تهذيب اللغة - ج ٨

محمّد بن أحمد الأزهري

تهذيب اللغة - ج ٨

المؤلف:

محمّد بن أحمد الأزهري


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٠

غذرم : وقال غيره : تَغَذْرَمَ فلان يميناً وتزيَّدها : إذا حلف بها ولم يَتتَعْتَع ، وأنشد :

تَغَذْرَمَها في ثَأْوةٍ من شياههِ

فلا بُورِكت تلك الشِّياه القلائلُ

والثأْوَةُ : المهزولة من الغنم ، والغَذْرَمَةُ : كيلٌ فيه زيادةٌ على الوفاء ، وكيلٌ غُذَارِمٌ.

وقال أبو جندبٍ الهذلي :

فَلَهْفَ ابنة المجنون ألا تُصيبَه

فَتُوْفِيَهُ بالصاع كيلاً غُذَارِما

وفي الحديث : أن علياً رضي‌الله‌عنه لما طلبَ إليه أهل الطائف أن يكتب لهم الأمان على تحليل الرِّبا والخمر ، فامتنع قاموا ولهم تَغَذْمُرٌ وبربرةٌ.

وقال الراعي :

تَبَصَّرْتُهُمْ حتى إذا حال دونهم

رُكامٌ وحادٍ ذُو غَذَامِيرُ صَيْدَحُ

غمذر : ومن العرب من يقول : غَمْذَرَ غَمْذَرَةً بمعنى غَذْرَمَ إذا كالَ فأكثر.

لغذم : وقال الليث : المُتَلَغْذِمُ : الشديد الأكل.

باب الغين والثاء

[غ ث]

غثمر : أبو عبيد عن الأموي : المُغثْمَرُ : الثوب الرديء النّسْج.

وقال أبو زيد : إنه لبيثٌ مُغَثْمَرٌ ومُغَذْمَرٌ ومغثومٌ : أي مخلَّطٌ ليس بجيِّد.

بغثر : قال والبَغْثَر من الرجال : الثَّقيل الوخمُ ، وأنشد :

ولم يجدني بَغْثَراً كهاما

ويقال : بَغْثَرَ متاعه وبعثره إذا قَلبه.

وقال الليث : البَغْثَرَةُ : خبثُ النفس ، تقول : أراك مُبَغْثِراً.

وقال أبو عبيد : تَبَغْثَرَت نفسه ، أي : خَبُثت.

غثمر : وقال ابن السكيت : طعامٌ مُغَثْمرٌ إذا كان بقشره لم ينق ولم يُنخل.

وقال الليث : المُغَثْمِرُ الذي يحطم الحقوق ويَتَهَضَّمُها ، وأنشد قول لبيد :

ومُغَثْمِر لحقوقها هَضَّامُها

رواه أبو عبيد : ومُغَذْمِرٍ لحقوقها.

باب الغين والراء

[غ ر]

غرمل : قال الليث : الغُرْمُولُ : الذَّكر الضخم ، وأنشد :

وخِنْذِيذٍ ترى الغُرْمُول منه

كطيِّ الزِّق عَلَّقَهُ التِّجَارُ

غربل : أبو عبيد : المُغَرْبَلُ : المقتولُ المُنْتَفِخُ ، وأنشد :

٢٠١

أحيا أباه هاشم بن حَرْمَلَهْ

ترى الملوك حوله مُغَرْبَلَهْ

يقتلُ ذا الذنب ومن لا ذنبَ له

وأخبرني الإيادي عن شمر قال : المُغَرْبَلُ : المفرَّق ، غربله أي : فرّقه. قال : والمُغَرْبَلُ : المُنَقَّى بالغربال.

وفي الحديث : «كيف بكم إِذا كنتم في زمان يُغرْبَلُ الناس فيه غَرْبَلَةً» ، قال : يذهب خيارُهم بالموت والقتل ويبقى أراذلهم.

ابن شميل عن الجعدي : غَرْبَلَ فلان في الأرض : إذا ذهب فيها.

وفي الحديث : «أعلنوا النكاح واضرِبوا عليه بالغربالِ».

عَنَى بالغربالِ الدُّفَّ ، شُبِّه الغربال به.

برغل : أبو عبيد عن أبي عمرو : البَرَاغِيلُ : البلاد التي بين الرِّيف والبَرِّ مثل القادسية والأنبار ، واحدها بِرْغِيلٌ ، وهي المزالِفُ أيضاً.

غنذي : وقال ابن الفرج : سمعت الضبابي يقول : إن فلانة لَتُغْنذِي بالناس وتُعَنْذي بهم أي : تُغرِي بهم ، وقطع الله عنك عَنْذَاتها ، أي : إغراءَها.

بغبر : أبو العباس عن ابن الأعرابي : البُغبُورُ : الحجر الذي يذبحُ عليه القُربان للصَّنم ، والبُغبُورُ : ملك الصين.

[باب] خماسي الغين

غضنفر : الغضَنْفَرُ وهو الأسد ، ورجلٌ غَضَنْفَرٌ ؛ إذا كان غليظاً.

وقال أبو عبيدة : أُذُنٌ غَضَنْفَرَةٌ ، وهي التي غلظت وكثر لحمها ، حكاه عنه الأثرمُ.

وقال المفضل : الغضَنْفَرُ من الرجال : الغليظ ، وأنشد :

لهم سيدٌ لم يرفع الله ذِكره

أزَبُّ غُضون الساعدين غَضَنْفَر

وقال أبو عمرو : الغَضَنْفَر : الغليظ المُتَغصِّن ، وأنشد :

دِرْحايةٌ كوأْلَلٌ غَضَنْفَر

ضبغطر : أبو العباس عن ابن الأعرابي ، قال : الضَبَغْطَرى : ما حملته على رأسك وجعلت يديك فوقه لئلا يقع ، والضَّبَغطَرى أيضاً : اللعينُ الذي يُنصب في الزرع يُفَزَّعُ به الطير.

ظربغن : قال : وأخبرني عمرو عن أبي عمرو عن أبيه ، قال : الظَّرَبغانَةُ  ـ  بالظاء والغين  ـ  : الحيَّة.

آخر حرف الغين ولله المنَّة

٢٠٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

هذا كتاب حرف القاف من «تهذيب اللغة»

أبواب المضاعف

قال الليث بن المظفَّر قال أبو عبد الرحمن الخليلُ بن أحمدَ : القافُ والكافُ تألِيفهُما معقومٌ في بناء العربيةِ لقربِ مخرجيهما إلّا أنْ تَجيء كلمة من كلام العجمِ مُعرَّبة ، قال : والقافُ والجيمُ كيفَ قُلبتَا لم يحسن تأليفُهما إلا بِفصل لازم ، وقد جاءتْ كلماتٌ معرَّباتٌ في العربيةِ ليستْ منهَا ، وسأبين ذلكَ في حدّه.

[باب القاف والجيم

ق ج]

جق : قلتُ : وقد روى أبو العباس أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابيِّ أنه قال : الجِقَّةُ : الناقَةُ الهرمةُ.

باب القاف والشين

ق ش

قش  ـ  شق : مستعملان.

قش : قال الليث : القَشُ : تَطَلُّبُ الأكلِ من هَاهُنا وهاهنا ، وكذلك التَّقْشِيشُ والاقْتشاشُ ، والاسمُ من ذلكَ القَشِيشُ والْقُشاشُ ، والنعتُ : قَشَّاشٌ وقَشُوشٌ ، قال : والقِشَّةُ : الصَّبية الصّغيرةِ الجُبة التي لا تكاد تنبتُ ، يقال : إنما هي قِشَّةٌ.

ويقال : بل القِشَّةُ دَوَيْبَّةٌ تُشبِهُ الجُعلَ ، قال : والقَشْقشَةُ : يُحْكَى به الصوتُ قبلَ الهديرِ في مخضِ الشقْشِقَةِ قبلَ أن يَزْغَدَ بالهدير ، قال : وصُوفَةُ الهِنَاءِ إذَا عَلِقَ بها الهناءُ ودُلكَ بها البعيرُ : وألقيتْ فهيَ قِشَّةٌ.

وقال أبو عبيد : يقال لِلقِرْدِ قِشَّةٌ إذا كانتْ أنثى ، قاله أبو زيد ، والذَّكَرُ رُبَّاحٌ.

قال أبو عبيدٍ : وقال أبو زيد : قَشَ القومُ يَقُشُّون قُشُوشاً إذا حَيُّوا بعدَ هُزال وأقَشُّوا إقْشَاشاً إذا انْطَلَقُوا فجفلوا ، قال : ولا يقال ذلكَ إلَّا للجميع فقط.

