النّجم الثاقب - ج ١

صلاح بن علي بن محمّد بن أبي القاسم

النّجم الثاقب - ج ١

المؤلف:

صلاح بن علي بن محمّد بن أبي القاسم


المحقق: الدكتور محمّد جمعة حسن نبعة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٠٥
الجزء ١ الجزء ٢

الأول : قوله : (بعد حرف الشرط) يحترز من أن يقع قبله نحو : زيد إن تكرمه يكرمك ، فإنه يجب الرفع ، ويعني بحروف الشرط ، (إن) و (لو) و (إما) فهي من قرائن الرفع كما تقدم ، نقول (إن زيدا ضربته ضربتة) و (لو زيدا ضربته ضربته) وإنما وجب النصب لأن الفعل واجب بعدها ، فإن كان ظاهرا وإلا قدر ، وإذا وجب الفعل وجب النصب بخلاف (أما) فإن فعلها واجب الحذف ، وإذا قدر لم يقدر إلا لازما ، خلافا للكسائي (١) ، فإنه لا يوجب الفعل بعد حرف الشرط واحتج بقوله :

 [٢٠١] لا تجزعى إن منفس أهلكته (٢)

 ...

وقوله :

[٢٠٢] أتجزع إن نفس أتى حماها (٣)

 ...

__________________

(١) ينظر رأي الكسائي في شرح الرضي ١ / ١٧٥.

(٢) صدر بيت من الكامل وهو للنمر بن تولب في ديوانه ٧٢ وعجزه :

وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي

ينظر الكتاب ١ / ١٣٤ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٦٠ ، وشرح المفصل ٢ / ٣٨ ، وشرح الرضي ١ / ١٧٤ ، والجنى الداني ٧٢ ، ومغني اللبيب ٢٢٠ ، وشرح ابن عقيل ١ / ٥٢١ ، واللسان مادة (نفس) ٦ / ٤٥٠٣.

والشاهد فيه قوله : (إن منفس) حيث وقع الكلام المرفوع بعد أداة الشرط إن والأكثر أن يلي هذه الأداة الفعل والبيت يروى بنصب منفسا فيكون منصوب بفعل محذوف يفسره المذكور ، هذا رأي سيبويه وجمهور البصريين. ينظر الكتاب ١ / ١٣٤ أما الرفع فهو اختيار الكوفيين وبالتالي تعرب منفس مبتدأ وخبره جملة (أهلكته).

(٣) صدر بيت من الطويل ، وهو لزيد بن رزين في شرح شواهد المغني ١ / ٤٣٦ وعجزه :

فهل أنت عما بين جنبيك تدفع

ويروى عند القالي :

فهلا التي عن بين جنبيك تدفع

ـ وبلا نسبة في الجنى الداني ٢٤٨ ، وخزانة الأدب ١٠ / ١٤٤ ، والمغني ١٩٨.

والشاهد فيه قوله : (إن نفس) حيث أعرب نفس فاعل لفعل محذوف يفسره المذكور والتقدير كما ذكر الشارح.

٣٨١

وتؤول بتقدير فعل أي هلك منفس وإن هلكت نفس أو ماتت نفس.

الثاني قوله : (وحروف التخصيص) [إن زيدا ضربته ، ضربك](١) وهي أربعة (لو لا) و (لوما) و (هلا) و (ألا) تقول (لولا زيدا ضربته) و (هلا زيدا ضربته) (وألا زيدا ضربته) وإنما وجب النصب لأنها لا تدخل إلا على الفعل الظاهر نحو (لولا ضربت زيدا) أو مقدرا نحو :

[٢٠٣] ...

لولا الكمىّ المقنعا (٢)

وإذا وجب الفعل وجب النصب لأنها للحض والتنديم وذلك لا يكون إلا في الأفعال. قوله :

[٢٠٤] ...

(إلي فهلا نفس ليلى شفيعها)

__________________

(١) ما بين الحاصرتين زيادة من الكافية المحققة.

(٢) قطعة من بيت من الطويل ، وتمامه :

تعدون عقر النيب أفضل مجدكم

بني ضوطرى لو لا الكمي المقنعا

وهو لجرير في ديوانه ٩٠٧ ، وينظر الخصائص ٢ / ٤٥ ، وشرح شواهد الإيضاح ٧٢ ، وشرح المفصل ٢ / ٣٨ ، والهمع ٢ / ٢١١.

والشاهد فيه قوله : (لولا الكمي) حيث دخلت لو لا التخضيضية على الاسم وهي مختصة بالفعل (الكميّ) مفعولا به لفعل محذوف.

(٣) عجز بيت من الطويل ، وصدره :

ونبئت ليلى أرسلت بشفاعة

وهو للمجنون في ديوانه ١٥٤ وله وللصمة القشيري ولغيرهما. ينظر الأغاني ١١ / ٣١٤ ، وشرح التسهيل السفر الثاني تكملة ابنه ٢ / ١٠٨٤ ، ورصف المباني ٤٧٢ ، والجنى الداني ٥٠٩ ـ ٦١٣ ، والمغني ١٠٣ ـ ٣٥٤ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٢١ ، وأوضح المسالك ٣ / ١٢٩ ، وشرح ـ الأشموني ٢ / ٣١٦ ، وهمع الهوامع ٤ / ٣٥٣ ، والخزانة ٣ / ٦٠.

والشاهد فيه قوله : (فهلا نفس ليلى شفيعها) حيث أضمر فيه ضمير كان الشأنية والتقدير ، فهلا كان نفس ليلى شفيعها فاسم كان ضمير الشأن المحذوف وخبر الجملة الاسمية نفس ليلى شفيعها وذلك لأن هلا تختص بالجمل الفعلية الخبرية. وإذا اتصلت الأسماء فعلى سيبل الشذوذ كما ذكر الشارح.

