النّجم الثاقب - ج ١

صلاح بن علي بن محمّد بن أبي القاسم

النّجم الثاقب - ج ١

المؤلف:

صلاح بن علي بن محمّد بن أبي القاسم


المحقق: الدكتور محمّد جمعة حسن نبعة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٥
الجزء ١ الجزء ٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

[١ ظ] الحمد لله على إقامة اللسان ، كما أحمده على الهداية والإحسان.

وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الديان ؛ شهادة توافق فيها السرّ والإعلان ، والقلب واللسان ، وأرجو بها منّة الغفران ، وأستجير بها من عذاب النيران ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى من عدنان ، أرسله إلى جميع الإنس والجان ، صلّى الله عليه وعلى آله ما اختلف الملوان (١) وبعد :

فإنه قرأ عليّ جماعة من الإخوان كافية ابن الحاجب وكان الإلقاء حينئذ أكثره الشرح المسمى بالبرود الضافية والعقود الصافية لوالدنا وشيخنا العلامة الحبر الصمصامة طود العلم ومعدن التقى والحلم الجمالي ، جمال الدين سليل الأئمة الهادين ، أبي الحسن على بن محمد القاسم الهادوي (٢) ، شيد الله مجده ، وجدد سعده ، وهو أجل الشروح قدرا وأشهرها ذكرا ، وكنت ألتقط لهم بعض فرائده المتناثرة ، وأختصر لهم من فوائده المتكاثرة ، فسألوني تسطير ذلك لأجل الاختصار ، وتوسطه بين الإقلال والإكثار ، فأجبتهم سائلا متضرعا إلى الملك الجليل ، متوسلا متشفعا بالنبي والتنزيل أن يرزقنا العلم والعمل ، ويجنبنا غر الخطأ والزلل ، وسميته بالنجم الثاقب على كافية ابن الحاجب.

__________________

(١) الملوان : هما الليل والنهار ، وقيل الملوان : طرفا النهار ـ وقيل هو من (ملو) كما قال ابن سيده وليس من ملي ، ينظر اللسان مادة (ملا) ، ٦ / ٤٢٧٣.

(٢) وقد نسبه في التقريظ إلى الهادي وهي صحيحه.

٦١

الكلمة والكلام

قال الشيخ : (الكلمة لفظ ... إلى آخره) (١) وأغفل حدّ النحو ، حذوا على ما فعل الزمخشري (٢) ، والحاجة إلى حدّه كالحاجة إلى حدّ الكلمة ، بل هو أهمّ. واشتقاق النحو (٣) من القصد ، لأن النحويين القدماء قصدوا كلام العرب ، المراعي لقياسات الإعراب ، بقصد أن يتشابه كلامهم ، وله حدان : لغويّ واصطلاحيّ :

أما اللغوي : فهو مشترك بين معان سبعة : بمعنى (مثل) ، وبمعنى (عند) ، وبمعنى (دون) ، وبمعنى (القصد) ، وبمعنى (الصرف) ، (واسم للقبيلة) ، و (اسم لهذا الفن) غلب عليه من بين المنحوات ، كما غلب علم الفقه (٤) على الأحكام الشرعية ، وعلم الكلام (٥) على العلوم الإلهية.

وأما الاصطلاحي : فقال ابن الحاجب : هو علم بأصول يعرف بها أحوال أبنية الكلم إعرابا وتصريفا.

__________________

(١) في الكافية المحققة إكمال الجملة : (وضع لمعنى مفرد) ٥٩.

(٢) ينظر شرح المصنف ٦ ، والمفصّل للزمخشري ٦.

(٣) ينظر مادة (نحا) في اللسان ٦ / ٤٣٧١.

(٤) علم الفقه : هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية ، أو المستفادة من أدلتها التفصيلية ، ينظر علم أصول الفقه عبد الوهاب خلاف ١١.

(٥) علم الكلام : هو علم يقتدر فيه على إثبات العقائد الدينية على الغير بإيراد الحجج ودفع الشبه ، ينظر التهانوي ـ للشيخ المولوي محمد أعلى ، كشاف اصطلاحات الفنون.

٦٢

وقال صاحب البرود : (١) أقرب ما يحدّبة : علم يتعرّف به التغيرات العربية الواقعة على الكلم لفظا أو تقديرا ، فاحترز بالتغيرات العربية عن غير العربي كنصب الفاعل ورفع المفعول وبقوله (الواقعة على الكلم) من معرفة الكلم ومعانيها وهو اللغة ، ودخل في معرفة التغيرات ، البناء على حركة أو سكون وإن كان لا يتبدل ، لأنه لا يعرف مواضع التغيير إلا وقد عرف ما لا يتغير.

وأما الكلمة فهي مفرد الكلم مثل تمرة وتمر لأن الكلم لم يستعمل إلا فيما

فوق الاثنين بخلاف تمرة ، فإن يستعمل في الواحد والاثنين والجمع ، وفيها ثلاث لغات بوزن نبقة لأهل الحجاز وهي أقواها ، وبوزن سدرة ، وبوزن تمرة وهي أضعفها ، ولها حقيقتان : لغوية واصطلاحية :

أما اللغوية : فتستعمل حقيقة ومجازا ، والحقيقة إطلاقها على كل واحد من الاسم والفعل والحرف.

والمجاز في معان ثلاثة : يعبر بها عن القصيدة ، كقول العرب : أفصح كلمة قالها لبيد :

[١] ألا كلّ شىء ماخلا الله باطل

وكلّ نعيم لا محالة زائل (٢)

__________________

(١) صاحب البرود هو ، والد المؤلف الشارح ، وله شرح على الكافية المسمى : (البرود الضافية والعقود الصافية شرح الكافية) وهو علي بن محمد بن أبي القاسم المتوفى ٨٣٧ ه‍ ومنه نسخة في الامبروزيانا في إيطاليا برقم ٦٩ / ٣٧٩ ينظر مصادر الفكر العربي الإسلامي في اليمن عبد الله الحبشي ، وقد عرّفه الشارح لهذا الكتاب في مقدمته المثبته في بداية النجم الثاقب شرح كافية ابن الحاجب.