قشقش : وفي الحديث : «كان يقال لسورتي (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) و (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ)

٢٠٣

المُقَشْقِشَتَان» ، سُمِّيتا مُقَشْقِشَتَيْن لأنهما تُبرئان من الشِّرك كما يبرأ المريض من مرضه.

وقال أبو عبيد عن أبي عبيدة : إذا برأ الرجل من عِلَّتهِ قيل قد تَقَشْقَشْ.

والعرب تقول للرَّاتع الذي يلقطُ الشيء الحقير من الطريق فيأكله : قَشَّاشٌ ورمامٌ ، وقد قَشَّ يَقُشُّ قَشاً ، ورمَّ يَرُمُّ رَماً.

قلت : والذي قاله الليث في القَشْقَشَةِ أنه الصوت قبل الهدير فهو الكَشْكَشَةُ بالكاف وهو الكشيشُ ، وقد كشَّ البَكْرُ يكشُّ كشيشاً.

وقال رؤبة :

هدرتُ هدْراً ليس بالكشيشِ

فإذا ارتفع عن ذلك قليلاً فهو الكَتيت.

ثعلب عن ابن الأعرابي ، قال : القشُّ الدَّمالُ من التَّمر ، والقشُّ أكلُ كِسَرِ السؤَال ، والقشُّ أكل ما على المزابِلِ مما يُلقيه الناس.

شق : قال الليث : الشِقْشِقَةُ : لهاةُ الجملِ العربي ، ولا يكون ذلك إلا للعربيِّ من الإبل وجمعها الشَّقاشِقُ.

وروي عن عليٍّ رضي‌الله‌عنه أنه قال : «إن كثيراً من الخُطب من شَقَاشِقِ الشَّيطان».

قلت : شبَّه الذي يَتَفَيْهَقُ في كلامه ويسرده سرداً ولا يُبالي أصاب أم أخطأ وصدق أم كذب بالشيطان الذي أسخط ربه وأغوى من اتَّبعه.

والعرب تقول للخطيب الجهير الصوت الماهر بالكلام : هو أهرتُ الشِّقْشِقَةِ وهريتُ الشِّدق.

ومنه قول ابن مُقبلٍ يذكر قوماً بالخطابة :

هُرْتُ الشَّقاشِقِ ظلَّامون للجزُرِ

وسمعت غير واحد من العرب يقول للشِّقْشِة شِمْشِقَةٌ ، وقد حكاه شمر عنهم أيضاً.

وقال النضر : الشِّقْشِقَةُ جلدة في حلق الجمل العربي ينفخُ فيها الرِّيحُ فتنتفخُ فيهدر فيها.

وقال الليث : الشَّقُ مصدر قولك شَقَقْتُ والشقُ : اسمٌ لما نظرتَ إليه ، والجميع الشُّقُوقُ.

قال : والشُّقاقُ تَشَققُ الجلد من بردٍ أو غيره في اليدين والوجه.

وقال الأصمعي : الشَّقاقُ في الرِّجل واليَد من بدن الإنسان والحيوان ، وأما الشَّقُوقُ فهي الصدوعُ في الجبال والأرضين وغيرها.

وقال الليث : الشِّقُ : المشقة في السير والعمل ، والشِّقُ الجانب ، والشِّقُ الشقيقُ ، تقول : هذا أخي وشِقُ نفسي.

وقال الفراء في قوله جلَّ وعزَّ : (لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِ الْأَنْفُسِ) [النحل : ٧] ، أكثر

٢٠٤

القراء على كسر الشين ، قال : ومعناه : إلا بِجَهْدِ الأنفس ، وكأنه اسم وكأن الشَّقَ فعلٌ. قال : وقرأ بعضهم (إلَّا بِشَقِ الأنفُس).

قال الفراء : ويجوز في قوله : (إِلَّا بِشِقِ الْأَنْفُسِ) أن تذهب إلى أن الجهد ينقص من قوة الرجل ونفسه حتى يجعله قد ذهب بالنصف من قوته فيكون الكسر على أنه كالنصف.

والعرب تقول : خذ هذا الشِّقَ لِشِقَّةِ الشاةِ ، ويقال : المال بيني وبينك شَقُ الشعرةِ وشِقُ الشعرة ، وهما متقاربان ، فإذا قالوا شَقَقْتُ عليك شقاً نصبوا ، ولم نسمع غيره.

وقال ابن شميل : شَقَ عليَّ ذاكَ الأمر مَشقَّةً ، أي : ثَقُلَ عليَّ.

قلت : ومنه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لولا أن أشُقَ على أُمتي لأمرتهم بالسِّواك عند كلّ صلاةٍ».

المعنى : لو لا أن أُثقِّلَ على أُمتي.

الحراني عن ابن السكيت ، قال : الشِّقُ : المشَقَّةُ ، والشِّقُ : نصف الشيء ، والشَّقُ : الصدعُ في عُودٍ أو حائط أو زجاجة.

وقال الليث : الشِّقّةُ : شظية تُشقُ من لوحٍ أو خشبةٍ ، ويقال للإنسان عند الغضب : احتَدَّ فطارت منه شِقَّةٌ في الأرض ، وشِقّةٌ في السماء ، والشُّقَّةُ معروفة في الثياب ، والشُّقَّةُ بعد مسير إلى الأرض البعيدة ، يقال : شُقّةٌ شاقَّةٌ ، قال الله جلَّ وعزَّ : (وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ) [التوبة : ٤٢].

وقال أبو إسحاق في قول الله جلَّ وعزَّ : (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) [الحج : ٥٣] ، قال : الشِّقاقُ العداوة بين فَرِيقين ، والْخِلافُ بين اثنين ، يُسمَّى ذلك شِقاقاً لأن كل فريقٍ من فِرقتي العداوة قَصَد شِقّاً أي : ناحية غير شِقِ صاحبِهِ ، وأما قولهم : شَقَ الخوارج عصَا المسلمين فمعنَاهُ : أنهم فَرَّقوا جماعَتْهُمْ وكلِمَتهُمْ ، وهو من الشَّقِ الذي معنَاه الصَّدْع.

وقال الليث : الخارجيُ يَشُقُ عصَا المسلمين ويُشاقُّهم خِلافاً ، قلت : جعل شَقّةُ العَصَا والمُشَاقَّةَ واحِداً ، وهما مختلفان عَلَى ما جرى من تَفْسِيرِهمَا آنفاً.

وقال الليث : يقال : انْشَقَّتْ عصَاهُمْ بعد الْتِآمِها : إذا تفرَّقَ أمرهُمْ ، قال : والاشْتِقاقُ : الأخذُ في الخصومات يَميناً وشِمالاً مع تَرْكِ الْقَصْدِ ، وفرس أشَقُ ، وقد اشْتَقَ في عدوِهِ كأنّه يَميلُ في أَحَدِ شِقّيْهِ ، وأنشد :

وتَبَارَيتُ كمَا يَمشي الأشَقّ

قلت : فرَسٌ أشَقُ له مَعْنيان.

فأما الأصمعي فإنه قال فيما رَوَى عنه أبو عبيد : الأشَقُ الطويلُ قال : وسمِعتُ عُقْبَةَ بن رُؤبَة يصف فرَساً فقال : أشَقُ أَمَقُ

٢٠٥

خِبَقٌّ ، فجعله كلّهُ طولاً.

وقال ابن الأعرابيّ فيما روى عنه أبو العباس : الأشَقُ من الخيل : الواسعُ ما بين الرجْلين ، قال : والشّقّاء المقّاءُ من الخيل الواسعة الأرْفاغ ، وسمعت أعرابيةً تُسَابُّ أمةً فقالت لها : يا شَقّاءُ يا مَقَّاءُ فسألتُها عن تفْسِيرهما فأشارت إلى سَعَةِ مَشَقِ جَهَازِها.

وقال الليث : الشَّقِيقَةُ : صُدَاعٌ يأخذُ في نصف الرأْس والوجه ، قال : والشّقِيقَةُ الفُرجَة بين الرمال تُنْبتُ العُشبَ وجمعها الشّقَائقُ ، قال : ونَوْرٌ أحمر يسمى شقائق النُّعمانِ.