٣٨٢

شاذ ، وكذلك أسماء الشرط يتحتم بعدها النصب لأنه يليها الفعل وجوبا ولا يتأخر إلا ضرورة نحو :

[٢٠٥] صعدة نابتة في حائر

أينما الريح تميّلها تمل (١)

وقوله :

[٢٠٦] فمتى واغل ينبهم يحيّو

ه وتعطف عليه كاس الساقى (٢)

__________________

(١) البيت من الرمل ، وهو لكعب بن جعيل ولغيره. ينظر : الكتاب ٣ / ١١٣ ومعاني القرآن للفراء ١ / ٢٩٧ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ١٩٦ ، والإنصاف ٢ / ١١٨ ، وشرح ابن يعيش ٩ / ١٠ ، وشرح التسهيل السفر الثاني ٢ / ٣٥٧ ، وشرح الرضي ١ / ١٧٤ ، ولسان العرب مادة (حير) ٢ / ١٠٦٧ ، وهمع الهوامع ٤ / ٣٢٥ ، وخزانة الأدب ٣ / ٤٧ ، ٩٠ / ٣٨ ـ ٣٩. ويروى يزرهم مكابينهم.

والصعدة : القناة المستوية تنبت كذلك ولا تحتاج إلى تثقيف ، والحائر مجمع الماء.

والشاهد فيه قوله : (أينما الريح تميلها) حيث تقدم الفاعل على فعل الشرط وفصل بين الأداة والفعل ومع ذلك جزمها ضرورة.

(٢) البيت من الخفيف ، وهو لعدي بن زيد في ديوانه ١٥٦ ، والكتاب ٣ / ١١٣ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٨٨ ، وأمالي ابن الشجري ٢ / ٣٣٢ ، والإنصاف ٢ / ٦١٧ ، وشرح المفصل ٩ / ١٠ ، وشرح التسهيل السفر الأول ١ / ٦٩١ ، وشرح الرضي ١ / ١٧٤ ، واللسان مادة (وغل) ٦ / ٤٨٧٩ ، وهمع الهوامع ٤ / ٣٢٥ ، والخزانة ١ / ٤٥٦ ، ٣ / ٦٣٩.

والشاهد فيه قوله : (متى واغل ينبهم) حيث فصل بين أداة الشرط وفعل الشرط بفاصل وهو واغل وجزم فعل الشرط ضرورة وارتفاع الاسم بعدها بفعل يفسره المذكور على أنه فاعل.

٣٨٣

قوله : (وليس مثل : (أزيد ذهب به) منه) هذا القسم الخامس وهو حيث يجب الرفع (١) وذلك حيث ينخرم شرط من الشروط التي قد ذكر ، وقد نبه على ثلاث مسائل ، الأولى : قوله : (وليس مثل : (أزيد ذهب به) منه) يعني ليس هذه المسألة مما أضمر عامله ، لأنه لا يصح تسليط الفعل لوجوه ثلاثة :

أحدها : أن الفاعل لا يتقدم على فعله ، الثاني سلمنا صحة التسليط ، وشرط ما أضمر عامله لو سلط هو أو مناسبة لنصب ، لأن كلامنا في المفعول به ، هذا لو سلط هو أو مناسبه لرفع ، الثالث : سلمنا التسليط والرفع ، وشرطه أن يشتغل بضميره الذي لو حذف تسلط على المعمول ، وهذا ليس مستقلا ، لأنه لا يقام به مع وجود (زيد) فإذا لا اشتغال.

قوله : (فالرفع لازم) يعني على الابتداء ، والجملة التي بعده خبره ، وقد قيل في : (أزيد ذهب به) أنه يجوز النصب لـ (زيد) على أن المقام مقام الفاعل ضمير المصدر والمجرور في موضع نصب ، ويصير مثل قولك : (زيدا مررت به) وقد اختلف في دخول ما لم يسم فاعله في باب الإضمار بعد اتفاقهم على أنه غير مفعول ، فأجازه الكوفيون مطلقا وقالوا : ليس الإضمار مقصورا على ما ينصب ، بل يقدّر الرافع كما يقدّر الناصب (٢) ، أي (ذهب زيد به) ، ومنع المصنف (٣) وجماعة مطلقا ، وأجازه (٤) بعضهم إن

__________________

(١) ينظر شرح المصنف ٣٦ ، وشرح الرضي ١ / ١٧٧.

(٢) ينظر رأي الكوفيين في شرح الرضي ١ / ١٧.

(٣) ينظر شرح المصنف ٣٦.

(٤) وممن أجازه ابن السراج والسيرافي كما قال الرضي في ١ / ١٧٧.

٣٨٤

كان ثم ما يستدعي فعلا ، نحو : (أزيد قام؟) ، و (ما زيد قام) ثم اختلفوا على ما يرفع ، فمنهم من رجّح الابتداء ، ومنهم من رجّح الفاعلية (١).

الثانية قوله : (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ)(٢) يعني لا يكون من باب ما أضمر عامله على شريطة التفسير لفساد المعنى (٣) ، لأن المراد ، أن كل ما فعلوه فهو مكتوب عليهم في الزّبر ، وهذا لا يتم إلا حيث يجعل (كل شيء) مبتدأ و (فعلوه) صفة له ، وفي الزبر الخبر ، وهو متعلق بمحذوف وأمّا إذا جعل الخبر (فعلوه) و (في الزبر) متعلقة فسد المعنى لأنه يؤدي أن يكون فعلوا كلّ شيء وسط الزّبر ويكون الزبر ظرفا لفعلهم ، وأما إذا نصب فهو فاسد المعنى بكل حال ، لأنه يؤدي إلى أحد باطلين ، إما أن يكون المعنى : إنهم فعلوا كل شيء في وسط الزبر ، والزّبر ظرف ، كما في الوجه الثاني من وجهي الرفع ، والمعلوم أن أفعالهم ليست عامة لكل شيء ولا الزّبر ظرفا لها ، وإما أنه يصير المعنى أنهم فعلوا كل ما كان في الزبر ، وهو باطل ، لأنه أراد جميع الزبر فهذا مدح لهم والمعلوم خلاف هذا وهو أنهم ما فعلوا ما فيها بل تركوه ونبذوه وراء ظهورهم ، وإن أراد زبرهم فليس فيها شيء سوى ما فعلوه.

