تهذيب اللغة - ج ٩

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ٩

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥١

سِكَك البريد.

وقال الشماخ :

حَنّتْ على سِكة السَّارِي فجاوَبَها

حَمامةٌ مِن حمامٍ ذاتُ أطواق

أي : على طريق الساري ، وهو موضع.

وقال العجاج :

نَضْرِبهم إذا أَخَذوا السَّكائكا

يريد : الطُّرُق.

وسَكَّاء : اسم قريةٍ في شعر الراعي يصف إبلاً له :

فلا رَدّها رَبِّي إلى مَرْج راهِط

ولا أصبحتْ تمشِي بسَكَّاءَ في وَحْلِ

أبو زيد : رجل سُكاكة ، وهو الذي يمضي لرأيه ولا يشاوِرُ أحداً ولا يُبالي كيف وقع رأيُه. حكاه ابن السكيت عنه.

وقال اللِّحياني : هو اللُّوحُ والسُّكاك والسُّكاكة للهواء بين السماءِ والأرض.

والسكاسِك : مِن أحياء اليمن ، والنسبة إليهم سَكْسَكِيّ.

وسمعتُ أعرابيّاً يصف دَحْلاً دَحَله فقال : ذهب فَمُه سَكّاً في الأرض عَشر قِيم ثم سَرَّب يميناً ، أراد بقوله سَكّاً ، أي : مستقيماً لا عِوَج فيه.

وقال ابن شميل : سَلْقَى فلان بناءه ، أي : جعَلَه مستلقياً ولم يَجعله سَكّاً.

قال : والسُّكّ : المستقيم مِن البناء والحفْر كهيئة الحائط.

واستكَّتْ مسامِعه : إذا صَمَّ. ويقال : ما استَكَ في مَسامِعي مثله ، أي : ما دخل.

عمرو عن أبيه : سَكّ بسَلْحِه وزَكَّ : إذا رَمَى به يزُكُّ ويسُكّ.

ثعلب عن ابن الأعرابي : السُّك : لؤمُ الطبْع ، يقال : هو بِسُكِ طبعه يفعل ذاك.

قال : وسَكَ : إذا ضَيّق ، وسَكَ : إذا لَؤُمَ.

وقال أبو عمرو : السِّكة والسِّنة : المأْنُ الذي يحرث به الأرض.

وقال ابن شميل : ما سَكَ سَمْعي مثلُ هذا الكلام ، أي : ما دخل سمعِي.

باب الكاف والزاي

[كز]

كز ، زك.

كز : قال الليث : الكزازة : اليبس والانقباض ، رجلٌ كزٌّ : قليل الخير والمُواتاة بيِّن الكزَز.

وأنشد :

أنت للأَبعَدِ هَيْنٌ لَيِّنٌ

وعلى الأقرب كزٌّ جافي

وخشَبةٌ كَزَّةٌ : إذا كان فيها يُبس واعوجاج.

وذهَبٌ كَزٌّ : صُلْبٌ جداً. ويقال للشيء إذا جعلتَه ضيِّقاً كزَزتُه فهو مَكْزُوز.

وأنشد :

٣٢١

يا رُبَّ بيضاء تكُزّ الدُّمْلَجا

تزوّجتْ شَيخاً طُوالاً عَنْشَجا

قال : والكُزاز : داء يأخذ مِن شِدّة البَرْد ، والعَفْز تعتري من الرِّعدة. رجلٌ مكزُوز.

أبو زيد : كُزّ فهو مكْزوز ، وقد أكزَّه الله ، وهو تشنج يصيب الإنسانَ من برد شديد وخروج دَمٍ كثير.

عمرو عن أبيه : الكَزَز : البُخْل.

وقال ابن الأعرابي : الكزَّاز : الرِّعدة من البَرْد. والعامة تقول كُزَازَ.

ابن شميل : من القسِيّ الكَزَّة ، وهي الغليظة الأزَّة الضيِّقةُ الفَرْج. والوطيئة أكزُّ القِسِيّ.

زك : ثعلب عن ابن الأعرابي : زُكَ : إذا هَرِم ، وزُكَ : إذا ضَعُف من مَرَض.

عمرو عن أبيه : الزَّكيك : مَشْيُ الفِراخ.

والزَّوْك : مشي الغراب.

أبو نصر عن الأصمعي : الزَّكيك : أنْ يقارب الخَطو ويُسرع الرّفْع والوَضْع ، يقال : زَكَ يَزُك زكيكاً.

وقال أبو زيد زَكْزَك زَكْزكة ، وزَوْزَى زَوْزاةً ، ووَزْوَزَ وَزْوزةً ، وزاكَ يَزُوك زَوْكاً وزاك يَزِيك زيكاً ، كلُّه مَشْيٌ متقارب الخَطْو مع حركة الجسد.

وقال غيره : يقال : أخذَ فلانٌ زِكَّتَه ، أي : سلاحه ؛ وقد تَزكَّكَ تَزكُّكاً : إذا أخذ عُدَّته.

وفي «النوادر» : ورجل مُصِكٌ مُزِكٌ ومُغِدّ ، أي : غضبان. وفلانٌ مِزَكٌ وزاكٌ ومِشَكٌّ ، وهو في زِكيّة وشِكيَة ، أي : في سِلاحِه.

وزُكُ الفاختة : فرخُها.

باب الكاف والدال

[كد]

كد ، دك : [مستعملان].

كد : قال الليث : الكدّ : الشدة في العمل ، وطلب الكسب.

يقال : هو يَكُدُّ كَدّاً ، والكد : الإلحاح في الطلب والإشارة بالأصابع. وأنشد : وحُجْتُ ولم أكددكم بالأصابع أبو عبيد عن الأصمعيّ : الكُدادة ما بَقِي في أسفل القِدر.

قلت : إذا لَصِقَ الطبيخُ بأسفل البُرمة فكَدّ بالأصابعِ فهو الكُدادة.

وسمعتُ أعرابياً يقول لعَبْدٍ له : لأكُدّنّك كَدَّ الدَّبرِ ، أراد أنه يُلِحّ عليه فيما يكلّفه من العمل الواصب إلحاحاً يُتعِبُه ، كما أنَّ الدَّبِرَ إذا حُمِل عليه ورُكب أتعَبَ البعير.

عمرو عن أبيه : الكُدُد : المجاهِدون في سبيل الله.

قال : وكَدَّدَ الرجلُ : إذا ألقى الكَدِيد بعضَه على بعض. وهو الْجَريش من المِلح.

قال : ويقال : كَدْكَدَ الرجل ، وكتكتَ وكَركَر ، وطَخطخ ، وطَهْطَه ، كلُّ ذلك إذا

٣٢٢

أفرط في ضحكه.

وقال الليث : الكَدكَدة : ضَرْب الصَيْقل المِدْوَسَ على السَّيف إذا جلاه.

والكَدكَدة : شدّة الضحك ، وأنشد :

ولا شديدٍ ضحْكُها كَدْكادِ

حَدادٍ دونَ سِرِّها حَدادِ

قال : والكديد : موضع بالحِجاز.

والكديد : التُّراب الدِّقاق المُركَّل بالقوائم.

وقال امرؤ القيس :

مِسحٍّ إذا ما السانحاتُ على الوَنَى

أثَرْن الغُبارَ بالكديد المركَّلِ

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : الكَديد : صوتُ المِلح الجَريش إذا صُبَّ بعضُه على بعض. والكديد : ترابُ الْحَلْبَةِ.

وقال شمر : الكَدِيد : ما غَلُظ من الأرض.

قال : وقال أبو عبيدة : الكديد من الأرض : البطنُ الواسع خُلِقَ خَلْقَ الأودية أو أوسع منها.

ابن شميل : كَدْكَدَ عليه ، أي : عَدَا عليه ، وكَدكَد في الضَّحِك. وأكَدَّ الرجلُ واكتَدّ : إذا أَمسَكَ.

وفي «النوادر» : كَدَّني وكَدَّدَني وكَدْكَدَني وتكَدَّدني وتكرَّدني ، أي : طردني طرداً شديداً.