أبو عبيد عن الأصمعي قال : الشّقيقَةُ قطعٌ غِلاظٌ بين كلّ حَبْليْ رَمْلٍ ، قلت : وهكذا فسَّرُهُ لي أعرابيّ وسمعْتُه يقول وهو يَصِف الدَّهْنَاء فقال : هي سبعةُ أحبُلٍ بين كلّ حَبْلين شَقِيقةٌ ، وعرضُ كلّ حبلٍ ميلٌ وكذلك عرضُ كل شَقِيقَةٍ قال : وأما قَدْرُها في الطول فما بين يَبْرَينَ إلى ينْسوعةِ القُفِّ فهو قدرُ خمسين مِيلاً ، وأما شقائق النُّعمان فقد قيل : إن النعمان بن المُنذرِ نَزَل شَقائقَ رملٍ قد أنْبتتِ الشّقِرَ الأحمر فاسْتَحسنها وأمرَ أن تُحْمَى له لِيتنزَّهَ إليها فقيل لِلشّقِرِ شقائقُ النُّعمانِ بِمنْبَتِها لا أنّها اسمٌ لِلشّقرِ ، وقال بعضهم : النُّعمانُ الدَّمُ فشبِّهتْ حُمْرَتها بِحُمْرةِ الدَّمِ ، قلت : والشّقائق أيضاً سحائب تَبَعَّجُ بالأمطار الغَدِقَة. قال الهذليُّ :

فَقُلتُ لهم ما نُعم إلّا كَرَوضَةٍ

دَمِيثِ الرُّبا جادت عليها الشقائقُ

وقال أبو عبيدة : تَشَقَّقَ الفرس تَشَقُّقاً إذا ضمر وأنشد :

وبِالْجلالِ بعدَ ذَاكَ يُعْلَينَ

حتَّى تَشَقّقْنَ ولَمّا يَشْقَين

وفي الحديث : أنّ النبيَّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم سُئِلَ عن سحائِبَ مرت وعن بَرْقهَا فقال : «أَخَفواً أمْ ومِيضاً أم يَشُقُ شَقّاً» فقالوا : بل يَشُقُ شَقّاً ، فقال : «أتاكُمُ الْحَيَا».

قال أبو عبيد : معنى : يَشُقُ شَقّاً هو البرق الذي نراه مستطيلاً إلى وسط السَّماءِ وليس له اعتراضٌ.

وفي الحديث أمِّ زَرعٍ : «وجَدَني في أهْلِ غُنَيْمَة بِشقِ» قيلَ : شِقٌ مَوْضعٌ بعيْنِهِ هاهُنا.

وفي الحديث : «فلمّا شَقَ الفَجْرانِ أمَرَ بإقامة الصَّلاةِ» أي : طَلَعَ الفَجْرَانِ ، ويقال : شَقَ الصُّبحُ يَشُقُ شَقّاً ، إذا طلَعَ ، وشَقَ نابُ البَعير وَشَقا بمعنى واحد إذا فَطرَ نابُه ، وأهل العراق يَقُولون للْمُطَرْمِذِ الصّلِفِ شَقَّاق وليس من كلامِ العربِ ولا يَعْرِفُونَه.

وقال ابن السكيت : يقال : شَقَ بصَرُ الميِّتِ ولا يقال : شَقَ الميِّتُ بَصَرَهُ.

ثعلب عن ابن الأَعرابي : قال : الشّقَقَةُ : الأَعْداءُ.

٢٠٦

وقال أبو سعيد : رأيت شَقِيقَة الْبَرْقِ وعَقِيقتَه ، وهو ما اسْتَطار منه في الأُفقِ وانتشر ، والله أعْلَمُ.

باب القاف والضاد

ق ض

قض : أبو العباس عن ابن الأعرابي قال : قَضَ اللَّحمُ إذا كان فيه قَضَضٌ يقع في أضراسِ آكلهِ شِبْهُ الحصى الصِّغارِ ، وأرضٌ قَضّةٌ ذاتُ حَصًّى وأنشد :

تُثِيرُ الدَّواجِنَ في قَضَّةٍ

عِرَاقيَّةٍ وسْطَهَا الغَضْوَرُ

قال : ويقال : قَضَ وأقَضَ إذا لم يَنمْ نومه وكان في مَضجعهِ خُشْنةٌ.

وقال الليث : يقال : قَضَضْنَا عليهم ، الخيلَ فانقضَّتْ عليهم ، وانقضَ الحائط أي وقع ، وانقضَ الطائرُ إذا هَوَى من طَيرانهِ لِيسقط على شيءٍ وأنشد :

قَضُّوا غِضاباً عَليكَ الخَيْلَ من كَثب

وقول الله جل وعز : (جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ فَأَقامَهُ) [الكهف : ٧٧] ، أي : يَنكَسِرَ.

يقال : قَضضْنَا عليهم الخيل فانقضت عليهم ، وقَضضْتُ الشيءَ إذا دَقَقْتهُ ومنه قيل للْحَصَى الصِّغارِ قَضَضٌ.

ويقال : اتَّقِ القِضَّةَ والقضضَ في طعامِكَ يُريدُ الحصى والتُّرابَ.

ويقال : أقَضَ عَلَى فُلانٍ مَضجَعُهُ إذا لم يَطْمَئِنَّ بِهِ النَّومُ.

وقال الْهُذَلِيُّ :

أم ما لِجَنْبِكَ لا يُلائمُ مَضْجَعاً

إلّا أَقَضَ عليه ذاكَ المَضْجَعُ

وقال الفراء : قَضضْتُ السَّويقَ وأقْضضْتُه إذا ألقيتَ فيه سُكَّراً يابساً.

وقال الأصمعي : دِرْعٌ قَضَّاء إذا كانت خَشِنَة المَسِّ لم تَنْسَحِق.

وقال أبو عبيد قال أبو عمرو : القَضَّاء من الدُّروعِ التي فُرِغَ من عَمَلِهَا ، وقد قَضَيْتُها.

وقال أبو ذُؤيْبٍ :

وتَعَاوَرا مَسْرودَتيْنِ قَضاهُما

دَاودُ أو صَنَعُ السّوابغ تُبَّعُ

قلت : جعل أبو عمرو القَضَّاءَ فَعَّالاً من قضى إذا أحكم وفرغَ ، والصوابُ ما قال الأصمعي في تفسيرها ، وقَضَّاء عَلَى قوله فَعْلاء غير منصرف من القَضِ ، ومنه قول النابغةِ :

ونَسْجُ سُليمٍ كلَ قَضَّاءَ ذائل

وقال شمر نحوه : القَضَّاءُ من الدروع : الحديثة العهدِ بالجِدّة الخشنة المَسِّ ، من قولك : أقض عليه الفراش.

وقال ابن السكيت في قوله : كل قضاء ذائل ، أراد كل دِرْعٍ حديثة العهد بالعملِ.

قال : ويقال : القضاء الصُّلْبةُ التي لم تملاسّ كأن في مَجَسَّتِهَا قَضّةٌ.

٢٠٧

قال : وقَضَ اللؤلؤة : إذا ثقبها ، ومنه : قِضّة العَذْرَاءِ إذا فُرغَ منها.

وقال الليث يقال : أقَضَ الرجل إذا تَتَبَّعَ مَداقَّ المطامع.

وقال رؤبةُ :

ما كنتَ من تَكَرُّمِ الأعراضِ

والخُلُقِ العَفِّ عن الإقضاضِ

قال : ولَحْمٌ قَضّ وطعامٌ قَضٌ وأنشد :

وأَنتمْ أكلتُمْ لَحْمَه ترباً قَضّا

ويقال : جاء بنو فُلانٍ قضَّهُمْ بقضيضهم إذا جاءوا بجماعتهم لم يخلفوا شيئاً ولا أحداً.

ويقال أيضاً : جاءوا بِقضهم وقضيضهم.

وأخبرني المنذري عن أبي طالب جاء بالْقَضِ والقضيضِ معناه : جاء بالكبير والصغير فالقَضُ الحَصَى ، والقضيضُ ما تَكسَّرَ منه وَدَقَّ.

وقال أبو بكر : القضّاء من الإبل ما بين الثلاثين إلى الأربعين ، والقَضَّاء من الناس الجلَّةُ وإن كان لا حَسَبَ لهمْ ، ودِرْعٌ قَضَّاء خَشِنَةُ المَسِّ من جِدَّتِها كالقضيضِ وهو الحَصَى الصِّغارُ.

وقال ابن السكيت : القَضَّاء المَسْمُورَةُ ، ونراه من قولهم : قَضَ الجوهرة إذا ثَقَبَها وأنشد :

كأن حصاناً قضَّها القين حُرَّة

لدى حيث يلقي بالفناءِ حَصيرها

ويروى فَضَّها القينُ ، والقَيْنُ الغَوّاصُ ، والحصان الدُّرَّةُ.

ويقال : انقضَ البازي على أثر الصيد وتَقضّضَ إذا أسرع في طَيرَانهِ مُنْكَدراً عليه ، وإنما قالوا تَقَضَّى يَتقضَّى ، والأصل تَقضَّض فلما اجتمعت ثلاثُ ضادَاتٍ قلبت إحْداهنّ ياءً كما قال :

تَقَضِّيَ البازي إذا البازي كسر

وقال شمر : القَضَّانَةُ : الجبل يكون أطباقاً وأنشد :

كأنما قرع ألحيها إذا وَجَفَتْ

قرعُ المعاولِ في قَضَّانةٍ قلعِ

قال : والقلع : المشرف منه كالقلعةِ ، قلت : كأنه من قَضضْتُ الشيءِ إذا دَقَقْتُهُ ، وهو فعلانَة منه.

