تهذيب اللغة - ج ٩

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ٩

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥١

أبو عبيد عن الأصمعي : الأنقاء : كلُّ عَظْم ذي مُخّ ، وهي القَصَب. وقال غيره : واحدها نِقْي ونِقْوٌ.

ابن الأعرابي : هو أحمر كالنَّكَعة ، وهي ثمرة النُّقاوى ، وهو نبت أحمر.

وأنشد :

إليكم لا نَكون لكم خلاةً

ولا نكَعُ النُّقاوَى إذْ أحالا

قال ثعلب : النُّقاوى : ضرب من النبت ، وجمعه نقاويات ، واحدها نُقاوةٌ ونُقاوَى.

وقال اللِّحياني : يقال : أخذتُ نُقاوَتَه ونُقايَتَه ، أي : أفضَلَه ، وجمع النُّقاوة نُقَاوَى ونُقاء ، وجمع النُّقاية نَقَايَا ونُقاء ممدود.

والنُّقاوى : نبتٌ بِعينه له زَهْر أحمر.

وقال الليث : رجلٌ أنْقَى : دقيق عَظْم اليدين والرجلين والفَخِذ ، وامرأةٌ نَقْوَاء.

وفَخِذٌ نَقْواء : دقيقة القصَب نَحيفة الجِسم قليلةُ اللَّحْم في طُول.

قال : النِّقْي : شحمُ العِظام ، وشحم العَيْن من السِّمن. وناقة مُنْقِية ونُوقٌ مَناقٍ.

وقال الراجز :

لا يَشتَكين عَمَلاً ما أنْقَيْن

ما دامَ مُخٌّ في سُلامَى أو عَيْن

ويقال : نقَوْتُ العَظْم ونَقيْتُه : إذا استخرجتَ النِّقِيَ منه.

والنُّقاوَة : أفضَل ما انتقيتَ من الشيء.

والنَّقاوَة مصدر الشيء النَقِيّ. تقول : نَقِيَ يَنْقَى نَقاوَة ، وأنا أنقيتُه إنقاءً. والانتقاء : تجوُّدُه. وانتقيتُ العظم : إذا أخرجتَ نِقيه ، أي : مخّه. وانْتقيت الشيء : إذا أخذتَ خياره.

أبو عبيد عن أبي محمد الأموي : النَّقاة : ما يُلقَى في الطعام ويُرمي به.

قال : سمعتُه من ابن قَطَريّ قال : والنُّقاوة خِيارُه.

ثعلبٌ عن ابن الأعرابي في النَّقاة مِثلَه ، وكذلك في النُّقاوة.

قال : وقال أبو زياد : النُّقاة والنُّقاية : الرديء. قال : والنُّقاوة : الجيد.

أخبرني بذلك المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي.

وقال الليث : النَّقاء ممدود : مصدر النَّقيّ ، والنقَا مَقْصورٌ من كُثْبان الرَمْل ، ونَقَوانِ ، وأنقاءٌ للجميع. ويقال لجَمع الشيء النَّقيّ أَنقاء.

وفي الحديث : «يُحْشَر الناسُ على أرض بيضاءُ كقُرصة النّقِيّ». قال أَبو عبيد : النَّقِيُ : الحُوَّارَى ، وأَنشد لطرفة :

نُطعِم النّاسَ إذا ما أَمْحَلُوا

مِنْ نَقِيٍ فوقَه أُدُمُهْ

ويقال للحُلَكَة ، وهي دويْبَةٌ تسكن الرّمْل كأنها سَمَكة مَلساءُ فيها بَياضٌ وحُمْرة :

٢٤١

شحمة النَّقا. ويقال لها بنات النَّقا.

وقال ذو الرمَّة وشبَّه بنانَ العَذارَى بها :

بناتُ النُّقَا تَخفَى مِراراً وتَظهَرُ

ويُجمَع نقَا الرملِ نُقياناً ، وهذه نقاةٌ من الرَّمل ، للكثيب المجتمع الأبيض الذي لا يُنبت شيئاً.

وفي حديث أم زرع : «لا سَهْلٌ فيُرْتَقى ، ولا سَمِين فيُنتَقَى».

قال أبو عبيد : قال الكسائي : يقال : نَقَوْتُ العَظْم ونَقيْتُه : إذا استخرجْتَ النِقْيَ منه.

قال : وكلهم يقول : انقيتُه. وقولُها : «ولا سَمينٌ فيُنتَقَى» ، أي : ليس له نِقْيٌ.

وقال أَبو تراب : سمعتُ الحُصَيْني يقول : سمعتُ نَغْيَة حَقٍّ ونَقْيَة حَقٍ ، أي : كلمةَ حقّ.

قين ـ قون : ثعلب عن ابن الأعرابيّ : قانَ الحَدَّادُ الحديدَ يَقِينُه قَيْناً : إذا سَوَّاه.

وَقال الليث : القَيْن : الحَدّاد ، وَجمعُه قيون.

وَقال غيره : كلُّ عامِلٍ بالحَديد عند العرب قَيْن.

وَقال الليث : القَيْن وَالقيُنَة : العَبْد والأَمَة.

قال زهير :

رَدَّ القِيانُ جِمال الحَيِّ فاحتَمَلوا

أَراد بالقِيان الإماء ، أنهن رَدَدْن يوم الظَّعْن الجِمالَ إلى الدر لَشَدِّ أَقتابِها عليها.

وَقال الليث : عَوَام الناس يقولون : القَيْنة : المغنّية.

قلت : إنّما قيل للمغنّية قَينَةً : إذا كان الغِناءُ لها صناعةً ، وذلك مِن عَمَل الإماء دُونَ الحَرائر.

وقال الليث : ربَّما قالت العرب للرجل المتزيِّن باللباس قَيْنةٌ ، إذا كان الغِناء صناعةً له أو لم يكن ؛ وهي كلمةٌ هُذلّيّة.

والتقيُّن : التزيُّن بألوان الزينة. قال : واقتانت الروضةُ : إذا ازدانت بألوان زَهْرتِها. وأنشد :

كما اقتان بالنَّبْت العِهَادُ المُحَوَّفُ

ثعلب عن ابن الأعرابي : القَيْنة : الفِقْرة من اللَّحْم. والقَيْنة : الماشطة. والقَيْنَة : المغنّيَّة. والقَيْنة : الجارية تخدُم حَسْبُ.

أبو عبيد أبي عمرو : اقتانَ النَّبْت اقتياناً : إذا حَسُن. ومنه قِيل للمرأة مُقَيِّنَة ، أي : أنَّها تزيِّن العَرائسَ.

قلتُ : ويقال للماشطة مقيِّنةٌ لتزيينها النِّساء.

وقال اللحياني : يقال : قانني الله على حبّه يوم قانني ، وطانني الله على حبّه يوم طانني ، وطواني على حبّه يوم طواني ، أي : خلقني على حبه ، يقينني ويطينني.

قال أبو بكر : قولهم : فلانة قينة ، قال : القينة معناها في كلام العرب الصانعة.

والقين : الصانع ؛ قال خبّاب بن الأرتّ : كنت قيناً في الجاهليّة ، أي : صانعاً.

٢٤٢

والقينة : هي الأَمة صانعةً كانت أو غير صانعة. وقوله :

رد القيانُ جِمالِ الحيّ

العبيدُ والإماء.

ابن السكيت : قلت لعُمارة : إنَّ بعض الرواة زعم أنّ كلّ عامل بالحديد قيْن فقال : كذب إنما القينُ الذي يعمل الحديدَ ويعمل بالكِير ولا يقالُ للصائغ قَيْنٌ ولا للنّجّار قَيْن.

وبنو أسد يقال لهم : القُيُون ، لأنَّ أوَّل من عَمِلَ الحَدِيدَ بالبادية الهالك بن أسَد بن خُزَيمة. ومِن أمثالهم : «إذا سَمِعتَ بسُرَى القَيْن فإِنَّه مصبِّح». قال أبو عبيد : يُضرب للرجُل يُعرَف بالكذب حتّى يُرَدَّ صِدقُه.

قال الأصمعيّ : وأَصله أَنَ القَيْن بالبادية يتنقَّل في مياههم فيُقيم بالموضع أيّاماً.

فيكسُد عليه عملُه ، فيقول لأهل الماء : إنِّي راحلٌ عنكم الليلةَ! وإن لم يُردْ ذلك ، ولكنّه يُشيعُه ليستعمله مَن يريد استعمالَه.

