النّجم الثاقب - ج ١

صلاح بن علي بن محمّد بن أبي القاسم

النّجم الثاقب - ج ١

المؤلف:

صلاح بن علي بن محمّد بن أبي القاسم


المحقق: الدكتور محمّد جمعة حسن نبعة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٥
الجزء ١ الجزء ٢

وأجيب بأنه في معنى الفعل ، أي لا ينبغي لك فاحتج الكوفيون بنحو :

(لا بصرة لكم) و (لا أبا حسن لها) (١).

[٢٧٢] ...

 ... ولا أمية في البلاد (٢)

[٢٧٣] لا هيثم الليلة للمطى (٣)

 ...

وأجيب بجوابين أحدهما : أنه مقدر بمثل حيث يمكن نحو (ولا مثل أبي حسن) و (لا مثل هيثم) و (لا مثل بصرتكم إذا كان لها مثل ، فحذف (مثل)

__________________

(١) ينظر الكتاب ٢ / ٢٩٦.

(٢) قطعة بيت من الوافر ، وتمامه :

أرى الحاجات عند أبي خبيب

نكدن ولا أمية في البلاد

وهو لعبد الله بن الزبير في ملحق ديوانه ١٤٧ ، وله ولغيره ، وينظر الكتاب ٢ / ٢٩٧ ، وشرح بيات سيبويه ١ / ٥٦٩ ، والمقتضب ٤ / ٣٦٢ ، وشرح المفصل ٢ / ١٠٢ ـ ١٠٤ ، وشرح التسهيل السفر الأول ٢ / ٦٣٦ ، وشرح الرضي ١ / ٢٦٠ ، وشرح شذور الذهب ٢٣٥ ، ورصف المباني ٣٣٣ ، وخزانة الأدب ٤ / ٦١ ـ ٦٢ ، وفي الرصف للبلاد بدل في البلاد.

والشاهد فيه قوله : (ولا أمية) حيث وقع اسم لا النافية للجنس معرفة وأوّل على تقدير ولا مثل أمية.

(٣) هذا شطر بيت من الرجز وهو لبعض بني دبير ، وينظر الكتاب ٢ / ٢٩٦ ، والمقتضب ٤ / ٣٦٢ ، وأمالي ابن الشجري ١ / ٢٣٩ ، وشرح المفصل ٢ / ١٠٢ ـ ١٠٣ ، وشرح التسهيل السفر الأول ١ / ٢٣٩ ، وشرح الرضي ١ / ٢٦٠ ، ورصف المباني ٣٣٢ ، والخزانة ٢ / ٩٨.

والشاهد فيه قوله : (لا هيثم) حيث نصب هيثم بلا وهو علم معرفة والذي سوغ مجيء اسم لا النافية للجنس معرفة وهو كما قاله الشارح مقدر بمثل.

٥٠١

وأقيم المضاف إليه مقامه.

الثاني : أن يراد نفي المماثل وهو في المعنى نكرة كأن قيل (ولا أبا حسن يوجد مثل أبي حسن) و (لا هيثم يوجد مثل هيثم الليلة).

قوله : (ومثل : لا حول ولا قوة إلا بالله خمسة أوجه) يعني ما كان منفيا وكررت فيه (لا) وما بعدها ، فإنه يكون فيه خمسة أوجه ؛ الأول :فتحهما ، و (لا) على بابها لنفي الجنس وهما جملتان والخبر فيهما محذوف تقديره (لا حول لنا ولا قوة لنا) (١) وعليه قوله تعالى : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ)(٢).

الثاني : (فتح الأول ونصب الثاني) [ورفعه](٣) الأولى لنفي الجنس ، والثانية : وائدة للتأكيد والجملة بعدها عطف على لفظ الأولى ، وعليه :

__________________

(١) فتحهما كالتالي :

١ ـ لا حول ولا قوة إلا بالله.

٢ ـ لا حول ولا قوة إلا بالله.

فالأولى مبني على الفتح في محل نصب اسم لا. والثانية : معطوفة على محل الأولى منصوبة بالفتحة الظاهرة.

٣ ـ لا حول ولا قوة إلا بالله.

٤ ـ لا حول ولا قوة إلا بالله.

٥ ـ لا حول ولا قوة إلا بالله.

هذه هي الأحوال الخمسة التي ذكرها الشارح في هذه الصيغة ، وينظر شرح الرضي ١ / ٢٦٠ ـ ٢٦١ ، وفي المفصل عدد ستة أوجه (ينظر المفصل ٨١).

(٢) البقرة ٢ / ١٩٧ ، تمامها : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ ...).

(٣) ما بين الحاصرتين زيادة من الكافية المحققة.

٥٠٢

[٢٧٤] لا نسب اليوم ولا خلة

اتسع الرقع على الراقع (١)

الثالث : (فتح الأول ورفع الثاني عطفا على المحل) ولا زائدة يحتمل أن تكون بمعنى (ليس) وعليه قوله :

[٢٧٥] هذا وجدكم الصغار بعينه

لا أم لي إن كان ذاك ولا أب (٢)

الرابع : (رفعهما) يحتمل أن يكونا لنفي الجنس ، ورفعهما المطابقة السؤال وبمعنى (ليس) أو الأولى بمعنى (ليس) ، والثانية زائدة وعليه (لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ)(٣).

__________________

(١) البيت من السريع وهو لأنس بن العباس بن مرداس كما في الكتاب ٢ / ٢٨٥ ـ ٣٠٩ ، وله ولغيره ، وينظر ذيل سمط اللآلئ ٣ / ٣٧ ، وشرح المفصل ٢ / ١٠١ ـ ١٣٥ ، وأمالي ابن الحاجب ١ / ٤١٢ ، وشرح الرضي ١ / ٢٦٠ ، وأوضح المسالك ٢ / ٢٠ ، وشرح شذور الذهب ١٢١ ، وشرح ابن عقيل ١ / ٤٠٠ ، ومغني اللبيب ٢٩٨ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٠١ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٣١٥ ، وهمع الهوامع ٥ / ٢٨٨.

