تهذيب اللغة - ج ٩

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ٩

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٥١

وبُلَّة ، كلُّه الرّخاء والرِفْق.

ورق : قال الليث : الوَرَق : وَرَق الشجر والشوك. ورقَّت الشجرةُ توريقاً ، وأورقتْ إيراقاً : إذا أخرجتْ ورقَهَا. وشجرةٌ وَرِيقَة : كثيرة الوَرَق.

أبو عبيد : شجرة وارقة ، وهي الخضراء الورق الحسنَتُهُ.

قال : وأمَّا الوراق فخضرة الأرض من الحشيش ، وليسَ الوَرَق. وقال أوس بن زُهير (١) :

كأنَّ جِيادَهُنْ بِرَعْنِ زُمٍ

جَرَادٌ قد أطَاعَ له الوَرَاقُ

وأنشد غيره :

قل لنُصَيْب يَحْتلِبْ نابَ جعفرٍ

إذا شَكِرَتْ عند الوَرَاق جِلامُها

الجِلام : الجِداء.

وقال الليث : الوَرَق : الدَمُ الذي يَسقُط من الجِراح عَلَقاً قِطَعاً.

ثعلب عن ابن الأعرابي قال : الوَرْقة : العَيْبُ في الغُصْن ، فإذا زادت فهي الأُبنة ، فإذا زادت فهي السَّحْتنة.

أبو عبيد عن الأصمعيّ : إذا كان في القوس مَخرَجُ غُصْن فهو أُبْنة ، فإذا كان أخفى من ذلك فهو وَرْقة.

وقال ابن الأعرابيّ : الوَرقة : الخَسيسُ من الرجال ، والوَرَقة : الكريم من الرجال ، والوَرَقة : مقدار الدِّرهم مِن الدَمِ.

والوَرَق : المال الناطق كلُّه ، والوَرَق : الأحداث من الغِلْمان.

ابن السكيت : الورَق من القوم : أحداثهم.

وأنشد :

إذا وَرَقُ الفتيان صاروا كأنّهم

دراهمُ منها جائزاتٌ وزُيَّفُ

والورق : المال من الإبل والغنم. والورق من الدم : ما استدار. وقال أبو سعيد : فتًى ورَق ، أي : ظريف ، وفتيانٌ وَرَق.

وأنشد البيت. قال عمرو بن الأهتم في ناقته وكان قدمَ المدينة :

طال التِّواء عليها بالمدينة لا

ترعى وبِيع لها البيضاءُ والوَرقُ

أراد بالبيضاء الحَلِيَّ ، وبالورق : الخبَط.

وبيع ، أي : اشترى.

وقال الليث : الوَرَق : أَدَمٌ رِقاق ، منها وَرَق المُصحَف ، الواحدة وَرَقة. قال : والوَرِق : اسمٌ للدَّراهم وكذلك الرِّقَة ؛ يقال : أعطاه ألفَ درهمٍ رِقَةً لا يخالطها شيءٌ من المال غيرها. ورُوي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «وفي الرِّقَة رُبْع

__________________

(١) البيت لأوس بن حجر كما في «ديوانه» (١٨) ، و «اللسان». وقال : «ونسبه الأزهري لأوس بن زهير».

٢٢١

العُشْر».

وأخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم أنّه قال : الوَرِق والرِّقَة : الدّراهم خالصةً. والورّاق : الرجل الكثير الوَرِق.

قال : الورق : المالُ كلّه. وأنشد :

اغفِرْ خَطايايَ وثَمِّرْ وَرِقِي

أي : مالي.

قال شمر : قال أبو عبيدة : الوَرِق : الفضّة كانت مضروبة دَراهم أوْ لا.

وأخبَرَني أبو الحسين المُزَني عن أبي العباس أحمد بن يحيى أنّه قال : تُجمَع الرِّقَة رِقِينَ ؛ ومنه قولهم : «وجْدانُ الرِّقِينَ ، يُغَطّي أفْنَ الأفين».

وقال أبو سعيد : يقال : رأيتهُ وَرَقاً ، أي : حيّاً ، وكلّ حَيّ وَرَق ؛ لأنّهم يقولون : يموتُ كما يَموت الوَرَق ، أي : يَيْبَسُ كما يَيْبس الورَق. وقال الطائي :

وهزَّت رأسَها عَجَباً وقالت

أنا العَبْرَى أإيَّانا تُريدُ

ومَا يَدْرِي الوَدُودُ لعلّ قلبي

ولو خُبِّرتَهُ وَرَقاً جَليدُ

أي : ولو خُبِّرْتَه حيّاً فإنّه جليد.

عمرو عن أبيه : الوَرِيقة : الشجرة الحَسَنة الوَرَق.

ثعلب عن ابن الأعرابي : يقال للنِّصِيّ والصِّلِّيان إذا نَبَتَا رِقةٌ ، خفيفةً ، ما داما رَطْبَيْن. والرِّقَة أيضاً : رِقة الكلأ إذا خرجَ له وَرَق.

قال : والأوْرَق مِن كلِّ شيء : ما كان لونُه لونَ الرماد. وأنشد :

ولا تَكُوني يا ابنةَ الأشَمِ

وَرْقاءَ دَمَّي ذِئبَها المدمِّي

قال : والذِّئابُ إذا رأت ذئباً قد عُقِر وظَهَر دَمُه أكبَّتْ عليه فقطَعْته وأُنثاه معها. فيقول هذا الرجل لامرأته : لا تكوني إذا رأيتِ الناسَ قد ظَلموني ، معهم عليّ فتكوني كَذِئبة السَّوء.

قال : والأورَق من الناس : الأسمر. ومنه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ولد المُلاعَنة : «إِنْ جاءت به أمُّه أَوْرَق» ، أي : أسمر.

قال : والسُّمْرة : الوَرْقة. والسَّمْرة : الأُحْدُوثة باللَّيل.

وقال أبو عبيد : الأوْرَق الذي لونهُ بين السَّواد والغُبْرة ، ومنه قيل للرَّماد أَورَق وللحمامة وَرْقاءَ ، وإِنَّما وصَفَه بالأدْمة.

أبو عبيد من أمثالهم : «إنّه لأشأمُ من ورقاء» ، وهي مشؤومة. يعني الناقة ربَّما نفرتْ فذهبت في الأرض.

ويقال للحمامة ورقاء للونها.

وقال الأصمعي : جاء فلانٌ بالرُّبيق على أُرَيق : إذا جاء بالداهية الكبيرة.

قال الأزهري : أرَيق تصغر أورَق على الترخيم ، كما صغّروا أسوَد سُوَيد. وأُرَيق في الأصل وُرَيق ، فقلبت الواو ألفاً

٢٢٢

للضمَّة ، كما قال : (وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ (١١)) [المرسلات : ١١] والأصل وُقّتت. ويقال : رعَينا رِقَة الطَّريفة ، وهي الصِّلّيانُ والنَّصيّ مرّة. والرِّقَة : أول خروج نباتها رطباً.

رواه المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي.

وقال غيره : تَوَرَّقَت الناقة : إذا رَعَت الرِّقَة.

ويقال : رِقْ لي هذه الشجرةَ وَرْقاً ، أي : خُذ وَرَقَها ، وقد وَرَقْتُها أرِقُها وَرْقاً فهي مَوْروقة.

ويقال : أَورَقَ الحابِل يُورِق إيراقاً فهو مُورِق : إذا لم يَقَعْ في حِبالته صَيْد ، وكذلك الغازي إذا لم يَغنَم ، فهو مُورِق ومُخْفِق.

أخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه أنشده :

فلا تلحيَا الدُّنيا إليَّ فإنني

أرى ورق الدُّنيا يَسُلّ السخائما

ويا ربّ مُلتاثٍ يجرُّ نساءَه

نفَى عنه وِجدانُ الرِّقين العزائما

يقول : ينفي عنه كثرةُ المال عزائمَ الناس فيه أنه أحمق مجنون.

قال الأزهري : لا تلحيا : لا تذمَّا.

والملتاث : الأحمق.

وقال النضر : يقال : إيراقّ العِنَب يَوْراقُ ايرِيقاقاً : إذا لوَّن فهو مُورَاقٌ.