وفي «نوادر الأعراب» : القِضَّةُ : الوسْمُ.

وقال الراجز :

مَعْروفَةٌ قِضَّتها رُعْن الْهامْ

والقضَّة بِفَتْحِ القافِ ، الفضَّةُ وهيَ الحجارَة المجتمعةُ المتَشقّقَةُ.

وقال الليث : القَضقضَةُ كَسْرُ العظام والأعضاء ، وأسدٌ قَضْقاضٌ يُقضقِضُ فريسَتَهُ.

وقال رُؤبة :

٢٠٨

كم جاوزتْ من حَيَّةٍ نَضناضٍ

وأَسَدٍ في غِيلهِ قَضقاضِ

وقال أبو عمرو : قَضقضَ الشيءَ إذا كسره ودقَّهُ.

وقال الليث : القِضَةُ أرضٌ منخفضةٌ تُرابُها رملٌ وإلى جَانبها مَتَنٌ مرتفعٌ وجمعُها القِضُون.

قلتُ : القِضَة بتخفيفِ الضادِ ليست منْ حدِّ المضاعَفِ ، وهي شَجَرةٌ من شَجَرِ الحمضِ معروفة.

وأخبرني المنذريُّ عن الحراني عن ابن السكيت قال : القِضَة نبْتٌ ، يجمَعُ القضينَ والقِضون ، وإذا جمعتَه على مثال البُرَى قلتَ القِضَى.

وأنشد الفرَّاء :

بسَاقَيْنِ ساقَيْ ذِي قِضِين تحشُّه

بأَعوَادِ رَنْدٍ أَوْ أَلَاوِيَةٍ شَقْرَا

وأما الأرضُ التي تُرابَها رملٌ فهي قِضَّةٌ بتشديد الضاد وجمعُها قِضّاتٌ ، وأما القضقَاضُ فهو من شَجَرِ الحمضِ معروفٌ ويقال : إنه أشنانُ أهلِ الشام.

وقال ابن دُريد : قِضّةُ موضعٌ معروف كانت فيه وَقْعةٌ بين بكرٍ وتغلِبَ تسمّى يومَ قِضّة ، الضاد مشدَّدةٌ.

وقال الليث : القَضيضُ : أن تسمعَ منَ الوَتر أو النِّسْع صوْتاً كأنه قَطعٌ والفعلُ قضَ يقَضُ قَضيضاً.

وقال أبو زيد : قِضْ خفيفَةٌ حكاية صوتِ الرُّكبة إذا صاتَتْ ، يقال : قالت ركبتُه قِض ، وأنشد :

وقولُ ركبتِها قِضْ حينَ تثنيها

أبو زيد : انقضّ الجدَارُ انقِضاضاً وانقاض انقِياضاً إذا تَصدَّع من غيرِ أن يَسْقُطَ فإذا سقَط قيل : تقيّضَ تقَيُّضاً.

وقال شمر : يقال : قَضضْتُ جنبَه منْ صُلبه أي : قَطعْتُه ، والذئبُ يُقضقِضُ العظام.

وقال أبو زبيد :

فقَضقَضَ بالنَّابينِ قُلّة رأسِه

ودقَّ صلِيفَ العُنْقِ والعُنقُ أصعَرُ

وقال شمر في الحديث : أن بعضَهم قال : «لو أنَّ رجلاً انفَضَّ انفضاضاً ممّا صُنِعَ بابن عفان لَحَقَّ له أنْ ينفضّ».

قال شمر : انفَضَّ بالفاء : انقطَعَ ، وقد انفضّتْ أوْصالُه إذا انقطعتْ وتفرقتْ.

قال : وقال الفراء : فَضَّ اللهُ فالأبعدِ وفضَّضَهُ ، والفضُّ أن تُكسَرَ أسنانَه.

قال : ويُرْوَى بيتُ الكمَيت :

يَفُضُّ أصولَ النَّخْلِ من نجوَاتِه

بالفاء والقافِ أي : يقطعُ ويرمى به.

باب القاف والصاد

ق ص

قص : قال الليث : القصُ هو المُشاشُ

٢٠٩

المغروزُ فيه أطرافُ شراسِيفِ الأضلاع في وسط الصدرِ.

وقال الأصمعيُّ : يقال في مَثَلٍ : هو ألزمُ لكَ من شُعَيراتِ قَصّك ، وذلك أنها كلما جُزَّتْ نبتتْ ، وأنشد هوَ أَو غيرُه :

كم قَدْ تمَشَّشْتَ مِن قَصٍ وإنفحة

جاءتْ إليكَ بِذَاكَ الأَضؤُن السُّودُ

ورُوي عن صفوانَ بن محرزٍ أنه كان إذا قرأَ : (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا) [الشعراء : ٢٢٧] ، بكى حتى نقولَ قد انْدَقَ قَصَصُ زَوْره وهو مَنْبتُ شَعرهِ على صدرهِ ، ويقالُ له : القصصُ والقَصُ أيضاً.

وقال الليث : القصُ أخذ الشّعَر بالمِقَصِ قلت : أصل القصِ القطعُ.

وقال أبو زيد : قصصتُ ما بينهما أي : قطَعتُ.

قال : والمِقصُ ما قصصت به أي : قطعتَ به.

قلتُ : والقِصاصُ في الجراح مأخوذٌ من هذا إذا اقتصَ له منه يجرَحُه مثلَ جرحِه إياهُ أو قتَله به.

وقال الليث : القِصاصُ والتَّقَاصُ في الجراحاتِ والحقوق شيءٌ بشيء ؛ وقد اقتص من فلانٍ ، والاستقْصاصُ أن يطلُبَ أن يُقصَ ممن جرحهُ ، وقد أَقصصتُ فلاناً من فلانٍ أقِصُّه إقصاصاً وأمْثَلْته إمثالاً فاقتَصّ منه وامتثل.

قال : والقُصة تتخذُها المرأةُ في مُقَدَّم رَأسها تقُص ناحيَتيها عدا جَبينها ، وقُصاصة الشَّعَر نهايةُ مَنْبتِه من مُقدَّم الرأس ، ويقال : هو ما استدارَ به كله من خَلفٍ وأمامٍ وما حواليهِ ، ويقالُ : قَصاصةُ الشَّعَر.

وقال الأصمعي : يقال : ضربه على قصاص شعره ومقصِ شعره ومقاصِ.

وقال شمر : يقالُ : قُصاصُ شَعرِه وقَصاصُ : أيْ : حيثُ ينتهي منْ مقدَّمه ومؤخّره.

سلمة عن الفراء قال : ضربهُ على قُصاصِ شَعره وقِصاص شعرهِ.

وقال الليث : القصيصُ نبتٌ ينبتُ في أصُولِ الكمْأةِ.

قال : وقد يُجعَلُ القصيصُ غِسْلاً للرأس كالخَطْميِّ.

وأنشد :

جَنَيتُه من مُجتَنى عَوِيص

من مَنبِتِ الأَجردِ والقصيص

وقال الأصمعي : القصيصةُ نبتٌ يخرج إلى جانبِ الكمْأَةِ.

وقال الليث : القصُ فعلُ القاصِ ، إذا قصَ القصَصَ والقِصّة معرُوفةٌ ، ويقال في رَأسِه قِصةٌ يعني الجُملةَ من الكلام ، ونحوه قول الله : (نَحْنُ نَقُصُ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) [يوسف : ٣].

٢١٠

قولُه : (أَحْسَنَ الْقَصَصِ) : أي : أحسنَ البيان ، والقاصُ الذي يأتي بالقصة مِن فصها يقال : قصصتُ الشيء إذا تَتَبعتُ أثَرَه شيئاً بعد شيء.

ومنه قوله : (وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ) [القصص : ١١] ، أي : اتبعِي أَثره.

وقوله : (فَارْتَدَّا عَلى آثارِهِما قَصَصاً) [الكهف : ٦٤] ، أي : رَجعا مِنَ الطريق الذي سَلكاه فيقصّان الأثر.

قلت : أصل القَصِ : اتِّباع الأثر ، يقال : خرج فلانٌ قَصَصاً في إثر فلانٍ وقصّاً.

وذلك إذا اقتَصَ أثره ، وقيل : للقاصِ يَقُصُ القَصص لاتباعه خبراً بعد خبرٍ وسوقهِ الكلام سوقاً.

