ اللهَ ربِّها ، وضربت لذلك جَأْشاً ، أي قَرَّتْ يَقيناً واطمَأنَّت ، كما يضربُ البعيرُ بصدرهِ الأرضَ إذا بَرَكَ وسَكَن.

وقال ابن السكّيت : يقال رَبَطْتُ لذلك الأَمْرِ جَأْشاً بالهمز لا غير.

وقال الأحمر : مَضَى جَوْشٌ من اللَّيل ، وجَرْشٌ وجَرْسٌ ، أي هَزِيع.

وقال اللَّحْيانيّ : مَضَى جُؤْشُوشٌ من اللَّيل.

قال أبو زيد : الجُؤْشوش الصَّدْر.

وقال أبو ناظرة : مَضَى جَوْشٌ من اللَّيل ، من لَدُنْ رُبْع الليل إلى ثُلُثه.

قال ذو الرُّمَّة :

* من اللَّيلِ جَوْشٌ واسْبَطَرَّتْ كواكبُه*

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : جاشَ يجُوش

٩٣

جَوْشاً ، إِذا سارَ الليلَ كلَّه ، وجاش صدرُه يَجِيش جَيْشاً ، إذا غَلَى غَيْظاً ودَرَداً ، وجاشت نَفْسُ الجبانِ وجَشَأَتْ ، إذا هَمَّ بالفرار.

(قلت : وصف القَوَسِ ب الأجَشُّ وهو الأبَحُّ في إرْنانه إذا أنْبض) (١).

جشا ـ (جشو): أبو عُبيد عن الأصمعيّ : جشأت نَفْسِي إذا ارتَفَعَتْ من حُزْنٍ أو فَزَع.

وقال ابن شُميل : جَشَأَتْ إليَّ نَفْسِي أي خَبُثَتْ من الوَجَعِ مما تَكْرَه تجْشأُ ، وأنشد :

وقَولِي كُلَّما جَشَأَتْ لنَفْسي

مكانَكِ تُحْمَدِي أو تَسْتَرِيحي

يريد تَطَلَّعت ونَهَضَتْ جَزَعاً وكَراهَة.

قال العجاج :

أجْراسُ نَاسٍ جَشَئُوا ومَلَّتِ

أرضاً وأَهْوالُ الجنان اهْوَلَّتِ

جشئوا : نهضوا من أرض إلى أرض ، يعني الناس ، وملَّتِ أرضاً واهوَلَّت : اشتدّ هَولُها.

شَمِر ، عن ابن الأعرابيّ قال : الجَشْءُ : الكثير ، وقد جَشأَ اللَّيلُ ، وَجَشَأَ البَحرُ ، إذا أَظْلَمَ وأَشْرف عليك ، وجُشَأُ اللَّيلِ والبَحْرِ دُفْعَتُه.

وقال شمِر : جَشَأَت نَفْسِي ، وخَبُثَت ، ولَقِسَتْ ، واحد.

وقال الليث : جَشَأَتِ الغَنم ، وهو صَوْتٌ يخرج من حُلُوقِها.

قال امرؤ القيس :

إِذا جَشَأَتْ سَمِعْتَ لها ثُغاءً

كأَنَّ الحيَّ صَبَّحَهم نَعِيُ

قال : ومنه اشْتُقَ تَجَشَّأْتُ ، والاسم الجُشاء ، وهو ، تَنَفُّسُ المَعِدَةِ عند الامتلاء.

أبو عُبيد عن الفرّاء : اجْتَشَأَتْني البِلادُ واجْتَشأْتُها ، لم تُوافِقْني.

وقال شَمِر : أَحْسِبُ ذلك من جَشَأْتْ نفسي.

أبو عُبَيد ، عن الأصمعيّ قال : الجَشْءُ : القوس الخفيفة. وقال الليث : هي ذات الإرْنان في صوتها ، وقِسِيٌ أجْشاء وجَشْآت.

وأنشد :

ونَميمَةً من قانصٍ مُتَلَبِّبٍ

في كَفِّه جَشْءٌ أَجَشُّ وأَقْطَعُ

ابن شُمَيل : جَشَأ فلان عن الطِّعام ، إذا ما اتَّخَم فكَرِه الطَّعامَ ، وقد جَشَأَتْ نَفْسُه فما تَشتهِي طعاماً تَجْشأ ، والبَشَم : التُّخَمَة.