وقال اللحياني : إنْ تَتْجُرْ فإِنّه مَوْرَقَةٌ لمالِك ، أي : مَكثَرة. وزمانٌ أورَق ، أي : جَدْب. وقال جندلٌ :

إنْ كانَ عَمِّي لكريمَ المَصْدَقِ

عَفّا هَضوماً في الزَّمانِ الأورَقِ

أبو عبيد عن الأصمعي : إذا كان البعير أسودَ يخالط سوادَهُ بياضٌ كدُخان الرِّمْث ، فتلك الوُرْقة ؛ فإن اشتدَّت وُرْقته حتّى يذهب البياض الذي فيه فهو أدهم.

وقال ابن الأعرابي : قال أبو نصرٍ النَّعاميّ : هَجِّرْ بحمراءَ ، وأَسْرِ بوَرْقاء ، وصَبّحِ القومَ على صَهْباء ، قيل له : ولم ذلك؟ قال : لأنَّ الحمراء أصبَرُ على الهَواجِر ، والوَرْقاء : أصبَرُ على طول السُّرَى ، والصِّهْباء أشهر وأحسن حينَ ينظر إليها.

شَمِر عن ابن سِمْعان وغيره : الرِّقة : الأرض التي يُصِبها المَطَر في الصَّفَريّة أو في القَيْظ ، فتنبت فتكون خضراء.

فيقال : هي رِقَةٌ خضراء.

والرِّقَة : رِقَةُ النَّصِيِّ والصِّلِّيان : إذا اخضرَّ في الربيع.

وقال شمِر : الرِّقَة : العَيْن ؛ ويقال : هي من الفضَّة خاصَّة.

قلت : الرِّقَة أصلُها وِرْقة ، مثل : العِدَة والصِّلَة والزّنَة.

والوَرقاء : شجرة معروفة تسمو قدر قامةِ رجل ، لها ورق مدوَّر واسع رقيق ناعم.

٢٢٣

أرق : قال الليث : الأَرَق : ذَهابُ النوم باللَّيل ؛ يقال : أَرِقْت آرَقُ أَرَقاً فأنا أرِقٌ ، وأرَّقَني كذا وكذا فأنا مؤرَّق. وزَرْعٌ مأروق ، ونخلةٌ مأروقة. والْيَرَقان والأَرقان : آفةٌ تصيب الزّرعَ ، يقال : زَرْعٌ مَيْرُوق. وقد يُرِق أيضاً. والْيَرَقان والأَرَقان أيضاً : داءٌ يصيب النّاسَ شِبهُ الصُّفار يَصْفَرّ منه حَدَقُ الإنسان وبَشَرَتُه.

رقا : قال الليث : يقال : رَقأ الدم فهو يَرْقأُ رُقوءاً. ورقأَ العِرْق : إذا سَكَنَ. ورَقأَ الدَمعُ رُقوءاً : إذا انقطع.

وقال ابن السكيت : الرَّقُوء : الدواء الذي يُرقأ به الدم. والعرب تقول : لا تَسُبُّوا الإبل فإنَّ فيها رَقُوءَ الدماء ، أي : تُعطى في الدِّيات فتَحقِن الدماء.

ثعلب عن ابن الأعرابي يقال : ارْقَ على ظَلْعِك ، فيقول : رَقِيتُ رُقِيّاً ، ويقال : ارْقَأ على ظَلْعِك فيقول : رَقأْتُ رَقئاً. ومعناه : أصلِحْ أمركَ أولاً ويقال : رَقِي على ظلْعك بالهمز ، فيُجيبُه وَقَيْتُ أقي وُقِيّاً.

ويقال : رقَى الراقي رَقْيةً وَرَقْياً : إذا عَوَّذ ونَفَثَ في عُوذتِه ، وصاحبُها رقَّاءٌ.

والمَرْقيّ يَسترْقي ، وهم الراقُون.

وقال النابغة :

تناذَرَها الرَّاقونَ مِن سَوءِ سَمِّها

ويقال : رَقِيَ فلانٌ في الجبل يَرقى رُقِيّاً : إذا صَعِد.

ويقال : ارتَقى يَرْتَقي.

والمَرْقاة : واحدة مراقي الدرجة. ويقال : هذا جبلٌ لا مَرقَى فيه ولا مُرْتقَى.

ويقال : ما زال فلانٌ يترقَّى به الأمر حتى بلغ غايتَه.

وَالرَّقْوَة : فُوَيق الدِّعْص من الرمل.

ويقال : رَقُوٌ ، بلا هاء. وأكثر ما يكون الرُّقْوُ إلى جَنب الأودية. وقال الشاعر :

لها أُمٌّ مُوَقَّفةٌ وَكُوبٌ

بحيثُ الرَّقْوُ مَرْتَعْها البَريرُ

يصف ظبيَة وخِشْفها. والمُوَقَّفة التي في ذراعيها بياض. والوكوب : التي واكبَتْ ولدَها ولازمتْه. وقال آخر :

مِن البيض مِبْهاج كأنَّ ضَجِيعَها

يَبيتُ إلى رَقْوٍ مِن الرَمْلِ مُصعَبِ

ثعلب عن ابن الأعرابي قال : الرَّقْوة : القُمزَة من التُّراب تجتمع على شَفير الوادي ، وجمعُها الرُّقَى.

وقال أبو عمرو : الرُقّي هي الشَّحمة البيضاء النقيَّة تكون في مَرجع الكَتِف وعليها أخرى مِثلُها يقال لها المأَناتُ.

فلما يَرَها الآكل يأخذها مُسابَقةً. قال : ومَثَلٌ يضربُه النِّحرير لِلخَوْعَم حسِبْتَني الرُقَّي عليها المأنات.

أبو عبيد عن الكسائي في باب لزوم الإنسان أمره : ارقأ على ظلعك ، وارقَ على ظلعك ، وقِ على ظَلْعك بغير همزة

٢٢٤

من وقيت ، أي : الزمْه واربعْ عليه. وقال شمر : معناها كلّها ، أي : اسكت على ما فيك من العيب. وذلك أن الظَّلْع العيب.

أخبرني المنذريُّ عن أبي طالب في قولهم : لا أرقَأَ الله دَمعتَه.

قال : معناه : لا رفَع الله دمْعَتَه. ومنه رَقأتُ الدرجة ، ومن هذا سُمِّيت المِرْقاة.

يقال : رقأتُ ورقيتُه ، وتَرْك الهمز أكثر.

قال : وقال الأصمعيُّ : مثلَ ذلك في الدم إذا قَتل رجلٌ رجلاً فأخذ وليُّ الدمِ الدِّيةَ رَقأَ دَمُ القاتل ، أي : ارتفَع ، ولو لم تُؤخذ الدِّية لَهُرِيقَ دَمُه فانحدَر.

قال : وكذلك قال المفضَّل الضبيّ.

وأنشد :

وتَرقَأُ في مَعاقِلها الدِّماءُ

باب القاف واللام

ق ل

(وا يء) قول ، قيل ، قلا ، لقا ، ليق ، يلق ، ولق ، وقل ، [ألق].

قلا : قال الله جل وعز : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (٣)) [الضحى : ٣].

قال الفراء : نزلتْ في احتباس الوَحْي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خمسَ عشرةَ ليلة ، فقال المشركون : قد وَدّعَ محمداً ربُّه ، وقَلاه التابعُ الذي يكون معه ، فأنزَل الله جل وعز : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (٣)) يريد : وما قَلاك ، فأُلقِيت الكافُ كما تقول : قد أعطيتك وأحسنت معناه وأحسنت إليك.

فتكتفي بالكاف الأولى ، من إعادة الأخرى.

وقال الزجاج : معناه : لم يَقطع الوحيَ عنك وَلا أبغضك.

قلت : وكلام العرب الفصيحُ : قَلاه يقلِيه قِلًى ومَقلِيةً : إذا أبغضه ، ولغةٌ أخرى وليست بجيدة : قَلاه يَقْلاهُ وهي قليلة.

ويقال : قَلَيْت اللَّحم على المِقْلَى أقليه قَلْياً : إذا شوَيْتَه حتى تُنضِجَه ، وكذلك الحبُ يُقلَى على المِقْلى.

