تهذيب اللغة - ج ١٠

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ١٠

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٥

قال : وقال الفرّاء : هذا إغراءٌ أيضاً.

ويقال : كَذَبَ لبنُ النَّاقةِ : أي ذهب ، وكَذَبَ البَعيرُ في سَيْرِهِ إِذا سَاءَ سَيرهُ.

قال الأعشى :

جُمَاليَّة تَغْتَليِ بالرِّدافْ

إِذا كَذَبَ الآثماتُ الهجيرا

ومن أمثالهم : «ليس لمكْذُوبٍ رأْي» ومنها «المعاذِر مَكاذِبُ».

ومن أمثالهم : «إنّ الكَذُوب قد يَصدُقُ» ، وهو كقولهم : «مع الخواطِئ سهمٌ صائب».

وقال اللحياني : رجل تِكذَّابٌ وتِصِدَّاقٌ أي يَكذِبُ ويَصْدُقُ.

وقال النّضر : يقال للنّاقةِ التي يضربُها الفحْل فتشولُ ثم ترجع حائلاً مُكَذِّبٌ ، وكاذِبٌ ، وقد كَذَبَتْ وكذَّبَتْ.

وقال أبو عمرو : يقال للرجل يُصاح به وهو ساكِتٌ يُرى أنّه نائم : قد أكْذَب وهو الإكْذَابُ.

وفي حديث الزبير أنّه حَمَل يوم اليَرمُوك على الرُّوم ، وقال للمسلمين إن شددتُ عليهم فلا تُكَذِّبوا.

قال شمر : يقال للرجل إذا حَمَل ثم ولَّى ولم يمضِ : قد كَذَّبَ تَكذِيباً ، وقد كَذّب عن قِرْنه ، وقال زهير : ليثٌ بِعَثّرَ يصطادُ الرجالَ إذا

ما الليثُ كَذَّب عن أَقْرانه صَدَقَا

ويقال : حَمَل فما كَذّب أي ما جُبنَ وما رجع ، وكذلك حَمل فمَا هَلّل.

(ثعلب عن ابن الأعرابي): المَكْذُوْبةُ من النِّساء : الضعيفة.

قال : المَذْكوَبة : المرأةُ الصالحةُ.

وقال ابن شميلٍ : كَذَبَك الحجُّ أي أمكنك فَحُج ، وكَذَبك الصَّيْدُ أي أمكنك فَارْمِهِ.

ك ذ م : مهمل.

أبواب الكاف والثاء

ك ث ر

استُعمل من وجوهه : كثر ، كرث.

كرث : قال الليث : يقال : ما كَرَثَني هذا الأمرُ أي ما بَلغ مني مَشقّةً ، والفعل المجاوزُ أن تقول : كَرثْته أكْرثهُ كَرْثاً وقد اكْتَرَثَ هُوَ اكْتراثاً. وهذا فعل لازمٌ ، والكُرَّاثُ : بقلةٌ.

(قلتُ) : والكَرَاثُ بفتح الكاف وتخفيفُ الراءِ : بقلةٌ أخرَى ، الواحِدة كَرَاثةٌ.

قال أبو ذَرَّة الهذلي :

إنَّ حبيبَ بنَ اليَمان قد نَشِبْ

في حصدٍ من الكَرَاثِ والكَنِبْ

إنْ يَنتَسِبْ يُنْسَبْ إلى عرقٍ وَرِبْ

أهْلِ خَزُوماتٍ وشَحَّاجٍ صخِبْ

وعازبٍ أَقْلَحَ فوهُ كالخَرِبْ

١٠١

قال : الكَرَاثُ والكَنَبُ : شجرتَانِ. وأراد بالعازب مالاً عزبَ عن أَهْلهِ ، أَقْلَح : اصفرَّ أسنانُه من الهرمِ.

ويقال : بُسرٌ قَريثَاءُ وكَرِيثَاء لضربٍ منَ التمرِ معروفٍ.

(الأصمعيُّ): كَرَثَنِي الأمرُ وقَرَثنِي : إذا غمَّهُ وأَثقلَهُ.

كثر : قال الليث : الكَثْرَةُ نماءُ العدَدِ ، تقول : كَثُرَ الشيءُ يَكْثرُ كَثْرَةً فهو كَثِيرٌ.

وتقول : كَاثَرْنَاهُمْ فكَثرْنَاهُمْ ، وكُثْرُ الشَّيْء : أَكْثرُهُ ، وقُلُّهُ : أَقَلُّه.

وأنشدَ ابن السكيت :

فإِنَ الكُثْرَ أَعْيَانِي قديماً

ولم أُقْتِرْ لدُنْ أَنَّي غلامُ

ورجلٌ مُكْثرٌ : كثيرُ المالِ ، ورجلٌ مِكْثَارٌ وامرأةٌ مِكْثَارٌ إذا كَانَا كثِيرَيِ الكلامِ ، ورجلٌ مَكْثورٌ عليه إذا كَثُرَ من يطلبُ إليهِ المعروفَ.

وفي الحديثِ المرفوعِ : «لَا قَطْعَ فِي ثمرٍ ولَا كَثرٍ».

قال أبو عبيد : قال أبو عبيدةَ : الكَثرُ : جُمَّارُ النَّخْل في كلامِ الأنصارِ ، وهو الجَذَبُ أيضاً.

وقال الفراءُ في قول الله تعالى : (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (٢)) [التكاثر : ١ ، ٢] نَزَلتْ في حَيّيْنِ تفاخَرَا أَيُّهُمَا أَكْثرُ عدداً ، وهمَا بنُو عبدِ منافٍ ، وبنُو سهمٍ فكَثرَتْ بنُو عبدِ منافِ بني سهمٍ ، فقالتْ بنو سهمِ : إنَّ البغيَ أَهْلَكَنَا في الجاهلية فعادُّونا بالأحياء والأمواتِ فكَثَرَتهُمْ بنُو سهمٍ فأَنزَلَ اللهُ جلَّ وعزَّ : (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (١)) حتى ذكرتم الأمواتَ.

وقال غيرُ الفراءِ : أَلْهاكُم التّفاخرُ بِكَثْرَة العددَ والمالِ (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) أيْ حتى مُتمْ. ومنه قولُ جريرَ في الأخطلِ حينَ ماتَ :

زارَ القُبورَ أَبو مالكٍ

فأَصبحَ أَلأَمَ زُوَّارِها

فجعلَ زيارةَ القَبْرِ بالموت.

وقول الله جلَّ وعزّ : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١)) [الكوثر : ١].

قال الفراء ، قال ابن عباس : الكوثر هو الخير الكثير.

(قلت) : وقد روى ابن عمر وأنس بن مالك عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «الكَوْثرُ : نهرٌ في الجنةِ أَشدُّ بياضاً من اللبَن وأَحْلَى من العسلِ على حافتيْهِ قِبابُ الدُّرِّ المجوَّفِ» والكوثرُ فوعلٌ من الكثرةِ ، ومعناهُ الخَيرُ الكثيرُ ، وجاءَ في التفسير أن الكوثرَ الإِسلامُ والنُّبُوّةُ ، وجميعُ ما جاءَ في تفسير الكوْثرِ قد أعطي النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أعطيَ النبوَّةَ وإظهارَ الدين الذي بعثَ بهِ عَلَى كل دينٍ ، والنصرَ على أعدائهِ ،

١٠٢

والشفاعة لأمتِهِ وما لا يُحصىَ من الخيرِ وقد أعطيَ من الجنةِ على قدرِ فضله على أهلِ الجنةِ.

(أبو عبيد عن الفراء): الكوْثرُ : الرجلُ الكثيرُ العطاءِ والخيرِ. وقال الكميت :

وأنتَ كثيرٌ يا ابن مروانَ طيبٌ

وكانَ أَبوك ابن العقائلِ كوْثرَا

والكوْثرُ : السيدُ ، قال لبيدٌ : وعندَ الرِّداعِ بَيْتُ آخرَ كوْثَرُ وقال أبو عبيدة : قال عبد الكريم أبو أمية قالت عجوزٌ : قدمَ فلانٌ بكوثرٍ كثيرٍ ، وهو فوعلٌ من الكثرةِ ، ويقال للغبار إذا سطعَ وكثرَ : كَوثرٌ. وقال الهذليُّ :

بحَامِي الحقيق إذا ما احْتدَمْنَ

حَمْحَمَ في كَوثرٍ كَالجِلالْ

أَرادَ في غبار كأنهُ جلالُ السفينةِ يصفُ حماراً وَعَانثهُ.

(أبو عبيد) : شيءٌ كثيرٌ وكُثارٌ مثلُ طَويلٍ وطُوالٍ.

والكثر والكوثر : واحد.