دك : قال الله جل وعز : (فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً) [الحاقة : ١٤].

قال الفراء : دكّتا : زُلزِلَتا.

قال : ولم يقل فدُكِكن لأنَّه جعَل الجبال كالواحدة ، ولو قال : فدُكَّت دكّةً واحدة لكان صواباً.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : قال : دُكّ : هُدِم ودَكَ : هَدَم.

قال : والدُّكَك : القِيزان المنهالة.

والدُّكَك : الهِضاب المفسّخة. والدُّكُك : النُوق المنفضخة الأسنمة.

وقال الليث : الدكّ : كَسر الحائط والجبل.

ويقال : دكّتْه الحُمَّى دَكّاً.

وأخبرني المنذريّ عن الصَّيداوي عن الرياشيّ عن الأصمعيّ ، قال : الدكّاوات من الأرض ، الواحدة دَكّاء ، وهي رَوابٍ مشرِفةٌ من طِين فيها شيء من غِلظ.

وقال الله جلّ وعزّ : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ) [الكهف : ٩٨](١).

أخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى أنه قال : قال الأخفش في قوله : جعَله دكّاً بالتنوين ، كأنَّه قال : دَكّه دَكّاً ، مصدرٌ مؤكِّد.

قال : ويجوز جعلُه أرضاً ذات دَكّ ، كقوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢].

قال : ومن قرأها : (دَكَّاءَ) ممدوداً أراد

__________________

(١) في المطبوع : «حتى إذا جاء وعد ...» الآية. كذا.

٣٢٣

جعله مثل دَكّاء ، وحذف مِثل.

قال أبو العباس : ولا حاجةَ به إلى مِثل ، وإنما المعنى جعل الجبل أرضاً دكّاء واحداً.

وقال الأخفش : ناقة دَكّاء : إذا ذهَب سَنامُها.

قال : وتُجمع الدَّكَّاء من الأرض دكَّاوات ودُكّاً ، مثل حَمْراوات وحُمر.

قال : وأفادني ابن اليزيديّ عن أبي زيد : جعله دَكّاً.

قال المفسّرون : ساخَ في الأرض فهو يذهب حتَّى الآن. ومن قرأ : (دَكَّاءَ) على التأنيث فلتأنيث الأرض ، جعلها أرضاً دَكَّاءَ.

عمرو عن أبيه : الدَّكِيك : الشهر التامّ.

وقال الليث : أقمتُ عنده حَوْلاً دَكِيكاً ، أي : تامّاً.

ابن السكّيت : عامٌ دَكِيك ، كقولك : عامٌ كَرِيتٌ ، أي : تامّ.

أبو عبيد عن الأصمعي : الدَّكداك من الرمل : ما التَبَدَ بعضُه على بعض ، والجميع الدّكادِك.

وكتب أبو موسى إلى عمر : إنّا وجدنا بالعِراق خَيْلاً عِراضاً دُكاً ، فما يَرَى أمير المؤمنين في إسْهامِها؟.

يقال : فَرَس أَدَكُ وخَيْلٌ دَكٌ : إذا كان عريضَ الظهر قَصيراً ، حكاه أبو عبيد عن الكسائيّ.

قال : ويقال للجَبَل الذَّليل : دُكّ ، وجمعُه دِكَكة.

ويقال : تَداكَ عليه القومُ : إذا ازدَحموا عليه.

وقال أبو زيد : دككْتُ الترابَ عليه أدكّه دكّاً : إذا هِلْتَه عليه في قَبره.

وقال الكسائيّ : أَمَةٌ مِدكّة ، وهي القويَّة على العَمَل. ورجلٌ مِدَكٌ : شديد الوَطءِ على الأرض.

وقال الليث : اختلفوا في الدّكّان فقال بعضهم : هو فُعْلان من الدَّكّ.

وقال بعضهم : هو فُعّالٌ من الدَّكْن.

أبو عمرو : دَكَ الرجلُ جاريتَه : إذا جَهَدَها بإلقائه ثِقْله عليها إذا خالَطَها.

وأنشد أبو بكر الإياديّ :

فقدتُكَ من بَعْلٍ عَلَام تَدُكُّني

بصَدْرِك لا تُغْني فَتيلاً ولا تُعْلي

باب الكاف والتاء

كت كت ، تك : مستعملان.

كت : قال أَبو عبيد : قال أَبو زيد : كتّت القِدْر تَكِتُ كَتيتاً : إذا غَلَتْ ؛ وكذلك الجَرّة وغيرها.

أَبو عبيد عن الأصمعيّ : إذا بلغ الذَّكر من الإبل الهَديرَ فأوّله الكَشيش ، فإِذا ارتفع

٣٢٤

قليلاً فهو الكتيت.

وقال الليث : يَكِتّ ثم يَكِشّ ثم يَهدِر والصواب ما قال الأصمعيّ.

سلمة عن الفراءِ : الكُتّة : شَرَطُ المال وقَزَمُه ، وهو رُذَاله.

تك : ثعلب عن ابن الأعرابيّ : تُكَ الشيءُ : إذا قُطِع. وتَكَ الإنسان : إذا حَمُق.

قال : والتُّكَّكُ والفُكَّكُ : الحَمْقَى والقُيَّق.

أبو عبيدٍ عن الكسائيّ : هو أحمقُ فاكٌ تاكٌ وتائكٌ. والتِّكّة : تِكّة السَّراويل.

[بقية باب كت :]

أَبو عبيد عن الأصمعي : أَتَانَا في جيش ما يُكتُ ، أَي : ما يعلم ما عددُهم ولا يحصى.

وقال أبو الحسن اللِّحياني : سمعت أعرابياً فصيحاً قال له رجل : ما تَصنَع بي؟ قال : ما كَتَّك وعظَاك وأورَمك وأرغَمَك ، قال : ومعناها واحد.

أبو عبيد عن الأحمر : كتكتَ فلانٌ بالضحك كَتْكَتة ، وهو مثل الخَنين.

وقال أبو سعيد : الكَتيت : الرجل البخيل السيء الخُلُق المغتاظ.

وهكذا قال الأصمعي ، وأنشد لبعض شعراء هذيل :

تَعَلَّمْ أنّ شرَّ فَتَى أناسٍ

وأوضَعَه خُزاعيٌ كتيتُ

إذا شَربَ المُرِضّةَ قال أَوْكِي

على ما في سقائك قد رَويتُ

عمرو عن أبيه : هي الكَيتيّة واللَّوِية ، والمعصودة ، والضَّويطَة.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : جيشٌ لا يُكت ، أي : لا يُحصَى ولا يُسْهَى ، أي : ولا يُحزَر ، ولا يُنكَف ، أي : لا يُقطَع.

يقال : كُتَّني الحديث وأكتَّنِيهِ وفُرَّني وأفِرَّنيهِ ، أي : أَخبرنيه كما سمعته. ومثلُه قُرَّني وأقِرَّنيه وقُذَّنيه.

وتقول ؛ اقترَّه منِّي يا فلان واقتذّه واكتَتَّه ، أي : اسمعْه منِّي كما سمعتُه.

[باب الكاف والظاء

كظ]

استعمل من وجوهه : كظ.

كظ : قال الليث : يقال : كَظّه يَكُظّه كِظّةً ، معناه : غمّه من كثرة الأكل.

وقال الحسن : أخذَتْه الكِظّة فقال لجاريته : هاتي هاضُوماً.

قال الليث : الكَظكَظَة : امتلاءُ السِّقاءِ : إذا ملأتَه ، والكِظاظ في الحرب : الضيِّق عند المعركة.

وقال غيره : الكظيظ : الزحام. يقال : رأيت على بابه كظيظاً.

وفي حديث جاء في ذكر باب الجنَّة :

٣٢٥

«يأتي عليه زمانٌ وهو كظيظ».

قال أبو نصر : كظظت السقاء : إذا ملأته.

وسِقاءٌ مكظوظ وكظيظ.

ويقال : كظظت خَصْمي أَكُظّه كَظّاً : إِذا أَخذتَ بكظَمِه وأَفحمتَه حتَّى لا يجد مَخرجاً يخرج إليه.