الحرَّاني عن ابن السكيت يقال : قَلَوْت البُسر وَالبُرّ.

وبعضهم يقول : قَلَيْت ولا يكون في البُغض إلّا قَلَيت.

أبو عبيدٍ عن الكسائي : قَلَيْتُ الحَبّ على المِقْلَى أقْلِيه ، وقَلَوْتُه.

وقال غيره : قليتُ اللحمَ على المِقْلَى أقليه قَلْياً : إذا شوَيْتَه حتى تُنضِجَه ، وكذلك الحَبُ يُقْلَى على المِقْلى.

ثعلبٌ عن ابن الأعرابي : القَلَى والقِلَى والقَلاءُ : المَقْلية.

ويقال : قَلا العَيْرُ عانته يَقلوها ، وكسأَها ، وشَحَنها ، وشَذَّرَها : إذا طردَها.

وقال الليث : القَلِيّة : مَرَقةٌ مِن لحُوم الجُزُر وأكبادها ، وَالقَلّاء : الذي يَقلِي البُرّ للبَيع.

وَالقَلَّاءة محدودة : الموضع الذي يُتخذ فيه

٢٢٥

مقالي البَرّ.

ويقال للرجل إذا أملقَه أمرٌ مُهِمٌّ فباتَ ليلتَه ساهراً : باتَ يَتَقَلَّى ، أي : يتقلّب على فِراشه كأَنه على المِقْلى.

وقال ابن الأعرابي : القُلَّى : القصيرة من الجواري.

قلتُ : هذا فُعْلَى مِن الأقل والقلَّة.

أبو عبيد عن أبي عمرو : المِقْلاء وَالقُلة : عُودان يلعب بهما الصِّبيان ، فالمِقلاء العود الذي يُضْرَب به القُلَة ، والقلة الصغيرة التي تُنْصَب.

قلت : القَالي : الذي يَلعب فيضرب القُلَة بالمقلاء ، ومنه قوله :

كأَنَّ نَزْوَ فِراخ الهامِ بينهم

نزْوُ القُلَاتِ زَهاها قَالَ قالِينَا

قال الأصمعي : وَالقال هو المِقلاء ، والقالُون : الذين يلعَبون بها ، يقال : قَلَوْت أَقلو.

ابن السكيت : قَلَا العَيْرُ أُتُنَه يَقْلُوها قَلْواً : إذا طردَها.

وقال ذو الرمة :

يَقْلو نحائصَ أشباهاً محملجةً

قال : والقِلْو : الحِمار الخفيف. قاله أبو عُبيدٍ.

وقال الليث : تجمع القُلة قُلِينَ.

وأنشد الفراء :

مِثْل المَقالي ضُرِبتْ قُلِينُها

قلت : جعل النون كأَنّها أصليَّة فرفَعها ، وذلك على التوهّم ، ووجه الكلام فتحُ النون لأنها نونُ الجمع.

وقال الليث : يقال الدابّةُ تقلو بصاحبها قَلْواً وهو تَقَدِّيها به في السيْر في سرعة ، يقال : جاء يقْلُو به حمارُه.

قال : والقِلو : الجَحْش الفتيّ الذي قد أركَبَ وحَمَل.

وفي حديث ابن عمر : أنه كان لا يُرَى إلَّا مُقْلوْلِياً.

قال أبو عبيدٍ : المَقْلوْلِي : المتجافي المستوفِز.

قال : وأنشدني الأحمر :

قد عَجبت مِنّي ومِن يُعَيْلِيَا

لمّا رأتني خَلَقاً مُقْلوْليَا

قال أبو عبيد : وبعض المحدثين كان يفسر مُقُلَولياً كأَنه على مِقْلًى.

قال أبو عبيد : وليس هذا بشيء ، إنما هو من التجافي في السُّجود. وأنشد :

تقول إذا اقلَوْلى عليها وأَقْرَدَتْ

ألا هلْ أخو عيشٍ لذيذٍ بدائم

ثعلب عن ابن الأعرابي في تفسير هذا البيت كان يزنِي بها فانقضت شهوتُه قبل انقضاء شهوتها.

قال : وأقردت ، أي : ذلّت.

وقال الليث : يقال لهذا الذي يُغسل به الثياب قِلْيٌ ، وهو رَمادُ الغَضَى والرِّمث

٢٢٦

يُحرَقُ رَطباً ويُرَشُّ بالماء فيَنعقد قِلْياً.

وقال أبو عمرٍو في قول الطّرماح :

حوائم يتَّخذنَ الغِبَّ رِفْهاً

إذا اقلَوْلَيْن للقَرَب البَطِين

أي : ذهبن.

وقال ابن الأعرابي : القُلَى : رؤوس الجبال. والقُلى : رؤوس هامات الرجال.

والقُلى : جمعُ القُلَة التي يُلعب بها.

وقطاةٌ قلَوْلاة : تَقْلولى في السماء.

قال حميد بن ثور :

وقَعْنَ بجوف الماء ثمَّ تصوَّبت

بهنّ قَلولاةُ الغدوِّ ضَروبُ

لقا : ثعلب عن ابن الأعرابي : اللُّقَى : الطُّيور. واللُّقى : الأوجاع. واللقَى : السَّرِيعات اللَّقْح من جميع الحيوان.

وقال الليث : اللَّقْوة من النساء : السّريعة اللّقْح. واللَّقوة : داءٌ يأخذ في الوجه يعوجّ منه الشَّدِق.

يقال : لقي الرجلُ فهو مَلقُوٌّ. واللَّقوة واللِّقوة : العُقاب.

أبو عبيد عن أبي زيدٍ ، والأمويِّ ، والكسائي : اللَّقوة : الداء الذي يكون بالوجه.

وقال الأمويُّ وحده : اللَّقْوة واللِّقوة : العُقاب ، وجمعُها لِقاءٌ.

وقال أبو عبيد في باب سرعة اتفاق الأخوَين في التَّحابّ والمودة.

قال أبو زيد : مِن أمثالهم في هذا : كانت لِقْوةً صادفتْ قبيساً.

قال : وقال أبو عبيدة : اللَّقْوة هي السَّريعة اللَّقْح والحَمْل ، والقَبيسُ هو الفَحل السريع الإلقاح ، أي : لا إبطاء عندهما في النَّتاج. يُضرب للرجلين يكونان متَّفِقَين على رأيٍ ومذهب ، فيلتقيان فلا يلبثان أن يتصاحبا ويتصافَيا على ذلك.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : يقال في المرأة والناقة لِقْوة ولَقْوة.

أبو عبيد عن الفراء قال : اللَّقْوة من النساء بفتح اللام ، هي السريعة اللَّقْح.

وأنشد :

حَملْتِ ثلاثةً فوَلدْتِ تِمَّا

فأمٌ لَقْوةٌ وأبٌ قَبيسُ

وقال أبو عبيدٍ : سُمّيت العُقاب لِقْوةً لسَعة أشداقها.

قلت : واللَّقْوة في المرأة والناقة بفتح اللام أفصح من اللِّقوة. وكان شمر وأبو الهيثم يقولان لَقْوة فيهما.

وقال الليث : يقال : لقِيَ فلانٌ فلاناً لِقاءً ولُقِيّاً ولَقْية واحدة ، وهي أقبحها على جوازها. وكلُّ شيءٍ استقبلَ شيئاً أو صادفَه فقد لقيه ، من الأشياء كلّها.

واللَّقِيّان : كلُّ شيئين يَلقَى أحدُهما

٢٢٧

صاحبه ، فهما لَقِيّان.

ورُوِي عن عائشة أنها قالت : «إذا التَقى الخِتانان فقد وجَب الغُسْل». وقال الشافعيّ : التقاؤهما من المرأة والرجل : تَحاذِيهما مع غُيوب الْحَشَفَةِ في فَرْجها ، لا أن يُماسَّ خِتانُه ختانَها ، وذلك أنَّ الْحَشفةَ إذا غابت في الفَرْج منها صار خِتانُه بحذاء خِتان المرأة ، وخِتان المرأة عالٍ على مَدخَل الحَشَفة ، وخِتان الرجل أسفلَ من ذلك ، وهو موضع قَطْع الفُرْلة من الذكر. فهذا معنى التقاء الختانين.