وقال أبو تراب : يقال للْكثير كَيْثَرٌ وكَوثرٌ ، وأَنشد :

هلِ العزُّ إلا الُّلهى والثرَا

ءُ والعددُ الكيثَرُ الأعظم

(ابن شميل عن يونس) : رجال كثيرٌ ونساءٌ كثير ورجالٌ كثيرةٌ ، ونساءٌ كثيرةٌ ، زعم ، وكثّرَتُ الشيءَ : جعلته كثيراً زَعم ، ورجل مُكثِرُ : كثيرُ المالِ.

ك ث ل

استعمل من وجوهه : لكث ، ثكل ، كثل.

كثل : أَمَّا كثل فأصلُ بناء الكَوْثلِ وهو فَوْعَلٌ.

وقال الليث : الكوْثَلُ : مُؤخّر السفينة ، وفي الكوثَلِ يكون الملّاحونَ وأداتهم ، وأنشد :

حَملْتُ في كوْثَلِها عُوَيفَا

وقال أبو عمرو : المرْنَحةُ : صدرُ السفينةِ ، والدَّوْطِيرَةُ : كوثَلُهَا.

وقال أبو عبيد : الخَيْزرانةُ : السُّكّانُ وهو الكَوْثَلُ. وقال الأعشى : من الخوف كوثلُها يُلتزمْ لكث : (ثعلب عن سلمة عن الفراء) قال : اللَّكاثِيُ من الرجالِ : الشديد البَيَاض ، مأخوذٌ من اللُّكاث وهو الحجرُ البَرَّاقُ الأملس يكون في الجِصِّ.

وقال اللحياني : اللكاث ، والنُّكاثُ : داءٌ يَأْخُذُ الإِبلَ وهو شبْه البَثْر يأخذها في أفواهِها : (عمرو عن أبيه): اللُّكَّاثُ : الجَصَّاصون.

الصُّناعُ منهم لا التُّجّارُ.

ثكل : قال الليث : يقال : ثَكِلَتْه أُمُّه تثكلهُ ، فهي به ثَكْلى ، وقد أُثكِلَتْ وَلَدهَا فهي

١٠٣

مُثْكلةٌ بولدها ، والجميع : مثاكيلُ.

وقال غيره : امرأةٌ مُثْكِلٌ بغير هاء.

وقال أبو عبيد : الثّكُولُ : المرأةُ الفاقِدُ.

وقال غيره : فَلَاةٌ ثَكُولٌ : مَن سَلَكها فُقِدَ ، وثُكلَ ، ومنه قولُ الجُمَيح :

إذا ذَاتُ أَهْوَالٍ ثَكُولٌ تَغَوَّلَتْ

بِهَا الرُّبْدُ فَوْضَى والنّعَامُ السَّوَارِحُ

وقال الليث : الثُّكْلُ : فِقْدَانُ الحبيب ، وأكثرُ ما يستعمل في فِقدان المرأة زوجَها ، وامرأةٌ ثَكلَى ، ونسوة ثَكالى.

قال ابن السكيت ، قال الأصمعي : الإثكالُ ، والأثْكولُ : الشِّمْراخُ لعِذْق النَّخْل.

ك ن ث

كنث ، نكث ، ثكن : [مستعملة].

كنث : قال الليث : الكنْثَة : نَوَرْدَجةٌ تُتخذ مِن آسٍ وأغصانِ خلافٍ ، تُبسط وتُنضد عليها الرياحين ثم تطوى.

قال : وإعرابه : كُنْثَجَةٌ ، وبالنبطة : كُنْثَا.

نكث : قال الله جل وعز : (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً) [النحل : ٩٢] واحد الأنكاث : نِكْثٌ ، وهو الغزل من الصوف ، والشّعر يُبرمُ ويُنسج أكْسية وأَخبيةً ، فإذا أَخلقَتْ قطِّعَتْ قطعاً صغاراً ، ونُكِثتْ خيوطها المبرمة وخُلطت بالصوفِ الجديد ، ومِيشتْ به في الماء ، فإذا جفَّت ضُربتْ بالمطارقِ حتى تختلط بها ، وغُزلتْ ثانيةً واستُعملت ، والذي يَنكُثها يقالُ له النّكاثُ ، ومن هذا : نكَث العهدَ ، وهو نقضُه بعد إحكامه كما تُنكثُ خيط النَّسَائج بعد إبرامها.

وقال ابن السكيت : النّكْثُ : المصدر ، والنِّكث : أن تُنْقضَ أَخلاقُ الأخْبية فتغزلَ ثانية.

وقال أبو زيد : النّكيثة : النفس ، يقال : بُلغتْ نكيثتُه إذا جُهد قوَّته ، ونكائثُ الإبل : قواها. وقال الراعي يصف ناقة :

تُمْسِي إذا العِيسُ أدْرَكْنا نكائثَها

خَرْقاءَ يَعْتَادُها الطُّوفَانُ والزُّؤُدُ

ومنه قول طرفة : مَتَى يَكُ أَمْرٌ للّنكيثَةِ أَشْهَدِ

يقول : متى ينزلْ بالحيِّ أمرٌ شديد يبلغُ النكيثَة ، وهي النفْس ويجهدُها فإني أشهدُه واضطلع به. وقال أبو نُخَيْلَة :

إذا ذَكَرْنَا والأُمورُ تذكَرُ

واسْتَوعَبَ النّكَائِثَ التّفَكرُ

قُلنَا أَمِيرُ المؤْمِنينَ مُعْذِرُ

يقول : استوْعَبَ الفكرُ أنفسنا كلها وجَهدها.

(اللحياني) : النُّكافُ والنُّكاثُ : داءٌ يأخذ الإبل ، ويقال له : اللُّكاثُ أيضاً ، ويقال : بعير مُنتِكثٌ إذا كان سميناً فَهُزل. وقال الشاعر :

١٠٤

ومُنْتَكِثٍ عَالَلْتُ بالسَّوطِ رَأْسَه

وقد كَفَرَ الليلُ الخَرُوْقُ المَوامِيا

(قلت) : وسميَتِ النْفسُ نُكيثةً لأنَّ تكاليف ما هي مضطرة إليه تَنكُث قواها والكِبَرُ يفْنيها ، فهي مَنكوثةُ القوَى بالتَّعَب والفناء ، ودخلتِ الهاءُ في النّكِيثَة لأنها جعِلت اسماً.

ثكن : (ابن شميل) : فيما روى عنه أبو داود المصاحفيُّ في قوله : «يُحشرُ الناسُ عَلَى ثكْنِهم» أي على ما ماتوا عليه فأُدخلِوُا قبورَهم.

قال : والثُّكنة : حفرَة على قدْر ما يواريه.

(ثعلب عن ابن الأعرابي): الثَّكنة : الجماعة من الناس والبهائم ، والثُّكنةُ : القِلادة ، والثكنَةُ : الإرَة وهي بئر النار ، والثكْنة : القبر ، والثكنَة : المحجَّة ، والثكنة : الرَّاية ومنه الحديث : «يُحشَرُ النّاسُ عَلَى ثكنهِمْ» أي على مزاياتهم في الخير والشر والدين. وقال طرفة :

وهَانِئاً هَانِئاً في الحيِّ مُومِسَة

ناطَتْ سِخَاباً ونَاطتْ فوْقَه ثُكَنَا

ويقال للعُهُون التي تعَلّق في أعناق الإبل : ثُكَنٌ.

وقال الليث : الثُّكَنُ : مراكِزُ الأجناد على راياتهم ومجتمَعهم على لواء صاحبهم وعَلَمِهم ، وإن لم يكن هناك لواءٌ ولا علم ، واحدتها : ثُكْنَةٌ.

والأثْكُونُ ، والأثْكُولُ : العُرجُون. وقال الأعشى : لِيُدْرِكَها في حَمَامٍ ثُكَنْ أي في حَمَامٍ مجتمعة.

ك ث ف

كثف : قال الليث : الكثافة : الكثرة والالتِفاف ، والفِعل كثُف يكثف كثَافة ، والكثف اسم كثرته ، يوصف به العسكر والماء والسحاب ، وأنشد :

وتحْتَ كثِيف المَاءِ في بَاطِن الثّرَى

مَلائِكة تَنْحَطُّ فِيهِ وتَصعَدُ

ويقال : استَكثَفَ الشيءُ اسْتكثافاً ، وقد كثّفْته أَنا تكثيفاً.

ك ث ب

كثب ، كبث : [مستعملان].

كبث : (أبو عبيد عن الأصمعي): البَرِيرُ : ثمَرُ الأراكِ ، والغَضُّ منه : المَرْدُ ، والنَّضيجُ : الكَبَاثُ.