ويروى اتسع الخرق على الراتق ولم أجد في المصادر التي اطلعت عليها (الرقع)

والشاهد فيه قوله : (ولا خلة) حيث نصب على تقدير أن تكون لا زائدة للتأكيد ويكون خلة معطوفا بالواو على محل اسم لا وهو قوله نسب وهذا ما ذهب إليه الشارح.

(٢) البيت من الكامل وهو من الشواهد الشعرية المختلف في نسبتها وأكثر المراجع ذكرت أنه لرجل من مذحج وله ولغيره ، وينظر الكتاب ٢ / ٢٩٢ ، والمقتضب ٤ / ٣٧١ ، واللمع ١٢٩ ، وحماسة البحتري ٧٨ ، وسمط اللآلئ ١ / ٢٨٨ ، والمفصل ٧٩ ، وشرحه لابن يعيش ٢ / ٢٩٢ ، وأمالي ابن الحاجب ٢ / ٥٩٣ ـ ٨٤٧ ، وشرح الرضي ١ / ٢٦٠ ، والمغني ٧٧٣ ، وشرح شواهده ٢ / ٩٢١ ، ورصف المباني ٣٣٨ ، وشرح ابن عقيل ١ / ٤٠١ ، وخزانة الأدب ٢ / ٣٨ ـ ٤٠.

ويروى لعمركم بدل وجدكم.

الشاهد فيه قوله : (ولا أب) حيث جاء مرفوعا حيث أنه أعمل لا عمل ليس وأن اسمها وخبرها محذوف وفيها وجهان آخران وهما : أن يكون معطوفا على محل لا مع اسمها ، أو أن تكون لا نافية غير عاملة أصلا بل هي زائدة وأب مبتدأ خبره محذوف.

(٣) البقرة ٢ / ٢٥٤.

٥٠٣

وقوله :

[٢٧٦] ...

لا ناقة لي في هذا ولا جمل (١)

الخامس قوله : (ورفع الأول على ضعف وفتح الثاني) إنما ضعف الأول لأن (لا) فيه بمعنى (ليس) وهي قليلة ، والثانية لنفي الجنس وعليه :

[٢٧٧] فلا لغو ولا تأثيم فيها

وما فاهوا به أبدا مقيم (٢)

والقياس في هذه المسألة ستة عشر وجها لأن الذي بعد (لا) يكون فيه أوجه (فتح ورفع ونصب وضم) وفي الثانية أربعة ، وأربعة في أربعة ستة عشر ، لكن لم يرد السماع إلا في الخمسة وباقيها ممتنعة.

__________________

(١) هذا عجز بيت من البسيط وصدره :

وما صرمتك حتى قلت معلنة

وهو للراعي النميري في ديوانه ١٩٨ ، وينظر الكتاب ٢ / ٢٩٥ ، واللمع ١٢٨ ، وشرح المفصل ٢ / ١١١ ـ ١١٣ ، وشرح الرضي ١ / ٢٦٠.

ويروى في هامش شرح الرضي وما هجرتك.

الشاهد فيه قوله : (لا ناقة لي في هذا ولا جمل) حيث تكررت (لا) فرفع الاسم بعد (لا) الأولى فهو إما مبتدأ ولا نافية لا عمل لها أو اسم لا العاملة عمل ليس وفيها وجوه أخر.

(٢) البيت من الوافر ، وهو لأمية بن أبي الصلت في ديوانه ٥٤ وهو ملفق من بيتين :

ولا لغو ولا تأثيم فيها

ولا غول ولا فيها مليم

وفيها لحم ساهرة وبحر

وما فاهوا به لهم

وينظر اللمع ١٢٩ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ٤١٥ ، وشرح شذور الذهب ١٢١ ، وشرح ابن عقيل ١ / ٤٠٣ ، واللسان مادة (أثم) ١ / ٢٩ ، وهمع الهوامع ٥ / ٢٨٨.

والشاهد فيه قوله : (لا لغو ولا تأثيم فيها) حيث ألغى لا الأولى أو أعملها عمل ليس فرفع الاسم بعدها ، وأعمل لا الثانية عمل إن والخبر لـ (لا) الثانية محذوف وهو متعلق الجار والمجرور ...

٥٠٤

قوله : (وإذا أدخلت الهمزة لم تغير العمل) (١) يعني إذا دخلت على (لا) التي لنفي [و ٦٤] الجنس لم يبطل عمل (لا) لأن حرف الاستفهام لا يبطل عمل عامل.

قوله : (ومعناها الاستفهام والتمني والعرض) يعني أن الهمزة تكون للاستفهام فقط نحو (ألا رجل في الدار) قال :

[٢٧٨] حار بن كعب ألا أحلام تزجركم

(٢)

 ...

وللاستفهام على طريق التقرير والإنكار والتوبيخ نحو :

[٢٧٩] ألا طعان ولا فرسان عادية

إلا تجشؤكم حول التنانير (٣)

__________________

(١) في الكافية المحققة : لم يتغير.

(٢) هذا صدر بيت من البسيط ، وعجزه :

عنا وأنتم من الجوف الجماخير

وهو لحسان بن ثابت في ديوانه ١٧٩.

حار : منادى مرخم من الحارث. والجوف جمع : أجوف وهو العظيم الجوف ، والجماخير : حمع جمخور وهو العظيم الجسم القليل العقل ، وينظر الكتاب ٢ / ٧٣ ـ ٧٤ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٥٥٤ ، وشرح المفصل ٢ / ١٠٢ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢١٠ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٣٦٢.

والشاهد فيه قوه : (ألا أحلام) حيث أعمل ألا عمل لا النافية للجنس مع أن الهمزة للاستفهام وأحلام اسم لا النافية التي تعمل عمل إن.

(٣) البيت من البسيط ، وهو لحسان بن ثابت الأنصاري ١٧٩ وله ولغيره ، وينظر الكتاب ٢ / ٣٠٦ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٥٨٨ ، وشرح التسهيل السفر الأول ٢ / ٦٤١ ، وشرح الرضي ١ / ٢٦١ ، ورصف المباني ١٦٦ ، والجنى الداني ٣٨٤ ، ومغني اللبيب ٩٦ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢١٠ ، وهمع الهوامع ٢ / ٢٠٥ ، وخزانة الأدب ٤ / ٦٩ ، ٧٧.

