تهذيب اللغة - ج ٩

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ٩

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥١

وقال شمر : ابن قتْرةَ : حيَّة صغيرة تنطوي ثم تَنْزُو في الرأس ، والجميع بنات قتْرة.

وقال ابن شميل : هو أُغَيبر اللَّون صغيرٌ أرقط ينطوي ثم ينقُز ذراعاً أو نحوَها.

وهو لا يُجرَى ؛ يقال : هذا ابن قتْرَةَ.

وأنشد :

له مَنزِلٌ أنفُ ابنِ قتْرةَ يَقتري

به السمَّ لم يَطعَم نُقَاخاً ولا بَرْدا

وقال الفرّاء : سمّيَ ابن قترة بالسهم الذي لا حديدةَ فيه ، يقال له قترةٌ ، ويجمع القِتَرَ.

وقال الليث : القَتير أنْ تدنيَ متاعك بعضَه من بعض ، أو بعض ركابك إلى بعض ، تقول : قتِّر بينها ، أي : قارِبْ.

أبو عبيد : القَتير : الشَّيب.

وقال غيره : القَتير : مَسامِير حَلَق الدُّروع تَراها لائحةً ، يشبَّه بها الشيب إذا ثقَّب بين الشعر الأسود.

قرت : قال الليث : قرَتَ الدمُ يَقرُت قروتاً.

وَدمٌ قارت : قد يَبِسَ بين الجِلد واللحم ، وَمِسْك قارتٌ وهو أجفُّه وَأجوَده ، وَأنشد :

يُعَلُ بقرّاتٍ من المِسْك قاتِنِ

رتق : قال الليث : الرَّتْق : إلحام الفَتْق وَإصلاحُه ، يقال : رتَقنا فَتْقهم حتى ارتَتَقَ.

قال الله جلَّ وعزَّ : (كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما) [الأنبياء : ٣٠].

حدثنا عبد الملك عن إبراهيم بن مرزوق عن عاصم عن سفيان عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس ، أنه سئل : آلليل كانَ قبلُ أم النهار؟ فتلا : (أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما).

قال : والرَّتْق : الظُّلمة.

وروى عبد الرزاق عن الثَّوريّ عن أبيه عن عكرمة عن ابن عبّاس قال : خلق الله الليلَ قبلَ النهار ، ثم قرأ : (كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما) ، قال : هل كان إلّا ظُلَّة أو ظلمة؟!.

قال الفراء : فتِقت السَّماء بالقطر ، والأرضُ بالنبت.

قال : وقال : (كانَتا رَتْقاً) ، ولم يقل رَتْقَين لأنه أخِذ من الفعل.

وقال الزجاج : قيل : رَتْقاً لأنّ الرَّتق مصدرٌ ، المعنى : كانتا ذَواتَيْ رَتْق فجعِلتا ذواتي فَتق.

وقال أبو الهيثم فيما أخبر المنذريُّ عنه : الرَّتْقاء : المرأة المنضمةُ الفَرْج التي لا يكاد الذكَر يجوز فَرْجها ، لشدَّة انضمامه.

ترق : قال الليث : التّرْقُوَةُ على تقدير فَعْلُوَة ، وهو وصلُ عَظْمٍ بين ثُغْرة النّحر والعاتق في الجانبين.

قلت : وجمعها التراقي ، وقد تَرْقَيتُ فلاناً : إذا أصبت ترقوتَه.

وقال : الترياق : لغةٌ في الدّرْياق ، فيه شِفاء للسمّ.

٦١

ق ت ل

قتل ، قلت ، تِقِلق : [مستعملة].

قتل : قال الليث : القتل معروف ، يقال : قتَله : إذا أماته بضربٍ أو حجر أو سمّ أو علّة. والمنيّة قاتلة.

وقال المفسرون في قول الله جلّ وعزّ : (قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) [التوبة : ٣٠] ، لعنهم الله أنّى يصرفون ، وليس هذا من القتال الذي هو بمعنى المقاتلة والمحاربة بين اثنين ؛ لأنَّ قولهم : قاتله الله بمعنى لَعَنه الله ، من واحدٍ ؛ فإذا قلتَ : قاتل فلانٌ فلاناً فإنه لا يكون إلّا بين اثنين.

قال أبو عبيدة : معنى : قاتل الله فلاناً قتله.

وقال الفرَّاء في قوله : (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ (١٧)) [عبس : ١٧] ، معناه : لُعن الإنسان.

وقاتله الله : لعَنه.

وقال ابن الأنباري : قاتل الله فلاناً ، أي : عاداه.

أبو عبيد : القَتَال : بقيَّة النفس.

وقال ذو الرمة :

مهاوٍ يَدَعْن الجَلْسَ نَحلاً قَتالُها

قال : وقال الفراء عن الكسائيّ : إذا قتل الرجلَ عشِق النساء أو قتله الجنّ فليس يقال في هذين إلّا اقتُتل فلانٌ.

وأنشد :

إذا ما امرؤ حاولْن أن يَقْتَتِلْنَه

بلا إضةٍ بين النفوس ولا ذَحْلِ

قاله أبو عبيد. وقال الأصمعي : الأقتال : الأعداء ، واحدهم قِتْل ، وهم الأقران.

قال : وقال أبو عمرو : المجرَّذ ، والمجرَّس والمُقَتَّل ، كلُّه الذي قد جَرَّب الأمور وعَرَفها.

أبو عبيد عن أبي عبيدة : ومن أمثالهم في المعرِفة وحمدِهم إياها قولُهم : «قَتَّلَ أرضاً عالمُها وقَتَلَتْ أرضٌ جاهلَها».

قال : قتَّل : ذلّلَ ، من قولهم : فلان مُقَتّل ومضرَّس.

وقال الليث : المقتَّل من الدَّوابّ الذي ذلَّ ومَرَن على العمل. وقَلْبٌ مقَتَّل ، وهو الذي قُتل عشقاً.

وأخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم أنه قال في قول امرئ القيس :

بسهْمَيْكِ في أعْشار قَلبٍ مقتَّل

قال : المقتَّل : المُعَوَّدُ الْمُضَرَّى بذلك الفِعل ، كالناقة المقتَّلَة المذَلَّلة لعملٍ من الأعمال. وقد ريضتْ وذُلِّلَتْ وعُوِّدَت.

قال : ومن ذلك قيل للخمر مقتولة ، إذا مُزِجَت بالماءِ حتى ذهبت شدَّتها فصار رياضةً لها.

وقال الفراء في قول الله جلّ وعزّ : (وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) [النساء : ١٥٧ ، ١٥٨].

٦٢

قال : الهاء هاهنا للعلم ، كما تقول قتلته عِلْماً وقتلتُه يقيناً ، للرأي والحديث.

وأما الهاء في قوله : (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ) [النساء : ١٥٧] فهي هاهنا لعيسى عليه‌السلام.

ونحو ذلك قال الزجاج : ما قَتلوا عِلمَهم يقيناً ، كما تقول : أنا أَقتُل الشيء عِلْماً ، تأويله إنِّي أَعلمه عِلماً تامّاً.

وقال غيره : قَتل فلانٌ فلاناً : إذا أماتَه.

وأقتَله : إذا عرَّضَه للقَتْل.

وقال مالك بنُ نُوَيرة لامرأته يومَ قتَلهُ خالدُ بن الوليد : أَقَتَلتِني ـ أي : عرَّضتني ـ بحُسْن وجهك للقتْل. فقَتله خالدٌ وتزوَّجها ، وأنكر فِعْلَه عبدُ الله بن عمر.

أخبرني المنذري عن الحراني عن ابن السكيت قال : يقال : هو قاتلُ الشَّتَوَاتِ ، أي : يُطعِم فيها ويُدفئ الناس.

والعرب تقول للرجل الذي جرّب الأمور : هو مُعاودُ السَّقي سقى صيِّباً.

وقال الليث : تقتّلَت الجاريةُ للفتى : يُوصف به العِشق.