وقال أبو عمرو : الكَبِيثُ : اللَّحْمُ الّذِي قد غُمّ ، وقد كَبَثْتُهُ فهوَ مَكْبُوثٌ وكَبيثٌ ، وأنشد :

أَصْبَحَ عمارٌ نشيطاً أَبِثَا

يَأَكلُ لحماً بَائتاً قد كَبِثَا

كثب : في حديث ماعزِ بنِ مالكٍ أنَّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أَمَرَ بِرَجْمِهِ ، حينَ اعْتَرَفَ بالزنا ثُمَّ قال : يَعْمِدُ أَحدُهمْ إلى المَرْأَةِ

١٠٥

المُغِيبَةِ فَيَخْدَعَهَا بالكُثْبَةِ ، لَا أُوتي بأَحَدٍ مِنْكْم فعلَ ذلكَ إلّا جَعَلْتُهُ نَكَالاً».

قال أبو عبيد : قال شُعبَةُ : سأَلْتُ سِمَاكاً عن الكُثْبةِ فقالَ : القليلُ من اللبن.

قال أبو عبيدٍ : وهوَ كذلكَ في غيرِ اللبنِ وكلُّ ما جمعتَهُ من طعامٍ أو غيرِه بعدَ أن يكونَ قليلاً فهوَ كُثْبَةٌ ، وجمعُهَا : كُثَبٌ.

وقال ذو الرُّمة يذكرُ أبعارَ البقَرِ :

مَيْلَاءَ منْ مَعْدِنِ الصّيرَانِ قاصيَةً

أَبْعَارُهُنَّ عَلَى أَهْدَافِهَا كُثَبُ

ويقال : كَثَبْتُ الشيءَ أكثِبُه كثْباً إذا جمعتَه.

وقال أوسُ بن حجرٍ :

لأَصْبَحَ رَتْماً دُقاق الحَصَى

مكانَ النَّبِيّ مِنَ الكَاثِبِ

قال يريدُ بالنَّبِّي : ما نَبَا من الحَصى إذا دُقّ فَنَدَرَ ، والكَاثِبُ : الجامعُ لمَا ندرَ منهُ ، ويقال : هما موضعانِ.

أبو حاتم : احْتَلَبُوا كُثَباً أي من كل شاةٍ شيئاً قليلاً ، وقد كثَبَ لبَنُها إذا قَلَّ ، إما عند غَزَارَةٍ ، وإمَّا عندَ قلّة كَلأ.

وقال الليثُ : يقالُ للتّمْرِ أو البُرِّ ونحوِه إذا كان مصبُوباً في مواضعَ ، فكلُّ صُوبةٍ منها : كُثْبَةٌ.

(ثعلب عن ابن الأعرابي) : يقال للرَّجلِ إذا جاء يطلبُ القِرَى بِعِلّةِ الخِطبَةِ : إنهُ ليخْطُبُ كُثْبَةً ، وأَنشَد :

بَرَّحَ بالعيْنَيْنِ خَطَّابُ الكُثَبْ

يقولُ إني خَاطِبٌ وقدْ كذَبْ

وإنَّمَا يَخْطُبُ عُسًّا من حلبْ

وقال الفراءُ في قول الله عزوجل : (وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً) [المزمل : ١٤] الكَثِيبُ : الرَّمل ، والمَهِيلُ : الذي يُحرَّكُ أَسفله فينهَالُ عليكَ منْ أَعلاهُ.

(أبو عبيد عن الأصمعي): الكَثِيبُ : القطعةُ من الرَّمْلِ تنقادُ مُحْدَوْدِبَةً.

وقال الليث : كثَبْتُ التُّرَابَ فَانكَثَبَ إذا نَثَرْتَ بعضهُ فوقَ بعضٍ.

وقال أبو زيد : كَثَبْتُ الطعامَ أَكْثُبُهُ كثْباً ونثَرْتُه نَثراً ، وهما واحدٌ.

وقال الليث : الكَاثِبَةُ : ما ارتفعَ من مَنْسِجِ الفرسِ ، والجميعُ : الكَوَاثِبُ ، والأكْثَابُ.

وقال الأصمعي : الكُثابُ : سهمٌ لا نصْلَ له ولا ريش يلعبُ به الصبيانُ.

وقال الراجزُ يصفُ حيةً :

كأنَّ قَرْصاً من طَحين مُعْتَلثْ

هامتُهُ في مِثْل كثَّابِ العَبِثْ

(ابن السكيت): أَكثَبَكَ الصيدُ فارمِهِ أي أَمكنكَ ودنا مِنْكَ ، وفلانٌ يرمِي من كثَبٍ ومن كثمٍ أي من قُرْبٍ وتمكُّنٍ.

وقال ابن شميلٍ. أَكثَب فلانٌ إلى القومِ أي دنا منهم ، وأكثبَ إلى الجبل أي دنا

١٠٦

منه ، وكَاثَبْتُ القومَ : أي دنوتُ منهم ، ويقال : كثَبَ القومُ إذا اجتمعُوا فهمْ كَاثِبُونَ.

ك ث م

كثم ، مكث ، ثكم : [مستعملة].

كثم : (ثعلب عن ابن الأعرابي): الكثَمَةُ : المرأة الرَّيّا من شرابٍ أو غيره.

وقال الأصمعيّ : وَطْبٌ أكثمُ أي مملُوءٌ وأنشد :

مُذَممةٌ يُمْسِي ويُصبحُ وَطبُهَا

حراماً عَلَى مُعْتَرِّها وهو أَكثمُ

وقال الفراء : هو يَرْمِي من كثمٍ أي من قُربٍ ، وكمَأَةٌ كَاثمةٌ أي غليظةٌ.

وأَكثمُ : من أسماءِ العرب.

ثكم : أهمله الليث.

(ثعلب عن ابن الأعرابي): الثُّكمةُ : المَحَجَّةُ.

وروي عن أم سلمة أنها قالتْ لعثمانَ رضيَ الله عنه : «تَوَخَّ حيثُ تَوَخّى صاحبَاكَ فإِنهُما ثَكَمَا لكَ الحقَ ثَكْماً» أي بيَّنا وأَوضحنا حتى تبيّن كأنَّه مَحَجةٌ ظاهرةٌ.

(أبو عبيد عن الأموي): ثَكِمَ بالمكَانِ يَثْكُم إِذا أقامَ به ، وثُكَامةُ : اسمُ بلدٍ.

مكث : قال الليث : المُكْثُ : من الانتظار ، ورجلٌ مَكِيثٌ ، وقد مكثَ مَكَاثةً ، وهو الرَّزِينُ الذي لا يَعجَلُ في أمرِه ، وهم المُكثَاءُ ، والمَكيثُونَ ، والماكثُ : المنتظرُ وإن لم يكنْ مكيثاً في الرَّزَانةِ. وقال الله : فمكُث غير بعيد [النمل : ٢٢].

قال الفراء : قرأها الناسُ بالضمِّ ، وقرأها عاصمٌ بالفتح (فَمَكَثَ).

قال : ومعنى (غَيْرَ بَعِيدٍ) : أي غير طويل من الإقامة.

(قلت) : اللغة العاليةُ : مكُثَ بالضمِّ جاءَ نادِراً ، ومكَثَ : لُغةٌ ليستْ بالكثيرة وهي القياسُ.

ويقال : تَمكّثَ : إذا انتظرَ أمراً أو أقامَ عليه فهو مُتمكِّثٌ ومُنتظرٌ.

قال الأزهريُّ : يقال : مَكُثَ ومكَثَ بالمكَان إذا لبِثَ ، وأجوَدُهما : مكُثَ.

أبواب الكاف والراء

ك ر ل

استعمل من وجوهه : ركل.

ركل : قال الليث : الرَّكْلُ : الضرب برجْلٍ واحدة ، والمرْكلانِ من الدَّابةِ هما موْضِعا القُصْريَيْنِ منَ الجَنْبين ، ولذلك يقال : فرسٌ نهدُ المَرَاكلِ ، والمركلُ : الرِّجْلُ منَ الراكبِ.

قال : والتركُّلُ كما يَحفِرُ الحافرُ بالمسِحاةَ إذ تركَّلَ عليها برِجْله.

وقال الأخطل يصف الخمر :

١٠٧

رَبَتْ وربا في كَرْمها ابنُ مَدِينَةٍ

يَظَلُّ على مِسحاتِهِ يَتَركلُ

(ثعلب عن ابن الأعرابي): الرَّكلُ : الطِّيطَانُ ، وهو الكرَّاثُ ، وبائعه : رَكَّالٌ.

ك ر ن

كنر ، كرن ، نكر ، ركن ، رنك.

كرن : قال الليث : الكَرِينَةُ : الضاربة بالصَّنْج ، والكِرَانُ : الصَّنْج.

قال لبيد :

صَعْلٌ كَسَافِلَةِ القَنَاةِ وَظِيفُهُ

وكَأَنَّ جُؤْجُؤه صَفِيحُ كِران

(أبو عبيد عن الأصمعي): الكَرِينَةُ المُغَنِّيَةُ.

