النّجم الثاقب - ج ١

صلاح بن علي بن محمّد بن أبي القاسم

النّجم الثاقب - ج ١

المؤلف:

صلاح بن علي بن محمّد بن أبي القاسم


المحقق: الدكتور محمّد جمعة حسن نبعة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٥
الجزء ١ الجزء ٢

قُوَّةٍ أَنْكاثاً)(١) والعامل عندهم الفعل الموجود في الفعلية ، واختلفوا في عامل الاسمية فقال سيبويه والجمهور (٢) : يقدر بعد الجملة تقديره : (زيد أبوك حقه عطوفا) وقال الزجاج : (٣) هو الخبر متأولا بمسمى. وقال ابن خروف : (٤) هو المبتدأ لتضمنه معنى التنبيه ، وقال ابن مالك (٥) ونجم الدين : (٦) العامل هو معنى الجملة كأنه قال : (يعطف عليك أبوك عطوفا) والزمخشري (٧) وجماعة أجازوا الحال المؤكدة في الجملة الاسمية دون الفعلية ، فإن ما بعدها يكون مفعولا مطلقا ، والفراء (٨) والسهيلي (٩) وجماعة نفوها في الجملة الاسمية والفعلية مطلقا ، لأن الحال لا تكون إلا مبينة لهيئة فاعل أو مفعول ، وهذه تفيد الثبوت ، وهي منتصبة عند الفراء على القطع ، وعند السهيلي إن كان من لفظ الأول فمفعول مطلق ، وإلا تؤول بالمتنقل إن لم [يكن](١٠) من لفظه.

__________________

(١) النحل ١٦ / ٩٢ وتمامها : (... تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ ....)

(٢) ينظر الكتاب ١ / ٢٥٧ ، وشرح المفصل ٢ / ٦٥ ، وشرح الرضي ١ / ٢٢٥ ، والهمع ٤ / ٣٩.

(٣) ينظر رأي الزجاج في شرح التسهيل السفر الثاني ١ / ٥٨ ، والهمع ٤ / ٤٠.

(٤) ينظر المصدر السابق ، والهمع ٤ / ٤٠.

(٥) قال ابن مالك في شرح التسهيل السفر الثاني ١ / ٥٤ : (ويؤكد بها في بيان تعين ، أو فخر ، أو تعظيم ، أو تصاغر ، أو تحقير ، أو وعيد ، خبر جملة جزآها معرفتا جامدان جمودا محضا ، وعاملها (أحق) أو نحوه مضمرا بعدها لا الخبر موؤلا بمسمى خلافا للزجاج ، ولا المبتدأ مضمنا تنبيها خلافا للزجاج ، ولا المبتدأ مضمنا تنبها خلافا لابن خروف) وما نقله الرضي عن ابن مالك مخالف لما ذكر في شرح التسهيل.

(٦) ينظر شرح الرضي ١ / ٢٢٥.

(٧) ينظر رأي الزمخشري في المفصل ٦٣.

(٨) ينظر رأي الفراء في معاني القرآن للفراء ١ / ٢٠٠ ، وهمع الهوامع ٤ / ٣٩.

(٩) ينظر رأي السهيلي في المصدر السابق همع الهوامع.

(١٠) زيادة يقتضيها السياق.

٤٤١

التمييز

قوله : (التمييز) يقال فيه التمييز والتبيين والتفسير (١) ، ومعناها واحد ، وهو ثاني المفاعيل المشبهة ، وله شبه عام من حيث إنه فضلة ، وخاص من حيث إنه مشبه بالمفعول به في أنه مقدر بـ (من) وحقيقته.

قوله : (ما يرفع الإبهام) جنس للحد يتناول التمييز والصفة والحال وغيرها. قوله : (المستقر) (٢) خرجت صفة المشترك نحو : (أبصرت عينا جارية) ، فإنها وقعت إيهاما عن الذات لكنه غير مستقر من حيث إنها بأوضاع مختلفة ، فقولك : عين للماء وللمبصرة وللميزان ، هذه أوضاع مختلفة لا إبهام في كل واحد منها في أصل اللغة ، وإنما وقع الإبهام على السامع لحصول الاشتراك بخلاف قولك : عشرون ، ورطل ، فإنها موضوعة لكل عدد ولكل موزون بوضع واحد فالإبهام مستقر.

__________________

(١) قال المصنف في شرحه ٤٢ : التمييز (ما يرفع الإبهام المستقر عن ذات مذكورة أو مقدرة).

وقال ابن مالك في شرح التسهيل السفر الثاني ١ / ٨٩ : التمييز والتبيين والتفسير والمميز والمبين والمفسر أسماء للنكرة الرافعة للإبهام ...) وينظر للتفصيل شرح المفصل ٢ / ٧٠ ، وشرح الرضي ١ / ٢١٦ ، وشرح المصنف ٤٢ ، وهمع الهوامع ٤ / ٦٢ وما بعدها.

(٢) قال الرضي : معنى المستقر في اللغة الثابت ، ورب عارض ثابت لازم ، والإبهام في المشترك ثابت لازم مع عدم القرينة بعد اتفاق الاشتراك ، ومع القرينة ينتفي الإبهام في المشترك) ينظر الرضي ١ / ٢١٦.

٤٤٢

قوله : (عن ذات) خرجت الحال فإنها عن هيئة الفاعل ، ورجع القهقري فإنه يقع عن هيئة الفعل (١).