ويروى عند بدل حول ، وردكم بدل تجشؤكم

والشاهد فيه قوله : (ألا طعان) حيث عملت ألا عمل لا النافية للجنس لأنها كمعناها وإن كانت الهمزة للاستفهام داخلة عليها للتقرير.

٥٠٥

وتكون للتمني (ألا ما أشربه) قال :

[٢٨٠] ألا عمر ولى مستطاع رجوعه

فيرأب ما أثأت يد الحدثان (١)

وتكون للعرض نحو (ألا نزول عندنا) وأما قوله :

[٢٨١] ألا رجلا جزاه الله خيرا

يدلّ على محصلة تبيت (٢)

فهذه عند سيبويه والخليل (٣) التي للتحضيض بمعنى (هلّا) خففت ، وهي تلزم للفعل لفظا أو تقديرا ، وليست (لا) التي لنفي الجنس الداخلة

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في شرح التسهيل السفر الأول ٢ / ٦٤٢ ، والجنى الداني ٣٨٤ ، ومغني اللبيب ٩٧ ـ ٤٩٩ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٠٠ ، وشرح ابن عقيل ١ / ٤١١.

ويروى يد الغفلان في أكثر المراجع بدل الحدثان. وأثأت أفسدت.

والشاهد فيه قوله : (ألا عمر) حيث أريد بالاستفهام مع لا مجرد التمني وأعملت لا عمل إن والذي دل على صيغة التمني نصب الفعل المضارع بفاء السببية في جوابه.

(٢) البيت من الوافر ، وهو لعمرو بن قعاس أو قنعاس المرادي ، وينظر الكتاب ٢ / ٣٠٨ ، والنوادر لأبي زيد ٥٦ ، وشرح المفصل ٢ / ١٠١ ـ ١٠٢ ، وأمالي ابن الحاجب ١ / ١٦٧ ، وشرح المصنف ٤٩ ، وشرح التسهيل السفر الأول ٢ / ٦٤٢ ، وشرح الرضي ١ / ٢٦٢ ، ورصف المباني ١٦٦ ، والجنى الداني ٣٨٢ ، وتذكرة النحاة ٤٣ ، ومغني اللبيب ٩٧ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢١٤ ـ ٢١٥ ، وخزانة الأدب ١ / ٤٥٩.

والشاهد فيه قوله : (ألا رجلا) حيث وقعت ألا للعرض والتحضيض وألا هنا للعرض والتحضيض والفعل مقدر كما ذهب إلى ذلك الخليل وسيبويه أي ألا تروني رجلا. أما يونس فألا عنده للتمني ورجلا اسمها ونون للضرورة كما ذكر ذلك الشارح. ينظر شرح شواهد المغني ١ / ٢١٤. قال ابن الحاجب في شرح الكافية (وهي عند يونس (لا) دخلت عليها همزة الاستفهام لمعنى التمني وكان القياس ألا رجل ولكنه نون لضرورة الشعر والوجهان مستقيمان).

(٣) ينظر الكتاب ٢ / ٣٠٨.

٥٠٦

عليها الهمزة ، وقال يونس : (١) هي التي لنفي الجنس ونونه للضرورة.

قوله : (ونعت المبني الأول) هذا كلام في توابع اسم (لا) وقد ذكر العطف والنعت ، ولم يذكر التأكيد وعطف البيان والبدل ، ونحن نذكرها جميعا ونبدأ بما بدأ به ، أما النعت ، فإن كان اسمها معربا كان نعتها معربا رفعا على المحل ونصبا على اللفظ ، نحو (لا غلام رجل ظريف ظريفا) خلافا للمصنف (٢) وابن برهان (٣) ، فإنهما جعلا تابع المعرب نصبا على اللفظ فقط ، وإن كان اسمها مبنيا جاز في نعته الفتح على لفظ البناء ، والنصب على محل اسمها ، والرفع على محل الابتداء بشرعوط :

الأول قوله : (ونعت المبني) يحترز من نعت المعرب. قوله : (الأول) يحترز من النعت الثاني (لا رجل ظريف كريم) فليس فيه إلا الإعراب.

الثاني قوله : (مفردا) يعني النعت يحترز من أن يكون مضافا نحو (لا رجل صاحب صدق) وأما مشبها به ، نحو (لا رجل مالك عشرين درهما) فإنه معرب فقط.

الثالث قوله : (يليه) يحترز من أن يفصل بينهما نحو (لا رجل في الدار ظريف) فليس فيه إلا الإعراب.

__________________

(١) للتفصيل ينظر الكتاب ٢ / ٣٠٨ ، وشرح المفصل ٢ / ١٠٢ ، وشرح المصنف ٤٩ ، وشرح الرضي ١ / ٢٦٢ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢١٤.

(٢) ينظر شرح المصنف ٤٩ ـ ٥٠ ، وشرح الرضي ١ / ٢٦٢.

(٣) ينظر شرح الرضي ١ / ٢٦٣. وابن برهان هو عبد الواحد بن علي بن عمر بن إسحاق بن إبراهيم ابن برهان صاحب العربية واللغة والتواريخ وأيام العرب مات سنة ٤٥٦ ه‍ ينظر ترجمته في البغية ٢ / ١٢٠.

٥٠٧

قوله : (مبني ومعرب رفعا ونصبا مثل (لا رجل ظريف) [ظريفا](١) يعني ما اجتمعت فيه هذه الشروط جاز البناء والإعراب رفعا ونصبا.