كنر : قال الليث : الكِنَّارَةُ : الشقة من ثياب الكتَّان.

وقال ابن شميل مثله.

وفي حديث عبد الله بن عمرو «إنَّ اللهَ تَبَارَكَ وتعالى ـ أنزلَ الحقَّ ليُذهبَ الباطلَ واللَّعِبَ والزَّمَّارَات والكنّارات».

قال أبو عبيد : الكِنَّاراتُ ، اختلف فيها فيقال : إنها العيدان التي يضرب بها ، ويقال : هي الدُّفوف.

وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي : الكَنانيرُ : واحدها كنَّارةٌ.

قال قومٌ : هي العيدان ، ويقال : هي الطنَابير. ويقال : الطُّبول.

ركن : قال الله جلّ وعزّ : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) [هود : ١١٣] قرأه القرّاء بفتح الكاف من ركِن يركَنُ رُكوناً إذا مال إلى الشيء واطمأنَّ إليه ، ولغة أخرى : رَكَن يركنُ ، وليست بفصيحة.

وقال الليث : رَكَنَ إلى الدنيا إذا مال إليها.

وكان أبو عمرو الشيباني يُجيزُ : ركَنَ يركَنُ بفتح الكاف من الماضي والغابر ، وهو خلاف ما عليه أبنيَةُ الأفعال في السالم.

وقول الله جلّ وعزّ : (أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) [هود : ٨٠].

أخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم أنه قال : الرُّكنُ : العشيِرَة.

قال : والرُّكنُ : رُكْنُ الجبل وهو جانبه.

قال : والرُّكْنُ : الأمرُ العظيمُ في بيت النابغة :

لا تَقْذِفَنِّي برُكْنٍ لا كفاءَ لَهُ

ولو تَأَثَّفَكَ الأعداءُ بالرِّفَدِ

وقيل في قوله تعالى : (أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) إنَ الرُّكنَ : القوة ، ويقال للرجلِ الكثير العددِ : إنه ليأوِي إلى ركن شديد ، ويقال للرجل إذا كان ساكناً وقوراً : إنه لرَكينٌ ، وقد رَكُنَ رَكَانَةً.

(ثعلب عن ابن الأعرابي) قال : الرُّكَيْنُ الجُرَذَ ، وقال الليث مثله.

١٠٨

والمرْكَنُ : شبهُ تَوْرٍ من أَدَمٍ أو شِبهُ لَقْنٍ ، وناقه مُرَكَّنَةُ الضَّرْعِ ، وضَرْعٌ مُرَكَّنٌ وهو الذي قد انتفخ في موضعه حتى مَلأَ الأرْفاغ وليس بحدًّ طويل.

وقال أبو عبيد : المِرْكَنُ : الإجَّانَةُ التي يُغسلُ فيها الثيابُ ونحوها.

ومنه حديث حَمْنَةَ أنها كانت تجلسُ في مِرْكنٍ لأخْتها زينب وهي مُسْتَحَاضَةٌ.

وفي حديث عمر أنه دخل الشام فأتاهُ أُرْكُونُ قريةٍ فقال : قد صَنَعْتُ لك طعاماً.

رواه محمد بن إسحاق عن نافعٍ عن أسلم.

قال شمر : أُرْكُونُ القريةِ : رئيسها ، وفلانٌ ركنٌ من أركان قومه أي شريف من أشرافهم.

وقال أبو العباس : يقال للعظيم من الدَّهاقِينِ : أُرْكُونٌ.

نكر : قال الليث : النُّكْرُ : الدَّهاءُ ، والنُّكْرُ : نعت للأمر الشديد ، والرجلِ الدَّاهي ، تقول : فَعَلَه من نُكْرِه ونَكارَته ، والنَّكِرَةُ : إنكارُكَ الشيءَ وهو نقيضُ المعرفة.

ويقال : أَنْكرْتُ الشيءَ وأَنا أُنْكِرُهُ إنكاراً ونكِرْتُه : مثله. وقال الأعشى :

وأَنْكَرَتْنِي وما كان الذي نَكِرَتْ

من الحوادثِ إلَّا الشَّيْبَ والصَّلَعا

وقال الله جلّ وعزّ : (نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) [هود : ٧٠].

قال الليث : ولا يستعمل نَكِرَ في غابرٍ ولا أمْرٍ ولا نهيٍ.

قال : والاستنكارُ : استفهامُك أمراً تُنْكرُه ، واللازم من فِعل النُّكْرِ المُنْكَرِ نَكرَ نَكارَةً.

قال : وامرأَةٌ نكْراءُ ، ورجلٌ مُنْكَرٌ : داهٍ ، ولا يقال للرجلِ : أَنكرُ بهذا المعْنَى.

(قلت) : ويقال : فلانٌ ذو نَكْرَاءَ إذا كان داهياً عاقلاً.

وقال الليث : التَّنَكُّرُ : التّغَيُّر عن حالٍ تَسُرُّكَ إلى حالٍ تكْرَهُها ، والنَّكيرُ : اسمٌ للإنكار الذي معناه التغيير.

قال الله تعالى : (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) [الملك : ١٨] أي إنكاري.

قال : والنَّكرَةُ اسمٌ لما خرج من الحُوَلاءِ ، وهو الخُرَاجُ من قَيْحٍ ودَمٍ كالصَّديد وكذلك من الزّجير.

يقال : أسْهِلَ فلانٌ نكرَةً ودماً. وليس له فعلٌ مشتقٌّ ، وجماعةُ المنكر من الرِّجال : مُنكرُونَ ومن غير ذلك يجمع أيضاً بالمناكير.

وقال الأُقَيْبِل القَيْني :

مستقبلاً صُحُفاً تَدْمِي طوابِعها

وفي الصَّحائِف حَيّاتٌ مَنَاكيرُ

وقال غيره : المُناكرَة : المحاربة ، ويقال : فلانٌ يناكرُ فلاناً ، وبينهما مُناكرةٌ أي

١٠٩

معاداةٌ وقِتالٌ.

وقال أبو سفيان بن حرب : إنَّ محمداً صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يناكرْ أحداً إلا كانت معه الأهوالُ أراد أنه كان منصوراً بالرُّعب.

حدثنا عبد الملك عن إبراهيم بن مرزوق عن معاذ بن هاني عن شعبة عن أبان بن ثعلب عن مجاهد في قوله تعالى : (إِنَ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) [لقمان : ١٩] قال : أقبح الأصوات.

رنك : قال : الرَّانِكيَّةُ : نسبةٌ إلى الرَّانِكِ ، قال الأزهري : ولا أعرف ما الرانِك (١).

ك ر ف

كرف ، كفر ، فرك ، فكر ، ركف : [مستعملة].

كرف : قال الليث : كرَفَ الحمارُ والبِرْذَوْن يكرِفُ كرفاً وهو شَمُّه البول ورفعه رأسه حتى تقْلص شفتاه. وأنشد :

مشاخساً طَوْراً وطوْراً كارفا

(أبو عبيد عن الأصمعي): الكرْفئُ واحدتها : كرْفئةٌ وهي قطعٌ متراكمةٌ من السحاب وهي الكرْثئُ أيضاً بالثاء.

قال : وقال الأحمر : الكرْفِئُ من البيضة قِشْرُها الأعلى الذي يقال له : القيض.

كفر : قال الليث : الكفر : نقِيض الإيمان آمَنّا بالله وكفرْنا بالطاغُوتِ ويقال لأهل دَارِ الحرب : قد كفَرُوا أَي عَصوْا وامتنعوا.

قال : والكفر : كُفرُ النعمة ، وهو نقيضُ الشكر.

قال : وإذا ألجأت مُطيعَك إلى أن يَعْصيكَ فقد أكفَرْتَه.

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «قتالُ المسلم كُفرٌ ، وسِبابُه فِسْقٌ».

قال شمر : قال بعضُ أهلِ العلم : الكفر على أربعة أنحاء : كفر إنكارٍ ، وكفرُ جُحودٍ ، وكفر مُعاندةٍ. وكفر نفاقٍ. ومن لَقِيَ رَبَّهُ بشيء من ذلك لم يغفر له (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) ، فأَما كُفرُ الإنكارِ فهو أن يَكفُرَ بقلْبه ولسانِه ولا يَعْرفُ ما يُذكَر له من التوحيد.

وكذلك رُوي في تفسير قوله جل وعز : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٦)) [البقرة : ٦] ، أي الذين كفروا بتوحيد الله.

وأما كُفرُ الجُحُودِ فأَنْ يعرِفَ بقلبه ولا يُقِرَّ بلسانه ، فهذا كافرٌ جاحِدٌ ككُفر إبليسَ ، وكفر أُمَيَّةَ ابن أَبي الصَّلْت.

ومنه قوله سبحانه : (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) [البقرة : ٨٩] يعني كُفر الجُحود.