وفي حديث الحسَن أنه ذكر الموتَ فقال : غَنْظٌ ليس كالغنط وكظُّ ليس كالكظ ، أي : همٌّ يملأ الجوف ليس كالكظ ولكنه أشدّ.

وكظّه الشرابُ ، أي : ملأه ؛ وكظ الغيظُ صدره ، أي : ملأه ، فهو كظيظ.

ابن الأنباريّ : كظّني الأمرُ ، أي : ملأني همُّه. واكتظَّ الموضع بالماء ، أي : امتلأ.

وقال رؤبة :

إنا أَناسٌ نلزم الحِفَاظَا

إذْ سئمت ربيعةُ الكِظَاظَا

أي : ملَّت المكاظة ، وهي هاهنا القتال وما يملأ القلبَ من همِّ الحرب.

واكتظَّ الوادي بثجيج السماء ، أي : امتلأ بالماء. ومَثَلٌ للعرب : ليس أخُو الكِظاظ من يسأمه ، يقول : كاظّهم ما كاظوك ، أي : لا تسأمهم أو يسأموا. ومنه كِظاظ الحرب ، قال :

إذْ سئمتْ ربيعةُ الكِظاظا

والكِظّة : غمٌّ وغِلْظة يجدها في بطنه وامتلاءٌ.

[باب الكاف والذال]

كذ كذ : مستعمل.

كذ : قال الليث : الكَذَّان : حجارةٌ كأنها المَدَر فيها رَخاوة ، وربما كانت نخرة ، والواحدة كَذَّانة. قال : وهي فَعَّالة.

أبو عبيد عن أبي عمرو : الكَذَّان : الحجارة التي ليست بصُلْبة.

وقال غيره : أكذّ القوم إكْذاذاً : إذا صارُوا في كَذَّانٍ من الأرض.

[باب الكاف والثاء]

كث استعمل منه : كث.

كث : في صفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أَنَّه كان كثَ اللحية.

قال شمر : أَراد كَثرة أُصولها وشعورها ، وأَنها ليست برقيقة.

وقال الليث : الكَثّ والأكَثّ نعتُ كثيثِ الحية ، ومصدرُه الكُوثَة.

وقال أبو خيرة : رجل أكَثّ ولحيةٌ كَثّاء بيِّنةُ الكَثَث ، والفِعل كَثَ يَكِثّ كُثُوثة.

وقال : والكَثكَث والكِثكِث : دُقاق التراب. ويقال : بفيه الكُثكَث.

وقال أبو خيرة : من أسماء التراب الكَثكَث وهو التُّراب نفسُه ، والواحدة بالهاء ، ويقال : الكَثاكِث.

٣٢٦

وقال الكسائي : الحِصْحِص والكَثكَث : كلاهما الحجارة.

وقال رؤبة :

ملأتُ أفواهُ الكِلابِ اللُّهَّثِ

مِن جَندلِ القُفِّ وتُرْب الكَثكَثِ

وروى عن ابن شميل أنه قال : الزِّرِّيع والكاث واحد ، وهو ما ينبت ممَّا يتناثر من الحصيد ، فينبت عاماً قابلاً.

قال الأزهريّ : لا أعرف كرك الكاثّ.

[باب الكاف والراء]

كر كر ، رك ، كرك : مُستعملان.

كر : قال الليث : الكَرّ : الحَبل الغليظ.

شمر عن أبي عبيدة : الكَرُّ من اللِّيف ، ومن قِشر العَراجين ، ومن العَسيب.

أبو عبيد عن أبي زيد : الكَرّ : الذي يُصعَد به على النَّخل ، وجمعُه كُرور ، ولا يسمَّى به غيره من الحِبال.

قلت : وهكذا سماعِي من العرب في الكرّ ، ويُسَوَّى مِن حُرِّ اللِّيف الجيّد ؛ وقال الراجز :

كالكَرّ لا شَخْتٌ ولا فيه نَوَى

وَجعل العَجّاج الكَرَّ جَبْلاً يُقاد به السُّفُن على الماء فقال :

جذبُ الصَّرارِيَّيْن بالكُرُورِ

والصَّراري : المَلّاح.

الحراني عن ابن السكّيت : الكَرُّ : مصدَرُ كرّ يَكِرّ كَرّاً. والكَرُّ : الحَبل الذي يُصعَد به النخلُ. والكَرّ : حَبلُ شِراعِ السَّفينة.

قال : والكَرّ : الحِسْيُ ، وجمعُه كِرَار.

ويقال للحِسْي كُرٌّ أيضاً ؛ وقال كثيّر :

به قُلُبٌ عاديّةٌ وكِرار

وقال الليث : الكَرُّ : الرجوعُ على الشيء ، ومنه التَّكرار.

وقال ابن بُزرج : التَّكِرَّة بمعنى التكرار ، وكذلك التَّسِرَّة والتَّضِرّة والتَّدرّة.

الأصمعيّ : الكُرّة : البعر. وقال النابغة يصف الدُّروع :

عُلِين بِكدْيَوْنٍ وأبِطنَ كُرّة

فهنّ وِضاءٌ صافيات الفَلائلِ

ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال : كَرّ يَكِرّ مِن كَرِير المختنِق. وكرّ على العَدُوّ يكُر.

أبو عبيد : الكَرِير : مِثل صوت المختنِق المجهود. قال الأعشى :

فأهلي الفِداءُ غداةَ النِّزال

إذا كان دَعوَى الرِجالِ الكَريرا

وقال أبو الهيثم : كَرَّ يكرُّ كَرِيراً : إذا حَشْرج عند الموت ؛ فإذا عَدَّيْتَه قلت : كَرَّه يكرُّه : إذا رَدّه.

أبو عبيد عن أبي عمرو قال : الكركرْة : صوتٌ يُردِّده الإنسان في جوفه.

وقال الليث : الكَرُّ : مِكيالٌ لأهل العراق.

قلت : الكَرّ : ستّون قفيزاً ، والقفيز : ثمانية

٣٢٧

مَكاكيك ، والمَكُّوك : صاع ونصف ، وهو ثلاثُ كِيلَجات.

قلت : والكُرُّ على هذا الحِسابِ اثنا عشر وَسْقاً ، كلُّ وَسْق ستُّون صاعاً.

ابن الأعرابي : كَرْكَرَ في الضَّحِك كَرْكَرةً : إذا أَغْرَب. وكَرْكَر الرَّحَى كَرْكَرةً : إذا أدارها.

أبو عبيد عن الفراء : عكَكْته أعُكُّه ، وكرَرْتُه مِثله.

وقال شمر : الكَرْكَرة مِن الإدارة والترديد.

قال : وهو مِن كَرَّ ، وكَرْكَرَ. قال : وكَرَكَرة الرَّحى : تَردادُها.

قال : وأَلَحَّ أعرابي عليَّ بالسّؤال فقال : لا تُكَرْكِروني.

أراد : لا تردُّوا عليَّ السُّؤالَ فأغلَط.

وكركر الضاحك ، شبِّه بكركرةِ البعير ، إذا ردَّد صوته.

وروي عن عبد العزيز عن أبيه عن سهل بن سعد أنه قال : كنّا نفرح بيوم الجمعة ، وكانت عجوزٌ لنا تبعث إلى بُضاعَة فتأخذ من أصول السِّلق فتطرحه في قدر ، وتكركر حبّاتٍ من شعير ، فَكنَّا إذا صلَّينا انصرفْنا إليها فتقدِّمه إلينا ونفرح بيوم الجمعة من أجلها.

قال القَعنبيُّ : تكركر ، أي : تطحن ، وسميت كركرة لترديد الرَّحَى على الطَّحن.

