النّجم الثاقب - ج ١

صلاح بن علي بن محمّد بن أبي القاسم

النّجم الثاقب - ج ١

المؤلف:

صلاح بن علي بن محمّد بن أبي القاسم


المحقق: الدكتور محمّد جمعة حسن نبعة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٥
الجزء ١ الجزء ٢

الأفعال. وهو الماضي والأمر بغير لام ، ويرد على هذا الحد سؤالات ثلاثة :

الأول : إن قوله : (المركب) لم يعلم أي التركيب قصد ، وجوابه أنه قصد التركيب الإسنادي المفيد ، واللام للعهد الذهني.

الثاني : (مبني الأصل) ، فإنه يلزم دخوله وجوابه وجهان :

أحدهما : أنه يخرج بطريق الأولى لأنه قد احترز عما أشبه المبني فبالأولى المبني.

الثاني : أن مراده المعرب لكنه اتكل على مورود القسمة ، حيث وهو معرب ومبني.

فالمعرب الثالث : غير المتصرف يخرج لأنه مشبه لمبني الأصل وهو معرب ، فيخرج من الحد ما هو منه ، وجوابه أنه أراد الاسم المركب المشابهة المسقطة لجميع الإعراب لا بعضه ، قال صاحب البرود : الأولى في الحد أن يقول : الاسم المركب المفيد المنتفية عنه الأسباب الستة ، حقيقة أو حكما ، ويريد بالحكم الاحتراز عن (أيّ) فإنّ فيها ما في أخواتها الاستفهامية والشرطية والموصولة ، وهي معربة من بينهن لّما لازمت الإضافة ، قابل ذلك سبب البناء فانتفى في الحكم.

٨١

قوله : (وحكمه أن يختلف آخره باختلاف (١) العامل لفظا أو تقديرا) [و ٥] يعني أن هذا حكم المعرب يتميز به عن غيره ، واحترز بقوله : (يختلف آخره) مما يختلف ما قبل آخره ، نحو : (هذا امرؤ أثيم) و (رأيت امرءا أثيما) و (مررت بامرئ أثيم).

وقوله : (لاختلاف العامل) يحترز من الحكاية ، فإنها تختلف لا لاختلاف العامل ، تقول في : (جاء زيد) : من (زيد) ، وفي : (أرأيت زيدا) من (زيدا) ، وفي (مررت بزيد) من (زيد). وكذلك فإن اختلاف هذه الأشياء للحكاية. وكان الأولى أن يقول : وتختلف حركة آخره ، لأن الآخر هو لام الكلمة ، وهو لا يختلف ، قاله اليمني (٢).

وقوله : (لفظا أو تقديرا) لفظا كـ (زيد) أو تقديرا كـ (عصا) (٣) فإنك تقول : (جاء زيد) و (رأيت زيدا) و (مررت بزيد) ، و (هذه عصا) ، و (رأيت عصا) و (مررت بعصا).

__________________

(١) قال الرضي في شرحه ١ / ١٧ : هذا الذي جعله المصنف بعد تمام الحد حكما من أحكامه لازما له جعله النحاة حد المعرب فقالوا : المعرب ما يختلف آخره باختلاف العامل). قال المصنف وهو الحق يلزم منه الدور لأن المقصود ليس بمطلق اختلاف الآخر ، بل الاختلاف الذي يصبح لغة ، ومعرفة مثل هذا الاختلاف موقوفة على معرفة المعرب أولا ، فإن حددنا المعرب باختلاف العامل كان معرفة المعرب متوقفة على معرفة الاختلاف على حده فيكون دورا).

(٢) اليمني هو الحسن بن إسحاق أبو محمد اليمني قال عنه الخزرجي في العقود اللؤلؤية : إمام النحاة في قطر اليمن. وإليه كانت الرحلة وإلى ابن أخيه إبراهيم ، توفي قريبا من ٦٥٠ ه‍ وصنف مختصرا في النحو. ينظر ترجمته ، والبغية ١ / ٥٠٠.

(٣) ينظر شرح الرضي ١ / ١٧ ، وشرح المفصل ١ / ٥٠.

٨٢

الإعراب

قوله : (الإعراب) اختلف في اشتقاقه ، فقيل من الإبانة يقال أعرب (١) الرجل عن حاجته إذا أبان عنها ، ومنه الحديث : «الثيّب تعرب عن نفسها ، والبكر تستأمر» (٢) فكان الإعراب أبين الكلمة ، أهي فاعلة أو مفعولة ، وقيل من التغيير ، يقال عربت معدة الفصيل : إذا تغيرت ، فكان الإعراب لما يتغير بتغير العوامل عليه (سمي إعرابا) وقيل من التحسين ، وعليه قوله تعالى : (عُرُباً أَتْراباً)(٣) ومنه قولهم : (امرأة عروب) وهي المتحببة إلى زوجها فكان الإعراب يحسّن الكلمة ويزينها.

وحقيقته ما ذكر وهو (ما اختلف آخره به) أي آخر المعرب بالإعراب ، وفيه سؤلان :

أحدهما : أنه حدّ الشيء بنفسه ، لأن الضمير يعود إليه ، فكأنه قال

__________________

(١) ينظر اللسان مادة (عرب) ٤ / ٢٨٦٧ ، وكذلك عربت معدة الرجل إذا فسدت ، وعرب الرجل عربا فهو عرب اتخم. وقولهم : (امرأة عروب) المرأة الضحاكة ، وقيل هي المتحببة لزوجها المظهرة له ذلك ، والعرب جمع عروب وهي المرأة الحسناء المتحببة إلى زوجها ، وقيل الغنجات وقيل العواشق ... وقال العروب العاصية لزوجها ، الخائنة بفرجها الفاسدة في نفسها ..