وأنشد :

تقتّلْتِ لي حتى إذا ما قَتَلتِنِي

تنَسَّكتِ ما هذا بفِعل النّواسك

وقال أبو عبيد : يقال للمرأة : هي تَقَتَّل في مِشيتها ، وتَهالَكُ في مِشيتِها.

قلت : ومعنى تقتُّلها وتدلُّلها (١) واختيالها.

وقال أبو زيد : اقتُتل الرَّجل : إذا جُنّ واقتتلَتْهُ الجنّ ، أي : خَبَلوه.

ورَوى سَلمة عن الفراء : اقتُتِلَ الرجُل : إذا عَشق عِشقاً مبرِّحاً. ونحو ذلك قال ابن الأعرابي.

ومن أمثالهم : «مَقْتَل الرَّجُل بين فكَّيه» ، أي : سببُ قَتْلِه بين لَحْييه ، يعني لسانه الذي يَنال به مِن أَعْراض الناس ؛ فيُقتل بهذا السبب.

قلت : قال الليث : ناقةٌ بها قَلَتٌ ، أي : هي مِقلاتٌ ، وقد أَقْلَتَتْ ، وهو أَن تضع واحداً ثم يَقلَتُ رَحِمُها فلا تَحمل.

وقال الطِّرِمَّاح :

لنا أُمٌّ بها قَلَتٌ ونَذْرٌ

كأُمِّ الأُسْد كاتمة الشَّكاةِ

قال : وامرأةٌ مِقلاتٌ ، وهي التي ليس لها إلَّا وَلدٌ واحدٌ ، وأنشد :

وَجْدِي بها وجْدُ مِقلاتٍ بواحدِها

وليس يَقوَى مُحِبٌّ فوق ما أجِدُ

وأَقلتَت المرأةُ إقلاتاً : إذا لمْ يَبقَ لها وَلدٌ.

أبو عبيد : المِقلات من النساء التي لم يَبقَ لها وَلد.

__________________

(١) قبلها في المطبوع «و» وانظر : «اللسان» (قتل).

٦٣

وقال أبو زيدٍ : القَلَت : الهلاك ؛ وقد قَلِتَ الرجُل يَقْلَتُ قلْتاً. وأَقْلته فلانٌ : إذا أَهلَكه. وأَقلتَت المرأةُ : إذا هَلك ولدُها ، وامرأةٌ مِقلاتٌ ، وهي التي لا يعيشُ ولدُها.

قلت : والقول في المِقْلات ما قال أبو زيد وأبو عبيد ، لا ما قاله الليث.

أبو عبيد عن أبي عمرو : القَلْتُ : كالنُّقْرة تكون في الجَبَل يَسْتَنقِعُ فيها الماء.

والوَقْب نحوٌ منه.

قلت : وقِلات الصَّمَّان نُقَرٌ في رؤوس قِفَافها يملؤها ماءُ السماء في الشتاء. وقد وَردتُها مرَّةً وهي مُفعَمة فوجدتُ القَلْتَ منها يأخذ ملء مائة راوية وأقلّ وأكبر ؛ وهي حُفرٌ خَلقها الله في الصُّخور الصُّمّ.

وقال أبو زيد : القَلت : المطمئِنّ في الخاصرة. وَالقَلْتُ : ما بين التُّرقوة والعُنُق. والقَلتُ : عَيْنُ الرُّكْبَة. والقَلت : ما بين الإبهام والسَّبّابة.

وقال الليث : القَلْت : حُفرةٌ يَحفِرها ماءٌ واشِلٌ يَقْطر من سَقف كَهْف على حَجَر أير (١) فيوقبُ فيه على مَرِّ الأحقاب ، وقْبَةً مستديرة ، وكذلك إن كان في الأرض الصُّلبة فهو قلتٌ كقَلْت العَيْن وهو وقْبتُها ، قال : وقلتُ الثّريدةِ : أُنقوعَتها.

وقال ابن السكيت : القَلَت : الهلاك.

قال : وحكى الأصمعيُّ عن بعض العرب : «إنَّ المسافِر وَمتاعَه لَعَلى قَلَتٍ إلّا ما وقَى الله» ، والمَقلَتَة : المهلكة. وامرأة مِقلات : لا يَعِيش لها ولد ، ويقال : انقَلتُوا ولكن قَلَتوا.

اللحياني : أمسَى فلانٌ على قَلت ؛ أي : خَوْف.

ورجل قَلِت وقَلْت ، أي : قليل اللحم.

والقَلت مؤنّثة تُصغَّر قُلَيْتة ؛ وإنّ فلاناً بمقلَتةٍ ، أي : بمكان مخوف.

[ق ل ق]

قلق

(تقلق) : قال الليث : تِقلِق : مِنْ طير الماء.

ق ت ن

قتن ، قنت ، تقن ، نتق ، نقت : [مستعملة].

قتن : قال الليث : القتين : القليل اللّحم والطُّعم.

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال في امرأة : «إنّها وضيئة قَتين».

قال أبو عبيد : قال الأصمعيّ : القتين هي القليلة الطعم ، يقال : منه امرأة تقين بيِّنة القَتانة والقَتَن.

قال أبو زيد : وكذلك الرجل ، وقد قَتَن قَتانة.

__________________

(١) أي صُلبٍ.

٦٤

وقال الشماخ في ناقته :

وقد عَرِقَتْ مغابنها وجادت

بدِرَّتها قِرَى جَحِنٍ قَتينِ

ابن جبلة عن ابن الأعرابي : القَتين والقَنيت واحد ، وهي القليلة الطَّعم النحيفة. والقُراد قَتين (١) ، وسِنانٌ قَتين ، أي : دقيق.

ابن السكيت : دم قاتن وقاتم ، وذلك إذا يَبِس واسودّ. قال الطِّرِمَّاح :

كطَوْفِ مُتَلِّي حَجَّة بين غَبْغَب

وقُرّةِ مُسْوَدٍّ من النُّسْكِ قاتنِ

وقال ابن المظفّر : مِسكٌ قاتن ، وقد قَتَن قُتوناً ، وهو اليابس الذي لا نُدوَّة فيه.

عمرو عن أبيه : القَتين : القُراد ، والقَتين : الرُّمْح.

نقت : أهمله الليث.

وروى أبو ترابٍ عن أبي العميثل ، يقال : نُقِت العَظْمُ ونُكِتَ إذا أُخرج مُخُّه.

وأنشد :

وكأنها في السِّبّ مُخّةُ آدبٍ

بيضَاء أُدِّبَ بَدْؤها المَنْقُوتُ

قنت : قال الله جلّ وعزّ : (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) [البقرة : ٢٣٨].

قال زيد بن أرقم : كنَّا نتكلم في الصّلاة حتّى نزلت : (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) فأُمِرنا بالسُّكوت ونُهينا عن الكلام.

فالقُنوت هاهنا : الإمساك عن الكلام في الصلاة.

وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قَنَت شهراً في صلاة الصُّبح بعد الركوع يدعو على رِعْلٍ وذَكْوان.

وقال أبو عبيد : القُنوت في أشياء : فمنها القيام ، وبهذا جاءت الأحاديث في قنوت الصلاة لأنَّه إنما يدعو قائماً. ومن أبيَنِ ذلك

حديثُ جابرٍ أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سُئل : أيُّ الصلاة أفضلُ؟ قال : «طولُ القُنوت» ، يريد : طُولَ القيام. والقنوت أيضاً : الطاعة.

وقال عِكْرِمة في قوله : (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) [البقرة : ١١٦] ، قيل : القانت : المطيع.

وقال الزَّجاج : القانت : المطيع. قال : والقانت : الذاكرِ لله كما قال : (أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً) [الزمر : ٩] ، وقيل : القانت : العابد. وقيل في قوله : (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) [التحريم : ١٢] ، أي : مِن العابدين.