فكَثُر ذلك مِن قوله حتّى صار لا يصدَّق.

وقال أوس بن حَجَر :

بَكَرتْ أُميّةُ غُدْوَةً برَهِينِ

خانتكَ إنَ القينَ غيرُ أمينِ

والقانُ : شجرةٌ تنبُتُ في جبال تِهامة.

وقال ساعدة :

يَأوي إلى مشمخَّراتٍ مصعِّدة

شُمٍّ بهنّ فُروع القانِ والنَّشَم

أبو عبيدة : القَيْنان مِن يَدِي الفَرَس : موضِعَا القَيْد. قال ذو الرمّة :

دَانَى له القَيدُ في ديمومةٍ قَذَفٍ

قَيْنَيْه وانحسرتْ عنه الأناعيمُ

وقال الليث : القَيْنانِ : الوَظيفان لكلِّ ذي أربع.

ثعلبٌ عن ابن الأعرابيّ : القَوْنة : القطعة من الحديد أو الصُّفْر يُرْفع بها الإناء.

وقال الليث : قَوْن وقُوَيْن : موضعان.

وقال ابن الأعرابيّ : التقَوّن : التعدّي باللسان ، وهو المدح التَّامّ.

نوق ـ نيق : ثعلب عن ابن الأعرابيّ : النَّوَقة : الذين يُنْقُّون الشَّحْم مِن اللَّحْم لليَهود ، وهم أمَناؤهم. وأنشد :

مُخّةُ ساقٍ بأيادِي ناقِي

قلت : وهذا مقلوب.

قال ابن الأعرابيّ : والنَّوْقَة : الحَذَاقة في كل شيء. قال : والمنَوَّق : المذلَّل من كلِّ شيء ، حتّى الفاكهة إذا قُرِّبتْ قُطوفُها لآكلها فقد ذُلِّلتْ.

الفَرّاء عن الدُّبَيْريّة أنّها قالت : تقول للجَمَل المليَّن : المُنَوَّق.

وقال الأصمعيَّ : المنوَّق من النَّخل الملقَّح. والمنوَّق مِن العُذَوق : المُنَقَى.

المُنَوَّق : المصَفَّف ، وهو المُطَرَّق والمُسَكَّك.

وقال الليث : النِّيق : حرفٌ مِن حروف

٢٤٣

الجَبَل. وقال أبو عبيد : النِّيق : الطويل من الجبال.

وقال الليث : النِّيقَة مِن التنوُّق ، تَنَوَّقَ فلانٌ في مَطعَمِه ومَلبَسه وأمُورِه : إذا تَجوّدَ وبالَغ. وتنيَّقَ لغةٌ.

والناقة جمعُها نُوق ونِياق ، والعَددُ أيْنُق وأيانِق على قلب أنُوق. وأنشد :

خيَّبكنَّ اللهُ مِن نِياقِ

إنْ لم تُنجِّين مِن الوَثاقِ

قال : والنَّاقُ : شبه مَشَقِّ بين ضَرّة الإبهام وأصل أَلْية الْخِنْصِر مستقبلٌ بطنَ الساعِد بلِزْق الراحة. وكذلك كلُّ موضعٍ مثل ذلك في باطن المرفق ، وفي أصل العُصْعُص النَّاقُ. ونحو ذلك قال ابن الأعرابي في الناق رواه ثعلبٌ عنه.

قال : ويقال : نُقْ نُقْ : إذا أمرتَه بتمييز الشّحْم من اللَّحْم.

أنق : أبو زيد : أنِقْتُ الشيءَ أَنَقاً : إذا أحْببتَه.

وقال الليث : الأنَقْ : الإعجاب بالشيء.

تقول : أَنِقْتُ به ، وأنا آنَقُ به أَنَقاً ، وأنا به أَنقٌ : مُعجَبٌ ؛ وقد آنَقَني الشيء يُؤنقني إيناقاً ؛ وإنّه لأَنِيقٌ مُؤْنق ، لكلِّ شيءٍ أعجبك حُسنُه.

وتقول : روضةٌ أنِيقٌ ، ونباتٌ أنِيق.

وأنشد :

لا آمِنٌ جَليسُه ولا أَنِقْ

وفي حديث ابن مسعود : إذا وقعْتُ في آل حِمْيَر وقعتُ في رَوْضات دَمِثات أتأنَّق فيهنّ.

قال أبو عبيد : قوله : أتأنق فيهن : يعني أتتبَّع مَحَاسنَهُنّ ، ومنه قيل : منظر أنيقٌ : إذا كان حَسَناً مُعْجِباً. وكذلك قول عُبيد بن عمير : ما من عَاشيةٍ أشدُّ أَنَقاً ولا أبعَد شِبَعاً مِن طالبِ عِلْم.

ومن أمثالهم : ليس المتعلِّق كالمتأنّق.

ومعناه : ليس القانع بالعُلقة وهي البُلغة من العيش كالذي لا يقنع إلا بآنق الأشياء وأعجبها يقال : هو يتأنق ، أي : يطلب آنق الأشياء إليه.

وقال أبو سعيد : نِقةُ المال : خِيارُه. يقال : أخذتُ نِقتي من المتاع ، أي : ما أعجَبَني وآنَقَني.

قلتُ : نِقة المال في الأصل نِقْوَة المال ، وهو ما انتُقيَ منه. وليس مِن باب الأنَقْ ولا الأنيق في شيء.

ثعلبٌ عن ابن الأعرابيّ : أنْوَقَ الرجُل : إذا اصطادَ الأنُوق ، وهي الرَّخَمَة. قال : وقال معاويةُ لرجلٍ أدارَهُ عَلَى حاجةٍ لا يسأل مِثلُها وهو يَفْتل له في الذَّروة ليخدعه عنها : أنا أَجلُّ مِن الحَرْش ، يريد : الخديعة ، ثم سأله أخرى أصعبَ منها فقال :

طلبَ الأبلقَ العَقوقَ فلمَّا

لم يَنَلْه أرادَ بَيْضَ الأنُوقِ

قال أبو العباس : وبَيْض الأنُوق عزيزٌ لا

٢٤٤

يوجد. وهذا مَثَلٌ يُضرب للذي يَسأل الهيِّن فلا يُعطى فيسأل ما هو أعزُّ منه.

أخبرني المنذري عن الحراني عن ابن السكيت قال : قال عمارة : الأنوق عندي : العقاب ، والناس يقولون الرخمة ، والرّخَمة توجد في الخراباتِ وفي السَّهل.

قال : وقال أبو عمرو : الأنوق : طائر أسود له كالعرف ، يُبعِد لبيضه.

ويقال : فلان فيه مُوقُ الأنوق ، لأنَّها تحمَّق. وقد ذكرها الكميت فقال :

وذاتِ اسمينِ والألوانُ شتَّى

تُحمّقُ وهي كيِّسة الحَوِيلِ

يعني الرّخمة ، وإنّما كيَّس حَوِيلها ، أي : حيلتها ، لأنَّها أوّل الطَّيْر قِطاعاً ، وأنها تبيض حيثُ لا يلحق شيءٌ بيضها.

وقن ـ أقن : أبو العباس عن ابن الأعرابيّ : أَوقَنَ الرجلُ : إذا اصطادَ الطَّير مِن وُقْنيه ، وهي مِحْضَنُهُ. وكذلك تَوَقَّنَ : إذا صاد الحَمامَ مِن مَحاضِنها في رؤوس الجبال.

قال : والتوقُّن : التوقُّل في الجبل ، وهو الصُّعود فيه.

وقال أبو عبيدة : الأَقْنَة والوقْنة ، موضع الطائر في الجَبَل ، الأُقَنات والوقَنات والوُكَنات. وقال الطِرماح :

في شَناظِي أُقَنٍ بينها

عُرّةُ الطيرِ كصَوْم النَّعامْ

وقال أبو سعيد : الأُقْنة : الْحُفْرة في الجبَل وجمعُها أُقَنٌ.

وقال الليث : الأقنة : شِبه حُفْرة تكون في ظهر قُفٍّ أو جَبَلٍ ضيِّقة الرأس ، قَعْرُها قَدْرُ قامة أَو قامتين خِلْقةً ، وربما كانت مَهْواة بين نِيقَيْن.

يقن : أبو زيد : رجلٌ أَذنٌ يَقَنٌ ، وهما واحد ، وهو الذي لا يسمع بشيءٍ إلَّا أَيقَن به.