(٢) الحديث يروى : أحق بدل تعرب. رواه مسلم ٢ / ١٠٣٧ ، وأخرجه أبو داوود ٣ / ٤٢ ، والشافعي في مسنده ٧٢.

(٣) الواقعة ، ٥٦ / ٣٧.

٨٣

الإعراب ما اختلف آخر المعرب بالإعراب ، وجوابه أنه ضمير فكأنه قال حده تغييره.

الثاني : أنه يلزم أن يكون العامل إعرابا ، لأنه اختلف به آخر المعرب ، وجوابه أنه إنما اختلف بعمل العامل لا به ، واعلم أن الشيخ بنى حده على الإعراب بالحركات أنفسها ، لأنه قال في شرحه ، وهذا أولى من قولهم : الإعراب هو : اختلاف الآخر (١) ، وهذه مسألة خلاف ، فمذهب طائفة من النحاة ، وهو ظاهر كلام سيبويه (٢) إلى أن الإعراب : أمر معنوي ، وهو الاختلاف ، والحركات علامات للاختلاف ، وذهبت طائفة منهم الشّلوبين (٣) وهذا المصنف (٤) إلى أن الإعراب الحركات أنفسها لا أمرا آخر يسمى اختلافا ، ولكل منهم حجة ، فحجة سيبويه (٥) وأصحابه ثلاثة أوجه ، أنه يلزم في الموقوف عليه ونحوه البناء ، لأنه لا حركة فيه ، وإنا إذا أطلقنا على الحركة والحرف ، كان نقلا له بالكلية عن الوضع اللغوي ، بخلاف إطلاقه على الاختلاف ، فإنه تخصيص للوضع اللغوي الذي

__________________

(١) ينظر شرح المصنف ٩ ، وعبارة ابن الحاجب هي : (هذا أولى من حد الإعراب باختلاف الآخر). وأماليه ٢ / ٦٠٢.

(٢) ينظر الكتاب ١ / ١٣ وما بعدها ، وشرح المفصل لابن يعيش ١ / ٥٠ ـ ٥١ وشرح الرضي هامش ١ / ٢٣.

(٣) أبو علي الشلوبين (عمر بن محمد عمر بن عبد الله ولد سنة ٥٦٢ ه‍ وتوفي في سنة ٦٤٥ ه‍ ، صنف تعليقا على كتاب سيبويه أو شرح على الجزولية ، والتوطئة. ينظر ترجمته في البغية ٢ / ٢٢٤ ـ ٢٢٥. ينظر رأي أبي علي الأستاذ في التوطئة ١١٦ ، والهمع ١ / ٤٠.

(٤) ينظر شرح المصنف ٩.

(٥) ينظر الكتاب ١ / ١٣ وما بعدها والإنصاف للأنباري ١ / ٣٣ وما بعدها ، وشرح الرضي ١ / ١٧ ، قال ابن يعيش في شرح المفصل ١ / ٥٢ : فذهب سيبويه إلى أنها حروف إعراب والإعراب فيها بقدر كما في الأسماء المقصورة ...).

٨٤

هو التغيير لا إخراج له عنه ، إنه يقال حركات إعراب وعلامات إعراب ، فيجب أن يكون غيره ، وإلا كان من إضافة الشيء إلى نفسه ، وحجة المصنف (١) وأصحابه وجوه ثلاثة : أنا نقطع أن المتكلم إذا قال : (جاء زيد) ، و (رأيت زيدا) ، و (مررت بزيد) ، إنه ليس في آخر زيد إلا ضم أو فتح أو كسر لا أمر آخر يسمى اختلافا (٢) ، وإنا لو سلمنا أنّ ثم أمرا آخر يسمى اختلافا لزم فيه التعدد ، لأن الاختلاف لا يعقل إلا بين شيئين فبطل تقسيمه إلى ثلاثة ، وتكون أنواع الإعراب ستة إذا اكتفينا وجعلنا الاختلاف ينتقل من الرفع إلى النصب والجر ، أو من النصب إلى الرفع والجر أو من الجر إلى [ظ ٥] والرفع والنصب.

فالإعراب ثلاثة ، والاختلاف اثنان ، وثلاثة في اثنين ستة ، وتسعة إذا نظرت إلى كل واحد من الرفع والنصب والجر ، فالإعراب ثلاثة والاختلاف ثلاثة ، وثلاثة في ثلاثة تسعة ، وقد أجمعوا أن الإعراب ثلاثة ، وأنه يلزم أن يكون كل اسم في أول تركيبه غير معرب ، لأن إعرابه إنما حصل عند تركيبه ، ولم يختلف حاله حينئذ.

قال والدي في البرود : وعندي أن الخلاف قريب ، والقولين كالمتكافئين ومرجعهما هل يكون الإعراب الاختلاف أو ما به يقع الاختلاف.

قوله : (ليدل) اللام متعلقة بـ (اختلف) وهي للتعليل (٣) ، أي وجه إعراب الاسم دلالته على المعاني المعتورة عليه ، أي المختلفة عليه ، يقال :

__________________

(١) ينظر شرح المصنف ٩.

(٢) ينظر شرح الرضي ١ / ١٨ ـ ١٩.

(٣) ينظر شرح الرضي ١ / ١٩.

