أساليب بلاغية

الدكتور أحمد مطلوب

أساليب بلاغية

المؤلف:

الدكتور أحمد مطلوب


الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: وكالة المطبوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٣

٤ ـ التقرير : كقوله تعالى : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى؟ وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى)(١) وقوله : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ؟ وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ)(٢) ، وقوله : (أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ)(٣).

وقول ابن الرومى :

ألست المرء تجبى كلّ حمد

إذا ما لم يكن للحمد جاب

٥ ـ التعظيم : كقول المتنبى فى الرثاء :

من للمحافل والجحافل والسّرى

فقدت بفقدك نيّرا لا يطلع

ومن اتخذت على الضيوف خليفة

ضاعوا ومثلك لا يكاد يضيّع

وقول الآخر :

أضاعونى وأىّ فتى أضاعوا

ليوم كريهة وسداد ثغر

٦ ـ التحقير : كقوله تعالى على لسان الكفار : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً)(٤).

وقول الشاعر :

فدع الوعيد فما وعيدك ضائرى

أطنين أجنحة الذباب يضير؟

٧ ـ الاستبطاء : كقوله تعالى : (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ : مَتى نَصْرُ اللهِ؟)(٥).

وقول الشاعر :

حتى متى أنت فى لهو وفى لعب

والموت نحوك يهوى فاغرا فاه

__________________

(١) الضحى ٦ ـ ٧.

(٢) الانشراج ١ ـ ٢.

(٣) الفيل ٢.

(٤) الفرقان ٤١.

(٥) البقرة ٢١٤.

١٢١

٨ ـ الاستبعاد : كقوله تعالى : (أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ ، وَقالُوا : مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ)(١) ، أى يستبعد ذلك منهم بعد أن جاءهم الرسول ثم تولوا عنه.

وقول أبى تمام :

من لى بانسان إذا أغضبته

وجهلت كان الحلم رد جوابه؟

وقول المتنبى :

وما قتل الأحرار كالعفو عنهم

ومن لك بالحرّ الذى يحفظ اليدا

٩ ـ الإنكار : وهو على وجهين :

(أ) إما للتوبيخ ، بمعنى ما كان ينبغى أن يكون ، مثل : «أعصيت ربك؟».

(ب) وإما للتكذيب بمعنى «لم يكن» كقوله تعالى : (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً)(٢) ، وقوله : (أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ)(٣). أو بمعنى «لا يكون» كقوله تعالى : (أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ)(٤). وعليه بيت امرىء القيس :

أيقتلنى والمشرفىّ مضاجعى

ومسنونة زرق كأنياب أغوال

وقول الآخر :

أأترك إن قلت دراهم خالد

زيارته؟ إنّى إذن للئيم

١٠ ـ التهكم : كقوله تعالى : (أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا؟)(٥).

__________________

(١) الدخان ١٣ ـ ١٤.

(٢) الإسراء ٤٠.

(٣) الصافات ١٥٣.

(٤) هود ٢٨.

(٥) هود ٨٧.

١٢٢

وقول المتنبى :

أفى كل يوم ذا الدمستق قادم

قفاه على الإقدام للوجه لائم

١١ ـ التسوية : كقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)(١). وقوله : (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ؟)(٢).

وقول المتنبى :

ولست أبالى بعد إدراكى العلى

أكان تراثا ما تناولت أم كسبا

١٢ ـ الوعيد : كقوله تعالى : (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ)(٣).

١٣ ـ التهويل : كقوله تعالى : (وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ. مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ)(٤) ، بلفظ الاستفهام وهى قراءة ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ. لما وصف الله تعالى العذاب بأنه مهين لشدته وفظاعة شأنه أراد أن يصوّر كنهه فقال : «من فرعون؟ أى : أتعرفون من هو فى فرط عتوه وتجبره؟ ما ظنكم بعذاب يكون هو المعذب به؟.

١٤ ـ التنبيه : كقوله تعالى : (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ؟)(٥) ، وقوله : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ)(٦) ، وقوله : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ)(٧) ، وقوله : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً)(٨).