قوله : (مذكورة أو مقدرة) تقسيم بعد تمام الحد للتمييز وقد اعترض حده ، فإن (ما) جنس للحد ، وبأنها تستعمل على الاسم والفعل والحرف ، وبالصفة نحو (رأيت رجلا أحمر) و (رأيت هذا الرجل) فإنه رفع إبهاما مستقرا عن ذات لا عن صفة ، قال ركن الدين : (٢) لا يرد عليه (رأيت هذا الرجل) لأنه معرفة ، والتمييز نكرة ، وللمعترض أن يقول : عبارته أدت إلى هذا ، وزاد نجم الدين : (٣) عطف البيان نحو (جاءني العالم زيد) والبدل من الضمير الغائب نحو (مررت به زيد) وقد اختلف في عامل التمييز (٤) ، فأما تمييز الجملة ، فمذهب سيبويه (٥) والمبرد (٦) والزجاج (٧) إنه الفعل ، أو ما اشتق منه ، قال بعضهم : إن العامل الجملة كلها على التشبيه بالمفعول ، وأما تمييز المفرد ، فقال صاحب التخمير : (٨) بنزع الجار في المفرد والجملة مطلقا ، وضعف بأن نزع الجار لا ينصب إلا حيث يكون الفعل متعديا بحرف جر ، فإذا حذف الحرف وصل الفعل بنفسه إلى المفعول ، وقال الأكثرون العامل فيه ما قبله ، تشبيها له باسم الفاعل (فعشرون درهما)

__________________

(١) ينظر شرح المصنف ٤٢ : (قال الرضي في ١ / ٢١٦ ليشمل النوعين : التمييز عن المفرد والتمييز عن نسبة).

(٢) ينظر الوافية في شرح الكافية ١٢٨.

(٣) ينظر شرح الرضي ١ / ٢١٦.

(٤) ينظر شرح الرضي ١ / ٢٢٢ ، وشرح المفصل ٢ / ٧٤ ، وينظر الإنصاف ٢ / ٨٢٨ المسألة رقم ١٢٠.

(٥) ينظر الكتاب ٢ / ١١٧ وما بعدها.

(٦) ينظر المقتضب ٢ / ٣٢٠ ، ٤ / ٣٣١.

(٧) ينظر الهمع ٤ / ٦٩.

(٨) ينظر التخمير ١ / ٤٤٩.

٤٤٣

مثل : (ضاربون زيدا) و (منوان سمنا) مثل (ضاربان زيدا) ورطل مثل (ضربت زيدا) و (ضارب زيدا) وقال طاهر (١) ما تضمنه معنى [و ٥٦] العدد من الإبهام المقتضي له كاقتضاء اسم الفاعل لمفعوله.

قوله : (فالأول) يعني الذات المذكورة. قوله : (عن مفرد) عن في قوله (عن مفرد). وفي قوله : (والثاني عن نسبة) يحتمل أمرين.

أحدهما : أنها تأتي فيما كان بعدها مصدر لما قبله وسبب له.

تقول : (فعلت هذا عن أمرك) (٢) و (كسوته عن العري) أي بسببه ، وكذلك مصدرا لما قبله وسببا له انتصب عن المفرد ، وعن الجملة ، أي بسببهما.

الثاني : أنهما بمعنى (بعد) كقوله تعالى : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ)(٣) وكذلك تقول : انتصب بعد مفرد ، وبعد جملة ، والأولى أولى.

قوله : (مقدار غالبا) يعني أن الذات المذكورة لا تكون إلا عن مفرد مقدار قوله : (غالبا) يحترز من نحو (خاتم حديدا) وهو كل نوع أضيف إلى جنسه ، فإنه من الذات المذكورة المفردة ، لكنه غير مقدار ، والمراد بالمقدار ما كان له قدر معروف (٤) كقولك (عشرون درهما) وكذلك (عندي خاتم حديدا) إذا أردت أن الذي معك من الحديد مقدار خاتم ، وأما إذا أردت أن الخاتم من جنس الحديد فإنه غير مقدار ، والمقدار يكون أحد أربعة

__________________

(١) ينظر شرح المقدمة المحسبة ٣١٩ ـ ٣٢٠.

(٢) ينظر شرح الرضي ١ / ٢١٦ ، والعبارة منقولة عن الرضي بتصرف.

(٣) الانشقاق ٨٤ / ١٩.

(٤) ينظر شرح الرضي ١ / ٢١٧.

٤٤٤

أشياء ، إما معددا نحو (عشرون درهما) أو مقدرا به نحو : (عليه شعر كلبين ذنبا) وإما مكيلا نحو : (قفيز برا) و (أردب قمحا) أو مقدرا به ، (مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً)(١) وإما موزونا نحو (رطل زيتا) و (منوان سمنا) أو مقدرا به نحو (على التمرة مثلها زبدا) (٢) وإما ممسوحا نحو (جريب نخلا) أو مقدرا به نحو (ما في السماء موضع كفّ سحابا).

قوله : (إما في عدد نحو : ((عشرين درهما)) وسيأتي) يعني في أسماء العدد. قوله : (وأما في غيره) (٣) يعني في غير المعدود وهو الموزون نحو : (رطل زيتا) و (منوان سمنا). مثل مثالا في المفرد ، ومثالا في المثنى لأجل النون والتنوين.

قوله : و (على التمرة مثلها زبدا) هذا مثال للمقدار بالموزن وتمييز مثل وغيره وما بمعناها من المقدار نحو : (جاءني مثلك رجلا وغيرك رجلا ، وبطولك قامة).

قوله : (فيفرد إن كان جنسا) (٤) يعني يفرد التمييز في الذات المذكورة إذا كان جنسا في حال التثنية والجمع فنقول : (عندي أرطال عسلا) و (بريك ماء) و (غرارة حبا) و (جريب نخلا) ولا نقول : أعسالا ولا مياها ،

__________________

(١) آل عمران ٣ / ٩١ وتمامها : (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ.)

(٢) ينظر شرح المفصل ٢ / ٧٠ وما بعدها ، وشرح المصنف ٤٢.