٨٥

اعتورته (١) الرماح ، إذا تداولته ، ويريد بالمعاني الفاعلية والمفعولية والإضافة ، واحترز بقوله (ليدل على المعاني) من المحكي والفعل المعرب اختلافه لا يدل على المعاني المعتورة عليه على كلام البصريين ، وقد اختلف البصريون والكوفيون في أصالة الإعراب في الأسماء والأفعال ، فعند البصريين : أنه أصل في الأسماء (٢) وفرع في الأفعال ، لأنه يدل في الأسماء على المعاني المختلفة مثل قولك (ما أحسن زيدا) في التعجب ، و (ما أحسن زيد) في النفي ، و (ما أحسن زيد)؟ في الاستفهام ، فلولا اختلاف الإعراب لما فهمت تلك المعاني ، بخلاف الأفعال ، فإن الإعراب لا يدل فيها على معنى ، ألا ترى أن المعاني المختلفة فيها تشترك في الإعراب الواحد كالأمر ، والنهي والإثبات والنفي والحال والاستقبال والخبر والاستخبار ، نحو : (ليقم زيد) و (لا يقم) و (يقوم زيد) و (ما يقوم) ، و (ويقوم زيد) و (سيقوم) ، و (يقوم زيد) و (هل يقوم)؟ وإنما تفترق المعاني في الفعل اختلاف الصيغ أو بقرينة أخرى ، كالمضارع الصالح للحال والاستقبال ، ولا يصح هذا الاشتراك في إعراب الأسماء ، وما اشتراك المنصوب والمجرور في باب المثنى والمجموع ومالا ينصرف وجمع المؤنث السالم (مأمون) جانبيهما واتفاق ، وعند الكوفيين أن الإعراب أصل في الأفعال كأصالته في الأسماء (٣) دال على معان مختلفة

__________________

(١) ينظر اللسان مادة (عور) ٥ / ٣١٦٨.

(٢) ينظر الرضي ١ / ٢٣ حيث قال أن أصل الأسماء الإعراب فما وجدت فيها مبنيا فاطلب لبنائه علة. والرضي يقول برأي البصريين ، وهذا ما ذهب إليه الزمخشري في المفصل ١٦ وابن يعيش في شرحه ١ / ٤٩ ، وشرح ابن عقيل ١ / ٣٧ حيث ذكر رأي البصريين والكوفيين في ذلك ، وشرح التسهيل السفر الأول ، ١ / ٤٢.

(٣) ينظر شرح ابن عقيل ١ / ٣٧ وما بعدها.

٨٦

كدلالته في الأسماء ، واحتجوا بقولهم (لا تأكل السمك وتشرب اللبن) بالرفع والنصب والجزم في تشرب ، فالرفع نهي عن الجمع بينهما في الفم لأن الواو للحال.

والنصب نهي عن الجمع بينهما في البطن ؛ لأن الواو تقدر بعدها أن ، والجزم نهي عن فعل كل واحد منهما مجتمعين ومفترقين ، لأن النهي يقتضي التكرار.

وأجاب البصريون (١) بأن اختلاف المعاني في الأفعال بتقدير صيغ مختلفة ، لا بالإعراب ، إذ لو كان بالإعراب لاتفقت المسائل لفظا أو تقديرا.

والتقدير هاهنا مختلف ، ألا ترى في هذه المسألة : أن النصب بتقدير (أن) والجزم بتقدير (لا) الناهية ، والرفع على المبتدأ ، لأن الواوي للحال لتعدد العطف ، وواو الحال لا تدخل على المضارع المثبت ، فتعين حينئذ تقدير مبتدأ ، وهذه صيغ متغايرة دالة على تلك المعاني.

قوله : (وأنواعه رفع ونصب وجر) مذهب الأصوليين أن النوع أعمّ من الجنس (٢) ، والنحاة والفقهاء عكسوا ، وإنما لم يذكر الجزم مع أنه من أنواع الإعراب ، لأنه [و ٦] هاهنا ذكر أحوال الاسم والجزم من أحوال

__________________

(١) ينظر شرح التسهيل لابن مالك السفر الأول ٢ / ٩٧١ ـ ٩٧٤ حيث وافق الشارح ما ذهب إليه ابن مالك في إفادة الرفع والنصب والجزم معاني معينة ذكرها ابن مالك. قال :

ـ المعنى المراد من النصب : النهي عن الجمع بينهما فيجوز أكل كل واحد على حده.

ـ والمعنى المراد من الرفع على إضمار مبتدأ محذوف تقديره : أنت تشرب ، أي في حال شرب اللبن ، والواو هنا للحال.

ـ المعنى في الجزم النهي عن كل من الفعلين جميعا.

(٢) جاء في اللسان مادة (نوع) ٦ / ٤٥٧٦ ، النوع أخص من الجنس. وقال في مادة (جنس) والجنس أعم من النوع وما ذكره صاحب اللسان هو رأي النحاة كما ذكر.

٨٧

الفعل ، فأخّره إلى الفعل وإنما كان الإعراب ثلاثة لوجهين :

أحدهما : مناسبته للكلام لأن مخارجه ثلاثة : الحلق والفم والشفة.

الثاني : أن معاني الاسم ثلاثة فاعلية ومفعولية وإضافة ، فكان الإعراب الذي جاء للمعاني ثلاثة مناسبة. فالرفع من الشفة وهو أول المخارج للأول من المعاني وهو الفاعلية ، والنصب من الحلق للمفعولية لكثرتها ، والجر من وسط الفم لثقله (١).

قوله : (فالرفع علم الفاعلية) إنما أتى بياء النسب ليستغرق الفاعل وما حمل عليه كالمبتدأ أو غيره ، وعلاماته ثلاثة (٢) الضمّ والألف والواو نحو :

(جاء زيد والزيدان والزيدون وأبوك).

قوله : (والنصب علم المفعولية) ليدخل المفعول وما حمل عليه ، وعلاماته أربع : (٣) الفتح والكسر والألف والياء نحو : (إنّ زيدا والمسلمات وأباك والزّيدين الزّيدين قائمون).