(٢) البيت من الطويل ، وهو للبيد بن رييعة العامري الشاعر المخضرم ـ الصحابي في ـ ديوانه ٢٥٦ ، ينظر الخزانة ٤ / ٢٥٥ ، ٢٥٧ ، والمغني ١٧٦ ، وشرح شذور الذهب ٢٨٢ ، واللسان مادة (رجز) ٣ / ١٥٨٨.

الشاهد فيه : قوله : (ماخلا الله) حيث نصب اسم الجلالة بعد ماخلا ـ حيث دلل على أن الاسم الواقع بعد ماخلا يكون منصوبا ، مفعولا به. وما مصدرية ولا يكون بعدها إلا فعل وفاعلها واجب الاستتار أما إذا كانت (ما) زائدة فإن ما بعد (خلا) اسم مجرور بـ (خلا) التي هي في هذه الحال حرف جر مثل حاشا ، والشاهد الثاني فيه توسط المستثنى بين جزأي الكلام ـ وهو قوله ما خلا الله حيث وقعت بين المبتدأ وخبره والتقدير ألا كل شيء باطل ما خلا الله.

٦٣

ويعبر بها عن عيسى عليه السّلام ، قال تعالى : (وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ)(١) ويعبر بها عن الكلام ، كقوله : «الكلمة الطيبة صدقه» (٢).

وأما الاصطلاح : فما ذكره المصنف (٣) وهو : (لفظ وضع لمعنى مفرد) فقوله : (لفظ) جنس الحدّ يدخل فيه المهمل والمستعمل ، وخرجت الخطوط والإشارات والعقود والنصب ، فإنها وإن دلت على معنى فليست بلفظ ، وقوله : (وضع) ، خرج ما كان بالطبع كقول الساعل : أح ، والنائم أخ ، قوله (لمعنى) خرجت المهملات نحو : كادث ، وما دث ، وديز مقلوب زيد ، (مفردا) احتراز من المركب ، نحو (قام زيد) ، و (زيد قام) ، وسائر التراكيب ، ويجوز في (مفرد) الرفع والجر ، فالرفع صفة للفظ ، والجر صفة للمعنى ، لكن الرفع ضعيف للفصل بين الصفة والموصوف ، ولأنه يرد عليه نحو : عبد الله (٤) مسمى به ، فهو لفظ مركب وضع لمعنى مفرد ، ومعرفة هذه الحقيقة موقوفة

__________________

(١) سورة النساء ٤ / ١٧١ وتمامها : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ)(إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ...).

(٢) رواه البخاري في صحيحه باب طيب الكلام من كتاب الأدب ٨ / ١٤ ، وأحمد في مسنده ٢ / ٢٥١ ، ٢٥٢.

(٣) ينظر شرح المصنف ٦ ، وأمالي ابن الحاجب ١ / ٢٩١ وشرح المفصل ١ / ١٩.

(٤) ينظر شرح الرضي ١ / ٣ وما بعدها.

٦٤

على معرفة اللفظ ، والوضع ، والمعنى ، والمفرد.

فاللفظ : (١) اشتقاق من الطرح ، يقال لفظته الأرض أي طرحته ، وهو في الأصل مصدر ، ثم استعمل في معنى الملفوظ به ، وهو المراد هنا ، كما تقول :الدينار ضرب الأمير ، أي مضروبه (٢).

وحدّه ما يخرج من الفم ، قاله الرماني (٣) ، وهو معترض بالريق ، وعلى هذا لا يقال لفظ الله ، كما يقال : كلام الله (٤) ، فلا يصح التحديد به لعدم عمومه ، والأولى أن يقال : هو الصوت المتقطع أحرفا ، فيخرج ما كان شاذا (حا) كصوت البهائم ، وطنين الذباب ، وصرير الباب.

والوضع : إيقاع لفظ على أمر يفهم عند سماعه ذلك الأمر ، والمعنى هو المسمى ، والمفرد ما لا يدلّ (٥) جزء لفظه على جزئه حين صار جزءا له كقولك (زيد) فإن أحد حروفه لا يدل على جزء له من ذاته ، وقوله : (حين صار جزءا له) ، كقولك : زيد ، فإن أحد حروفه ، مثل (غلام زيد) ، إذا سمى به ، فإنه قبل التسمية دال جزء لفظه على جزئه ، وبعد التسمية غير دالّ ،

__________________

(١) ينظر اللسان مادة (لفظ) ٥ / ٤٠٥٣.

(٢) ينظر الأزهار الصافية شرح المقدمة الكافية ١ / ١٧.

(٣) هو علي بن عيسى بن علي عبد الله أبو الحسن الرماني ولد سنة ٢٧٦ ه‍ وتوفي ٣٨٦ ه‍ من مصنفاته : التفسير وشرح أصول ابن السراج ، وشرح سيبويه ، وشرح المقتضب شرح الصفات ، معاني الحروف وغيرها ينظر ترجمته في البغية ٢ / ١٨٠ ـ ١٨١ ، ومعجم الأدباء ٧ / ٧٣ وما بعدها ، إنباه الرواة ٢ / ٢٩٤ وما بعدها ، الأعلام ٦ / ٣١٦.

(٤) ينظر شرح الرضي ١ / ٣ ، وشرح المفصل ١ / ١٩ ، واللسان مادة (كلم) ٥ / ٣٩٥٥ ، وشرح التسهيل السفر الأول ١ / ٢٥ ـ ٢٦. قال سيبويه في ١ / ٢٥ هذا باب الاستقامة من الكلام والإحالة.

(فمنه : مستقيم ، حسن ، ومحال ، ومستقيم كذب ، ومستقيم قبيح ، وما هو محال كذب) ثم ضرب أمثلة لكل نوع منها.

(٥) في الأصل (يدخل) ، وهو تحريف.