قال : والمشهور في اللُّغة أن القنوت الدُّعاء. وحقيقة القانت أنَّه القائم بأمر الله ، فالداعي إذا كان قائماً خُصَّ بأن يقال

__________________

(١) القُراد جمع قرد ، وجاء في «الصحاح» للجوهري (قتن): «ويسمى القُراد قتيناً لقلة دمه» وانظر «اللسان» (قتن).

٦٥

له قانت ، لأنَّه ذاكرٌ لله وهو قائم على رجليه. فحقيقة القنوت العبادةُ والدعاء لله في حال القيام ويجوز أن يقع في سائر الطاعة لأنَّه إن لم يكن قيامٌ بالرِّجْلين فهو قيامٌ بالشيء بالنِّية. ويقال للمصلِّي قانت.

وفي الحديث : «مثل المجاهد في سبيل الله كمثل القانت الصائم» ، أي : المصلّي.

تقن : قال الليث : التِّقْن : رُسَابة الماءِ في الربيع ، وهو الذي يجيء به الماء من الْخُثورة ؛ يقال : تقَّنوا أَرضَهم ، أي : أرسلوا فيها الماء الخاثر لتَجود. قال : والإتقان : الإحكام للأشياء.

أبو عبيد : يقال : رجلٌ تِقْنٌ ، وهو الحاضر المنطق والجواب.

وقال الفراء : رجلٌ تِقْنٌ حاذقٌ بالأشياء ، ويقال : الفصاحة من تِقْنه ، أي : من سُوسِه.

وقال ابن السكِّيت : ابن تِقْنٍ : رجل من عاد ، ولم يكن يَسْقُط له سَهْم.

وأنشد :

لأكلةٌ من أَقِطٍ وسَمْن

أليَنُ مَسّاً في حَوايا البَطْنِ

من يَثْرِبيّاتٍ قِذاذٍ خُشْنِ

يَرمِي بها أَرْمَى مِن ابنِ تِقْنِ

قلت : الأصل في التِّقْن ابن تِقْنٍ هذا ، ثم قيل لكلِّ حاذقٍ في عملٍ يعمَلُه عالم بأمره تَقْن ، ومنه يقال : أتقنَ فلانٌ أمره : إذا أحكَمه.

أنشد شمِر لسليمان بن ربيعة بن ريَّان بن عامر بن ثعلبة بن السيِّد :

أهلكن طسماً وبعدهم

غذِيّ بهم وذا جُدونِ

وأهل جاش ومأْرب

وحيّ لقمان والتُّقون

واليسر كالعُسر والغنى كال

عدم والحياة كالمنون

التُّقون ، من بني تِقن بن عاد ، منهم عمرو بن تِقن ، وكعب بن تِقن ، وبه ضُرب المثلُ فقيل : «أرمَى من ابن تِقْن».

نتق : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنَّه قال : «عليكم بالأبكار من النِّساء فإنهنَّ أعذبُ أفواهاً وأنتق أرحاماً» ، معناه : أنَّهنَّ أكثر أولاداً.

يقال : امرأةٌ ناتق ومنتاق : إذا كانت كثيرةَ الولد.

وقال الفراء في قوله عزوجل : (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ) [الأعراف : ١٧١] ، قال : رُفع الجبلُ على عساكرهم فرسخاً في فرسَخ.

ونَتَقْنَا : رَفَعْنا.

وقال غيره : (نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ) ، أي : زعزعناه ورفعناه. ويقال : نتقْتُ السِقاء : إذا نفضْتُه لِتقلَعَ منه زُبْدَته. قال : وكان نتْق الجبل أنَّه قُطِع منه شيءٌ على قدر عسكر موسى فأظلَّ عليهم ، قال لهم موسى : إمَّا

٦٦

أن تَقبلوا التوراةَ وإمَّا أن يَسقُط عليكم.

وأخبرني المنذريُّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال : يقال : نَتَق جِرابَه : إذا صَبَّ ما فيه. وامرأةٌ مِنْتاق : كثيرة الوَلَد.

قال : والناتق : الرافع. والناتق : الفاتق.

وقالت أعرابية لأُخرى : انْتُقِي جِرابَكِ فإِنه قد سوَّس. والناتق : الباسط ، انتُقْ لَوْطَكَ في الغَزالةِ حتى يَجف. والناتق : المرأة الكثيرة الأولاد.

وقال الليث : النَّتْق : الجَذْب. ونتَقْتُ الغَرْبَ من البئر : إذا جذبته بمرَّة. قال : والبعير إذا تزعزعَ بحملِه نَتَق عُرَى حِباله ، وذلك إذا جَذَبها فاسترخت عُقَدها وعُراها فانتقتْ ، وأنشد :

ينتقن أَقتاد النُّسوع الأطَّطِ

وقال ابن الأعرابي : أنتَقَ : إذا أشالَ حَجر الأشداء. وأَنتَقَ : عمل مظلّةً في الشمس وأنتَقَ إذا بَنى دارَه نِتاقَ دارٍ أي حِيالَهَا.

وأَنتقَ صامَ ناتقاً ، وهو شهر رمضان.

وأنتقَ : فَتَق جِرابَه ليُصلحه من السُّوسِ.

وقال أبو زيد : يقال : سَمِنَ حتى نَتَق نُتوقاً ، وذلك أنْ يمتلئ جلدُه شحْماً ولحماً.

وقال أبو مالك : نتقتُ الشيءَ : إذا حركته حتَّى يَسْفُل ما فيه.

ق ت ف

استعمل من وجوهه : فتق.

فتق : قال الفراء في قوله تعالى : (كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما) [الأنبياء : ٣٠] ، قال : فُتِقت السماءُ بالقطْر والأرضُ بالنبات.

وقال الزجاج : (كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما) ، قال : المعنى أن السموات كانت سماءً واحدةً مرتتقة ليس فيها ماء فجعلها غير واحدة ؛ ففتق الله السماءَ فجعلها سبعاً ، وجعل الأرض سبع أرَضِينَ. ويدل على أنه يراد بفتقِها كونُ المطرِ قولُه : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) [الأنبياء : ٣٠].

وقال ابن السكيت : أفتق قَرنُ الشمس : إذا أصاب فَتقاً من السَّحاب فبدا منه. وقد أفتقنا : إذا صادفْنا فَتقاً من السَّحاب فبدا منه. وقد افْتقْنا : إذا صادفنا فَتقاً ، وهو الموضع الذي لم يُمطر وقد مُطِر ما حولَه.

وأنشد :

إنَّ لها في العام ذي الفُتوق

وزَلَلِ النّية والتصفيق

وقد فتقَ الطّيبَ يُفتِقُه فَتْقاً ، وفَتَق الخياطة يفتِقُها.

وأخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم قال : الفَتْقاء من النساء : التي صار مَسلكاها واحداً ، وهي الأَتُوم. والفِتاق : انفتاق الغَيْم عن الشمس في قوله :

وفتاةٍ بيضاءَ ناعمةِ الجِس

مِ لعوبٍ ووجهُها كالفِتاقِ

٦٧

وقيل : الفِتاق : أصل اللِّيف الأبيض ، يشبَّه به الوجه لنقائه وصفائه.

والفَتْق : انفلاق الصبح.

وقال ذو الرمة :

وقد لاح للسارِي الذي كمَّل السُّرَى

على أُخْرياتِ اللَّيل فَتْقٌ مُشَهَّرُ

وقال أبو عمرو : عام الفَتْق : عام الخِصْب ، وقد أفتَقَ القوم إفتاقاً : إذا سَمِنَتْ دوابُّهم ففتَقت.

والفَتْق : أن تَنشَقَّ الجلدة التي بين الخُصيَة وأسفل البطن فتقع الأمعاءُ في الخُصية.

وقال أبو زيد يقال : انفتقت الناقة انفتاقاً ، وهو الفَتَق ، وهو داءٌ يأخذها ما بين ضَرعها وسُرَّتها فربَّما أفْرقَتْ وربَّما ماتت ، وذلك من السّمَن. وتفتَّقتْ خواصر الغَنم من البَقْل : إذا اتّسَعتْ من كثرة الرَّعْي.