(٣) قال الرضي في شرحه ١ / ٢١٨ : أي في غير العدد ، وليس مراده بقوله : رطل زيتا ومنوان سمنا ومثلها زبدا ـ بيان أنواع المقادير بل بيان ما يتم به الاسم المفرد ، كأنه يتم في أربعة أشياء :

إما بنون الجمع كعشرين ، وإما بالتنوين وهو إما ظاهر كما في (رطل زيتا) أو مقدر كما في (خمسة عشر) وفي كم وإما بنون التثنية كما في (منوان سمنا) ، وإما بالإضافة كما في مثلها).

(٤) واعترضه الرضي في ١ / ٢١٩ وقال ليس بتقسيم حسن والحق أن يقال : إن التمييز عن الذات المذكورة إما أن يكون عن عدد أو غيره ، والأول إما أن يكون جنسا أو لا.

٤٤٥

وأما في حال الإفراد فهو لازم سواء كان جنسا أو غير جنس ، والمفرد بالجنس هاهنا يطلق على القليل والكثير ، كالتمر والماء والعسل والمصادر ، لا ما يقابل العلم كـ (رجل وامرأة وفرس) فإنها تجب المطابقة فيه كما تجب في غير الجنس ، وإنما وجب إفراده لأنه يدخل فيه القليل والكثير فاستغنوا بالإفراد عن الجمع لحصول الفائدة ولأنه أخف.

قوله : (إلا أن يقصد الأنواع) (١) يعني أنك إذا قصدت أجناسا مختلفة جاز لك المطابقة وعدمها ، فتقول (عندي أرطال سمونا وعسولا) إذا أردت سمن بقر وغنم ومعز وعسل أبيض ، وأحمر وأزرق ، قال تعالى :

(بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً)(٢) وإن كانا صنفين نحو : أن يكون البعض سمنا ، والبعض عسلا أتي بالواو العاطفة [ظ ٥٦] تقول عندي رطل سمنا وعسلا ، ويجوز حذف الواو ، وتغليب (٣) أحدهما على الآخر.

قوله : (ويجمع في غيره) أي في غير الجنس الذي يطلق على القليل والكثير ، فتقول (عندي جماعة رجالا ، وقمطرا كتبا ، وقنطارا ثوبا) وتجب المطابقة إفرادا وتثنية وجمعا ، خوفا للبس ، وقد يأتي الإفراد حيث لا لبس

__________________

(١) قال الرضي في شرحه ١ / ٢١٩ : (والجنس إما أن يقصد به الأنواع أو لا وعلى كلا الوجهين يجب إفراد التمييز.

(٢) الكهف ١٨ / ١٠٣ وتمامها : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً.)

(٣) التغليب وهو أن يغلب أمر على أمر أي يمتزج به ويعلو عليه ويغلب عليه وهو نوع من الخطاب العربي استعمله العرب ليعبروا به عن الأكثر ليدخل فيه الأقل مثل قوله تعالى : (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) ولم يقل مع الراكعات مع أن الخطاب لمريم ولكن قال العلماء : على سبيل التغليب لأن واقع الرجال يركعون أكثر من النساء للأعذار العارضة لهن ...) ينظر اللسان مادة (غلب) ٥ / ٣٢٧٩.

٤٤٦

نحو : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً)(١).

قوله : (ثم إن كان بتنوين (٢) ، أو نون تثنية ، جازت الإضافة) تمييز المقدار يأتي بعد تمام الاسم ، ومعنى تمام الاسم أن يكون على حالة لا تمكن الإضافة معها ، لأن الاسم مستحيل إضافته مع التنوين والنونين ومع الإضافة ، لأن المضاف لا تصح إضافته.

ثانيا مع بقائه مضافا ، فبمثابة الفعل إذا تم بفاعله ، لأنها في آخر الاسم (٣) كما أن الفاعل عقيب الفعل ، والتمام بنون التثنية نحو (منوان سمنا) والتنوين نحو (رطل زيتا) وبالإضافة نحو (على التمرة مثلها زبدا) وعلى بالنون الشبيهة بنون الجمع نحو (عشرون درهما) وبالتركيب نحو (أحد عشر درهما) فما كان بالإضافة ، أو بالنون الشبيهة بنون الجمع ، أو بالمركب لم تجز إضافته إلى التمييز ... أما المركب فلأنه يؤدي إلى جعل ثلاثة أشياء كشيء واحد ، وذلك مستثقل ، وأما الإضافة فلأنك إذا أضفت في (على التمرة مثلها زبدا) مع بقاء الضمير ، فالضمائر لا تضاف ، وإن حذفته صار مثل (زبد) والتبس ولم يفهم منه معنى ، وأما نون عشرون فإن أضفت مع بقائها ، فهي كنون الجمع ، ونون الجمع لا تحذف للإضافة (٤)

__________________

(١) النساء ٤ / ٤ وهي : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً.)

(٢) في الكافية المحققة بالتنوين بدل بتنوين. أو بنون بدل أو نون.

(٣) ينظر شرح الرضي ١ / ٢١٨ والعبارة من قوله : (يأتي بعد إلى قوله الاسم) منقولة عن الرضي دون إسناد.

(٤) قال الكسائي : ومن العرب من يضيف العشرين وأخواته إلى التمييز نكرة ومعرفة فيقول (عشرو درهم وأربعو ثوب) ينظر الهمع ٤ / ٧٦.