وقال الليث : اليَقَن : اليقين ، وأنشد قول الأعشى :

وما بالذي أبصرتْه العُيونُ

من قَطْع يأسٍ ولا مِن يَقَنْ

قال : واليقين : إزاحة الشك وتحقيق الأمر. وقد أيقَنَ يُوقن إيقاناً فهو مُوقِنٌ ، ويَقِنَ يَيْقَنُ يَقَناً فهو يَقِن. وتيقَّنْتُ بالأمر واستيقنت به ، كلُّه واحِدٌ.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : المَوْقونَة : الجارية المَصُونة المخدَّرة.

باب القاف والفاء

ق ف

(وا يء) قفا ، قوف ، قيف ، فقأ ، وقف ، وفق ، أفق ، فوق ، فأق.

قفا : قال الليث : القَفْوُ : مصدرُ قولِك : قَفَا يَقْفُو قَفْواً ، وهو أَن يتَّبع شيئاً.

وقال الله جل وعز : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) [الإسراء : ٣٦].

قال الفراء : أكثر القراء يجعلونها مِن

٢٤٥

قَفَوْتُ ، كما تقول : لا تَدْعُ مِنْ دعوْتُ.

قال : وقرأ بعضهم : (لا تَقُفْ) مِثل ولا تَقُل. والعرب تقول : قُفْتُ أثرَه وقَفَوْتُه ، مِثل قاعَ الجملُ الناقةَ وقَعَاها : إذا ركبها ليَضربها. ومِثله عاثَ وعَثَا.

ثعلب عن ابن الأعرابي : يُقالُ : قَفَوْتُ فلاناً : اتّبعتُ أَثَرَه ، وقَفْوَتُه : رَمَيْتُه بأمر قبيح. وله عندي قَفِيّةٌ ومَزِيّةٌ : إذا كانت له منزِلة ليست لِغيره. ويقال : أقْفَيتُه ولا يقال أمْزَيْتُه.

ومن أمثالهم : «رُبَّ سامِعٍ عِذْرَتي ، لم يَسمَع قِفْوَتي» ؛ والقِفْوة : الذَّنْب. يقول : ربَّما اعتذرتُ إلى رجلٍ من شيء قد كان منّي إلى مَن لم يبلْغه ذَنْبي. يُضرَبُ مَثَلاً لمن لا يحفَظ سِرّه.

أخبرني بذلك كله عن المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي.

وقال الأخفش في قوله : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) [الإسراء : ٣٦] ، أي : لا تتَّبع ما لا تَعلم.

قال : والقَفْو : القَذْف. قال : والقَوْفُ مثل القَفْو. وأنشد :

أَعُوذُ بالله الجليلِ الأعظَمِ

مِن قَوفيَ الشيءَ الذي لم أعلَمِ

وأخبرني المنذري عن المبرّد ، أنّ أبا عمر الجرميّ حَدَّثَه عن كَهمَس عن سعيد عن قتادة في قوله : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) قال : لا تقل سمعتُ ولم تَسمَع ، ولا رأيتُ ولم تَرَ ، ولا علمتُ ولم تَعلَم ، و (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً).

وقال أبو عبيد : قال الأصمعي : هو يَقْفو ويقُوفُ ويَقتاف ، أي : يتّبع الأَثَرَ.

وقال الليث : القَفَا : مؤخَّر العُنُق ، أَلِفُها واواً. قال : والعَرب تؤنّثها ، والتذكير أعمّ ؛ يقال : ثلاثة أقفاء ، ومَن قال : أقفيَة فإِنّ جماعَه القِفِيّ والقُفِيّ.

ويقال للشيخ إذا هَرِم : رُدَّ على قَفاً. وقال الشاعر :

إنْ تَلْقَ رَيْبَ المَنايا أو تَرُدَّ قَفاً

لا أَبكِ منكَ على دِينٍ ولا حَسَبِ

وقال أبو حاتم : جمعُ القَفا أَقْفاء ، ومَن قال : أقفِيَة فقد أخطأ.

قال : وسمعْنا في أدنى العَدد ثلاثة أقْفٍ.

والقَفا مؤنّثة. قال : ومِن العرب مَن يذكِّر القَفَا.

وقال ابن السكيت : القَفا مذكَّر ، وقد تؤنَّث. وأنشد :

وما المَولَى وإنْ عَرُضتْ قَفاهُ

بأحمَلَ للمَحامِدِ مِن حِمارِ

وقال الليث : تقفَّيْتُ فلاناً بعَصاً فضربتُه ، واستَقْفَيته كذلك إذا جئته من خَلْفُ.

قال : وسمّيت قافية الشِعْر قافِية لأنها تَقْفو البَيْت.

٢٤٦

وفي حديث مرفوع : على قافية رأس أحدِكم ثلاث عُقَد ، فإِذا قام من الليل وتوضأَ انحلَّت عُقْدَةٌ.

وقال أبو عبيد : يَعني بالقافية القفا.

ويقولون : القَفَنُّ في موضع القَفا.

وقال أبو عبيد : هي قافية الرأس. وقافية كلِّ شيء آخره ؛ ومنه قافية بيت الشعر.

وقال غيره : العرب تسمِّي البيت من الشعر قافية ، وربَّما سمَّوا القصيدة بكمالها قافيةً.

ويقول الرجُل منهم : رَوَيْتُ لفلان كذا وكذا قافيةً. وقالت خَنْساء :

وقافيَةٍ مِثْلِ حَدِّ السِّنا

نِ تَبقَى ويَهلِكُ مَن قالَها

ويقال : قفّيْتُ الشِعْر تقفِيةً ، أي : جعلتُ له قافيَةً. وقال الله جل وعز : (ثُمَ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا) [الحديد : ٢٧] ، أي : أَتْبعنا نوحاً وإبراهيمَ رُسُلاً بعدَهم. وقال امرؤ القيس :

وقَفَّى على آثارهنَّ بحاصِبِ

أي : أتْبع آثارَهنَّ حاصباً. وقال ابن مقبل : قَفَّى بمعنى أتَى :

كم دُونها مِن فَلاةٍ ذات مطّرَدٍ

قَفَّى عليها سَرابٌ سارِبٌ جارِي

أي : أتَى عليها وغَشِيَها.

ثعلب عن ابن الأعرابي : قَفَّى عليه : ذهَبَ به. وأنشد :

ومأرِبُ قَفّى عليه العَرِمْ

وفي حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال : «لي خمسةُ أسماء ، منها كذا وكذا ، وأنا المُقَفِّي.

وفي حديث آخر : «وأنا العاقب».

حدثنا ابن منيع قال : حدثنا علي بن الجعد عن حماد بن سلمة عن جعفر بن أوس عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «أنا محمد ، وأحمد ، والمقفّى ، والحاشر ، ونبيّ الرحمة ، ونبيّ الملحمة».

قال شمر : المقَفِّي نحو العاقب ، وهو المولِّي الذاهب ؛ يقال : قَفّى عليه ، أي : ذَهَب به ، فكأنَّ المعنى أنّه آخر الأنبياء ، فإِذا قَفّى فلا نبيَّ بعدَه قال : والمُقَفِّي : المتَّبع للنبيِّين.

وقال ابن أحمر :

لا تقتفي بهم الشمالُ إِذا

هبّت ولا آفاقُها الغُبر

أي : لا تقيمَ الشمال عليهم ، يريد تجاوزهم إلى غيرهم ولا تستبين عليهم لخصبهم وكثرة خيرهم. مثله قوله :

إذا نزل الشتاءُ بدار قوم

تجنّبَ دارَ بيتهم الشتاءُ

أي : لا يظهر لجارهم أَثر الشتاء.

قال شمر في تفسير بيت ابن أحمر.

قال أبو عبيد الله : معنى قوله : لا تقتفي بهم الشمال ، أَي : لا تتخذهم قفوة فتطمع

٢٤٧

فيهم ، ولا تصيبهم شدة المحل فهم مخصبون.

وقال غيره : لا تودهم ، تتعهدهم جعلها عدوّاً.

وقال أبو عمرو : يعني أنهم يُطعمون فيها فهم حربٌ لها ، ولو تركوا الإطعام كانوا سلماً لها ، أي : هم حربٌ لها يبارونها إذا هبّت.

أبو عبيد عن الكسائي : القُفْية مِثل الزُّبْية ، إلّا أنّ فوقَها شَجراً.

وقال اللِّحياني : هي القُفْية والغُفْية.