الثالثة قوله (نحو : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا)(٤) ، (وَالسَّارِقُ

__________________

(١) من رجح على الابتداء الأخفش ومن رجح على الفاعلية جمهور البصريين ينظر حاشية الجرجاني على شرح الرضي ١ / ١٧٧.

(٢) القمر ٥٤ / ٥٢.

(٣) ينظر شرح المصنف ٣٦ ، وشرح الرضي ١ / ١٨٧.

(٤) النور ٢٤ / ٢.

٣٨٥

وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا)(١)) يعني ليس من هذا الباب (٢) ، لأنه لو كان فيه لكان مما يختار فيه النصب ، لقلة وقوع الإنشاء خبرا فلما اتفق القراء على رفعه ، علم أنه ليس منه ، وقد اختلف في تأويله فقال المبرد (٣) والفراء (٤) والألف واللام بمعنى الذي [ظ ٤٨] والفاء دخلت بمعنى الشرط كما دخلت في (الذي يأتيني فله درهم) ، والكلام جملة واحدة لكن منع من العمل الفاء لأنها إذا كانت للشرط ، لم يعمل ما بعدها فيما قبلها ، فخرج عن الباب ، لأن من شرطه صحة التسليط ، وقوله : (الزَّانِي) و (الزَّانِيَةُ) عطف عليه ، و (فَاجْلِدُوا) الخبر ، وتقديره : (الذي زنا والتي زنت فاجلدوا) وهو ضعيف من حيث جعل الإنشاء خبرا وقوي نقله الحذف ، وقال سيبويه (٥) إن الكلام جملتان : الأولى خبرية ، والثانية إنشائية وتقديره فيما يتلى عليكم حكم الزانية والزاني فاجلدوا ، فحذف من الجملة الأولى الخبر وهو مما يتلى عليكم ، والمضاف من المبتدأ ، وهو حكم و (فاجلدوا) جملة ثانية إنشائية بيان للجملة الأولى ، والفاء للسببية ، كما في قولك : (زيد كريم فأكرمه) ، فامتنع أن يكون من هذا الباب ، لأنه لا يصح عمل فعل من

__________________

(١) المائدة ٥ / ٣٨ ، والقراء اتفقوا على الرفع إلا عيسى بن عمر قرأ بالنصب ، على الشاذ.

ينظر البحر المحيط ٣ / ٤٨٩ ـ ٤٩٠ حيث أورد كل القراءات ، وإعراب القرآن للنحاس ٢ / ١٩.

(٢) ينظر شرح المصنف ٣٦ ، وشرح الرضي ١ / ١٧٨.

(٣) ينظر رأي المبرد في الكامل ٢ / ٢٦٥ ـ ٢٦٦.

(٤) ينظر معاني القرآن للفراء ٢ / ٢٤٤ ، وشرح الرضي ١ / ١٧٨.

(٥) ينظر الكتاب ١ / ١٤٣ وما بعدها ، وشرح الرضي ١ / ١٧٨ ، وتفسير القرطبي ٥ / ٤٥٥١ وما بعدها في توجيه وتخريج القراءة والآراء الواردة في ذلك في سورة المائدة والنور. والنصب اختيار سيبويه قال : (وقد قرأ أناس (والسارق والسارقة) (والزانية والزاني) وهو في العربية على ما ذكرت لك من القوة ولكن أبت العامة إلا القراءة بالرفع) ، وقراءة النصب هي قراءة عيسى بن عمرو ويحيى بن يعمر وأبو جعفر وأبو شيبة ، ينظر الكتاب ١ / ١٤٤ ، وتفسير فتح القدير للشوكاني ٤ / ٤ ، والبحر المحيط ٦ / ٣٩٣.

٣٨٦

جملة في مبتدأ مخبر عنه بغيره من جملة أخرى (١) ، وكلام سيبويه ضعيف لكثرة الحذف ، وقوي حيث لم يجعل الإنشاء خبرا. وقال الإمام يحي بن حمزة إنهما جملتان (٢) والشرط في الجملة الأخرى محذوف تقديره الزانية والزاني إن زنيا فاجلدوا ، والفاء للشرط ، ولا يعمل ما بعدها فيما قبلها ، لأنها جملة أخرى ، ولأن الشرط لا يعمل ما بعده فيما قبله ، فخرج عن الباب ، وسماهما رأسين باسم ما يؤولان إليه.

__________________

(١) ينظر الكتاب ١ / ١٤٤ ، وشرح المصنف ٣٦ ، حيث نقل الشارح رأي سيبويه في الآية ونقله الشارح بتصرف

(٢) ينظر رأي يحيى بن حمزة في الأزهار الصافية شرح المقدمة الكافية ٣٤٦.

٣٨٧

التحذير

قوله : (الرابع التحذير) ، يعني ما حذف فعله وجوبا ، وهو ثالث القياسية ، وقد أجاز بعضهم إظهاره في المكرر فلا يكون منه. قوله : (وهو ضمير جنس) ، وخرج غير الضمير (١). قوله : (منفصل) خرج المتصل.

قوله : (معمول بتقدير (اتق)) خرج ما كان معمولا بغير اتق نحو قولك (إياك) لمن قال (من ضربت؟) وما كان معمولا لا بلفظ (اتق) كقولك : (إياك اتق).

قوله : (تحذيرا مما بعده) خرج نحو قولك (إياك) لمن قال : من أتقي؟ فإنه إخبار لا تحذير ، وتحذيرا مفعول له ، وعامله المصدر ، وهو قوله (بتقدير اتق) (٢).

قوله : (أو ذكر المحذر منه مكررا) عطف على قوله : (بتقدير اتق) يعني أنه إذا ذكر المحذر منه مكررا ، كان تحذيرا وجب حذف فعله على الصحيح (٣) لأنه قد قام أحد المكررين مقام الفعل ، نحو : (الطريق الطريق)

__________________

(١) ينظر شرح المصنف ٣٧.