قال أبو ذؤيب :

إذا كركرته رياحُ الجنوبِ

ألقحَ منها عجافاً حيالا

قال الليث : الكِرْكرة : رحى زَوْر البعير ، وجمعُها كَرَاكِر. قال : والكَراكِر : كرادِيس الخيْل. وأنشد :

نحنُ بأرض الشرقِ فينَا كَراكِرٌ

وخيلٌ جِيادٌ ما تَجِفّ لُبودُها

قال : والكَركَرة : تصريف الرِّيح السَّحابَ : إذا جمعْته بعد تفرُّق. وأنشد :

تكركِرُه الجَنائب في السِّدادِ

ويقال : كَرَّرتُ عليه الحديثَ وكركرْتُه : إذا ردَدته عليه ، وكَرْكَرتُه عن كذا كَرْكَرَةً : إذا ردَدْتَه.

وفَرَسٌ مِكَرٌّ مِفَرٌّ : إذا كان مؤَدَّباً طيِّعاً : إذا انعطف انعطف مسرِعاً ، وإذا أراد راكبُه الفِرارَ عليه فرَّ به.

وقال الليث : الكرير : بُحَّةٌ من الغُبار.

والكِراران : ما تحت المِبركة من الرَّحْل.

وأنشد :

وَقَفْتُ فيها ذاتَ وجهٍ ساهمٍ

سَجْحاءَ ذاتَ مَحزِمِ جُراضِم

تُنْبِي الكِرارَيْن بصُلْبٍ زاهمِ

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : كَركَر : إذا انهَزَم ، ورَكْرَك : إذا جَبُن.

أبو عبيد عن أبي زيد : يقال للأَدَم التي تُضَمّ بها الظَّلِفَتَان مِن الرَّحْل وتَدخل فيها أكرار ، واحدها كَرَّ. قال : والبِدادانِ في

٣٢٨

القَتَب بمنزلة الكَرّ في الرَحْل ، غير أنَّ البِدادَيْن لا يَظهران مِن قُدّامِ الظَّلِفة.

قال أبو منصور : والصواب في أكرار الرَّحل هذا لا ما قاله في الكرارين ما تحت الرحل.

رك : أبو عبيد عن الأصمعي : الرِّكُ : مطرٌ ضعيف ، وجمعُه رِكاك ، ويُجمع رَكائك.

وأنشد :

تَوضَّحْن في قَرْن الغَزالة بعدَ ما

تَرَشَّفْن دِرَّات الذِّهابِ الرَّكائك

وقال ابن الأعرابيّ : قيل لأعرابيّ : ما مَطَر أرضِك! فقال : مُركِّكَةٌ فيها ضُروسٌ وثَرْدٌ.

يذرُّ بقْلهُ ولا يقرِّح.

قال : والثَّرْدُ : المطر الضعيف.

وقال الليث : الرَّكَاكة مصدَر الرِّكيك ، وهو القليل. قال : والرَّكّ : إلزامُك الشيءَ إنساناً. تقول : رَكَكْتُ الحقَّ في عُنُقِه ، ورُكَّت الأغلالُ في أعناقهم. ورجلٌ ركِيك العَقْل : قليلُه.

اللِّحيانيّ : أركَّت الأرضُ فهي مُرِكَّة ، وأُرِكَّتْ فهي مُرَكَّة : إذا أَصابَها الرِّكاك من الأمطار. ويقال : رَكَ الرجل المرأةَ رَكّاً ، ودَكَّها دَكّاً : إذا جَهَدها في الجماع.

قالت خِرْنِقُ بنت غبغبة تهجو عبد عمرو بن بشر :

أَلَا ثكلتكَ أُمُّكَ عبدَ عمرو

أبا الخزيات آخيتَ الملوكا

هُم ركُّوك للوركين رَكّاً

ولو سألوكَ أعطيتَ البروكا

أبو زيد : رجل رَكيك ورُكاكة : إذا كُنَّ النساءُ يستضعِفنه فلا يَهْبنَه ولا يَغار عليهنَّ. وفي الحديث أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لَعَن الرَّكاك» ، وهو الذي لا يَغار من الرجال ، وأصلُه من الرَّكاكة ، وهو الضَّعف.

واسترككْته : إذا استضعفته. وقال القطاميُّ يصف أحوال الناس :

تراهمْ يَغمِزُون مَن استَرَكُّوا

ويَجتنبون مَن صَدَق المِصاعا

شمِر عن ابن شُمَيْل : الرِكُ : المكان المضعوف الذي لم يُمطَر إلّا قليلاً ؛ يقال : أرضٌ رِكٌ لم يصبْهُ مطرٌ إلّا ضعيف. ومطرٌ رِكٌ : قليل ضعيف. وأرضٌ مركَّكة ورَكيكة أصابَها رِكٌ وما بها مَرْتَعٌ إلَّا قليل.

قال شمر : وكلُّ شيءٍ قليل رقيق مِن ماء ونَبت وعَلَم فهو رَكِيك.

كرك : أبو عبيد عن أبي عمرو : الكَرِك : الأحمر. وأنشدني الإياديّ لأبي دُؤاد :

كَرِكٌ كلَوْن التِّين أحوَى يانعٌ

متراكِبُ الأكمام غير صَوادي

[باب الكاف واللام]

كل كل ، لك : مستعملان.

٣٢٩

كل : أبو العباس عن ابن الأعرابي : الكَلُ : الصَّنَم.

والكَلُ : الثقيل الروح من الناس.

والكَلُ : اليتيم.

والكَلُ : الوكيل.

وكَلَ الرجُل : إذا أُتعِبَ. وكَلَ : إذا تَوكَّلَ.

وقال الليث : الكَلّ : الرجل الذي لا وَلد له ولا والد ، وقد كلَ يَكلُ كلالةً.

والكَلُ : اليتيم.

وأنشد :

أكولٌ لمالِ الكَلِ قبلَ شَبابه

إذا كان عَظمُ الكَلِ غيرَ شديدِ

قال : والكَلّ : الذي هو عِيالٌ وثِقْل على صاحبه.

قال الله جل وعز : (وَهُوَ كَلٌ عَلى مَوْلاهُ) [النمل : ٧٦] ، أي : عِيال.

قلت : والذي أراد ابنُ الأعرابيّ بقوله : الكَلُ : الصَّنم.

قول الله جلّ وعزّ : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً) [النحل : ٧٥] ، ضَرَبه مَثلاً للصَّنم الذي عَبَدُوه ، وهو لا يقدر على شيء ، فهو كلٌ على مولاه ، لأنه يَحمله إذا ظعَن ويحوِّله من مكانٍ إلى مكانٍ إذا تحوَّلَ فقال الله : هل يَستوي هذا الصنم؟ استفهامٌ معناه التوبيخ ؛ كأَنه قال : لا تُسَوُّوا بين الصَّنم الكَلِ وبين الخالق جل جلاله.

وجاء في الحديث : «نُهي عن تقصيص القبور وتكليلها» ، رواه الدَّبَريّ عن عبد الرزاق عن يحيى بن العلاء عن الأحوص بن حكيم عن راشد بن سعد.

قال الدَّبَريّ : حكى عن البجليّ أنه قال : التكليل : رفعها ببناءٍ مثل الكِلَل ، وهي الصوامع والقِباب التي تبنَى على القبور.

وقال الله جل وعزّ : (وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ) [النساء : ١٢] ، الآية.

وقد اختلف أهل العربية في تفسير الكلالَة فأخبرني المنذرُ عن الحُسَين بن فَهم عن سَلَمة عن أبي عبيدة أنه قال : الكلالة كلُ مَن لم يَرِثْه ولدٌ أو أبٌ أو أَخٌ ونحو ذلك قال الأخفش.

وأخبرني المنذريّ عن أبي طالب عن أبيه عن الفراء أنه قال : الكلالةَ : ما خلا الوالد والولد.

قال : وسمعتُ أبا العباس يقول : الكلالة من القَرابة : ما خلا الوالد والولَد ، سُمُّوا كلالةً لاستدارتهم بنَسَب الميِّت الأقرَب فالأقرب مِن تكلّله النّسَبُ : إذا استدارَ به.

قال : وسمعتُه مرةً يقول : الكلالة مَن سَقَط عنه طرفاه ، وهما أبوه وولدُه ، فصار كَلًّا وكلالةً ، أي : عِيالاً على الأصل.

يقول : سقَطَ من الطَّرَفين فصار عِيالاً عليهم.