وقال أبو عمرو : جَوْشُ اللَّيل ، جَوْزُه وَوَسَطُه.

__________________

(١) أثبت في المطبوعة عند نهاية مادة (جشأ) ، ووضعناه هنا كما في «اللسان» (جوش ـ ٢ / ٤٢٠).

٩٤

[باب الجيم والضاد]

ج ض (وا يء)

جاض ، ضاج : [مستعملان].

جيض : قال أبو عُبيد

في حديث رُوِيَ : فجاض المسلمون جَيْضَةً.

يقال : جَاضَ يجِيضُ جَيْضَةً وحَاصَ يَحيصُ حَيْصَة ، وهما الرَّوَغانُ والعُدُول عن القَصْد ، قال ذلك الأصمعيّ.

وقال القُطامي :

وَتَرى لِجَيْضَتِهنَ عند رَحِيلنا

وَهَلاً كَأَنَّ بِهنَّ جِنَّةَ أَوْلَقِ

قال ، وقال أبو عَمْرو : المِشْيَةُ الجِيَضُ فيها اختِيال.

ابن الأنباري : هو يمشي الجِيَضَّى بفتح الياء ، وهي مِشْيَةٌ يختال صاحبُها.

قال رؤبة :

مِن بَعْد جَذْبِي المِشْيَةَ الجِيضَيَ

فقد أُفَدِّي مِرْجَماً مُنْقَضّاً

وابن السكيت هكذا قاله.

ضوج : أبو عُبيد ، عن الأصمعيّ : الضَّوْجُ بالجيم : جِزْعُ الوادِي ، وهو مُنْعَرَجهُ حيث يَنعَطِف ، وجَمْعُه : أَضْواج.

قال رُؤبة :

* خَوْقاءُ من تَراغُبِ الأضْواجِ *

وتَراغبُها : اتِّساعُها.

الليث : الضَّوْجَان من الإبلِ والدَّواب كلُّ يابِسِ الصُّلْب ، وأنشد :

* في ضَبْرِ ضَوْجَانِ القَرَى لِلْمُمْتَطى*

يصِف فَحْلاً.

قال : ونَخْلَةٌ ضَوْجَانَةٌ ، وهي اليابِسةُ الكَزَّةُ السَّعَف ، قال : والعصا والكَزّةُ ضَوْجانَة.

وروى أبو تراب لبعض الأعراب : ضاجَ السَّهْمُ عن الهَدف ، إذا مالَ عَنْه.

قال : وقال غيره : ضاج الرجلُ عن الحق : مالَ عنه.

الطُّوسِيّ ، عن ابن الأعرابيّ ، قال : ضاجَ عَدَلَ ومالَ يَضِيجُ ضُيُوجاً ، وضَيَجاناً وأنشد :

إِمَّا تَرَيْنِي كالْعريشِ المَفْرُوجْ

ضَاجَتْ عِظامِي عن لَفِيءٍ مَضْرُوج

اللّفيءُ : عَضلُ لَحْمِه ، مَضْرُوج : مَكْشوف وقال قائل من العرب : فَلَقِينا ضَوْجٌ من أَضْواجِ الأَوْدِيَةِ ، فانْضَوَجَ فيه ، وانضَوَجْتُ على أَثَرِه.

ج ص : مهمل.

ج س (وا يء)

جسأَ ، جاس ، وجس ، سجا ، ساج ، وسج : [مستعملة].

جسأ : قال الليث : جَسَأَ الشَّىءُ يَجْسَأُ جُسُوءاً وهو جَاسِئ ، إذا كانت فيه صَلابة ، وخُشُونة وجَبل جاسِئٌ ، وأَرض جاسِئَةٌ ودابَّة جاسِئَةُ القوائم. قلت : وتَرْكُ الهمز في جميع ذلك جائز.

وقال أبو زيد ، يقال : جَسَأَتْ يدُ الرجل

٩٥

جُسُوءاً ، إذا يَبِسَتْ ، وكذلك النَّبتُ إذا يَبِسَ ، فهو جاسِئٌ.

ثعلب ، عن ابن الأعرابيّ : جاسَى فلانٌ فلاناً ، إذا عاداه ، وسَاجاه ، إذا رَفَقَ به.

الكِسَائيّ : جُسِئت الأرض فهي مَجْسُوءَةٌ من الجَسْءِ ، وهو الجِلْدُ الخشن الذي يُشْبه الحَصى الصِّغار.