(٢) ينظر شرح المصنف ٣٧ ، وشرح الرضي ١ / ١٨١. قال الرضي في شرحه ١ / ١٨١ : (تحذيرا مفعول له والعامل فيه المصدر أعني : (التقدير) أي بأن تقدر : اتق تحذيرا مما بعد ذلك المعمول).

(٣) ينظر شرح المصنف ٣٧ ، وشرح الرضي ١ / ١٨١.

٣٨٨

و (الأسد الأسد) (١) ، وأما إذا لم يكرره فالأجود ظهور فعله نحو قوله :

[٢٠٧] خل الطريق لمن يبنى المنار به

وأبرز ببرزة حيث اضطرت القدر (٢)

وإنما وجب حذف عامل التحذير لوجود القرينة وعدم الفرصة لخشية الوقوع في المهلة قبل تمام الكلام ، وقد اختلفت في كيفية الحذف ، فذهب الأكثرون : أن أصله (اتقك والأسد) بفعل متعد إلى واحد فكرهوا الجمع بين ضميري الفاعل والمفعول لشيء واحد فأتوا بالنفس ليتصل بها المفعول ، فصار (اتق نفسك والأسد) فحذفوا الفعل ، ولحقه الفاعل لما كان متصلا به ، ثم حذفوا النفس (٣) لزوال الموجب للإتيان بها ، وبقي الضمير اسما على حرف واحد فلم يمكن النطق به ، فأتوا بصيغة الانفصال ، فقالوا (إياك والأسد) ومعناه : اتق نفسك أن تتعرض للأسد والأسد أن يتعرض لنفسك والواو يحتمل أن تكون للمعية وأن تكون عاطفة (٤) قال نجم الدين : (٥) الأولى أن يقدر العامل متأخرا واصله (إياك

__________________

(١) قال السيوطي في الهمع ٣ / ٢٤ : (وإنما يلزم إضماره في إيا مطلقا نحو (إياك والشر) فالناصب لـ (إيا) فعل مضمر لا يجوز إظهاره ، ومع المكرر نحو : (الأسد الأسد) لأن أحد الاسمين قام مقام الفاعل ، ومع العاطف نحو (ناقة الله وسقياها) استغناء بذكر المحذر منه عن ذكر المحذر.

(٢) البيت من البسيط ، وهو لجرير في ديوانه ١ / ٢١١ ، ينظر الكتاب ١ / ٢٥٤ ، وشرح المفصل ٢ / ٣٠ ، وأوضح المسالك ٤ / ٧٨ ، واللسان مادة (برز ١ / ٢٥٥.

والشاهد فيه قوله : (خل الطريق) حيث أظهر العامل وهو (خل) في التحذير لأن المحذر منه غير مكرر ولا معطوف عليه ، ولو أضمره أي الطريق لكان صحيحا ...

(٣) أي بقي الفعل وقى في الأمر على حرف واحد وهو (ق).

(٤) ينظر : شرح المصنف ٣٧ ، والعبارة من قوله : (وذهب الأكثرون إلى ... وأن تكون عاطفة) منقولة بتصرف عن المصنف.

(٥) ينظر شرح الرضي ١ / ١٨٢ ، ولم تنقل العبارة كما هي وإنما بتصرف.

٣٨٩

باعد أونح) وجاز اجتماع ضميري الفاعل والمفعول لشيء واحد لأنه منفصل ، كما في (ما ضربت إلا إياك) وذهب أبو البقاء (١) والأندلسي : أن المقدر فعل يتعدى إلى اثنين ، أي (وقّ أو جنب نفسك الأسد) والواو يحتمل أن تكون زائدة ، أو بدل من حرف الجر ، كما قالوا (شاة ودرهم) أي (شاة بدرهم) وضعف بأن حرف العطف لا يكون زائدا ، وإبداله من حرف الجر شاذ. [و ٤٩]

قوله : (مثل إياك والأسد) يعني أن التحذير ثلاث صيغ ، الأولى بالواو نحو : إياك والأسد ، وإياك وإياه : قال الشاعر :

[٢٠٨] ولا تصحب أخا الجه

ل وإياك وإياه (٢)

الثانية بـ (من) ظاهرة أو مقدرة ، فالظاهرة نحو (إياك من الأسد) ومن (أن تحذف) ، والمقدر مع (أن) والفعل نحو : (إياك أن تحذف) لأن حروف الجر يجوز حذفها مع (أن) و (أنّ) قياسا لطولهما بالصلة (٣) ومحل (أن) والفعل قيل : جر ، وقيل : مفعول له ، وقيل : مفعول به.

الثالثة : التكرار : وهو أن يكون ظاهرا نحو : (الأسد الأسد) و (النار النار) ، ومضمرا متكلما ومخاطبا وغائبا ، نحو (إيّاي إيّاي) ، و (إيّاك إياك) ، (إياه

__________________

(١) أبو البقاء هو : عبد الله بن الحسين بن عبد الله بن الحسين الإمام محب الدين العكبري البغدادي الضرير النحوي الحنبلي من عكبرا توفي سنة ٦١٦ ه‍ صنف إعراب القرآن ، وإعراب الحديث ، وشرح الإيضاح ، وشرح أبيات الكتاب ، وإيضاح المفصل وغيرها ، ينظر ترجمته في البغية ٢ / ٣٨ ـ ٣٩.

(٢) البيت من الهزج وهو بلا نسبة في همع الهوامع ١ / ١٧٠ والدرر ٣ / ١٠.

والشاهد فيه قوله : (إياه) حيث جاء المحذر منه ضمير غائب معطوفا.

(٣) ينظر شرح الرضي فإن هذه العبارة منقولة عن الرضي بتصرف ١ / ١٨٣.