__________________

(١) البقرة ٦.

(٢) الأنبياء ١٠٩.

(٣) المرسلات ١٦.

(٤) الدخان ٣٠ ـ ٣١.

(٥) التكوير ٢٦.

(٦) الفرقان ٤٥.

(٧) الفيل ١.

(٨) الحج ٦٣.

١٢٣

١٥ ـ التشويق : كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ؟ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ ، وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ، ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(١) ، وقوله : (قالَ : يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى)(٢).

١٦ ـ الأمر : كقوله تعالى : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ؟)(٣) ، وقوله : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ؟)(٤) ، وقوله : (وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ)(٥).

١٧ ـ النهى : كقوله تعالى : (ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ)(٦) ، وقوله : (أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ)(٧) بدليل قوله : (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ)(٨).

١٨ ـ العرض : كقوله تعالى : (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ؟)(٩) ، وقوله تعالى : (أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ)(١٠).

١٩ ـ التحضيض : كقوله تعالى : (أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ)(١١). أى : ائتهم وأمرهم بالاتقاء.

__________________

(١) الصف ١٠ ـ ١١.

(٢) طه ١٢٠.

(٣) هود ١٤.

(٤) المائدة ٩١.

(٥) النساء ٧٥.

(٦) الانفطار ٩.

(٧) التوبة ١٣.

(٨) المائدة ٤٤.

(٩) النور ٢٢.

(١٠) التوبة ١٣.

(١١) الشعراء ١٠ ـ ١١.

١٢٤

٢٠ ـ التفجع : كقوله تعالى : (ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً)(١).

٢١ ـ التبكيت : كقوله تعالى : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ؟)(٢).

٢٢ ـ الإرشاد : كقوله تعالى : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها؟)(٣).

٢٣ ـ الإفهام : كقوله تعالى : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ؟)(٤).

٢٤ ـ التكثير : كقوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها؟)(٥) ، وقوله :

(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ)(٦). ومنه قول الشاعر :

كم من دنىّ لها قد صرت أتبعه

ولو صحا القلب عنها كان لى تبعا

٢٥ ـ الإخبار والتحقيق : كقوله تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً)(٧).

هذه أهم الأغراض التى يخرج إليها الاستفهام عن معناه الحقيقى (٨) ، وهى كثيرة وقد يتداخل بعضها ببعض ، ولكن الذوق السليم وقرائن الأحوال تشير إلى الغرض وتحدده. وهذا التقسيم الذى قام عليه بحث الاستفهام عمدة

__________________

(١) الكهف ٤٩.

(٢) المائدة ١١٦.

(٣) البقرة ٣٠.

(٤) طه ١٧.

(٥) الأعراف ٤.

(٦) الحج ٤٨.

(٧) الإنسان ١.

(٨) ينظر الصاحبى ص ١٨١ ، ومفتاح العلوم ص ١٥٠ ، والمصباح ص ٤٢ ، والإيضاح ص ١٣٧ ، وشروح التلخيص ج ٢ ص ٢٩٠.

١٢٥

البلاغيين غير أن الذين عنوا بعلوم القرآن يبحثونه بصورة أخرى ويقسمونه تقسيما آخر ، فالزركشى (١) يقسمه إلى : الاستفهام بمعنى الخبر وهو ضربان :

أحدهما : نفى ، ويسمى استفهام إنكار ، والمعنى فيه على أنّ ما بعد الأداة منفى ، ولذلك تصحبه «إلّا» كقوله تعالى : (فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ)(٢).

والثانى : إثبات ، ويسمى استفهام تقرير ، كقوله تعالى : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ)(٣) أى : أنا ربكم. ويأتى هذا على وجوه كثير منها : مجرد الإثبات ، والاثبات مع الافتخار ، والتوبيخ والعقاب ، والتبكيت ، والتسوية ، والتعظيم ، والتهويل ، والتسهيل والتخفيف ، والتفجع ، والتكثير ، والاسترشاد.