٤٤٧

وإن حذفتها فهي من نفس الكلمة. قال ركن الدين : (١) يفهم من هذه العلة (أن عشرون) لا تصح إضافته ، وقد أضافوه إلى المالك فقالوا (عشر وزيد) والأولى في التوجيه ، أنها إنما أضيفت الإضافة إلى التمييز لأنها بمعنى (من) ، فلو أضافوه لألبس بمعنى (اللام) وهي إضافته إلى المالك ، وضعّفه الوالد وقال : يلزم من هذا أن لا تجوز الإضافة في (رطل زيتا) و (منوان سمنا) لاحتمالها أن تكون بمعنى (اللام) قال : والأقرب أن يقال الإضافة بمعنى (من) قليلة ، وحذف النون فيه صعوبة ، لأنها كالتي هي من أصل الكلمة فانضم قلة إلى حذف ما هو كالأصل فترك (٢) ، وأما (حسن وجهه) في (حسنين وجها) فهو عن نسبة ، وكلامنا في التمييز عن المفرد ، وأما ما كان تمامه بالتنوين أو نون التثنية جاز فيه الجر على الإضافة والنصب على التمييز وعلى الحال ، ويتأول بالمشتق ، فإن قيل صاحبها نكرة ، فالجواب : أنه جائز ، لأنها غير صفة في الأصل ، والمنع إنما يكون لأجل التباسه بالصفة والرفع على الإتباع ، فقال سيبويه : (٣) صفة ، وقال بعضهم : بدل ، وضعف بأنه غير الأول ، وقال بعضهم : عطف بيان ، وهو أضعف ، لأنه غير الأول ، ولأن عطف البيان لا يكون في النكرات.

قوله : (وإلا فلا) (٤) يعني وإن لم يكن بتنوين ولا نون تثنية لم تجز الإضافة ، وذلك حيث يكون مركبا ، أو مضافا أو بنون جمع ، كما تقدم.

__________________

(١) ينظر الوافية في شرح الكافية ١٢٩ ، والعبارة منقولة بتصرف.

(٢) قال الرضي في شرحه ١ / ٢١٩ : إنما جازت الإضافة إيثارا للتخفيف وذلك نحو (رطل زيت) (منوان سمن) ، وكان عليه أن يقيد التنوين بالظاهرة ، فإن ما فيه تنوين مقدرة ، وهو ما بين كم الاستفهامية والجزء الثاني من أحد عشر وأخواته لا يضاف في الأغلب إلى التمييز).

(٣) ينظر الكتاب ١ / ١١٧ ، وشرح المفصل ٢ / ٧٣.

(٤) ينظر شرح المصنف ٤٢ ، وشرح الرضي ١ / ٢١٩ ـ ٢٢٠.

٤٤٨

قوله : (وعن غير مقدار (١) مثل : خاتم حديدا) وكذلك (ثوب خزا) و (باب ساجا) وهذا من المفرد الذي احترز عنه بقوله : (غالبا) هذا إذا أردت الخاتم نوع من جنس الحديد والثوب نوع من جنس الخز ، والباب نوع من جنس الساج ، وأما إذا قصدت أن الخاتم الذي عندك هو الحديد كله ، والثوب هو الخز كله ، والباب هو الساج كله ، كان من المقدار كـ (عشرون درهما).

قوله : (والخفض أكثر) يعني من النصب ، وإنما كان أكثر لأنه غير مقدار ، والإضافة مستقيمة لأنها إضافة نوع إلى جنس فإذا استقامت فهي أصل الباب. قال نجم الدين : (٢) إن لم يتغير اسم جنس فالجر لازم [و ٥٧] مثل (قطعة حديد) ولا يجوز نصبه ، وإن غيّر نحو : (خاتم حديد) جاز فيه الوجوه الثلاثة كـ (رطل زيتا) وقد حصر بعضهم غير المقدر في ما جاء بعد (كم ، وكأي وكذا ، ونعم ، وحبذا ، وبئس ، وفعل التعجب وحسن وحسنت ، وساء وساءت ، وكفى وأفعل التفضيل وحسبك ، وربّه ، ويا له رجلا ، وناهيك رجلا) و (لله دره فارسا) و (يا طيبها ليلة) و (ويحه) و (ويله) وفصّل نجم الدين فقال : (٣) أما نعم وبئس وحبذا وساء ، فلا ريب في أنه تمييز مفرد لا تبيين لضميرها ، وما عداها فإن لم يكن مضافا أو كان مضافا

__________________

(١) قال الرضي في شرحه ١ / ٢١٧ (وغير المقدار كل فرع حصل له بالتفريع اسم خاص يليه أصله ويكون بحيث يصح إطلاق الأصل عليه مثل خاتم حديدا وباب ساجا ، وثوب خزا والخفض في هذا أكثر منه في المقادير ، وذلك لأن المقدار مبهم محتاج إلى مميز ، ونصب المميز نص على كونه مميزا وهو الأصل في التمييز ، بخلاف الجر فإنه علم الإضافة.

(٢) ينظر شرح الرضي ١ / ٢١٨.

(٣) ينظر شرح الرضي ١ / ٢١٨ ـ ٢١٩.

٤٤٩

إلى ضمير غير عائد إلى مذكور فما بعده تمييز مفرد ، وإن كان مضافا إلى ظاهر ، أو ضمير يفسره ظاهر قبله ، نحو (لله زيد فارسا) أو (زيد لله دره فارسا) فهو من التمييز عن الجملة الحاصل عن الإضافة.