قوله : (والجر علم الإضافة) أي علم المضاف إليه معنى أو لفظا ، كـ (غلام زيد) ، (وحسن الوجه) ولم يقل الإضافية لما كانت سببا واحدا ،

__________________

(١) ينظر شرح الرضي حيث أورد دلالة مخارج الحركات الضم والنصب والكسر والجزم في ١ / ٢٤.

(٢) ينظر المصدر السابق.

(٣) ينظر الرضي ١ / ٢٤. قال الرضي في شرحه ١ / ٢٥ : (إنما بين العامل لاحتياج قوله قبل : ويختلف آخره لاختلاف العامل إلى بيانه. وبعني بالتقوم نحوا من قيام العرض بالجوهر ، فإن معنى الفاعلية والمفعولية والإضافة كون الكلمة عمدة أو فضلة أو مضافا إليها وهي كالأعراض القائمة بالعمدة والفضلة والمضاف إليه بسبب توسط العامل فالموجد لهذه المعاني المتكلم والآلة العامل ، وفحلها الاسم وكذا الموجد لعلامات هذه المعاني هو المتكلم لكن النحاة جعلوا الآلة كأنها هي الموجدة للمعاني وعلاماتها فلهذا سميت الآلات عوامل ...)

٨٨

لأنه يسمى الذي بحرف جر ملفوظ به ، إضافة ، وعلاماته ثلاث ، (الكسر) و (الفتح) و (الياء) ، نحو : (مررت بزيد) و (أحمد والمسلمين والمسلمين وأبيك).

قوله : (والعامل ما به يتقوم المعنى المقتضي للإعراب) أي حقيقة العامل ما به يتحصل المعنى المقتضي للإعراب لأن العامل شيء ، والمقتضي للإعراب شيء آخر ، نحو : (قام زيد) ، فالعامل قام والمقتضي للإعراب (١) ، هو الفاعلية وهي إنما تحصلت وتقومت بـ (قام) ، والمقتضي على ضربين : منه ما يقتضي نوعية الإعراب وهو الفاعلية والمفعولية والإضافة.

فالفاعلية تقتضي رفعا والمفعولية نصبا والإضافة جرا ، ومنه ما يقتضي جنسية الإعراب وهو العقد والتركيب.

فالتركيب : وضع كلمة عند أخرى كقولك (زيد بكر عمرو) والعقد إسناد كلمة إلى أخرى كقولك (زيد قائم) فإذا حصل التركيب من غير عقد لم يكن كلاما ومتى حصل العقد حصل الإعراب ، ذكره الإمام يحيى بن حمزة : (٢) قيل العكس ، ووجه الشيخ في سرد هذه الحدود وإن كان المقصود بالإعراب الحركات الواقعة على آخر الكلمة وإنه لما حدّ الكلمة والكلام لكونهما موضوع النحو ، لزم من ذلك شرح الاسم والفعل والحرف ، لأنها أقسام الكلمة ، ولما بدأ بشرح الاسم تكلم في قسمته إلى

__________________

(١) ينظر شرح المصنف ٩.

(٢) ينظر رأي الإمام يحيى بن حمزة في الأزهار الصافية شرح الكافية ٥٣ ـ ٥٤.

٨٩

معرب ومبني ولزم من هذا الكلام في المعرب الكلام في العامل.

أما الأعراب فلشدة التماس بينهما وأما العامل فلذكره في حد المعرب ، أو لأنه لما ذكر الإعراب ذكر العامل لأنه مؤثرة (١).

قوله : (فالمفرد المنصرف) إنما ذكر تقسيم الأسماء لما كان الإعراب رفعا ونصبا وجرا ، وكل واحد منهما بأمور متعددة على ما ذكرنا ، احتاج إلى تقسيمه ليضع لكل جنس ما يستحقه من العلامات ، فقوله : (المفرد) يحترز من المثنى والمجموع ، والمنصرف يحترز من غير المنصرف كـ (أحمد) ، فالمفرد يقابل باعتبارات أربعة : ما يقابل المثنى والمجموع وهو الذي أراد هنا ، وما يقابل المضاف وهو المذكور في المنادى ، وما تركّب يقابل المركب تركيب المزج ، والبناء هو ما يقابل الجملة ويرد عليه في احترازه الأسماء الستة (٢) فإنها مفردة منصرفة وهي معربة بالحروف [ظ ٦] فإن قال : إني احترزت من المضاف ، ورد عليه المثنى والمجموع ، فإن قال : إني احترزت من المثنى والمجموع والمضاف ، ورد عليه سائر المضافات غير الأسماء الستة ، فإن قال لم أحترز عنها لأني ذكرت حكمها بعد. قيل له : فلا يحترز عن غير المنصرف ، لأنه ذكره بعد ، فلو قال : ما لم يكن من الأسماء الستة لسلم الاعتراض.

قوله : (والجمع المكسر والمنصرف) فالمكسر احتراز عن جمع السلامة (كالزيدين) والمنصرف احتراز من غير المنصرف ، كـ (مساجد وزيانب).

__________________

(١) ينظر شرح المصنف ٩.

(٢) ينظر شرح المصنف ٩. وشرح الرضي ١ / ٢٨ ، وشرح المفصل ١ / ٥٦ ـ ٥٧.