٣٣٠

قال : كتبتُه حِفظاً عنه.

قلتُ : وحديثُ جابر يفسِّر لك الكلالةَ وأنه الوارث ، لأنه يقول : مَرِضتُ مرضاً أشفيت منه على الموت ، فأتيتُ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلتُ : إني رجلٌ ليس يَرثُني إلّا كلالَة ، أراد أنه لا والد له ولا وَلَد.

وذكَر الله جل وعزّ : الكلالةَ في سورة النساء في موضعين : أحدهما : قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) [النساء : ١٢].

فقوله : (يُورَثُ) مِن وُرِث يُورَثُ لا من أُورثَ يُورَثُ.

ونَصَب (كَلالَةً) على الحال ، المعنى : وإن مات رجلٌ في حال تَكلُّلِه نسَب ورثَته ، أي : لا والد له ولا وَلد ، (وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ) من أمٍّ ، (فَلِكُلِ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) ، فجعل الميِّت هاهنا كلالةً ، وهو المورِّث ، وهو في حديث جابرٍ الوارث.

فكلُ من مات ولا والدَ له ولا ولد ، فهو كلالةُ وَرَثَتِه.

وكلُ وارثٍ وليس بوالد لميّتٍ ولا ولدٍ له فهو كلالةُ مَوْرُوثِه.

وهذا مستوٍ من جهة العربيّة ، موافقٌ للتنزيل والسنة ، ويجب على أهل العلم معرفتُه لئلا يلتبس عليهم ما يحتاجون إليه منه.

والموضع الثاني : مِن كتاب الله جلَّ وعزَّ في الكَلالة قوله : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ) [النساء : ١٧٦] ، الآية ، فجَعَل الكلالة هنا الأخت للأب والأُمّ ، والإخوة للأب والأمّ ؛ فجعل للأخت الواحدةِ نصفَ ما تَرَك الميْت ، وللأختين الثلثين ، وللإِخوة والأخوات جميعَ المال بينهم (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) ، وجَعَل للأخ والأخت من الأمّ في الآية الأولى الثُّلُث ، (لِكُلِ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) ، فبيَّنَ سياقُ الآيتين أنّ الكَلالة تشتمل على الأخوة للأُمّ مرَّة ومرَّة على الأخوة والأخوات للأب والأمِّ. ودَلَّ قولُ الشاعر أنَّ الأبَ ، ليس من الكَلالة ، وأنَّ سائر الأولياء مِن العَصَبةِ بَعد الوَلَد كَلالة ، هو قولُه :

فإنّ أبا المرء أحْمَى له

ومَوْلَى الكَلالَة لا يَغضَبُ

أراد أنّ أبا المرء أغضَبُ له إذا ظُلم ، ومَوالي الكلالة ، وهم الإخوة والأعمام وبنو الأعمام وسائر القرابات ، لا يغضبون للمرء غَضَب الأب.

أبو عبيد عن أبي الجرّاح قال : إذا لم يكنْ ابن العَمِّ لَحّاً ، وكان رجلاً مِن العشيرة قالوا : هو ابنُ عَمِّي الكلالةُ ، وابن عَمٍّ كلَالةً وابنَ عمِّي كلالةً.

قلت : وهذا يَدلُّ على أن العَصَبة وإن

٣٣١

بَعُدوا يُسَمَّوْن كلالة ، فافهمْه. وقد فسّرتُ لك مِن آيتَي الكلالة وإعرابهما ما تشتفي به ويزيل اللبس عنك فتدبره تجده كذلك إِن شاء الله.

قال الليث : الكليل : السيف الذي لا حدّ له ، ولسان كليل : ذو كلة وكلالة ، الكال : المعيي ، وقد كل يَكِلّ كلالاً وكلالةً.

وقال أبو عبيد : الكلة من السُّتُور : ما خِيط فصارَ كالبيت. وأنشد للبيد :

من كلِ محفوفٍ يُظِلّ عصيّه

زوجٌ عليه كِلّةٌ وقِرامُها

ثعلب عن ابن الأعرابي : الكلّة أيضاً : حالُ الإنسان ، وهي البِكْلة ؛ يقال : باتَ فلان بِكلَّة سَوْء أي بحال سَوْءِ. والكِلّة : مَصدَرُ قولك : سيفٌ كَلِيلُ بيِّن الكِلّة.

ويقال : ثقُل سَمعه وكلَ بَصرُه وذَرا سِنُّه.

وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنّه قال : يقال : إنَّ الأسد يُهَلِّل أو يُكَلل ، وإنَّ النَّمِر يُكَلِّل ولا يُهَلِّل. قال : والمكلِّل : الذي يَحمِل فلا يرجع حتّى يَقع بِقرنه.

والمهلِّل : الذي يَحْمِلُ على قِرْنه ثم يُحجِم فيرجع.

قال الجعديُّ :

بَكَرَتْ تلومُ وأمس ما كلّلتها

ولقد ضللت كذاك أيَّ ضلالِ

«ما» صلةٌ. كلّلتها ، أي : عصَيتها.

يقال : كلّل فلانٌ فلاناً ، أي : لم يطعْه.

وأصبحَ فلانٌ مُكِلًّا : إذا صار ذوو قرابته كلًّا عليه ، أي : عيالاً. وكللتُه بالحجارة ، أي : علوته بها ، قال :

وفرجُه بحصَى المَعْزاء مكلولُ

والكِلّة : الصُّوقعة ، وهي صُوفةٌ حمراء في رأس الهودج.

وقال الأصمعي : انكلّتْ المرأة فهي تَنكَلُ انكَلالاً : إذا تبسَّمَتْ. وانْكَلَ السحابُ بالبَرق : إذا تَبسَّم بالبرق.

أبو عبيد عن أبي عمرو : الغمام المكَلَّلُ : السحابة تكون حَولَها قِطَعٌ مِن السَّحاب ، فهي مكلَّلة بهنَّ. وأنشد غيره لامرئ القيس :

أَصاحِ تَرَى بَرْقاً أريكَ ومَيضَه

كلَمْعِ اليَدَيْن في حَبِّي مكلل

قلت : ويقال : تأكلَ السَّيف تأكلاً وتأكل ، البرق تأكُّلاً : إذا تلألأ. وليس من هذا الباب.

وقال الليث : الإكليل : شِبه عِصابة مزيَّنة بالجواهر.

قال : والإكليل : منزلٌ من منازل القمر.

قلت : الإكليل : رأسُ بُرج العقرب.

ورَقيبُ الثريّا من الأنواءِ هو الإكليل ، لأنه يطلُع بغُيوبها.

وقال الليث : كلَّل الرجلُ : إذا ذهبَ وتركَ عيالَه بمَضْيَعَة.

قال : وأما كُلٌ فإِنّه اسمٌ يجمع الأجزاء.

٣٣٢

ويقال في قولهم : كِلَا الرَّجُلين ، إن اشتقاقَه من كَلَ القوم ، ولكِنَّهم فرقوا بين التثنية والجميع بالتخفيف والتثقيل.

قلت : وقال غيره من النحويِّين : كلا وكلتا ليستا من باب كَلَ. وأنا مفسِّر كلا وكلتا في الثلاثيِّ المعتلِّ من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

وقال أبو الهيثم فيما أفادني عنه المنذريُّ : يقع كَلٌ على اسم منكور موحَّد ، فيؤدِّي معنى الجماعة ، كقولهم : ما كل بيضاء شَحمةً ولا كل سوداء تمرةً ، وتمرةٌ جائزة أيضاً إذا كرَّرت ما في الإضمار.

وسئل أحمد بن يحيى عن قول الله عزوجل : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠)) [الحجر : ٣٠] ، وعن توكيده بكلّهم ثم بأجمعين فقال : لما كانت كلهم تحتمل شيئين : مرةً اسماً ومرة توكيداً ، جاء بالتوكيد الذي لا يكون إلا توكيداً حَسْبُ.

وسئل المبرد عنها فقال : لو جاءت فسجد الملائكةُ احتمل أن يكون سجد بعضُهم ، فجاء بقوله : (كُلُّهُمْ) لإحاطة الأجزاء.