٣٩٠

إياه) ، وظاهرا مضافا إلى مضمر نحو : (نفسك نفسك) ، والمحذر المعطوف عليه لا يكون في الأغلب إلا ضميرا منفصلا مخاطبا ، نحو : (إياك والأسد) ، وظاهرا مضافا إلى مخاطب ، نحو : (رأسك والحائط) ، وقد يأتي قليلا للمتكلم نحو : (إياي والشر) ، وأقل منه الغائب نحو قولهم : (إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإياه الشوابّ) (١) والأكثر أن يكون ما بعد الواو موافقا للضمير في الخطاب والتكلم وقد يختلفان ، نحو قول عمر : (إياي وأن يحذف أحدكم الأرنب) (٢).

قوله : (مثل إياك والأسد) هذا مثال الواو. و (أن يحذف) لأن والفعل.

(والطريق الطريق) للمكرر.

قوله : (وتقول : إياك من الأسد ، ومن أن تحذف) يعني ذلك أن يأتي بـ (من) بدل الواو. (وإياك أن تحذف) بتقدير من.

قوله : (ولا تقول : إياك الأسد لامتناع تقدير من) يعني لا يجوز هذا المثال ، لأنه إن كان المقدر حرف العطف ، فحروف العطف لا تحذف (٣) ،

__________________

(١) هذا القول مشهور عند كثير من النحاة فقد رواه سيبويه عن الخليل في الكتاب ١ / ٢٧٩ قال :

وحدثني من لا أتهم عن الخليل أنه سمع أعرابيا يقول : (إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشوابّ).

والشواب مفردها شابه ، وينظر اللسان مادة (أيا) ١ / ١٦٨ ، وشرح الرضي ١ / ١٨١ وغيرها من الكتب.

(٢) هذا القول ينسب لعمر بن الخطاب رضي الله عنه عند ما أراد أن ينهى عن ضرب الأرنب بالعصى لأن ذلك يقتلها فلا تحل ، فقال : لنيك لكم الأسل والرماح والسهام وإياي وأن يحذف أحدكم الأرنب) ينظر شرح الرضي ١ / ١٨١ ، وشرح المفصل ٢ / ٢٦ ، والتصريح على التوضيح ٢ / ١٩٤.

(٣) ينظر شرح المصنف ٣٧. قال : لأن حروف العطف لا تحذف ، فإن استقر ذلك ظهر الفرق بين إياك من أن تحذف وإياك من الأسد ، وإن حمل إياك الأسد في الجواز على إياك أن تحذف ـ فخطأ ، لأن حرف الجر لا يحذف عن باب الأسد ويحذف عن باب أن ، وحذف حرف العطف ممتنع مطلقا) ...

٣٩١

وإن كان (من) فهي لا تحذف إلا مع أن والفعل قياسا لطولها بصلتها ، وفيما عداه من الأسماء الصريحة نحو (استغفرت الله ذنبا) (١) سماعا ، وأجاز طاهر (٢) وأبو البقاء حذفه ، واحتجوا بقوله :

[٢٠٩] إيّاك إيّاك المراء فإنه

إلى الشر دعّاء وللشر جالب (٣)

وهو ضعيف لوجوه أحدها ، إنه لضرورة الشعر.

الثاني : على خلاف القياس ، واستعمال الفصحاء.

الثالث : قال الخليل : (٤) إن إيّاك إياك من المكرر وهو مستقل ، والمراء كلام آخر منصوب بفعل مقدر ، أي : دع المراء.

الرابع : إن (من) مقدرة ، والمراء مصدر بمعنى أن تماري.

وقد ترك المصنف بابا آخر يجب حذف فعله وهو الإغراء (٥) وله ثلاث

__________________

(١) ينظر شرح الرضي في توجيه هذا القول ١ / ١٨٣.

(٢) ينظر شر المقدمة المحسبة ٢ / ٣٦٠.

(٣) البيت من الطويل ، وهو للفضل بن عبد الرحمن في خزانة الأدب ٣ / ٦٣ ، وله ولغيره ، ينظر الكتاب ١ / ٢٧٩ ، والمقتضب ٣ / ٢١٣ ، والخصائص ٣ / ١٠٢ ، وشرح المفصل لابن يعيش ٢ / ٢٥ ، وشرح المصنف ٣٧ ، وأمالي ابن الحاجب ٢ / ٦٨٦ ، وشرح الرضي ١ / ١٨٣ ، ورصف المباني ٢١٦ ، واللسان مادة (أيا) ١ / ١٨٨ ، ومغني اللبيب ٨٩٠.

والشاهد فيه قوله : (المراء) حيث نصبه بعد إياك مع حذف حرف العطف وهو ضعيف لوجوه ذكرها الشارح.

(٤) هذا التعليق على الشاهد منقول من شرح المصنف ٣٧ بتصرف دون عزو ، وينظر رأي الخليل في الكتاب ١ / ٢٧٩.

(٥) هذه العبارة منقولة عن الرضي في ١ / ١٨٣ مع التفصيل من الشارح دون عزو إلى الرضي.

٣٩٢

صيغ : أحدها : التكرار نحو (الجنة الجنة السّنة السّنة) قال :

[٢١٠] أخاك أخاك إن من لا أخا له

كساع إلى الهيجا بغير سلاح (١)

الثانية : اسم ظاهر مضاف إلى مضمر نحو (شأنك والحج) أي الزم.

الثالثة : الجار والمجرور نحو : (عليك زيدا) و (إليك بكرا) و (دونك زيدا) والعلة في حذف فعله كعلة التحذير.

__________________

(١) البيت من الطويل ، وهو لمسكين الدارمي في ديوانه ٢٩ ، وله ولغيره. وينظر الكتاب ١ / ٢٥٦ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ١٢٧ ، والخصائص ٢ / ٤٨٠ ، وشرح الرضي ١ / ١٨٣ ، وشرح شذور الذهب ٢٤٧ ، وخزانة الأدب ٣ / ٦٥ ـ ٦٧.

والشاهد فيه قوله : (أخاك أخاك) فإن الشاعر ذكرهما على سبيل الإغراء وإضمار العامل إذا كرر المغرى به فالأول بفعل إلزم والثاني توكيد له.