الحرّاني عن ابن السكيت ، يقال : لقيتُه لقاء ولُقْياناً ولُقِيّاً ولَقًى ولِقْيانةً واحدة ، ولَقْية واحدة ، ولقاءةً واحدة ؛ ولا تقل لَقَاةً فإنها مولّدةٌ ليست بفصيحة عربيَّة.

وقال الليث : رجل شَقِيٌ لَقِيٌ : لا يزال يلقى شَرّاً.

ونَهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عَنْ تلقّي الرُّكبان وجاء تفسيره في حديثٍ حدّثنا به محمد بن إسحاق عن أبي حاتم الرازي ، عن الأنصاري ، عن هشام بن حسّان ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تتلقَّوُا الرُّكبانَ والأجلاب ، فمن تَلقَّاه فاشترى منه شيئاً فصاحِبُه بالخِيار إذا أَتى السُّوق».

وأخبرنا عبد الملك عن الربيع عن الشافعيّ أنه قال : وبهذا آخُذ إنْ كان ثابتاً.

وقال : وفي هذا دليلٌ على أنَّ البَيع جائز غيرَ أنَّ لصاحبها الخيارَ بعد قُدوم السُّوق ، لأنَّ شراءها مِن البَدَوِيّ قَبْل أنْ يصير إلى موضع المتساومَيْن من الغُرور بوجه النَّقْص من الثَمن ؛ فله الخِيارُ.

قلتُ : والتَلَقِّي هو الاستقبال.

ومنه قول الله جلَّ وعزَّ : (وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥)) [فصلت : ٣٥].

قال الفراء : يريد ما يُلَقّي دَفعَ السيِّئة بالحسنة إلَّا مَن هو صابرٌ أو ذو حَظٍّ عظيم ، فأنَّثها لتأنيث إرادة الكلمة.

وأما قوله عزوجل : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ) [البقرة : ٣٧] فمعناه : أنَّه أخذها عنه. ومِثله لَقِنها وتلقّنها.

أبو عبيد عن أبي زيد : أَلْقيتُ عليه أُلْقِيَّةً.

قلت : معناه : كلمة مُعاياةٍ يُلْقيها عليه ليستخرجها.

وقال الليث : الألقِية واحدة من قولك : لَقِيَ فلانٌ الألاقِيَ مِن شرٍّ وعسر.

وقال اللِّحياني : يقال : هم يتلاقون بأُلْقِيَّةٍ لهم.

وقال الليث : الاستلقاء على القفا ، وكلُّ شيء كان فيه كالانبطاح ففيه استلقاء.

٢٢٨

وقوله تعالى : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) ، أي : تعلّمها ودعا بها.

وقوله تعالى : (وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) ، أي : ما يُعلّمها ويُوفَّق لها إلَّا الصّابرون.

وتقول : لاقيتُ بين فلانٍ وفلانٍ ، ولاقيتُ بين طَرَفَيْ قضيبٍ : حَنَيتُه حتى تَلاقَيا والتَقَيَا.

قال : والمَلْقى : أشرافُ نَواحي أعلى الْجَبَل ، لا يزال يمثل عليها الوَعِل يستعصِم به من الصيّاد.

وأنشد :

إذا سامت على المَلْقاةِ ساما

قلتُ : والرواة رووا :

إذا سامت على المَلَقات ساما

قال النضر : الوعل : الضأن الجبليُّ الكبش ، والأرويّةَ : النعجة والمصامَ.

قال الهذليّ :

إذا صامت على المَلْقَاة صاما

جعله من لقى يلقى. والملقات ، واحدتها مَلقة ، وهي الصَّفاء المَلْساء ، والميم أصلية.

كذلك أخبرني المنذري عن الحراني عن ابن السكيت أنّه أنشده البيت. والذي رواه الليثُ إن صحَّ فهو مُلْتقى ما بين الجبلين.

وقال : الملْقَاة ، وجمعُها المَلاقي : شُعَبُ رأس الرَّحِم ، وشُعَبٌ دون ذلك أيضاً.

ورَوَى أبو عبيد عن الأصمعي ، أنه قال : المتلاحمة من النساء : الضيِّقة المَلاقي ، وهي مآزِمُ الفَرْج ومَضايِقُه.

وقال الليث : ورجلٌ ملقًّى : لا يزال يلقاه مكروه. وفلان يتلقَّى فلاناً ، أي : يستقبله.

فالرجل يُلقَّى الكلام ، أي : يُلقّنه.

قال الأصمعيّ : تلقَّت الرّحمُ ماءَ الفحل : إذا قبلْته وأرتجت عليه.

وقال أبو الهيثم : اللَّقَى : ثَوب المُحرِم يُلقيه إذا طاف بالبيت في الجاهلية ؛ وجمعُه ألقاه. وقال :

ومنهل أقْفَرَ من ألقائه

وردتُه واللَّيلُ في غشائه.

أي : مقفر من ألقاء الناس ، وهو ما يُلقونه ممَّا لا خيرَ فيه.

وقيل : من ألقائه ، أي : من الناس.

يقال : ما بها لقًى ، أي : ما بها أَحد.

وفلانٌ شقيٌ لقيٌ.

قال : واللَّقَى : كلُّ شيءٍ متروك مطروح كاللُّقَطَة.

وقال في قول جرير :

لَقًى حَملْته أُمُّه وهي ضَيفَةٌ

فجاءت بيَتْنٍ للنِّزالة أَرشَما

جعَلَ البعيثَ لَقًى لا يُدرَى لمن هو وابن مَن هو.

قلت : أراد أَنّه وُجِد منبوذاً لا يُدرَى ابنُ مَن هو؟.

٢٢٩

قول ـ قيل : قال الليث : القَولُ : الكلام ، تقول : قال (١) يقول قَوْلاً ، والفاعل قائل ، والمفعول مَقُول.

ويقال : إنَّ لي مِقْولاً ما يَسُرّني به مِقْوَلٌ ؛ وهو لسانه. والمِقْوَل بلغة أَهل اليمن : القَيْل ، وجمعُه المقَاوِلة ، وهم الأقوال والأقيال ، والواحد قَيْل.

قال الفرّاء : العرب تقول : إنّه لابن قَول وَابن أَقوالٍ : إذا كان ذا كلامٍ وَلسانٍ جيّد.

الحرّاني عن ابن السكّيت : القَيْل : المَلِك مِن مُلوكِ حِميَر ، وجمعُه أَقيال وأَقوال ؛ فمن قال : أَقيال بَناه على لفظ قَيْل ، وَمَن قال أَقوال بَناه على الأصل ، وأَصله من ذوات الواو. وكان أصلُ قَيْل قَيِّلا فخُفّف ، مثل سَيِّد مِن سادَ يَسُود.

قال : والقَيْل أيضاً : شُربُ نِصف النهار.

وقال الليث : القَيْل : رَضْعَةُ نِصفِ النهار.

وأنشد :

يُسْقَيْن رَفْهاً بالنَّهار والليل

مِن الصَّبوح والغَبُوق والقَيْل

جعل القَيْل هاهنا شَربةَ نصف النهار.

وقالت أمُّ تأبط شرّاً : ما سقَيْتُه غَيْلاً ، ولا حَرَمْتُه قَيْلاً.

شمر عن ابن شميل ، يقال للرجل : إنَّه لمِقْوَل : إذا كان بيِّناً ظريف اللسان.

والتِّقْوَلة : الكثير الكلام ، البليغ في حاجته وَأمره.

ورَوَى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أَنه كتب لوائل بن جُحْر الحَضْرميّ ولقومه : مِن محمدٍ رسول الله إلى الأقيال العباهلة من أَهل حضرموت.

قال أَبو عبيدٍ : قال أَبو عبيدة : الأقيال : ملوك باليمن دون المَلِك الأعظم ، واحدهم قَيْل يكون ملكاً على قومِه ومِخْلافه ومَحجَره.

وقال غيره : سمِّي المَلِك قَيْلاً لأنه إذا قال قَولاً نَفَذ قولُه.