فقيل له : فـ (أَجْمَعُونَ)؟.

فقال : لو جاءت (كُلُّهُمْ) لاحتمل أن يكونوا سجدوا كلُّهم في أوقات مختلفاتٍ ، فجاءت (أَجْمَعُونَ) لتدلَّ أن السجود كان منهم كلِّهم في وقت واحد ، فدخلت (كُلُّهُمْ) للإِحاطة ودخلت (أَجْمَعُونَ) لسُرعة الطاعة.

وقال أبو عبيد عن الأصمعيّ : إذا كان الرجلُ فيه قِصَرٌ وغِلَظ مع شدة قيل : رجلٌ كُلكُلٌ وكُلاكِل وكَوَأْلَلٌ.

وأما الكَلْكَل فهو الصدر.

وقال الليث : الكلاكل : هي الجماعات كالكَراكر.

وأنشد قول العجاج :

حتى يحُلُّون الرُّبا الكلاكلا

وروي عن الأصمعيّ أنه قال : الكِلَّة : الصَّوقَعة ، وهي صُوفة حمراء في رأس الهودج.

سلمة عن الفراء : الكُلَّة : التأخير.

والكَلَّة : الشَّفرة. والكِلّة : الحالُ حالُ الرجل.

ويقال : ذئب كليل : لا يَعدو على أحد.

وباتَ بِكلّة سَوءٍ ، أي : بحال سَوء.

لك : قال الليث : اللَّكُ : صِبغٌ أحمرُ يُصبَغ به جلودُ المِعْزَى للخِفاف ، وهو مُعَرَّب.

قال : واللُّكّ : ما يُنحت من الجلد الملكوك فتُشدُّ به السَّكاكين في نُصُبها ، وهو مُعَرَّبٌ أيضاً.

أبو عبيد : اللَّكالِك من الجمال : العظيم ، حكاه عن الفراء.

وأنشد غيره :

أرسلتُ فيها مُقرَماً لُكالِكا

من الذَّريحيَّات جعداً آركا

٣٣٣

أبو عبيد عن الأصمعي : اللَّكيك : الصلب من اللحم ، والدَّخيس مثلُه.

وقال الليث : اللَّكيك : المكتنز. يقال : فرسٌ لكيك الخَلْق واللحم ، وعسكرٌ لكيك. وقد التكَّتْ جماعتهم لِكاكاً ، أي : ازدحمت ازدحاماً.

وقال غيره : ناقةٌ لُكِّيَّة : شديدة اللحم وقد لُكَ لحمُها لَكاً فهو ملكوك.

وأنشد :

إلى عُجَايات له ملكوكة

في دُخُس دُرم الكُعوبِ آثْنان

والْتَكّ الوِردُ التكاكاً ، إذا ازدحَمَ. واللَّكُ : الضغط ، يقال لكه لَكّاً.

[باب الكاف والنون]

كن كن ، نك : مستعملان.

نك : أهمل الليث نك.

وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال : نَكنَكَ غريمه : إذا شدَّد عليه.

كن : قال الليث : الكِنُ : كلُّ شيء وقَى شيئاً فهو كِنُّه وكِنانُه. والفعل من ذلك كننت الشيءَ ، أي : جعلتُه في كِنٍ ، أكنُّه كَنّاً.

وقال الفراء في قوله جل وعز : (أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ) [البقرة : ٢٣٥] ، للعرب في أكننتُ الشيءَ : إذا سترته لغتان : كننتُه وأكننتُه وأنشدُوني :

ثلاثٌ من ثلاثِ قدامَياتٍ

من اللائي تكُنُ من الصَّقيع

وبعضُهم يرويه : تُكِنُ من أكننت.

وأما قوله جل وعز : (لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) [الطور : ٢٤] ، و (بَيْضٌ مَكْنُونٌ) [الصافات : ٤٩] ، فكأنه مَذهبٌ للشيء يُصان ، وإحداهما قريبة من الأخرى.

ثعلب عن ابن الأعرابي : كَننتُ الشيءَ أكُنُّه وأكننتُه : أُكِنه.

وقال غيره : أكننتُ الشيءَ : إذا سترتَه ، وكننتُه : إذا صُنْته.

أبو عبيد عن أبي زيد : كننتُ الشيء وأكننتُه في الكِنّ ، وفي النَّفس مثلُها.

قال أبو عبيد : وقال أبو عمرو : الكُنَّة والسُّدَّة كالصُّفَّة تكون بين يدي البيت : والظُّلَّة تكون بباب الدار.

وقال الأصمعيّ : الكُنَّة : هي الشيء يخرجه الرجل من حائطه كالجناح ونحوه.

الليث : الكِنانة كالجَعبة غير أنها صغيرة ، تُتَّخذ للنَّبْل.

أبو عبيد عن أبي عمرو : الكنانة : جَعبة السِّهام.

وقال الليث : استكنَ الرجلُ واكتَنَ : إِذا صار في كِنّ. واكتنَّت المرأةُ : إذا سترت وجهَها حياءً من الناس.

قال : والكَنّة : امرأة الابن أو الأخ ، والجميع الكنائن.

٣٣٤

قال : وكلُّ فَعلة أو فعِلة أو فُعلة من باب التضعيف فإنها تجمع على فعائل ، لأن الفعلة إذا كانت نعتاً صارت بين الفاعلة والفعيل ، والتصريف يضم فعلاً إلى فعيل ، كقولك : جَلْد وجليد ، وصُلب وصَليب ، فردوا المؤنث من هذا النعت إلى ذلك الأصل.

وأنشد :

يَقلن كنّاً مَرّةً شبائبا

قَصَر شابَّة فجعلها شَبّة ، ثم جمعها على الشبائب.

قال : والكانون : المصطَلى.

والكانونان : شهران في قُبْل الشِّتاء هكذا يسمِّيها أهل الرُّوم.

قلت : وهذان الشهران عند العرب هما الهَرَّاران والهَبَّاران ، وهما شهرَا قُماحٍ وقِماح.

ثعلب عن ابن الأعرابي : الكانون : الثَّقيل من الناس.

وأنشد للحطيئة :

أغربالاً إذا استُودِعتِ سِرّاً

وكانوناً على المتحدّثينا

وروي عن أبيه أنه قال : الكوانين : الثُّقلاء من الرجال.

قال : ويقال : هي حَنّته ، وكَنَّته ، وإزارُه ، وفراشُه ، ونَهضتُه ، ولِحافُه ، كلُّه واحد.

ثعلب عن ابن الأعرابي : كنكَنَ : إذا هَرَبَ.

قال : وتَكنَّى : لزِم الكِنَ.

وقال رجلٌ من المسلمين : رأيت علجاً يومَ القادسية قد تكنَّى وتحجَّى فقتلتُه.

قال : تحجَّى ، أي : زَمْزمَ.

والأكنان : الغِيرانُ ونحوُها يُسكن فيها ، واحده كِنٌ ، وتجمع أكِنَّة ، وقيل : كِنان وأكنّة.

[باب الكاف والفاء]

كف كف ، فك : [مستعملان].

كف : قال الليث : الكفُ : كفُ اليد. وثلاثُ أكفٍ والجميع كفوف. والعرب تقول : هذه كفٌ واحدة.

قال : وكُفّة اللِّثة : ما انحدر منها على أصول الثَّغر. وكُفّة السَّحاب وكِفافُه : نواحيه ، قال : وكِفّة الميزان ، وكِفّة الحبالة يُجعل كالطَّوق ، مكسوران.

وقال الأصمعيّ : يقال : نفقَتُه الكَفَاف ، أي : ليس فيها فضل.

قال : والكِفّة : حبالة الصائد ، وكذلك كِفّة الميزان بالكسر. وأما كُفّة الرمل والقميص فَطُرَّتُهما وما حولهما.

وقال أبو إسحاق في قول الله جل وعز : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ)

٣٣٥

كَافَّةً [البقرة : ٢٠٨] ، قال : كافّة بمعنى الجميع والإحاطة ، فيجوز أن يكون معناه : ادخلوا في السلم كلِّه ، أي : في جميع شرائعه.