قوله : (وإلا فالإعراب) يعني رفعا ونصبا حيث يختل شرط من هذه الشروط ، وأما حيث يكون التابع لمعرب ، ومراده بالإعراب فيه نصبا فقط وهو مذهب ابن برهان (٢) ، والنحاة (٣) يجعلونه نصبا ورفعا ، وإنما تعذر البناء مع تابع المعرب ، لأن تابعه لا يكون إلا مثله معربا ، وإنما تعذر مع اختلال شيء من الشروط ، لأن لا يؤدي إلى جعل ثلاثة أشياء كشيء واحد ، لأن الصفة إذا فصل بينها وبين موصوفها امتنع جعلها كشيء واحد ، فإن قيل لم أخرتم في تابع مبني (لا) بالبناء ولم تجيزوه في تابع المنادى ، وجوابه : أنا صفة المنادى غير مقصودة بالنداء بخلاف صفة مبني (لا) فإنها منفية مع موصوفها والدليل أنه يجوز دخول (لا) على تابع مبنيها ، ولا يجوز دخول حرف النداء على صفة المنادى لأنها لا تكون إلا معرفة باللام.

قوله : (والعطف على اللفظ وعلى المحل جائز) هذا الثاني من توابع اسم (لا) يعني أنه يجوز فيه الرفع والنصب ، ولا يجوز البناء إذا كان المعطوف عليه مبنيا كالصفة لأنه يؤدي إلى جعل أربعة أشياء كشيء

__________________

(١) ما بين الحاصرتين زيادة من الكافية المحققة.

(٢) ينظر شرح الرضي ١ / ٢٦٣ قال ابن برهان فيما نقله عن الرضي أن اسم لا إذا انتصب بكونه مضافا أو مضارعا له لم يجز رفع وصفه ، بل الواجب نصبه كالموصوف).

(٣) ينظر شرح المصنف ٤٩ ـ ٥٠ وما جاء في الهامش وهذا ما ذهب إليه المصنف والرضي نقله عنه في ١ / ٢٦٣. قال الشارح في هامش وجه ٦٤ / : في حاشية الهندي أن اسمها المعرب لا يجوز رفع صفته بحال متحقق رواية المصنف عند النحاة).

٥٠٨

واحد (لا) واسمها وحرف العطف والمعطوف فنقول : (لا رجل وامرأة) بالرفع والنصب قال :

[٢٨٢] فلا أب وابنا مثل مروان وابنه

إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا (١)

المراد بالمعطوف ما يصح دخول (لا) عليه وعملها فيه يحترز من المعرفة فإن الرفع واجب ، وكذلك [ظ ٦٤] في الصفة ، وسائر التوابع.

فإن قيل : لم يجيزوا البناء في المعطوف الذي يصح عمل من المعرّفة ، فإن الرفع واجب ، وكذلك في الصفة وببناء (لا) فيه كالمعطوف على المنادى.

أجيب بأنه يؤدي إلى جعل أربعة أشياء كشيء واحد وبأن بناء اسم (لا) ضعيف ، ولهذا قد جاز رفع النكرة الجامعة لشروط البناء ، ولم يجيء إعراب (يا زيد) نحو :

[١٨٣] ...

حياتك لا تنفع وموتك فاجع (٢)

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو للربيع بن ضبع الفراري وله ولغيره ، وينظر الكتاب ٢ / ٢٨٥ ، والمقتضب ٤ / ٣٧٢ ، واللمع ١٣٠ ، والمفصل ٧٩ ، وشرح المفصل ٢ / ١٠١ ـ ١١٠ ، وأمالي ابن الحاجب ١ / ٤١٩ ـ ٢ / ٥٩٣ ، وشرح الرضي ١ / ٢٦٠ ، وأوضح المسالك ٢ / ٢٢ ، وهمع الهوامع ٥ / ٢٨٧ ، وخزانة الأدب ٤ / ٦٧ ـ ٦٨.

والشاهد فيه قوله : (لا أب وابنا) حيث عطف على اسم لا النافية للجنس ولم يكررها وجاء بالمعطوف منصوبا وهو (ابنا) لأنه عطفه على محل اسم لا.

(٢) البيت من الطويل ، وهو للضحاك بن هنام الرقاشي له ولغيره ، ينظر الكتاب ٢ / ٣٠٥ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٥٢١ ، والمقتضب ٤ / ٣٦٠ ، وحماسة البحتري ١١٦ ، والمفصل ٨٠ ، وشرح المفصل ٢ / ١١٢ ، وشرح التسهيل السفر الأول ٢ / ٦٣٥ ، وهمع الهوامع ٢ / ٢٠٧ ، والخزانة ٢ / ٨٩.

وصدره :

وأنت امرؤ منا خلقت لغيرنا

ويروى (لا نفع) كما في شرح شواهد سيبويه ، وفي الحماسة يروى حياتك لا ترجى ... ـ ورواية (لا نفع) هي التي تناسب الشاهد.

والشاهد فيه قوله : (لا نفع) حيث رفع ما بعد لا مع عدم تكررها ، والذي سوغه ما قام التكرير في المعنى ، قال سيبويه (وقد يجوز على ضعفه في الشعر) ثم ذكر البيت الشاهد ينظر الكتاب ٢ / ٣٠٥.

٥٠٩

حكى الأخفش (١) فيه البناء كالصفة لغة ضعيفة نحو : (لا رجل وامرأة) ووجه أنها حذفت (لا) الثانية وأبقى عملها ، وأما التأكيد ، فإن كان معنويا فالرفع لأنه معرفة وإن كان لفظيا فحكمه حكم الصفة نحو (لا ماء باردا) وعطف البيان يجب فيه الرفع لأنه لا يكون إلا معرفة ، ومن أجازه في النكرة كالزمخشري (٢) فحكمه حكم الصفة وأما البدل ، فإن كان معرفة وجب الرفع وإن كان نكرة ، فقال الأندلسي : (٣) يجوز فيه البناء والإعراب كالصفة ، وقال ابن مالك : لا يجوز البناء كالعطف (٤) ، وهذه التوابع الثلاثة لا نص للنحاة فيها.

قوله : [لا أب وابنا](٥) ومثل (لا أبا له ولا غلامي له جائز) يعني لا أصل لـ (أب له) و (لا غلامين) قال :

[٢٨٤] أبى الإسلام لا أب لي سواه

إذا افتخروا بقيس أو تميم (٦)

__________________

(١) ينظر رأي الأخفش في شرح التسهيل القسم الأول ٢ / ٦٣٩.