٦٥

والمركب عكس ذلك ، وهو ما يدل جزء لفظه على جزئه حين صار جزءا (١) له ، ويرد على حده ثلاثة أسئلة :

الأول : الضمير المستتر في (قم) ، فإنّه كلمة وليس بلفظ ، وأجيب بأنه كالملفوظ به ، بدليل أنه لا يستقل الكلام دونه ، وأنه يبرز في بعض المواضع ، نحو : (قوما) ، بخلاف ضمير اسم الفاعل ، ولهذا لم يكن كلمة مستقلة.

الثاني : أنه جمع بين النقيضين في قوله : (الكلمة) لأن الألف واللام للجنس فيها والتاء للإفراد ، والجواب أن لام الجنس على ضربين :

مستغرقة مفيدة للكثرة : وهو ما يحس منها لفظ (كل) (٢) كقوله تعالى :

(وَالْعَصْرِ ، إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ)(٣) ودالة على ماهية الجنس المقصود في الذهن عقلا من غير نظر إلى قلة ولا كثرة (٤) كقوله تعالى : (لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ)(٥) ، لأنه هنا لم يرد استغراق الجنس ، وهو المقصود في الكلمة ، لأن الحدّ إنما يذكر لبيان ماهية الشيء من غير نظر إلى استغراقه.

الثالث : ما وجه تذكيره لفظ؟ وهلّا أنثه مطابقة للكلمة ، والجواب أن (لفظا) أعم من لفظة لأنه اسم جنس كـ (تمرة) (٦) [و ٢] وتمر تطلق على المفرد والمثنى والمجموع بخلاف تمرة ، فإنها لا تطلق إلا على واحد الجنس

__________________

(١) ينظر شرح المفصل ١ / ١٩ ، وشرح الرضي ١ / ٥.

(٢) ينظر شرح الرضي ١ / ٤.

(٣) العصر ، ١٠٣ / ٢.

(٤) ينظر شرح الرضي ١ / ٤.

(٥) يوسف ١٢ / ١٤ ، وتمامها : (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ.)

(٦) ينظر شرح الرضي ١ / ٥ ، وشرح التسهيل السفر الأول ١ / ٧.

٦٦

لا غير ، فلو قال : لفظه لزم في الحرف الواحد من (زيد) أن يكون كلمة ولا تجب المطابقة بين المبتدأ والخبر إلا إذا كان الخبر صفة مشتقة ، (ولفظ) وإن كان في المعنى ملفوظا به ، وهو صفة مشتقة ، فالعبرة بالأصل والأصل مصدر ، قال ابن الحاجب (١). قولنا لفظ أحسن من قولهم لفظة إشارة إلى قول الزمخشري (٢) ، ووجه واحد وإن أراد به عددا مخصوصا فلا دليل عليه وإن أراد جنس اللفظ ، فقولنا لفظ أعم وأخصر وأدفع للبس.

قوله : (وهي اسم ، وفعل ، وحرف) يعني أن الكلمة تنحصر في هذه الثلاثة لا غير ، وزاد الزمخشري (٣) رابعا وهو (المشترك) ، وطاهر (٤) جعلها عشرة ، لكن بينها أو بين اثنين منها. هذه التقسيمات ليست بزائدة على الاسم والفعل والحرف ، لأن المشترك لا يكون إلا بينها أو بين اثنين منها ، والرفع والنصب والجر وسائر ما زاده طاهر ، بعضه ليس من أقسام الكلمة ، كالحركات والجزم ، وأما العامل والتابع فمن أقسامها ، لكنه ذكرها باعتبار أمر آخر وهو كونه عاملا وتابعا ، وأما الخط فهو علم آخر وإنما قدم الاسم على الفعل لصحة الإخبار به وعنه ، نحو : (زيد قائم) ، و (القائم زيد) ، وقدم الفعل على الحرف لأنه يخبر به بخلاف الحرف ، فإنه لا يخبر به ولا عنه. فلذلك أخّره وقد قيل في قوله : وهي اسم وفعل وحرف ،

__________________

(١) ينظر الإيضاح شرح المفصل لابن الحاجب ١ / ٥٩.

(٢) ينظر المفصل ٦.

(٣) ينظر المصدر السابق.

(٤) طاهر بن أحمد بن بابشاذ ، مات سنة ٤٦٩ ه‍ من أشهر تصانيفه شرح الجمل للزجاجي ، شرح المقدمة المحسبة ، وتعليق في النحو ما يقارب خمسة عشر مجلدا. ينظر ترجمته في بغية الوعاة ٢ / ١٧ ، إنباه الرواة ٢ / ٩٦ ، معجم الأدباء ١٢ / ١٧ ، الإعلام ٣ / ٢٢٠ وينظر رأيه في شرح المقدمة المحسبة ٩١ ـ ٩٣ وقد عددها وهي : (الاسم ، والفعل ، والحرف ، والرفع ، والنصب ، والجر ، والجزم ، والعامل ، والتابع ، والخط).

٦٧

يلزمه أن تكون الكلمة مجموع الثلاثة ، لأن الواو تفيد الجمع ، فيكون قوله : (مرّ بزيد) كلمة واحدة فلوأتى بـ (أو) كان أولى ، وجوابه من وجهين :

أحدهما : أن الواو بمعنى (أو).

الثاني : أن التقسيم مع الواو على ضربين :

تقسيم للاسم إلى أجزائه ، كقوله : (السكنجين) خلّ وعسل وإلى جزيئاته ، كقولك : الحيوان : (إنسان وفرس) ، والكلمة (اسم وفعل وحرف) فهذا لا يلزم فيه الاجتماع بخلاف الأول ، والفرق بين الجزئي والأجزاء ، أن الجزئي يدخل تحت الكلي ، ويكون الكلي خبرا عنه ، نقول الإنسان حيوان ، والاسم كلمة ، ولا يدخل الجزء تحت الكلي ولا يخبر بالكلي عن الجزء ، لا تقول : الزنجبيل سكنجين (١).