وقال أبو زيد : تَقَصَّصْتُ كلام فلان ، أي : حفظته.

وقال الليث : يقال للشَّاةِ : إذا استبان ولدها قد أقصَّتْ فهي مُقِصٌ.

وقال أبو زيد وأبو عبيدة وغيرهما : أقصَّتِ الفرسُ فهي مُقِصٌ إذا حملت ، ولم أسمعه في الشَّاءِ لغير الليث.

ابن الأعرابي : لَقَحتِ الناقة وحملَت الشاةُ وأقصَّتِ الفرسُ إذا استبان حملها.

وقال الليث : القَصْقاصُ نعتٌ من صوت الأسد في لُغةٍ. قال : والقَصْقَاصُ أيضاً نعتٌ للحيَّة الخبيثة.

قال : ولم يجيء بناءٌ على وزن فعلالٍ غيره ، إنما حَدُّ أبنية المضاعف على زِنة فُعْلُل أو فُعلولٍ أو فِعْلِلٍ أو فِعْلِيلٍ مع كل مقصورٍ ممدود مثله ، وجاءت خمس كلمات شواذَّ وهي : ضُلَضِلَةٌ وزَلَزِلَ وقَصْقاصٌ والقَلَنْقَلُ والزِّلزَالُ ، وهو أعمُّها لأن مصدر الرباعي يحتمل أن يُبنى كله على فِعلالٍ وليس بمطردٍ ، وكل نعتٍ رباعيٍّ فإن الشعراء يبتنونه على فُعالِل مثل قُصاقِص ، كقول الشاعر القائل في وصف بيتٍ مصوَّر بأنواع التصاوير :

فيه الغُواةُ مُصَوَّرُو

ن فحاجلٌ منهم وراقِصْ

والفيلُ يرتكبُ الرّاد

ف عليه والأسد القُصاقِصْ

قال : وقُصاقِصَةُ موضعٌ ورجلٌ قَصْقَصَةٌ وقُصاقِصٌ إذا كان قصيراً ، رواه أبو عبيد عن أصحابه.

وقال الأصمعي : إذا كان في الرَّجل قِصرٌ وغلظٌ مع شدة فهو قُصْقُصَةٌ وقُصاقِصٌ.

وأما ما قاله الليث في القَصْقَاص بمعنى صوت الأسد ونعت الحيَّة الخبيثة فإني لم أجده لغير الليث وهو شاذٌّ إن صحَّ.

وقال الأصمعي : يقال للزَّامِلةِ الضعيفة : قَصِيصَةٌ.

أبو عبيد عن أبي زيد : أقَصَّتْهُ شَعوب إقصاصاً ، إذا أشرف عليها ثم نجا.

وقال الله جلَّ وعزَّ : (وَقالَتْ لِأُخْتِهِ) ،

٢١١

قُصِّيهِ [القصص : ١١] معناه : اتبعي أثره.

وقال الأصمعي : ضربه ضرباً أقَصَّهُ من الموت ، أي : أدناه من الموت حتى أشرف عليه.

وفي الحديث : «نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن تَقْصِيصِ القُبور».

قال أبو عبيد : التَّقْصِيصُ هو التَّجْصيص وذلك أن الجصَّ يقال له : القَصَّةُ ، يقال : قَصَّصْتُ البيت وغيره إذا جَصَّصْتَهُ.

وفي حديث عائشة أنها قالت للنساء لا تغتسلن من المحيض حتى تَرَين القَصَّة البيضاء.

قال أبو عبيد : معناه : أن تخرج القُطنة أو الخرقة التي تحتشي بها المرأة كأنها قَصَّةٌ لا يخالطها صفرةٌ ولا تريَّةٌ.

قال : وقد قيل : إِن القَصَّة شيءٌ كالخيط الأبيض يخرج بعد انقطاع الدَّم كله ، وأما التَّريّة فالخفيُّ اليسير وهو أقل من الصفرة.

أبو مالك : أسدٌ قُصاقِصٌ ومُصامِصٌ وفُرَافِصٌ : شديدٌ ، ورجلٌ قُصاقِصٌ فُرافِصٌ يُشَبّهُ بالأسد.

باب القاف والسين

ق س

[قسّ  ـ  سقّ : مستعملان].

قس : أبو العباس عن ابن الأعرابي ، قال : القُسُسُ : العقلاءُ ، والقُسُسُ : السَّاقة الحُذَّاق.

وقال الليث : قسَ يقُسُ قساً وهو من النَّميمة وذكر الناس بالغيبة.

وقال أبو عبيد : القَسُ : تَتبُّع الشيءِ وطلبه ، يقال : قَسَسْتُ أقُسُ قسّاً.

قال رؤبة :

يُمْسِينَ من قَسِ الأذى غَوافلا

وقال اللحياني : يقال للنَّمام قسَّاسٌ وقَتَّاتٌ وهمَّازٌ وغمازٌ ودراجٌ.

وقال الليث : قَسٌ : موضعٌ.

وفي حديث عليّ : «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى عن لُبسِ القسِّيِ».

قال أبو عبيد : قال عاصم بن كليب ، وهو الذي روى الحديث ، سألنا عن القَسِّيِ فقيل : هي ثيابٌ يؤتى بها من مصر فيها حريرٌ.

قال أبو عبيد : وكان أبو عبيدة يقول نحواً من ذلك.

قال أبو عبيد : وأهل مصر يقولون : القَسِّي بالفتح ينسب إلى بلاد يقال لها القَسُ ، وقد رأيت هذه الثياب.

وقال شمر : قال بعضهم : القَسِّيُ : القَزِّيُّ أبدلت الزَّايُ سيناً.

وأنشد لربيعة بن مَقْرُوم :

جعلنَ عتيقَ أنماطٍ خُدُوراً

وأظهرْنَ الكراديَ والعُهُونا

٢١٢

على الأحْدَاجِ واستشعرْنَ ريطاً

عراقياً وقَسِّياً مَصُونَا

وقال الليث : القَسْقَسُ : الدَّليلُ الهادي ، والمُتَفَقِّدُ الذي لا يغفلُ إنما هو تَلَفُّتاً وتَنَظُّراً ، قال : وليلةٌ قَسْقَاسَةٌ : شديدةُ الظُّلْمة.

قال رؤبة :

كم جُبْنَ من بِيدٍ وليلٍ قَسْقَاسْ

أبو عبيد عن الأصمعي ، يقال : خِمْسٌ قَسْقاسٌ وحَصْحَاصٌ وصَبْصابٌ وبَصْبَاصٌ ، كل هذا السيرُ الذي ليست فيه وتيرةٌ ، وهي الاضطرابُ والفُتُورُ ، قلتُ ليلةٌ قَسْقَاسَةٌ : إذا اشتدَّ السَّيْرُ فيها إلى الماءِ ، وليست من معنى الظُّلْمةِ في شيء.

وقال أبو عمرو : قَرَبٌ قَسْقَسٌ ، وقد قسقس ليلَهُ أجمعَ إذا لم يَنَمْ.

وأنشد :

إذا حَدَاهُنَّ النَّجاء القِسْقِيس

وقال غيره : القَسْقَاسُ : الجوعُ.

وأنشد :

أتانا به القسقاسُ ليلاً ودونَهُ

جراثيمُ رمل بينهُنَّ قفاف

ابن نجدة عن أبي زيد يقال للعصا هي القَسْقاسةُ والنَّسْناسةُ والقصيدةُ والقريةُ والقَفِيلُ والشَّطْبَة.

أبو عبيد عن أبي زيد والكسائي : العَسُوسُ والقَسُوسُ جميعاً الناقة التي تَرْعَى وحدها ، وقد عَسَّتْ تَعُسُّ وقَسَّتْ تَقُسُ.

وقال ابن السكيت : ناقةٌ عَسُوسٌ وقَسُوسٌ وضَروسٌ إذا ضَجِرَتْ وساء خُلُقُها عند الحلبِ.

وقال أبو عمرو : القَسُ : صاحبُ الإبِلِ الذي لا يفارقها ، وأنشد :

يَتْبَعُها تَرْعِيَّةٌ قَسٌ ورعْ

ترى برجليه شُقوقاً في كَلَعْ

وقال أبو عبيدة : يقال : ظَلَ يَقُسُ دابته قساً : أي يَسُوقُها.

وقال ابن دريد : قَسَسْتُ ما على العظمِ أقُسُّهُ قسّاً إذا أكلت ما عليه من اللحم وامْتَخخْتَهُ.

وقال الفراء في قول الله جل وعز : (ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً) [المائدة : ٨٢] ، نزلت فيمن أسلم من النصارى.

ويقال هو : النجاشيُّ وأصحابه.