__________________

(١) كذا في «اللسان» (رنك) ، وجاء في هامش مطبوعة «التهذيب» (١٠ / ١٨٨): «لم تذكر في المفردات ، وزدتها لورود مادتها في نسخة ج (ص ١٢٠)» اه تعليق الأستاذ علي حسن هلالي.

١١٠

وأما كُفْرُ المعاندة فهو أَنْ يَعرف بقلبه ويَقِرَّ بلسانه ، ويأْبَى أَنْ يَقبَل ككفْر أَبي طالب حيثُ يقول :

ولقد عَلِمْتُ بأَنَّ دِينَ محمدٍ

مِن خيرِ أَدْيان البَرِيَّة دينَا

لوْ لا المَلامةُ أو حِذارُ مَسَبَّةٍ

لوَجَدْتَنِي سمْحاً بذاكَ مُبينَا

وأما كُفر النِّفاق فأَن يَكفر بقلبه ويقِرَّ بلسانه.

وقال شمر : ويكون الكفر أيضاً بمعنى البراءَة كقول الله جلّ وعزّ حكايةً عن الشيطان في خَطيئته إذا دخل النار (إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ) [إبراهيم : ٢٢] أي تبرَّأْتُ.

ورُوي عن عبد الملك أنَّهُ كَتب إلى سعيد بن جُبَيْرٍ يسأَلُه عن الكُفْرِ ، فقال : الكفر عَلَى وُجوه ، فكفْرٌ هو شِرْكٌ يَتَّخِذُ (مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) ، وكفرٌ بكتاب الله ورسوله ، وكفر بادِّعاء وَلَدٍ لله ، وكفرُ مُدَّعِي الإسلام ، وهو أَنْ يعملَ أعمالاً بغير ما أنزل الله : يَسْعَى (فِي الْأَرْضِ فَساداً) ويقتُل نفساً محرَّمةً بغير حق ، ثم نحو ذلك من الأعمال.

وكفران أحدهما يَكفر بنعمةِ الله ، والآخر التكذيب بالله.

وقال الله جلّ وعزّ : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) [النساء : ١٣٧].

قال أبو إسحاق الزَّجَّاج : قيل فيه غيرُ قَوْلٍ ، قال بعضهم : يعني به اليهودَ لأنهم (آمَنُوا) بموسى عليه‌السلام (ثُمَ كَفَرُوا) بعيسى عليه‌السلام بمحمدٍ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال أبو إسحاق : وجائزٌ أن يَكونَ مُحاربٌ آمن ثمّ كَفَرَ ثمّ آمنَ ثمّ كَفَرَ.

وقيل جائزٌ أنْ يَكون منافقٌ أَظْهَر الإيمانَ وأَبطَنَ الكفرَ ثمّ آمن بَعْدُ ثمّ كفر وازداد كفراً بإقامتِه عَلَى الكُفْرِ.

قال فإن قال قائلٌ : إن الله جلّ وعزّ : لا يَغْفِرُ كفرَ مرّةٍ واحدةٍ ، فلِمَ قيل هاهنا فيمن آمنَ ثم كفر ثمّ آمن ثم كفر : (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) وما الفائدةُ في هذا؟

فالجواب في هذا ـ والله أعلم ـ أن اللهَ يغفر للكافر إذا آمَنَ بَعْدَ كفرِه ، فإِن كَفَرَ بعد إيمانه لمْ يَغفر الله له الكفر الأوَّل ، لأنّ الله جلّ وعزّ يَقبل التَّوبة ، فإذا كفر بَعْد إيمانٍ قبلَه كفر فهو مُطالَبٌ بجميع كفرِه ، ولا يجوزُ أنْ يكونَ إذا آمنَ بعد ذلك لا يُغفَر له ، لأنّ الله يَغفرُ لكلِّ مؤمن بعد كفره.

والدليل على ذلك قولُه تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) [الشورى : ٢٥] وهذا سيئةٌ بالإجماع.

وقوله جل وعز : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ

١١١

اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) [المائدة : ٤٤] معناه أَنْ مَن زَعَم أَنّ حُكْماً من أحكام اللهِ الذي أَتَتْ به الأنبياءُ باطلٌ فهو كافرٌ.

وقد أَجَمع الفقهاءُ أَنّ من قالَ : إنّ المُحصَنَيْنِ لا يجبُ أَن يُرْجَما إذا زَنَيَا وكانَا حُرَّيْنِ كافرٌ ، وإنما كُفِّرَ مَنْ رَدَّ حُكماً من أحكام النبيِّ عليه‌السلام لأنه مُكذِّبٌ له.

ومن كذّبَ النبيَّ عليه‌السلام فهو كافرٌ.

وقال الليث : يقال : إنّه سُمِّيَ الكافرُ كافراً لأنَ الكُفْر غطّى قَلْبَه كلَّه.

قال : والكافرُ من الأرض : ما بَعُدَ عن الناس لا يكادُ يَنْزِلُه أَحدٌ ولا يَمرُّ به أَحدٌ.

وأنشد :

تَبَيَّنَتْ لَمْحَةً من فَزِّ عِكرِشَةٍ

في كافرٍ ما به أَمْتٌ ولا عِوَجُ

شمر عن ابن شميل : الكافر : الحائط الواطىء. وأنشد هذا البيت.

(قلت) : ومعنى قول الليث : قيل له كافرٌ لأنّ الكفر غطَّى قلبَه ، يحتاج إلى بيانٍ يَدلُّ عليه ، وإيضاحه أنّ الكفر في اللغة معناه التَّغْطيةُ ، والكفرُ ذو كفرٍ أي ذُو تغطيةٍ لقلبه بكفرِه كما يقال للابِس السِّلاح : كافرٌ وهو الذي غطّاه السلاحُ.

ومثله : رجلٌ كاسٍ : ذُو كسوةٍ ، وماءٌ دافقٌ : ذو دَفْقٍ.

وفيه قولٌ آخرُ : وهو أَحسنُ مما ذهب إليه الليث. وذلك أَنّ الكافرَ لمّا دعاه الله جلّ وعزّ إلى توحيدِه فقد دعاه إلى نعمةٍ يُنعِم بها عليه إذا قَبِلها ، فلمَّا رَدَّ ما دعاه إليه من توحيده كان كافراً نعمةَ الله أي مُغَطِّياً لها بِإبائِه حاجباً لها عنه.

وأخبرني المنذريُّ عن الحرانيّ عن ابن السكيت أنه قال : إذا لبس الرجل فوق دِرْعِه ثوباً فهو كافرٌ ، وقد كَفَرَ فوق دِرْعِه.

قال : وكل ما غَطّى شيئاً فقد كَفَره.

ومنه قيل لليل : كافرٌ لأنه ستَر بظلمته كل شيء وغطَّاه.

وأنشد لثَعْلَبَة بن صُعَيْرٍ المازني يصف الظليم والنعامة ورواحهما إلى بيضهما عند إياب الشمس فقال :

فتَذَكَّرَا ثَقَلاً رَثِيداً بَعْدَ مَا

ألْقَتْ ذُكَاءُ يمينها في كافرِ

وذُكاءُ : اسمٌ للشمس وهي معرفةٌ لا تُصْرَفُ ، ألقت يمينها في كافر أي بَدَأتْ في المغيب.

قال : ومنه سُمِّي الكافرُ كافراً لأنه ستَر نعمَ الله.

(قلت) : ونعمُ اللهِ جل وعز : آياتُهُ الدَّالةُ على تَوْحيده.

حدثنا السَّعْدِي ، قال : حدثنا الرَّمادِيّ قال : حدثنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا مَعْمَرٌ عن أيوب عن ابن سِيرِينَ عن

١١٢

عبد الرحمن بن أبي بَكْرَةَ عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حَجَّةِ الوَدَاع : «ألَا لا (١) تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّاراً يضربُ بعضُكم رقابَ بعض».

قال أبو منصور : في قوله كُفَّاراً قولانِ أحدهما : لابسينَ السِّلاحَ متهيئينَ للقتالِ.

والقول الثاني : أنه يُكَفِّرُ الناسَ فيكفُرُ كما تفعل الخوارجُ إذا استعرضوا الناسَ فيكفِّروهم وهوكقوله عليه‌السلام : «مَنْ قالَ لأخِيه يا كافرُ. فقد بَاءَ به أَحَدُهما».

ويقال : رَمَادٌ مَكْفُورٌ أَي سَفَتْ عليه الرِّياحْ التُّراب حتى وارَتْه. قال الراجز :

قدْ دَرَسَتْ غَيْرَ رمادٍ مَكْفُورْ

مُكتئبِ اللونِ مَرُوحٍ مَمْطور

وقال الآخر :

فَوَرَدتْ قبلَ انبلاجِ الفَجْرِ

وابنُ ذُكاءٍ كامنٌ في كَفْرِ

ويروى في كِفْرٍ ، وهما لغتان ، وابنُ ذكاءَ يعني الصبحَ.