وقال غيره : القِفْوَة : ما اخترتَ من شيء ؛ وقد اقتفَيْتُ ، أي : اخترتُ. رواه أبو عبيد عن أبي زيد.

قال أبو عبيد : والقَفِيُ : الذي يُكرَمُ به الرجلُ من الطعام. تقول : قَفَوْتُه.

وأنشد :

يُسْقَى دواءَ قَفِيِ السَّكْنِ مَرْبوبِ

قال أبو عبيد : اللَّبن ليس باسم القَفِيّ ، ولكنه كان رُفع لإنسانٍ خُصَّ به.

يقول فآثرْتُ به الفَرَس.

وقال الليث : قَفيّ السكْن هو ضَيفُ أهلِ البيت.

وقال الكُمَيت :

وكاعبُهم ذاتُ القَفاوَة أسغَبُ

أي : ذاتُ الأُثْرَة والقَفِية.

ويقال : فلانٌ قَفِيٌ بفلان : إذا كان له مُكرِماً ؛ وهو مُقتفٍ به ، أي : ذو لَطَف وبِرّ.

أبو زيد : قَفَوْتُه أقفُوه ، أي : رميتُه بأمرٍ قبيح. وقفَيتُه أقْفيه : ضرَبتُ قَفاه.

وقال أبو الهيثم : قَفَيْتُه ولَصَيتُه : رَمَيته بالزنا.

وقَفَوْتُ الرجلَ أقْفوه : ضَربْتُ قَفاه ، وهو بالواو. ويقال : قَفاً وقَفوان ، ولم أسمعْ قَفَيان.

أبو عبيد عن أبي زيد : شاةٌ قَفِيَّةٌ : مذبوحة من قفاها ، وغيره يقول : قَفينَةٌ ، والأصل قفِيَّة ، والنون زائدة.

وفي «نوادر الأعراب» : قَفَا أثَرَه ، أي : تَبِعه وضدُّه في الدعاء : قَفا الله أَثرَه ، مِثل عَفا الله أثَرَه.

وقال أبو عمرو : القَفْو : أنْ يصيبُ النبتَ المطرُ ثمّ يركَبه التراب فيَفسد.

وقال أبو زيد في كتاب «الهمز» : قفِئتِ الأرضُ قَفئاً : إذا مطرتْ وفيها نبت ، فجعل المطرُ على النّبت الغُبارَ فلا تأكلُه الماشية حتى يجلوَه النَّدَى.

قلت : وسمعت بعض العرب يقول : قُفِيَ العُشْب فهو مَقفُوٌّ ، وقد قفاه السَّيل ، وذلك إذا حملَ الماءُ الترابَ عليه ، فصار مُؤبِياً.

قال أبو بكر : قولهم : قد قَفَا فلانٌ فلاناً.

قال أبو عبيد : معناه : أتبَعه كلاماً قبيحاً.

وقَفَوْت فلاناً : اتَّبعت أثَره. وقَفا فلانٌ

٢٤٨

فلاناً يقفو : إذا رماه بالقبيح.

وقال مجاهد في قوله : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) [الإسراء : ٣٦] ، لا تَرْمِ.

وقال محمد بن الحنفية : معناه : لا تَشْهَدْ بالزُّور. قال أبو عبيد : الأصل في القَفْو والتَّقافي : البُهْتان يَرْمي به الرجلُ صاحبَه. وقال النبي عليه‌السلام : «نحن بني النضر لا نَقذف بالزنا ، ولا نقْفُو أُمَّنا» معنى نَقْفو : نَقْذِف.

قوف ـ قيف : يقال : قافَ أثَره يقُوفُه قَوْفاً ، واقتافَ أثره اقتِيافاً : إذا تَبِع أثره. ومنه قيل للذي ينظر إلى شَبَه الوَلد بأبيه قائف ، وجمعُه القافة ، ومصدرُه القيافة.

ثعلب عن ابن الأعرابي يقال : خُذْ بقوفِ قفاه وبقوفة قفاه ، وبقافية قفاه ، وبصوف قَفاه وصوفته ، وبظَليفته ، وبصليفه (١) وبصلِيفته ، كلُّه بمعنى قفاه.

أبو عبيد : يقال : أخذْتُه بقوفِ رقبته ، أي : أخذتُه كلَّه.

وقال ابن شميل : فلانٌ يتقوَّف على مالي ، أي : يحجُر عليَّ فيه ، وهو يتقوَّفني في المجلس ، أي : يأخذ عليَّ في كلامي ، ويقول : قل كذا وكذا.

وقال بعضهم : قُوفُ الأُذن : مُستدارُ سَمّها.

وقال الكسائي : أخذتُ بقوف رقَبته وصوفِ رقَبَتَه ، ومعناه : أن يأخذ برقبته فيعصرها.

فقأ : أبو زيد : فَقأتُ عينَه فقْئاً. وتقول : تفقّأت البُهْمَى تَقَفُّؤاً.

ويقال : فقَأَتْ فَقئاً : إذا تَشقَّقتْ لفائقُها عن ثمرَتها.

ويقال : أصابتْنا فقأَة ، أي : سحابَةٌ لا رَعدَ فيها ولا بَرْق ، ومطرُها متقارب وهذا في «نوادره».

ثعلب عن الأعرابيّ : الفَقْءُ : الحُفْرة في الجَبَل.

قال : والفَقَأ : خروج الصدر. والنّسَأ : دخولُ الصُّلب.

وقال شمر : الفَقْء : كالجُفرة في وسط الحرَّة وجمعها فُقْآن.

قال : والمفَقِّئة : الأودية التي تَشُق الأرضَ شَقّاً. وأنشد قول الفرزدق هذا :

أتعْدِلُ دارماً ببَني كلَيْب

وتَعدِلُ بالمُفقئة الشِّعَابا

أبو عبيد عن الأصمعي : الفَقْءُ : كالحفْرة في وسَط الحرَّة. شكَّ أبو عبيد في الحُفرة أو الجُفْرة.

__________________

(١) في المطبوع : «بظليفته». والمثبت من «اللسان» (قوف).

٢٤٩

قلتُ : وهما عندي شيء واحد.

قال أبو الحسن اللحياني : قيل لامرأة : إنك لم تحسني الخرز فافتقِئيه ، أي : أعيدي عليه. يقال : افتقأته ، أي : أعدت عليه ، وذلك أن يجعل بين الكلبتين كُلبة ، كما تخاط البواري إذا أُعِيد عليها.

والكُلبة : السَّير والطاقة من اللِّيف يستعمل كما يستعمل الإشفى الذي في رأسه جُحر يدخل السَّير أو الخيط في الكلبة وهي مثنيَّة ، فتدخل في مواضع الخرز ، ويدخل الخارز يده في الإداوة ثم يمد السَّير أو الخيط. وقد اكتلبَ إذا استعمل الكِلبة.

ثعلبٌ عن ابن الأعرابي : الفُقْأة : جُلَيْدَة رقيقة تكون على الأنف ، فإن لم تَكشِفها مات الوَلَد.

قال ابن الأعرابي : السابياء : السَّلَى الذي يكون فيه الوَلَد وكثر سابياءهم العامَ ، أي : كثر نتاجهم. قال : والسُّخْد : دمٌ وماء في السابِياء.

أبو عبيد عن أبي عمرو : الفقْءُ مهموز : السَّابِياء.

وقال الأصمعي : السَّابِياء : الماء الذي يكون على رأس الولد.

قال الليث : انفقأتِ العَيْن وانفقأَت البَثْرة ، وَبكى حتَّى كاد ينفقِئُ بطنُه ، أي : ينشقّ.

وكانت العرب في الجاهليّة إذا بَلَغتْ إبِلُ الرجل منهم ألفاً فقأ عَيْنِ بعيرٍ منها وسَرَّحَه لا يُنتَفع بظَهْره.

وقال الفرزدق :

غلبتُك بالمفَقِّئ والمُعَنِّي

وبيتِ المحتبِي والخافقاتِ

قلت : ليس معنى المُفَقِّئ في هذا البيت ما ذَهَب إليه الليث ، إنما أراد به الفرزدق قوله لجرير :

ولست ولو فقّأت عينَك واجداً

أباً لك إنْ عُدَّ المَساعي كدارِمِ

وهكذا أخبرني به أبو محمد المُزَنيّ عن أبي خليفة عن محمد بن سلّام.