قوله : (لأنها إمّا تدل على معنى في نفسها أولا [الثاني الحرف إما أن يقترن بأحد الأزمنة الثلاثة أولا ، الثاني الاسم ، والأول الفعل](٢)) ، الدليل على انحصار الكلمة في هذه الأقسام ، العقل والسمع ، أما العقل فالقسمة الدائرة بين النفي والإثبات ، حيث قال : (لأنها إمّا أن تدل على معنى في نفسها أولا) ، الثاني الحرف : (وهو إن لم يدل) والأول : وهو إن دلت ، إما أن تقترن بأحد الأزمنة الثلاثة أولا.

__________________

(١) السكنجين : خل وعسل ، وينظر شرح الرضي ١ / ٦ والعبارة منقولة عن الرضي بتصرف.

والسكنجين كلمة أعجمية معناها الشراب المتخذ من حامض وحلو.

(٢) ما بين الحاصرتين زيادة من الكافية المحققة.

٦٨

الثاني : الاسم : وهو إن لم يقترن ودلت على معنى في نفسها ، والأول الفعل ، وهو إن اقترنت بأحد الأزمنة الثلاثة ودلت على معنى في نفسها وذلك لأن القسم ثلاث ، قسمة دائرة بين إثباتين ، نحو : (زيد في الدار أو في السوق) ، فهذه يجوز دخول متوسط بينها ، وقسمة بين نفيين ، نحو : (زيد لا في الدار ولا في السوق) ، فهذه أيضا يجوز دخول متوسط بينها ، وقسمة دائرة بين نفي وإثبات نحو : (زيد في الدار أولا؟) فهذه لا يجوز دخول متوسط بينها ، وقسمة أسنخ (١) من الدائرة بين النفي والإثبات.

وأما السمع فما روي عن أمير المؤمنين عليّ (عليه السّلام) أنه قال لأبي الأسود الدؤلي (٢) يا أبا الأسود ، اقسم لهم الكلام إلى ثلاثة أقسام (اسم وفعل وحرف).

قوله : (وقد علم بذلك حدّ كل واحد منها) يعني قد علم بهذا التقسيم حدّ كل واحد من الاسم والفعل والحرف ، فإن قيل فلم حقق كل واحد منها بعد ذلك؟

قلنا هذا على سبيل الجملة ، وتحقيق كل واحد منها [٢ ظ] على انفراده على سبيل التفصيل.

قوله : (الكلام) اسم مصدر كالطلاق والعتاق ، لأنه من كلّم وقياسه

__________________

(١) السّنخ الأصل من كل شيء ، ورجع فلان إلى سنخ الكرم ، والسّنخ والأصل واحد ، ينظر اللسان مادة (سنخ) ، ٣ / ٢١١٤.

(٢) أبو الأسود الدؤلي ظالم بن عمرو أول من وضع أسس النحو ، وهو من سادات التابعين ، صحب عليا رضي الله عنه ، وهو ثقة شيعي شاعر روى عن عمر وعلي وابن عباس وأبي ذر وغيرهم توفي سنة ٦٩ ه‍. ينظر ترجمته في البغية ٢ / ٢٢ ، ٢٣ ، ومعجم الأدباء ١٢ / ٣٤ ـ ٣٨ وفيات الأعيان ١ / ٢٤٠ ، والإصابة في تممييز الصحابة ٧ / ١٣ وإنباه الرواة ١ / ٤٨ وما بعدها.

٦٩

تكليما. وقيل : هو مصدر لأنه قد عمل ، قال الشاعر :

[٢] فأشفى نفسى من تباريح ما بها

فإن كلاميها شفاء لما بيا (١)

والكلام يستعمل في اللغة وفي الاصطلاح ، أما اللغة فيستعل في معان ثلاثة (٢) على ما في النفس من إرادة الكلام وترتيبه وليس بمعنى مستقل قال :

[٣] إن الكلام لفى الفؤاد وإنما

جعل اللسان على الفؤاد دليلا (٣)

وعلى الخط لما بين دفتي المصحف تقول : هذا كلام الله ، وعلى الإشارة قال الشاعر :

[٤] إذا كلمتنى بالعيون الفواتر

أجبت عليها بالدموع البوادر (٤)

__________________

(١) البيت من الطويل وهو بلا نسيبة في شرح المفصل ١ / ٢١ وقبله :

ألا هل إلى ريّا سبيل وساعة

تكلّمني فيها من الدهر خاليا

وهمع الهوامع ١ / ٩٥ والبيتان لذي الرمة في الدرر ٥ / ٢٦٣. والشاهد فيه قوله : (كلاميها) حيث أعمل اسم المصدر (كلام) قال شارح المفصل ابن يعيش. وذهب الأكثرون إلى أنه اسم للمصدر وذلك لأن فعله الجاري عليه لا يخلو من أن يكون كلّم مضاعف العين مثل سلّم أو تكلم ، فكلّم فعل يأتي مصدره على التفعيل ، وتكلّم مثل تفعّل يأتي مصدره على التفعّل فثبت أن الكلام اسم للمصدر والمصدر الحقيقي التكليم والتسليم انته كلامه (١ / ٢).

(٢) ينظر شرح شذور الذهب ٥٢ ، وقد ذكر ابن هشام هذه المعاني الثلاثة.

(٣) البيت من الكامل وهو للأحظل كما في شرح شذور الذهب ٥٤ وينظر شرح المفصل ١ / ٢.

الشاهد فيه قوله : أنه استعمل الكلام على ما في النفس من معنى ، وأن العرب تطلق الكلام على المعنى الموجود في النفس.

(٤) ذكره أبو حيان في البحر المحيط ٢ / ٤٧٢ ، ولم ينسبه.