قوله : (والثاني عن نسبة (١) في جملة) يعني الذات المقدرة وهو تمييز الجملة ، ومراده بالنسبة أن التمييز في هذا القسم حاصل عن نسبة متعلقة بمذكور ، لأن قولك (طاب زيد) لا إبهام في واحد منهما ، وإنما الإبهام نشأ عن نسبته إلى أمر يتعلق بزيد فاحتيج إلى تفسير ذلك الإبهام (٢) ، فقيل : (طاب زيد نفسا) أو (قلبا) أو (خاطرا) تميزه بما تشاء من الإبهام بخلاف قولك عشرون درهما ، فإن الإبهام حاصل عن الذات المذكورة ، فالجملة نحو : (طاب زيد نفسا) و (اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً)(٣) والمضاهي الفعلية والمضاهي لها. قال الإمام يحيى بن حمزة : (٤) وهو الإضافة نحو (يعجبني طيبه أبا وأبوة) وضعّف الشيخ (٥) جعله قسما ثالثا. قال الوالد في البرود :المضاهي قولك (زيد طيب أبا وأبوه ودارا وعلما) وإنما كان مضاهيا

__________________

(١) فالتمييز في هذا القسم عن نسبة يقصد بها إلى أمر يتعلق بالمذكور ثم يتميز بعد ذلك ، فلولا ذلك لم يكن ثم ما يحتاج تفسيره للإبهام إلى تمييز ، لأن قولك طاب زيد لا إبهام في واحد منهما ، وإنما الإبهام نشأ من نسبة الطيب إلى أمر يتعلق بزيد فاحتيج إلى تفسيره للإبهام) ينظر شرح المصنف ٤٢ ، وقد نقل الشارح جزءا من عبارة الشيخ دون إسناد.

(٢) هذه العبارة منقولة من شرح المصنف ٤٢.

(٣) مريم ١٩ / ٤ وتمامها : (قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا.)

(٤) ينظر رأي الإمام يحيى بن جمزة في الأزهار الصافية ٤١٦.

(٥) قال المصنف في شرحه ٤٢ : (لأنها أمكنت إضافته وكما يرفع الإبهام بالنصب يرفع بالإضافة فجاز الوجهان لاستواء دلالتهما على الفرض المقصود. وإلا فلا أي وإلا يكن تنوين أو نون تثنية فلا يجوز الإضافة وذلك لتعذرها).

٤٥٠

للجملة ولم يكن جملة ، لأن الإبهام نشأ من نسبة الصفة إلى الضمير ، وليست الصفة مع ضميرها جملة ، بل هي مفرد معه ، وإنما شابهت الجملة من حيث إنّ فيها مسندا ومسندا إليه ، وقال نجم الدين : (١) المضاهي ما شابه الجملة ، والمشابه اسم الفاعل نحو : (زيد متفتق شحما) واسم المفعول نحو (زيد متفتق شحما) و (الأرض مفجّرة عيونا) والصفة المشبهة نحو (زيد حسن وجها) وأفعل التفضيل نحو : (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً)(٢). و (خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا)(٣). والمصدر نحو (يعجبني طيبه أبا) وكذلك ما كان فيه معنى الفعل نحو (حسبك بزيد رجلا) و (يا لزيد فارسا) و (ويلم زيد رجلا) وقد دخل.

قوله : (أو إضافة في شبه الجملة) وإنما كثّر الأمثلة ، لأن في كل واحدة منها فائدة فـ (طاب زيد نفسا) مثال الجملة (وزيد طيب أبا) مثال لما يصح جعله لمن انتصب عنه من المضاهي وهو غير جنس ، و (أبوّة) جنس (دارا) لما يصح جعله لما انتصب عنه وهو غير جنس (وأبوّة) جنس ، و (علما) لما هو جنس.

قوله : (أو في إضافة مثل : يعجبني طيبه أبا ، وأبوّة ودارا وعلما (٤) ولله دره فارسا) وإن كان قد دخل في جملة الإضافة لاحتماله الحال.

__________________

(١) ينظر شرح الرضي ١ / ٢٢٠.

(٢) الكهف ١٨ / ٣٤ وهي : (وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً.)

(٣) الفرقان ٢٥ / ٢٤ ، وهي بتمامها : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً.)

(٤) قال الرضي في شرحه ١ / ٢٢٠ ، تفصيل للتمييز الكائن عن النسبة وذلك أن يقال : إما أن يكون نفس ما انتصب عنه لا غير نحو (كفى زيد رجلا).

٤٥١

قوله : (ثم إن كان اسما يصح جعله لما انتصب عنه ، جاز أن يكون له ولمتعلقه ، وإلا فهو لمتعلقه) (١) يعني إن كان التمييز اسما ، ويحترز من الصفة ، قوله : (يصح جعله لما انتصب عنه) يحترز مما يجب جعله لما انتصب عنه ، نحو (طاب زيد نفسا) و (كفى زيد رجلا) فإن النفس والرجل يجب أن يرجعا إلى زيد ولا يصح أن يرجعا إلى متعلقه ، وقد جعل هذا اعتراضا على المصنف (٢) بأن قيل : هذا مما يصح جعله لما انتصب عنه [ظ ٥٧] ولم يجز أن يكون لمتعلقه ، فالعموم غير مستقيم.

قوله : (جاز أن يكون له ولمتعلقه) يعني أنك إذا قلت (طاب زيد أبا) فإن (أبا) يصح أن يكون لما انتصب عنه ، وهو زيد ، ويصح أن يكون أبا لزيد.

قوله : (وإلا فهو لمتعلقه) يعني إن لم يصح أن يجعله غير ما انتصب عنه ، نحو (طاب زيد دارا) فإن دارا لا يصح أن يكون زيدا بل متعلقة به (٣).

قوله : (فيطابق فيهما ما قصد) يعني في التمييز الذي جعلته لما انتصب عنه ، والتمييز الذي جعلته لمتعلقه (٤) ، والمراد بالمطابقة في الإفراد والتثنية والجمع ، فتقول لما يصح جعله لما انتصب عنه ، إذا أردت أن زيدا هو الأب (طاب زيد أبا) (طاب الزيدان أبوين) (طاب الزيدون آباء) (٥)

__________________

(١) ينظر شرح الرضي ١ / ٢٢٠ ، وشرح المصنف ٤٣.

(٢) وقد اعترض على المصنف الرضي في شرحه في ١ / ٢٢٠ ـ ٢٢١.

(٣) ينظر شرح الرضي ١ / ٢٢١.

(٤) هذه العبارة منقولة عن الرضي في ١ / ٢٢١ دون أن يسندها الشارح إليه ...