وقال الليث : يقال : تفقَّأت السحابة : إِذا تبعّجتْ بمائها. وأنشد :

تفقأ حولَه القَلَعُ السَّوارِي

وجُنَّ الخازِبازِ به جُنونا

وقال أبو نخيلة :

أنا الذي سقيت قومي علقا

بالفقء ساقوا القِرْمليّ الأطْرَقا

يرجون بذَّاخ الهديرِ أشوَقا

الفقء : موضع وماء عليه نخيل كان لأبي نخيلة.

ثعلب عن ابن الأعرابي : أفقأ : إذا انخَسَفَ صدْرُه مِن عِلّة. قال : والفَقْءُ : الحُفْرة في الجَبَل. والفَقْء : الماءُ الذي في المَشيمة. قال : وهو السُّخْتُ والسُّخْدُ والنُّخْط.

٢٥٠

وقف : قال الليث : الوَقْف : مصدرُ قولك : وقفتُ الدابة ووقَفْتُ الكلمةَ وَقْفاً. وهذا مُجاوِزٌ ، فإِذا كان لازماً قلتَ : وقفت وُقُوفاً. وإذا وقّفْتَ الرجلَ على كلمةِ قلتَ وقَّفتُه توقيفاً. وفي حديث الحسن : «إنّ المؤمنَ وقّافٌ ، متأنٍّ ، وليس كحاطب الليل»

. ويقال للمُحْجم عن القتال : وَقَّاف. وقال دُرَيد :

فإِنْ يَكُ عبدُ الله خَلَّى مكانَه

فما كانَ وَقّافاً ولا رَعِشَ اليَدِ

أبو عبيد عن الكسائي : وقَفْتُ الدّابة والأرضَ وكلَّ شيء ؛ وأما أوقَفْت فهي رديئة.

قال : قال الأصمعيّ واليزيدي عن أبي عمرو بن العلاء : وقَفْتُ في كل شيء.

قالا : وقال أبو عمرو : ألَا إنِّي لو مررتُ برجُل واقف فقلت : ما أوقَفَك هنا رأيته حَسَناً.

وقال أبو زيد : أوقفت الرجل على خزية : إذا كنت لا تحبسه بيدك ، فأنا أوقفه إيقافاً. قال : ومالك تقف دابتك : تحبسها بيدك. وقال أبو عمرو الشيباني : كان على أمر فأوقف ، أي : قصّر.

وقال أبو زيد : وقَّفْتُ الحديثَ توقيفاً وبَيّنتُه تَبْييناً ، وهما واحد. ودابةٌ مُوَقَّفةٌ توقيفاً ، وهي شِيَتها. ووَقّفَت المرأةُ يدَيْها بالحِنّاء : إذا نقّطتْ يديها.

قال اللحياني : حمار موقَّف وموقَّح ومنقَّح. فالموقّف الذي كويت ذراعاه كيّاً مستديراً.

وأنشد :

كويْنَا خَشرماً في الرأس عشراً

ووقَّفْنا هُديْبَة إذْ أتانا

قال : والموقَّح والمنقَّح : الدَّبر. ورجل موقَّف على الحقّ ، أي : ذلول به.

وقال بعضهم : حمارٌ موقَّف : قد دنا من ذراعيه مثل وقوف العاج.

أبو عبيد عن الأصمعي : الوَقْف : الخَلخال ما كانَ من شيءٍ ، فضةٍ أو غيرها ، وأكثر ما يكون من الذَّبْلِ. وأمَّا التوقيف فالبياض مع السواد.

وقال ابن شُميل : التوقيف : أن يوقَّف على طائِفي القَوْس بمضائغَ من عَقَب قد جَعَلهن في غِراءٍ من دماء الظِّباء فيحئن سُوداً ، ثم يُعَلَّى على الغِراءِ بصَدَأ أطراف النَّبْل ، فيجيء أسْود لازقاً لا ينقطع أبداً.

قال : والمَسْك إذا كان من عاجٍ فهو وقْف ، وإذا كان من ذَبْل فهو مَسْك ، وهو كهيئة السِّوار.

وقال الليث : وَقْفُ التُّرس من حديد أو مِنْ قَرْنٍ يستدير بحافَّتَيه ، وكذلك ما أشبهه.

أبو عبيدٍ إذا أصابت الأوظِفة بياضٌ ولم يَعْدُها إلى أسفلَ ولا فَوْق فذلك التوقيف

٢٥١

يقال : فَرَسٌ مُوَقّف.

وقال الليث : التوقيف في قوائم الدابة وبَقَر الوحش : خطوطٌ سُود.

وأنشد :

شَبَباً مُوقّفاً

وقال آخر :

لها أُمٌ مُوَقَّفَةُ وَكُوبٌ

بحيث الرَّقْو مرتَعُها البَريرُ

أبو عبيدة : الموْقِفانِ من الفَرَس : نُقْرَتا خاصِرَتَيْه ، يقال : فَرَسٌ شديد المَوْقِفَيْن ، كما يقال : شديد الجَنْبَيْن ، وحَبِط المَوْقِفَيْن ، إذا كان عظيما الجنبين.

قال الجعديّ :

شديد قِلات الموقَفينِ كأنما

به نفَسٌ أو قد أراد ليَزفرا

وقال آخر (١) :

فليق النَّسا حَبِط الموقفَيْ

نِ يسَنُّ كالصَّدَع الأشعبِ

وقال غيره : مَوْقف الدابة ما أشرَفَ مِن صُلْبه على خاصرتيه.

أبو عبيد عن الأصمعي : بَدَا من المرأة مَوْقِفُها ، وهو يداها وعيناها وما لا بدَّ لها من إظهاره.

وقال بعضهم : فَرَس موقَّف ، وهو أبرَشُ أعلى الأُذُنين كأنَّهما منقوشتان ببياض ، ولونُ سائره ما كان.

والوَقِيفة : الأُرْوِيَّة.

وقال الشاعر :

فلا تحسبنِّي شحمةً من وقيفةٍ

تَسَرَّطُها مما تَصِيدُك سَلْفَعُ

يريد أرويَّةً ألجأها الكلابُ [إلى](٢) موضع لا مَخْلَصَ لها منه في الجَبل.

وقال اللِّحياني : المِيقَفُ والميقافُ : العُودُ الذي يُحرَّك به القِدْرُ ويُسكّن به غَلَيانُها ، وهو المِدْوَم والمِدْوام. قال : والإدامة : تَرْكُ القِدْرِ على الأثَافي بعد الفَراغ.

فوق : قال أبو عمرو وشِمر بن حَمْدويه : الفُواق : ثائب اللّبَنَ بعد رضاعٍ أو حِلاب ، وهو أن تُحلَب ثم تُترك ساعةً حتى تَدُرّ ، وقد فاقت تَفُوقُ فواقاً وفيقةً.

قال : وقال ابن الأعرابيّ : أفاقت الناقة تُفيق إفاقةً ، وفُواقاً : إذا جاء حينُ حَلْبِها.

وقال ابن شميل : الإفاقة للناقة : أن تُرَدّ من الرِعْي وتُترك ساعةً حتى تستريح وتُفيق.

وقال زيد بن كُثْوة : إفاقة الدِّرّة : رجوعها

__________________

(١) هو الجعدي ، وانظر : «اللسان» (حبط).

(٢) زيادة من «اللسان» (وقف) وفيه : «تلجئها الكلاب إلى صخرة لا مخلص لها منها في الجبل فلا يمكنها أن تنزل حتى تصاد».

٢٥٢

وغِرَارُها : ذَهابُها.

ويقال : استفق الناقة ، أي : لا تَحلُبها قبلَ الوَقت. ومنه قوله : ما يستفيق من الشَّراب ، أي : لا يشربه في الوقت.

وقال الليث : الفَوْق : نقيض التَّحْت. فمن جَعلَه صِفةً كان سبيله النصب كقولك : عبد الله فوق زيد ، نصبٌ لأنَّه صفة. فإِنْ صيَّرته اسماً رفعتَه فقلت : فَوْقُه رأسُه ، صار رفعاً هاهنا لأنَّه هو الرأس نفسُه رَفَعْتَ كلَّ واحدٍ منهما بصاحبه ، الفَوْقَ بالرأس والرأسَ بالفَوْق وتقول : فَوْقَه قَلَنْسُوَة ، نصبْت الفَوْق لأنَّه صفةٌ غير القَلَنْسُوَة.

وتقول : فلانٌ يَفُوقُ قَوْمه ، أي : يَعلوهم ويَفُوق سَطْحاً ، أَي : يَعْلُوه. وجارية فائقة : فاقت في الجمال.