ويروى في كَفْرٍ أَي فيما يواريه من سواد الليل ، وقد كَفَرَ الرَّجلُ متاعهُ أَي أوعاهُ في وعاءٍ.

(قلت) : ومَا قاله ابن السكيت ، فهو بَيِّنٌ صحيح ، والنِّعَمُ التي سترها الكافرُ هي الآياتُ التي أبانت لذوي التمييز أنَّ خالقها وَاحد لا شريكَ له ، وكذلك إرسالُه الرسلَ بالآيات المعجزة ، والكتب المنزلة ، والبَراهِينِ الواضحة : نِعَمٌ منه جلّ اسمُه بينةٌ ، ومن لم يصدِّقْ بها وردّها فقد كَفَرَ نعمة الله أي سَتَرها وحَجَبَها عن نفسه.

والعرب تقول للزارع : كافرٌ لأنه يَكْفُرُ البَذْرَ المبذورَ في الأرض بتراب الأرض التي أثارها ثم أمَرَّ عليها مالَقَه.

ومنه قول الله جل وعز : (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ) [الحديد : ٢٠] ، أي أعجب الزُّرَّاعَ نباتُه مع علمهم به فهو غايةُ ما يُسْتَحْسَنُ ، والغيثُ هَاهُنَا : المطرُ : والله أعلم.

وقد قيل : الكفَّارُ في هذه الآية : الكفارُ باللهِ ، وهم أشد إعجاباً بزينة الدنيا وحَرْثِها من المؤمنين.

وروي عن أبي هريرة أنه قال : «لَيُخْرِجَنَّكُمُ الرُّومُ منها كَفْراً كَفْراً إلى سُنْبُكٍ مِنَ الأرْض» قيل وما ذلك السُنْبُكُ؟ قال : حِسْمَي جُذَامٍ.

قال أبو عبيد : قوله كَفْراً كَفْراً يَعْنِي قَرْيةً قريةً ، وأَكْثرُ من يتكلم بهذه الكلمة أهلُ الشام ، يُسَمُّونَ القريةَ : الكَفْرَ.

ولهذا قالوا كَفْرُ تُوثا ، وكَفْرُ يعْقابَ وكَفْرُ

__________________

(١) زيادة من «اللسان» (كفر).

١١٣

بيا. وإنما هي قرى نسبت إلى رجالٍ.

وقد روي عن معاوية أنه قال : «أهْلُ الكُفُور هم أهلُ القُبور».

(قلت) : أراد بالكفور القرى النائية عن الأمصار ومجتمع أهل العلم والمسلمين ، فالجهل عليهم أغلب ، وهم إلى البِدع والأهواء المضِلة أسرع.

ويقال : كافَرَني فلانٌ حَقي إذا جحده حقَّه والكفَّارَاتُ سمِّيت كفاراتٍ لأنها تُكفِّرُ الذنوبَ أي تستُرها مِثل كفارة الأيمان ، وكفارة الظِّهَارِ ، والقَتل الخطأ ، قد بينها الله جل وعز في كتابه وأمر بها عباده.

وأما الحُدودُ فقد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «ما أدْري : الحدودُ كفاراتٌ لأهلها أمْ لا».

وروي غير ذلك ، وكافُورُ الطَّلعةِ : وِعاؤها الذي يَنشَقُّ عنها ، سمي كافوراً لأنه قد كفرها أي غَطَّاها.

وروى أبو عبيد عن الأصمعي أنه قال : الكافُور : وِعاء طَلْعِ النّخْل.

قال ويقال له : قَفُورٌ.

قال : وهو الكفُرَّى ، والجُفُرَّى.

(أبو عبيد عن الفراء) قال : الكفِرُ : العظيمُ من الجِبال ، وأنشد :

تَطلّعَ رَيَّاهُ من الكفِرَاتِ

وقال أبو عبيد : التكفيرُ : أنْ يضعَ الرجلُ يَديهِ على صَدْره وأنشد قول جرير :

وإذا سمعتَ بحرْبِ قَيسٍ بعْدَها

فَضَعُوا السِّلاحَ وكَفِّروا تكْفيرا

واخْضُعوا وانقَادُوا (١).

حدّثنا الحسين بن إدريس قال : حدثنا محمد بن موسى الحَرشيُّ البصري قال : أخبرنا حماد بن زيد قال : حدثنا أبو الصهباء عن سعيد بن جبير عن أبي سعيد الخُدْري ، رفَعه قال : «إذا أصبح ابنُ آدمَ فإن الأعضاء تكَفِّرُ كلها للسانِ ، تقول : اتقِ الله فينا ، فإن استقمتَ استقمنا ، وإن اعوجَجْت اعوجَجْنا» ، وقوله تكفِّر كلهَا للسان أي تذلُّ وتقرّ بالطاعة له ، وتخضع لأمره ، والتكفير أيضاً : أن يتكفر المحاربُ في سلاحه ، ومنه قول الفرزدق :

حَرْبٌ تردّدُ بينها بتشاجُرٍ

قد كفّرَتْ آباؤها أبناؤها

رفع أبناؤها بقوله : تَرَدّدُ ، ورفع قوله : آباؤها. بقوله قد كَفّرَتْ أي كفرت آباؤها في السلاح.

__________________

(١) كذا في المطبوعة ، وفي «اللسان» (كفر) بعد هذا البيت : «يقول : ضعوا سلاحكم فلستم قادرين على حرب قيس لعجزكم عن قتالهم ، فكفِّروا لهم كما يكفِّر العبد لمولاه ، وكما يكفِّر العلج للدِّهقان يضع يده على صدره ، ويَتَطَامَنُ له واخضعوا وانقادوا».

١١٤

وقال الليث : التكفيرُ : إيماء الذمِّي برأْسِه ، لا يقال (١) : سَجدَ فلانٌ لفلانٍ وإنما كَفّرَ له تكفيراً.

قال : والتكفيرُ : تَتويج الملك بتاج إذا رؤى كُفِّرَ له وأنشد :

ملكٌ يُلاثُ برأسِهِ تكفيرُ

قال : جعل التاج نفسه هاهنا تكفيراً.

(ثعلب عن ابن الأعرابي): اكْتَفَرَ فلانٌ إذا لزمَ الكُفورَ. وقال العجاج : كالكرْمِ إذْ نادَى من الكافورِ وكافور الكرمِ : الورقَ المغطِّي لما في جَوْفهِ من العُنقودِ ، شبّهَه بكافورِ الطّلع لأنه ينفرجُ عما فيه أيضاً.

وقال الله جل وعز (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (٥)) [الإنسان : ٥] قال الفراء يقال : إنها عَينٌ تُسَمَّى الكافورَ ، وقد يكون : كان مِزَاجُهَا كالكافورِ لطيب ريحه.

وقال أبو إسحاق : يجوز في اللغةِ أن يكون طعمُ الطيب فيها والكافور ، وجائزٌ أن تمْزَجَ بالكافورِ ، ولا يكون في ذلك ضَرَرٌ ، لأنّ أهلَ الجنة لا يَمسهمْ فيها ضَرَرٌ ولا نَصَبٌ ولَا وَصَبٌ.

وقال الليث : الكافور : نَبَاتٌ له نَوْرٌ أبيض كنورِ الأقحوان ، والكافور : عَيْن ماء في الجنةِ طيبِ الريح ، والكافور : من أخلاط الطيب ، والكافور : وعاء الطلع. ومنهم من يقول : هذه كفرّاة واحدة ، وهذا كفرّي واحد.

قال : والكَفْرُ : اسمٌ للعصا القصيرة ، وهي التي تقطع من سَعفِ النخل.

(ثعلب عن ابن الأعرابي): الكَفْرُ : الخشَبَةُ الغليظة القصيرة ، والكَفْرُ : تَعْظيم الفَارسيِّ لمِلكِهِ.

وقال الليث : رجل كفرِّين عفرِّين أي عفريت خبيث ، ورجل مُكَفَّرٌ وهو المحسان الذي لا يُشْكر على إحْسانِه.

وكلمةٌ يلهجون بها لمن يُؤمر بأمرٍ فيعمل على غير ما أُمر به فيقولون له : مكْفُورٌ بكَ يا فلان عَنَّيْت وآذَيْتَ.

ويقال : كَفَرَ نعمةَ الله وبنعمة الله كُفْراً وكُفْرَاناً وكُفُوراً.

والكافر : البَحر ، ويجمع الكافِرُ : كِفَاراً.

وأنشد اللحياني : وغُرِّقَتِ الفَرَاعنةُ الكِفَارُ وفي «نوادر الأعراب» : الكافرتانِ والكافِلَتانِ : الألْيَتانِ.