٩٠

قوله : (بالضمة رفعا ، والفتحة نصبا ، والكسرة جرا) تقول : هذا رجل ورجال ، ورأيت رجلا ورجالا ، (ومررت برجل ورجال) فإن قيل لم عدل إلى اختيار الكوفيين؟ (١)

حيث قال بالضمة إلى آخره ولم يقل بالرفع ، وجوابه أنه اضطر إليه خوف التكرير ، وكلام الشيخ (٢) هاهنا تفصيل المعرب وذلك أن الإعراب ضربان بحركة ، وهو الأصل لأنها أخف ، وبحرف وهو فرع لثقله ، وأصل الإعراب بالحركة أن يكون بالضمة رفعا والفتحة نصبا والكسرة جرا ، وأصل الإعراب بالحرف أن يكون بالواو رفعا ، وبالألف نصبا ، وبالياء جرا ، ثم الإعراب على ثلاثة أقسام : لفظي في جميع الأحوال ، وهو المفرد والمنصرف والجمع المكسر المنصرف بالحركة ، والأسماء الستة في الحروف ، ومنه ما يحمل منصوبه على مجروره ، وهو جمع المؤنث السالم في الحركة والمثنى والمجموع في الحرف ، ومنه ما يحمل مجروره على منصوبه ، وهو غير المنصرف في الحركة ، ولا يوجد في الحروف.

والثاني : تقديري بكل حال ، ولا يكون إلا في الحركة ، كـ (عصا) و (غلامي).

والثالث تقديري في حال لفظي في حالة ، مثاله في الحركة (قاض) ، وفي الحرف (مسلميّ).

قوله : (جمع المؤنث السالم بالضمة والكسرة) فقوله : (المؤنث)

__________________

(١) واختيار الكوفيين هو الإعراب بالحركات ، وينظر شرح الرضي ١ / ٢٧.

(٢) ينظر شرح المصنف ١٠.

٩١

احتراز من المذكر ، السالم يحترز من المكسر نحو : (زيانب) ، وذلك نحو (مسلمات) ، وإنما لم يدخله الفتح لأنه فرع على جمع المذكر السالم وقد حملوا منصوبه على مجروره لعلة جامعة بينهما ، فكذلك هذا لئلا يكون للمؤنث ميزة على المذكر ، وأجاز الكوفيون دخول النصب والتنوين وأنشدوا :

[١٠] فلمّا جلاها بالأيام تحيزت

ثباتا عليها ذلّها واكتئآبها (١)

هذا إذا لم يسم به ، وإن سمي به فمذهبان :

الأول : وهو الأفصح أن يعرب كإعرابه قبل التسمية على الحكاية.

والثاني : أن يعرب بالرفع والنصب والجر من غير تنوين واحتجّ بقوله :

[١١] تنورتها من أذرعات وأهلها

بيثرب أدنى دارها نظر عالي (٢)

__________________

(١) البيت من البحر الطويل وهو لأبي ذؤيب الهذلي في شرح أشعار الهذليين ، ١ / ٥٣ ، وينظر جمهرة اللغة ٢٤٨. وأدب الكاتب ٤٤١ ، والخصائص ٣ / ٣٠٤ ، وشرح المفصل ٥ / ٤ ـ ٨ وشرح التسهيل السفر الأول ١ / ١٠٧ ، وتذكرة النحاة ٢٨٩ ، ولسان العرب مادة (أيم) ١ / ١٩٢ ، ورصف المباني ٢٤١. ويروى فيه اجتلاها ، ويروى في معاني القرآن للفراء ٢ / ٩٣ إذا ما.

والشاهد فيه قوله : (ثباتا) حيث نصب جمع المؤنث بالفتحة خلافا للمشهور (القاعدة).

ويروى (ثبات) كما في شرح المفصل ٥ / ٤.

(٢) البيت من البحر الطويل وهو لامرئ القيس في الديوان ٣١ ، والكتاب ٣ / ٢٣٣ ، وشرح المفصل ١ / ٤٧ ، ٩ / ٣٤ ، وشرح ابن عقيل ١ / ٧٦ ، وشرح الرضي ١ / ١٤ ، وهمع الهوامع ١ / ٦٨ ، وخزانة الأدب ١ / ٥٦.

والشاهد فيه قوله : (أذرعات) حيث يجوز فيه الوجوه الثلاثة الكسر مع التنوين ، والكسر ـ بلا تنوين ، والفتح بغير تنوين.

٩٢

وأجاز الكوفيون : (١) أن تعرب إعراب مالا ينصرف وأنشدوا : (من أذرعات) بالفتح ، ويرد عليه سؤالان ؛ أحدهما : لم قدّمه على جمع المذكر السالم؟ وجوابه : أنه معرب بالحركة وجمع المذكر بالحروف ، والحركة أخفّ من الحرف ، والثاني : لم قدمه على غير المنصرف؟ وجوابه لدخول التنوين عليه بخلاف غير المنصرف.

قوله : (غير المنصرف بالضمة والفتحة) أي رفعه بالضمة ، ونصبه وجره بالفتحة ، وإنما امتنع منه الجر والتنوين ، لأنه أشبه الفعل بعلتين فرعيتين [و ٧] وهما : المانعان له من الصرف فامتنع منه ما امتنع من الفعل ، وهو الجر والتنوين ، وكان الأولى أن يحترز من المنقوص ، كـ (جوار) و (غواش) لأنه يدخله الجر ولا يدخله الضم ، وعن مثل (عرفات) و (مسلمات) مسمى بها ، فإنه غير منصرف ، مع أن إعرابه بالضمة والكسرة عند المصنف (٢) وهو الصحيح ، فكأنه يقول ما لم يكن منقوصا ولا جمع مؤنث ، وعند الأخفش (٣) والمبرد (٤) والزجاج (٥) أن جمع المؤنث

__________________

(١) أكثر كتب النحو التي اطلعت عليها لا تذكر الكوفيين صراحة وإنما تذكر مذاهب في ذلك ، منهم ابن عقيل وحتى سيبويه يقول : سمعنا أكثر العرب يقولون في بيت امرئ القيس (أي تنوين أذرعات) ويفهم من كلام سيبويه أنه يجيز الفتح ، لأنه يقول ومن العرب من لا ينون أذرعات ، الكتاب ٣ / ٢٣٤ ، وشرح المفصل ١ / ٤٦ ، ٤٧

(٢) ينظر شرح المصنف ٩.