قال : والفُواق : ترجيعُ الشَّهقة الغالبة.

تقول للذي يُصيبه البُهْر : يَفُوقُ فُواقاً وفُؤوقاً.

أبو عبيد عن الكسائي : هو يَفُوقُ بنفسه فُؤُوقاً ، وهو يَسُوقُ نفسَه.

ثعلب عن ابن الأعرابي : الفَوْق : نَفَس المَوْت.

عمرو عن أبيه قال : الفُوق : الطَّريق الأوَّل.

والعرب تقول في الدعاء : لا رَجَعَ فلانٌ فُوقه ، أي : ماتَ.

وأنشد :

ما بال عِرْسِي شَرِقتْ برِيقِها

ثمَّتَ لا يَرجِعْ لها في فُوقِها

أي : لا يرجع بريقُها إلى مجراه.

ابن الأعرابي : الفُوق : السهام الساقطات النُّصول. والفُوق : أعلى الفضائل.

وفي حديث ابن مسعودٍ : ولَّينا أعلانا ذَا فُوقٍ ، أي : ولَّينا أعلانا سَهماً ذا فُوق.

وقال أبو عبيدٍ في حديث ابن مسعود أنه قال : إنا أصحابَ محمدٍ اجتَمَعْنا فأمَّرنا عثمانَ ، ولم نأْلُ عن خَيرنا ذا فُوق.

قال أبو عبيد : قال الأصمعي : قوله : ذَا فُوق ، يعني السَّهم الذي له فُوق ، وهو موضع الوَتر.

قال : وإنما نرى أنه قال خيرنا ذا فُوق ، ولم يَقل خيرنا سَهْماً ، لأنه قد يقال له سهم وإن لم يكن أُصْلِح فُوقُه ولا أُحكِم عمله ، فهو سَهْم ، وليس بتامٍّ كامل ، حتى إذا أُصلح عَمَله واستَحكم فهو حينئذ سهمٌ ذُو فُوق ، فجعلَه عبدُ الله مَثَلاً لعثمان بقوله : إنه خيرُنا سَهْماً تامّاً في الإسلام والسابقة والفَضْل ، فلهذا خَصَّ ذا الفُوق.

قال الفرّاء : أنشدني المفضّل بيت الفرزدق :

ولكن وجدتُ السهمَ أهونَ فُوقُه

عليك فقد أودى دمٌ أَنت طالبه

قال : وهكذا أنشدنيه المفضل.

٢٥٣

قال : إيَّاك وهؤلاء الذين يروونه : فُوقَةٌ.

وقال أبو الهيثم : يقال : شَنَّة وشَنَّات ، وشَنٌّ وشِنانٌ.

وقال ابن الأعرابي : المفوَّق : الذي يؤخذ قليلاً قليلاً مِن مأكول أو مشروب.

قال : والفؤاق : الوجَع مهموز لا غير.

وأمّا الفُوَاق بين الحَلْبتين وهو السُّكون فغيرُ مهموز ، ويجوز فيه الفتح.

وقال الله جل وعز : (وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ (١٥)) [ص : ١٥].

قال الفراء : (ما لَها مِنْ فَواقٍ) ، وقرئ : (ما لها مِن فُواق) ، ومعناهما واحد ، أي : ما لَها مِن راحةٍ ولا إفاقةٍ ، وأصلُها من الإفاقة في الرضاع إذا ارتضَعت البُهْمةُ أُمَّها ثم تركَتها حتى تُنزِل شيئاً من اللبن ، فتلك الإفاقةُ الفُواق.

ورُوي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «العيادة قَدْر فُوَاق ناقة». وقال أبو عبيدة : مَن قرأها : (ما لَها مِنْ فَواقٍ) [ص : ١٥] ، أرادَ ما لَها مِن إفاقة ولا راحة ، ذهب بها إلى إفاقة المريض ، ومَن ضَمَّها جعلَها مِن فُواق الناقة ، وهو ما بين الحَلْبَتين ، يريد ما لَها مِن انتظار.

وقال قتَادة : (ما لَها مِنْ فَواقٍ) ، مِن مَرجوع ولا مثَنوِيَّة ولا ارتداد.

وقال الليث : فُواق الناقة : رُجوعُ اللَّبن في ضَرْعها بعد حَلبها. تقول العرب : ما أَقامَ عندي فُواقَ ناقة.

قال : وكلَّما اجتمع مِن الفُواق دِرَّةٌ فاسمُها الفِيقة ، وقد أفاقت الناقة واستفاقها أهلها ، إذا نفَّسوا حَلَبَها حتى تجتمع دِرَّتها.

وبعضٌ يقول : فَواق ناقة بمعنى الإفاقة ، كإفاقة المَغْشيّ عليه. تقول : أفاقَ يُفيق إفاقةً وفَواقاً.

قال : وكلُّ مغْشيٍّ عليه أَو سَكْران أو مَعْتوهٍ إذا انجَلى ذلك عنه قيل : قد أَفاقَ واستَفاقَ.

وقالت خنساء :

هَرِيقي مِن دُموعِكِ واستفِيقي

وصَبْراً إنْ أَطَقْتِ ولَنْ تُطيقي

والفُوقُ : مَشَقُّ رأس السهم حيثُ يقع الوَتر. وحَرْفاه : زنمتاه. وهُذيلٌ تسمَّى الزَّنمَتين : الفُوقَين.

وأنشد :

كأنَّ النَّصْلَ والفُوقَين منه

خِلالَ الرأس شِيطَ به مُشيحُ

قال : وإذا كان في الفُوق مَيل أو انكسارٌ في إحدى زنمَتيه فذلك السهمُ أفْوَق ، وفِعْله الفَوَق.

وأنشد :

كَسَّر مِن عينيه تقويمُ الفَوَق

أبو عبيد عن أبي عمرو قال : الأفْوَق من السِّهام : المكسور الفُوق.

٢٥٤

قال : وقال الأصمعي : قد انفاق السهمُ : إذا انشقّ فوقُه.

وقال أبو عمرو : فإن كسرتَه أنت قلت : فقْتُ السهمَ أفوقه. فإن عمِلتَ له فوقاً قلتَ : فَوَّقتُه تَفْويقاً ، ونحو ذلك.

قال الكسائيّ : قالا : فإن وضعتَه في الوتر لتَرمِيَ به قلت : أَفقتُ السَّهمَ وأفوقْتُه.

الأصمعيّ مثلَ هذا إلا أَنه قال بالسِّهم بالباء (١).

قال : وجمعُ الفوق أَفواق وفُوَق وفُقًى مقلوب.

وقال شَهْل بن شَيبان ، وهو الفِنْد الزِّمَّانيّ :

ونبلِي وفقاها ك

عراقيبِ القطَا الطُّحْلِ

وقال الكميت :

ومِنْ دُونِ ذاكَ قِسِيُّ المَنو

نِ لا الفوقُ نَبْلاً ولا النُّصَّلُ

أي : ليست القوسُ بفَوقاء النّبْل ، أي : ليست نبالُها بفوق ولا بِنُصَّلٍ ، أي : بخارجة النِّصال من أَرعاظها.

قال : ونَصب نَبْلاً على توهُّم التنوين وإخراج اللام كما تقول : هو حَسَنٌ وجهاً ، وكريمٌ والداً.

قال : والفاقة : الحاجة ، ولا فِعْل لها.

وقال ابن السكيت : يقال من الفاقة : إنه لمُفْتاق ذو فاقة.

وقال الليث : الفاق : الجفنة المملوءةُ طعاماً ومنه قوله :

ترَى الأضيافَ ينتجِعون فاقِي

وقال غيره : الفاقُ : الزيتُ المطبوخ في قول الشمَّاخ :

قامت تريكَ أَثِيتَ النَّبْت مُنْسدِلاً

مِثل الأساوِدِ قد مُسِّحْن بالقافِ

وقال أبو عبيدة : الفاق : البان في قول الشّمَّاخ.

وقال بعضهم : أَراد الأنفاق ، وهو الغَضُّ من الزيت.

ورواه أَبو عمرو :

قد شدِّخْن بالفاق

وقال : الفاق : الصَّحْراء. وقال مَرّة : هي أَرض.

وقال اللِّحياني : خرجنا بعدَ أَفاويقَ من اللّيل ، أي : بعد ما تمضى عامَّة الليل.

وأفاوِيقُ السحابة : مَطرُها مرَّةً بعد مرَّة.