وقال ابن شميل : القِيرُ : ثلاثة أَضْرُبٍ الكُفْرُ ، والقِير ، والزِّفت ، فالكُفر يُطلى به السُّفنُ ، والزِّفت يجعل في الزِّقاق والكُفْرُ

__________________

(١) في المطبوعة : «لا ويقال» ، والمثبت من «العين» و «اللسان» (كفر).

١١٥

يُذاب ثم يُطلى به السُّفن ، ويقال : كافرٌ وكُفَّارٌ ، وكَفَرَةٌ.

فكر : قال الليث : التَّفَكُّرُ : اسم للتَّفكير ، ويقولون : فكّرَ في أمره ، وتفكَّرَ ، ورجل فِكِّيٌر : كثير الإقبال على التّفكُّرِ والفِكْرَة ، وكلُّ ذلك معناه واحد.

ومن العرب من يقول : الفِكرُ للفكرة والفِكرى على فعْلى : اسم وهي قليلةٌ.

فرك : قال الليث : الفَرْك : دَلكك شيئاً حتى يتقّلعَ قشرهُ عن لُبِّه كاللَّوْز.

والفَرِكُ : المُتفرِّكْ قشره.

وتقول : قد أَفرَكَ البُرُّ إذا اشتد في سُنْبله وبُرٌّ فَرِيكٌ ، وهو الذي فُرِك ونُقِّيَ ، والفِرْك : بُغضُ المَرْأَةِ زوجها ، وهي امرأةٌ فَرُوكٌ ، وفارِكٌ ، وجمعها فَوَارِكُ ، ورجل مُفَرَّك : يُبْغضه النِّساء.

قال : ويقال للرجل أيضاً : فَرَكَها فَرْكاً أي أَبْغَضها. قال رُؤبة : ولم يُضِعها بين فِرْكٍ وعَشَقْ وفي حديث ابن مسعود : أن رجلاً أتاه فقال له : إني تزوَّجت امرأة شابةً أخاف أن تَفْرَكَني. فقال عبد الله : إنّ الحبَّ من الله والفِرْك من الشّيطان فإذا دخَلتْ عليك فَصَلِّ ركْعتْين ثم ادْعُ بكَذَا وكذا.

قال أبو عبيد : الفِرْك : أن تُبغِضَ المرأة زوجها ، وهي امرأةٌ فَرُوك ، وهذا حرف مخصوص به المرأة والزوج.

وقال ذو الرُّمة يصف إبلاً :

إذا اللْيل عنْ نَشْزٍ تجلى رَمَيْنه

بأَمثال أَبصارِ النِّساءِ الفَوَارِك

يصف إِبلاً شبَّهها بالنِّساءِ الفَوَاركِ لأنّهُنَّ يطمحنَ إلى الرِّجال ولَسْن بقاصراتِ الطّرْف على الأَزْوَاج.

يقول : فهذه الإبلُ تصبح وقد أسْأَدَتِ الليْلَ كلّه فَكلّمَا أشرف لها نَشْزٌ رميْنه بأبصارِهنَّ من النّشاط ، والقوَّة على السَّير.

وقال أبو عبيد : قال أبو زيد والكسائي : إذا أبغضَتِ المرأة زوجها قيل : قد فركَتْهُ تفْرَكُه فِرْكاً وفُروكاً.

(ثعلب عن ابن الأعرابي) : أولادُ الفِرْك فيهم نجابةٌ لأنهم أشبَه بآبائهم ، وذلك أنّه إذا وَاقَعَ امرأتَه وهي فارِكٌ لم يُشبهها وَلدُه منها.

وقال أبو زيد : فارَكَ فلانٌ صاحبَه مُفاركةً ، وتارَكهُ مُتارَكةً بمعنى واحد.

أبو بكر عن ثعلب عن سلمة عن الفراء قال : المُفَرَّك : المتروك المبْغَضُ.

يقال : فارك فلانٌ فلاناً إذا تاركه ، فإذا أبغض الزوجُ المرأة ، قيل : صَلَفها ، وصلِفَت عنده ، وإذا أبغضته هي. قيل : فَرِكَتْه ، تَفْرَكُه.

قال : وأخبرني أبي عن أبي هِفّان عن أبي عبيدة ، قال : خرج أعرابيّ ، وكانت امرأتُه

١١٦

تَفْرَكه ، وكان يَصْلِفها فأتبعَتْه نواةً وقالت : شَطّتْ نواكَ ، ثم أتبعَتْه رَوْثة وقالت : رثَيْتُكَ ورَاثَ خبَرُك ، ثم أتبعته حَصاة.

وقالت : حاصَ رزْقُكَ ، وحُصَّ أثرُك ، وأنشد :

وَقَدْ أُخبِرْتُ أنّكِ تَفْرَكِينِي

وأصلِفُكِ الغَدَاةَ فلا أبالي

وقال الليث : إذا زالتِ الوابلة من العَضُدِ عن صدفةِ الكتِفِ فاسترخى المَنكب قيل : قد انفرك مَنْكِبُه ، وانفركت وابِلَتُه ، وإن كان مثل ذلك في وابلةِ الفَخِذ ، والورك لا يقال : انفرَك ولكن يقال : حُرقَ فهو محروق.

(أبو عبيدة): الفَرَك : استرخاءٌ في الأذُن.

يقال : أذنٌ فركاءُ ، وقد فَرِكَتْ فَرَكاً.

وقال : هي أشدَّ أصلاً من الخذْوَاء.

وقال النضرُ : بعيرٌ مفروك وهو الأفَكُّ الذي ينخرم منكِبهُ وتنفكُّ العصبة التي في جوف الأَخرم.

ركف : أهمله الليث.

وقال شمر : ارتكفَ الثلجُ إذا وقع فثبت على الأرض.

ك ر ب

كرب ، كبر ، ركب ، ربك ، برك ، بكر : مستعملات.

كرب : قال الليث : الكربُ مجزومٌ هو الغم الذي يأخذ بالنفس ، يقال : كربه الغم ، وإنه لمكروب النفس ، والكربة : الاسم ، والكريب : المكروب ، وأمرٌ كارب ، والكُرُوبُ : مصدر كَرَب يكرُب ، وكل شيء دنا فقد كرَب.

يقال : كرَبت الشمس أن تغيبَ وكرَبت الجاريةُ أن تُدرِك.

وفي الحديث : «إذا اسْتَغْنى أو كرَبَ اسْتَعَفَّ».

قال أبو عبيد : كرب أي دنا من ذلك وقرُب ، وكل دانٍ قريب فهو كارب.

وقال عبد قيس بن خفَافٍ البُرْجُمِي :

أَبُنيَّ إنَّ أباكَ كارِبُ يَوْمِه

فإذا دُعيتَ إلى المكارِم فاعْجَلِ

(أبو عبيد عن الأصمعي) : قال : أصول السَّعَفِ الغِلَاظُ هي الكرَانيف ، واحدُها : كِرْنافة ، والعريضة التي تيبسُ فتصيرُ مثل الكتِف هي الكَرَبة.

(ثعلب عن ابن الأعرابي) : سمِّيَ كَرَبُ النخل كرَباً لأنه استغنيَ عنه ، وكَرَبَ أن يُقطعَ ودنا من ذلك.

وقال الأصمعي : الكرَابة : التمر يُلقَط من الكَرَبَ بعد الصِّرام.

وقال غيره : يقال : تكرَّبْتُ الكرَابة إذا تلقّطتها من الكرَب.

وقال أبو عبيد : الكرَابُ : واحدتها : كرَبة ، وهي مَجَاري الماء.

١١٧

وقال أبو عمرو : هي صُدورُ الأودية.

وقال أبو ذؤيب يصف النحل :

جَوَارِسُهَا تَأرِي الشُّعُوفَ دوائباً

وتَنْصَبُّ أَلْهَاباً مَصِيفاً كِرَابُها

الشعوفُ : رؤوس الجبال ، ألهاباً : شُقُوقاً في الجبال.

قال : وقال الأصمعي أيضاً : الكربُ : أن يُشدّ الحبل في العراقي ، ثم يثّنى ثم يثَلث ، يقال منه : أكْربْتُ الدَّلوَ فهيَ مُكرَبةٌ.

قال الحطيئة :

قَوْمٌ إذا عَقَدُوا عَقْداً لجَارِهِمُ

شَدُّوا العِنَاجَ وشَدُّوا فَوْقَهُ الكَرَبا

وقال ابن بُزُرْج : دلوٌ مُكربة : ذات كرَبٍ ، وقيد مكروبٌ إذا ضُيِّقَ ، وأنشد غيره : إذَنْ يُرَدُّ وقَيْدُ العَيْرِ مكْرُوبُ (أبو نصر عن الأصمعي): أكربتُ السِّقاء إكرَاباً إذا ملأته ، وأنشد :

بَجَّ المزَادَ مُكْرَباً تَوْكيرَا

ورَوى أبو الرّبيع ، عن أبي العالية أنه قال : الكَرُوبِيُّونَ : سادةُ الملائكة. منهم : جِبريل ، وميكائيلُ ، وإسرافيلُ.