٧٠

وأما الاصطلاح فقوله : (ما تضمن كلمتين بالإسناد). فقوله : (ما) جنس للحدّ ، فلو قال : (قول تضمّن) ، أو كلمتان أسندت إحداهما إلى الأخرى لكان أولى (١) ، ويدخل في (تضمن) المنطوق به ، نحو : (زيد قائم) ، والمقدر نحو : (قم) بخلاف ما لو قال : (تركّبت) ، لأن التركيب يستدعي التعدد لفظا ، قال ابن الحاجب (٢) قوله : (كلمتين) ، يحترز عن الكلمة الواحدة ، وقوله بالإسناد : يعني (المفيد) كإسناد الجمل ، ويخرج المضاف والمضاف إليه وسائر المركبات لأن إسنادها غير مفيد ، لأن المراد بالإسناد ، نسبة أحد الجزأين إلى الآخر لإفادة المخاطب ، ولا يقال : هذا إضمار في الحد ، لأن اللام للعهد ، إذ المشهور من الإسناد في اصطلاح النحاة : إسناد الجمل وهو المفيد ، ويرد على حده من إسناد الجمل نحو : (إن قام زيد) ، فإنه تضمن كلمتين بالإسناد وليس بكلام ، فقيل : إنّ دخول حرف الشرط حالة عارضة ولا عبرة به ، وقال الأندلسي (٣) والإمام يحيى (٤) بن حمزة : لا بد في الحد من أن يقال : (وحسن السكوت عليه) (٥).

__________________

(١) ينظر شرح المفصل ١ / ٢.

(٢) ينظر شرح المصنف ٦.

(٣) الأندلسي هو القاسم بن أحمد بن الموفق بن جعفر الأندلسي الإمام أبو محمد اللورقي النحوي المتوفى ٦٦١ ه‍. قال ياقوت عنه : إمام في العربية عالم بالقراءات صنف شرح المفصل في أربعة مجلدات ، وشرح الجزولية والشاطبية ينظر ترجمته في البغية ٢ / ٢٥٠ ، ومعجم الأدباء ١٦ / ٢٣٤.

(٤) الإمام يحي بن علي بن إبراهيم العلوي الطالبي ولد ٦٦٩ ه‍ ومات ٧٤٥ ه‍ له مصنفات كثيرة في أكثر العلوم العربية والإسلامية منها الأزهار الصافية في شرح المقدمة الكافية ، وشرح الطراز في البلاغة.

تنظر ترجمته في البدر الطالع ٢ / ٣٣١ ، والأعلام ٨ / ١٤٣ ـ ١٤٤ ، وينظر رأيه في الأزهار الصافية شرح المقدمة الكافية ٢٦ ـ ٢٧.

(٥) وهذا ما ذهب ابن مالك في ألفيته وهو ما اصطلح عليه النحاة وهو اللفظ المفيد فائدة ـ يحسن السكوت عليها) ينظر شرح ابن عقيل ١ / ١٤ ، وشرح المفصل ١ / ٢٠ ، قال ابن مالك في الألفية :

كلامنا لفظ مفيد كاستقم

واسم وفعل ثم حرف الكلم

٧١

قوله : (ولا يتأتى ذلك إلا في اسمين أو اسم وفعل). وأجازه الفارسي في حرف واسم (١) نحو : (يا زيد) بدليل حسن السكوت عليها ، وأجاب البصريون (٢) بأن (يا) في معنى الفعل كأنك قلت (أدعوزيدا) وعلى كلام بعضهم لا إشكال ، لأنه يقول باسمية حرف النداء ، فقد يأتي من اسمين ، وإنما لم يأت الكلام إلا في اسمين نحو : (زيد قائم) أو في فعل واسم نحو : (قام زيد) ، لأن التركيب الممكن يرتقي إلى اثنتي عشرة مسألة ، لأن معنى ثلاثة ، اسم وفعل وحرف ، وتركيب كلّ واحد منها مع نفسه ومع أحدهما على البدل ، ومعهما جميعا فخمس متكررة وواحدة مركبة من اسم وفعل وحرف ، فبقي ستة ، اسم مع اسم ، واسم مع فعل ، واسم مع حرف ، وفعل مع فعل ، وفعل مع حرف ، وحرف مع حرف ، ولا يصح من هذه المركبات إلا اثنان ، اسم مع اسم ، واسم مع فعل نحو : (زيد قائم) و (قام زيد) ، فالأول جملة اسمية ، والثاني فعلية ، وإنما لم يتأت إلا منهما لأنه لا بد من مسند ومسند إليه ، وقد حصل فيهما ، ولم يتأت في غيرها ، إمّا لعدم المسند والمسند إليه كالحرف مع الحرف ، أو لعدم المسند إليه كالفعل مع الفعل ، وكالفعل مع الحرف ، أو لعدم المسند كالاسم مع الحرف ، ولا يرد عليه (يا زيد) لأن الحرف نائب مناب الفعل ، على الصحيح.

__________________

(١) ينظر كتاب المقتصد في شرح الإيضاح ١ / ٩٥ ، وكتاب (البيان) شرح (اللمع) لابن جني ١ / ٢٠ إملاء الشريف عمر بن إبراهيم الكوفي المتوفى ٥٣٩ ه‍. والهمع ١ / ٣٣ ـ ٣٤.

(٢) ينظر الأنصاف ١ / ٣٢٦ مسألة رقم ٤٥ ، المنادى المفرد العلم معرب أو مبني ، وشرح المفصل ١ / ١٢٧.

٧٢

قوله : (الاسم) اختلف في اشتقاقه ، فعند البصريين أنه مشتق من السّمو (١) وهو العلو والارتفاع ، لأنه سمى به إلى العقل فأخرجه إلى الوجود قال الشاعر : [ظ ٣]

[٥] دنوت تواضعا وسموت مجدا (٢)

 ...

فالمحذوف لامه ، وعند الكوفيين أنه مشتق من السّمة وهي العلامة ، فالمحذوف فاؤه ، قال ثعلب : الاسم سمة توضع على المسمى ليعرف بها ، قال الشاعر :

[٦] عوى ثم نادى هل أحصتم قلاصنا

وسمن على الأفخاذ بالأمس أربعا (٣)

__________________

(١) ينظر الإنصاف في مسائل الخلاف لابن الأنباري ١ / ٦ المسألة رقم ١ الاختلاف في أصل اشتقاق الاسم ، واللسان مادة سمو ووسم ، وشرح المفصل لابن يعيش ١ / ٢٢ وما بعدها ، وفي كتاب إيضاح الوقف والابتداء لأبي بكر بن الأنباري ، وهو كوفي يقول : إن الاسم مشتق من السمو وكذا نقل عن ثعلب ذلك ، كما في اللسان مادة سما ٣ / ٢١١٠ ، وبذلك تنتفي دعوى الخلاف في اشتقاق الاسم بين البصريين والكوفيين.