وقال الأعشى فجَمَعه أَقوالاً :

ثم دانتْ بَعدُ الرِّبابُ وكانت

كعذابٍ عقوبةُ الأقوالِ

قال أبو الهيثم في قوله : (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا) [التغابن : ٧] : اعلم أن العرب تقول : قال : إنّه زعم أنه ، فكسروا الألفَ في قال على الابتداء ، وفتحوها في زعم لأنّ زعم فعلٌ واقعٌ بها متعدٍّ إليها.

تقول : زعمتُ عبد الله قائماً.

ولا تقول : قلت : زيداً خارجاً ، إلا أن تُدخلَ حرفاً من حروف الاستفهام في أوّله.

__________________

(١) قبلها في المطبوع : «قال».

٢٣٠

فتقول : هل تقوله خارجاً؟.

ومتى تقوله فعل كذا؟ وكيف تقولهُ صنع؟.

وعلام تقوله فاعلاً ، فيصير عند دخول حرف الاستفهام عليه بمنزلة الظن.

وكذلك تقول : متى تقولني خارجاً؟.

وكيف تقولني صانعاً؟ وأنشد :

فمتى تقول الدار تجمعنا

وقال الكميت :

علامَ تقوم همدانَ احتذتنا

وكندةَ بالقوارِص مُجلِبينا

الليث ، رجل تِقْوالةٌ : منطيق. ورجل قوّالٌ قَوَّالةٌ وامرأة قَوّالة : كثيرة القول.

ويقال : تقول فلانٌ على باطلاً ، أي : قال علي ما لم أكن قلتُ.

ومنه قول الله جل وعزّ : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ (٤٤)) [الحاقة : ٤٤].

أبو عبيدة عن الكسائي يقال : أقوَلْتَني ما لم أَقُلْ ، وقوَّلتني مثله وأكلتَني وأكَّلتني ما لم آكل ، أي : ادَّعيته عليَّ.

وقال شمر : تقول أيضاً : قوَّلني فلانٌ حتى قلت ، أي : علمني وأمرني أن أقول.

ومنه قول سعيد بن المسيب حين قيل له : ما تقول في عثمان وعلي؟ فقال : أقول فيهم ما قولني الله. ثم قرأ : (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ) [الحشر : ١٠].

وقال الليث : يقال : اقتالَ قولاً ، أي : اجترَّ إلى نفسه قولاً من خير أو شر.

قال أبو عبيد : سمعتُ الهيثم بن عَدِيّ يقول : سمعتُ عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز يقول في رُقيَة النمل : «العَروس تحتفل ، وتَقْتال وتَكتحل ، وكلَّ شيء تفتعل ، غير أن لا تَعصي الرجل».

قال : تقتال : تحتكم على زوجها.

قال الأزهري : واقتالَ الرجلُ : إذا احتكم ، فهو مُقْتال.

وقال الليث : يقال : انتشرتْ لفلانٍ في الناس قالةٌ حسنة أو قالةٌ سيّئة.

قال : والقالة تكون بمعنى قائلة ، والقال بمعنى قائل.

وقال بعض الشعراء في قصيدة : أنا قالُها أي : أنا قائلها.

قال : والقالة : القولُ الفاشي في الناس.

وروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه : «نَهَى عن قيلٍ وقال ، وعن إضاعة المال».

قال أبو عبيد في قوله : نَهَى عن قيلٍ وقال ، نحوٌ وعربيةً ، وذلك أنّه جعل القال مَصدَراً ؛ ألا تَراه يقول : عن قيلٍ وقالٍ.

كأنه قال : عن قيل وقَوْل.

يقال : قلتُ قوْلاً وقيلاً وقالاً.

قال : وسمعتُ الكسائي يقول في قراءة عبد الله : (ذلك عيسى بن مريم قال الحق)

٢٣١

[مريم : ٣٤] فهذا مِن هذا ، كأنه قال : قولُ الحق.

وقال الفراء : القال بمعنى القَول ، مِثل العَيْب والعاب.

قال : وقولُه : (الْحَقِّ) ، في هذا الموضع أريدَ به اللهُ ، كأنه قال : قولُ الله.

وأخبرني المنذريُّ عن المفضل بن سلمة عن أبيه عن الفراء : أنه قال في قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونَهيه عن قيلَ وقالَ وكثرة السؤال قال : فكانتا كالاسمين ، وهما منصوبتان ، ولو خُفِضتا على أنهما أُخرجتا من نية الفعل إلى نية الأسماء كان صواباً ، كقولهم : أعييتني من شُبْ إلى دُبَّ ، ومن شُبٍّ إلى دُبٍّ.

وقال الليث : تقول العرب : كثر فيه القِيلُ والقال.

ويقال : إن اشتقاقهما من كثرة ما يقولون قال وقيل له.

ويقال : بل هما اسمان مشتقان من القَوْل.

ويقال : قيلٌ على بناء فِعْلٍ ، وقُيلَ على بناء فُعِلَ ، كلاهما من الواو ، ولكن الكسرة غَلَبَتْ فقلبت الواو ياء.

وكذلك قوله تعالى : (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ) [الزمر : ٧٣].

وقال غيره : العرب تقولُ للرجل إذا كان ذا لسانٍ طُلُق : إنه لابن قولٍ وابن أقوال.

وقال الفراء : بنو أسد يقولون قَول وقيل بمعنى واحد. وأنشد :

وابتذَلتْ غَضْبَى وأمُّ الرَّحَّالْ

وقُولَ لا أهلٌ له ولا مالْ

بمعنى وقيل.

شمر عن أبي زيد يقال : ما أحسنَ قِعلك وقَوْلك ، ومقالك ومقالَتك ، وقالك : خمسة أوجه.

قلت : وسمعتُ بعض العرب يقول للناقة التي يُشرب لبنها نصفَ النهار قَيْلة ، وهنَّ قَيْلاتي ، للِّقاح التي يحْتلبونها وقتَ القائلة.

وأنشدني أعرابي :

ما ليَ لا أَسقي حُبَيِّباتي

وهُنّ يومَ الوِرْد أمهاتي

صبائحي غِبائقي قَيْلاتي

أراد بحبيِّباته إبله التي يسقيها يومَ وِردِها ويشرب ألبانها ، جعلهنَّ كأمَّهاته اللاتي أرضعنه.

وقال الليث : القَيلولة : نَومَةُ نصف النهار ، وهي القائلة : وقد قال يقيل مقيلاً.

والمقيل أيضاً : الموضع.

قال : وقالت قريشٌ للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل أن فَتَح الله عليه الفُتوح : إنا لأكرم مُقَاماً وأحسنُ مَقيلاً. فأنزل الله : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً (٢٤)) [الفرقان : ٢٤].

وقال الفراء : قال بعض المحدثين : يروى

٢٣٢

أنه يُفْرَغ من حساب الناس في نصف ذلك اليوم فيَقِيل أهل الجنة في الجنّة ، وأهل النار في النار.

فذلك قوله تعالى : (خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً).

وقال الفراء : وأهل الكلام إذا اجتمع لهم أحمقُ وعاقل لم يستجيزوا أن يقولوا : هذا أحمق الرجلين ولا أعقل الرجلين.

ويقولون : لا يقول هذا أعقلُ الرّجلين إلَّا العاقلين يُفضَّل أحدهما على صاحبه.

قال الفراء : وقد قال الله جل وعز : (خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا) فجعل أهل الجنة خيراً مستقرّاً من أهل وليس في مستقر أهل النار شيءٌ من الخير فاعرِف ذلك مِن خَطائِهم.

وذكر المنذري عن المفضَّل بن سلمة أنه قال إنما جاز ذلك لأنه موضع ، فيقال : هذا الموضع خيرٌ من ذلك الموضع ، وإذا كانت نَعْتاً لم يستقم أن يكون نعتٌ واحدٌ لاثنين مختلفين.

قلت : ونحو ذلك قال الزجاج ، وقال : يفرَّق بين المنازل والنُعوت.

قلت : والقَيلولة عند العربِ. والمَقيلُ : الاستراحة نصفِ النهار إذا اشتدَّ الحرّ ، وإن لم يكن مع ذلك نوم ، والدليل على ذلك أنَّ الجنة لا نوم فيها.