قال : ومعنى كَافَّةً في اشتقاق اللغة يكفُ الشيءَ في آخره. ومن ذلك كُفّة القميص : وهي حاشيته ، وكلُّ مستطيلٍ فحرفه كُفَّة ، وكل مستديرٍ كِفّة ، نحو كِفّة الميزان.

قال : وسمّيت كُفّة الثوب لأنها تمنعه أن تنتشر ، وأصل الكفّ المَنْع ، ولهذا قيل لطرف اليد كفٌ لأنها يُكَفّ بها عن سائر البدن ، وهي الراحةُ مع الأصابع. ومن هذا قيل : رجل مكفوفٌ ، أي : قد كُفَ بصره من أن ينظر. فمعنى الآية : ابلغوا في الإسلام إلى حيث تنتهي شرائعه فتكَفُّوا من أن تَعْدوا شرائعه وادخلوا كلكم حتّى يُكَفَ عن عددٍ واحد لم يدخل فيه.

وقال في قوله تعالى : (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً) [التوبة : ٣٦] : كافّة منصوب على الحال ، وهو مصدرٌ على فاعلة ، كالعافية والعاقبة ، وهو في موضع قاتِلوا المشركينَ محيطين بهم. ولا يجوز أن يثنى ولا يجمع ، لا يقال قاتلوهم كافّاتٍ ولا كافّين ، كما أنك إذا قلت قاتِلْهم عامّة لم تثن ولم تَجمع. وكذلك خاصة ، وهذا مذهب النّحويين. وأكافيف الجبَل : حُيوده.

قال :

مسحنفِراً من جبال الرُّوم تستره

منها أكافيفُ فيما دونَها زَوَرُ

يصف الفُراتَ وجرْيَه في بلاد الرُّوم المطلَّة عليها حتى يشقَّ بلاد العراق.

وقال الأصمعي : يقال للبعير إذا كبِر وقصُرت أسنانه حتى تكاد تذهب : بَعيرٌ كافٌ. وكذلك الأنثى بغير هاء ، وقد كُفَّتْ أسنانها ، فإذا ارتفع عن ذلك فهو ماجّ.

ورجلٌ مكفوف ، أي : أعمى. وقد كُفَ.

وقال ابن الأعرابي : كُفّ بصره وكَفَ.

وقال أبو سعيد : يقال فلانٌ لحمه كَفَافٌ لأديمه : إذا امتلأ جلدُه من لحمه.

وقال النمر بن تولب :

فضولٌ أراها في أديمي بعد ما

يكون كَفَافُ اللَّحمِ أو هو أجملُ

أراد بالفضول تغضُّنَ جلده لكبره بعد ما كان مكتنز اللَّحم وكان الجلدُ ممتدّاً مع اللحم لا يفضُل عنه.

وفي الحديث : «لأنْ تَدَع ورثَتك أغنياءَ خيرٌ من أن تدعَهم عالةً يتكفَّفون الناس» معناه : يسألون الناسَ بأكفِّهم يمدُّونها إليهم.

أبو عبيد عن الكسائي : استكففتُ الشيء واستشرفته ، كلاهما أن تضعَ يدَك على حاجبك كالذي يستظل من الشَّمس حتى يستبين الشيء.

وقال ابن مُقبل يصف قِدْحاً له :

٣٣٦

خروجاً من الغمَّى إذا صُكَّ صَكّةً

بدا والعيونُ المستكِفّةُ تَلْمَحُ

يقال : استكفّتْ عينُه : إذا نظرت تحت الكفّ. واستكفّت الْحَيَّةُ : إذا ترحّت كالكِفّة ، واستكفّ به الناسُ : إذا عصَبوا به.

وفي كتاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالحديبيَة لأهل مكة : «وإنّ بيننا وبينهم عيبةً مكوفَة» أراد بالمكفوفة التي أشرِجت على ما فيها ، وضربَها مثلاً للصُّدور أنها نقيَّة من الغِلّ والغِشّ فيما كتبوا من الصُّلح والهُدنة.

والعربُ تشبِّه الصُّدورَ التي فيها القلوبُ بالعياب التي تُشرَج على حُرِّ الثِّياب وفاخر المتاع ، فجعل النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم العِيابَ المُشْرجَة على ما فيها مثلاً لقلوبٍ طويت على ما تعاقدوا.

ومنه قولُ الشاعر :

وكادت عيابُ الوُدِّ بيني وبينكم

وإن قيل أبناءُ العمومةِ تَصْفَرُ

فجعلَ الصُّدورَ عياباً للودّ.

وقال أبو سعيد في قوله : وإنّ بيننا وبينهم عيبةً مكفوفة ، معناه : أن يكون الشرُّ عيبةً مكفوفة ، معناه : أن يكون الشرُّ مكفوفاً كما تُكفُ العَيبةُ إذا أشرِجَتْ على ما فيها من متاع. كذلك الذُّحول التي كانت بينهم قد اصطلحوا على أن لا ينشُروها ، ويتكافُّون عنهم ، كأنهم قد جعلوها في وعاء وأشرجوا عليها.

وقال الليث : كففتُ فلاناً عن السُّوء فكفَ يكفُ كفّاً ، سواءٌ لفظ اللازم والمجاوز.

قال : والمكفوف في علل العروض مَفاعيلُ كان أصله مفاعيلن ، فلمّا ذهبَ النّون قال الخليل : هو مكفوف.

قال : وكفاف الثَّوب : نواحيه. ويكُفُ الدِّخريض : إذا كُفَ بعد خياطته مرّة.

قال : والكفكة : كفُّك الشيءَ ، أي : ردُّك الشيء عن الشيء.

قال : وكفكفتُ دمعَ العين.

قال أبو منصور : وقد تكفكَف ، وأصله عندي من وكف يكِف. وهذا كقولك : لا تعِظيني وتعظعظي. وقالوا : خضخضتُ الشيءَ في الماء ، وأصله من خضت.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : كفكف : إذا رفَق بغريمه أو ردّ عنه من يؤذيه.

وقال شمِر : يقال : نفقةُ فلانٍ الكفَاف ، أي : لا فضلَ عِنده ، إنما عنده ما يكفُ وجهَه عن الناس.

ورُوي عن الحسن أنه قال : «ابدأْ بمن تَعُول ولا تُلام على كَفاف» ، يقول : إذا لم يكن عندك فضلٌ لم تُلَم على ألَّا تُعطِيَ.

ويقال : تكفّف واستكف : إذا أخذ الشيءَ بكفّه.

وقال الكميت :

ولا تطعموا فيها يداً مُستكِفَّةً

لغيركم لو يستطيع انتشالها

٣٣٧

ويقال : لقيتُه كَفّةَ كَفّةَ ، وكَفّةَ لكَفَّةٍ ، أي : مواجهة.

فك : قال الليث : يقال : فككْتُ الشيء فانفك بمنزلة الكتاب المختوم تفكُ خاتمه ، كما تفكُ الحنكين تفصل بينهما.

والفَكَّانِ : ملتقى الشِّدقين من الجانبين.

وقال الأصمعيّ : الفَكّ : أن يفكّ الخلخال والرقبة. وفكَ يدَهُ فكّاً : إذا أزال المَفْصِل. ويقال : أصابه فَكَك.

وقال رؤبة :

هاجَك من أروى كَمُنهاض الفكَكْ

وقال الله عزوجل : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (١)) [البينة : ١].

قال الزجاج : (الْمُشْرِكِينَ) في موضع خفض نسق على (أَهْلِ الْكِتابِ) ، المعنى : لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب ومن المشركين.

وقوله تعالى : (مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) ، أي : لم يكونوا منفكِّين من كفرهم ، أي : منتهين عن كفرهم.

وقال الأخفش : زائلين عن كفرهم.

وقال مجاهد : يقول : لم يكونوا ليؤمنوا حتى يتبيَّن لهم الحق.