(٢) ينظر المفصل ٧٦ ، حيث قال الزمخشري : (وحقه أن يكون نكرة ، قال سيبويه : واعلم أن كل شيء حسن لك أن تعمل فيه ربّ حسن لك أن تعمل فيه لا).

(٣) ينظر شرح الرضي ١ / ٢٦٤ حيث أثبت رأي الأندلسي ونقله الشارح بتصرف دون أن يعزوه إلى الرضي.

(٤) ينظر شرح التسهيل السفر الأول ٢ / ٦٢١.

(٥) ما بين حاصرتين زيادة من الكافية المحققة (وهو جزء بيت لا أب وابنا وهو الذي سبق تخريجه في الصفحة ٣٦١ برقم ٢٨٢.

(٦) البيت من الوافر وهو لنهار بن توسعة اليشكري ينظر الكتاب ٢ / ٢٨٢ ، والمفصل ٧٨ ، وشرح المفصل ٢ / ١٠٤ ، وشرح التسهيل السفر الأول ٢ / ٦٢٦ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٩٧. ـ والشاهد فيه قوله : (لا أب لي) حيث جعل الجار والمجرور لي خبرا لـ (لا) ولو كان قاصدا للإضافة والتوكيد لقال : لا أبا لي فاحتاج إلى إضمار الخبر كما يحتاج إليه في الإضافة.

٥١٠

وقد جاء في المثني وجمع المذكر السالم ، وفي الأب والأخ من بين الأسماء الستة ، إذا وليها لام الجر ، أن تعطى حكم الإضافة بحذف نون المثنى والمجموع وإثبات الألف في الأب والأخ فيقال (لا غلامي لك) و (لا مسلمي لك) و (لا أبا له ولا أخا له) قال :

[٢٨٥] أهدموا بيتك لا أبا لكا

وزعموا أنك لا أخا لكا (١)

فتكون معربة (٢) اتفاقا وهي جائزة ، وإن كانت مخالفة للقياس لكثرة ورودها وقد جاء إثبات حكم الإضافة مع حذف لام الجر نحو (لا أبا لك) قال :

[٢٨٦] أبالموت الذي لا بد أنى

ملاق ـ لا أباك ـ تخوفينى (٣)

__________________

(١) الرجز كما تزعم العرب قديما أنه للضب وهو في الكتاب ١ / ٣٥١ ، وينظر جمهرة اللغة ١٣٠٩ ، وشرح شواهد الشافية ١٢ ، وشرح التسهيل السفر الأول ٢ / ٢٢٦ ، واللسان مادة (بيت) ١ / ٣٩٢ ، ويروى وحسبوا بدل وزعموا. وتمامه :

وأنا أمشي الدألى حوالكا

وذكر صاحب اللسان أن سيبويه أنشده فيما تضعه العرب على ألسنة البهائم لضب يخاطب ابنه.

والشاهد فيه قوله : (لا أبا لك) حيث استعمل أبا اسما لـ (لا) النافية للجنس منصوبة بالألف ، مضافة إلى ضمير المخاطبة وهذا دليل على أن قولهم : لا أبا لك من باب الإضافة قال ابن مالك في شرح التسهيل القسم الأول ٢ / ٦٢٧ : (ومذهب أكثر النحويين في هذا النوع أنه مضاف إلى المجرور باللام ، وأن اللام مقحمة لا اعتداد بها) انته كلامه.

(٢) ينظر شرح الرضي ١ / ٢٦٥ ، وهذه العبارة منقولة عنه ولم يعزها الشارح.

(٣) البيت من الوافر ، وهو لأبي حية النميري ، وله وللأعشى ، وينظر المقتضب ٤ / ٣٧٥ ، والخصائص ١ / ٣٤٥ ، وأمالي ابن الشجري ١ / ٣٦٢ ، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي ٥٠١ ، ـ وشرح المفصل ٢ / ١٠٥ ، وشرح التسهيل السفر الأول ٢ / ٦٢٧ ، وشرح شذور الذهب ٣٤٣ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٩٧ ، والخزانة ٤ / ١٠٠ ـ ١٠٥.

والشاهد فيه قوله : (لا أباك) حيث استعمل كلمة أبا اسما لـ (لا) النافية للجنس وأضافها إلى ضمير المخاطبة بدون حرف اللام المقحمة بين المضاف والمضاف إليه.

٥١١

وهو قليل ، بابه الشعر ، لأنه خلاف القياس إذ قياسه الرفع والتكرير.

قوله : (تشبيها له بالمضاف) يعني (لا أبا لك) و (لا غلامي لك) وقد اختلف في توجيهها فقال سيبويه والخليل وجمهور النحاة : إنه مضاف حقيقة باعتبار المعني (١) ولام الإضافة مقدرة ، وهذه اللام مقحمة زائدة لتأكيد الإضافة كقولهم :

[٢٨٧] يا بؤس للحرب ...

 ... (٢)

قال :

[٢٨٨] ...

يا بؤس للجهل ضرارا لأقوام (٣)

__________________

(١) ينظر شرح الرضي ١ / ٢٦٥ ، حيث أثبت رأي سيبويه والخليل وجمهرة النحاة ، ونقله الشارح عنه دون أن يعزوه إلى الرضي.

(٢) قطعة من بيت من مجزوء الكامل ، وهو لسعد بن مالك ، ينظر الكتاب ٢ / ٢٠٧ ، والمقتضب ٤ / ٢٥٣ ، والخصائص ٣ / ١٠٦ ، وشرح الحماسة للمرزوقي ٥٠٠ ، والجمل للزجاجي ١٧٣ ، وشرح المفصل ٤ / ٣٦ ، وشرح التسهيل السفر الأول ٢ / ٦٢٧ ، والمغني ٢٨٦ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٥٨٢. وتمامه :

يا بؤس للحرب التي

وضعت أراهط فاستراحوا

والشاهد فيه قوله : (يا بؤس للحرب) حيث أقحم اللام بين المضاف والمضاف إليه.