(٣) ينظر رأي الأخفش في الإنصاف ١ / ٢٣ والهمع ١ / ٥٦.

(٤) ينظر الإنصاف مسألة رقم (٣). القول في إعراب المثنى وجمع المذكر قال الأنباري (وليس من مذهب أبي الحسن الأخفش وأبي العباس المبرد وأبي عثمان المازني أن التثنية والجمع مبنيان وقد رجعت إلى المقتضب فلم أجد ما نسبه الشارح إلى المبرد.

(٥) الزجاج هو إبراهيم بن السري بن سهل أبو إسحاق الزجاج من تصانيفه معاني القرآن ـ والاشتقاق ، وفعلت وأفعلت وشرح أبيات سيبويه وغيرها توفي سنة ٣١١ ه‍ ، ينظر ترجمته في بغية الوعاة ١ / ٤١١ وما بعدها برقم (٨١٥). ينظر رأيه في الإنصاف ١ / ٣٣ وشرح الرضي ١ / ٢٦ ، والهمع ١ / ٥٧.

٩٣

مبني في حال النصب ، معرب في حالة الرفع والجر ، وغير المنصرف مبني في حالة الجر ، معرب في حالة الرفع والنصب ، قالوا : ولا نستنكر البناء في بعض الأحوال ، فإنّ (أمس) معرب في حال ، مبني في حال ، وكذلك (قبل) و (بعد) وأجاز الجمهور بأن (أمس) المبنية غير المعربة ، وهي التي يراد بها اليوم الذي يلي يومك : وهي مبنية في جميع أحوالها ، والتي لا يراد بها ذلك معربة في جميع أحوالها ، وأما (قبل) و (بعد) فلوجود علة البناء فيهما وهاهنا لا علة موجبة للبناء.

٩٤

الأسماء الستة

قوله : (أخوك أبوك) [وهي حموك وهنوك وفوك وذو مال](١) إلى آخرها. شرع في تبيين ما بعرب بالحروف ، فالأحماء إخوة الزوج ، ولا يكونون من قبل الزوجة فتكون الكاف في (حموك) مكسورة ، والهن كناية عن الأشياء المنكرة ، وقد يسمى بها الفرج وفي هذه الأسماء لغات ذكرها المصنف في المجرورات (٢).

قوله : (مضافة) يعني أن هذه الأسماء تعرب بالحروف بشروط أربعة ذكر منها الأولين :

الأول : قوله مضافة لأنها لو أفردت أعربت بالحركات ، تقول : (هذا أب وأخ) و (رأيت أبا وأخا) و (مررت بأب وأخ).

الثاني قوله : (إلى غير ياء المتكلم). كقولك : (أخي) و (أبي) فإنه يعرب بالحركات تقديرا ، كـ (غلامي).

الثالث : أن لا تصغر فإنها تعرب بالحركات ، تقول : (هذا أبيّه وأخيّه) و (رأيت أبيّه وأخيّه) ، و (مررت بأبيّه وأخيّه).

__________________

(١) زيادة من الكافية المحققة وهي تعداد الأسماء الستة وهي (وحموك وهنوك وفوك وذو مال) ٦١.

(٢) ينظر المصنف ٥٥ ـ ٥٦ ، وشرح الرضي ١ / ٢٧.

٩٥

الرابع : أن لا تجمع جمع التكسير ، فإن جمعت أعربت بالحركات ، تقول : (هؤلاء آباؤه وإخوته) و (رأيت آباءه وإخوته) و (مررت بآبائه وإخوته).

قوله : (بالواو والألف والياء). أي بالواو في الرفع والألف في النصب والياء في الجر. تقول (هذا أبوه وأخوه) و (رأيت أباه وأخاه) و (مررت بأبيه وأخيه) ويقال لم أعربت هذه الأسماء بالحروف؟ ثم بعد ذلك ما هذه الحروف؟ أما لم أعربت؟ فاختلف فيه ، فقيل على طريق الشذوذ ، وصفت بأنها وجدت في القرآن وفي فصيح الكلام وقيل توطئة وتمهيدا لما بعدها (١) ، وهو المثنى والمجموع ، وضعف بأن الشيء لا يكون توطئة لغيره ، وقيل عوضا عن حذف لاماتها وضعف بأنه يلزم ذلك في (يد) و (دم) (٢) وقيل لأنها أسماء فكثرت بمضافاتها لفظا ومعنى فصارت على أكثر من واحد فأعربت بأكثر من إعراب واحد ، وليس أكثر من الحركة إلا الحرف ، ويكثرها لفظا ـ هاهنا وهو الإضافة ـ ومعنى وهو استلزامها غيرها فـ (الأب) يستلزم ابنا ، و (الأخ) أخا و (الحم) زوجة وزوجا وإخوة له ، و (الهن) والفم لا يكونان إلا في جسد حيوان ، و (ذو) بمعنى صاحب ، والصاحب لا بد له من مصاحب وهذا القول هو اختيار المصنف (٣) وأما ما هذه الحروف؟ فاختلف فيها فقال قطرب (٤) والزيادي (٥) وبعض

__________________

(١) ينظر شرح الرضي ١ / ٢٨ ، والإنصاف ١ / ٣٢.