(٢) صدر بيت من الوافر ، ينظر اللسان مادة (سمو) ٣ / ٢١١٠. والشاهد فيه قوله : (سموت) حيث جاء سمو مشتق من السمو كما هو رأي البصريين.

(٣) البيت من الطويل وهو بلا نسبة كما في اللسان مادة (سما) وأنشده ثعلب مع ثلاثة أبيات أخر كما ذكر صاحب اللسان قال : وقد سموا واستموا إذا خرجوا للصيد ، وقال ثعلب استمانا : أصادنا واستمى : تصيد وأنشد ثعلب هذه الأبيات دون أن ينسبها :

عوى ثم نادى هل أحصتم

وسمن على الأفخاذ بالأمس

غلام أضلته النّبوح فلم يجد

له بين خبت والهباءة أجمعا

أناسا سوانا فاستمانا فلا ترى

أخا دلج أهدى بليل وأسمعا

وكأن معنى وسمن في البيت كما قال ثعلب. وهو الجورب من الصوف يلبسه الصائد ويخرج إلى الظباء نصف النهار ، فتخرج من أكنستها ويلدّها حتى تقف فيأخذها.

٧٣

ودليل البصريين (١) على أنه من السمو : التصغير والتكسير والإضمار ، لأن التصغير والتكسير يردان الأشياء إلى أصولها ، وهم يجمعون على أسماء وسميّ وسمّيت ، وقياس الكوفيين أوسام ووسيم ووسمت ، ولم يقل بذلك أحد. وفيه خمس لغات اسم اسم سم سم [سم](٢) وسما (٣).

[٧] فضمّ واكسر وذا فى السين إن حذفت

والحذف والضّم في مقصوده لزما

وقطع همزته في الشعر ليس به

بأس ، ولولاه في هذا لما فهما (٤)

قوله : (الاسم ما دل على معنى في نفسه غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة) قوله : (ما) جنس للحد ، فلو قال (كلمة) كان أولى (دل على معنى) خرجت المهملات في (نفسه) ، خرج الحرف ، ومحلّ (في نفسه) الجرّ صفة لـ (معنى) وضمير (نفسه) عائد إلى (معنى) عند المصنف (٥) ، والصحيح أنه عائد إلى (ما) لأن المراد بها كلمة ، وهي على بابها لا بمعنى الباء (٦) ،

__________________

(١) ينظر الإنصاف ١ / ٦ مسألة رقم (١) وينظر اللسان مادة (سما).

(٢) ما بين الحاصرتين مكررة.

(٣) ينظر اللسان مادة (سما) ٣ / ٢١٠٧ ، ومادة (وسم) ٦ / ٤٨٣٨. والتي أثبتها الشارح ستة مع تكرار واحدة. وفي اللسان عدّها أربعا وقال : وألفه ألف وصل وربما جعلها الشاعر ألف قطع للضرورة كقول الأحوص.

وما أنا بالمحسوس في جذم

ولا من تسمى ثم يلتزم الاسما

اللسان ٣ / ٢١٠٩ ، وقد كرر (سم) مرتين.

(٤) والمفهوم من هذين البيتين لغات خمس وليس ستا.

(٥) ينظر شرح المصنف ٧. ينظر شرح الرضي ١ / ١١.

(٦) يريد أن هاهنا للظرفية وليست بمعنى الباء.

٧٤

كما قال بعضهم و (غير) صفة بعد صفة لقوله (معنى).

قوله (غير مقترن بأحد الأزمنة) ، خرج الفعل وبعض الاسم ، نحو (الصبوح والغبوق) (١) (الثلاثة) ، رجع (الصبوح) و (الغبوق) ويعني بالثلاثة : (الماضي والحاضر والمستقبل) ، ويرد على حده إشكالات أربعة :

الأول : الخطوط والعقود والإشارات (٢) والنصب فإنها دالة على معنى في نفسها غير مقترنة بأحد الأزمنة الثلاثة وليست بأسماء. وجوابه أنه اتكل على مورود القسمة كأنه قال : الاسم كلمة ، والعقود ونحوها ليست من جنس الكلام.

الثاني : الفعل المضارع نحو (٣) (يقوم) و (يضرب) على القول بالاشتراك فإنه دال على معنى في نفسه غير مقترن بأحد الأزمنة ، والجواب أن الاعتبار بالمتكلم ، ولم يقصد إلا أحد معنييه ، واللبس إنما حصل على السامع ولا عبرة به.

الثالث : اسم الفاعل : (٤) إذا أريد به أحد الأزمنة نحو : (زيد ضارب عمرا) ، وأجيب بأن أصله أن يكون صفة ، كقولك : (رجل مالك العبد) فإنه صفة محضة ، وإنما عرض له الاقتران في بعض مواضعه لأجل الاشتقاق ، والاشتقاق عارض ، والعارض لا يخرج الأشياء عن أصولها (٥) ألا ترى أن قولك (إن قام زيد قمت) يحكم عليه ، ولكن لا عبرة

__________________

(١) ينظر شرح المصنف ٧ ، وشرح الرضي ١ / ١١.

(٢) ينظر شرح شذور الذهب لابن هشام ٥٤ وما بعدها.

(٣) ينظر شرح المصنف ٧ ، شرح الرضي ١ / ١١.

(٤) ينظر شرح الرضي ١ / ١١.

(٥) ينظر المصدر السابق.

٧٥

بالعارض ، قال ابن الحاجب : (١) وهذا الاعتراض أشكل من المضارع ، أي أكثر إشكالا ، وإنما كان أكثر لأن الفعل المضارع داخل في الاسم ، واسم الفاعل خارج عنه ، والشيء يدخل بأدنى ملابسة بخلاف الخروج.