جوس : قال الله جلّ وعزّ : (فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ) [الإسراء : ٥].

سَلَمة ، عن الفراء ، يقول : قَتلوكُم بين بُيُوتكم. قال : وجاسُوا بمعنى واحدٍ يذهبون ويَجيئُون.

وقال الزّجاج : (فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ) ، أي فَطافُوا في خِلال الدِّيار ينظرون هل بَقِيَ أَحَدٌ لم يَقتلوه؟

قال : والجَوْسُ طلَبُ الشَّيء باستِقْصاء.

المنذريّ عن الحرَّاني ، عن ابن السِّكّيت عن الأصمعيّ قال تركتُ فلاناً يُحوسُ بَني فُلان ويجوسهم ، أي يَدُوسهم ، ويَطْلُبُ فيهم ؛ وأنشد أبو عُبيد :

نَجُوسُ عِمَارَةٌ وَنَكُفُّ أُخْرى

لنا حتّى يجاوِزَها دَليلُ

قال : نُجوّس. نَتَخَلَّل.

وقال أبو عُبيد : كُلُّ موضع خالَطْته وَوَطِئْتَه ، فقد جُسْتَه وحُسْتَه.

وقال الليث : الجوسانُ التَّرَدُّدُ خلال البيوت في الغارة ، قال : وجَيْسان اسم.

أبو عُبيد ، عن الأصمعيّ ، قال : الجُوس الجوع ، وهو الجودُ. يقال جُوساً له وجُوداً له وجُوعاً بمعنى واحد.

وجس : قال الله تعالى : (فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) [الذاريات : ٢٨].

قال أبو إسحاق معناه : فأَضْمَرَ منهم خَوْفاً ، وقال في موضع آخر : معنى أَوْجَس وقع في نفسه الخوف.

وسُئِلَ الحسنُ عن الرّجُلِ يُجامِع المرأة والأخرى تَسمع ، فقال : كانوا يَكرهون الوَجْس.

قال أبو عُبيد : الوَجْس هو الصَّوْتُ الخَفِيّ.

وقال الليث : الوَجْس فَزْعَةُ القَلب ، يقال : أَوْجَسَ القَلب فَزَعاً ، وتَوَجَّسَت الأُذن إذا سَمِعَتْ فَزَعاً ، قال : والوَجْس الفَزَعُ يَقَع في القَلب ، أو في السَّمع من صَوْتٍ أو غير ذلك.

ثعلب ، عن ابن الأعرابيّ ، يقال : لا أَفعل ذلك سَجِيسَ الأوْجَس ، أي لا أَفْعله طُولَ الدَّهر.

أبو عُبيد ، عن الأحمر ، مثله ، قال : وقال الأُمَوِيّ : ما ذُقت عنده أَوْجَسَ يعني الطَّعام.

وقال شَمِر : لم أَسمعه لغيره ، قلت : وهو حرفٌ صحيح. يقال : تَوَجَّسْتُ الطعامَ

٩٦

والشّرابَ ، إذا تَذَوَّقتَه قليلاً قليلاً.

وهو مأخوذٌ من الأَوْجَسِ ، وتوجَّستُ الصوتَ ، إذا سمعتَه وأنت خائف منه ، ومنه قوله :

* فَغَدَا صبيحة صَوْتها مُتَوجِّساً*

سجا : قال الله جلَّ وعزَّ : (وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (٢)) [الضحى : ٢].

قال الليث : إذا أَظْلَمَ ورَكَدَ في طوله ، كما يقال : بَحْرٌ ساجٍ ، ولَيْلٌ ساجٍ ، إذا رَكَدَ وأَظلم ، ومعنى رَكَدَ سَكَن.

ثعلب ، عن ابن الأعرابيّ : سجا : سكن ، وسجا : امتدّ بظلامه ، وسجا : أظلم.

حمزة ، عن عبد الرزاق ، عن مَعْمَر ، عن قتادة : (وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (٢)) قال : إذا سكن بالناس.

قال حمزة : وحدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الحسن في قوله : (وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (٢)) قال : إذا ألبس الناسَ إذا جاء.