أبو عبيدٍ عن أبي زيد : الفَتيق اللِّسانِ : الحُذاقيّ الفصيح اللسان. والفيتَقُ : الحدّاد ، ويقال : النَّجَّار.

وقال الأعشى :

كما سَلَكَ السَّكِّيَّ في الباب فَيْتَقُ

ويقال للملِك فَيْتَق.

وقال الآخر :

رأيتُ المنايا لا يغادِرْن ذا غِنًى

لمالٍ ولا ينجو مِن الموت فَيْتَقُ

وقال الليث : الفِتاق : خَمِيرة ضخمة لا تلبثُ العَجين إذا جُعلتْ فيه أن يُدرك.

فتقتُ العجينَ ، إذا جعلتَ فيه فِتاقاً. قال : والفِتاق : أدويةٌ مدقوقة تُفْتَق ، أي : تُخلط بدُهن الزَّنبق كي يفوح ريحُه.

ونصلٌ فتيق الشَّفرتين : إذا جُعل له شُعبتان فكأنّ إحداهما فُتقت من الأخرى ، وأنشد :

فَتيقُ الغِرارين حَشْراً سَنِينا

وقال غيره : سيف فَتيق ، أي : محدَّد الحَدِّ.

ومنه قوله :

كنصل الزَّاعبيّ فتيقُ

قال : والفَتق يصيب الإنسان في مَراقّ بطنه ، ينفتقُ الصِّفاق الداخلُ.

وروي عن زيد بن ثابت أنَّه قال في الفَتْق الدّية ، أخبرني بذلك المنذريّ عن إبراهيم الحربيّ ، قال إبراهيم : والفَتقُ هو انفتاق المثانة.

قال : وقال زيدٌ فيه الدية.

وقال شُريح والشعبيّ : فيه ثُلث الدية.

وقال مالك وسفيان : فيه الاجتهاد من الحاكم.

وقال الليث : الفَتق : شَقُّ عصا المسلمين بعد اجتماع الكلمة مِن قبلِ حَرْبٍ في ثغر أو غير ذلك. وأنشد :

ولا أرى فَتْقَهمْ في الدّين يرتَتِقُ

٦٨

وقال ابن السكّيت في قول الراجز :

لم تَرْجُ رِسْلاً بعدَ أعوامِ الفَتَقْ

أي : بعد أعوام الخِصب.

يقال : بعير فَتيق وناقة فتيق ، أي : تفتّقتْ في الخِصب ، وقد فتِقَت تفتق فَتقاً.

ثعلبٌ عن ابن الأعرابيّ : أفْتَقَ القمر : إذا بَرَز بين سَحابتين سَوْداوَيْن.

وأفتَقَ الرجلُ : إذا ألحَّتْ عَلَيْهِ الفُتوق ، وهي الآفات من جوع وفَقر ودَين ، وأفتقَ : إذا استَاكَ بالفِتاق ، وهو عُرجون الكَبَاثِ. ويقال : فَتَق فلانٌ الكلامَ وبَجَّه : إذا قوّمه ونَقَّحه.

أبو عبيد عن الأصمعي : امرأة فُتُقٌ مُنفتِقة بالكلام.

ق ت ب

استعمل من جميع وجوهه : [قتب].

قتب : في الحديث : «فتندلِق أقتابُ بطنه» ، وقد مرّ تفسير الاندلاق ، وأما الأقتاب فهي الأمعاء واحدها قِتْب.

وروى أبو عبيد عن أبي عبيدة أنّه قال : القِتب : ما تَحْوّى من البطن ، يعني استدار ، من الحوايا وجمعه أقتاب.

وقال الأصمعي : واحدها قتْبة ، وبها سمِّي الرجل قُتيبة ، وهو تصغيرها.

وقال الليث : القَتَب : إكاف الجَمَل ، وقد يؤنّث ، والتذكير أعَمّ ، ولذلك أنَّثوا التصغير فقالوا : قتيبة.

قلت : ذهب الليث إلى أنَ قتيبة مأخوذ من القَتَب.

وقرأت في «فتوح خُراسان» ، أنَ قتيبة بن مسلمٍ لما أوقع بأهل خَوَارزم وأحاط بهم أتاه رسولُهم فسأله عن اسمه ، فقال : قتيبة. فقال : لست بفتحها إنَّما يَفتَحها رجلٌ اسمه إكاف ، فقال قتيبة : فلا يفتحها غيري ، وإسمي إكاف.

وهذا يوافق ما قاله الليث.

وقال الليث : قَتَب البعير مذكّر ولا يؤنّث ، ويقال له القِتب ، وإنَّما يكون للسّانية.

ومنه قول لبيد :

وأُلقي قِتبُها المحزومُ

أبو عبيد عن أبي زيد : القَتوبة من الإبل : التي تُقْتَب بالقَتَب إقتاباً.

وقال غيره : أقتبْتُ زيداً يميناً إقتاباً : إذا غَلَّظتَ عليه اليمين فهو مُقْتَب عليه.

ويقال : ارفُقْ به ولا تُقْتِب عليه في اليمين ، وأنشد :

إليك أشكو ثِقْلَ ديْنٍ أقْتَبا

ظهري بأقتابٍ تركن جُلَبا

وأقبلتُ البعير : إذا شددتَ عليه القتَب.

ق ت م

قتم ، مقت : [مستعملة].

٦٩

قتم : قال الليث : الأقتم : الذي يعلوه سوادٌ ليس بالشَّديد ، ولكنه كسوادِ ظهرٍ البازي.

وأنشد :

كما انقضَّ بازٍ أقتم اللون كاسرُه

والمصدر المُقْتمة والقَتَم : ريحٌ ذات غُبار كريهة.

قال : والقَتمة : رائحة كريهة ، وهي ضدُّ الخمطة ، والخَمطة تُسْتَحبّ ، والقَتَمة تُكره.

قلت : أرَى الذي أراده ابن المظفَّر القَنَمة بالنون ، يقال : قَنِم السقاء يَقْنم : إذا أَرْوَح. وأمّا القَتَمة بالتاء فهي اللَّون الذي يضرب إلى السواد والقَنَمة بالنون الرائحة الكريهة ، ويقال : أسود قاتم وقاتن.

وقال الليث : القَتَام : الغُبار. وقد قَتم يَقْتِم قُتوماً : إذا ضرب إلى السواد.

وأنشد :

وقاتمِ الأعماق خاوِي المخثرقْ

أبو عبيد عن الأصمعيّ : إذا كانت فيه غبرة وحمرة فهو قاتم وفيه قُتْمة ، جاء به في الثياب وألوانها.

مقت : قال الله جل وعز : (لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) [غافر : ١٠].

قال قتادة : يقول : (لَمَقْتُ اللهِ) إياكم حين دُعيتم إلى الإيمان فلم تؤمنوا (أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) حين رأيتم العذاب.

وقال الليثُ : المَقْتُ : بُغضٌ من أمرٍ قبيح رَكِبه ، فهو مَقيت. وقد مَقُتَ إلى الناس مَقاتةً ، ومَقَتَه الناسُ مَقْتاً فهو ممقوت.

وقال الزجاج في قول الله جل وعز : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً (٢٢)) [النساء : ٢٢].

قال : المقت أشدُّ البغض. والمعنى : أنهم علموا أنَّ ذلك في الجاهلية كان يقال له : مَقْت ، وكان المولود عليه يقال له : المَقْتيّ ، فأُعلِموا أنّ هذا الذي حُرم عليهم من نكاح امرأة الأب لم يزلْ منكراً في قلوبهم ، ممقوتاً عندهم.

وقال الليث : المُقيت : الحافظ.

قلت : الميم في المُقيت مضمومة ، وليست بأصلية ، وهو من باب المعتلّ.

أبواب القاف والظاء

أهملت القاف مع الظاء مع الحروف إلى آخرها إلَّا مع الراء فقد استعمل.