٣٩٣

المفعول فيه

قوله : (المفعول فيه) هذا ثالث الحقيقية ، وحقيقته قوله : (ما فعل فيه فعل) جنس للحد ، ودخل فيه يوم الجمعة حسن فإنه لا بد أن يفعل فيه فعل ، لكنك لم تذكره لا لفظا ولا تقديرا فلم يكن في اصطلاحهم مفعولا فيه (١).

قوله : (مذكور) خرج (ما) دخل. قوله : (من زمان أو مكان) تقسيم بعد تمام الحد فالزمان ما دل عليه الفعل بصيغته ، وهو مالا حد له على التحقيق كأسماء الأيام والليالي والساعات ونحوها ، وعددها نحو : (سرت عشرين يوما) (فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً)(٢) وكذلك ما قام مقامه مما حذف قبله اسم الزمان وكان مضافا ، نحو : (سرت قدوم الحاج ، وخفوق النجم) (٣) ، والصفة نحو : (سرت طويلا) أي زمانا طويلا [ظ ٤٩] والمكان

__________________

(١) ينظر شرح المصنف ٣٨ ، وشرح الرضي ١ / ١٨٣.

(٢) الأعراف ٧ / ١٤٢ وتمامها : (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً.)

(٣) أي بمعنى مغيبة (أي بمعنى وقت خفوق النجم ، وقال ابن يعيش في شرح المفصل ٢ / ٤٤ ـ ٤٥ :

(أي فعلته خفوق النجم وصلاة العصر ، وقت خفوق النجم ووقت صلاة العصر فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، واختص هذا التوسع بالأحداث لأنها منقضية كالأزمنة ، وليست ثابتة كالأعيان فجاز جعل وجودها وانقضائها أوقاتا للأفعال وظروفا لها كأسماء الزمان).

٣٩٤

ما دل عليه بلازمه ، وهو ما يشغل الجسم من الحيز نحو أسماء الأمكنة والجهات وعددها (١) ، نحو : (سرت عشرين ميلا وفرسخا وبريدا) ، وكذلك ما قام مقامهما مما كانت مضافة إليه ، وحذفت نحو : هو مني مناط الثريا (٢) ، ومقعد الخاتن (٣) ، ومزجر الكلب (٤) ، أو كان صفة لها ، نحو : (قعدت قريبا منك) و (بعيدا منك) أي مكانا وظرف الزمان ينقسم إلى متصرف و (غير) متصرف ، كاليوم والشهر ويعني بالتصرف : جواز انتقاله من الظرفية وبعواقب (٥) العوامل عليه ، وبالمتصرف دخول الجر والتنوين ولا منصرف كـ (سحر) فهو غير منصرف للعلمية والعدل ، ولم يتصرف لأنه لم يستعمل إلا ظرفا منصوبا ومتصرف وغير متصرف نحو (ضحى وعتمه وعشية) لغير معينة و (ذات مرة) و (بعيدات بين) (٦) فهذه لازمة للظرفية ، ومتصرف وغير متصرف نحو (بكرة وغداة) والبكرة يومك وغداته ، فهي لا تصرف

__________________

(١) ينظر شرح المفصل ٢ / ٤٠ وما بعدها ، وشرح الرضي ١ / ١٨٤ ، والجهات الست هي : أمام وخلف ويمين وشمال وفوق وتحت.

(٢) مناط الثريا أي في البعد ، وقيل أي بتلك المنزلة فحذف الجار ، ينظر اللسان مادة (نوط) ٦ / ٤٥٧٧ ، والكتاب ١ / ٤١٣ ـ ٤١٤.

(٣) مقعد الخاتن قال سيبويه : هو مني مقعد القابلة أي في القرب ، يريد بتلك المنزلة (ينظر مادة (قعد) ٥ / ٣٦٨٦ في اللسان ، والكتاب ١ / ٤١٣.

(٤) مزجر الكلب : قال سيبويه : وقالوا هو مني مزجر الكلب أي بتلك المنزلة ، فحذف وأوصل ، وهو من الظروف المختصة التي أجريت مجرى غير المختصة ، (ينظر اللسان مادة (زجر) ٣ / ١٨١٣ ، والكتاب ١ / ٤١٣.

(٥) وقد يكون خطأ من الناسخ وأظنها تعاقب لأن عواقب جمع عاقبة وفي شرح المفصل قوله :

(ما جاز أن تعتقب عليه العوامل) ١ / ٤٠.

(٦) قال الرضي ومن المعربة غير المتصرفة بعيدات بين وذات مرة وذات يوم وذات ليلة ...) ١ / ١٨٧.

وبعيدات بين أبو عبيد يقال : لقيته بعيدات إذا لقيته بعد حين ، وقيل بعيدات حين أي بعيد فراق وذلك إذا كان الرجل يمسك عن إتيان صاحبه الزمان ثم يأتيه ثم يمسك عنه نحو ذلك أيضا ثم يأتيه (ينظر اللسان مادة (بعد) ١ / ٣١١.

٣٩٥

للعلمية والتأنيث ومتصرفة لأنك تقول : (أعجبتني غداة يومك).

قوله : (وشرط نصبه تقدير (في)) (١) لأنها إذا لم تقدر وتعدى الفعل بنفسه كان مفعولا به صريحا ، وإن ظهرت كان مجرورا ، وإلا لزم أن يكون مجرورا أو منصوبا في حالة واحدة ، وهو محال. والعامل في الظرف الفعل أو معناه بواسطة الحرف وهو (في) سواء صح ظهورها نحو (صليت مكانك) ، أم لم يصح نحو : (صليت عندك) أو (معك) لأن كثيرا من المقدرات العاملة ، لا تظهر ، كباب النداء ، وما أضمر عامله. هذا مذهب البصريين (٢) ، وذهب الكوفيون إلى أن ما كان العمل في جميعه نحو (صمت يوما) فهو مفعول به أو مشبها بالمفعول به ، والأحسن الرفع ، تقول : (الصوم اليوم) وإذا لم يعم فالنصب أولى تقول : (الصلاة اليوم) ، وإذا أخبرت عن أيام الأسبوع فالرفع واجب إلا في السبت والجمعة في معنى القطع ، والجمعة في معنى الاجتماع. فتقول : الأحد اليوم ، والسبت اليوم ، والجمعة اليوم بالنصب ، وكذلك حفرت وسط الدار بئرا ، إذا أردت حفر جميع الوسط ، كان مفعولا به وكانت السين مفتوحة ، وإن أردت نقطة البيكار كان ظرفا وكانت السين ساكنة (٣).