ورُوِي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «قِيلُوا فإنَّ الشَّياطينَ لا تَقِيل». وقال أبو زيد : تقول : قِلْتُه البيْع قَيْلاً ، وأقَلْته البيعَ إقالةً ، وهذا أحسنُ. وقد تقايلا بَعْد ما تَبايعا ، أي : تَتارَكا.

أبو عبيد عن أصحابه ، يقال : قِلْتُه البيعَ وأقلتُه.

وقال أبو زيد : يقال : تَقَيَّلَ فلانٌ أَباه وتقيَّضه ، تقيُّلاً وتَقيُّضاً : إذا نَزع إليه في الشَّبَه.

ويقال : أَقال فلانٌ إِبِلَه يُقِيلها إقالة : إذا سقاها الماءَ نصف النهار.

ويقال : قال الله فلاناً عَثَرتَه : إذا صَفح عنه ، وتَرك عقوبته.

وفي الحديث : «أَقِيلوا ذوِي الهيئات عَثَراتهم». ثعلبٌ عن ابن الأعرابيّ يقال : أدْخِلْ بَعيرَك السُّوقَ واقتَلْ به غيرَه ، أَي : استَبدِل به.

وأنشد :

واقتلْتُ بالجِدَّةِ لَوْناً أَطْحَلا

أي : استَبْدَلْتُ.

قال الأزهري : والمُقايلةُ والمقايَضَةُ : المبادَلة ، يقال : قايَضَهُ وقايَله : إذا بادَله.

وقال ابنُ الأعرابي : العرب تقول : قالوا بزيد ، أي : قتلوه. وقُلنا به ، أي : قتلناه.

وأنشد :

نحنُ ضَرَبناه على نِطابه

قُلنا به قُلْنا به قُلْنا بِهْ

٢٣٣

أي : قتلْناه. والنِّطَاب : حَبْلَ العاتق ، والقَيلة : الأُدرة.

وفي الحديث : «سبحان مَن تَعَطَّفَ بالعِزِّ وقال به» تعطَّف بالْعزّ ، أي : اشتمل بالعزّ وغَلب به كلَّ عزيز. وأصله من القَيْل المَلِك الذي يَنفُذ قولُه فيما يريد. والله أعلم.

والقِيلَة : الأُدْرة.

ويقال للذي به أُدرة : القِيليط والآدَر.

ليق : أخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي ، يقال : فلانٌ يَلِيقُ بيده مالاً ولا يليق مالاً ولا يَليق بِبَلد ولا يليقُ به بلد.

قال : والالتياق : لزوم الشيء للشيء.

وقال الليث : يقال : أَلقتُ الدَّواةَ إلاقةَ ، ولِقْتُها لَيْقاً ، والأَولى أعرَب.

ويقال : هذا الأمر لا يَليقُ بك ، أي : لا يَزكو بك ، فإذا كان معناه لا يَعْلَق قيل : لا يَلْبَقُ بك.

قال ابنُ الأعرابي : يقال : أَلْقَتُ الدّواة فهي مُلاقة. روَاه ثعلبٌ عنه.

قال ثعلب : وحكى بعضُ أصحابنا عن أبي زيد : لِقْتُ الدوَاةَ فهي مَليقة ، ولُقْتها فهي مَلوقة.

رواه المنذريّ عن أحمد بن يحيى عنه.

قال أبو العيال يصف السَّيف :

خِضَمّ لم يُلِقْ شيئاً

كأنَّ حُسامَه اللهَبُ

لم يُلِق شيئاً إلّا قطعَه حسامه. يقال : ما ألاقَني ، أي : ما حبسني ، أي : لا يحبس شيئاً.

قال : واللِّيق شيءٌ يُجعل في دواء الكحْل القِطعة منها لِيقة.

قال : واللِّيقة : ليقة الدَّوَاة ، وهي ما اجتَمَع في وَقْبَتها مِن سوادها بمائها.

أبو عبيدٍ عن أَبي عبيدة : لِقْتُ الدَّوَاةَ وأَلَقْتُها حتى لاقَتْ ، فهي لائق.

ويقال : ما ألقت بعدك بأَرْضٍ ، أي : ما ثبتّ وفلانٌ ما يُليق شيئاً من سخائه ، أي : ما يُمسك.

وقال الأصمعي : يقال : ما لاقتني البصرة ، أي : ما ثبتُّ بها.

قال : وقال الأمويّ : يقال للمرأة ، إذا لم تَحْظَ عند زوجها. ما لاقتْ عند زوجها ولا عاقَت ، أي : لم تَلصق بقلبه.

ومنه لاقَتْ الدواةُ ، أي : لَصِقَتْ ، وألَقْتُها أنا أُليقها.

قلت : والعرب تقول : هذا الأمر لا يَليق بك. فمن قال لا يَليقُ بك فمعناه لا يَحسُن بك حتى يلصَق بك.

ومَن قال : لا يَلْبَق بك فمعناه أنّه ليس بوَفْقٍ لك ، ومنه تلبيق الثَّرِيد بالسَّمن : إذا رُوِّغ بالسَّمن.

٢٣٤

وفي حديث عُبَادة بن الصامت أنه قَال : لا آكل إلّا ما لُوِّق لي.

قال أبو عبيدٍ : هو مأْخوذٌ من اللُّوقة وهي الزُّبدة في قول الفرّاء والكسائيّ.

وقال ابن الكلبيّ : هو الزُّبْد بالرُّطب. وفيه لُغتان : لُوقة وألُوقة.

وأنشد لرجُلٍ من عُذْرة :

وإنِّي لمَن سالَمتُمُ لألُوقةٌ

وإني لِمَنْ عاديْتُمْ سَمُّ أَسْوَدِ

وقال آخر :

حديثُكَ أشهى عندنا من أَلُوقةٍ

تعَجَّلَها ظَمْآنُ شَهْوَانُ للطُّعْمِ

قال : والذي أراد عُبادة بقوله : «لُوِّقَ لي» ، أي : لُيِّنَ لي من الطّعام حتى يَكونَ كالزُّبد في لينه.

ثعلب عن ابن الأعرابي : اللَّوقة : الرُّطَب بالسَّمْن.

وقال الليث : الألْوَقُ : الأحمق في الكلام بيِّنِ اللَّوَق.

أبو زيد : هو صَيْقٌ لَيْق ، وصيِّق لَيِّق.

وقد التاقَ فلانٌ بفلان : إذا صافاه كأَنه لَزِق به.

واللِّيقَةُ : الطِّينة اللَّزِجة يُرْمَى بها الحائطُ فتلزق به.

وقال ابن الأعرابي : اللَّوْق : كلُّ شيءٍ ليِّن من طعامٍ أو غيرِه. واللُّوق : جمعُ لُوقة ، وهي الزُّبدةُ بالرُّطب.

ولق : قال الفرّاء : روي عن عائشة أنها قرأَتْ قولَ الله عزوجل : (إذ تَلِقُونه بأَلْسنَتِكم) [النور : ١٥].

قال الفرّاء : وهو الوَلْق في السَّيْر ، والوَلْق في الكذب بمنزلةٍ ، إذا استمرَّ في السير والكذب.

وأنشد الفراء :

إنَّ الجَلِيدَ زَلِقٌ وزُمَّلِقْ

جاءَتْ به عَنْسٌ من الشَّام تَلِقْ

قال : ويقال في الولْق من الكذب هو الألْق والإلْق. وفعَلْتُ منه أَلَقْت فأنتم تألِقُونه.

وأنشدني بعضهم :

مَن ليَ بالمُزَرَّرِ التِلامِق

صاحبِ إدْهانٍ وإِلْقِ آلِقِ

أبو عبيد عن أبي عمرو : أَخَفُّ الطَّعْنِ الولْق.

وأخبرني المنذريُّ ، عن ثعلب عن ابن الأعرابي قالوا : الولْق : إسْرَاعُك بالشيء في أثر الشيء ، مثلَ : عَدْوٍ في أَثَرِ عَدْوٍ ، وكلامٍ في أثَرِ كلامٍ.