وأنشد شمرٌ لأمية بن أبي الصَّلْت : كَرُوبيَّةٌ منهم رُكوعٌ وسُجَّدُ (الليث) : يقال لكلِّ شيءٍ من الحيوان إذا كان وَثِيقَ المفاصل : إنه لمُكْرَبُ المفاصل.

وقال أبو زيد : أَكرَبَ الرّجلُ إكراباً إذا أَحضرَ وعَداً ، وإنّه لَمُكْرَبُ الخَلْق إذا كان شديدَ الأسْر.

والعرب تقول : خُذْ رِجْلَك بإِكْرابٍ أي أعْجَلْ وأَسْرعْ.

قال الليث : ومن العرب مَن يقول : أكربَ الرجل إذا أَخذ رجليه بإكرابٍ ، وقلَّما يقال.

قال : والكِرَابُ : كَرْبُكَ الأرضَ حتى تقْلبَها ، وهي مَكروبةٌ مُثارَةٌ.

ويقال في مَثَلٍ : «الكِرَابُ على البَقر» أي لا تُكْرَبُ الأرضُ إلا عَلَى البقَر.

قال : ومنهم مَن يقول : «الكلابَ على البقر» بالنَّصْب أي أَوْسِدِ الكِلابَ عَلَى البقر الوَحْشيّة.

وقال ابن السكيت : القَوْلُ هو الأوَّل.

وقال أبو عبيد : قال أَبو عمرو : المُكْرَباتُ : الإبل التي إذا اشتدَّ البرْد عليها جاءوا بها على أبواب بيوتهم حتى يُصيبَها الدُّخَانُ فتَدْفأَ.

(ثعلب عن ابن الأعرابي): الكرِيبُ : الشَّوَبقُ وهو الفَيْلَكونُ. وأنشد :

لا يَستوي الصَّوْتَانِ حين تَجَاوَبَا

صوتُ الكَرِيبِ وصَوْتُ ذِئبٍ مُقْفِرِ

قال : والكَرْبُ : القُرْب ، والملائكة

١١٨

الكَرُوِبيُّونَ : أقرب الملائكة إلى حَمَلةِ العرش ، والكَرَب : الحَبْل الذي يُشَدُّ على الدلْو بَعْد المَنِينِ وهو الحَبْل الأول فإِذا انقطع المَنِينُ بَقي الكرَبُ.

والتكريب : أَنْ تَزرعَ في الكَرِيب الجادِس ، والكريبُ : القَرَاح ، والجادِسُ : الذي لم يُزْرَعْ قطُّ.

كبر : قال الله جلّ وعزّ : (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ) [النور : ١١].

قال الفراءُ : أَجمع القُرَّاء على كَسر الكاف ، وقرأها حُمَيْدٌ الأعرجُ وَحْدَه (كُبْرَهُ) وهو وَجهٌ جيِّدٌ في النحو ، لأن العرب تقول : فلانٌ تولَّى عُظْمَ الأمر يريدون أكثَره (قلت) : قاسَ الفرَّاء الكُبْرَ على العُظْم ، وكلامُ العرَب على غيره.

أخبرني المنذريُّ عن الحرّانيِّ عن ابن السكيت أنّه قال : كِبْرُ الشيء : مُعظُمه بالكسْر. وأنشد قولَ قيس بن الخَطِيم :

تنام عن كِبْرِ شأنها فإِذا

قامتْ رُوَيْداً تكادُ تَنْغَرِفُ

ومن أمثالهم : «كِبْرُ سياسة الناس في المال».

قال : والكِبْر من التكبُّر أيضاً ، فأَما الكُبْر بالضمّ فهو أكبر وَلد الرجل.

ويقال : الوَلاء للكُبْر.

أخبرني الإياديُّ عن شمرٍ ، يقال : هذا كِبْرَةُ وَلَدِ أَبيه للذَّكر والأنثى ، وكذلك : هذا عِجزةُ وَلَدِ أبيه للذكر والأنثى ، وهو آخرُ وَلد الرَّجل ، ثم قال : كِبْرَة وَلَدِ أَبيه بمعنى عِجْزَة ، وفي «المؤلف» للكسائي فلان عجزةُ وَلَد أبيه : آخرُهم وكذلك : كِبْرَة وَلَدِ أبيه.

قال : والمذكَّر والمؤنَّث في ذلك سواءٌ : بالهاء ، ذهب شمرٌ إلى أنّ كِبْرَة : معناه عِجْزَة ، وجعله الكسائيّ مِثله في اللفظ لا في المعنى.

وأخبرني المنذريُّ عن ابن اليزيديّ لأبي زيد في قوله : (وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ) [النور : ١١] بكسر الكاف هكذا سمعناه ، وقد كان بعضهم يَرفع الكاف ، وأظنها لُغة.

(أبو عبيد عن الكسائي) : قال : إذا كان أقْعَدَهم في النَّسَب قيل : هو كُبْر قومه ، وإكْبِرَّةُ قومه في وَزْن إفْعِلّة ، والمرأَة في ذلك كالرَّجل.

(ابن السكيت عن أبي زيد) : يقال : هو صِغْرَةُ ولد أبيه وِكبرتهم أي أكبرهم ، وفلان كبرة القومِ ، وصغرة القوم إذا كان أصغرهم وأكبرهم.

وقول الله جل وعز : (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) [الأعراف : ١٤٦].

قال الزَّجّاج : أي أجعل جزاءهم الإضلال عن هداية آياتي.

١١٩

قال : ومعنى يتكَبرون أي أنهم يرون أنهم أفضلُ الخلق ، وأنَّ لهم مِن الحقِّ ما ليس لغيرهم.

وهذه الصفة لا تكونُ إلا للهِ خاصة ، لأن الله جل وعز هو الذي له القدرةُ والفضلُ الذي ليس لأحدٍ مِثله ، وذلك الذي يستحقُّ أن يقالَ له المتكبِّر ، وليس لأحدٍ أن يتكبَّر لأنَّ الناس في الحقوقِ سواءٌ ، فليس لأحد ما ليس لغيره ، فالله المتكَبرُ جل وعز ، وأَعلم الله أنَّ هؤلاء يتكبَّرُونَ في الأرض بغير حقٍّ أي هؤلاء هذه صفتُهُمْ.

وأخبرني المنذري عن أبي العباس أنه قال : في قوله : (يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) [الأعراف : ١٤٦] مِن الكِبَرِ لا مِن الكِبْرِ أي يتفضلون ويرون أنهم أفضلُ من غيرهم.

وقال مجاهد في قول الله جل وعز : (قالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ) [يوسف : ٨٠] أي أعْلَمُهُمْ كأنَّه كان رئيسَهمْ ، وأمَّا أكْبَرُهم في السِّنِّ فرُوبيلُ.

قال : والرئيسُ : شَمعونُ.

وقال الكسائي في روايته : كَبِيرُهُمْ : يَهُوذَا.

وقوله جل وعز : (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) [طه : ٧١] أي معلمكم ورئيسكم ، والصبيُّ بالحجاز إذا جاء مِن عند معلمه قال : جئت مِن عند كَبيري ، والكَبيرُ في صفة اللهِ تعالى العظيم الجليل ، المتكبر : الذي تكبر عن ظلم عباده ، والله أعلم.

وأما قول الله جل وعز : (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ) [يوسف : ٣١] فأكثرُ المفسِّرينَ يقولونَ : أَعْظَمْنَه.

وروي عن مجاهد أنه قال : أَكْبَرْنَهُ : حِضْنَ ، وليس ذلك بالمعروف في اللغة.

وأنشد بعضهم :

نأتِي النِّسَاء على أَطْهَارِهنَّ ولا

نأتِي النِّساءَ إذا أكبَرْنَ إكبْارا

(قلت) : وإن صحت هذه اللفظة بمعنى الحيض فلها مخرجٌ حسنٌ ، وذلك أنَّ المرأةَ إذا حاضتْ أوَّل ما تحيض فقد خَرجَتْ من حدِّ الصِّغَرِ إلى حدِّ الكِبَر.

فقيل لها : أَكبَرتْ أي حاضت فدخلت في حدِّ الكبَر الموجبِ عليها الأمرَ والنّهْيَ.

وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم أَنه قال : سأَلت رجلاً من طيئٍ.

فقلت له : يا أَخا طيئٍ : ألكَ زَوْجةٌ؟

قال : لا والله ما تزَوَّجت ، وقد وُعِدْتُ في بنتِ عمٍّ لي.

قلت : وما سِنُّها؟

قال : قد أكْبرَتْ أو كَرَبَتْ.

فقلت : ما أكْبرَتْ؟

فقال : حاضَتْ.

١٢٠