وقال الزَّجّاج : القَسُ والقِسِّيسُ من رؤساءِ النصارى ، فأما القَسُ في اللغة فالنميمةُ ونشرُ الحديث ، يقال : قسَ الحديثَ يَقُسُّهُ قسّاً.

وقال الفراء في كتاب «الجمعِ والتثنيةِ» يُجمعُ القسيسُ قسيسينَ كما قال الله جل وعز ، وَلوْ جَمَعْتَهُ قُسُوساً كانَ صواباً لأنهما في معنى واحد يَعني القَسَ والقسيس.

٢١٣

قال : ويُجْمَعُ القِسيسُ قساوِسَةً جمعوهُ على مثال مهالبةٍ فكثُرَتِ السِّيناتُ فأبدلوا إحداهُنَّ واواً وربما شُدِّدَ الجمعُ ولم يُشَدَّدْ واحدُه وقد جَمَعَتِ العربُ الأُتون أتاتين ، وأنشد لأمية :

لو كانَ مُنْفَلِتٌ كانت قساوِسَةٌ

يُحْيِيهُمُ الله في أيديهمُ الزبرُ

قال أبو عبيد عن الأصمعي : من أسماءِ السُّيوفِ القُساسيُ ، ولا أدري إلامَ نسب.

وقال شمر : قُساسٌ يقال : إنه معدنُ الحديد بإِرْمِينِيّةَ نُسِبَ السَّيْفُ إليه ، ويقال : تَقَسَّسْتُ أصواتَ الناسِ بالليلِ تَقَسُّساً ، أي : تسمَّعتها.

وقال الليث : مصدر القِسِّيس القُسُوسَةُ والقِسِيسِيّةُ.

سق : ثعلب عن ابن الأعرابي قال : السُّقُقُ : المغتابون.

وروى أبو عثمان النهديّ عن ابن مسعود أنه كان يجالسه إِذ سَقْسَقَ على رأسهِ عصفورٌ ثمَّ قَذَفَ خرْءَ بطنِهِ عليه فنكته بيدهِ

قولُه : سَقْسَقَ أي ذرقَ ، يقال : سَقَ وزقّ وسَجّ وتَزَّوَهَكَّ إذا حذف به.

قال الكاتبُ ليس قوله سَقْسَقَ بمعنى ذَرَقَ عَرَضِيّاً من القولِ ، إنما سقسق هو حكايةٌ لصوتِ العصفور فكأنه صوّتَ على رأسهِ ثم ذَرَقَ.

والحديث يدلُّ عليه وذاك قوله سقسق ثم قذفَ خرءَ بَطْنِهِ ، ألا تراهُ قال ثم قذفَ خرءَ بطنهِ عليه.

باب القاف والزاي

ق ز

[قزّ  ـ  زقّ : مستعملان].

قز : عمرو عن أبيه قال : القَزَزُ الرّجلُ الظريفُ المتوقِّي للعيوب.

وقال ابن الأعرابي : رجلٌ قُزّازٌ : مُتَقَزِّزٌ من المعاصي والمعايب ليس من الكبر والتِّيهِ.

وقال الليث : قَزّ الإنسان يَقُزُّ قَزّاً إذا قعد كالمُسْتَوْفِزِ ثم انقبض ووثب.

قال : وجاء في الحديث : «إن إبليس ليَقُزُّ القَزّةَ من المشرقِ فيبلغُ المغربَ».

قلت : قال القُتيبيُّ : قَزّ يَقُزُّ إذا وثب.

وقال الليث : القَزُّ معروف كلمة معربةٌ قلت : هو الذي يُسوّى منه الإبريسم ، وقال التَقَزُّزُ : التّنَطُّسُ.

وقال اللحياني : يقال ما في طعامه قَزٌّ ولا قَزازةٌ.

قال : وحكى أبو جعفر الرؤاسي : ما في طعامه قَزٌّ أي تَقَزُّزٌ.

وقال : يقال للرجلِ المُتَقَزِّزِ أنه لَقَزٌّ ولَقِزٌّ قِنْزَهْوٌ ويُثَنَّيان ويُجمعانِ ويؤَنَّثان.

وقال أبو زيد : القَزازَةُ : الحياء ، يقال : هو رجلٌ قَزٌّ من رجالٍ أقِزّاء.

٢١٤

ثعلب عن ابن الأعرابي : رجلٌ قَزٌّ وقُزٌّ وقِزٌّ وقُزَزٌّ وهو المُتَقَزِّز من المعاصي والمعايبِ ليس من الكبرِ والتِّيهِ.

وقال الليثُ : القاقُزَّةُ : مشربةٌ دون القَرْقارَةِ ، ويقال : إنها معرّبةٌ وليس في كلام العربِ مما يفصلُ ألِفٌ بين حرفين مثلين ، مما يرجعُ إلى بناءِ قَقَزَ ونحوه ، وأما بابل فهو اسمُ بلدةٍ ، وهو اسمٌ خاصٌّ لا يجري مجرى أسماءِ العوام.

قال : وقد قال بعضُ العربِ : قَازُوزَةٌ للقَاقُزَّةِ.

وقال أبو عبيد في باب ما خالَفَتِ العامة فيه لُغاتِ العَرَبِ هي قَاقُوزَةٌ وقازوزةٌ للتي تسمى قَاقُزّةً.

وقال غيره : القَاقُزانُ ثَغْرٌ بِقَزْوينٍ تهبُّ في ناحيته ريح شديدةٌ.

وقال الطرماح :

يَفجُّ الريحُ فَجّ القاقزان

زق : قال الليث : الزَّقُ مَصدرُ زَقَ الطائرُ الفرْخَ زَقّاً إذا غَزَّهُ غَزّاً.

قال : والزُّقَاقُ طريقٌ نافذٌ وغيرُ نافذٍ ضَيِّقٌ دون السِّكَّة ، والزَّقَّةُ ، طيْرٌ صغيرٌ من طير الماء يُمْكِن حتى يَكاد يُقبَضُ عليه ثم يغوصُ فيَخرج بعيداً ، والزِّقْزاقُ والزَّقزقةُ تَرْقِيص الصَّبِيّ.

وقال اللحْياني : كَبْشٌ مَزْقُوقٌ ومُزَقَّقٌ للذي يُسْلَخ من رأْسه إلى رجله ، فإِذا سُلخ من رِجْله إلى رأسِه فهو مَرجولٌ.

أبو عبيد عن الفرّاء : الجِلْدُ المُرَجَّلُ الذي يُسْلَخ من رِجْل واحدة ، والْمُزَقَّق الذي يُسلخ من قِبَل رأسه ونحو ذلك.

قال الأصمعي : والزِّقُ الجِلْدُ الذي يُسَوَّى سِقاءً أو وَطْباً أو حَمِيتاً ، والزَّقُ رَمْيُ الطائر بِذَرْقِه.

ثعلب عن ابن الأعرابي : الزَّقَقَةُ : المائِلُون بِرحماتِهم إلى صَنابيرِهم ، وهُم الصِّبيان الصِّغار.

قال : والزَّقَقَةُ أيضاً : الصَّلاصِلُ التي تزُقُ زُكَّها أي فِراخَها ، وهيَ الفَوَاخِتُ واحِدُها صُلْصُلٌ.

باب القاف والطاء

ق ط

[قط  ـ  طق : مستعملان].

قط : قال الليث : قَطْ ، خفيفةً بمعنى حَسْبُ ، تقول : قَطْكَ الشيء ، أَيْ حَسْبُكَهُ.

قال : ومِثله قَدْ ، قال : وهُما لم يتمكّنَا في التصريف ، فإذا أَضَفْتَهُما إلى نفْسك قُوِّيَتَا بالنُّون ، فقُلت قَدْنِي وقَطْنِي ، كما قَوَّوْا عنِّي ومِنِّي ولَدُنِّي بِنونٍ أُخرى.

قال : وقال أهل الكوفة : معنى قَطْنِي : كفَاني ، فالنون في موضع نَصب مِثل نون كَفاني ، لأنَّكَ تقولُ قطْ عبدَ الله دِرهَمٌ.

وقال البصْرِيُّونَ : الصَّوابُ فيه الخفْضُ

٢١٥

على معنى حَسْبُ زَيدٍ ، وكَفْيُ زيد دِرهمٌ ، وهذه النون عِمادٌ ، ومنَعهم أن يقولوا حَسْبُنِي أَنَّ الباء مُتحرِّكةٌ والطَّاء من قَطْ ساكنة فكرِهوا تغييرها عن الإسْكان وجَعلوا النون الثانية من لدنِّي عِماداً للياءِ.

وقال الليث : وأمَّا قَطُّ فإنه هو الأبَدُ الماضِي.