وقال ابن عرفة المقلب بنفطويه : معنى قوله : مُنْفَكِّينَ مفارقين. يقول : لم يكونوا مفارقين الدنيا حتى أتتهم البيِّنة التي أثبتت لهم في التَّوراة من صفة محمد ونبوّته : وتأتيهم لفظه لفظ المضارع ، ومعناه الماضي ، ثم وكَّد ذلك فقال جلّ وعزّ : (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (٤)) [البينة : ٤] ، ومعناه : أنَّ فِرقَ أهل الكتاب من اليهود والنصارى كانوا مُقِرِّين قبل مبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه مبعوث ، وكانوا مجتمعين على ذلك فلمّا بُعِث تفرَّقوا فِرقتين كلُّ فرقةٍ تنكره.

وقيل معنى قوله تعالى : (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (٤)) : أنه لم يكن بينهم اختلاف في أمره ، فلمّا بُعِث آمن به بعضهم وجَحده الباقون وحرَّفوا وبدَّلوا ما في كتابهم من صفته ونبوّته.

وقال الفراء : قد يكون الانفكاك على جهةِ يَزَالُ ويكون على الانفكاك الذي تعرفه ، فإذا كان على جهة يزال ، فلا بدّ لها من فعل وأن يكون معها جحد ، فتقول : ما انفككت أذكرك ، تريد ما زلتُ أذكرك.

وإذا كانت على غير جهة يَزَالُ. قلت : قد انفككت منك ، وانفكَ الشيء من الشيء ، فيكون بلا جحد ولا فِعل.

قال ذو الرمة :

قلائص لا تنفكُ إلَّا مُناخَةً

على الخسف أو نَرمي بها بلداً قفرا

فلم يُدخل فيه إلّا : إلّا وهو ينوي به التمامَ وخِلافَ يزالُ ، لأنك لا تقول ما زلتُ إلا

٣٣٨

قائماً.

قلت : وقول الله تعالى : مُنْفَكِّينَ ليس من باب ما انفكّ وما زال ، إما هو من انفكاك الشيء من الشيء : إذا زالَ عنه وفارقَه ، كما فسَّره ابنُ عرفة ، والله أعلم.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال : فُكَ فلانٌ ، أي : خُلِّص وأريح من الشيء.

ومنه قوله تعالى : مُنْفَكِّينَ معناه : لم يكونوا مستريحين متخلّصين حتى جاءهم البيان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلمَّا جاءهم ما عرفوا كفَروا به. وفكُ الرقبة : تخلصيها من إسار الرِّقّ. وفكُ الرهن وفِكاكه : تخليصه من غلق الرهن. وشيخٌ فاكٌ : إذا انفرج لحَياه من الهَرَم. وكلُّ شيءٍ أطلقتَه فقد فككتَه.

وقال الليث : الفكَك : انفراج المنكَب عن مَفصِله ضعفاً واسترخاءً. وأنشد :

أبدّ يمشي مِشيةَ الأَفَكِ

وقال الأصمعيّ : فلانٌ يسعى في فَكاك رقبته.

ويقال : هلمَ فَكاكَ رهنك. وانكسر أحدُ فكَّيه ، أي : لَحيَيه وأنشد :

كأنّ بين فكِّها والفَكِ

فارةَ مسكٍ ذُبِحت في سُكِ

أبو عبيد عن الأصمعيّ قال : فككت يدَه فكّاً.

ويقال : في فلانٍ فَكَّةٌ ، أي : استرخاءٌ في رأيه. قال ابن الأسلت :

الحزمُ والقُوَّةُ خيرٌ من ال

إدهانِ والفَكَّةِ والهاعِ

قال : والفَكَّة أيضاً : النُّجوم المستديرة التي يسمِّيها الصِّبيان : قَصعةَ المساكين.

وقال شمر : سمِّيت قصعةَ المساكين لأنَّ في جانبٍ منها ثُلْمةً. وكذلك تلك الكواكب المجتمعة في جانبٍ منها فضاء.

وقال شمر : يقال : ناقة متفكِّكة : إذا أقرَبَتْ فاسترخَى صَلَواها وعظُم ضَرعُها ودنا نِتاجها ، شُبِّهت بالشيء يُفَك فيتفكك ، أي : يتزايل وينفرج. وكذلك ناقة مُفكَّةٌ ، وقد أفكَّت. وناقة مُفْكِهة ومُفْكِهٌ بمعناها.

قال : وذهب بعضُهم بتفكُّك الناقة إلى شِدَّة ضَبَعتها.

ويروى للأصمعي :

أرغثَتْهُمْ ضرعَها الدُّن

يا وقامَتْ تتفكَّكْ

انفشاحَ الناب للسَّقْ

بِ متى ما يَدْنُ تَحشِكْ

وقال أبو عبيد : المتفككة من الخيل : الوَديقُ التي لا تمتنع على الفحل. ويقال : إنه لأحمق فاكٌ تاكٌّ ، وقد حَمُقْتَ وفَكُكْتَ ، وبعضهم يقول : فكِكْتَ.

وقال النضر : الفاكُ : المُعْيِي هُزالاً. ناقةٌ فاكَّةٌ وجملٌ فاكٌ.

٣٣٩

وقال الليث : الأفكُ : المنكسر الفَكّ.

والأفكُ : هو مَجمع الْخَطْم ، وهو مَجمع الفكِّين على تقدير أفعَل.

وفي «النوادر» : أفَكَ الظَّبيُ من الحِبالة : إذا وقع فيه ثم انفلت. ومثله أفسَحَ الظبي من الحبالة.

وقال الحصيني : أحمق فاكٌ وهاكٌّ ، وهو الذي يتكلّم بما يدري وما لا يدري وخطؤُه أكثر من صوابه. وهو فكّاكٌ هَكَّاك.

[باب الكاف والباء]

كب كب ، بك : [مستعملان].

كب : قال الليث : تقول : كببتُ فلاناً لوجهه فانكبّ. وكببت القصْعَةَ : قلبتُها على وجهها. وأكب الرجلُ على عملٍ يَعْمَله.

وقال لبيد :

جنوحَ الهالكيّ على يديه

مُكِبّاً يجتلي نُقَب النِّصال

ويقال : أكبَ فلانٌ على فلانٍ يطالبُه.

والفرس يكُبُ الحمارَ : إذا ألقاه على وجهه.

وأنشد :

فهو يكُبُ العِيطَ منها للذَّقَنْ

والفارس يكبُ الوحشَ : إذا طعَنها فألقاها على وجوهها.

قال : والكُبَّة والكَبْكَبة : جماعةٌ من الخيل.

أبو عبيد : الكُبَّة : الجماعة. وقال أبو زُبيد :

وعاث في كُبَّة الوَعواعِ والعِير

وقال آخر :

تعلَّمْ أنَّ مَحْمِلَنا ثقيل

وأَنَّ ذِياد كُبَّتنا شديدُ

وقال الله : (فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ (٩٤)) [الشعراء : ٩٤].

قال الليث : أي : جُمعوا ودُهوِرُوا ثم رُمي بهم في هُوَّة النار.

وقال الزجّاج : (فَكُبْكِبُوا فِيها) ، طُرِحَ بعضهم على بعض.

وقال أهل اللغة : معناه : دُهْوِروا ، وحقيقة ذلك في اللغة تكرير الانكباب ، كأنَّه إذا ألقيَ ينكبُ مرّةً بعد مرّة حتى يستقرّ فيها ، ونستجير بالله منها.

وفي الحديث : «كُبكُبَة من بني إسرائيل» ، أي : جماعة.

وقوله تعالى : (فَكُبْكِبُوا فِيها) ، أي : جُمِعوا ، مأخوذ من الكُبْكُبَة.

عمرو عن أبيه : كَبَ الرجُل : إذا أوقد الكُبّ ، وهو شجرٌ جيِّدُ الوقود ، الواحدة كُبَّة. وكُبَ إذا قُلِبَ. وكَبَ إذا ثَقُل.

وألقى عليه كَبَّتَه ، أي : ثِقْلَه وكَتَاله.

وقال الليث : الكبَّة من الغزْل : الجَرَوْهَق.

تقول : كببتُ الغزْل.

٣٤٠