ومنه قول الشاعر :

أحينَ بلغْتُ الأربعينَ وأحْصِيَتْ

عَلَيَّ إذا لم يَعْفُ ربِّي ذُنُوبُها

٢٣٥

يُصَبِّبنا حتى تَرِفَّ قلوبُنا

أُوالق مِخْلافُ العِداتِ كذوبُها

قال : أوَالِق مِن أَلْق الكلام ، وهو مُتابعتُه.

وقال الليث في قوله : (إذْ تَلِقُونه) ، أي : تُدَبِّرونه. وفلانٌ يَلقُ الكلامَ ، أي : يُدَبِّرُه.

قلت : لا أدْرِي تدبِّرونه أَو تُدِيرُونه.

قال : والوَليقةُ تُتَّخَذ من دَقيقٍ وسَمْن ولبَن.

وقال ابن دُرَيد في الوَليقة مِثله. وأراه أَخذَه من «كتَاب الليث» ، ولا أَعْرِفُ الوليقةَ لغيرهما.

ألق : قال أبو عبيد عن الأحمر ، قال : رجلٌ مَألوقٌ ومُؤَوْلَق ، عَلَى مِثال مُعَوْلَق ، من الأوْلق.

وأنشد أبو عُبَيدة فيما روى الرياشي عنه :

كأنما بي منْ أَراني أوْلَقُ

قال : والأولق : الجنون.

وأنشد ابنُ الأعرابي :

شمَرْدَلٍ غير هُراءٍ مِئلقِ

قال : المئلق من المألوق ، وهو الأحمق أو المعتوه.

أبو زيد : ألق الرجُلُ يُؤلق أَلْقاً ، فهو مألوق : إذا أخذَه الأولَق.

وقال الليث : الإلقة يوصف بها السّعلاة والذئبةُ والمرأةُ الجريئة ، لخبثهنّ.

وفي الحديث : «اللهمَّ إنَّا نعوذ بك من الألسن الألْق»

. قال أبو عبيد : لا أحسبه أَراد بالألق إلّا الأوْلق ، وهو الجنون.

وَأنشد :

ألمَّ بها مِن طائف الجنّ أوْلقُ

قال : ويجوز أن يكون أراد بالأُلْق الوَلْق ، وهو الكذب.

وقال غيره : بَرْقٌ إلاقٌ : لا مطرَ فيه ، كأنّه كذوب.

قال الجعديّ : فَجَعل الكَذُوبَ إلَاقاً :

ولستُ بذي مَلَقٍ كاذبٍ

إلاقٍ كبَرْقٍ من الخُلَّب

ويقال : ائتلقَ البرقُ يأتلقُ إتلاقاً : إذا أضاء.

وقال أبو تراب : قال أبو عبيدة : به أُلَاق وأُلاس ، من الأوْلَق والأَلْس ، وهو الجنون.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : يقال للذئب سِلْق وإلْق. قال : والألقُ : الكَذِب.

وقل : قال أبو عبيد عن أبي عمرو : الوَقْل : شجر واحدته وَقْلة.

وسمعتُ غير واحدٍ من أعراب بني كلاب يقول : الوَقل ثمر المُقْل. ودلَّ على صحَّة ما سمعتُ قولَ الجعديّ :

وكأنّ عيرهُم تُحَثُّ غُديَّةً

دَوْمٌ تَنُوءُ بِناعمِ الأوْقالِ

فالدَّوْم : شجر المُقْل ، وأو قاله : ثمَرُه.

٢٣٦

وقال الفراء : أنشدني المفضّلُ :

لم يَمنَع الشِرّب منها غيرَ أنْ هَتَفَتْ

حَمامةٌ مِن سَحوق ذات أوقالِ

والسَّحوق : ما طال من الدَّوْم ، وأوقالُه : ثِمارُه.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : وَقَل في الجَبل يَقِلُ وُقولاً ، وتَوَقَّلَ تَوَقُّلاً : إذا صَعِد فيه.

وقال اللحيانيّ : وَعِلٌ وَقِلٌ ووَقُلٌ ، وقد وَقَل في الجبل يَقِل.

وقال الليث : الواقل : الصاعد بين حُزُونة الجبال. والوَقْل : الحجارة.

يلق : يقال : أبيض يَلَق ولَهَق ويَقَق ، بمعنى واحد.

وقال أبو سعيد : المقلة ثم حبُّها الذي يجنى ثم يسف. فالوقلة اليابسة التي في جوفها لا تؤكل.

باب القاف والنون

ق ن

(وا يء) قنا ، قين ، وقن ، نوق ، نيق ، نقا ، أنق ، أقن ، [قنأ ، يقن].

قنا : قال الله جل وعز : (قِنْوانٌ دانِيَةٌ) [الأنعام : ٩٩].

أبو عبيدٍ عن الأصمعيّ : القِنْو : الذي يقال له الكِباسة وهو القَنا أيضاً مقصور.

قال : ومَن قال قِنْو فإنّه يقول للاثنين قِنوانِ بالكسر ، وللجميع قُنْوانٌ بالضم والتنوين ، ومِثْله صنوٌ وصِنْوانِ وصنوانٌ للجميع.

قال : ومَن قال هذا قَنًا جَمعَه أقناءً.

وقال الزجاج في قوله : (قِنْوانٌ دانِيَةٌ) ، أي : قريبة المتناوَل.

حدثنا عروة عن يحيى بن حكيم عن يحيى بن سعيد عن عبد الحميد بن جعفر عن صالح عن أبي عريب عن كثير بن مرة الحضرمي عن عوف بن مالك الأشجعي ، قال : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد علّق رَجلٌ قِنَا حَشَفٍ وفي يده عصاً فجعل يطعن بيده في ذلك القنو وقال : «لو شاء ربُّ هذه الصدقة قد تصدَّق بأطيب منها» ، هكذا رواه قِنا بكسر القاف ، وأراه قَنا.

وقال جل وعزَّ : (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى (٤٨)) [النجم : ٤٨].

قال أبو إسحاق : قيل في أَقْنى قولان : أحدهما : أَقْنى : أرْضَى ، والآخر : جُعِل الغِنى أصلاً لصاحبه ثابتاً. ومِن هذا قولُك : اقتنَيْتُ كذا وكذا ، أي : عَمِلتُ على أنّه يكون عندي لا أخرجه مِن يَدي.

وقال الفراء : أَقْنى : رَضَّى الفقيرَ بما أغناه به. وأَقْنى مِن القِنْية والنَّشَب.

وقال ابنُ الأعرابي : أَقْنى : أعطاه ما يدَّخره بعدَ الكِفاية.

وقال الكسائيّ : أَقْنى واستَقْنَى وقَنَا وقَنَّى : إذا حَفِظ حياءَه ولَزِمه.

وقال غيره : قنيتُ الحياء ، أي : لزِمتُه.

٢٣٧

وقال ابن شميل : قَنَاني الحياءُ أنْ أفعلَ كذا ، أي : رَدَّني ووَعظني ، وهو يَقْنيني.

وأنشد :

وإنِّي لَيَقْنيني حياؤكِ كلّما

لقيتُكِ يوماً أن أبثكِ ما بيا

قال : وقد قَنِيَ الحياءَ : إذا استَحْيا.

وقال الليث : يقال : قَنا الإنسانُ يَقْنو غَنماً وشيئاً قَنْواً وقُنواناً ، والمصدَرُ القِنانِ والقُنْيان. ويقال : اقتَنَى يقتَنِي اقتناءً ، وهو أن يتخذه لنفسه لا للبيع.

يقال : هذه قِنْية ، واتَّخذَها قِنيةً للنَّسْل لا للتجارة. وأنشد :

وإنَ قنَاتي إن سألتَ وأسرتي

مِن الناس قومٌ يقْتَنون المُزَنما

وغَنمُ قِنْية ومالٌ قِنْيان : اتخذتَه لنفسك.

قال : ومنه قَنِيتُ حيائي ، أي : لزمْتُه.

وأنشد :

فاقْنَى حياءَكِ لا أبا لَكِ واعْلَمي

أنّي امرؤٌ سأموتُ إن لم أُقْتَلِ

قال : وقيل : قَنيتُ به ، أي : رَضيتُ به ، واقتنَيْتُ لنفسي مالاً ، أي : جعلتُه قِنْيةً ارتَضَيت.