الرابع : الأفعال التي لا تتصرف كـ (نعم) (٢) و (بئس) وأخواتهما فإنها دالة على معنى في نفسها غير مقترنة بزمان ، فيدخل في حد الاسم ما ليس منه ، وأجيب بأن الأصل فيه التصرف ، ولكن سلبت التصرف لإفادة معنى ، وهو المدح العام والذم العام ، ألا ترى إلى قول البائع : (بعت) [ظ ٣] والمشتري (اشتريت) فإنهما خرجا من الاقتران لعروض الإنشاء فيهما ، وذلك لا يخرجهما عن الفعلية ، قال الشيخ : (٣) وهذا أشكل من اسم الفاعل ، وجه إشكاله أنها لم توجد متصرفة ولهذا حكم بعضهم باسميتها ، ولأن اسم الفاعل لم يحصل فيه اللبس إلا بواسطة ، وهي عمله أو إضافته ، وهذه الأفعال اللبس حاصل فيها من غير واسطة.

قوله : (ومن خواصه) (من) تبعيضية (٤) لأن خواص الاسم كثيرة ، لكن لم يذكر منها إلا ما اشتهر ، وأكثر استعمالا ، والخواص جمع خاصّة (٥) ، كـ (دواب) جمع (دابة) ، ومعرفة الاسم تكون بالحد وبالخاصّة ، والفرق بينهما من وجهين :

أحدهما : أن الحد يعم أجزاء المحدود ، والخواص بخلاف ذلك.

__________________

(١) ينظر شرح المصنف ٧.

(٢) ينظر المصدر السابق.

(٣) ينظر شرح المصنف ٧.

(٤) ولها معان أخر مذكورة في مواضعها. منها البيانية ـ وابتداء الغاية ـ والتعليل والبدل (ينظر الجنى الداني ٣٠٨ وما بعدها.

(٥) ينظر شرح المفصل ١ / ٢٤ ، واللسان مادة (خصص) ٣ / ١١٧٣.

٧٦

الثاني : أن الحد يطرد وينعكس والخاصّة تطرد ولا تنعكس ، وحقيقة الطرد أن تأتي بالحد إلى جانب (كل) ، وتخبر بالمحدود أخيرا. فتقول : كل ما دل على معنى في نفسه غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة فهو اسم ، وحقيقة العكس أن تأتي بالحد إلى جانب كل ، وتخبر بالمحدود أخيرا فنقول : كل اسم فهو دالّ على معنى في نفسه غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة هذه حقيقة المنطقين ، والنحويون يعكسون ذلك ، فتقول : في الخاصة كل ما دخله الألف واللام فهو اسم ، فهذا اطراد (١) ولا يصح العكس لأن كثيرا من الأسماء لا تدخله الألف واللام ، كالضمائر والأعلام وخواص الاسم على ضربين : لفظية ومعنوية ، فاللفظية : اللام والجر بحرف والتنوين ، والمعنوية : الإسناد إليه والإضافة (٢).

قوله : (دخول اللام) وكان الأولى أن يقول : حرف التعريف ليدخل (أل) وإنما اختص بالاسم ، فلأنه محكوم عليه بالإخبار عنه ، ولا يحكم على الشيء إلا بعد معرفته ، والأفعال أحكام يخبر بها ، وحق الخبر أن يكون مجهولا ليفيد المخاطب فلم يقبل التعريف ، وقد شذ دخول اللام على الفعل نحو قول الشاعر :

[٨] ما أنت بالحكم الترضى حكومته

ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل (٣)

__________________

(١) ينظر شرح الرضي ١ / ١٣ ، وشرح المفصل ١ / ٢٥. وما بعدها.

(٢) وهذا ما ذهب إليه شارح المفصل ابن يعيش في ١ / ٢٤ حيث قال : (وإنما قال حرف التعريف ولم يقل حرف الألف واللام على عادة النحويين لوجهين أحدهما أن الحرف عند سيبويه اللام وحدها والهمزة دخلت توصلا إلى النطق بالساكن وعند الخليل أن التعريف بالألف واللام جميعا وهما حرف واحد مركب من حرفين).

(٣) البيت للفرزدق وهو من البسيط ، ينظر اللسان مادة (أمس) ١ / ٣٠ ، والإنصاف مسألة في علة بناء الآن ٢ / ٥٢١. شرح شذور الذهب ٤٠. والرصف ١٦٢ ـ ٢٢٥ ، والجنى ٢٠٢ ، والهمع ١ / ٢٤٩.

والشاهد فيه : دخول (أل) الموصولة على الفعل المضارع وهذا خلاف القاعدة بأن (أل) مختصة بالاسم ولذلك عدّ بيت الفرزدق هذا شاذا لا يقاس عليه ويروى ولا البليغ بدل الأصيل.

٧٧

قوله : (والجر) ولم يقل حرف الجر ، لأنه قد يدخل على الفعل على سيبل الحكاية ، وتقول (زيد) مرفوع لـ (قام) ، قاله ركن الدين (١) واعترضه صاحب البرود بأن الفعل قد صار (هذا) اسما ، وإنما التعليل أن يدخل على الفعل إذا كان صفة لموصوف محذوف نحو :

[٩] والله ما ليلى بنام صاحبه

ولا مخالط الليان جانبه (٢)

وإنما كانت من خواص الاسم لأنها وضعت لتوصل معاني الأفعال إلى الأسماء ، ولأن الجر علم المضاف والأفعال لا تقع مضافا إليه ، لأن المضاف إليه محكوم عليه ، والأفعال أحكام.

قوله : (والتنوين) (٣) يريد تنوين التمكين والتنكير والعوض والمقابلة ،

__________________

(١) ركن الدين الاستربادي ، هو الحسن بن محمد بن شرف شاه العلوي الاسترآبادي أبو الفضائل توفي ٧١٥ صنف شرح مقدمة ابن الحاجب بثلاثة شروح أشهرها المتوسط ، والشافية في التصريف ، ينظر ترجمته في بغية الوعاة ١ / ٥٢١ ـ ٥٢٢ ، والأعلام ٢ / ٢١٥ ، ينظر رأيه في الوافية شرح الكافية ٨.