(٥) ينظر شرح الرضي ١ / ٢٢١.

٤٥٢

فأما قوله (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً)(١) فقيل : على حذف مضاف ، أي (حسن رفيق أولئك) وقيل رفيق كعدو وصديق يطلق على المفرد والجمع ، وإن أردت أن زيدا غير الأب ، بل (أبوة) طابقت ما قصدت ، فينفرد ويثنى ويجمع فتقول (طاب زيد أبا) (طاب زيد أبوين) (طاب زيد آباء) إذا أردت جهات الأبوة ، وتعكس فتقول (طاب زيد أبا) (طاب الزيدان أبوين) (طاب الزيدون آباء) ، إذا كان أبوهم واحدا ويطابق فتقول : (طاب زيد أبا) و (طاب الزيدان أبوين) و (طاب الزيدون آباء) إذا أردت آباء متعددة بتعددهم و (طاب زيد نفسا (٢) ، والزيدان نفسين ، والزيدون نفوسا) إلا أنك فيما لا لبس يجوز لك الإفراد ، قال نجم الدين : بل الإفراد أولى (٣) ، قال تعالى : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ)(٤) والذي لمتعلقه يطابق ما قصدت ، فإذا أردت أن له دارا وحده ، قلت : طاب زيدا دارا ، وإن كانت له ولغيره قلت : (طاب الزيدان أو الزيدون دارا) وإن كانت له دور ، قلت : (طاب زيد دورا) وإن كن بعددهم ، قلت (طاب الزيدان دارين ، والزيدون دورا) تطابق ما قصدت.

قوله : (إلا أن يكون جنسا) يعني التمييز ، مثل (طاب زيد علما) ، فإنها لا تجب المطابقة ، بل تقول (طاب زيد علما ، والزيدان علما والزيدون

__________________

(١) النساء ٤ / ٦٩ وهي : (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا).

(٢) ينظر شرح ١ / ٢٢١ ، وشرح المصنف ٤٣.

(٣) ينظر شرح الرضي ١ / ٢٢٢ قال : فالإفراد أولى وعدم المطابقة نحو : (هم حسنون وجها وطيّبون عرضا ويجوز وجوها وأعراضا).

(٤) النساء ٤ / ٤.

٤٥٣

علما) (١).

قوله : (إلا أن يقصد الأنواع) يعني فإنها تثنى وتجمع بحسب الأنواع ، تقول : (طاب زيد علوما ، وعلمين ، وطاب الزيدان علوما ، وطاب الزيدون علوما) إذا قصدت سائر أنواع العلوم (٢) ، من الفقه والنحو واللغة والأصول ، والاستثناء الأول متصل ، والثاني يحتمل الاتصال والانقطاع لأن المطابقة بين مختلفين.

قوله : (وإن كان صفة ، كانت له وطبقه) يقال بفتح الطاء وكسرها ، ويجوز مع فتح الطاء فتح الباء وإسكانها ، يعني إن كان التمييز صفة ، وهو الذي احترز عنه بقوله : (ثم إن كان اسما كانت له) ووجبت مطابقتها له فتقول : (لله دره فارسا) (لله درهما فارسين) (لله درهم فوارس) (٣).

قوله : (واحتملت الحال) يعني الصفة ، وهي فارسا ، ولكن التمييز أولى ، لأنه أكثر في المدح من كونه غير مقيد والحال مقيد ، قال الوالد :والظاهر أنه أوجب المطابقة في الصفة مطلقا على العموم ، وليست إلا في : (لله دره فارسا) بعينه فقط لا يتعداه وإلا انتقض عليه بـ (طاب زيد والدا) و (طاب الخليفة أميرا) فإنه لا يجب كونها له ، وكونها مطابقة ، وفي قوله : (ثم إن كان اسما يصح جعله لما انتصب عنه ، ثلاثة أوهام :

أحدهما : أن اسما لغولا حاجة إليه.

__________________

(١) ينظر شرح المصنف ٤٣ ، وشرح الرضي ١ / ٢٢١.

(٢) ينظر شرح الرضي ١ / ٢٢٢.

(٣) ينظر شرح المصنف ٤٣ ، وشرح الرضي ١ / ٢٢٢.

٤٥٤

الثاني : في قوله : يصح جعله لما انتصب عنه معترض بـ (طاب زيد نفسا) و (كفى بزيد رجلا) فلو أسقط اللام لكان أولى فإن قال هذا [و ٥٨] مما يجب جعله لما انتصب عنه ، قلنا : هذا دور وتعبير عن الشيء بنفسه ، كأنك قلت : إن كان نحو : أن يكون له ، ويجوز أن يكون لمتعلقه فهو له ولمتعلقه.

الثالث : قوله : (لما انتصب عنه) يريد به زيدا ، وهم لا يطلقون ذلك في المفرد إلا على ما به تمام الاسم ، وهو التنوين أو النون أو الإضافة ، ولا يطلقونه في الجملة إلا على الجملة كلها ، لأنه ينصب عنها لا عن الفاعل ، مثلا ألا تراه يقول : هو وغيره لم يقع اللبس في الفعل وحده ، ولا في الفاعل وحده ، وإنما هو في النسبة إليهما ، فلو قال : ثم إن كان يصح جعله تاما انتصب عمن نسب إليه جاز له ولمتعلقه غالبا ، ليخرج (طاب زيد نفسا) كان أولى.