تقول : ما رأيتُ مِثْلَهُ قطّ ، وهو رَفْعٌ لأنه غايةٌ مِثل قبلُ وبَعْد.

قال : وأمَّا القَطُّ الذي في مَوضع ما أَعطيته إِلَّا عِشرين قَطِّ فإنه مَجْرورٌ فَرْقاً بيْن الزمان والعَدد.

وقال ابن السِّكِّيت : قال الفراءُ : ما رأيتُه قطُّ يا هذا ، وما رأَيتُه قُطُّ يا هذا ، وما رأَيتُه قُطّ مَرفوعةٌ خفيفةٌ ، إذا كان بمعنى الدَّهْر ففيها ثلاثُ لُغات ، وإذا كانت في معنى حَسْبُ فهي مفتوحةٌ مجزومة ، قال : وقال الكسائي : أما قولُهم قَطُّ مشدَّدةً فإنها كانت قَطُطْ وكان ينبغي لها أن تُسَكَّن فلما سُكِّنَ الحرفُ الثاني جُعِل الآخر متحرِّكاً إلى إعرابه.

ولو قيل فيه بالْخَفض والنَّصب لكان وَجْهاً في العربيَّة.

فأَمَّا الذين رَفَعوا أوَّله وآخرَه فهو كقولك مُدُّ يا هذا.

وأما الذين خَفَّفُوا فإنهم جعلوه أَداةً ثم بَنَوْهُ على أصله فأَثبَتوا الرَّفْعَة التي كانت في قطُّ وهي مُشدَّدةٌ ، وكان أجْوَدَ من ذلك أن يَجْزِموا فيقولوا : ما رأَيتُه قطْ مجزومةً ساكنةَ الطاءِ ووَجهُه رَفْعُه ، كَقوْلك : لمْ أره مُذْ يَومان ، وهي قليلةٌ.

وأنشد ابن السِّكيت في قَطْنِي بمعنى حَسْبي :

امْتَلأَ الحَوضُ وقال قَطْنِي

مَلْأً رُوَيْداً قد ملأُتَ بَطْنِي

وقال الليث : القَطُّ : قَطْعُ الشيءِ الصُّلْبِ كالحُقّةِ تُقَطّ عَلَى حَذْوٍ مَسْبُورٍ كما يَقُطُّ الإنسانُ قَصَبَةً عَلَى عَظْمٍ.

والمِقَطَّةُ عُظَيْمٌ يَكون مع الورَّاقِينَ يَقُطُّونَ عليه أَطرافَ الأقلامِ.

قال : والقِطَاطُ : حَرْفُ الجَبَل ، وحرْفٌ مِن صَخْرٍ كأنما قُطَّ قَطّاً ، والجميعُ الأَقِطَّةُ.

وقال أبو زيد : هو أَعلى حافَّةِ الكهْف والقِط : الكتاب ، وجمعُه قُطُوطٌ.

أبو عبيد عن أبي عمرو : القُطوط الصِّكَاكُ.

وأنشد قولَ الأعشى :

ولا المَلِكُ النُّعْمانُ يومَ لقيتُه

بِغِبْطَتِه يُعْطِي القُطوطَ ويَأْفِقُ

واحدُها قِطٌّ. وقال الله جلَّ وعزّ : (عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ) [ص : ١٦].

قال أهْلُ التفسيرِ مُجاهدٌ وقتَادةُ والحَسَنُ

٢١٦

قالوا : (عَجِّلْ لَنا قِطَّنا) أي نَصِيبَنا من العذاب.

وقال سعيدُ بن جُبَيْرٍ : ذُكِرَتِ الجَنَّةُ فاشْتَهَوْا ما فيها ؛ فقالوا : (عَجِّلْ لَنا قِطَّنا) نصيبَنا.

وقال الفرَّاء : القِطُّ الصحيفةُ المكتوبة ، وإنما قالوا ذلك حين نزَلَ : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) [الحاقة : ١٩] ، فاستَهْزَءُوا بذلك ، وقالوا : عَجِّلْ لنا هذا الكتاب قبل يومِ الحساب.

قال : والقِطُّ في كلام العَرب الصَّكُّ وَهُو الخَطُّ.

قلت : ذهب الفرَّاء إلى قول ابن الكلبيّ ، وقال الزَّجاجُ : الْقِطُّ : الصَّحِيفةُ ، ويوضعُ موضعَ النَّصِيبِ لأنَّ الصحيفةَ تكتبُ للإنسانِ بِصِلَةٍ يُوصلُ بها.

وأنشد قوله :

بِغِبطَتِه يُعْطى القُطُوطَ ويأفِقُ

قال : وأصلُ القِطَّ من قَطَطتُ ، وكل نصيب قطعةٌ.

وروي عن زيد بن ثابتٍ وابن عمر أنهما كانا لا يريانِ ببيع الْقُطوط إذا خرجتْ بأْساً ، ولكن لا يحلُّ لمن ابتاعها أن يبيعَها حتى يقبضهَا.

قلت : القُطوطُ ها هنا الجوائزُ والأرْزاقُ سُمِّيتْ قُطوطاً لأنها كانت تخرجُ مكتوبةً في رقاقٍ وَرِقاع مَقْطُوعةٍ ، وبيعُها عند الفقهاءِ غير جائزٍ ما لم تحصل في مِلْكِ من كتبت له معلومةً مَقْبوضةً.

وقال الليث : القِطّةُ : السِّنَّورةُ نعتٌ لها دونَ الذَّكَرِ ، والْقَطَطُ : شعرُ الزّنجيّ ، يقال : رجلٌ قَطَطٌ ، وشعرٌ قَطَطٌ ، وامرأةٌ قَطَطٌ ، والجميعُ قَطَطُون وقَطَطَاتٌ ، قال : وتجمع الْقِطَّةُ قِطاطاً.

وقال الأخطل :

أكَلْتَ الْقِطاطَ فأَفنيتهَا

فهلْ في الْخَنانيص من مغمزِ

أبو عبيد عن الأصمعيِّ : الْقِطقِطُ من المطر : الصِغارُ كأنها شَذْرَةٌ.

وقال الليث : الْقِطقِطُ : المطرُ المتَفَرقُ المتَحَاتنُ المتتَابعُ.

وقال أبو زيد : القَطِيطَةُ : حَافة أعلى الكهف وجمعُها أقِطَّةٌ ، ويقال : جاءتِ الخيلُ قَطائط : قَطِيعاً قَطِيعاً.

وقال هميانُ :

بالخيلِ تَتْرَى زِيَماً قَطائطا

وقال علقمةُ بن عبدة :

ونحنُ جَلَبنَا من ضريَّةَ خَيْلَنَا

نُكَلّفُهَا حدَّ الإِكامِ قَطَائطا

قال أبو عمرو : أي : نُكلّفُهَا أنْ تقطَع حدَّ الإكامِ فَتَقطَعَهَا بحوافر ، قال : وواحدُ القَطائط قَطُوطٌ مثلُ جَدُود وَجدَائِدَ.

٢١٧

وقال غيرُه : قطائطاً : رِعَالاً وجَماعات في تَفْرقَةٍ.

وقال أبو زيدٍ : أصغرُ المطرِ الْقِطْقِطُ ثم الرَّذَاذُ قال : وَقَطْقَطَانةُ موضعٌ يقربُ من الكوفةِ ، ويقال : تَقَطْقَطَتِ الدَّلو إلى البئر : أي : انحدَرتْ.

وقال ذو الرُّمة يصف سُفْرَةً دَلَّاها في البئر :

بِمعْقُودَةٍ في نِسْعِ رَحْلٍ تَقَطْقَطَتْ

إلى الماءِ حَتَّى انقدَّ عَنْها طحالِبُهْ

أبو عبيد عن الفرَّاء : قَطَّ السِّعرُ يَقِطُّ قُطوطاً فهو قاطٌّ إذا غَلَا.

وقال شمر : قطَّ السعر إذا غَلَا خَطَأٌ عندِي ، وإنما هو بمعنى فَتَر ، قلت : وهِمَ شمر فيما قال.

وأخبرني المنذري عن ثعلب عن سلمة عن الفراء أنه قال : حَطَّ السعر حطوطاً وانحطَّ انحطاطاً وكُسِرَ وانكسرَ إذا فَتَرَ ، وقال : سعرٌ مَقطوطٌ ، وقد قُطَّ وقَطَّ ونَزا إذا غَلَا وقد قَطَّهُ اللهُ.

وقال أبو العباس : قال ابن الأعرابي : القاطِطُ : السعرُ الغالي ونحو ذلك.