[ق ظ ر]

قرظ : قال الليث : القَرَظ : ورق السَّلَم يُدبغ به الأَدم ، يقال : أديم مقروظ وقد قرظتُه أقْرِظه قَرْظاً.

والقارظ : الذي يَجْمع القَرَظ. ومن أمثال العرب في الغائب الذي لا يُرجى إيابُه قولهم : «حتى يؤوب العنزيُ القارظ»

٧٠

وذلك أنه خرج يَجنِي القَرَظ ففُقِد ، فصار مَثَلاً للمفقود الذي يُؤْيَس منه.

ومنه قول بشر يخاطب ابنته :

فرجِّي الخيرَ وانتظري إيابي

إذا ما القارظُ العَنَزيُّ آبَا

وقال أبو عبيدٍ : قال ابن الكلبي : هما قارظان ، وكلاهما من عَنَزة ، فالأكبر منهما يذكرُ بن عَنزَة كان لصُلبه ، والأصغر هو رُهم بن عامر ، من عَنزَة. وكان من حديث الأوَّل أن حَزِيمة بن نَهدٍ كان عشق ابنته فاطمة بنت يذكُر ، وهو القائل فيها :

إذا الجوزاءُ أردفَتِ الثُّرَيّا

ظننتُ بآلِ فاطمةَ الظُّنونا

وأما الأصغر منهما فإنه خرج يطلب القَرَظ أيضاً فلم يرجع ، فصار مَثَلاً في انقطاع الغَيْبَة ، وإيَّاهما عَنَى أبو ذؤيبٍ بقوله :

وحتى يؤوب القارظانِ كلاهما

ويُنْشَرَ في القتلى كليبٌ لوائِلِ

وبنو قريظة إخوة النّضير ، وهما حيَّانِ من اليهود كانوا بالمدينة ، فأمّا قريظة فإنهم أُبِيدُوا لنقضهم العهدَ ومظاهرتِهم المشركينَ على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأمر بقتل مقاتلتِهم وسبى ذراريهم ، واستفاءة أموالهم. وأمّا بنوا النضير فإنهم أُجلُوا إلى الشام ، وفيهم نزلَتْ سورة الحَشر.

وقال أبو عبيد : يقال : قرَّظت فلاناً تقريظاً : إذا مدحتَه وأثنيتَ عليه في حياته ، كأنَّه أخِذ من تقريظ الأديم إذا بُولغ في دِباغِه بالقَرَظ.

أبواب القاف والذال

ق ذ ث

مهمل الوجوه.

ق ذ ر

قذر ، ذرق.

ذرق : قال الليثُ : الذُّرَق : نبات كالفِسْفِسة ، تسمِّيه الحاضرة الحَنْدَقُوقى الواحدة ذُرَقة.

أبو عبيد عن أبي عمرو : الذُّرَق : الحُنْدُقُوقى.

وقال شمر : يقال : حَندَقوقَى وحِنْدَقُقى وحُنْدُقوقى.

أبو عبيد عن الأصمعيّ : ذَرَق الطائر وخذَق ، يَذْرِق ويخذقُ.

قال أبو زيد : ويَحْذُقُ لغة.

وقال الليث : الذَّرق : ذَرْق الحُبارَى بسَلْحه.

قال : والخَذْق : أشدُّ من الذَّرْق.

وفي «نوادر الأعراب» : تذرَّقَتْ فلانةُ بالكُحْل ، وأذرقتْ : إذا اكتحلتْ.

قذر : قال الليث : قَيْذار : اسمُ ابنِ إسماعيل ، وهو جدّ العَرَب ، يقال : هم بنو نَبْتِ بن إسماعيل.

٧١

ويقال : قَذِرْت الشيءَ : إذا استقذرْته وتقذَّرْتَ منه.

وقد يقال للشيء القَذِر : قَذْرٌ أيضاً. فمن قال : قَذِرٌ جعله بناءً على فَعِلٍ مِن قَذِر يَقذَر فهو قَذِر ، ومَن جَزَم قال : قذُر يقذُر قَذارة فهو قَذْر.

وفي الحديث : «اتَّقوا هذه القاذُورة التي نَهى الله عنها».

قال شمِر : قال خالد بن جَنْبة : القاذورة التي نهى الله عنها الفِعْلُ القبيح واللفظ السَّيِّئ ، والقاذورة من الرجال لا يُبالي ما قال وما صَنَع.

وأنشد :

أَصْغَتْ إليه نَظَر الحَيِيِ

مخافةً من قَذِرٍ حَمِيِ

قال : والقَذِر : القاذورة ، عَنَى ناقةً وفَحلاً.

وقال عبد الوهاب الكلابيّ : القاذورة المتطرِّس ، وهو الذي يَقْذَر كل شيء ليس بنظيف.

وقال أبو عبيدة : القاذورة الذي يتقذَّر الشيء فلا يأكله.

ورُوِي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان قاذورةً ، لا يأكل الدَّجاج حتى يُعْلَف (١).

وقال أبو الهيثم : يقال : قَذِرْتُ الشيءَ أقذَرُه قذراً فهو مَقذُور.

وقال العجاج :

وقَذَرِي ما ليس بالمقذورِ

يقول : صرتُ أقذَرُ ما لم أكن أَقْذَرُه في الشَّباب من الطَّعام.

ولما رَجَم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ماعِزَ بن مالك قال : «اجتنبوا هذه القاذورة»

يعني الزنا.

أبو عبيد عن الكسائي قال : رجل قَذِر وقَذُر.

وقال اللِّحياني : رجل قُذَرة ، وهو الذي يتنزّه عن مَلائم الأخلاق ويكرهُها.

ويقال : أقْذَرْتَنا يا فلان ، أي : أضجرْتنا.

ورجل قاذورة ، وهو الذي يتبرَّم بالناس لا يجلس ولا ينزل إلَّا وحدَه. وناقة قَذَورٌ : تَبرُك ناحية من الإبل.

وقال الحطيئة :

إذا بَركتْ لم يؤذها صوتُ سامِرٍ

ولم تُقصَ مِن أدنى المخَاض قَذُورُها

يصف إبلاً عازبةً لا تَسمع أصوات الناس.

أبو عبيد : القاذورة من الرجال : الفاحش السيء الخلق.

وقال متمّم :

__________________

(١) بعده في «اللسان» (قذر): «القاذورة هاهنا : الذي يقذُر الأشياء وأراد بعلفها أن تُطعم الشيء الطاهر والهاء للمبالغة».

٧٢

وإنْ تَلْقَه في الشرْب لا تَلقَ فاحشاً

لدى الكأسِ ذا قاذورةٍ متزبِّعا

وقال الليث : القاذورة : الغَيور من الرجال.

ق ذ ل

استعمل من وجوهه : قذل ، ذلق.

ذلق : أبو عبيد عن الفراء : الذَّلْق : مَجرَى المِحْورِ في البَكَرة.

وقال أبو زيد : المذلَّق من اللبن الحلَب يُخلَط بالماء.

وفي حديث ماعز : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر برجمه ، فلما أذلقَتْه الحجارةُ فَرَّ.

وفي حديث عائشة : أنَّها كانت تصوم في السّفر حتى أذلَقَها السَّموم.

قال ابن الأعرابي : أَذلَقها ، أي : أذابها.

وقال في موضع آخر : أذلَقها السَّموم ، أي : أقلقها.

وقال : أذلقه الصَّوم وذلَّقه ، أي : أضعفَه.

وقال شمر : أذلقها السَّموم ، أي : جهدها وأقلقها.

وقال ابن شميل : أذلقها السَّموم : أحرَجها.

قال : وتذليق الضِّباب : توجيه الماء إلى حجرَتها.

وقال الكُمَيت :

مستذلِقٌ حَشرات الإكا

مِ يمنَع مِن ذي الوِجارِ الوِجارا

يَعني الغيثَ أنه يستخرج هَوامّ الآكام.

عمرو عن أبيه قال : الذَّلق : حِدَّة الشيءَ وقد أذلقني السّمومُ ، أي : أذابني وهَزلني.