(٢) ينظر شرح الرضي ١ / ٢٨ ، والإنصاف ١ / ٣٢.

(٣) ينظر شرح المصنف ٩ ، وشرح الرضي ١ / ٣٠.

(٤) محمد بن المستنير أبو علي النحوي المعروف قطرب مات سنة ٢٠٦ ه‍ ، وصنف المثلث والنوادر ، والصفات والأضداد ، وإعراب القرآن ، والمصنف الغريب ، ومجاز القرآن ، ينظر ترجمته في البغية ١ / ٢٤٣ ، معجم الأدباء ١٩ / ٥٣ ـ ٥٤ ، ينظر رأي قطرب في الإنصاف ١ / ٣٣ والهمع ١ / ١٢٣.

(٥) الزيادي إبراهيم بن سفيان بن سليمان أبو إسحاق الزيادي مات سنة ٢٤٩ ه‍ ، صنف النقط والشكل ، والأمثال ، شرح نكت سيبويه وغيرها ، ينظر ترجمته في بغية الوعاة ١ / ٤١٤ ، ومعجم ـ الأدباء ١ / ١٥٨ ـ ١٦١ ، وينظر رأي الزيادي في شرح المفصل ١ / ٥٢ ، والهمع ١ / ١٢٣.

٩٦

الكوفية واختاره المصنف ، وكثير من المتأخرين ، إنها أنفسها إعراب ولا إعراب (١) [ظ ٧] سواها لا ظاهر ولا مقدر ، فالواو كالضمة والألف كالفتحة والياء كالكسرة ، ولا يستبعد إعرابها بالحروف ، فقد جاء في المثنى والمجموع وفي الأفعال الخمسة ، باتفاق الأكثرين ، واختلفوا فيما بينهم فقال أكثرهم إنها زوائد للإعراب ، وضعف بأنه يؤدي إلى استعمال اسم على حرف واحد في (فوك) و (ذومال) ، وقال ابن الحاجب : (٢) إنها مبدلة من لام الكلمة أو عينها ، لأن دليل الإعراب لا يكون من أصل الكلمة ، فهي بدل يفيد ما لم يفد المبدل منه كالتاء في (بنت) و (أخت) فإنها بدل من الواو ، وتفيد التأنيث بخلاف الواو ، ولا يقال : إن (فوك) و (ذومال) على حرف واحد لقيام البدل فقام المبدل منه ، وقال الأخفش (٣) : إنها دلائل الإعراب (٤) المقدر قبلها ، فالواو دليل للضمة ، والألف للفتحة ، والياء للكسرة ، وقال سيبويه (٥) والفارسي (٦) وأكثر البصريين (٧) إنها لامات الكلمة ، والإعراب مقدر عليها ، وإنما أعلت هذا الإعلال لأنهم

__________________

(١) ينظر شرح المصنف ٩ ، وشرح الرضي ١ / ٣٠.

(٢) انظر شرح المصنف ، ٥٦.

(٣) ينظر شرح التسهيل ، السفر الأول ، ١ / ٥٦.

(٤) ينظر الرضي ١ / ٢٨ ـ ٢٧ ، ٣٠ ، والإنصاف ١ / ١٧ ـ ١٨ وما بعدها ، وشرح المفصل ١ / ٥٢ ، قال الرضي : (وقال بعضهم الإعراب بالحركات مقدر في متلو الألف والواو والياء ، والحروف دلائل الإعراب ، وهذا قريب من قول الكوفيين في الأسماء الستة) ، وينظر شرح التسهيل السفر الأول ١ / ٥١ ـ ٥٣ ، وهمع الهوامع ١ / ١٧٦.

(٥) ينظر الكتاب ٢ / ٢٠٣ ، ٣ / ٤١٢.

(٦) ينظر البغداديات ١٥٥ وما بعدها.

(٧) ينظر شرح الرضي ١ / ٢٧ ـ ٢٨ ـ ٣٠ ، والإنصاف ١ / ١٧ ـ ١٨ وما بعدها ، وشرح المفصل ١ / ٥٢.

٩٧

ضموا العين اتباعا للام الفعل كفعلهم في (امرؤ) و (ابنم) ، وحذفوا حركة اللام لأنها حرف علة وبقيت الواو لانضمام ما قبلها ، وفي الجر كذلك ، وقلبت ياء لانكسار ما قبلها وسكونها والنصب كذلك ، وقلبت ألفا لانفتاح ما قبلها ، وقال الربعي : (١) أصلها في حال الرفع أبوك برفع الواو وثقلت الضمة على الواو فنقلت إلى ما قبلها بعد حذف حركته فصارت أبوك بسكون الواو ، وفي حال النصب رأيت أبوك بفتح الواو وبحرك حرف العلة وانفتح ما قبله فقلبت ألفا فصار أباك ، وفي الجر مررت بأبوك بكسرها ثقلت الكسرة عليها فنقلت إلى ما قبلها بعد حذف حركته ثم قلبت الواو ياء لتصبح الكسرة كما قيل في ميعاد وميزان (٢) وضعف بأنه جعل الإعراب بالحركة على غير الأخف ، قال ابن الحاجب (٣) ظاهر كلام سيبويه (٤) أن لها إعرابين ، تقديري بالحركات ، ولفظي بالحروف.

قال لأنه قدر الحركة ثم قال في الواو ، وهي علامة الرفع ، وهو ضعيف لحصول الكفاية بأحد الإعرابين ، وحجة سيبويه وجوه ثلاثة :

الأول : أن دليل الإعراب لا يكون من نفس الكلمة ، وهذه الحروف إما لام الكلمة أو عينها ، وبعض الكلمة لا يدل على المعنى العارض فيها وأما التثنية والجمع فحروفهما ليست من نفس الكلمة.