والقسم الثانى : الاستفهام المراد به الإنشاء ، وهو على ضروب : مجرد الطلب ، والنهى ، والتحذير ، والتذكير ، والتنبيه ، والترغيب ، والدعاء ، والعرض ، والتحضيض ، والاستبطاء ، والإياس ، والإيناس ، والتهكم ، والاستهزاء ، والتحقير ، والتعجب ، والاستبعاد ، والتوبيخ.

وهذا التقسيم أكثر دقة غير أنّ التمييز بين أغراض النوعين صعب ، ولذلك كان الجمع بين النوعين أكثر سهولة وأقرب إلى المدارك كما فعل علماء البلاغة.

الرابع ـ التمنى :

التمنى توقع أمر محبوب فى المستقبل ، والفرق بينه وبين الترجى ، أنّه يدخل المستحيلات والترجى لا يكون إلّا فى الممكنات (٤). ولكن البلاغيين يميزون بين نوعين فى التمنى :

__________________

(١) ينظر كتابه البرهان فى علوم القرآن ج ٢ ص ٣٢٦ وما بعدها.

(٢) الأحقاف ٣٥.

(٣) الأعراف ١٧٢.

(٤) البرهان فى علوم القرآن ج ٢ ص ٣٢٣.

١٢٦

الأول : توقع الأمر المحبوب الذى لا يرجى حصوله لكونه مستحيلا ، كقوله تعالى : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً)(١).

وقول الشاعر :

ألا ليت الشباب يعود يوما

فأخبره بما فعل المشيب

الثانى : توقع الأمر المحبوب الذى لا يرجى حصوله لكونه ممكنا غير مطموع فى نيله ، كقوله تعالى : (يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ)(٢).

والأداة الموضوعة للتمنى : «ليت» ، وقد تستعمل ثلاثة أحرف للدلالة عليه :

أحدها : هل ، كقوله تعالى : (فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا)(٣).

والثانى : لو ، سواء كانت مع «ودّ» كقوله تعالى : (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ)(٤) ، أو لم تكن كقوله تعالى : (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً)(٥) ، وقوله : (لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ)(٦).

والثالث : لعلّ ، كقوله تعالى : (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ. أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى)(٧).

ومنه قول الشاعر :

أسرب القطا هل من يعير جناحه

لعلّى إلى من قد هويت أطير (٨)

__________________

(١) النساء ٧٣.

(٢) القصص ٧٩.

(٣) الأعراف ٥٣.

(٤) القلم ٩.

(٥) هود ٨٠.

(٦) البقرة ١٦٧.

(٧) غافر ٣٦ ـ ٣٧.

(٨) ينظر التمنى فى مفتاح العلوم ص ١٤٧ ، والإيضاح ص ١٣١ ، وشروح التلخيص ج ٢ ص ٢٣٨ ، والطراز ج ٣ ص ٢٩١ ، والبرهان فى علوم القرآن ج ٢ ص ٣٢١.

١٢٧

الخامس : النداء :

النداء التصويب بالمنادى ليقبل أو هو طلب إقبال المدعو على الداعى ، وله أدوات هى :

١ ـ الهمزة : وتكون لنداء القريب ، كقول امرئ القيس :

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل

وإن كنت قد أزمعت صرمى فأجملى

٢ ـ (أ) حرف لنداء البعيد ، وهو مسموع لم يذكره سيبويه ، وذكره غيره (١).

٣ ـ أيا : وتكون لنداء البعيد وقيل : لنداء القريب والبعيد ، كقول الشاعر :

أيا جبلى نعمان بالله خليا

نسيم الصّبا يخلص إلىّ نسيمها

٤ ـ أى : لنداء البعيد.

٥ ـ آى : لنداء البعيد.

٦ ـ هيا : لنداء البعيد.

٧ ـ وا : لنداء البعيد ، وهى فى الأصل حرف نداء مختص بباب الندبة نحو «وا محمداه» وأجاز بعضهم استعماله فى النداء الحقيقى (٢).