وقال أبو زيد : أذلقْتُ السراج إذلاقاً ، أي : أضأتُه.

وروي أن أيوب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في مناجاته : «أذلقَني البَلاءُ فتكلمتُ»

ومعنى الإذلاق أن يبلغ منه الجهد حتى يَقلق ويتضَوَّر.

ويقال : قد أقلقني قولُك وأذلَقني.

والضَّب : إذا صُبَّ في جُحره الماءُ أَذلقَه فيخرج منه.

وعدوٌّ ذليق : شديد.

وقال الهذلي :

أوائِلُ بالشَّدِّ الذليق وحَثَّني

لَدَى المَتْنِ مشبوحُ الذراعينِ خَلْجَم

وذلَّقْتُ الفَرَس تذليقاً : إذا ضمَّرْته.

وقال عَدِيّ بن زيد :

فذلَّقْتُه حتّى ترفَّعَ لحمُه

أداوِيه مكْنُوناً وأركبُ وادِعا

أي : ضمَّرتُه حتى ارتفع لحمُه إلى رؤوس العِظام وذهب رَهَله.

وقال الليث : حَدُّ كلُّ شيء : ذَلْقه. وذَلْق اللسانِ : حَدُّ طَرَفِه.

٧٣

قال : والذَّلْق : تحديدُك إياه ، تقول : ذَلقته وأذلقتُه.

أبو عبيد عن أبي زيد : الذَّليق : الفصيحُ اللسان. ولسانٌ ذَلِق وذَلِيق.

وفي الحديث : «إذا كان يومُ القيامة جاءت الرّحِمُ فتكلَّمتْ بلسانٍ ذُلَق طُلَق ، يقول : اللهمَّ صِلْ منَ وصَلني ، واقطعْ من قطَعني».

أبو عبيدٍ عن الكسائيّ : لسانٌ طُلق ذُلق ، كما جاء في الحديث.

والحروفُ الذُّلْق معروفة : الراء واللام والنون ، سُمِّيتْ ذُلْقاً لأنَّ مخارجَها من طرف اللسان. وذَلْق كلّ شيء وذَوْلَقُه : طَرَفُه.

قذل : قال الليث : القَذَال : مؤخَّر الرأس فوق فأس القَفَا ، والجميع القُذُل ، والعَدَدُ أَقذِلة. والمَقْذول : المشجوج في قَذالِه.

وقَذال الفَرَس : مَوضع مُلتقى العِذار مِن فوق القَوْنَس.

وقال زُهير :

ومُلجِمُنا ما إنْ ينالُ قَذالَه

ولا قَدَماه الأرضَ إلا أنامِلهْ

وقال اللحيانيّ : قَذَلْتُ فلاناً أقذِلُه قَذْلاً : إذا تَبِعْتَه ، وقَذَلْتُه أيضاً أقذِلُه : ضربتُ قَذاله ، وهو مؤخَّر رأسه.

ثعلب عن سَلَمة عن الفرَّاء قال : القَذَل والمؤكَف والنطَف والوَجر العَيْب ، يقال : قَذَله يَقْذِله قَذْلاً : إذا عابه.

وأخبرني المنذريُّ عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال : القَذال ما دُون القَمَحْدُوَة إلى قُصاص الشَّعر.

قذن

ذقن ، نقذ : [مستعملان].

ذقن : قال الليث : الذَقَن : مجتمع اللّحْيين.

وناقة ذَقُون : تُحرِّك رأسَها : إذا سارت.

والذِقْن : الشَّيخ.

وفي حديث عائشة : أنها قالت : «تُوفّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين حاقِنَتي وذاقِنَتي».

قال أبو عبيد : الذاقِنة : طَرف الحُلْقوم.

وقال أبو زيد : يقال في مَثَل : «لألحِقنّ حَواقِنك بذواقِنِك» ، فذكرتُ ذلك للأصمعيّ فقال : هي الحاقنة والذَّاقنة ، ولم أَرَه وَقَف منها على حدّ معلوم.

وأما أبو عمرو فإنه قال : الذاقنة : طَرَف الحُلْقوم.

وقال ابن جَبَلة ، قال غيره : الذاقِنة الذقَن.

وقال غيره : ذقَنتُ الرجل أذقُنه ذَقْناً : إذا ضربتَ ذَقَنَه فهو مَذْقُون. وذَقَنته بالعصا ذَقْناً : ضرَبتُه بها.

وفي حديث عمر : أنه عُوتِب في شيء فَذَقَن بسَوْطه يستمِع.

وفي حديث آخر : «فوضع عُودَ الدِّرَّة ثم ذَقَن عليها» ، وقد ذَقَن على يَدِه : إذا

٧٤

وضَعَها تحتَ ذقنه.

أبو عبيد عن الأصمعي : إذا خُرِزَت الدَّلْوُ فجاءت شَفَتُها مائلةً قيل : ذَقِنَتْ تَذقَن ذَقَناً.

وفي «نوادر العرب» : ذَاقَنَني فلان ولاقَنَني ولاغَدَني أي لازَّني وضايَقَني.

نقذ : وقال الليث : فرسٌ نَقَذٌ : إذا أخذ مِن قومٍ آخَرين.

أبو عبيد : النّقائذ من الخيل التي تُنُقِّذتْ مِن أيدي الناس.

وقال لُقَيم بن أوسٍ الشَّيبانيّ :

أفكان شُكرِي أنْ زعمتَ نفاسةً

نَقذِيك أمْسِ وليتني لم أشْهَدِ

قال ابن حبيب : نقذِيك من الإنقاذ ، كما تقول : ضَرْبيك.

قلت : يقال : نَقذتُه وأنقذتُه ، واستنقذْته وتنقذته ، أي : خلَّصْته ونجّيتُه.

وقال شِمر فيما وجدتُه بخطّه : النَّقيذة : الدرْع المستنقذَة مِن عدُوّ.

وقال يزيد بن الصَّعِق :

أعددتُ للحدثانِ كلَ نَقيذةٍ

أنُفٍ كلائحة المُضِلّ جَرُورِ

أُنُف : لم يلبسها غيره. كلائحة المُضِلّ ، يعني السَّراب.

المفضَّل : النَقيذةُ الدِّرْع ، لأنَّ صاحبَها إذا لبِسَها أنقذَتْه من السُّيوف. والأُنُف : الطويلة. جَعلَها تَبرُق كالسَّرابِ لِجِدّتِها.

ق ذ ف

قذف : قال الليث : القَذْف : الرَّمْي بالسهم والحَصَى والكلامِ وكلِّ شيء وسَبْسَبٌ قَذَفٌ وقَذُوف وبلدة قَذوفٌ وقَذَف ، وهو البعيد.

وأنشد أبو عبيد :

وشَطَّ وَلْيُ النَّوَى إنّ النّوى قَذَفٌ

تَيّاحةٌ غَرْبةٌ بالدّار أحيانا

قذف : الدار التي تنوى بعيدة كذلك.

ويقال : قُذِفت النَّاقةُ باللحْم قذفاً ولُدِسَتْ به لَدْساً ، كأنَّها رُميتْ به رَمْياً فاكتنزَتْ منه.

وقال النابغة :

مقذوفةٍ بدِخِيس اللَّحْمِ بازِلُها

له صَريفٌ صَرِيفَ القَعْوِ بالمَسدِ

عمرو عن أبيه : المِقْذَف والمِقْذاف : مِجذاف السَّفينة. قال : والقَذَّاف : المَرْكَب.

وقال الليث : يقال للمَنْجَنيق : قذَّاف.

شمِر عن ابن شُمَيل : القِذَاف : ما قبضْتَ بيدكَ مما يملأ الكف فرميت به قال : ويقال : نعم جلمود القِذاف هذا ، قال : ولا يقال للحَجَر نفسه نِعْم القِذاف.