وفي حديث أبي موسى أنه ذكر قراءته القرآن فقال : «أما أنا فأتَفَوّقه تَفوُّقَ اللَّقوحِ». قال أبو عبيد : يقول : لا أَقرأ جُزْئِي بمَرةٍ ، ولكني أَقرأ منه شيئاً بعد شيء في آناء اللّيل والنهار ، مأخوذ مِن فواق الناقة ،

__________________

(١) في «اللسان» (فوق): «وقال الأصمعي : أفقت بالسهم ، وأوفقتُ بالسهم ، بالباء».

٢٥٥

وذلك أنها تحلَب ثم تترك ساعة حتى تَدِرَّ ثم تحلَب. يقال منه : قد فاقت تَفوق فواقاً وفِيقة.

وأنشد :

فأَضحَى يَسُحُّ الماءَ مِن كلِ فِيقةٍ

قال : وفي حديثٍ مرفوع أنّه قَسَم الغنائمَ يومَ بَدْرٍ عن فُواق ، كأنه أراد أنه فَعَل ذلك في قَدْر فُواقِ ناقة ، وفيه لُغَتان : فُواق وفَواق.

قال : وقيل : إنه أراد التفضيل ، أنَّه جعل بعضهم فيه أَفْوَقَ مِن بعض على قدر غَنائهم.

وقال النَّضْر : فُوقُ الذكر : أعلاه.

يقال : كَمَرةٌ ذاتُ فُوق. وأنشد :

يا أيُّها الشيخُ الطَّويلُ المُوقِ

إِغْمزْ بهنَّ وضَحَ الطَرِيق

غمزَك بالحوْقاءِ ذاتِ الفُوقِ

بين مَنَاطيْ رَكَبٍ مخلوقِ

قال أبو شعيب : قال أبو يوسف : يقال : فُوقَة وفُوق وفُوَق وأفواق.

قال رؤبة :

كسَّر من عينيه تقويمُ الفُوَق

فهذا جمع فُوقة.

ويقال : فُقوة وفقى على القلب.

ويقال : ما بللتُ منه بأفوقَ ناصل ، وهو السَّهم المكسَّر الفوق الساقط النَّصل.

وقال أبو عمرو : يقال : رمَيْنا فُوقاً واحداً ، وهو أن يرمِيَ القومُ المجتمعون رَميةً رَميةً بجميع ما معهم من السِّهام ، يعني يَرمي هذا رَميةً وهذا رمْية.

والعرب تقول : أقْبِل على فُوقِ نبلك ، أي : أقبلْ على شأنك وما يعنيك.

ويقال : فلان لا يستفيق من الشراب ، أي : لا يجعل لشُرْبه وَقْتاً ، إنما يشربه دائماً.

ويقال : أَفاق الزمانُ : إذا أخصبَ بعدَ جَدْب.

وقال الأعشى :

المُهينين ما لَهمْ في زمان ال

سَّوْءِ حتى إذا أفاقَ أفاقوا

يقول : إذا أفاق الزمانُ بالخِصْب أفاقوا مِن نَحْر إبلهمْ.

وقال نُصَير : يريد إذا أفاق الزمانُ سهمَه ليَرميَهم بالقَحْط أفاقوا له سِهامهم بنَحْر إبلهم.

ويقال : محالةٌ فَوْقاء : إِذا كان لكلِّ سِنٍّ منها فوقان ، مثل فوقي السَّهْم.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال : الفَوَقة : الأدباء الخُطْباء.

الأصمعي : فوّقَ نبله تَفْويقاً : إذا قَرَضَها وجَعل لها أفواقاً.

ومَثَل للعرب يُضرب للطالب لا يجدُ ما طَلَب : رجعَ بأفْوَقَ ناصلٍ ، أي : بسهمٍ

٢٥٦

منكسر الفوق لا نَصْلَ له.

ويقال للإنسان تشخص الرِّيحُ في صَدْرِه فاقَ يفُوق فُواقاً وبه فواق.

وقال أبو تراب : قال السُّلَمي : شاعر مُفْلِق ومُفِيقٌ ، باللام والياء.

ثعلب عن سلمة عن الفراء قال : يجمع الفُواق أَفيقَة ، والأصل أَفْوِقة ، فنقِلتْ كسرة الواو لما قبلها فقلبت ياء لانكسار ما قَبْلها ومِثلُه : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) [البقرة : ٤٣] ، الأصل أقْوِموا ، فألْقَوا حرَكَة الواوِ على القاف فانكسرتْ وقَلبوا الواو ياء لكسرة القاف ، فقُرئت أقيموا. كذلك قولهم أَفيقَة ، هذا ميزانُ واحد ، ومثله مُصيبة ، كانت في الأصل مُصْوبة وأفْوِقة مثل جَواب وأجوبة.

وفق : قال الليث : الوَفْق : كلُّ شيء يكون متفقاً على تيفاقٍ واحد فهو وَفْق ، كقوله :

يَهْوِينَ شَتّى ويَقَعْنَ وَفْقا

قال : ومنه الموافقة.

تقول : وافقتُ فلاناً في موضع كذا وكذا ، أي : صادفتُه. ووافقتُ فلاناً على أمر كذا وكذا ، أي : اتفقنا عليه مَعاً.

وتقول : لا يتوفق عبدٌ حتّى يوفِّقه الله وأنَّ فلاناً موفَّق : رَشيد. وكنَّا مِن أمرنا على وِفاق.

وقال الليث : لغةٌ أوفقتُ السهمَ إذا جعلتَ فوقَه في الوَتر ، واشتق هذا الفعل من موافَقة الوتر مَحزَّ الفُوق.

وَقال غيره : الأصلُ : فوقتُ السهمَ مِن الفوق.

ومَن قال : أَوفَقْتُ فهو مقلوب.

وقال ابن بُزرج : أَوفَقَ القومُ الرجلَ : دَنَوْا منه واجتمعتْ كلمتُهم عليه. وأَوفَقَت الإبلُ : اصطفت واستَوت مَعاً.

وقال ابن الأعرابي : هذا وَفْقُ هذا ووِفاقُه ، وفيقُه وفُوقُه ، ورسيّه وعِدْله ، واحد.

ويقال : أتان لتَوْفاق الهلال ، وتِيفاق الهلال ، ومِيفاق الهلال ، وتوفيق الهلال معناه أتانا حينَ أُهِلَّ الهلال.

ويقال : حَلوبة فلانٍ وَفْقُ عياله ، أي : قدر ما يقُوتُهم.

قال الراعي :

أمَّا الفقير الذي كانت حَلُوبتُه

وفقَ العِيالِ فلم يُترَكْ له سَيَدُ

أبو عبيد عن أبي عمرو : ووفق أمرُه يفِق.

وقال الكسائي : يقال : رَشِدْتَ أَمرَكَ وَوفِقْتَ رأْيك.

وقال القُتيبيّ معنى وَفِقَ أَمْرَهُ : وجدهُ موافقاً.

وقال اللِّحيانيّ : وَفِقه : فَهِمه.

وفي «النوادر» : فلانٌ لا يفِقُ لكذا وكذا ، أي : لا يقدَّر له لوقته ، يقال : وَفِقْتُ له ،

٢٥٧

ووفقْتُه ووفقني ، وذلك إذا صادَفني ولقِيني.

وقال أبو زيد : مِن الرِّجال الوفيق ، وهو الرفيق ؛ يقال : رفيق وفيق.

وقال الأصمعي : أَوفقَ الرامي إيفاقاً : إذا جَعَل الفُوقَ في الوتر.

وقال رؤبة :

وأُوفِقَتْ للرمي حَشْرابُ الرَّشَقْ

ويقال : إنه لَمُستَوفقُ له بالحُجّة ومفيق له : إذا أصاب فيها.

أفق : أبو عبيد عن أبي عمرو : الآفِق على ميزان فاعل : الذي قد بلغ في العِلم الغاية ، وكذلك في غيره من أبواب الْخَير.

وقد أفَق يأفِق.

وقال الأعشى :

ولا الملكُ النعمانُ يوم لقيته

بغِبْطتِه يُعْطِي القُطوطَ ويأْفِقُ

قال : يأفق : يُفْضِل.

وقال الليث : أفقَ الرجلُ يأفقُ : إذا ركِب رأسَه فذهب في الآفاق.

قال : وقوله : «يعطي القطوطَ ويأفقْ» ، أي : يأخذ من الآفاق وواحد الآفاق أُفْق ، وهي النواحي. وكذلك آفاق السماء نواحيها ، وكذلك أُفق البيت من بيوت الأعراب : ما دُون سَمْكه.