٨ ـ يا : لنداء البعيد ، وقد ينادى به القريب توكيدا ، وقيل : هى مشتركة بين القريب والبعيد ، وهى أكثر أحرف النداء استعمالا ، كقوله تعالى : (يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)(٣) ، وقد تحذف كما فى قوله تعالى : (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا)(٤).

__________________

(١) مغنى اللبيب ج ١ ص ٢٠.

(٢) مغنى اللبيب ج ص ٣٦٩.

(٣) البقرة ٣٥.

(٤) يوسف ٢٩.

١٢٨

ومنه قول ابن زيدون :

يا سارى البرق غاد القصر واسق به

من كان صرف الهوى والودّ يسقينا

ويا نسيم الصّبا بلّغ تحيتنا

من لو على البعد حيّا كان يحيينا

وقد أشار سيبويه إلى استعمال حروف النداء للقريب مرة وللبعيد تارة أخرى ، وقال : «فأما الاسم غير المندوب فينبه بخمسة أشياء : بـ «يا» و «أيا» و «هيا» و «أى» وبالألف نحو قولك : «أحار بن عمرو» إلّا أنّ الأربعة غير الألف قد يستعملونها إذا أرادوا أن يمدوا أصواتهم للشىء المتراخى عنهم أو الإنسان المعرض عنهم الذى يرونه أنّه لا يقبل عليهم إلّا باجتهاد ، أو النائم المستثقل ، وقد يستعملون هذه التى للمد فى موضع الألف ولا يستعملون الألف فى هذه المواضع التى يمدون فيها. وقد يجوز لك أن تستعمل هذه الخمسة غير «وا» إذا كان صاحبك قريبا مقبلا عليك توكيدا ، وإن شئت حذفتهن كلهن استغناء» (١).

وقد يخرج النداء إلى أغراض مختلفة منها :

١ ـ الإغراء والتحذير : وقد اجتمعا فى قوله تعالى : (ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها)(٢)

وقول المتنبى :

يا أعدل الناس إلّا فى معاملتى

فيك الخصام وأنت الخصم والحكم

٢ ـ الاستغاثة : مثل : «يا ناصر الدين».

٣ ـ الندبة : كقول المتنبى :

واحرّ قلباه من قلبه شبم

ومن بجسمى وحالى عنده سقم

__________________

(١) كتاب سيبويه ج ١ ص ٣٢٥.

(٢) الشمس ١٣.

١٢٩

٤ ـ التعجب : كقوله تعالى : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ)(١) ، لأنّ الحسرة لا تنادى وإنّما تنادى الأشخاص لأنّ فائدته التنبيه ، ولكن المعنى على التعجب كقوله : «يا عجبا لم فعلت؟» (٢).

٥ ـ الاختصاص : مثل : «علىّ أيها الرجل يعتمد» ، و «اغفر اللهم لنا أيتّها العصابة» ، أى : مخصصا به دون الرجال ، واغفر لنا مخصوصين من بين العصائب.

٦ ـ التنبيه : كقوله تعالى : (يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا)(٣) ، لأنّ حرف النداء يختص بالأسماء.

٧ ـ التحسر : كقول ابن الرومى :

يا شبابى وأين منى شبابى

آذنتنى حباله بانقضاب

لهف نفسى على نعيمى ولهوى

تحت أفنانه اللدان الرطاب

وقول الآخر :

أيا قبر معن كيف واريت جوده

وقد كان منه البرّ والبحر مترعا

هذه أساليب الخبر والإنشاء المختلفة ، وقد اتضح أنّ لكل أسلوب دلالته ، وهى غير الإعراب وحركاته ، بل ما وراء ذلك من المعانى التى تحملها الجمل والعبارات. وإذا كان لكل من الخبر والإنشاء دلالاته فانّ

__________________

(١) يس ٣٠.

(٢) البرهان فى علوم القرآن ج ٣ ص ٣٥٣.

(٣) مريم ٢٣.