وقال أبو خَيرة : القِذاف ما أَطقْتَ حَملَه بيَدِك ورمَيتَه. قال رؤبة :

٧٥

وهو لأعدائكَ ذو قِراف

قَذّافةٌ بحَجَر القذافِ

والقَذّافة والقَذَف جمْعٌ ، وهو الذي يُرمَى به الشيء فيُبعَد. وأنشد :

لمّا أتاني الثّقَفِيّ الفَتّانْ

فَنَصَبوا قَذّافةً بَلْ ثِنْتانْ

وقال أبو عمرو : ناقة قِذّاف وقَذُوف ، وقُذُف وهي التي تتقدَّم مِن سرعتها وتَرمي بنفسها أمامَ الإبل في سَيْرها. وقال الكميت :

جَعلتُ القِذافَ لِلَيل التِّمامِ

إلى ابن الوليد أبانِ سِبَارَا

يقول : جعلتْ ناقتي هذه لهذا الليل حَشْواً.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : القُذْف بالحَجَر ، والحَذْف بالعصا. يقال : هو بينَ حاذِف وقاذِف ، وبين حاذٍ وقاذٍ ، على الترخيم.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال : القذَاف : الميزان. والقذَّاف : المَركَب ، رواية أبي عمرو.

ورُوي عن ابن عمر : أنّه كان لا يصلِّي في مسجد فيه قُذاف.

قال أبو عبيد : هكذا يحدّثونه. وقال الأصمعيّ : إنما هي قَذَف ، واحدتها قُذْفة ، هي الشُّرَف. قال : وكلُّ ما أشرفَ من رؤوس الجبال فهي القُذُفات.

وقال امرؤ القيس :

مُنيفٌ تَزِلّ الطيرُ عن قُذُفاته

يَظَلّ الضَّباب فوقَه قد تقصَّرا

قال الليث : القِذاف : النواحي ، واحدتها قُذفة. وقال غيره : قذفا الوادي والنهر : جانِباه.

وقال الجعديّ :

طليعةُ قوم أو خَمَيسٍ عَرمرَمٍ

كسَيْل الأتيِّ ضَمَّه القُذُفانِ

والمقذَّف : الملعَّن في بيتِ زهَير :

لدَى أَسَدٍ شاكِي السلاح مقذَّفٍ

له لِبَدٌ أظفارةُ لم تُقلَّمِ

وقيل : المقذَّف الذي قد رُمِي باللحم رَمْياً فصار أغلبَ.

ويقال : بينهم قذِّيفَى ، أي : سِباب ورَمْيٌ بالحجارة أيضاً.

ق ذ ب

استُعمِل من جميع وجوهه : بذق.

بذق : أبو عبيد عن الأحمر : رجل حاذِقٌ : باذقٌ.

وقال شمر : وسئل ابن عباس عن الباذَق فقال : سَبَقَ محمد الباذَق وما أَسْكَر فهو حَرام.

قال أبو عبيد : الباذَق كلمةٌ فارسيّة عُرّبت فلَم نَعرِفها.

ومما أُعرِب البَياذقة للرّجَّالة ؛ ومنه بَيْذَق الشِّطْرنج. وحذَف الشاعر الياء فقال :

٧٦

وللشَّرّ سُوَّاقٌ خِفافٌ بُذُوقُها

أراد : خِفافٌ بَياذِقُها ، كأنه جَعَل البَيْذَقَ بَذْقاً ؛ قال ذلك ابن بُزُرْج.

ق ذ م

قذم ، مذق : [مستعملة].

قذم : ثعلبٌ عن ابن الأعرابي : القُذُم : الآبَار الخُسُف ، واحدها قَذُوم.

قال : والقُذُم والقُثُمُ : الأسخياء.

أبو عبيد عن الأصمعي قال : قَذَمْتُ له من العطيّة وقَثَمْتُ ، وغَذَمْتُ له وغَثَمْتُ : إذا أكثرتَ.

أبو عبيد عن أبي عمرو : القِذَمُ : الرجل الشديد ، والقِذَمّ أيضاً : السريع.

يقال : انقَذِمْ في حاجتك ، أي : أسرعْ.

وقال ابن شميل : القِذَمُ : السيِّد الرغيبُ الخُلُق ، الواسِع البَلْدة.

وقال غيره : قَذِم من الماء قُذْمة ، أي : جَرِعَ جُرْعة.

وقال أبو النجم :

يَقْذَمْنَ جَرْعاً يَقْصَعُ الغلائلا

والقَذِيمة : قِطعة من المال يُعطيها الرجل ، وجَمعُها قَذائم.

مذق : أهمله الليث.

وقال أبو عبيد : قال الأصمعيّ : إذا خُلط اللبنُ بالماء فهو المَذِيق ؛ ومنه قيل : فلانٌ يَمْذُق الوُدَّ : إذا لم يُخْلِصْه ؛ وهو المَذْقُ أيضاً.

وأنشد :

ويَشرَبُه مَذْقاً ويسْقِي عِيالَه

سَجَاجاً كأَقراب الثَّعالب أوْرقَا

وقال غيره : الماذَقَةُ في الوُدّ : ضِدّ المُخَالَصة.

ورجل مَذّاقٌ : كَذُوب.

ابن بزرج : قالت امرأة من العرب : امَّذَق. فقالت لها الأخرى : لم [لا](١) تقولين امتذق؟.

فقال الآخر : والله إني لأحبُّ أن تكون ذَمَلَّقِيّة اللسان ، أي فصيحة اللسان.

أبواب القاف والثاء

ق ث ر

قرث ، قثر ، ثقر.

قثر : أهمله الليث.

وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي قال : القَثَرة : قُماش البيت ، وتصغيرها قُثَيْرَة ، واقتثرْتُ الشيءَ.

قرث : قال الليث : القَرِيثاء : ضَرْبٌ من التمر ، وهو أسود سريع النَّفْض لِقشره عن لحائه إذا أرْطَب. وهو أَطيَبُ تَمْرٍ بُسْراً.

__________________

(١) زيادة عن «اللسان» (مذق).

٧٧

وقال أبو زيد : هو القَرِيثاء والكَرِيثاء ، لهذا البُسْر.

قال اللَّحياني : تَمرٌ قَرِيثاءُ وقَراثاءُ ، ممدودان.

ثقر : قال الليث : التَثَقُّر : التردُّد والجَزَع.

وأنشد :

إذا بُليتَ بقِرنٍ

فاصبِر ولا تَتَثَقَّر

ق ث ل

قثل ، ثقل ، لثق ، لقث : [مستعملة].

ثقل : روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنَّه قال في مرضه الذي مات فيه : «إني تارِكٌ فيكم الثَّقَلَين : كتابَ الله وعِتْرتي ، ولن يفترقا حتى يرِدَا عليَّ الحوضَ» ، فسَّر النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم الثَّقَلين فجعلهما كتاب الله جلّ وعزّ وعِترته عليه‌السلام ؛ وقد فسّرت العِتْرة فيما تقدّم وهم جماعةُ عشيرته الأدْنَوْن.

وقال أبو العباس أحمد بن يحيى : سُمِّيا ثَقَلين لأنَّ الأخْذ بهما ثقيل ، والعَمَل بهما ثقيل.

وأصل الثَّقَل أنّ العَرَب تقول لكلِّ شيء نفيس مَصُون : ثَقَل ، وأصلُه في بَيض النعام المَصُون.

وقال ثعلبة بن صُعَيْر المازنيّ يَذكر الظَّليم والنعامة :

فتَذكَّرا ثَقَلاً رئيداً بَعدَ ما

ألقَتْ ذُكاءُ يَمينها في كافِرِ

ويقال للسيّد العزيز : ثَقَلٌ ، من هذا.

وسَمَّى الله جل وعز الجنَّ والإنس الثَّقَلَين فقال : (سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (٣١)) [الرحمن : ٣١] سُمِّيا ثَقَليْن لتفضيل الله إيَّاهما على سائر الحيوان المخلوق في الأرض بالتمييز والعقل الذي خُصَّا به.