وقال أبو عبيد عن غير واحد من أصحابه : الجِلد أوّلُ ما يُدبَغ فهو منيئة ثم أفيق ، ثم يكون أَدِيماً. وقد أَفقْته. قال : وجمعُ الأفيق أفَقَ ، مثل : أَديم وأَدَم.

وفي حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنَّ عمر دخلَ بيتَه وفيه أفيق».

وقال الليث : الأفَقَة : مَرْقَةٌ مِن مَرْق الإهاب.

وقال الأصمعيّ : بعيرٌ آفِق ، وفَرَسٌ آفِق : إذا كان رائعاً كريماً وكان البعيرُ عَتِيقاً كريماً.

وقال شمِر : فرَس أُفُقٌ رائِعَة.

وأنشد :

أرجِّلُ لِمَّتِي وأَجُرّ ثوْبي

ويَحْمِل بِزَّتي أُفق كُتَيْتُ

قال أبو سعيد : الأفيق من الجلود : ما دُبغ بغير القَرظ من أَدْبِغة أهل نجد ، مثل الأرْطَى والحُلَّب والقَرْنُوَة والعِرْنة وأشياء غيرها ، فهذه التي تدبغ بهذه الأربعة فهي أَفَق حتى تُقَدَّ فيُتَّخذ منها ما يُتَّخَذ.

وقال الأصمعي : رجُلٌ أَفَقِيٌ : إذا كان من آفاق الأرض ، أي : نواحيها.

وقال الكميت :

الفاتقون الراتقو

ن الآفِقون على المعاشر

ويقال : تأَفّق : إذا جاءَ من أُفق.

وقال أبو وجْزة :

٢٥٨

أَلَا طُرقَتْ سُعْدَى فكيف تأَفَّقَتْ

بنا وهي مِيسانُ الليَالي كَسُولُها

قالوا : تأفَّقَتْ بنا : أَلَمَّتْ بنا وأتتنا.

وقال ابن السكيت : رجُلٌ أَفَقِيّ بفتح الألف والفاء : إذا أضفتَه إلى الآفاق.

وبعضهم يقول : أُفُقِيّ بضم الألف والفاء.

وأُفاقة : موضعٌ ذكره لَبيدٌ فقال :

وَشهدْتُ أنجيةَ الأُفاقة عالياً

كَعْبِي وأرْدافُ الملوكِ شُهودُ

وفي حديث لقمان بن عاد حِين وَصَف أخاه فقال : صَفَّاقٌ أفّاق ، يُعمِل الناقةَ والسَّاق.

معناه : أنه يضرب في آفاق الأرض كاسباً.

ويقال : أفقَه يأفِقُه : إذا سبقه بالفضْل.

وقال أبو زيد : أفَقَ يأفِق أفْقاً ، أي : غَلَب يغلب.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال : الأفَقَةُ : الخاصِرَة.

قال : وقَعَدْتُ على أَفَق الطريق ، أي : على وَجْهه ، والجميعُ آفاق.

فاق : قال الليث : الفَأَق : داءٌ يأخذُ الإنسانَ في عَظْم عُنقه الموصول بدماغه ، فيقال : فَئِق الرجلُ فأَقاً فهو فَئق مُفْئِقٌ ، واسمُ ذلك : العظْم الفائق.

وأنشد :

أو مُشْتَكٍ فائِقُه من الفَأَق

وإكافٌ مُفْأَقٌ : مُفَرَّج.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ قال : الفائق هو الدُّرْدَاقِسُ.

وقال أبو نصر ، يقال : فلانٌ يشتكِي عَظْمَ فائقه ، يعني العظم الذي في مؤخّر الرأس يُغمَز من داخل الحَلْق إِذا سَقَط.

وقال اللّحياني : الفائق : عظْم في مؤخّر الرأس مما يَلي الحلق.

يقال : فاقه فهو يفُوقه : إذا أزال فائقَه.

وقال كثير :

يفوق رقاته الثّؤباء فوقاً

أجابته وليست لانسياب

يصف رجلاً كأنّه حيَّة صماء لا تغني فيها الرُّقي ، أنَّ الرقاة يرمونها ويتثاءبون حتى تفوقهم الثؤباء ، أي : تزيل فائقهم.

باب القاف والباء

ق ب

(وا يء) قوب ، قبا ، قأب ، بقي ، وقب ، وبق ، أبق ، [بوق].

قبا : رَوى شمر بإِسنادٍ له عن عطاء أنّه قال : يُكره أن يَدخل المعتكف قَبْواً مَقْبُوّاً. قيل له : فأَيْنَ يُحْدِث؟ قال : في الشِّعَابِ.

قيل : فقعود المسجد؟ فقال : إنَّ المسجد ليس كذلك.

قال شمر : قال ابن شميل : قَبَوْتُ البِناء ،

٢٥٩

أي : رَفَعْتُه.

قال : والسماء مَقْبُوَّةٌ ، أي : مرفوعة.

قال : ولا يقال : مَقْبُوَّةٌ من القُبَّة ، ولكن يقال : مُقَبَّبة.

وقال الليث : القَباءُ ممدود ، وثلاثةُ أقْبِية.

وقد تَقَبَّى الرجلُ : إذا لبس قَباءَه. وقُبا : قرية بالمدينة.

ويقال : اللِّئام : قابياً وقابِعاً.

ومنه قوله :

بنو قابياً وبَنُو قَوْبَعَه

والقَبَايَة : المَفازَة بلُغة حِمْيَر.

وقال الرَّاجز :

وما كان عَنْزٌ تَرْتَقِي بقَبايةٍ

ثعلب عن ابن الأعرابي : القَبا : ضَرْبٌ من الشجر. والقَبَا : تقويسُ الشيء. وتَقبَّى الرجلُ فلاناً : إذا أتاه مِن قِبَل قَفَاه.

وقال رؤبة :

وإن تَقَبَّى أَنْبَتَ الأنايبا

في أُمَّهاتِ الرأسِ هَمْزاً وَاقبَا

شمر عن أبي عمرو : قَبَوْتُ الزَّعفَرانَ والعُصْفُر أقْبُوه قَبْواً ، أي : جَنَيْتُهُ.

سَلَمة عن الفرَّاء : القابِيَة : المرأة التي تلقُطُ العُصْفُر.

وقال شمر في قوله :

مِنْ كلِّ ذاتِ ثَبَجٍ مَقَبِّي

المقبِّي : الكثير الشحم. وأهل المدينة يقولون للضَّمة قَبْوَة. وقد قَبا الحَرفَ يَقْبُوه : إذا ضمَّه وكأنَ القَباء مشتقٌّ منه.

وقال اللِّحيانيّ : يقال : قَبِ هذا الثوب تقبيةً ، أي : اقطعْ منه قَباء. وانقَبَى فلانٌ عنَّا انقِباءً : إذا استخفَى.

وقال أبو تراب : سمِعتُ الجَعْفَرِيّ يقول : اعتبَيْتُ المتاعَ واقتبيتُه : إذا جمعته. وقد عَبَا الثيابَ يَعبَاها وقَباها يقباها.

قلت : وهذا جائزٌ على لُغة مَن يَرَى تَليين الهمزة.

بقي : قال الليث : تقول العرب : نشدتُك الله والبُقْيا ، وهي البقِيّة.

أبو عُبَيدٍ عن الكسائيِّ قال : البَقْوَى والبُقْيا هي الإبقاء ، مِثل الرَّعْوَى ، والرُّعْيَا مِن الإرعاء على الشيء ، وهو الإبقاءُ عليه.

العرب تقول للعدوّ إذا غلب : البقيَّة! أي : أبقوا علينا ولا تستأصلونا.

ومنه قول الأعشى :

قالوا البقية والخطيّ تأخذهم

وقوله : (أُولُوا بَقِيَّةٍ) [هود : ١١٦] من دينٍ ، قومٌ لهم بقيّة : إذا كانت بهم مُسْكَة ، وفيهم خير.

قال الأزهري : البقيّة : اسمٌ من الإبقاء ، كأنه أراد ، والله أعلم : فلو لا كان من القرون قومٌ أُولوا إبقاءٍ على أنفسهم لتمسكهم بالدِّين المرضيّ. ونصب (إِلَّا قَلِيلاً) [هود : ١١٦] لأنَّ المعنى في قوله

٢٦٠