١٣٠

أحدهما قد يقع موقع الآخر لأغراض بلاغية (١). والعمدة فى ذلك الذوق المهذب والاطلاع الواسع وقرائن الأحوال.

وأساليب الخبر والإنشاء مدى رحب يجول فيه الأدباء ويتصرف فيه الشعراء ، وقد أخذ بها القدماء فأحسنوا وأضافوا ، وهى من وسائل التعبير وطرقه المتشعبة. ويقدر الأديب على أن يتوسع فيها وأن يأتى بما لم يسبق إليه إذا أحسن استخدامها وكان له ذوق رفيع.

__________________

(١) ينظر مفتاح العلوم ص ١٥٤ ، والإيضاح ص ١٤٦ ، وشروح التلخيص ج ٢ ص ٣٣٨ ، والبرهان فى علوم القرآن ج ٣ ص ٣٤٧ ، ٣٥٠ ، والطراز ج ٣ ص ٢٩٣.

١٣١

الفصل الثالث

أحوال الجملة

تعريفها :

الجملة كلمات تأتلف لتدل على معنى ، أو هى ـ كما يقول النحاة ـ : «اللفظ المفيد فائدة يحسن السكوت عليها» (١). ولا تكون الجملة تامة إلّا إذا استوفت ركنين هما : المسند إليه والمسند ، وإذا ما حذف منها أحد هذين الركنين فان النحاة يلجأون إلى التقدير ليستقيم الكلام.

واستعمل القدماء هذين المصطلحين فقال سيبويه : «هذا باب المسند والمسند إليه وهما ما لا يستغنى واحد منهما عن الآخر ولا يجد المتكلم منه بدّا. فمن ذلك الاسم المبتدأ والمبنىّ عليه وهو قولك : «عبد الله أخوك» و «هذا أخوك» ومثل ذلك قولك : «يذهب زيد» فلا بدّ للفعل من الاسم كما لم يكن للاسم الأول بدّ من الآخر فى الابتداء. ومما يكون بمنزلة الابتداء قولك «كان عبد الله منطلقا» و «ليت زيدا منطلق» لأنّ هذا يحتاج إلى ما بعده كاحتياج المبتدأ إلى ما بعده» (٢).

ولم يأخذ النحاة بهذين المصطلحين بعد سيبويه وإن أداروهما فى كتبهم ، وإنّما استعملوا ما يقابلهما من مبتدأ وخبر أو فعل وفاعل وغيرها ، ولكن علماء البلاغة أخذوهما وبنوا عليهما دراستهم فى علم المعانى ، فانحصرت فى المسند والمسند إليه وما يتبعهما من ذكر وحذف ، وتقديم وتأخير ، وقصر. ولا يتجاوز ذلك إلّا حينما يتحدثون عن الفصل والوصل ، والمساواة والإيجاز

__________________

(١) شرح ابن عقيل ج ١ ص ١٤.

(٢) كتاب سيبويه ج ١ ص ٧.

١٣٢

والاطناب ، وهو تجاوز لا يبعد عن الجملتين فى أكثر الأحيان. وكان أكثر البلاغيين تمسكا بهذا المنهج رجال المدرسة الكلامية كالسكاكى والقزوينى وشراح التلخيص ، أما عبد القاهر الجرجانى وضياء الدين بن الأثير وغيرهما من أعلام المدرسة الأدبية فلم يتجهوا هذا الاتجاه ولم ينحوا هذا المنحى ، وإنّما كانوا يحكّمون الذوق ويتحسسون مواطن الجمال فى الكلام. ونتج عن ذلك أن مزقت البلاغة شر ممزق فكان الحذف فى عدة مواضع ، والذكر فى أبواب متفرقة ، لأنهما درسا فى المسند إليه مرة وفى المسند تارة وفى متعلقات الفعل تارة ثالثة. ومثل هذا يقال فى الموضوعات التى بحثها عبد القاهر وابن الأثير فى فصول موحدة جمعت الروعة والنفع ، وإنارة السبيل ، وتهذيب الذوق وتنمية الملكة الأدبية.