قوله : (ولا يتقدم التمييز) (١) يعني (على عامله مطلقا) وحاصله أنه إن كان تمييز مفرد لم يجز مطلقا ، لا نقول (درهما عشرون) لضعف عامله ، وإن كان جملة ، فإن كان العامل غير متصرف أو مما لا يتقدم معموله عليه ،

__________________

(١) قال ابن الحاجب في شرحه ٤٣ : والأصح أن لا يتقدم على الفعل خلافا للمازني والمبرد ، وإنما امتنع تقديم التمييز عند المحققين مع الفعل لأنه في المعنى فرع عن الفاعل والفاعل لا يصح تقديمه فالفرع أجدر ، والثاني أن الأصل في التمييزات أن تكون موصوفات بما انتصب عنه ، وإنما خولف بها لغرض الإبهام أو لا ثم التفسير ثانيا وتقديمه مما يخل بمعناه فلما كان تقديمه يتضمن إبطال معنى كونه تمييزا لم يستقم ، فإذا امتنع التقديم في الفعل فهو في غيره أجدر ، وينظر شرح الرضي ١ / ٢٢٣ والكتاب ١ / ٢٠٤ ـ ٢٠٥.

٤٥٥

أو مما فيه معنى الفعل ، نحو : (لله دره فارسا) و (ويلم زيد رجلا) و (ويحه رجلا) لم يجز مطلقا ، وإن متصرفا لم يجز أيضا عند الجمهور ، لأن أصل تمييز الجملة الفاعل ، والفاعل لا يتقدم على عامله ، لأن معنى قولك (طاب زيد نفسا) (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً)(١) طابت نفس زيد ، واشتعل شيب الرأس ، وقد ينوب المطاوع مناب المطاوع والعكس إذا لم يصح تأويله بالفاعل ، فتقول : (تفجرت عيون الأرض) وملأ الماء الإناء (فَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً)(٢) (وامتلأ الإناء ماء) وأجاز المبرد (٣) والمازني (٤) تقدم التمييز على عامله المتصرف ، فتقول : (نفسا طاب زيد) ، وقيل واشترطوا أن لا يكون الفاعل بحرف نحو : (كَفى بِاللهِ شَهِيداً)(٥) واحتجوا على الجواز بقوله :

[٢٤١] ...

وما كان نفسا بالفراق تطيب (٦)

__________________

(١) مريم ١٩ / ٤ ، وتمامها : (قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا.)

(٢) القمر ٥٤ / ١٢ ، وتمامها : (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ.)

(٣) ينظر المقتضب ٣ / ٣٦ ، والأصول ١ / ٢٢٣ ـ ٢٢٤ ، والهمع ٤ / ٧١.

(٤) ينظر الإنصاف ٢ / ٨٢٨ ، وشرح التسهيل السفر الثاني ١ / ١٠٦ ، وشرح المصنف ٤٣ ، وشرح الرضي ١ / ٢٢٣ ، والهمع ٤ / ٧١.

(٥) النساء ٤ / ٧٩ وهي بتمامها : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً.)

(٦) عجز بيت من الطويل ، وصدره :

أتهجر ليلى بالفراق حبيبها

وهو للمخبل السعدي في ديوانه ٢٩٠ وله ولغيره ، ينظر المقتضب ٣ / ٣٦ ـ ٣٧ ، والأصول ١ / ٢٢٤ ، والجمل للزجاجي ٢٤٣ ، والخصائص ٢ / ٣٨٤ ، والإنصاف ٢ / ٨٢٨ ، وشرح المفصل ٢ / ٧٣ ـ ٧٤ ، وشرح التسهيل السفر الثاني ١ / ١٠٦ ، وشرح الرضي ١ / ٢٠٤ ، وشرح ابن عقيل ١ / ٦٧٠ ، وهمع الهوامع ٤ / ٧١.

ويروى لعدة شعراء منهم : أعشى همدان ، وقيس بن الملوح ، وقيس بن معاذ ـ وللمخبل السعدي.

والشاهد فيه قوله : (نفسا) حيث قدم التمييز على عامله المتأخر المتصرف وهو تطيب ، ويروى بروايات أخرى مثل ولم تك نفسي ويفوت بها الاستشهاد.

٤٥٦

وأجيب بجوابات أنه شاذ ، وأن الرواية نفسي وإن نفسا بمعنى شخص ، وهو خبر كان ، وضعفت هذه الأجوبة بوروده في غيره نحو :

[٢٤٢] أنفسا تطيب بنيل المنى

وداعى المنون ينادي جهارا (١)

تقدم التمييز على الفاعل وحده فجائز (٢) نقول (طاب نفسا زيد) (واشتعل شيبا الرأس).

__________________

(١) البيت من المتقارب وهو لرجل من طيء ، ينظر شرح التسهيل السفر الثاني ١ / ١٠٧ ، ومغني اللبيب ٦٠٣ ، وشرح شواهد مغني اللبيب ٢ / ٨٦٢ ، وأوضح المسالك ٢ / ٣٧٢ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٤١.

والشاهد فيه قوله : (أنفسا) حيث قدم التمييز على عامله وهذا قليل عند سيبويه والجمهور وقياسي عند الكسائي والمبرد.

(٢) ينظر شرح الرضي ١ / ٢٢٣.

٤٥٧

المستثنى

قوله : (المستثنى) (١) هذا ثالث المشبهات ، وله شبه عام بالمفعول من حيث كونه فضلة ، وخاص بالمفعول معه من حيث كل واحد منهما متعد إليه الفعل بواسطة حرف ، وهي الواو في المفعول معه ، و (إلا) في الاستثناء.

قوله : (متصل ومنقطع) قدم قسمته على حده ، لأنه لا يمكن حد قسمته معا بحدّ معنوي ، لأن أحدهما مخرج ، والآخر غير مخرج ، وإما بحد لفظي فيمكن أن يقال : المستثنى هو المذكور بعد إلا وأخواتها.