وقال الزجاج ، معناه : إذا سكن ، وأنشد :

يا حَبَّذا القَمْراءُ والليل السَّاجْ

وطُرُقٌ مِثْل مُلاءِ النّسَّاج

ثعلب عن ابن الأعرابيّ ، يقال : سَجا يَسْجو سَجْواً وسَجَّى يُسَجِّي ، وأَسْجى يُسْجي ، كلُّه إذا غَطَّى شيئاً ما.

وقال الليث : عينٌ ساجِيةٌ ، فاتِرَة النَّظَر يَعْتَرِي الحُسْنَ في النساءِ ، وليلةٌ ساجِيَةٌ ، إذا كانت ساكِنَةَ الرِّيح غير مُظلمة ، وسجا البحر ، إذا سَكَنت أمواجُه ، والتّسْجيةُ : أن يُسَجَّى الميتُ بثَوب ، أي يُغَطَّى به ، وأنشد في صِفَةِ الرّيح :

* وإنْ سَجَتْ أَعْقَبَها صَباها*

أي سكنت.

أبو زيد : أَتانا بطعام فما ساجَيْناه ، أي ما مَسَسْناه.

وقال أبو مالك ، يقال : هل نُسَاجِي ضيْعةً ، أي هل نُعالجها.

قال ابن بُزرج ، قال الأصمعيّ : سُجُوّ الليل : تغطيته النهار مثل ما يُسَجَّى الرجل بالنوب ، وسجا البحرُ وأسْجى إذا سكن.

ناقة سَجْواء ، إذا حُلِبت سكنت. وكذلك السَّجو في النظر والطرف ، امرأة سجواء الطرف وساجية الطرف ، أي فاتِرة الطرف ساكنته ، ابن بزرج : ما كانت البئر سَجُوّاً ولقد أسْجتْ ، وكذلك الناقةُ أسْجت في الغَزارة في اللبن ، قال : وسجا الليل سُجُوّاً ، إذا سكن ، وما كانت البئر عَضُوضاً ولقد أَعَضَّتْ.

سوج ـ سيج : قال الليث : السِّيجانُ : الطّيالِسَة السُّود ، واحدها ساجٌ.

وقال الليث : هو الطَّيْلَسان الضَّخْم الغَليظ.

وقال ابن الأعرابيّ : ساجَ يَسوج سَوْجاً وسُواجاً وسَوجَاناً ، إذا سارَ سَيْراً رُوَيْداً ، وأنشد :

٩٧

* غَرَّاءُ لَيْسَتْ بالسَّؤوجِ الجِلْبح*

وقال أبو عمرو : السَّوَجان الذَّهابُ والمجيء.

ابن كيسان : السِّيجان في الطيالسة السُّود كما قال ابن الأعرابيّ ، الواحد ساجٌ.

يقال : حَظّرَ فلانٌ جداره ، بالسياج وهو أن يُسَيِّجَ حائطه بالشّوْكِ لئلّا يُتَسَوَّر.

الليث : الساجةُ ، الخَشَبة الوَاحدة المشَرْجَعَةُ المُرَبّعة كما جُلِبت من الهِنْد ، وجَمْعها السَّاج.

وقال ابن الأعرابيّ : يقال للسَّاجَة التي يُشَقُّ منها الباب : السَّلِيجَة.

وقال الليث : السُّوج مَوْضِع ، وسُوَاجٌ اسم جَبَل.

ويقال : حَظَّرَ فُلانٌ كَرْمَه بالسِّياجِ ، وهو أنْ يُسَوِّجَ حائِطَهُ بالشَّوك يُتَسَوَّر.

وسج : أبو عُبيد ، عن الأصمعيّ : الوَسْجُ والعَسْجُ ضربان من سَيْرِ الإبل ، وقد وَسَجَ البعيرُ يَسِج وسْجاً ووَسِيجاً.

وقال النَّضْر : أَوّلُ السَّيْرِ الدَّبِيبُ ، ثم العَنَقُ ، ثم التَّزَيُّد ، ثم الذَّمِيلُ ، ثم العَسْج والوَسْج ، ثم الرَّنْك ونحو ذلك.

قال الأصمعيّ ، وقال الليث : وسَجَبَ النَّاقَةُ تَسِج وَسِيجاً ، وهيَ وَسُوجٌ : وهو مَشْيٌ سَريع.

[باب الجيم والزاي]

ج ز

(وا يء) جزا ، جَزَأ ، جاز ، جئِز ، وجز ، زاج ، زجا ، أزج.