المسند إليه :

وهو المحكوم عليه أو المخبر عنه ، ففى قوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ ، وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ)(١) ، أسند الوعد إلى الله سبحانه وتعالى ، فلفظ الجلالة مسند إليه ، و «الوعد» مسند.

وفى قول المتنبى :

طوى الجزيرة حتى جاءنى خبر

فزعت فيه بآمالى إلى الكذب

أسند طى الجزيرة إلى الخبر ، فـ «الخبر» مسند إليه.

ومواضع المسند إليه هى :

١ ـ الفاعل للفعل التام وشبهه : ومن الأول قوله تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ)(٢) ، فـ «أمر» مسند إليه لأنه فاعل لـ «أتى».

__________________

(١) التوبة ٦٨.

(٢) النحل ١.

١٣٣

وقول الشاعر :

أهاج لك الأحزان نوح حمامة

تغنّت بليل فى ذرى ناعم نضر

فـ «نوح» مسند إليه لأنه فاعل لـ «أهاج».

وشبه الفعل هو مشتقاته كاسم الفاعل والصفة المشبهة ، كقول عمر بن أبى ربيعة :

وكم مالىء عينيه من شىء غيره

إذا راح نحو الجمرة البيض كالدّمى

ففى «مالىء» ضمير مستتر فاعل ، وهو المسند إليه.

ومن أمثلة الصفة المشبهة : «أنت القوىّ جسمه» ، فكلمة «جسمه» فاعل للصفة «القوىّ» وهى مسند إليه.

٢ ـ نائب الفاعل : كقوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ ، قالُوا : سِحْرانِ تَظاهَرا ، وَقالُوا : إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ)(١). فـ «موسى» نائب فاعل وهو مسند إليه. وقوله تعالى : (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ)(٢) فالشمس نائب فاعل أى مسند إليه.

ومنه قول الشاعر :

أكرم أخاك بأرض مولده

وأمدّه من فعلك الحسن

فالعزّ مطلوب وملتمس

وأعزّه ما نيل فى الوطن

ففى «مطلوب» و «ملتمس» ضميران مستتران وهو نائب فاعل للفعل المبنى للمجهول أى مسند إليه.

__________________

(١) القصص ٤٨.

(٢) القيامة ٩.

١٣٤

٣ ـ المبتدأ الذى له خبر : كقوله تعالى : (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى)(١) فـ «الآخرة» مسند إليه لأنّها مبتدأ.

وقول المتنبى :

شرّ البلاد مكان لا صديق به

وشرّ ما يكسب الإنسان ما يصم (٢)

ف «شر» مسند إليه.

٤ ـ ما أصله المبتدأ : وهو :

١ ـ اسم كان وأخواتها ، كقوله تعالى : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ ، وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ ، وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)(٣)

وقول المعرى :

ضحكنا وكان الضّحك منّا سفاهة

وحقّ لسكان البرية أن يبكوا

ف «محمد» فى الآية اسم كان وهو مسند إليه لأنّه مبتدأ فى الأصل ، ومثل ذلك «الضحك» فى البيت ، وكل واحدة مبتدأ فى الأصل.

٢ ـ اسم إنّ وأخواتها ، كقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ)(٤) وهى مبتدأ فى الأصل.

وقول جرير :

إنّ العيون التى فى طرفها حور

قتلننا ثم لم يحيين قتلانا

ف «العيون» مسند إليه لأنها اسم «إن» وهى مبتدأ فى الأصل.

__________________

(١) الضحى ٤.

(٢) يصم : يعيب.

(٣) الأحزاب ٤٠.

(٤) النور ٢٣.

١٣٥

٣ ـ المفعول الأول لـ «ظنّ» وأخواتها ، كقوله تعالى : (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً)(١) فـ «الساعة» مسند إليه لأنّها مبتدأ فى الأصل.

وقول المتنبى :

كنا نظنّ دياره مملوءة

ذهبا فمات وكلّ شىء بلقع

ف «دياره» مسند إليه لأنّها مبتدأ فى الأصل.