__________________

(١) الربعي هو : علي بن عيسى بن الفرج بن صالح الربعي أبو الحسن الزهري أحد أئمة النحويين وحذاقهم أخذ عن السيرافي ولازم الفارسي عشر سنين تنظر ترجمته في معجم الأدباء ١٤ / ٧٨ ـ ٨٥ وبغية الوعاة ٢ / ١٨١ ـ ١٨٢ ، ينظر رأيه في شرح الرضي ١ / ٢٨.

(٢) ينظر شرح الرضي ١ / ٢٧.

(٣) نقل الرضي كلام ابن الحاجب في ١ / ٢٧ ، والعبارة منقولة عن الرضي دون عزو من الشارح إليه.

(٤) ينظر الكتاب ٢ / ٢٠٣ ـ ٣ / ٤١٢.

٩٨

الثاني : أنها كانت معربة في الإفراد بالحركات ، والإضافة لا تغير حكما للكلمة في الإعراب.

الثالث : أن الكلمة يختل بحذفها ، ودليل الإعراب لا تختل الكلمة بحذفه ، وأما التثنية والجمع فإنما اختلا بالحذف ، لم تختص لدلالته الإعراب بل انضمت إليه دلالة على التثنية والجمع وقلبت في حال النصب والجر ليكون أقرب إلى الحركة المقدرة عليها ، وقال الكسائي (١) والفراء (٢) الضم إعراب بالحركة ، والواو إعراب بالحرف ، وضعف بأنه لم يعهد ، وقال المازني (٣) والزجاج : (٤) إن هذه الحروف إشباع نشأت عن الحركات الإعرابية وأصله (هذا أخك) و (رأيت أخك) و (مررت بأخك) فنشأت الواو من الضمة والألف من الفتحة والياء من الكسرة وحجتهم في الواو :

[١٢] وإننى حيثما يثنى الهوى بصري

من حيثما سلكوا أدنو فأنظور (٥)

والأصل فأنظر وفي الألف :

[١٣] ومن ذم الرجال بمنتزاح (٦)

 ...

__________________

(١) ينظر رأي الكسائي في الهمع ١ / ١٢٥.

(٢) ينظر رأي الفراء في الهمع ١ / ١٢٥.

(٣) ينظر الإنصاف ١ / ١٧ ـ ١٨ ، وشرح المفصل ١ / ٥٢ ، وشرح الرضي ١ / ٢٧ ، ١ / ١٢٥.

(٤) ينظر رأي الزجاج في الهمع ١ / ١٢٥.

(٥) البيت من البحر البسيط لابن هرمة في ملحق ديوانه ٢٣٩. ينظر اللسان مادة (شرى) (حتور). ينظر الإنصاف ١ / ٢٣ ـ ٢٤ ، وخزانة الأدب ١ / ١٢١ ، ٧ / ٥١ ينظر شرح شواهد المغنى ٢ / ٧٨٥.

والشاهد فيه قوله : فأنظور حيث أشبع ضمة الظاء للضرورة.

(٦) البيت من الوافر وهو لابن هرمه في ديوانه ٩٢ ، ولسان العرب مادة نزع ٦ / ٤٣٩٣ ، ـ والإنصاف ١ / ١٢٥ ، وينظر الخزانة ٧ / ٥٥٧.

وصدره :

وأنت من الغوائل حين ترمي

والشاهد فيه قوله : حيث أشبع فتحة الزاي فصارت ألفا وذلك للضرورة وأصلها بمنتزح ـ الغوائل جمع غائلة منتزح مصدر ميمي فعله انتزح أي بعد

٩٩

وأصله بمنتزح ، وفي الياء [و ٨].

[١٤] نفى الدارهيم تنقاد الصياريف (١)

 ...

والأصل الدراهم والصيارف وهذا القول ضعيف ، لأنه لم يأت إلّا في ضرورة الشعر (٢).

قوله : (المثنى وكلا مضافا إلى مضمر واثنان). إنما لم يستغن بذكر المثنى على (كلا) و (اثنين) ، لأن تثنيتهما ليست حقيقية ، إذ المثنى اسم مفرد ألحق بآخره ألف ونون ، وكلا واثنان ليسا كذلك ، أما (اثنان) فلم يسمع له مفرد ، وأما (كلا) فقد اختلف فيها وفي (كلتا) فذهب البصريون (٣) إلى أنهما اسمان مفردان يطلقان على المثنى كـ (زوج) ، وكذلك (اثنان) ، وهو اختيار المصنف (٤) واحتجوا بالسماع والقياس ، أم

__________________

(١) البيت من البحر البسيط وهو للفرزدق ، وصدره هو :

تنفي يداها الحصى في كل

ينظر الكتاب ١ / ٢٨. ينظر اللسان مادة (نقد) ٦ / ٤٥١٧ ويروى فيه الدنانير والإنصاف ١ / ٢٧ وشرح ابن عقيل ٢ / ١٠٢ وينظر الأشباه والنظائر ٢ / ٢٩.

والشاهد فيه قوله : الدراهيم والصياريف حيث أشبع كسرة الهاء في الدراهم وكسرة الراء في الصيارف فتولدت عن كل إشباع منهما ياء قال ابن الأنباري في الإنصاف : يحتمل أن يكون الدراهيم جمع درهام ، ولا يحتمل الصياريف هذا الاحتمال.

(٢) ينظر الإنصاف ، ١ / ٣١.

(٣) ينظر شرح الرضي ١ / ٣٢.

(٤) ينظر شرح المصنف ٩.

١٠٠