جزى : سَمِعْتُ المُنذِريّ يقول : سَمِعْتُ أبا الهيْثَم يقول : الجزاءُ يكون ثَواباً ، ويكونُ عِقاباً. قال الله جلَّ وعزَّ : (قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ (٧٤) قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ) [يوسف : ٧٤ ، ٧٥].

قال : معناه ، قالوا فما عُقوبَتُه إنْ بانَ كَذِبُكم بأَنّه لم يَسْرِق ، أي ما عُقُوبَةُ السّرِقِ عِنْدَكُم إن ظهرَ عليه؟ قالوا : جَزَاءُ السّرِقِ مَنْ وُجِدَ في رَحْلِهِ ، أي الموجُودُ في رَحْلِه ، كأنّه قال : جَزاءُ السَّارِق عندنا استرقاقُ السارِق الذي يُوجَدُ في رَحْله سَنَة ؛ وكانت سُنَّةُ آلِ يعقوب ، ثم وَكَّدَه ، فقال : (فَهُوَ جَزاؤُهُ).

قلت : وهذا الذي ذَكَرْتُه في الهاءات وغَيرها ، قولُ أبي العباس أحمد بن يحيى ، وقول أبي إسحاق الزجاج.

والجزاء أيضاً : القضاء. قال الله جَلّ وعَزّ : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) [البقرة : ٤٨].

قال الفراء : يَعودُ على اليوم واللّيلة ، ذكرهما مَرَّةً بالهاء وحدَها ، ومرَّةً بالصِّفَة ، فَيجوزُ ذلك ، كقوله :

٩٨

لا تَجْزِيهِ نَفْسٌ عن نَفْسٍ شَيْئاً : وتُضْمِرُ الصفةَ ، ثم تظهرها فتقول : (لا تَجْزِي) فيه (نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً).

قال : وكان الكسائيّ لا يُجِيزُ إضمار الصِّفَة في الصِّلات.

وسمعتُ المُنْذِريّ يقول : سمعت أَبا العبّاس ، يقول : إضمار الهاء والصِّفَة واحِدٌ عند الفرّاء. تَجْزِي وتَجْزِي فِيه ، إذا كان المَعْنَى واحِداً.

قال : والكِسائِيّ يُضْمِرُ الهاء ، والبَصْريونُ يُضْمرون الصِّفة.

وقال أبو إسحاق : معنى (لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) [البقرة : ٤٨] أي لا تَجْزِي فيه.

وقيل : لا تَجْزِيهِ ، وحَذْفُ «فيه» ها هُنا سائِغ ، لأنَّ «في» مع الظُّروف مَحْذوفَة ، وقد تقول : أَتَيْتُكَ اليوم ، وأَتَيْتُكَ في اليوم ، فإذا أضْمَرْت ، قلت : أَتيتك فيه ، ويجوزُ أن تَقول : أَتَيْتَكَهُ ، وأنشد :

ويَوْماً شَهِدْناهُ سُلَيماً وعَامِراً

قَلِيلاً سِوى الطّعْنِ النِّهال نَوَافِلُه

أرادَ شَهِدْنا فِيه.

قلت : ومعنى قوله : (لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) يعني يوم القيامة ، أي لا تَقْضِي فيه نَفْسٌ عن نَفْسٍ شَيئاً.

يقال : جَزَيتُ فلاناً حَقَّه ، أي قَضَيْتُه ، وأَمَرْتُ فلاناً يَتَجَازَى دَيْني ، أي يَتَقَاضَاه ، ومنه حديثُ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين قال لأبي بُرْدَة بن نِيَار في الْجَذَعَةِ التي أَمَره أن يُضَحِّي بها من المِعْزَى : «ولا تَجْزِي عن أَحَدٍ بَعْدَك».

قال أبو عُبيد : قال الأصمعيّ : هو مأْخوذٌ من قولك : قد جَزَى عَنِّي هذا الأمْر ، فهو يَجْزِي عَنِّي ، ولا هَمْزَ فيه.

قال : ومعناه لا تَقْضِي عن أَحَدٍ بَعْدك ، وليس في هذا هَمْز.

ويقال : جَزيت فلاناً بما صَنَع جَزاءً.

وقضيتُ فلاناً قَرْضَه ، وجزيته قرضه.