وقال ابن الأنباري : الثَّقلان : الجن والإنس ، قيل لهما الثَّقلان لأنهما كالثقل للأرض وعليها.

قال : والثّقَل بمعنى الثِّقل ، وجمعهما أثقال. ومجراهما مجرى قول العرب : مِثل ومَثَل ، وشِبه وشَبَه ، ونَجْس ونَجَس.

وقال في قول الله : (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٢)) [الزلزلة : ٢] ، معناه : ما فيها من كنوز الذهب والفضة.

قال : وخروج الموتى بعد ذلك.

ومن أشراط الساعة أن تقيء الأرضُ أفلاذَ كبدها ، وهي الكنوز.

وكانت العرب تقول : الفارسُ الشُّجاع ثِقْل على الأرض ، فإِذا قتل أو مات سقط به عنها ثِقْل. وأنشد :

دِحلَّت به الأرض أثقالها (١)

__________________

(١) البيت للخنساء كما في «اللسان» (ثقل) ، وهو بتمامه :

أبعد ابن عمرو من آل الشر لـ

دِحلَّت به الأرض أثقالها

٧٨

أي : لما كان شجاعاً سقط بموته عنها ثقل.

وقيل معناه : زينت به موتاها ، من الحلية.

وقال الله جل وعز : (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (٥)) [المزمل : ٥] ، يعني : الوحيَ الذي أنزلَ اللهُ على نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، جَعَلَه ثقيلاً مِن جهة عِظَم قُدْرِه ، وجلالة خَطَره ، وأنَّه ليس بسَفْسافِ الكلام الذي يُستخفّ به فكلُّ شيء نفيسٍ وعِلْق خَطير فهو ثَقَل وثَقيل وثاقِل ، وليس معنى قوله (ثَقِيلاً) بمعنى الثّقيل الذي يَستثْقله الخَلْق فيتبرَّمون به.

وجاء في التفسير في قوله : (قَوْلاً ثَقِيلاً) أنَّه يثْقُل العملُ به ، وأنَّ الحرام والحلال والصَّلاة والصِّيامَ ، وجميع ما أقر الله أن يُعمَل به لا يؤدِّيه أحدٌ إلَّا بتكلُّف ما يثقُل.

والقولُ هو الأوّل.

وقال الزجاج : يجوز على مذهب اللغة أن يكون معناه أنه قولٌ له وزنٌ في صحته وبيانه ونَفْعِه ، كما تقول : هذا كلامٌ رَصِين ؛ وهذا قولٌ له وَزْن ، إذا كنتَ تستجيده وتَعلمُ أنّه قد وقعَ موقع الحِكمة والبيان.

وقال الليث : الثِّقل : مَصْدَر الثقيل ، تقول : ثَقل الشيءُ ثِقلاً فهو ثَقيل. والثِّقل : رجْحَان الثقيل. والثَّقل : مَتَاعُ المسافِر وحشَمُه ، والجميع الأثقال.

قال : والمثقال : وَزْنٌ معلومٌ قدرُه ، ومِثقال الشيء : ميزانُه مِن مِثله.

وقال الله جلَّ وعزَّ : (يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ) [لقمان : ١٦] ، الآية.

قال الفراء : يجوز نصب المثقال ورفعُه ، فمن رَفَعه رَفَعَه بـ «تكنْ» ، ومَنْ نَصَب جعل في «تكُن» اسماً مُضمراً مجهولاً ، مِثل الهاء التي في قوله : (إِنَّها إِنْ تَكُ).

قال : وجاز تأنيث «تكن» ، والمثقال ذكر ، لأنه مضاف إلى الحَبّة والمعنى للحبَّة ، فذهب التأنيثُ إليها ، كما قال الأعشى :

كما شرِقَتْ صَدْرُ القَناة مِن الدَّمر

وقال ابن السكّيت : يقال : هذا شيءٌ ثقيل ، وهذه امرأةٌ ثَقَال ، وهذا شيء رَزِين ، وهذه امرأةٌ رَزَانِ ، أي : رَزِينةٌ في مجلسها.

وقال الفراء في قوله : (وَلَيَحْمِلُنَ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) [العنكبوت : ١٣] ، يعني : أوزارَهم وأوزارَ من أضَلُّوا ، وهي الآثام.

وقال في قوله : (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٢)) [الزلزلة : ٢].

قال : لفَظت ما فيها مِن ذهبٍ أو فضَّة أو مَيْت. وقيل معناه : أخرجَتْ مَوْتاها.

وقال الفراء في قوله : (وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) [فاطر : ١٨].

يقول : إنْ دَعتْ نفسٌ داعيةٌ أَثقلْتها ذنوبُها

٧٩

إلى حَمْلها ، أي : إلى ذُنوبها ، ليُحمَل عنها شيء مِن الذُّنوب لَم تجِد ذلك ، وإن كان المَدْعُوّ ذا قُرْبى منها.

أبو عبيد عن الكسائي : الثَّقِيلةُ : أثقال القوم ، بكسر القاف وفتح الثاء ، وقد تُخفَّف فيقال : الثَّقْلَة.

قال : والثّقْلة : ما وجد الإنسانُ من ثِقَل الطعام.

وقال الأصمعيّ : يقال : أعْطِه ثِقْلَه ، أي : وَزْنَه.

ويقال : ثَقَلْتُ الشاةَ وأنا أثقُلها ثَقْلاً : إذا رفَعتَها لِترزُنها.

ويقال دينارٌ ثاقل إذا كان لا ينقُص ، ودنانِيرُ ثَواقِل ، ويقال : أَلقَى عليَ مَثاقِيله ، أي : مُؤنَهُ.

وقال الليث : امرأةٌ ثَقالٌ : ذاتُ كَفَل ومآكِم.

قال : والثّقَلة : نَعْسةٌ غالبةٌ. والمُثْقل من النساء : التي قد ثَقُلت مِن حَمْلِها.

قال : والمُثقَل : الذي قد أثقَله المرض ، والمستثقل : الذي قد استثقَلَ نَوْماً.

قال : والمستثقَل : الثقيل مِن الناس ، والتثاقُل : التباطُؤ من التحامُلِ في الوطْء ، يقال : لأطَأَنّه وَطْء المتثاقل.

وقال أبو نصر : يقال : أصبح فلانٌ ثاقلاء ، أي : أثقله المرض.

وقال لبيد :

رأيتُ التُّقَى والحمدَ خيرَ تجارَةٍ

رَباحاً إذا مَا المرءُ أصبَحَ ثاقِلا

أي : أدنَفَه المَرَض.

قثل : أهمله الليث.

وروى أبو عبيد عن أبي زيد : رَجُل قِثْوَلٌ ، وهو العَييُّ الفَدْم.

وأنشدنا :

لا تجعَلَني كفَتًى قِثْوَلِ

رَثٍّ كحَبْل الثَّلّة المبْتَلِ

ويقال : أعطيتُه قِثْوَلًّا من اللحم ، أي : بَضْعَةً كبيرةً بعظامها.

وأخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم قال : قال لي أبو ليلى الأعرابيّ ولصاحبٍ لي كنّا نختلف إليه : «أنت بُلْبُلٌ قُلْقُل ، وصاحبُك هذا حِثْوَلٌ قِثْوَل».

قال : والقُلقُل والبُلبُل : الخفيف من الرجال. والعِثْوَلّ القِثْوَلُ : الثقيل الفَدْم.

لثق : قال الليث : اللَّثَقُ : مصدر الشيء الذي قد لَثِق يَلْثق لَثَقاً كالطائر الذي يَبْتَلّ جَناحاه من الماء.

قال : واللّثَق : ماءٌ وطينٌ يختلطان.

وقال غيره : لثّقْتُه تلثيقاً : إذا أفسدْتَه.

وقال ابن دريد : اللَّثَقُ : النَّدَى والحَرّ ، مثل الوَمَد.

لقث : أهمله الليث.

وقال ابن دريد : لقَثْتُ الشيءَ لَقثاً : إذا

٨٠