(٣) عجز بيت من البسيط ، وصدره :

قالت بنو عامر خال بني أسد

وهو للنابغة الذبياني في ديوانه ٨٢ ، وينظر الكتاب ٢ / ٢٧٨ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٢١٨ ، والخصائص ٣ / ١٠٦ ، والإنصاف ١ / ٣٣٠ ، وشرح المفصل ٣ / ٦٨ ، وشرح الرضي ١ / ٢٦٥ ، ورصف المباني ٢٤٣ ـ ٣١٨ ، وهمع الهوامع ٣ / ٤٠ ، والخزانة ٢ / ١٣٠ ـ ١٣٢.

والشاهد فيه قوله : (يا بؤس للجهل) يريد (يا بؤس الجهل) فأقحم اللام بين المضاف والمضاف إليه توكيدا للإضافة.

٥١٢

ك (تيم) الثاني في قوله :

[٢٨٩] يا تيم تيم عدي (١)

 ...

على من قال إن تيم الأول مضاف إلى عدي الظاهر ، والفصل بين المضاف والمضاف إليه كلا فصل ، والذي حملهم على توكيد الإضافة في هذا دون سائر الإضافات فإن المقدر باللام إنهم لما فصل وانتصب هذا المضاف المعرف بـ (لا) للتخفيف وحق المعارف المنفية بـ (لا) الرفع والتكرير ففصلوا بين المضاف والمضاف إليه لفظا ، حتى يصير المضاف بهذا الفصل كأنه ليس مضاف ، فلا يستنكر نصبه وعدم تكرره (٢) وقال ابن الحاجب إنه مشبه بالمضاف وليس بمضاف لأنه يؤدي إلى فساد المعنى (٣) لوجوه :

أحدها : أنه لو كان مضافا لوجب الرفع والتكرير ويجاب عنه بأنه في

__________________

(١) قطعة من صدر بيت من البسيط ، وهو لجرير في ديوانه ٢١٢ ، ينظر الكتاب ١ / ٥٣ ، وشرح أبيات ١ / ١٤٢ ، والمقتضب ٤ / ٢٢٩ ، والخصائص ١ / ٣٤٥ ، وشرح المفصل ٢ / ١٠ ، وأمالي ابن الحاجب ٢ / ٧٢٥ ، والمغني ٥٩٦ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٨٥٥ ، وشرح ابن عقيل ٢ / ٢٧٠ ، ورصف المباني ٣١٨ ، وهمع الهوامع ٥ / ١٩٦ ، وخزانة الأدب ٢ / ٢٩٨ ـ ٣٠١.

وتمام البيت :

يا تيم تيم عدي لا أبا لكم

لا يلقيّنّكم في سوأة عمر

والشاهد فيه قوله : (يا تيم تيم عدي) حيث أقحم تيم الثاني بعد تيم الأول وما أضيف إليه فيجب في الثاني النصب ، ويجوز في الأول الضم والنصب ، الضم على أنه مفرد علم ، والنصب على أنه مضاف إلى عدي ، وقد فصل الشارح ذلك.

(٢) ينظر شرح الرضي ١ / ٢٦٥ ، وهذه العبارة منقولة من الرضي دون أن يسندها الشارح إليه.

وهي من قوه : (قال : إن تيم الأول ... إلى ... عدم تكرره) ينظر شرح الرضي ٢٦٥.

(٣) ينظر شرح المصنف ٣٥.

٥١٣

صورة النكرة وإن كان مضافا والغرض بالفصل باللام أن لا يرفع ولا يكرر.

الثاني : لو جعلناه مضافا بقيت (لا) بلا خبر وهو غير جائز ، وأجيب بأن للفظ حصة من المراعاة كسائر الفضلات التي يعتمد عليها.

قوله : (لمشاركته له في أصل معناه) [ومن ثم لم يجز (لا أبا فيها) وليس بمضاف لفساد المعني خلافا لسيبويه ، ويحذف كثيرا في مثل](١) يعني أن (لا أبا لك) بمعنى (لا أب لك) ولا خلاف أن (لا أب لك) غير مضاف فتكون (لا أبا لك) مثله غير مضاف ، ولهذا لم يجز (لا أبا فيها ولا رقيبي عليها) (٢) ولا مجيري منها) ، لما كانت الإضافة لا تقدر بـ (في) ولا بـ (على) ولا بـ (من) وأجيب بأنه [و ٦٥] مسلم أن معنى الجملتين سواء ، ولكن لا يمتنع أن يكون المسند إليه في أحدهما معرفة ، وفي الآخر نكرة وقد قيل في (لا أبا لك) أصله (لا أب لك) فأشبعت الفتحة ألفا كقوله :

[٢٩٠] ينباع من ذفرى غضوب جسرة (٣)

 ...

__________________

(١) ما بين الحاصرتين زيادة من الكافية المحققة ١١٨.

(٢) ينظر شرح المصنف ٥٠ ، وشرح الرضي ١ / ٢٦٥.

(٣) صدر بيت من الكامل ، وهو لعنترة في ديوانه ٢٠٤. وعجزه :

زيافة مثل الفينق المكدم

ينباع معناه : ينبع أشبع الفتحة فصارت ينباع ، وذفرى : العظم الذي خلف الأذن ، غضوب :

الناقة ، وجسرة : الطويلة العظيمة الجسم زيافة سريعة ، الفينق المكدم : الفحل الكريم القوي.

وينظر الخصائص ٣ / ١٢١ ، والإنصاف ١ / ٢٦ ، وشرح شافية ابن الحاجب ١ / ٧٠ ، ورصف المباني ١٠٦ ، واللسان مادة (زيف) ٣ / ١٩٠٠ ، وخزانة الأدب ١ / ١٢٢.

والشاهد فيه قوله : (ينباع) يريد (ينبع) فأشبع فتحة الباء ضرورة فتولدت الألف من هذا الإشباع.

٥١٤

وقيل (لا أبا لك) على لغة من يقصر وهو نكرة مبني مع (لا) ولك خبر وهو في نحو : (لا عصا لك).