٤ ـ المفعول الثانى لـ «أرى» وأخواتها ، مثل : «أريتك العلم نافعا» فـ «العلم» مسند إليه ، وهو المفعول الأول لـ «أرى» وأصله مبتدأ لأنّ الجملة : «العلم نافع».

المسند :

وهو المحكوم به أو المخبر به ، ففى قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ)(٢) ، أسندنا المحبة إلى الله تعالى ، فهى مسند ولفظ الجلالة مسند إليه.

وقول جرير :

يصرعن ذا اللبّ حتى لا حراك به

وهنّ أضعف خلق الله إنسانا

فالفعل «يصرع» مسند ، و «أضعف» مسند أيضا.

ومواضع المسند هى :

١ ـ الفعل التام : كقوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)(٣) ، فـ «أفلح» فعل تام وهو مسند ، و «المؤمنون» مسند إليه.

__________________

(١) الكهف ٣٦.

(٢) الصف ٤.

(٣) المؤمنون ١.

١٣٦

وقول المتنبى :

إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه

وصدّق ما يعتاده من توهّم

ف «ساء» فعل تام وهو مسند ، و «فعل» مسند إليه.

٢ ـ اسم الفعل : وهو لفظ يقوم مقام الأفعال فى الدلالة على معناها وفى عملها. وتكون بمعنى الأمر ـ وهو الكثير فيها ـ مثل : «مه» بمعنى اكفف ، و «آمين» بمعنى استجب. وتكون بمعنى الماضى مثل : «شتّان» بمعنى افترق ، و «هيهات» بمعنى بعد. وبمعنى المضارع مثل «أوّه» بمعنى أتوجع و «وى» بمعنى أعجب (١). ومنه قوله تعالى : (وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ : وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْ لا أَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا ، وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ)(٢). وقوله : «هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ». (٣)

وأسماء الأفعال كثيرة ، ومنها ما هو فى أصله ظرف ، وما هو مجرور بحرف مثل : «عليك محمدا» أى : الزمه ، و «إليك» أى : تنحّ ، و «دونك الكتاب» أى : خذه.

ومنه قول المتنبى :

هيهات عاق عن العواد قواضب

كثر القتيل بها وقلّ العانى

٣ ـ خبر المبتدأ : كقوله تعالى : (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا)(٤) فـ «زينة» خبر وهى مسند.

وقول الشاعر :

أقول للنفس تأساء وتعزية

إحدى يدىّ أصابتنى ولم ترد

كلاهما خلف من فقد صاحبه

هذا أخى حين أدعوه وذا ولدى

_________________

(١) ينظر شرح ابن عقيل ج ٢ ، ص ٣٠٢.

(٢) القصص ٨٢.

(٣) المؤمنون ٣٦.

(٤) الكهف ٤٦.

١٣٧

فالكلمات «خلف» و «أخى» و «ولدى» كل واحدة منها خبر ، أى مسند.

٤ ـ المبتدأ المكتفى بمرفوعه : وهو كل وصف (١) اعتمد على استفهام أو نفى ورفع فاعلا ظاهرا أو ضميرا منفصلا وتم الكلام به. مثل «أقائم الرجلان» فـ «قائم» مبتدأ وهو مسند لأنّ «الرجلان» فاعل له سدّ مسدّ الخبر. و «أقائم أنتما» مثلها فى الإسناد. ومنه قوله تعالى : (أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ)(٢) ، فـ «راغب» مبتدأ وهو المسند ، والضمير «أنت» فاعل سد مسد الخبر.

وقول الشاعر :

أمنجز أنتم وعدا قد وثقت به

أم اقتفيتم جميعا نهج عرقوب

ف «منجز» مبتدأ وهو مسند ، و «أنتم» فاعل سد مسد الخبر ، وهو مسند إليه.

وقول الآخر :

غير لاه عداك فاطرّح الله

وولا تغترر بعارض سلم

ف «غير لاه» مبتدأ وهو مسند و «عداك» فاعل سدّ مسدّ الخبر ، وهو مسند إليه.