قوله : (فالمتصل هو المخرج من متعدد لفظا أو تقديرا) يعني حد المتصل ما ذكر قوله : (المخرج) جنس عمّ المتصل والمنقطع ، وقوله : (من متعدد) خرج المنقطع ، لأنه لم يدخل فيه فيخرج قوله : (لفظا أو تقديرا) تقسيم محتمل أن يرجع إلى المخرج ، وأن يرجع إلى متعدد (٢) ، فإن رددته إلى المخرج ، فالمخرج لفظا ، مثل (قام القوم إلا زيدا) والتقدير : جاء زيد ليس إلا ، وإن رددته إلى المتعدد فاللفظ نحو (عندي عشرة إلا درهما) و (جاء

__________________

(١) للتفصيل ينظر شرح المصنف ٤٣ ـ ٤٤ ، وشرح الرضي ١ / ٢٢٤ ـ ٢٢٥ ، وشرح المفصل ٢ / ٧٥ وما بعدها ، والأصول في النحو لابن السراج ١ / ٢٩٠ وما بعدها ، وشرح التسهيل السفر الأول ٢ / ٩٠٢ وما بعدها ، والهمع ٣ / ٢٤٧ وما بعدها.

(٢) ينظر شرح الرضي ١ / ٢٢٤.

٤٥٨

الرجال إلا زيدا) ، والتقدير ألفاظ العموم والمحذوف نحو (قام القوم إلا زيدا) (وَالْعَصْرِ ، إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا)(١) و (ما جاء إلا زيد) أي ما جاءني أحد إلا زيدا.

قوله : (بإلا وأخواتها) خرج المخرج من متعدد لا بحرف نحو (الصفة) في قولك (أكرم بني تميم العلماء) والبدل نحو : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(٢) والشرط نحو (أكرم القوم إن دخلوا الدار) وما كان غير (إلا) وأخواتها من الحروف نحو (جاء القوم لا زيد) ولكن (زيد) ولم يجيء زيد ، فإنه ليس بداخل فيخرج [ظ ٥٨] سواء كان من جنس المتعدد أم لم يكن ، وإلا وأخواتها عشر : خلا وعدا وما خلا وما عدا ، وليس ولا يكون وحاشى ، وغير وسوى ، وزاد الزمخشري (سيما) (٣) وبعضهم (لما) (٤) نحو قوله تعالى : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ)(٥) وحكى الخليل وسيبويه (٦) أنها قد تكون بمعنى (إلا) وزاد بعضهم (بله) (٧) لأنها بمعنى (دع) فبعدها مخالف لما قبلها ، وبعضهم (دون) واعلم (أن الاستثناء

__________________

(١) العصر ١٠٣ / ١ ـ ٢ ـ ٣.

(٢) آل عمران ٣ / ٩٧.

(٣) ينظر المفصل ٦٨ ، وشرحه لابن يعيش ٢ / ٨٥.

(٤) وممن ذهب إلى أنها أداة استثناء ابن هشام في المغني ٣٧٠ ـ ٣٧١ ورد على الجوهري بقوله : وفيه رد على الجوهري : إن لّما بمعنى إلا غير معروف في اللغة.

(٥) الطارق ٨٦ / ٤ ، وقد قرأ هنا بالتشديد ابن عامر وعاصم وحمزة ، وقرأ الباقون بالتخفيف ، ينظر فتح القدير ٥ / ٤١٩ ، وأحكام القرآن للقرطبي ٨ / ٧٠٩٣ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٤٨ ـ ٤٤٩.

(٦) ينظر الكتاب ٢ / ٣٢٦ ، وشرح التسهيل السفر الأول ٢ / ٩١٦.

(٧) ينظر المغني ١٥٦.

٤٥٩

المتصل مشكل باعتبار تعقله (١) لأنك إذا قلت (جاء القوم إلا زيدا) وقلت إن زيدا غير داخل في القوم ، خالفت إجماع أهل العربية ، وإجماعهم مقطوع به في تفاصيل العربية ، وقد أطلقوا أن الاستثناء المتصل مخرج ولا إخراج إلا بعد الدخول) وإن قلت إنه داخل في القوم و (إلا) أخرجته بعد الدخول لكان المعنى جاء زيد مع القوم ولم يجيء معهم وهذا تناقض ظاهر ينبغي أن لا يرد في كلام العقلاء (٢) وقد ورد في الكتاب العزيز الاستثناء المتصل شيء كثير نحو قوله : (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً)(٣) فيكون المعنى لبث الخمسين في جملة ألف لم يلبث الخمسين ، تعالى الله عن مثل هذا علوا كبيرا (٤) ، وقد اختلف فيه على أقوال الأول للكسائي وأكثر أهل الأصول (٥) أنه غير داخل وأن المتكلم أراد بالقوم جماعة لجنس ليس فيهم زيد ، و (إلا) قرينة تدل السامع على مراد المتكلم كالتخصيص بالصفة (٦) وغيرها ، وضعف بأن (عندي عشرة إلا درهما) لأنه إذا لم يرد دخوله في عشرة كان مريدا بلفظة عشرة تسعة وهو محال ،

__________________

(١) هذه العبارة منقولة عن الرضي ١ / ٢٢٤ ـ ٢٢٥ وهي من قوله : (أن الاستثناء إلى قول ...

بعدل الدخول) وجملة باعتبار تعقله ليست عند الرضي كذلك وإنما هي باعتبار معقوليته).

(٢) ينظر شرح الرضي ١ / ٢٢٥ وهي منقولة عنه دون إسناد ، وهي من تمام الفقرة السابقة في الهامش رقم (٧).

(٣) العنكبوت ٢٩ / ١٤ ، وهي : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ.)

(٤) ينظر شرح الرضي ١ / ٢٢٥ ، وشرح المصنف ٤٤ ، والعبارة منقولة عن الرضي ١ / ٢٢٥.

(٥) ينظر إرشاد الفحول للشوكاني (٢٥٠) وما بعدها.

(٦) ينظر المصدر السابق ٢٦١.

٤٦٠