قوله : (في لا عليك أي لا بأس) يعني ، وقد يحذف الاسم مع بقاء الخبر نحو (لا عليك) أصله (لا بأس عليك) ولا بد من قرينة وهو قياس ، وقيل لا يقاس عليه لقلته ، ولا يحذف إلا مع وجود الخبر ، كما لا يحذف إلا مع وجود الاسم ، لئلا يكون إجحافا (١).

__________________

(١) ينظر شرح الرضي ١ / ٢٦٦.

٥١٥

خبر ما ولا المشبهتين بليس

قوله : (خبر ما ولا المشبهتين بليس) هذا سابع المشبهة وقد تقدمت وجوه الشبه ، وهما عند البصريين (١) عاملتان في الاسم والخبر ، وقال الكوفيون : الاسم مرتفع بالابتداء والخبر منتصب بإسقاط الباء.

قوله : (هو المسند) جنس الحد ، قوله : (بعد دخولهما) خرج سائر المسندات. قوله : (وهي لغة أهل الحجاز) يعني رفعهما للاسم ونصبهما الخبر (٢) وبه ورد التنزيل ، قال تعالى : (ما هذا بَشَراً)(٣)(ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ)(٤) خلافا لبني تميم ، فإنهم يرفعون ما بعدهما على الابتداء والخبر ، وكان الأولى أن يذكر الشيخ معهما (إن) النافية ، فإن قيل : تركها لكونها شاذة ، فكذلك لا شاذة ، و (إن) النافية مثالها (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً)(٥) وأكثر النحاة لا يعرفون خلافا في عمل (لا) عند الحجازيين بل عملها على كلتا اللغتين.

__________________

(١) ينظر الخلاف في المسألة في الإنصاف ١ / ١٦٥.

(٢) ينظر شرح ابن عقيل ١ / ٣٠٢.

(٣) يوسف ١٢ / ٣١ (فلما رأينه وأكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم).

(٤) المجادلة ٣٣ / ٢ وتمامها : (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ...).

(٥) يس ٣٦ / ٢٩ وتمامها : (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ.)

٥١٦

قوله : (وإن زيدت إن مع ما) ذكر وجوها تبطل عمل (ما) الأول (إن) قال :

[٢٩١] فما إن طبنا جبن ولكن

منايانا ودولة آخرينا (١)

وإنما بطل عملها مع زيادة (إن) لأنها عامل ضعيف ، فلما بعدت بطل عملها ، وهي زائدة نحو : (انتظرتك ما إن جلس القاضي) وقال الفراء : (٢) إنها نافية ، ونفي النفي إثبات ، ولهذا بطل عمل (ما) ، وقد أجاز بعض الكوفيين (٣) العمل مع (إن) واحتج بقوله :

__________________

(١) البيت من الوافر ، وهو لفروة بن مسيك أو للكميت ، ينظر الكتاب ٣ / ١٥٣ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٠٦ ، والمقتضب ١ / ٥١ ، ٢ / ٣٦٤ ، والخصائص ٣ / ١٠٨ ، وشرح المفصل ٥ / ١٢٠ ، وشرح التسهيل السفر الأول ٢ / ٥٠٧ ، وشرح الرضي ١ / ٢٦٦ ، ورصف المباني ١٩٢ ـ ٣٧٨ ، والجنى الداني ٣٢٧ ، ومغني اللبيب ٣٨ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٨١ ، واللسان مادة (طبب) ٤ / ٢٦٣١ ، وهمع الهوامع ٢ / ١١١ ، والخزانة ٤ / ١١٢.

والشاهد فيه قوله : (ما إن طبّنا جبن) حيث زيدت إن بعد ما توكيدا فكفتها عن العمل وذلك كما ذكر الشارح.

(٢) ينظر شرح الرضي ١ / ٢٦٧.

(٣) ينظر شرح التسهيل السفر الأول ٢ / ٥٠٧. قال ابن مالك : وإن هذه زائدة كافة لـ (ما) ، كما هي ما كافة لـ (إنّ وأخواتها) في نحو (إنما الله إله واحد) وزعم الكوفيون أن إن المقترنة بـ (ما) هي النافية جيء بها بعد ما توكيدا ، والذي زعموه مردود بوجهين :

أحدهما : أنها لو كانت نافية مؤكدة لم تغير العمل كما لم يتغير بتكرير ما إذا قيل ماما زيد قائما.

الثاني : أن العرب قد استعملت إن زائدة بعد ما التي بمعنى الذي وبعد ما المصدرية التوقيتية لشبهها في اللفظ بما النافية ، فلو لم تكن زائدة المقترنة بما النافية ، لم يكن لزيادتها بعد الموصولتين مسوغ.

٥١٧

[٢٩٢] بنى غداته ما إن أنتم ذهبا (١)

 ...

وتؤول بأن (إن) النافية والعمل لها ، ولا بد أن يلزم المتأول زيادة (ما) والله أعلم.

الثاني : إذا كررت فإنها تكف كـ (إن) ومنهم من أعملها واحتج بقوله :

[٢٩٣] ...

فامن حمام أحد معتصما (٢)

قال الوالد : وهو الظاهر لأنها مؤكدة ، والمؤكد لا يغير حكم المؤكد إذا كان لفظيا.

الثالث قوله : (أو انتقض النفي بإلا) فإنه يبطل لأن (إلا) تقلب النفي إثباتا نحو (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ)(٣) وأجازه بعضهم واستدل بقوله :

__________________

(١) صدر بيت من البسيط وهو بلا نسبة في شرح التسهيل السفر الأول ٢ / ٥٠٦ ، وينظر شرح الرضي ١ / ٢٦٧ ، والجنى الداني ٣٢٨ ، وشرح شذور الذهب ٢٢٠ ، ومغني اللبيب ٣٨ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٨٤ ، وهمع الهوامع ٢ / ١١٢ ، واللسان مادة (صرف) ٤ / ٢٤٣٥ ، والخزانة ٤ / ١١٩. وعجزه :

ولا صريفا ولكن أنتم خزف

ويروى بني غدانة حقا لستم ذهبا ، ينظر اللسان (صرف) ، ويروى برفع ذهب ونصبها.