__________________

(١) قال الرضي في شرحه ١ / ١٨٣ ـ ١٨٤ : ويعني أن المفعول فيه ضربان ، ما يظهر فيه (في) وما ينتصب بتقديره ، وشرط نصبه تقديره ، وأما إذا ظهر فلا بد من جره ، وهذا خلاف اصطلاح القوم ، فإنهم لا يطلقون المفعول فيه إلا على المنصوب بتقدير في فالأولى أن يقال : هو المقدر بفي من زمان أو مكان فعل فيه فعل مذكور ...).

وينظر شرح المصنف ٣٨ ، وشرح المفصل ٢ / ٤٥ ، قال المصنف : (لأنها إذا وجدت وجب الخفض بها فإذا حذفت تعدى الفعل فنصب) ٣٨.

(٢) ينظر رأي البصريين والكوفيين في الإنصاف ١ / ٢٤٥ وما بعدها.

(٣) قال المبرد : وتقول : وسط رأسك دهن يا فتى لأنك أخبرت أنه استقر في ذلك الموضع ـ فأسكنت السين ونصبت لأنه ظرف) ينظر المقتضب ٤ / ٣٤١ ، والأصول في النحو ١ / ٢٠١.

٣٩٦

قوله : (وظروف الزمان كلها تقبل ذلك) يعني تقبل تقدير (في) سواء كان الزمن مبهما نحو : (وقت) و (حين) أو مختصا معرفة (١) ، كاليوم والشهر أم نكرة كيوم وشهر ، والمبهم مالا حد له يحصره ، والمختص ما له حد يحصره ، فتقول : (صليت وقتا) في وقت ويوم الجمعة ، وفي يوم الجمعة إن شئت أتيت بفي ظاهره أو مقدرة ، وإنما تعدى إليه الفعل بنفسه لقوة دلالته عليه كدلالته على المصدر فكما يلتبس المصدر بنفسه معرفة كان أو نكرة تنصب ظرف الزمان مبهما كان أو معينا لأنه يدل عليه بصيغته وضرورته.

قوله : (و [ظرف](٢) المكان إن كان مبهما قبل) (٣) يعني قبل تقدير في ، فتقول صليت خلفك ، وفي خلفك ، وإنما قبل لأنه أشبه الزمان في دلالته لأن الفعل مستلزم لمكان من الأمكنة كاستلزامه للزمان.

__________________

(١) ينظر شرح المصنف ٣٨ ، وقال : (أي يصح أن تنتصب بتقدير في من غير تفصيل).

قال الرضي : وظروف الزمان كلها أي مبهمها ومؤقتها يقبل ذلك أي يقبل النصب بتقدير في والمبهم من الزمان هو الذي لا حد له يحصره معرفة كان أو نكرة كحين وزمان والحين والزمان والمؤقت منه ما لا نهاية تحصره سواء كان معرفة أو نكرة كيوم وليلة وشهر ويوم الجمعة وليلة القدر وشهر رمضان) ينظر شرح الرضي ١ / ١٨٤.

(٢) في الكافية المحققة و (ظروف) بدل (ظرف).

(٣) قال الرضي : (... اختلف في تفسير المبهم من المكان فقيل هو النكرة وليس بشيء لأن نحو : جلست خلفك وأمامك منتصب بلا خلاف على الظرفية). الرضي ١ / ١٨٣.

وقال المصنف في شرحه ٣٨ : (وظروف المكان إن كان مبهما قبل النصب بتقدير في وإن لم يكون مبهما لم يقبل والنظر فيما هو المبهم. وقال الأكثرون المبهم ما كان للجهات الست والمعين ما سواه فما جاء منصوبا بتقدير في من غير ذلك فهو عندهم مسموع غير قياسي.

وقال قوم الأمكنة الواقعة ظروفا من غير الجهات الست كثيرة فينبغي أن تضبط بغير ذلك ، فقالوا : المبهم كل مكان كان له اسمه لأمر لا يدخله في مسماه والمعين خلافة).

٣٩٧

قوله : (وإلا لم يقبل) (١) وهو المختص ، بل يجب ظهور (في) ، فتقول : صليت في المسجد ، وإنما وجب ظهورها لعدم دلالة الفعل على الأمكنة المعينة فلم يقو للتعدي بنفسه ، وإنما برزت (في) مع الزمان والمكان فهي الظرف وما بعدها لا يسمى إلا مجرورا ، وإن لم يبرز في أيهما ، كان هو الظرف.

قوله : (وفسّر المبهم بالجهات الست) يعني لما كان المبهم يقبل تقدير في ، بخلاف المختص احتيج إلى تمييز كل واحد منهما وقد اختلف فيه ، فمنهم من عد المبهم بالجهات الست ، وما حمل عليها نحو : [و ٥٠] (قدام وتجاه) على أمام ، ووراء على خلف ، وأعلى على فوق وأسفل على تحت ، ويسار على شمال وأما يمين فلا يحمل عليه شيء ، وما عداها مختص ، ومنهم من حده فقال : المبهم ما كان له اسم باعتبار أمر غير داخل في مسماه (٢) ، فقوله : (كل ما كان له) يعني المبهم اسم وهي خلف ووراء ونحوها باعتبار أمر ، وهو الشخص وهو غير داخل في مسماها ، والمختص ما كان له اسم باعتبار أمر داخل في مسماه ، فقوله : (كل ما كان له) يعني المختص اسمه ، وهو الدار باعتبار أمر وهي الحيطان وهي داخلة في مسماه ممن عدّ (٣) ، وردّ عليه : بريد وفرسخ ، وقيل إنها من المبهم ، ومن حدّ فقد دخلت ، وأما من جعلها من المختص لم يرد على من حدّ أو عدّ لأنها عنده لها اسمها باعتبار أمر ، وهو ذرعها ، وهو داخل في مسماها.