وتقول : إن وَضَعْتَ صدقَتَك في آلِ فلان جَزَتْ عنك ، وهي جازِيَةٌ عَنْك.

قلت : وبعضُ الفقهاء يقول : أَجْزَى عنك بمعنى جَزَى أي قَضَى. وأهل اللُّغة يقولون : أجزأ بالهمز ، وهو عندهم بمعنى كَفَى.

قال الأصمعيّ : أَجْزَأَنِي الشّيءُ إِجْزاءً مهموز ، معناه كفاني. وأنشد :

لَقد آلَيْتُ أغْذِرُ في جَدَاعٍ

وإن مُنِّيتُ أُمَّاتِ الرِّباعِ

بأَنَّ الغَدْرَ في الأَقْوام عارٌ

وأنَّ المرْءَ يَجْزَأُ بالكُرَاعِ

قوله : يَجْزَأُ بالكراعِ ، أي يكتفي بها ، ومنه قول الناس : اجتَزَأْتُ بكَذا وكَذا ، وتَجَزَّأْتُ به ، أي اكْتَفَيْت به وأَجْزَأْتُ بهذا المعنى.

٩٩

ومنه قول العرب : جَزَأْت الماشيةُ تَجْزَأُ جَزْءاً إذا اكتَفَتْ بالرّطْبِ عن شرب الماءِ.

وقال لبيد :

* جَزَأ فَطالَ صيامُه وصِيامُها*

أي اكْتَفَيا بالرّطب عن شُربِ الماء ، يَعْني عَيْراً وأتانة.

وأخبرني المنذريّ ، عن ثعلب ، عن ابن الأعرابيّ ، أنه أنشده لبعض بني عمرو بن تميم :

ونحن قتلنا بالْمَخَارِقِ فارساً

جَزَاءَ العُطاسِ لا يموت المُعاقب

قال : يقول : عَجَّلنا إِدراك الثأر كقدر ما بين التّشميت والعُطاس.

والمُعاقب : الذي أدرك ثأره لا يموت المُعاقِب أي أنه لا يموت ذكرُ ذلك بعد موته ، قال : ومثله قول مهلهل :

فقتلى بقتلانا وجَزٌّ بجَزِّنا

جزاء العُطاسِ لا يموتُ مَن اتّأَرْ

أي لا يموت ذكره.

ثعلب ، عن ابن الأعرابيّ ، قال : يُجزِىءُ قليلٌ من كثِير. ويُجْزِي هذا من هذا ، أي كلُّ واحد منهما يَقُومُ مقام صاحِبه.

وسئل أبو العباس عن جَزَيْتُه وجازَيْته ، فقال : قال الفراء : لا يكون جَزَيتُه إلا في الخبر ، وجازيته يكون في الخيْر والشّرّ.

قال : وغيره يجيز جَزَيتُه في الخير والشّر ، وجازيته في الشّر ، ويقال : اللّحم السّمين أجزأ من المهزول ، ومنه يقال : ما يُجْزِئُني هذا الثوب ، أي ما يَكفيني.

ويقال : هذه إبلٌ مَجازِئٌ يا هذا ، أَيْ تكفي الحِمْل ، الواحدُ مُجْزِئٌ ، وفلان بارع مُجزئٌ لأمره ، أي كافٍ أمْرَه.

وقال الله جلّ وعزّ : (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (١٥)) [الزخرف : ١٥].

قال أَبو إسحاق : يَعْني به الَّذين جَعَلوا الملائِكة بنات الله ، تَعالى اللهُ عما افتَرَوْا.

قال : وقد أُنْشِدْتُ لبعض أهلِ اللغة بَيتاً يَدُلُّ على أَنَّ معنى : جُزءٍ معنى الإناث ولا أَدْرِي البيتُ قَديمٌ أم مَصْنوع.

أنشدوني :

إنْ أَجْزَأَتْ حُرَّةٌ يوماً فلا عَجَبٌ

لا تُجزِيءُ الْحُرَّةُ المِذْكَارُ أَحْياناً

أي إنْ آنَثَتْ ، أي وَلَدت أُنْثى.

قلت : واستدل قائل هذا القول بقوله جل وعز : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) [الزخرف : ١٩].

وأَنْشَد غيره لبعض الأَنْصار :

نَكَحْتُها من بنات الأوْس مُجْزِئَةً

للعَوْسَج اللَّدْنِ في أَبْياتِها زَجَلُ

١٠٠