والشاهد فيه قوله : (ما إن أنتم ذهبا) فإن ما هذه نافية وقد وقع بعدها إن ، وإن هذه تحتمل أن تكون زائدة لا تدل على شيء سوى التأكيد ، وقد تؤول البيت بأن إن نافية والعمل لها وما زائدة على ما ذكره الشارح.

(٢) الرجز بلا نسبة في شرح التسهيل السفر الأول ٢ / ٥٠٧ ، وينظر الجنى الداني ٣٢٨ ، وهمع الهوامع ٢ / ١١٢ ، وخزانة الأدب ٤ / ١٢٠ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤١٠ ، والمقاصد النحوية ٤ / ١١٠.

وتمام الرجز :

لا ينسك الأسى تأسيا فما

والشاهد فيه قوله : (فما ما) ما الثانية مؤكدة لمثلها وعامله على مذهب الكوفيين الذي ذكره ابن مالك في شرح التسهيل المذكور في المصادر السابقة.

(٣) آل عمران ٣ / ١٤٤ ، وتمامها : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ ...).

٥١٨

[٢٩٤] وما الدهر إلا منجنونا بأهله

وما صاحب الحاجات إلا معذبا (١)

وأجيب بأنه شاذ واقع موقع دورانا ، كأنه قيل : وما الدهر إلا يدور دورانا ، لأن (المنجنون) الدولاب الذي يدور.

الرابع قوله : (أو تقدم الخبر) يعني على اسمها سواء كان ظرفا نحو (ما في الدار زيد أو غيره) نحو (ما قائم زيد) بطل العمل لضعفها ، فلا تقوى بالتصرف بخلاف (ليس) ، لأنها أصلية في العمل ، وقد أجاز بعضهم عملها إذا كان الخبر ظرفا أو جارا ومجرورا نحو :

[٢٩٥] ...

وإذ ما مثلهم بشر (٢)

__________________

(١) البيت من البحر الطويل ، وهو لأحد بني سعد ، ينظر شرح المفصل ٨ / ٧٥ ، وشرح التسهيل السفر الأول ٢ / ٥١١ ، وشرح الرضي ١ / ٢٦٧ ، ورصف المباني ٣٧٨ ، والجنى الداني ٣٢٥ ، ومغني اللبيب ١٠٢ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢١٩ ، وهمع الهوامع ٢ / ١١١ ، وخزانة الأدب ٤ / ١٣٠ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٩٢.

والشاهد فيه قوله : (وما الدهر ، وما صاحب ،) حيث أعمل ما مع انتقاض خبرها بإلا وهذا شاذ وخرّج على أنه بتقدير وما الدهر إلا يشبه منجنونا ، وما صاحب الحاجات إلا يشبه معذبا فهما منصوبان بالفعل الواقع خبرا وقدر الشارح أن يكون منجنونا منصوب على أنه مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره : يدور دورانا.

(٢) قطعة من عجز بيت من البسيط ، وهو للفرزدق في ديوانه ١ / ١٨٥ ، والكتاب ١ / ٦٠ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٦٢ ، والمقتضب ٤ / ١٩١ ، وشرح التسهيل السفر الأول ٢ / ٥١٠ ، وشرح الرضي ١ / ٢٦٧ ، ورصف المباني ٣٧٩ ، والجنى ٣٢٤ ، والمغني ٤٧٥ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٣٧ ، ٢ / ٧٨٢ ، وهمع الهوامع ٢ / ١١٣ ، وخزانة الأدب ٤ / ١٣٣ ، والمقاصد النحوية ٢ / ٩٦. وتمامه :

فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم

إذ هم قريش وإذ ما مثلهم

ويروى أعاد الله دولتهم بدل نعمتهم.

الشاهد فيه قوله : (وإذ ما مثلهم بشر) حيث عملت ما الحجازية مع تقدم خبرها على اسمها.

٥١٩

فقد روي بنصب مثلهم ورفعه ، وقيل هو شاذ لأن الشاعر تميمي فأراد الحجازية فغلط لأنها غير لغته.

وقد أجازوا العمل مع تقدم معمول الخبر ، نحو (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ)(١) وعلى الاسم نحو :

[٢٩٦] ...

ما من حمام أحد معتصما (٢)

وأجازه بعضهم (٣) في غير الظرف نحو : (ما طعامك زيد آكلا) و (ما زيد طعامك آكلا طعامك).

قوله : (وإذا عطف عليه بموجب فالرفع) أي وإذا عطف على خبر (ما) و (لا) سواء كان منصوبا أو مجرورا بالباء الزائدة بحرف عطف موجب وهو (بل) و (لكن) [ظ ٦٥] فالرفع على محل الخبر لبطلان عملها في الموجب ، لأنهما يعملان للنفي نقول (ما زيد قائما بل قاعد) و (لكن قاعد) (٤) وقيل : بل هي جملة ابتدائية أي بل هو قاعد (٥) ، وليس على محل

__________________

(١) الحاقة ٦٩ / ٤٧ ، وحاجزين يجوز أن يكون صفة لأحد على المعنى على اعتبار أحد نكرة فهي في سياق النفي تعم فيكون في موضع جر ، والخبر منكم ، ويجوز أن يكون منصوبا على أنه خبر ومنكم متعلق به ومن زائدة.

(٢) سبق تخريجه برقم ٢٩٣.

(٣) ينظر شرح الرضي ١ / ٢٦٧ حيث قال : قال أبو علي : زعموا أن قوما جوزا إعمالها متقدمة الخبر ظرفا كان أو غيره قال الربعي الإعمال عندي هو القياس لبقاء معنى النفي).

(٤) قال ابن الحاجب في شرحه ٥١ : (مثاله قولك : ما زيد قائما بل قاعد ، وما زيد قائما ولكن قاعد فلا يجوز في هذا المعطوف إلا الرفع).

(٥) ينظر شرح الرضي ١ / ٢٦٨ : (قال عبد القاهر فيما نقله عنه الرضي : هو خبر لمبتدأ محذوف أي ـ ما زيد بقائم ولكن هو قاعد).

٥٢٠