(٢) الرجز للقناني في شرح أبيات سيبويه ٢ / ٤١٦ وينظر الخصائص ٢ / ٣٦٦ ، والإنصاف ١ / ١١٢ ، مسألة رقم ٦٤ وشرح المفصل لابن يعيش ٣ / ٦٢ ، وشرح الرضي ٢ / ٣١٤ ، وشرح قطر الندى ٢٩ ، واللسان مادة (نوم) ٦ / ٤٥٨٤ ، وهمع الهوامع ١ / ١٣ ، وخزانة الأدب ٩ / ٣٨٨.

والشاهد فيه قوله : (بنام صاحبه) حيث دخل حرف الجر على محذوف والتقدير : بمقول فيه :

(نام صاحبه) فحذف القول وبقي المحكي فيه.

(٣) ينظر شرح المفصل ٩ / ٢٥ وما بعدها ، وشرح الرضي ١ / ١٣ ، وشرح التسهيل السفر الأول ١ / ١١.

٧٨

ما خلا الترنم ، فإنه لا يختص بالاسم وإنما اختص به تنوين التمكين لأنه دليل على تمكن الاسم في الإعراب ، والأفعال غير متمكنة فيه ، وتنوين التنكير لأنه دليل على تنكير أسماء مخصوصة كانت معارف ، والأفعال نكرات من أول وهلة لا يدخلها التعريف ، فلم تحتج إلى تنكير وتنوين العوض لأنه [ظ ٤] في الأصل عوض عن حذف المضاف إليه ، والأفعال لا تضاف وما كان عوضا عن حرف أو إعلال محمول على العوض في المضاف إليه وتنوين المقابلة ، لأنه عوض عن نون الجمع في المذكر السالم والأفعال لا تجمع (١).

قوله : (الإسناد إليه) يعني كونه فاعلا أو مبتدأ هذه العلامات المعنوية ، وإنما كان الإسناد إليه من خواص الاسم (٢) ، لأنه وضع لأن يسند ويسند إليه ، لأنه محكوم عليه ، والأفعال محكوم بها ، فلم تقع إلا مسندة دائما ، فلو أسند إليها لكانت مسندة ومسندا إليها في حالة واحدة وهو محال.

قوله : (والإضافة) يريد الإضافة لا بحرف ملفوظ به ، نحو : (غلام زيد وضارب زيد) ، بخلاف الإضافة بحرف ملفوظ به ، نحو : (مررت بزيد) فإنّ (مررت) مضافا إلى (زيد) بواسطة حرف جر ، وإنما كانت الإضافة لا بحرف ملفوظ به من خواص الاسم ، لأنها لا تخلو من تعريف (٣) أو تخصيص أو تخفيف ، ولا يصح ذلك في الفعل لأنه لا يتعرف ولا يتخصص لتوغله في التنكير ، والتخفيف إنما يكون بسقوط تنوين أو نون تثنية أو جمع ، والفعل لا ينون ولا يثنى ولا يجمع.

__________________

(١) ينظر شرح الرضي ١ / ١٣.

(٢) ينظر حاشية شرح الرضي ١ / ١٥ ، وشرح التسهيل السفر الأول ١ / ٩ وما بعدها.

(٣) ينظر شرح المفصل ١ / ٢٥ ، وشرح التسهيل السفر الأول ١ / ١١.

٧٩

قوله : (وهو معرب ومبني) ، تقسيم للاسم ، لأنه لا يخلو إما أن يختلف آخره باختلاف العامل لفظا أو تقديرا أولا ، إن اختلف فهو المعرب ، وإن لم فهو المبني ، وأثبت ابن جني (١) قسما ثالثا ، لا معربا ولا مبنيا كالمضاف إلى ياء المتكلم أو الأسماء غير المركبة ، كالتعداد وحروف التهجي لعدم حصول سبب البناء وموجب الأعراب.

قوله : (فالمعرب المركب الذي لم يشبه مبنيّ الأصل) (٢) ، فقوله :

(المركب) كالجنس للحد لأنه عمّ التراكيب الأربعة تركيب المزج كـ (بعلبك) ، والبناء كـ (خمسة عشر) ، (وسيبويه) ، والإضافة كـ (غلام زيد) ، والجمل كـ (قام زيد) و (زيد قائم) وهو الذي أراد هنا ، وخرجت حروف التهجي والتعداد فإنها غير معرفة لفوات العقد والتركيب ، قوله : (الذي لم يشبه مبني الأصل) ، خرج ما أشبه مبني الأصل وهي أمور ستة :

١ ـ تضمن الحرف.

٢ ـ وشبه الحرف.

٣ ـ وشبه ما أشبه الحرف.

٤ ـ وما وقع موقع الفعل.

٥ ـ وما أشبه ما وقع موقعه.

٦ ـ وما أضيف إلى غير المتمكن ، ومبني (٣) الأصل : الحروف وبعض

__________________

(١) ينظر البيان شرح اللمع ١ / ٢٠ ، للكوفي الشريف عمر بن إبراهيم ت ٥٣٩.

(٢) قال الرضي في ١ / ١٦ : (هذا حد معرب الاسم لا مطلق المعرب لأنه في صنف الأسماء فلا يذكر إلا أقسامها).

(٣) ينظر شرح المصنف ٨. ينظر شرح الرضي ، ١ / ١٦ وقال الجرجاني في هامش الرضي : (قوله ـ مبني الأصل فيه مناقشة تظهر بالتأمل في الفرق بين أن يقال هذا مبني الأصل ، وهذا أصله البناء ، إذ المتبادر من الأول أن المشار إليه متصف بالبناء وذلك بحذف الأصالة دون العروض المتبادر من الثاني أن أصله أن يبنى سواء بني كما هو أصله أو عرض له الإعراب وينحصر مبني الأصل في الأمور الثلاثة والجملة من حيث هي).

٨٠