٥ ـ ما أصله خبر المبتدأ : وهو :

١ ـ خبر كان وأخواتها ، كقوله تعالى : (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً)(٣) فـ «عليما» مسند ، لأنه خبر «كان» وهو خبر للمبتدأ فى أصل الجملة.

__________________

(١) يراد به ما يتحمل ضميرا من المشتقات وهو ماعدا اسمى الزمان والمكان واسم الآلة.

(٢) مريم ٤٦.

(٣) النساء ٩٢.

١٣٨

وقوله : (فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ)(١) ، فـ «خائفا» خبر «أصبح» وهو مسند ، لأنه خبر للمبتدأ فى الأصل.

وقول عروة بن الورد :

ومن يك مثلى ذا عيال ومقترا

من المال يطرح نفسه كل مطرح

ليبلغ عذرا أو ينال رغيبة

ومبلغ نفس عذرها مثل منجح

٢ ـ خبر إنّ وأخواتها ، كقوله تعالى : (وَإِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ)(٢) فـ «ربى» مسند لأنه خبر «إنّ» وهو خبر المبتدأ فى الأصل.

وقول المتنبى :

فان تفق الأنام وأنت منهم

فانّ المسك بعض دم الغزال

ف «بعض» مسند.

٣ ـ المفعول الثانى لـ «ظن» وأخواتها ، كقوله تعالى : (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً)(٣) فـ «قائمة» مسند لأنّها المفعول الثانى لـ «ظنّ» وهى خبر فى الأصل.

وقول المتنبى :

كنّا نظنّ دياره مملوءة

ذهبا فمات وكلّ شىء بلقع

فـ «مملوءة» مسند لأنها المفعول الثانى لـ «نظن» وهى خبر فى الأصل ، «أى : دياره مملوءة ذهبا».

__________________

(١) القصص ١٨.

(٢) مريم ٣٦.

(٣) الكهف ٣٦.

١٣٩

٤ ـ المفعول الثالث لـ «أرى وأخواتها» ، مثل : «أريتك العلم نافعا» فـ «نافعا» مسند ، لأنه المفعول الثالث لـ «أرى» وأصله خبر المبتدأ.

٥ ـ المصدر النائب عن فعل الأمر : كقوله تعالى : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً)(١) وقول قطرى بن الفجاءة :

فصبرا فى مجال الموت صبرا

فما نيل الخلود بمستطاع

هذان هما ركنا الجملة ، وما زاد عليهما ـ غير المضاف إليه والصلة ـ فهو قيد أو تكملة أو فضلة وهى : أدوات الشرط والنفى ، والمفعولات ، والحال ، والتوابع ، والنواسخ.

وليس معنى ذلك أنّ الفضلة أو القيد لا قيمة لها بل لها دور كبير فى العبارة ، ولكنها سميت كذلك لأنّها خارجة عن الإسناد.

وفى الأنواع التى تقدمت لونان من التعبير :

الأول : الابتداء بالاسم أو تقديمه على الفعل ، وهذا النوع من الجمل هو ما يطلق عليه «الجملة الاسمية».

الثانى : الابتداء بالفعل أو تقديمه على الاسم ، وهذا النوع من الجمل هو ما يطلق عليه «الجملة الفعلية».

ويقسم النحاة الجملة إلى اسمية وفعلية وظرفية (٢) ، والعمدة فى التمييز بين هذه الأنواع هو تصدر المسند أو المسند إليه ، أما الحروف التى تتقدم عليها فلا عبرة بها.

ولكن لما ذا يبدأون بالاسم مرة وبالفعل تارة أخرى ، ويقولون هذه «جملة اسمية» وتلك «جملة فعلية» ، وهل هناك فرق بين الجملتين؟

__________________

(١) البقرة ٨٣.

(٢) ينظر : مغنى اللبيب ، ج ٢ ، ص ٣٧٦.

١٤٠