وقال في قول المتلمس :

ألقيته بالثِّنْي من جَنْب كافر

كذلك أَقْنُو كلَّ قِطِّ مُضَلِّل

إنه بمعنى أرضَى.

وقال غيره : أقْنو ، أي : أَلْزَم وأحفَظ.

وقيل : أقنو : أجزي. ويقال : لأقنونّك قِناوتَك ، أي : لأجزيّنك جزاءك. ويقال : قنوتُ المال ، أَي : اتخذته أَصلاً.

قال : والمَقْنُوة خفيفة ، من الظلّ : حيث لا تُصيبه الشمس في الشتاء.

الحرانيّ عن ابن السكّيت عن أبي عمرو : المَقْنأة والمَقْنُؤة : المكان الذي لا تَطلُع عليه الشمْس.

وقال غير أبي عمرو : مقناة ومَقنُوَة بغير همز.

وقال الطرماح : فَجَمعها مَقانيَ غير مهموزة :

في مَقاني أقَنٍ بينها

عُرّة الطَّيْر كصَوْم النَّعامْ

وقال قيس بن العَيزارة الهذليّ :

بما هي مقناةٌ أنيقٌ نباتها

مرَبٌّ فتهواها المَخاض النوازع

قال : معناه : أي هي موافقة لكل من نزلها ، من قوله :

مقاناة البياض بصفرة

أي : يوافق بياضها صفرتَها.

قال الأصمعي : ولغة هذيل مفناة ، بالفاء ، وقيل المَقناة مثل المرَبّ تحفظ الندى فترمه من قَنوتُ المال : إذا اتخذته أصلاً.

وقال الشاعر يصف حميراً جزأت بالرطب إلى أن هاجه المقاني :

٢٣٨

أخلقتهن اللواتي الألى

بالمقاني بعد حسن اعتمام

أي : الرياض اللواتي في المقاني.

وقال الفراء : أهل الحجاز يقولون : قِنْوان وَقيسٌ قُنوان ، وتميم وضَبّة قُنْيان.

وأنشد :

ومالَ بقُنْيانٍ من البُسر أحمَرا

قال : ويجتمعون فيقولون : قِنْو وقُنو ، وَلا يقولون قِنى.

قال : وكلبٌ تقول قِنيان.

وقال الليث : القَناة أَلفُها واو ، والجميع قَنوَات وقَناً. ورجل قَنَّاءُ ومُقنٍ ، أي : صاحب قَناً.

وأنشد :

عَضّ الثَقافِ خُرُصَ المُقنِّي

قلت : القَناة من الرِّماح ما كان ذا أنابيبَ كالقَصَب ، ولذلك قيل للكظائم التي تجري تحت الأرض قَنوات ، واحدتها قَناة ، ويقال لمجاري مائها قصَب ، تشبيهاً بالقصَب الأجوف.

الليث : القَنا مقصور : مصدَر الأَقنَى من الأنوف ، والجميع القُنْو ، وهو ارتفاعٌ في أعلاه بين القَصَبة والمارِن من غير قُبح ، وفَرَسٌ أقْنى إذا كان نحوَ ذلك. والبازي والصَّقْر ونحوه أقْنى ، أي : في مِنقاره حُجْنة.

وأنشد :

مِن الطير أَقْنى ينفُضُ الطَّلَّ أَزرقُ

والفِعل قَنِيَ يَقْني قِناً.

ثعلب عن ابن الأعرابيّ : القَنَا : نُتُوٌّ في وسَطَ قَصَبة الأنف ، وإشرافٌ وضيقٌ في المِنْخرين.

وقال أبو عبيدة : القَنا في الخيل : احديدابٌ في الأنف ، يكون في الهجن.

وأنشد :

ليس بأقنى ولا أسْفي ولا سَغِلِ

يُسقَى دواءً قَفيِّ السكن مَرْبوبِ

أبو بكر : قولهم : فلان صُلب القناة ، ومعناه : صُلب القامة. والقناة عند العرب القامة. وأنشد :

سباط البنان والعرانين والقنا

لطاف الخصور في تمام وإكمال

أراد بالقنا القامات.

قال : وكل خشبة عند العرب قناة وعصا.

والرمح عصا.

وأنشد قول الأسود بن يعفر :

وقالوا شريسُ قلت يكفي شريسَكم

سنانٌ كنبراس النِّهامي مفتَّقُ

نمتْه العصا ثم استمر كأَنه

شهابٌ يكفَّيْ قابس يتحرقُ

نمته : رفعته ، يعني السنان. والنهامي في قول ابن الأعرابي : الراهب.

وقال الأصمعي : هو النَّجَّار. ويقال : قناة

٢٣٩

وقناً ثم قنى جمع الجمع.

كما يقال : دلاة ودلا ، ثم دِليّ ودُليّ جمع الجمع.

وقال ابن السكِّيت : ما يُقانيني هذا الشيء وما يُقاميني ، أي : ما يوافقُني.

وقال الأصمعيّ : قانيْتُ الشيء : خَلَطته.

وكلُّ شيء خَلَطته فقد قانيته.

وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم في قوله :

كبِكر المُقاناة البياضَ بصُفْرةٍ

قال : أراد كالبكر المقاناة بصفرة ، أي : خُلط بياضها بصُفْرة ، فكانت صفراء بيضاء ، فترك الألف واللام من البِكْر ، وأضافَ البِكْرَ إلى نعْتِها.

وقال غير أبي الهيثم : أراد كبِكر الصَّدَفة المُقاناة البياضَ بصُفْرة ، لأن في الصَّدَفة لونَيْن من بياض وصُفْرة ، أَضافَ الدَّرةَ إليها.

وقال أبو عبيد : المُقاناة في النَّسْج : خيطٌ أبيض وخيطٌ أَسوَد.

وقال ابن بُزُرْج : المُقاناة : خَلْط الصُوف بالوَبَر أو بالشَّعر من الغَزْل ، يؤلَّف بين ذلك ثمَّ يُبرَم.

وقال الليث : المُقاناة : إشرابُ لونٍ بلَوْنٍ يقال : قُونِيَ هذا بذاكَ ، أي أُشرِب أحدهما بالآخر.

وقال غيره : قانَى لك عيشٌ ناعِمٌ ، أي : دامَ.

وأنشد :

قانَى له بالقَيظ ظِلٌّ بارد

ونَصِيٌّ باعِجَة ومَحْضٌ مُنْقَعُ

وقال ابن الأعرابي : القُنَا : ادِّخار المال.

وقال أبو تراب : سمعت الحُصَينيّ يقول : همْ لا يُقانُون ما لَهم ولا يفانونَه بالقاف والفاء ، أي : ما يقومون عليه.

وقال ابن الأعرابي : تقنّى فلانٌ : إذا اكتفى بنَفَقَته ثم فَضَلتْ فَضْلةٌ فادَّخَرها ، يُقاني هذا ، أي : يوافقُه.

يقال : قنوته أقنوه قناوةً : إذا جزيته ، ومنه قول المتلمس :

ألقيتها بالثِّني من جنب كافر

كذلك أَقْنو كلَّ قِطٍّ مضلّل

أقنو : أجزي وأكافئ. يقال : لأقنونّك قناوتك ، ولأمنونّك مناوتك ، كقولك : لأجزَيَّنك جزاءك. قاله خالد بن زيد.

قنأ : أبو عبيد : أحمر قانئ ، وقد قنأ يقنأ.

أبو زيد : قَنأَتْ أطرافُ المرأة قُنوءاً بالحنَّاء : إذا احمرَّت احمراراً شديداً.

وقرأت للمؤرِّج : يقال : ضربتُه حتَّى قَنِئَ يَقنأ قُنُوءاً : إذا مات. وقَنَأه فلانٌ يَقْنَؤُه قَنَئاً وأقْنأَتُ الرَّجُلَ إقناءاً : حملتَه على القتْل.

نقا : قال الليث : النِّقْوُ : كلُّ عَظْم من قَصَب اليدين والرِّجلين نِقْوٌ على حِياله ، والجميع الأنقاء.

٢٤٠