قال ابن السكيتِ : وأنشدَ لأبي وجزةَ السعديّ :

أشكو إلى الله العزيزِ الجَبار

ثمَّ إليكَ اليوم بعدَ الْمُستار

وحاجةَ الحيِّ وقَطَّ الأسعار

قلت : وهذا يؤيدُ بعضه بَعْضاً.

وقال ابن الأعرابيّ : الأقَطَّ الذي سَقَطَتْ أسْنانهُ.

وقال ابن شميل : في بطن الفرسِ مَقاطُّهُ ومخِيطهُ فأما مِقطهُ فَطَرفهُ في القصّ وطرفهُ في العانَةِ.

وأنشد أبو عبيد :

أطلتُ فِرَاطهمْ حَتَّى إذا ما

قتلتُ سَرَاتَهُم كانت قَطَاطِ

أي : قَطْني وحسبي.

طق : قال الليث : طَقْ حِكايةُ صَوْت حَجَرٍ وقع على حَجَرٍ ، وإنْ ضوعِفَ قيلَ طَقْطَقْ.

ثعلب عن ابن الأعرابي : الطَّقْطقَةُ صوتُ قوائم الخيلِ على الأرضِ الصُّلبة.

باب القاف والدال

ق د

[قدّ  ـ  دقّ : مستعملان].

قد : قال الليث : قد مثلُ قَط بمعنى حسب ، تقول : قَدِي وقَدْني.

قال النابغة :

إلى حمامَتنَا ونصفهُ فَقَدِ

قال : وقد حَرْفٌ يوجَبُ به الشيءُ كَقولكَ : قَدْ كان كذا أو كذا ، والخيرُ أن تَقُولَ كان كذا وكذا فأُدخل قَدْ توكيداً

٢١٨

لتصديقِ ذلكَ.

قال : وتكون قَدْ في موضعٍ تشبهُ ربما ، وعندها تميلُ قَدْ إلى الشكِّ ، وذلكَ إنْ كانت مع الياءِ والتَّاءِ والنون والألف في الفعل كَقوْلكَ قَدْ يكونُ الذي تقول.

وقال النحويون : الفعلُ الماضي لا يكون حالاً إلَّا بقدْ مُظْهراً أو مُضْمراً ، وذلك مثلُ قول الله جلَّ وعزَّ : (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) [النساء : ٩٠] ، ولا تكونُ (حَصِرَتْ) حالاً إلَّا بإضمار قَدْ.

وقال الفرَّاء في قول الله جلَّ وعزَّ : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً) [البقرة : ٢٨] ، المعنى : وقَدْ كنتم أمواتاً ، ولَوْلَا إضمارُ قَدْ لم يجزْ مِثلُهُ في الكلامِ ، ألا ترى أنَّ قوله في سورة يوسفَ [٢٧] : (وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ) ، أنَّ المعنَى فَقَدْ كذَبَتْ.

قلتُ : وأمَّا الحالُ في المضارع فهوَ سائغٌ دونَ قَدْ ظاهراً وَمضمراً.

الحرانيُّ عن ابن السكيت : الْقَدُّ : جِلْدُ السخلَةِ.

يقال في مثلٍ : ما يجعلُ قَدَّك إلى أديمكَ ، أي : ما يجعلُ الشيءَ الصغير إلى الكبير قال : والقَدُّ أيضاً مصدرُ قَدَدْتُ السير أقُدُّهُ قَدّاً ، والقِدُّ الذي تخصفُ به النّعالُ.

وقال الله : (كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً) [الجن : ١١].

قال الفراء يقول حكايةً عن الجنّ : كُنّا فرقاً مُخْتلفةً أهْواؤنَا.

وقال الزجاجُ قوله : (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً (١١)) [الجن : ١١] ، قال : قِدَداً : مُتَفرِّقينَ ، أي : كنا جماعاتٍ متفرقين مسلمين وغير مسلمينَ.

قال : وقوله : (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ) [الجن : ١٤] ، هذا تفسيرُ قولهمْ (كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً) [الجن : ١١].

وقال غيره : قِدَدٌ جَمعُ قِدَّة مثلُ قطعةٍ وقطع.

وقال الليث : القَدُّ قطْعُ الجِلْدِ وشقُّ الثوبِ ونحو ذلك ، وتقولُ فلانٌ حسنُ القدِّ في قَدْرِ خَلْقِه ، وشيءٌ حسنُ القدِّ أي حَسنُ التَّقطيعِ.

قال : والقِدُّ سيرٌ يُقَدُّ من جلدٍ غير مدبوغ ، والقِدَّةُ القطعةُ من الشيء ، وصارَ القومُ قِدَداً : تَفرَّقتْ أهواؤُهم ، والتَّقدِيدُ فعلُ القَدِيدُ ، وضَرَبه بالسيفِ فَقدَّهُ بِنِصْفَيْن ، والقَيْدُودُ : النَّاقةُ الطَّوِيلَةُ الظهرِ ، يقالُ : اشْتِقاقهُ منَ القودِ مثلُ الكينونةِ منْ الكون كأنها في ميزان فَيعولٍ وهيَ في اللَّفظ مثلُ فَعْلولٍ وإحدى الدّالين من القيدودِ زائدةٌ.

قال : وقال بعض أصحاب التصريف : إنما أرادَ تَثْقيل فَيعُولٍ بمنزلة حَيدٍ وَحَيدُودٍ.

وقال آخرون : بل ترك على لفظ كونونةٍ ، فلما قَبُحَ دُخولُ الواوينِ والضماتِ حوَّلوا

٢١٩

الواو الأولى ياءً ليُشَبِّهوها بِفَيعُولٍ ولأنه ليسَ في كلامِ العربِ بناءٌ عَلَى فُوْعُول حتى إنهمْ قالوا في إعرابِ نُورُوز نَيرُوزَ فِراراً من الواو.

أبو عبيد عن الأصمعيّ : القُدَادُ : وجعٌ في البطنِ ، ويدعو الرجلُ على صاحبه فيقولُ له حَبَناً وقداداً ، والحبنُ : مصدرُ الأحْبنِ ، وهو الذي به السِّقْيُ.

وقال ابن شميل : ناقةٌ مُتَقِدّدَةٌ إذا كانت بين السمنِ والهزالِ وهي التي كانَتْ سَمِينةً فَخفَّتْ أو كانتْ مهزُولَةً فابتدأَتْ في السمنِ.

يقال : كانت مَهْزُولة فَتقدِّدَتْ أي : هُزِلت بعضَ الهزال.

وروي عن الأوزاعيّ أنه قال : لا يقسمُ من الغَنيمةِ للعبدِ ولا لِلأجيرِ ولا للقديديِّينَ

والْقَدِيديونَ هم تُبَّاعُ العسكرِ معروفٌ في كلام أهل الشام.

أبو عبيد عن أبي عمرو : المَقْدِيُ بتخفيف الدّال ضربٌ من الشّرابِ.

قال شمر : سمعته من أبي عبيدٍ بتخفيف الدال والذي عندي أنّهُ بتشديد الدّالِ.

وقال عمرو بن معدي كرب :

وهم تركُوا ابن كبشةَ مسلحبّاً

وهم شَغلوهُ عن شربِ الْمَقَدِّ

قال شمر : وسمعت رجاء بن سلمةَ يقول : الْمَقَدِّيُ : طِلاءٌ منصفٌ مُشَبَّهٌ بما قُدّ بِنِصفين.

وفي الحديث : «لَقابُ قَوْسِ أحدكمْ وموضعُ قِدِّهِ منَ الْجَنةِ خيرٌ له من الدُّنيا وما فيها» أراد بالقِدِّ السّوْط المتخذَ من الجلد الذي لم يدبغ.

وقال يزيد بن الصعق لبني أسدٍ :

فَرغتُم لتمرين السِّياط وكنتمُ

يصبُّ عليكم بالقنا كل مربعِ

فأجابه بعض بني أسد :

أعِبتُم علينا أن نُمرِّن قِدَّنا

ومن لا يُمَرِّن قِدَّه يتقطَّع

نُجنِّبها الجارَ الكريم ونَمْتَري

بها الخيلَ في أطراف سربٍ مُمنَّعِ

وأما قول جرير :

إن الفرزدقَ يا مقدادُ زائرُكم

يا ويلَ قَدٍّ على من تُغلق الدّارُ

قالوا : أرادَ بقوله يا ويل قَدٍّ : يا ويل مقدادٍ ، فاقتصر على بعض حروفهِ كما قال الحُطيئة :

مِن صُنْعِ سَلَّامِ

وإنما أراد سُليمان.

وقال أبو سعيد في قول الأعشى :

إلَّا كخارِجة المُكلِّف نفسهُ

أراد : كخَيْرَجان ملكِ فارس فسماه خارِجة.

٢٢٠