__________________

(١) في الكافية المحققة قوله و (إلا فلا) بدل (لم يقبل).

(٢) هذه العبارة نسبها الرضي إلى المصنف وهي في شرحه ٣٨ ، وعند الرضي ١ / ١٨٤ ، ولم ينسبها الشارح إلى أي منهما.

(٣) ينظر شرح الرضي ١ / ١٨٤.

٣٩٨

قوله : (وحمل عليه عند ولدى) أي على المبهم في تقدير (في) على من فسره بالجهات الست ، وأما من حدّ فقد دخلا ، هما وشبههما (١) ، وإنما حملا عليه لإبهامهما ، لأنهما يصلحان لجميع المبهمات التي أضيفتا إليها ، والفرق بين (عندي) و (لدى) ، أن لديّ لما كان في ملكك إذا حضر ، وعند لما كان في ملك حضر أو غاب.

قوله : (وشبههما) [لإبهامهما](٢) وذلك نحو (دون) و (بين) و (مع) و (وسط) و (ناحية) و (جهة) وإنما حملت على المبهم لمشابهتها للجهات الست في الإبهام.

قوله : (ولفظ مكان لكثرته) (٣) حمل لفظ مكان لإبهام فيه ، لأن قولك : جلست مكان زيد معين ، وكذلك ما بمعناه ، نحو منزل ، وموضع ، وصفاتها ، نحو (قريبا وبعيدا) قال الوالد : والأولى أنه أشبه المبهم لكونه لغير معين.

قوله : (وما بعد : دخلت) (٤) يعني مما حمل على المبهم في تقدير (في) من المعين وذلك نحو : دخلت وسكنت ونزلت نقول (دخلت الدار)

__________________

(١) قال الرضي في ١ / ١٨٤ : ويدخل في الجهات الست هو عند ولدى ووسط وبين وإزاء وحذاة وحذة وتلقاء وما هو بمعناها ، وستثنى من المبهم جانب وما بمعناه من جهة ووجه وكنف وذرى ، فإنه لا يقال زيد جانب عمرو وكنفه ، بل في جانبه أو إلى جانبه ، وكذا خارج الدار ، فلا يقال : زيد خارج الدار كما قال سيبويه : بل من خارجها.

(٢) ما بين الحاصرتين زيادة من الكافية المحققة.

(٣) قال الرضي في ١ / ١٨٦ : (وكذا لفظ الموضع والمقام ونحوه بالشرط المذكور في الكل وهو انتصابه بما فيه معنى الاستقرار).

(٤) وزاد الرضي سكنت ونزلت قال في ١ / ١٨٦ : اعلم أن دخلت وسكنت ونزلت تنصب على الظرفية كل مكان دخلت عليه مبهما كان أو لا نحو : دخلت الدار ، ونزلت الخان ، وسكنت الغرفة وذلك لكثر استعمال هذه الأفعال الثلاثة).

٣٩٩

وسكنت الخان ، ونزلت السوق ، ولا نأتي بـ (في) ظاهرة لكثرة استعمال هذه الثلاثة بخلاف غيرها من المعين وكذلك قولهم : (ذهبت الشام) (١) فقط دون ذهبت اليمن ، فلا بد فيه من (في) ظاهرة ، والفراء (٢) أجاز حذفها في جميع الأماكن مع ذهبت مطلقا ودخلت مطلقا.

قوله : (في الأصح) (٣) إشارة إلى الخلاف فيما بعد هذه الثلاثة ، فقال سيبويه وأصحابه (٤) إن ما بعدها منتصب على الظرفية بواسطة في إلا أنه حذف لكثرة الاستعمال ، ولا تعدى بنفسها ، بل هي لازمة ، والدليل على لزومها ، أن نظيرها وهو غرت (٥) ، ونقيضها وهو خرجت لازمان والشيء يحمل على نقيضه ، كما يحمل على نظيره ، ولأن مصدرها فعول ، وهو مصدر اللازم ، نحو : (شكور قليل) ، وقال الجرمي : (٦) إنّ (دخلت) متعد بنفسه وما بعده مفعول به ، لا فيه ، وأما ذهبت الشام (٧) ، فانتصاب الشام على الظرفية اتفاقا ، لأن (ذهبت) لازم.

__________________

(١) ينظر شرح الرضي ١ / ١٨٦ ، والكتاب ١ / ٣٥ ، والهمع ٣ / ١٥٣. وقال سيبويه في الكتاب ١ / ٣٥ :

قعدت المكان الذي رأيت وذهبت وجها من الوجوه ، وقد قال بعضهم : ذهبت الشام يشبهه بالمبهم ، إذا كان مكانا يقع عليه المكان والمذهب ، وهذا شاذ ، لأنه ليس في ذهب دليل على الشام ، وفيه دليل على المذهب والمكان ، ومثل ذهبت الشام دخلت البيت.

(٢) ينظر الهمع ٣ / ١٥٣.

(٣) في الكافية المحققة (على) بدل (في).

(٤) ينظر الكتاب ١ / ٣٥ ، وشرح الرضي ١ / ١٨٦.

(٥) غرت من الإغارة ، قال الجرمي فيما نقله عنه الرضي : دخلت متعد فما بعده مفعول به لا مفعول فيه) ١ / ١٨٦. وقال الرضي في الصفحة نفسها : والأصح أنه لازم ، ألا ترى أن غير الأمكنة بعد دخلت يلزمها (في) نحو (دخلت في الأمر ، ودخلت في مذهب فلان) وهذا ما ذهب إليه سيبويه وأصحابه كما ذكر الشارح.

(٦) ينظر المصدر السابق.

(٧) ينظر الكتاب ١ / ٣٥ ، وشرح الرضي ١ / ١٨٦. إذ العبارة منقولة عنه بتصرف دون عزو له.

٤٠٠